نيجيريـا.. عندما تحكم الأقلية / أسامة نورالدين
التاريخ: 30/5/1432 الموافق 04-05-2011 | الزيارات: 111
حجم الخط: تكبير | تصغير المختصر / انتهت الانتخابات الرئاسية في نيجيريا والتى أسفرت عن فوز الرئيس غودلاك جوناثان بولاية ثانية، ولكن لم ينتهى العنف، الذي بدأ يتصاعد ثانية في نيجيريا بعد فترة من الهدوء، بسبب رفض المعارضة لنتائج تلك الانتخابات، واتهامها الحكومة والحزب الحاكم بتزويرها، لتبقى السيطرة والهيمنة للأقلية المسيحية التى تسعى للسيطرة والهيمنة على مقاليد الحكم في البلاد، والتى عمدت خلال الفترة الماضية لتهميش المسلمين الذين يشكلون أكثر من 50% من السكان حسب الإحصاءات الرسمية، وحرمانهم من تولى مناصب قيادية ووزارية في الحكومة الحالية، وذلك في مقابل دعم المسيحيين الذين انتشروا بشكل كبير في الولايات النيجيرية، وقاموا بارتكاب العديد من المجازر اللإنسانية ضد المسلمين، معتمدين في ذلك على امتلاكهم السلاح والمال والدعم الحكومي والغربي لسياساتهم العنصرية، إذ يملك المسيحيون في نيجيريا المؤسسات التعليمية الراقية التى يتعلم فيها النصاري فقط دون المسلمين، ويسيطروا على وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية، التى تنحاز بشكل سافر لهم، وتحاول أن لا تظهر تحيزهم ضد المسلمين، وتعمل على التمكين لهم ودفعهم للسيطرة على مقاليد الأمور لأطول فترة ممكنة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من توتر الأوضاع ومن حدة العنف المتصاعد في البلاد، والذي يروح ضحيته المئات من المسلمين، وسط غفلة من المجتمع الدولى الذي يعتبر ما يحدث من مجازر في أفريقيا أمر طبيعيى لا يستحق التوقف ولا النظر .
طوائف وعرقيات
تقع جمهورية نيجيريا الاتحادية التى تتكون من 37 ولاية بالإضافة إلى منطقة العاصمة الاتحادية "أبوجا" في غرب أفريقيا ، وهي أكبر الدول الإفريقية من حيث تعداد السكان، حيث تحتل المركز العاشر في العالم بواقع 150 مليون نسمة 50% منهم مسلمين، و40% مسيحيين، و10% ديانات أخرى.
وتوجد في نيجيريا أكثر من 600 مجموعة قبلية قومية، كما توجد عدة لغات تزيد عن 515 لغة أشهرها لغة الهوسا وبجانبها الفولانية، ثم لغة اليوربا ولغة الكانوري ولغة الإيبو، أما بقية اللغات فهي لغات محلية لا يزيد عدد المتحدثين بها عن المليون فرد.
وتتمثل أهم القبائل النيجيرية في قبيلة الهوسا والفولاني اللتان تتواجدان فى الإقليم الشمالي، وتشكلان حوالي 29 % من السكان، وقبيلة اليوربا فى الإقليم الغربي وتشكل حوالي 21% من السكان، وقبيلة الإيبو فى الإقليم الشرقي و تشكل 18% من عدد السكان، بالإضافة إلى عدد آخر من القبائل أبرزها: الإيجا ، والكانوري، والإيبيو.
وتضم نيجيريا أكثر من ثلث المسلمين في أفريقيا، وتتوزع النسبة الكبيرة من هؤلاء في مناطق شمال البلاد التي تقطنها قبائل الهوسا والفولاني حيث تبلغ نسبة المسلمين هناك 95%، ومناطق غرب البلاد التى تقطنها قبيلة اليوربا والتى تبلغ نسبة المسلمين فيها 50% .
