ما هو الصبر,,طرق تحصيله ,, منزلته ,, أنواعه

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ندى الصباح الحمد لله على نعمة الاسلام اكتشف المزيد حول ندى الصباح
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 3 (0 أعضاء و 3 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ندى الصباح
    2- عضو مشارك
    • 23 ينا, 2010
    • 222
    • بدون
    • الحمد لله على نعمة الاسلام

    #16
    الصبر على المصيبة العامه - المصيبه الخاصه - المرض


    9- عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله (صلي الله عليه وسلم) عن الطاعون فأخبرها أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء فجعله الله تعالى رحمةً للمؤمنين فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد ) رواه البخارى
    ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون )
    و الطاعون قيل: أنه وباء معين
    وقيل : انه كان وباء عام يحل بالأرض فيصيب أهلها ويموت الناس منه و سواء كان خاصاً أو وباء عام مثل الكوليرا و غيرها فإن هذا الطاعون رجس و عذاب أرسله الله عز وجل ولكنه رحمة للمؤمن إذا نزل بأرضه وبقي فيها صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له فإن الله يكتب له مثل أجر الشهيد .
    و لهذا جاء في الحديث الصحيح عن عبد الرحمن بن عوف قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) :
    (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه و إذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه )
    والمعنى : إذا وقع الطاعون في أرض فإننا لا نقدم عليها لأن الإقدام عليها إلقاء بالنفس إلى التهلكة و لكنه إذا وقع في أرض ونحن فيها لا نخرج منها فراراً منه لأنك مهما فررت من قدر الله إذا نزل بالأرض فإن هذا الفرار لن يغني عنك من الله شيئاً .
    ( فاخبرها انه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على من يشاء ) أي من كافر أو عاصي بارتكاب كبيرة أو إصرار علي صغيرة .
    ( فجعل الله رحمة للمؤمنين ) أي من هذه الأمة
    قال الشيخ زكريا في حاشية البخاري : أي غير مرتكبي الكبائر
    و في حديث أبى عسيب عند أحمد : ( الطاعون شهادة للمؤمنين ورحمة لهم ورجس على الكافر ) وهو صريح في أن هذا الحكم خاص بالمسلمين
    أما إذا وقع الطاعون بالكفار فإنما هو عذاب يعجل لهم فى الدنيا قبل الآخرة
    أما العاصي من هذه الأمة (والمراد به مرتكب الكبائر) إذا هجم عليه الطاعون و هو مُصِر على المعصيه (لم يتب):
    قال ابن حجر في شرح صحيح البخاري : فانه يحتمل أن يقال انه لا يكرم بدرجة الشهادة لشئوم ما كان متلبساً به
    ،
    قال تعالى "(أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ"
    ( فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده ) أي التي وقع بها الطاعون ( صابراً ) أي غير منزعج ولا قلق بل مُسَلِماً لأمر الله راضياً بقضاءه .
    وهذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون ، وهو أن يمكث بالمكان الذي يقع به فلا يخرج فراراً منه .
    ( يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب له ) قيد آخر وهي جملة حالية تتعلق بالإقامة أي تصف حاله حين إقامته فلو أنه مكث و هو قلق أو متندم على عدم الخروج ظناً أنه لو خرج لما وقع به أصلاً ورأساً و أنه باقامته يقع به فهذا لا يحصل له أجر الشهيد و لو مات بالطاعون .
    ( إلا كان له مثل أجر الشهيد )
    قال النووي في دليل الفالحين : أي وإن مات بغير الطاعون .
    فإنه حيث كان موصوفاً بما أشار إليه الحديث من قصده ثواب الله و رجائه موعوده عارفاً أنه لو وقع فبتقدير الله وإن صُرف عنه فكذلك وهو غير متضجر لو وقع به معتمداً على ربه في حال صحته و سقمه كان له أجر الشهيد وإن مات بغير الطاعون كما هو ظاهر الحديث .
    و يؤيده رواية ( من مات في الطاعون فهو شهيد ) و لم يقل بالطاعون ، كذا لو وجد من اتصف بهذه الصفات ثم مات بعد انقضاء زمن الطاعون فان ظاهر الحديث أنه شهيد و نية المؤمن ابلغ من عمله أما من لم يتصف بالصفات المذكورة فان مفهوم الحديث انه لا يكون شهيداً و إن مات بالطاعون .