الصراع الطائفي
يشير الخبراء والمحللون إلى أن تفجر الأوضاع في نيجيريا يرتبط بالعديد من العوامل أهمها العامل القبلي والعامل الطائفي، والنفط، وهذه العوامل تتداخل فيما بينها، مما يتسبب في اندلاع أعمال العنف والصراع من فترة لأخرى.
فقد حرص الاحتلال قبل رحيله على تكريس نظريات التجزئة والتفكيك والتفتيت، وذلك على حساب الوحدة والتقارب، مما ساهم في إيجاد حالة من الصراع بين الأقاليم، حيث ظهرت الثنائيات المتضادة (الجنوب مقابل الشمال، والشمال مقابل الشرق)، وأدى إلى ظهور نظام سياسي إقليمي قبلي، يعتمد على فيدرالية تقوم على أساس التعايش لا على أساس الانصهار الكامل.
وتعد عوامل الطائفية والقبلية التي أضفت على نفسها سمة أخرى ألا وهي الأقلية العرقية، والتي جاءت كنوع من أوراق الضغط الأكثر جذباً لنيل التعاطف سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، جزء من السيناريوهات المعدّة لتنفيذ مخططات التفكيك للبيت الشمالي الكبير والتي تستهدف ضرب الكثافة الإسلامية في نيجيريا من عمقها.
حيث انطلقت قبل عدة سنوات دعوات من رموز سياسيّة وزعامات قبليّة من ولايات الحزام الأوسط المحسوبة على الإقليم الشمالي المسلم، تدعو وتطالب بضرورة استقلال منطقة جديدة تسمى "إقليم الحزام الأوسط" للأقليات العرقيّة المسيحيّة، ووجد دعاة التفكيك والانقسام الفرصة متاحة ليؤكدوا مطالبهم من جديد مع تجدد موجات العنف الطائفي والقبلي في أنحاء متفرقة من البلاد، مدعين أنّها نتيجة مباشرة لعدم قدرة العناصر القبليّة المكونة للاتحاد الفيدرالي على تحقيق اندماج وطني حقيقي وتعايش سلمي فيما بينها، وليقولوا إن الاتجاه الوحدويّ والمركزية قد تمّت تجربتهما وفشلتا بشكل صارخ، وأنهما لم يدعما في الحقيقة الوحدة المنشودة بل دعما الفرقة والرغبة في الانشقاق.
وما يؤكد ذلك التصريحات المستفزة التي أدلى بها "أنبروس علي"، وهو جنرال عسكريّ متقاعد وزعيم سياسي بارز من جماعات الأقلية القبلية المسيحيّة في شمال البلاد، وذلك عقب مذبحة جماعية تعرضت لها مجموعة من عناصر قبيلة الهوسا الفولاني المسلمة قبل سنوات، إذ أعلن ذلك الجنرال "أنّ إقليم شمال نيجيريا لن يذوق الأمن والاستقرار حتى تستقل منطقة "الحزام الأوسط" عن البيت الشمالي الذي تسيطر عليه الأغلبيّة الهوساوية المسلمة" مضيفاً أن سكان منطقة الحزام الأوسط "قد أخذوا على غِرة ليعيشوا داخل البيت الشمالي قهراً على الرغم من وضوح التباين في هويتهم المسيحيّة، واختلاف أسلوب حياتهم الثقافيّة، ولذا؛ يجب عليهم الآن التحرك لتحرير أنفسهم وتولي قيادة نيجيريا".
ويعنى ذلك أن هناك محاولات حثيثة لتفتيت الإقليم الشمالي وإضعاف القوّة التأثيريّة والنفوذ القوي اللذين يتمتع بهما، وأن الأقلية المسيحية تعتمد في جهودها لتحقيق هذا الهدف على دعاوى التهميش ومحاولة المسخ الثقافي لهويتها لتكسب التعاطف المحلي والإقليمي والدولي.
وبالإضافة إلى ذلك يلعب النفط دورا كبيرا في تأجيج لهيب الصراعات العرقية والاضطرابات الدينية التي تشهدها نيجيريا، والتي ازدادت كثيراً في السنوات الأخيرة، إذ يرى كثير من النيجيريين وبخاصة علماء الاجتماع أن سوء توزيع العائدات النفطية تسبب في آثار اجتماعية سلبية على المجتمع النيجيري، زادت من حدة الصراع الطبقي.
وتلعب الشركات الأميريكية المحتكرة لاستخراج النفط النيجيري دوراً ملحوظاً في الاحتقان السياسي الذي تشهده البلاد، إذ تسبب سوء توزيع عائدات النفط واحتكارها في أيدي فئة قليلة العدد مرتبطة المصالح بالشركات الأميركية إلى قيام العمال بإضرابات كثيرة، وقيام مسلحين نيجيريين بشن هجمات على أنابيب النفط وخطف رهائن من العاملين الأجانب في هذه الشركات، الأمر الذي جعل قضية النفط أحد مسببات الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد جنبا إلى جنب مع الإرث القديم من الاضطرابات العرقية والصراعات الدينية.
الانتخابات والحكم
تراوحت الأوضاع في نيجيريا منذ الاستقلال وحتى اليوم بين الحكم العسكري والحكم المدني، إذ سيطر العسكر على الحكم في نيجيريا من عام 1966م إلى عام 1979م، قبل أن يعود الحكم المدنى إلى البلاد عام 1979.
وقد تخلل تلك الفترة حرباً أهلية في يناير 1966 م، حيث قام بعض ضباط الجيش (معظمهم من الإيبو) بالإطاحة بالحكومات المركزية والإقليمية، وقتلوا رئيس الوزراء أبا بكر تفاوا بليوا، وكلاً من رئيس وزراء الإقليمين الشمالي والغربي، واستولى اللواء جونسون أجويي إرونسي القائد العام للجيش، والذي ينتمي إلى قبائل الإيبو على السلطة. وفي يوليو 1966م ثار بعض ضباط الجيش من الشماليين على الحكومة، وقتلوا أجويي إرونسي وأصبح يعقوب جاوون (رئيس أركان الجيش) رئيسًا للحكومة العسكرية الجديدة، أعقب ذلك إعلان المنطقة الشرقية (مسيحية) نفسها دولة مستقلة باسم بيافرا، لكنها استسلمت للجيش فى 1970، وانتهت الحرب.
كما قامت مجموعة من ضباط الجيش في عام 1975م بالإطاحة بحكومة اللواء يعقوب جاوون، وأصبح اللواء مرتالا رامات محمد رئيسًا للدولة، إلا أنه قتل في انقلاب فاشل، وتولى بعده الفريق أول أوليسيجون أوباسانجو مقاليد الأمور في البلاد.
وفي عام 1979م تم انتخاب شيخو شاجاري رئيسًا مدنياً للجمهورية، وأعيد انتخابه عام 1983، إلا أنه لم يستمر طويلاً حيث أطاح به العسكريون، وأصبح الفريق أول محمد بهاري رئيسًا للحكومة العسكرية الجديدة، لكنه أطيح به في عام 1985م، وحل محله الفريق أول إبراهيم بابنْجيدا رئيسًا للحكومة العسكرية.
وجرت انتخابات في يونيو 1993م ، إلا أن بابنجيدا ألغى نتائجها، ثم قدم استقالته بعد أن عين حكومة انتقالية برئاسة أرنست شونيكان الذي استقال في نوفمبر 1993م فتسلم السلطة الجنرال ساني أباشا الذي توفي فى يونيو فجأة إثر نوبة قلبية وخلفه الرئيس أبو بكر عبد السلام.