    * فوائد الحديث :
    1- وجوب الإيمان بالقدر خيره و شره ، فإن كل ما يقع في الكون بإذن الله و تقديره خيراً كان أو شراً .
    فالإنسان كلما كان إيمانه بأقدار الله أقوى كان صبره أتم وأكمل ، فإنك حين تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطئك لم يكن ليصيبك فسوف تستقبل أحداث الحياة بقلبٍ راضٍ مطمئن لاختيار الله وقضاءه لأنك تعلم أنه هو سبحانه الذي قدره عليك و لو شاء لصرفه عنك .
    2-قال ابن حجر: وفي الحديث: أن من رحمة الله بهذه الأمة المحمدية أن يجعل لهم العقوبة في الدنيا ولا ينافي ذلك أن يحصل لمن وقع به الطاعون أجر الشهادة.
    فقد أخرج الإمام احمد و صححه ابن حيان من حديث ابن عبيدة مرفوعاً :
    " القتل ثلاثة : رجل جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل فذاك الشهيد المفتخر في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة ، ورجل مؤمن قرف على نفسه من الذنوب والخطايا وجاهد بنفسه وماله فى سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل فانمحت خطاياه ، إن السيف محاء للخطايا . ورجل منافق جاهد بنفسه و ماله حتى يُقتل فهو في النار ، إن السيف لا يمحو النفاق" .
    فمنه نأخذ أن الشدائد والمصائب في الدنيا هي كفارة للمؤمن وليس الأمر كذلك للكافر أو الفاسق المصر على معاصيه المجاهر بها فإنها لا تكون كفارة لخطاياه وإنما عذاب في الدنيا قبل الآخرة .
    فكثير من المشهورين بالفسق المجاهرون به إذا مات الواحد منهم في صورة أعدها الشرع شهادة يعتقد الناس أنه مات شهيداً وهذا خطأ كما جاء في نفس الحديث السابق .

    -------------------------------------------

    10- عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " إن الله عز وجل قال : إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة " يريد عينيه . رواه البخاري
    هذا حديث قدسي لأنه صلى الله عليه و سلم رواه عن ربه سبحانه أنه قال:
    ( إذا ابتليت عبدي ) أي عاملته معاملة المبتلي أي المختبر والابتلاء يكون في الخير و الشر .
    ( بحبيبتيه) أي عينيه .
    ( فصبر ) علي فقدهما محتسباً لأجرهما مدخراً له عند الله تعالى .
    ( عوضته خيراً منهما ) أي بدلهما ، فهو كقوله ( أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ ) .
    ( الجنة ) أي مع الفائزين أو منازل مخصوصة منها .

    قال النووي : يريد النبي صلى الله عليه وسلم بحبيبتيه ( عينيه ) فخصهما بهذا الوصف لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه و قد أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال صلي الله علية و سلم : ( يقول الله عز وجل : من أذهبت حبيبتيه فصبر و احتسب لم أرض له ثواباً دون الجنة )
    ووجه هذا الجزاء أن فاقدهما حبيس فالدنيا سجنه حتي يدخل الجنة علي ما ورد في الحديث ( الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر )

    * فوائد الحديث :
    1- فيه تسلية كل مصاب يصبر و يحتسب بالجنة و الجنة تساوي كل الدنيا بل قال النبي صلي الله عليه وسلم : ( لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ) أي مقدار متر ، ولأن ما في الآخرة باق لا يفنى ولا يزول والدنيا فانية وزائلة .
    2- قال ابن عثيمين رحمه الله : واعلم أن الله سبحانه إذا قبض من الإنسان حاسة من حواسه فإن الغالب أن يعوضه في الحواس ما يخفف عليه ألم فقد هذه الحاسة التي فقدها .
    فالأعمي يمن الله عليه بقوة الإحساس والإدراك حتى أن بعض الناس إذا كان أعمى تجده في السوق يمشي و كأنه مبصر يحس بالمنعطفات في الأسواق وبالمنحدرات و المرتفعات .

    * ومنه تعلم أن الله سبحانه وتعالى عادة إذا ابتلي إنسان في شئ يعوضه في الدنيا بخير سواه ويعوضه في الآخرة بالأجر والثواب إذا صبر ، فإذا ابتلي الإنسان في جانب من جوانب حياته تجد هناك يسر في جانب آخر أكثر من غيره من الناس حتى لا يجمع عليه ما لا يطيق .
    - فإن كان ابتلاه في أهله بما يسوؤه فتجده يرزق بصديق وقتي يحبه ويأنس به ويخفف عنه .
    - وإذا ابتلي بالفقر يُعطي صحة وعافية ، و إذا ابتلي بكثرة الأولاد يُعطي المال .
    - وإذا ابتلي في أكثر جوانب حياته فانه يُعطي ديناً قوياً وإيماناً صادقاً إن كان من أهل الإيمان .
    أما إن كان من أهل الدنيا فانه يُعطي ويعوض بما لا يراه قلبه الميت ولكنه علي كل حال يستوفي حقه في الدنيا .

    ---------------------------------------

    11- عن عطاء بن رباح قال : قال لي ابن عباس :
    " ألا أُريك امرأة من أهل الجنة ؟ فقلت : بلي ، قال هذه المرأة السوداء أتت النبي (صلي الله عليه وسلم) فقالت : إني أصرع ، وإني أتكشف فادع الله تعالى لي ، قال: "إن شئت صبرت
    ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك " فقالت : أصبر ، فقالت : إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها
    " . متفق عليه

    ( ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ فقلت بلي ، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ) مخبرة عما نزل بها من غير تبرم ولا تضجر لأن البر يهدي إلي البر طالبة منه الدعاء برفع دائها .
    ( إني اصرع ) من الصرع و هي علة معروفه .
    ( وإني أتكشف ) من التفعل أي ينكشف بعض بدني من الصرع ، والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر .
    ( فادع الله لي ) أي برفع الصرع الناشئ عنه التكشف .
    ( قال إن شئت صبرت ) أي الصبر علي هذا الداء محتسبة الأجر عند الله .
    ( ولك الجنة ) جملة حالية أفادت فضل الصبر .
    ( وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ) أي يرفع عنك هذا الداء .
    ( فقالت ) مختارة للبلاء والصبر علية لجزيل الثواب المرتب عليه .
    ( أصبر ) أي على الصرع لأنه يرجع إلي النفس ولما كان التكشف راجعاً لحق الله تعالى إذ هي مأمورة بستر جميع البدن لكونه عورة قالت : ( إني أتكشف فادع الله لي أن لا أتكشف فدعا لها ) فهي من أهل الجنة بوعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم .

    * فوائد الحديث :
    1- من قوله (ألا أريك امرأة من أهل الجنة ) يقول ابن عثيمين رحمه الله :
    أهل الجنة قسمين :
    * قسم نشهد لهم بالجنة بأوصافهم .
    * وقسم نشهد لهم بالجنة بأعيانهم .
    أ- أما الذين نشهد لهم بالجنة بأعيانهم : هم الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم مثل العشرة المبشرون بالجنة وغيرهم ومثل هذه المرأة التي جاء ذكرها في الحديث فتقول مثلاً : نشهد بأن أبا بكر في الجنة ونشهد أن عمر في الجنة .
    ب-أما الذين نشهد لهم بالجنة بأوصافهم : فهم كل مؤمن متقي لله يعمل الصالحات نشهد له بالجنة ولكن لا نقطع بذلك ، فلا تقول فلان في الجنة لأنك لا تدري ما يختم له ولا تدري هل باطنه كظاهره فلا تشهد له بعينه ، فإذا مات رجل مشهود له بالخير نقول : نرجو أن يكون من أهل الجنة .

    2- قال ابن حجر : و في الحديث أن الصبر علي بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة .

    3- قال ابن حجر : و فيه دليل علي علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنجح وأنفع من العلاج بالعقاقير وأن تأثير ذلك وانفعال البدن عنه أعظم من تأثير الأدوية البدنية
    ولكن إنما ينجح بأمرين :
    أ‌- أحدهما من جهة المريض وهو : صدق القصد
    ب‌- الآخر من جهة المداوي : وهو قوة توجهه وقوة قلبه بالتقوى والتوكل .

    4- فيه بيان لفضيلة الحياء من المرأة وحرصها على الالتزام بما أمرها الله من الحجاب رغم أنها غير مقصرة باختيارها إلا إنها لم تستحل لنفسها التكشف وبحثت عن الشفاء من أجل ما يقع لها من التكشف أولاً وليس من أجل الخروج من بلاء الصرع فقط .
    لذلك قالت : ( إني اصرع وإني أتكشف ) مبينة أن أشد ما يؤلمها في الصرع هو مسألة التكشف وحين عرض عليها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصبر مقابل الجنة لم تجد نفسها معذورة في التكشف وترك التستر المأمورة به ، فطلبت منه أن يدعو لها حتى لا تتكشف .
    فانظر لحرصها علي أداء أمر الله وانظر إلى غيرها ممن يتكشفن بإرادتهن بل يتفنن في إظهار زينتهن ، فحق لمثل هذه المرأة المؤمنة أن يبشرها رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بالجنة ، وحق لغيرها ممن يبدين زينتهن باختيارهن أن يخبرهن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ويتوعدهن بأنهن لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها .

    تعليق

    • ندى الصباح
      2- عضو مشارك
      • 23 ينا, 2010
      • 222
      • بدون
      • الحمد لله على نعمة الاسلام

      #17
      صبر الأنبياء عبرة للمؤمنين عند مواجهة الابتلاء


      12 -عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كأني أنظر إلى رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يحكي نبياً من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ،
      يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ""
      . رواه البخاري

      (كأني انظر إلي رسول الله صلي الله عليه و سلم يحكي ) إشارة إلى كمال استحضاره للحكاية .
      (نبياً من الأنبياء ) هو نبي من المتقدمين و قد جري لنبينا مثله يوم أُحد .
      (ضربه قومه فأدموه )
      ( وهو ) أي ذلك النبي المحكى عنه .
      (يمسح الدم عن وجهه ، يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )

      يقول النووي : وفي هذه الجملة أنواع من الصبر و الحكم :
      الأول : أنه مسح دمه لئلا يصيب الأرض فيحل بهم البلاء .
      الثاني : أنه قابل جهلهم بفضله فدعا لهم بغفران ذنب تلك الجريمة منهم .
      الثالث : أنه اعتذر عن سوء فعلهم بعدم علمهم .