وأجرت نيجيريا في عام 1999م انتخابات نيابية تمهيداً لعودة الحكم المدني، حيث فاز أوليسيجون أوباسانجو - الذي كان حاكماً عسكرياً للبلاد قبل عام 1979م- وتولى زعامة البلاد بوصفه حاكماً مدنياً هذه المرة، وخلفه عمر يار الذي أصيب بالمرض بعد المواجهات الدامية في مدينة "بوكو حرام" ، وظل لعدة أشهر يتلقى العلاج فى السعودية قبل أن يموت ويتولى الحكم نائبه غودلاك جوناثان الذي فاز في الانتخابات الأخيرة التى جرت في أبريل 2011 بعد أن حصل على ضعف أصوات منافسه تقريبا من الجولة الأولى.
إلا أن المعارضة قد رفضت نتائج تلك الانتخابات، بسبب المخالفات التى شهدتها في بعض المناطق التى حصلها فيها غودلاك على أكثر من 95% من الأصوات، وبسبب الاضطرابات والقلاقل التى شهدتها بعض المدن الشمالية وأدت للتأثير على الناخبين، مما أدى لتصاعد أعمال العنف في البلاد من جديد، بالرغم من محاولات رئيس الحكومة والمعارضة تهدئة الأمور.
والحقيقة أن نتائج تلك الانتخابات، والأحداث المترتبة عليها، تشير لاحتمال تزايد أعمال العنف في البلاد، بشكل قد يصعب معه السيطرة على الأمن والاستقرار في نيجيريا، وذلك للعديد من الأسباب أهمها:
أولاً: انحياز الرئيس غودلاك جوناثان لطائفته المسيحية، وتفضيلهم على المسلمين في الوظائف العامة والخاصة، وفشله في الحد من المجازر الطائفية التى حدثت في الفترة الأخيرة، فضلاً عن افتقاد الطائفة المسلمة للثقة في مؤسسة الرئاسة التى ظلت لفترات طويلة تعمل ضد مصالح المسلمين.
ثانياً: سيطرة المسيحيين على المؤسسات الاقتصادية والإعلامية والتعليمية في البلاد، وقيامهم بتوجيه دفة الأمور بما يخدم سيطرتهم وهيمنتهم على مقاليد الأمور في البلاد.
ثالثاً: الانحياز الغربي المطلق للمسيحيين في نيجيريا، وقيامهم بتوفير الدعم المادي والمعنوي للسلطات الحاكمة، من أجل التمكين للمسيحيين في مختلف مؤسسات وهيئات الدولة، وتوفير البيئة الخصبة للكنائس الغربية لتقوم بمهامها التنصيرية في صفوف المسلمين بشكل جيد.
رابعاً: ضعف المسلمين وتشتتهم، وعدم قدرتهم على مواجهة المتطرفين النصاري المزودين بالمال والسلاح، والذين يقومون بالحد من انتشار المسلمين في الولايات النيجيرية، من خلال ارتكاب المجازر الإنسانية ضدهم، مثلما حدث مؤخراً عندما تم قتل أكثر من مائتى مسلم، بسبب رغبتهم في بناء مسجد.
خامساً: سيطرة الشركات الغربية وخاصة الأمريكية على حقول النفط في نيجيريا، وقيامها بتوزيع عائداته، بطريقة تعمق من الصراعات الطائفية والعرقية في البلاد.
ويعنى ذلك أن الأمور في نيجيريا غير مرشحة للاستقرار خلال الفترة القادمة، خاصة في ظل استمرار سياسات التهميش والعنصرية التى يتبعها الغرب والتى تنفذها الحكومة الحالية، والتى من شأنها أن تزيد من وتير العنف في البلاد، وبشكل قد يحدث المزيد من المجازر الإنسانية ضد الطائفة المسلمة في نيجيريا، وذلك كله وسط غفلة من المجتمع الدولى المنشغل بالصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، والذي قد يفاجأ في أي لحظة بتكرار النموذج السوداني في نيجيريا وانقسامها إلى شمال وجنوب.
.....................
باحث دكتوراة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
المصدر: علامات أونلاين
أضف تعليقك | طباعة | أرسل لصديق
التاريخ: 30/5/1432 الموافق 04-05-2011 | الزيارات: 111
حجم الخط: تكبير | تصغير المختصر / انتهت الانتخابات الرئاسية في نيجيريا والتى أسفرت عن فوز الرئيس غودلاك جوناثان بولاية ثانية، ولكن لم ينتهى العنف، الذي بدأ يتصاعد ثانية في نيجيريا بعد فترة من الهدوء، بسبب رفض المعارضة لنتائج تلك الانتخابات، واتهامها الحكومة والحزب الحاكم بتزويرها، لتبقى السيطرة والهيمنة للأقلية المسيحية التى تسعى للسيطرة والهيمنة على مقاليد الحكم في البلاد، والتى عمدت خلال الفترة الماضية لتهميش المسلمين الذين يشكلون أكثر من 50% من السكان حسب الإحصاءات الرسمية، وحرمانهم من تولى مناصب قيادية ووزارية في الحكومة الحالية، وذلك في مقابل دعم المسيحيين الذين انتشروا بشكل كبير في الولايات النيجيرية، وقاموا بارتكاب العديد من المجازر اللإنسانية ضد المسلمين، معتمدين في ذلك على امتلاكهم السلاح والمال والدعم الحكومي والغربي لسياساتهم العنصرية، إذ يملك المسيحيون في نيجيريا المؤسسات التعليمية الراقية التى يتعلم فيها النصاري فقط دون المسلمين، ويسيطروا على وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية، التى تنحاز بشكل سافر لهم، وتحاول أن لا تظهر تحيزهم ضد المسلمين، وتعمل على التمكين لهم ودفعهم للسيطرة على مقاليد الأمور لأطول فترة ممكنة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من توتر الأوضاع ومن حدة العنف المتصاعد في البلاد، والذي يروح ضحيته المئات من المسلمين، وسط غفلة من المجتمع الدولى الذي يعتبر ما يحدث من مجازر في أفريقيا أمر طبيعيى لا يستحق التوقف ولا النظر .
طوائف وعرقيات
تقع جمهورية نيجيريا الاتحادية التى تتكون من 37 ولاية بالإضافة إلى منطقة العاصمة الاتحادية "أبوجا" في غرب أفريقيا ، وهي أكبر الدول الإفريقية من حيث تعداد السكان، حيث تحتل المركز العاشر في العالم بواقع 150 مليون نسمة 50% منهم مسلمين، و40% مسيحيين، و10% ديانات أخرى.
وتوجد في نيجيريا أكثر من 600 مجموعة قبلية قومية، كما توجد عدة لغات تزيد عن 515 لغة أشهرها لغة الهوسا وبجانبها الفولانية، ثم لغة اليوربا ولغة الكانوري ولغة الإيبو، أما بقية اللغات فهي لغات محلية لا يزيد عدد المتحدثين بها عن المليون فرد.
وتتمثل أهم القبائل النيجيرية في قبيلة الهوسا والفولاني اللتان تتواجدان فى الإقليم الشمالي، وتشكلان حوالي 29 % من السكان، وقبيلة اليوربا فى الإقليم الغربي وتشكل حوالي 21% من السكان، وقبيلة الإيبو فى الإقليم الشرقي و تشكل 18% من عدد السكان، بالإضافة إلى عدد آخر من القبائل أبرزها: الإيجا ، والكانوري، والإيبيو.
وتضم نيجيريا أكثر من ثلث المسلمين في أفريقيا، وتتوزع النسبة الكبيرة من هؤلاء في مناطق شمال البلاد التي تقطنها قبائل الهوسا والفولاني حيث تبلغ نسبة المسلمين هناك 95%، ومناطق غرب البلاد التى تقطنها قبيلة اليوربا والتى تبلغ نسبة المسلمين فيها 50% .