      * فوائد الحديث :
      ۱- فى الحديث وصف لما كان عليه الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم من الحلم والتصبر والعفو والشفقة على قومهم ودعائهم لهم بالهداية والغفران وعذرهم في جنايتهم على أنفسهم بأنهم لا يعلمون .
      ۲- فيه الصبر على الإيذاء الذي ينال الإنسان بسبب دعوته إلي الله .
      يقول ابن عثيمين رحمه الله : هذا غاية ما يكون من الصبر لأن الإنسان لو ضرب على شئ من الدنيا لاستشاط
      غضباً وانتقم ممن ضربه ، وهذا يدعو إلى الله ولا يتخذ على دعوته أجراً مع هذا يضربونه حتى يدموا وجهه
      وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون .

      وهذا الذي حدثنا به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لم يحدثنا به عبثاً أو لأجل أن يقطع الوقت علينا بالحديث
      وإنما حدثنا بذلك من أجل أن نتخذ به عبرة نسير عليها كما قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) فالعبرة من هذا أن نصبر على ما نؤذى به من قول أو فعل في سبيل الله ويجب أن نرى ذلك الأذى رفعة لدرجاتنا وتكفير لسيئاتنا فعسى أن يكون في دعوتنا خلل من نقص في الإخلاص أو من كيفية الدعوة وطريقها فيكون هذا الأذى الذي نسمع كفارة لما وقع منا .
      لأن الإنسان مهما عمل ناقص لا يمكن أن يكمل عمله أبداً إلا أن يشاء الله فإذا أصيب و أوذي في سبيل الدعوة
      إلي الله فإن هذا من باب تكميل دعوته ورفع درجته فليحتسب ما يصيبه من أذي و لا يترك الدعوة بل يصبر .

      ۳- و في الحديث : بيان لفضيلة العفو عن الآخرين
      قال النووي : هذا الحديث ينبغي للسالك التحلي بما فيه كما روي أن جندياً ضرب بعض العارفين وهو لا يعرفه فقيل له : إنه فلان فعاد إليه معتذراً فقال : إني أبرأت ذمتك ودعوت لك لما ضربتني، قال : وكيف ذلك؟ قال: لأنك كنت سبباً لدخولي الجنة فلا أكون سبباً لعذابك ، فأكب علي الشيخ وتاب .

      -----------------------------

      13- وعن أبي سعيد وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
      " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كَفَّرَ الله بها من خطاياه "

      متفق عليه

      والوصب : المرض
      (ما يصيب المسلم ) خص المسلم لأن الثواب الأخروي خاص به
      (من نصب ) النصب : التعب
      (ولا وصب ) أي وجع دائم ، الوصب : المرض الشديد الكثير الأوجاع
      قوله ( نصب ولا وصب ) خاص بعد عام لما في الوجع كذلك من الشدة المؤدية إلي التضجر والسخط بالقضاء المحبط للثواب أو الإسلام والعياذ بالله ، أو أنه تأكيد بعطف مترادفات أو قريبة من الترادف اهتماماً بهذا المقام الخطير ليكون العلم بعطف الثواب مانعاً من الوقوع في ورطة خطر التضجر .
      (ولا هم ولا حزن ) الفرق بينهما بأن الأول للمستقبل و الثاني للماضي .
      أي أن الهم : هو كرب ناتج من توقع شئ مؤلم يحدث مستقبلاً .
      أما الحزن : فهو كرب ناتج عن شئ مؤلم قد وقع في الماضي .
      و قال وكيع : لم يسمع في الهم أنه كفارة إلا في هذا الحديث
      (ولا أذى ) هو كل ما لم يلائم النفس ، فهو أعم من الكل .
      ( ولا غم ) هو أبلغ من الحزن لأنه حزن يشتد بمن قام به حتى يصير بحيث يغمى عليه أو كمن أغمى عليه من شدة الحزن .
      ( حتى ) بيان لأدنى مراتب الاذى .
      ( الشوكة يشاكها ) أي يذاقها ( الا كَفََّرَ الله ) اي ما حصل للإنسان في حال المصيبة ( بها ) اي بسببها
      ( من خطاياه ) من تبعيضيه لأن بعض الذنوب لا تُكَفر بذلك كحق الآدمي والكبائر
      فالمعنى: أن التكفير سيكون لبعض من خطاياه .

      * فوائد الحديث :
      ۱- فيه دليل على أن الانسان يُكَفَّر عنه بما يصيبه من الهم والنصب والغم ، فالابتلاء بالمصائب يُكَفِّر السيئات والخطايا .
      ۲- قال النووي : فيه أن الأمراض وغيرها من المؤذيات التي تصيب المؤمن مطهرة له من الذنوب وأنه ينبغي للإنسان ألا يجمع على نفسه الأذى الحاصل و تفويت ثوابه وقد ورد مرفوعاً : ( المصاب من حُرم الثواب )
      و معني كلامه : أنه إذا كانت المصائب تُكَفِّر الخطايا فينبغي للمؤمن ألا يحرم نفسه من هذه الفائدة .
      فإنه حين يتسخط على المصيبة ولا يصبر يكون جمع علي نفسة ضرران :
      الضرر الأول : ما حصل له بسبب المصيبة من أذى في الدنيا .
      الضرر الثاني : ما يحصل له من ضرر في الآخرة بسبب خسارته وتفويته على نفسه تقليل خطاياه حين يحاسَب عليها وكان في إمكانه إذا صبر أن تنمحي عنه هذه الخطايا .

      ۳- في الحديث بيان لعظيم رحمة الله بعباده ووده لهم ولطفه بهم وكرمه العظيم الواسع أن جعل لهم أبواب كثيرة للرجوع إليه والاصطلاح معه والاعتذار عن أخطائهم وفتح صفحة جديدة معه بعد التخلص من عظيم جنايتهم وكثير خطاياهم .
      فأول هذه الأبواب القوية فهي تمحو الذنب فلا يعاقب عليه ثم الاستغفار فهو كذلك سبباً لعدم المؤاخذة على الذنب ثم الحسنات التي يمحو الله بها السيئات فكل حسنة تمحو أمامها سيئة ثم فوق كل ذلك باب واسع وعظيم لا ينفك الإنسان عنه طيلة حياته وهو باب المؤذيات من صغيرها إلى كبيرها .

      فالإنسان ما دام فى هذه الحياه الدنيا تصيبة الأوجاع والمتاعب والمصائب يقول تعالي : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ )
      فجعل الله هذه المؤذيات وسيلة أخرى لتكفير الذنوب والخطايا حتى ولو لم يرضى الإنسان بها ولكن كل المطلوب ليحدث التكفير هو الصبر المستلزم لعدم التسخط والتبرم .
      وهذا باب واسع لتكفير الذنوب لكثرة ما يصيب الإنسان بينما قد يقل الإنسان من التوبة والاستغفار والحسنات و قد يكون بهم خلل ونقص يمنع من قبول أي منهم لذلك روي عن الحسن البصري قوله :
      ( لولا المصائب لوردنا الآخرة مفاليس )

      ----------------

      14- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
      دخلت علي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت : يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال : " أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم " فقلت : ذلك أن لك أجرين ؟ قال : أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى ، شوكة فما فوقها إلا كَفَّر اللهَ بها سيئاته وحط عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها "
      متفق عليه

      و الوعك : الحمى
      ( دخلت علي النبي صلى الله عليه و سلم ) عائداً أي زائراً له زيارة المريض .
      ( وهو يوعك ) من الوعك وهو التعب الشديد
      ( فقلت : يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً ) يحتمل أنه عرف ذلك لما لمس بعض أعضاءه صلى الله عليه و سلم أو من ظهور الآثار عليه
      ( قال أجل ) جواب مثل نعم
      (إني أوعك كما يوعك رجلان منكم ) أي أنه وعك أشد من وعككم زيادة في علو درجته المقتضية لمزيد الابتلاء الشاهد به ( أشدكم بلاء الانبياء )
      ( قلت : ذلك ) أي زيادة الوعك
      ( أن لك ) أي لأن لك
      ( أجرين . قال أجل ذلك ) أي تضاعف الأجر .
      ( كذلك ) أي كتضاعف المرض .
      ثم ذكر الدليل على ترتب الثواب على أنواع البلاء عند حصول الصبر .
      (ما من مسلم يصيبه أذى) أي ما يتأذى به .
      (شوكة) ذكرها لأنها أخف أنواع الأذى .
      (فما فوقها إلى كفر الله به سيئاته) أي الصغائر المتعلقة بحقوق الله تعالى (كما تحط الشجرة ورقها)

      * فوائد الحديث :
      ۱- حصول الأجر على الأمراض والأعراض بشرط الصبر وعدم التبرم من القدر والسخط منه
      ۲- فيه أن شدة المرض ترفع الدرجات وتحط الخطيئات أيضاً حتى لا يبقى فيها شيء ومثله حديث أبي هريرة عند أحمد ( لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وما عليه خطيئة )
      * وقال أبو هريرة : ما من وجع يصيبني أحب إلى من الحمى انها تدخل في كل مفصل من ابن آدم وأن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر.
      ۳- أن البلاء في مقابل النعمة فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد ومن ثم ضوعف حد الحُر على العبد وقيل لأمهات المؤمنين ( مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ) .

      قال ابن الجوزي : في الحديث دليل على أن القوى يحمل ما حمل والضعيف يرفق به إلا أنه كلما قويت معرفة المبتلى هان عليه البلاء فمنهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء وأعلى من ذلك درجة من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض . وأرفع منه من شغلته المحبة عن طلب رفع البلاء وأنهى المراتب من يتلذذ به لأنه عن اختيار الله نشأ .
      ٤- ومنه ما قاله ابن حجر : إن ابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد وإلا يصير كما جاء في حديث سلمان : (إن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتبا وإن مرض الفاجر كالبعير عقله اهله ثم أرسلوه فلا يدري لِمَ عُقل ولِمَ أُرسل) .

      ------------------------------------------
      15- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من يرد الله به خيراً يصب منه )
      رواه البخاري

      (من يرد الله به خيراً) حالاً ومآلاً .
      (يصب) اي : يوجه إليه مصيبة ويصيبه ببلاء .
      (منه) إما في بدنه أو ماله أو محبوبه .
      * فى الحديث : المؤمن لا يخلو من علة أو قلة أو ذلة .
      وإنما كان :
      خيراً حالاً : لما فيه من اللجأ إلى المولى .
      ومآلاً : لما فيه من تكفير السيئات أو كتب الحسنات أو هما جميعاً .