الصراع الطائفي
يشير الخبراء والمحللون إلى أن تفجر الأوضاع في نيجيريا يرتبط بالعديد من العوامل أهمها العامل القبلي والعامل الطائفي، والنفط، وهذه العوامل تتداخل فيما بينها، مما يتسبب في اندلاع أعمال العنف والصراع من فترة لأخرى.
فقد حرص الاحتلال قبل رحيله على تكريس نظريات التجزئة والتفكيك والتفتيت، وذلك على حساب الوحدة والتقارب، مما ساهم في إيجاد حالة من الصراع بين الأقاليم، حيث ظهرت الثنائيات المتضادة (الجنوب مقابل الشمال، والشمال مقابل الشرق)، وأدى إلى ظهور نظام سياسي إقليمي قبلي، يعتمد على فيدرالية تقوم على أساس التعايش لا على أساس الانصهار الكامل.
وتعد عوامل الطائفية والقبلية التي أضفت على نفسها سمة أخرى ألا وهي الأقلية العرقية، والتي جاءت كنوع من أوراق الضغط الأكثر جذباً لنيل التعاطف سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، جزء من السيناريوهات المعدّة لتنفيذ مخططات التفكيك للبيت الشمالي الكبير والتي تستهدف ضرب الكثافة الإسلامية في نيجيريا من عمقها.
حيث انطلقت قبل عدة سنوات دعوات من رموز سياسيّة وزعامات قبليّة من ولايات الحزام الأوسط المحسوبة على الإقليم الشمالي المسلم، تدعو وتطالب بضرورة استقلال منطقة جديدة تسمى "إقليم الحزام الأوسط" للأقليات العرقيّة المسيحيّة، ووجد دعاة التفكيك والانقسام الفرصة متاحة ليؤكدوا مطالبهم من جديد مع تجدد موجات العنف الطائفي والقبلي في أنحاء متفرقة من البلاد، مدعين أنّها نتيجة مباشرة لعدم قدرة العناصر القبليّة المكونة للاتحاد الفيدرالي على تحقيق اندماج وطني حقيقي وتعايش سلمي فيما بينها، وليقولوا إن الاتجاه الوحدويّ والمركزية قد تمّت تجربتهما وفشلتا بشكل صارخ، وأنهما لم يدعما في الحقيقة الوحدة المنشودة بل دعما الفرقة والرغبة في الانشقاق.
وما يؤكد ذلك التصريحات المستفزة التي أدلى بها "أنبروس علي"، وهو جنرال عسكريّ متقاعد وزعيم سياسي بارز من جماعات الأقلية القبلية المسيحيّة في شمال البلاد، وذلك عقب مذبحة جماعية تعرضت لها مجموعة من عناصر قبيلة الهوسا الفولاني المسلمة قبل سنوات، إذ أعلن ذلك الجنرال "أنّ إقليم شمال نيجيريا لن يذوق الأمن والاستقرار حتى تستقل منطقة "الحزام الأوسط" عن البيت الشمالي الذي تسيطر عليه الأغلبيّة الهوساوية المسلمة" مضيفاً أن سكان منطقة الحزام الأوسط "قد أخذوا على غِرة ليعيشوا داخل البيت الشمالي قهراً على الرغم من وضوح التباين في هويتهم المسيحيّة، واختلاف أسلوب حياتهم الثقافيّة، ولذا؛ يجب عليهم الآن التحرك لتحرير أنفسهم وتولي قيادة نيجيريا".
ويعنى ذلك أن هناك محاولات حثيثة لتفتيت الإقليم الشمالي وإضعاف القوّة التأثيريّة والنفوذ القوي اللذين يتمتع بهما، وأن الأقلية المسيحية تعتمد في جهودها لتحقيق هذا الهدف على دعاوى التهميش ومحاولة المسخ الثقافي لهويتها لتكسب التعاطف المحلي والإقليمي والدولي.