      * فوائد الحديث :
      يقول ابن حجر : في الحديث بشارة عظيمة لكل مؤمن لأن الآدمي لا ينفك غالبا من ألم بسبب مرض أو هم أو نحو ذلك وأن الأمراض والأوجاع والآلام بدنية كانت أم قلبية تكفر ذنوب من تقع له وظاهره تعميم جميع الذنوب لكن الجمهور خصوا ذلك بالصغائر للحديث ( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر).
      هذا الحديث وغيره من أحاديث الباب تشعر أن نفس المصائب لا ثواب فيها وإنما الثواب على الصبر عليها والاحتساب . فالإنسان إذا صبر على المصيبة كانت كفارة له فإذا زاد على الصبر الاحتساب أي احتساب الأجر كان له مع هذا أجر .
      يقول ابن عثيمين رحمه الله :
      - المصائب تكون على وجهين :
      أ- تارة إذا أصيب الإنسان تذكر الأجر واحتسب هذه المصيبة عند الله فيكون فيها فائدتان : تكفير الذنوب وزيادة الحسنات .
      ب- وتارة يغفل عن هذا ويضيق صدره بالمصيبة ويغفل عن نية الاحتساب والأجر عند الله فيكون في ذلك تكفير لسيئاته ، إذاً هو رابح على كل حال في هذه المصائب التي تأتيه
      .

      تعليق

      • ندى الصباح
        2- عضو مشارك
        • 23 ينا, 2010
        • 222
        • بدون
        • الحمد لله على نعمة الاسلام

        #18
        الصبر على الأذى في الدنيا وفي الدين



        16- وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :
        (لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)
        متفق عليه

        (لا يتمنين أحدكم) أي الواحد منكم .
        (الموت) وفي التعبير ﺒ (يتمنى) دون (يسأل) إشارة إلى أنه من المستحيل أن يحدث الموت لعدم مجيئه ، فحصوله حينئذ محال والمنهي عنه على وجه التنزيه تمني الموت (لضر أصابه) في نفسه أو ماله أو نحوه ... لما يدل عليه من الجزع من البلاء وعدم الرضا بالقضاء أما تمنيه شوقا للقاء رب العالمين أو شهادة في سبيل الله أو ليدفن ببلد شريف أو لخوف فتنة في الدين فلا كراهة منه .

        قال ابن حجر (قوله : من ضر أصابه) حمله جماعة من السلف على الضر الدنيوي فإن وجد الضر الأخروي بأن خشى فتنة في دينه لم يدخل في النهي ففي الموطأ عن عمر أنه قال: (اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط)
        (فإن كان) من أصابه الضر (لا بد) أي لا محالة (فاعلاً) لتمنى الموت لما قاساه من المحن الدنيوية التي لو كشف له عن حقائق اللطف فيها لرآها من المنح الإلٰهية ولو لم يكن فيها إلا رجوع العبد إلى مولاه وخروجه عن حوله وقواه لكفاه فكيف وهي سبب لتكفير الخطايا ورفع الدرجات .

        (فليقل : اللهم) يا الله (أحيني) أي أدم لي الحياة الحسية (ما كانت الحياة) المسئولة بقولي أحيني (خير لي) بأن أوفق لمرضاة الله تعالى وأداء عبادته وأسلم من الخذلان والغفلة والنسيان .
        (وتوفني) أي أمتنى (إذا كانت الوفاة خيرٌ لي) بأن انعكس الأمر .

        يقول ابن عثيمين : إن تمنى الموت استعجال من الإنسان بأن يقطع الله حياته وربما يحرمه من خير كثير ، ربما يحرمه من التوبة وزيادة الأعمال الصالحة ولهذا جاء في الحديث ما من ميت إلا ندم فإن كان محسنًا ندم ألا يكون ازداد ، وإن كان مسيئاً ندم ألا يكون استعتب أي استعتب من ذنبه وطلب المعذرة .

        ---------------------------------------------

        17- عن أبي عبد الله خباب بن الأرت - رضي الله عنه- قال : شكونا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو متوسد بُردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا ؟ فقال : قد كان قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيُجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ، ما يصده ذلك عن دينه ، والله لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون . رواه البخاري

        (شكونا إلى رسول الله) أي ما بنا من أذى الكفار وعذابهم
        (وهو متوسد بردة له) أي جاعلها تحت رأسه (في ظل الكعبة)
        (فقلنا) بيان لشكواهم إليه (ألا تستنصر لنا ) أي تسأل الله لنا النصر (ألا تدعو لنا) أي بذلك أو نحوه من كفهم عنا ومنعهم من أذانا
        (فقال) محرضاً لهم على الصبر (قد كان من قبلكم) أي من الأمم
        (يؤخذ الرجل) أي المؤمن منهم ، أي كان الذين قبلكم يؤخذ الرجل الذي آمن منهم ليعذب ليرجع عن إيمانه فما يرجع .
        (فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع) أي المنشار (على رأسه فيجعل نصفين ويمشط) أي يعذب (بأمشاط من حديد) أي يعذب بها (ما دون لحمه وعظمه) (ما يصده) أي لا يمنعه أو يصرفه (ذلك) المذكور من أنواع العذاب (عن دينه ) والثبات عليه .
        (والله) فيه الحلف من غير استحلاف وهو مندوب لتأكيد ما يحتاج تأكيده .
        (ليتمن هذا الأمر) أي ليتمنَّ الله هذا الأمر أي دين الإسلام .
        (حتى يسير الراكب من صنعاء) مدينة باليمن وقيل بالشام (إلى حضرموت) مدينة بقرب اليمن
        (لا يخاف) أحدا (إلا الله)
        والمعنى : أن الإسلام يعم النواحي فيسير المسافر لا يخشى أحد يعذبه على إيمانه ولا يفتنه في دينه فلا يخاف إلا الله سبحانه ولا يخاف إلا من الأسباب العادية على أموره الدنيوية فيخاف (الذئب) وهو سبع معروف أن يعدو (على غنمه) والسارق أن يغير على ماله ونعمه
        (و) تمام هذا الأمر أي الإسلام وظهوره على سائر الأديان كائن البته (لكنكم تستعجلون) أي تطلبون العجلة في الأمور ولكل شيء في علم الله أوان وإذا جاء الأوان يجيء.

        وقد وقع ما اخبر به (صلى الله عليه وسلم) كما أخبر ، فعم الإسلام وظهر وصار الراكب لا يخشى من يفتنه عن دينه إنما يخشى الأسباب العادية من أمور الدنيا.
        يقول الإمام النووي : إن هذه الشدائد التي جلت بأولئك الأماجد لكمال استعدادهم زيادة في علو درجاتهم ورفع شأنهم ، ففي الحديث الشريف (أشد الناس بلاءًا الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل) وعلى قدر المقام يكون الابتلاء .

        * وقد كانت قلوبهم راضية وأنفسهم بذلك مطمئنة حتى لقد رد بعضهم جوار أقاربه الكفار ورضى أن يُعَذَّب في الله ويُبتلى فيه مع الأخيار.
        * وشكواهم ليست عن ضجر ولا تبرم وإنما هي لأنهم رأوا أن في السلامة من ذلك تفرغًا للعبادة وتوجها إلى كمال السعادة فأرشدهم المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى أن غاية الأدب : الصبر على مراد الله والرضا بقضاء الله .
        لا ينعم المرء بمحبوبه .... حتى يرى الراحة فيما قضى

        (فوائد الحديث) :
        فيه مدح الصبر على العذاب في الدين .
        فالواجب على الإنسان أن يقابل ما يحصل له من أذية الكفار بالصبر والاحتساب وانتظار الفرج ولا يظنن الأمر ينتهي بسرعة وينتهي بسهولة فالرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : اصبروا فالمؤمن فيمن قبلكم كان يعمل به هذا العمل ويصبر وانتم أحق بالصبر منه ، فأنتم يا أمة محمد أمة الصبر والإحسان فاصبروا حتى يأتي الله بأمره والعاقبة للمتقين .

        وإذا كان الصبر على العذاب في الدين ممدوح ومطلوب فالصبر على الإيذاء في الدين أوكد - لسخرية الناس واستهزاءهم وهذا مما يكثر في هذا الزمن وقد جاء في الحديث (يأتي زمان يكون فيه المؤمن أذل من أَمَة)
        فعلى المسلم أن يتمسك بدينه مهما كلفه الأمر فالصبر عليه واجب .

        تعليق

        • ندى الصباح
          2- عضو مشارك
          • 23 ينا, 2010
          • 222
          • بدون
          • الحمد لله على نعمة الاسلام

          #19
          الصبر على أذى جُهال الناس



          18- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
          لما كان يوم حنين آثر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ناسا في القسمة : فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عُيينه بن حصن مثل ذلك وأعطى ناساً من أشراف العرب وآثرهم يومئذٍ في القسمة فقال رجل: والله إن هذه قسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله فقلت : والله لأخبرن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأتيته فاخبرته بما قال ، فتغير وجهه حتى كان كالصرف ثم قال: " فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ؟ ثم قال : يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر" فقلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثاً ). متفق عليه

          (لما كان يوم حنين) أي زمن غزوتها وهي واد بين مكة والطائف وراء عرفات وكانت وقعة حنين في شوال سنة 8 من الهجرة عقب فتح مكة.
          (آثر) أي أعطى (رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا) من المؤلفة ومن الطلقاء ومن رؤساء العرب يتألف قلوبهم على الإسلام .
          (في القسمة) لغنائم هوزان (فأعطى الأقرع بن حابس) من سادات تميم (مائة من الإبل وأعطى عيينه ابن حصن مثل ذلك) (وأعطي ناسا من أشراف العرب) والطلقاء وضعفاء الإيمان (وآثرهم) أي أعطاهم عطايا نفيسة (يومئذ) أي يوم حنين (في القسمة) لغنائمها تألفاً لهم وترك أقواماً اعتماداً على ما وقر في قلوبهم من نور الإيمان وشمس العرفان .