وبالإضافة إلى ذلك يلعب النفط دورا كبيرا في تأجيج لهيب الصراعات العرقية والاضطرابات الدينية التي تشهدها نيجيريا، والتي ازدادت كثيراً في السنوات الأخيرة، إذ يرى كثير من النيجيريين وبخاصة علماء الاجتماع أن سوء توزيع العائدات النفطية تسبب في آثار اجتماعية سلبية على المجتمع النيجيري، زادت من حدة الصراع الطبقي.
وتلعب الشركات الأميريكية المحتكرة لاستخراج النفط النيجيري دوراً ملحوظاً في الاحتقان السياسي الذي تشهده البلاد، إذ تسبب سوء توزيع عائدات النفط واحتكارها في أيدي فئة قليلة العدد مرتبطة المصالح بالشركات الأميركية إلى قيام العمال بإضرابات كثيرة، وقيام مسلحين نيجيريين بشن هجمات على أنابيب النفط وخطف رهائن من العاملين الأجانب في هذه الشركات، الأمر الذي جعل قضية النفط أحد مسببات الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد جنبا إلى جنب مع الإرث القديم من الاضطرابات العرقية والصراعات الدينية.
الانتخابات والحكم
تراوحت الأوضاع في نيجيريا منذ الاستقلال وحتى اليوم بين الحكم العسكري والحكم المدني، إذ سيطر العسكر على الحكم في نيجيريا من عام 1966م إلى عام 1979م، قبل أن يعود الحكم المدنى إلى البلاد عام 1979.
وقد تخلل تلك الفترة حرباً أهلية في يناير 1966 م، حيث قام بعض ضباط الجيش (معظمهم من الإيبو) بالإطاحة بالحكومات المركزية والإقليمية، وقتلوا رئيس الوزراء أبا بكر تفاوا بليوا، وكلاً من رئيس وزراء الإقليمين الشمالي والغربي، واستولى اللواء جونسون أجويي إرونسي القائد العام للجيش، والذي ينتمي إلى قبائل الإيبو على السلطة. وفي يوليو 1966م ثار بعض ضباط الجيش من الشماليين على الحكومة، وقتلوا أجويي إرونسي وأصبح يعقوب جاوون (رئيس أركان الجيش) رئيسًا للحكومة العسكرية الجديدة، أعقب ذلك إعلان المنطقة الشرقية (مسيحية) نفسها دولة مستقلة باسم بيافرا، لكنها استسلمت للجيش فى 1970، وانتهت الحرب.
كما قامت مجموعة من ضباط الجيش في عام 1975م بالإطاحة بحكومة اللواء يعقوب جاوون، وأصبح اللواء مرتالا رامات محمد رئيسًا للدولة، إلا أنه قتل في انقلاب فاشل، وتولى بعده الفريق أول أوليسيجون أوباسانجو مقاليد الأمور في البلاد.
وفي عام 1979م تم انتخاب شيخو شاجاري رئيسًا مدنياً للجمهورية، وأعيد انتخابه عام 1983، إلا أنه لم يستمر طويلاً حيث أطاح به العسكريون، وأصبح الفريق أول محمد بهاري رئيسًا للحكومة العسكرية الجديدة، لكنه أطيح به في عام 1985م، وحل محله الفريق أول إبراهيم بابنْجيدا رئيسًا للحكومة العسكرية.
وجرت انتخابات في يونيو 1993م ، إلا أن بابنجيدا ألغى نتائجها، ثم قدم استقالته بعد أن عين حكومة انتقالية برئاسة أرنست شونيكان الذي استقال في نوفمبر 1993م فتسلم السلطة الجنرال ساني أباشا الذي توفي فى يونيو فجأة إثر نوبة قلبية وخلفه الرئيس أبو بكر عبد السلام.
وأجرت نيجيريا في عام 1999م انتخابات نيابية تمهيداً لعودة الحكم المدني، حيث فاز أوليسيجون أوباسانجو - الذي كان حاكماً عسكرياً للبلاد قبل عام 1979م- وتولى زعامة البلاد بوصفه حاكماً مدنياً هذه المرة، وخلفه عمر يار الذي أصيب بالمرض بعد المواجهات الدامية في مدينة "بوكو حرام" ، وظل لعدة أشهر يتلقى العلاج فى السعودية قبل أن يموت ويتولى الحكم نائبه غودلاك جوناثان الذي فاز في الانتخابات الأخيرة التى جرت في أبريل 2011 بعد أن حصل على ضعف أصوات منافسه تقريبا من الجولة الأولى.
إلا أن المعارضة قد رفضت نتائج تلك الانتخابات، بسبب المخالفات التى شهدتها في بعض المناطق التى حصلها فيها غودلاك على أكثر من 95% من الأصوات، وبسبب الاضطرابات والقلاقل التى شهدتها بعض المدن الشمالية وأدت للتأثير على الناخبين، مما أدى لتصاعد أعمال العنف في البلاد من جديد، بالرغم من محاولات رئيس الحكومة والمعارضة تهدئة الأمور.
والحقيقة أن نتائج تلك الانتخابات، والأحداث المترتبة عليها، تشير لاحتمال تزايد أعمال العنف في البلاد، بشكل قد يصعب معه السيطرة على الأمن والاستقرار في نيجيريا، وذلك للعديد من الأسباب أهمها:
أولاً: انحياز الرئيس غودلاك جوناثان لطائفته المسيحية، وتفضيلهم على المسلمين في الوظائف العامة والخاصة، وفشله في الحد من المجازر الطائفية التى حدثت في الفترة الأخيرة، فضلاً عن افتقاد الطائفة المسلمة للثقة في مؤسسة الرئاسة التى ظلت لفترات طويلة تعمل ضد مصالح المسلمين.
ثانياً: سيطرة المسيحيين على المؤسسات الاقتصادية والإعلامية والتعليمية في البلاد، وقيامهم بتوجيه دفة الأمور بما يخدم سيطرتهم وهيمنتهم على مقاليد الأمور في البلاد.
ثالثاً: الانحياز الغربي المطلق للمسيحيين في نيجيريا، وقيامهم بتوفير الدعم المادي والمعنوي للسلطات الحاكمة، من أجل التمكين للمسيحيين في مختلف مؤسسات وهيئات الدولة، وتوفير البيئة الخصبة للكنائس الغربية لتقوم بمهامها التنصيرية في صفوف المسلمين بشكل جيد.
رابعاً: ضعف المسلمين وتشتتهم، وعدم قدرتهم على مواجهة المتطرفين النصاري المزودين بالمال والسلاح، والذين يقومون بالحد من انتشار المسلمين في الولايات النيجيرية، من خلال ارتكاب المجازر الإنسانية ضدهم، مثلما حدث مؤخراً عندما تم قتل أكثر من مائتى مسلم، بسبب رغبتهم في بناء مسجد.
خامساً: سيطرة الشركات الغربية وخاصة الأمريكية على حقول النفط في نيجيريا، وقيامها بتوزيع عائداته، بطريقة تعمق من الصراعات الطائفية والعرقية في البلاد.
ويعنى ذلك أن الأمور في نيجيريا غير مرشحة للاستقرار خلال الفترة القادمة، خاصة في ظل استمرار سياسات التهميش والعنصرية التى يتبعها الغرب والتى تنفذها الحكومة الحالية، والتى من شأنها أن تزيد من وتير العنف في البلاد، وبشكل قد يحدث المزيد من المجازر الإنسانية ضد الطائفة المسلمة في نيجيريا، وذلك كله وسط غفلة من المجتمع الدولى المنشغل بالصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، والذي قد يفاجأ في أي لحظة بتكرار النموذج السوداني في نيجيريا وانقسامها إلى شمال وجنوب.
.....................
باحث دكتوراة في العلوم السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة
المصدر: علامات أونلاين
أضف تعليقك | طباعة | أرسل لصديق