          وفي الحديث الصحيح عن سعد مرفوعاً (إني لأعطي الرجل , وغيره أحب إلى منه ,مخافة أن يكبه الله في النار على وجهه) .
          (فقال رجل من الأنصار: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله )
          (قال ابن مسعود فقلت: والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم)
          ليحذر منه وليعلم ما أخفاه من حاله وليس هذا من باب نقل المجالس وهي بالأمانة ، لأن ذلك في غير نحو هذا أما هذا فمن النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين .

          (فأتيته فأخبرته بما قال فتغير وجهه صلى الله عليه وسلم) كما هو طبيعة البشر عند حصول شيء مؤذ للنفس .
          (حتى كان) أي صار ( كالصرف) الصرف : صبغ أحمر يصبغ به الجلود (ثم قال) رداً عليه ما نسبه إليه من عدم العدول (فمن يعدل) استفهام إنكار فهو في معنى ما يعدل أحد (إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال) مبيناً أن الصفح عن عثرات اللئام سُنَّة قديمة في الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام (يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا) أي من أذى السفهاء والجهال (فصبر) على أذاهم وقابل جهلهم بحلمه

          (يقول عبد الله بن مسعود : فقلت لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا) يقع من أولئك فيه نفثات ألسنتهم بما تخفيه صدورهم أي مما لا يعود بضرر على النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا على الإسلام وإنما رأى ذلك لأنه رأى أن كلامه حصل منه بعض التعب للنبي (صلى الله عليه وسلم) حتى رأى أثر الغضب من تلك الحمرة في بشرته الشريفة ومع ذلك صفح عن ذلك القائل كي لا يقول الناس أن محمد صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه فينفروا عن الإسلام فعامله معاملة غيره من المنافقين .


          (فوائد الحديث)
          - فيه : وجوب الصبر على الأذى اقتداء بالأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه فهم يؤذَون ويصبرون ، وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم بعد ثماني سنين من هجرته يعني ليس في أول الدعوة بل بعدما مكن الله له وبعدما عُرف صدقه وبعدما اظهر الله آيات صدق الرسول في الأفاق ومع ذلك يقال له : هذه القسمة لم تعدل فيها

          فينبغي على كل مؤمن مهما عليت درجته بين الناس ومهما زاد علمه أن يصبر على الأذى فليس هو أكرم على الله من أنبياءه فقد سُبوا وأُوذوا وكُذبوا وقيل إنهم مجانين وشعراء وكهنة وسحرة ( فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ).

          التعديل الأخير تم بواسطة ندى الصباح; 9 فبر, 2012, 02:10 ص.

          تعليق

          • ندى الصباح
            2- عضو مشارك
            • 23 ينا, 2010
            • 222
            • بدون
            • الحمد لله على نعمة الاسلام

            #20
            عظم الجزاء من عظم البلاء -اذا رافقه الصبر والرضى





            19- وعن أنس رضي الله عنه قال : " قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أراد الله بعبده خيرًا عَجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافَى به يوم القيامة " .

            20- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء وأن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضى فله الرضى ومن سخط فله السخط " .
            رواه الترمذي وقال حديث حسن.

            (إذا أراد الله بعبده) المراد عقابه (الخير عجل له) في جزاء سيئاته (العقوبة في الدنيا) ببلاء في نفسه أو بموت صديقه أو بفقد ماله ونحوه .
            ويكون ذلك إذا سلم من التبرم من الأقدار كفارة لجناياته فيوافي القيامة وقد خلص من تبعة الذنب ودركه فإن لم يكن من أرباب المخالفات ونزل به بلاء كان زيادة في درجاته وعليه يحمل حديث ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ) .
            (وإذا أراد الله بعبده) المذكور (الشر) من العقاب والعذاب (أمسك عنه) الأذى (بذنبه) أي بسبب ذنبه
            أي أن تأخير العقاب من أسباب ذنبه ففيه استدراجه من حيث لا يشعر .
            فهو يذنب ولا يعاقَب فيعتقد انه مسامَح على الذنب أو يستهين به لكونه لم يجد بسببه عقوبة نالته والحقيقة أن ترك عقوبته ما هو إلَّى استدراج من الله وذلك حتى (حتى يوافي به) اي بذنبه حاملاً له على كاهله (يوم القيامة ) فيجازى به .
            وأين جميع أهوال الدنيا ومضايقها من ساعة من عذاب النار وما فيها من الأغلال والأنكاد ؟

            قال ابن عثيمين رحمه الله : الإنسان لا يخلو من خطأ أو معصية وتقصير في الواجب فإذا أراد الله بعبده خير عجل له العقوبة في الدنيا إما بماله أو أهله أو نفسه أو بأحد مما يتصل به .
            * فالعقوبات تُكَفِّر السيئات حتى يوافى العبد ربه وليس عليه ذنب قد طهرته المصائب والبلايا حتى أنه ليشدد على الإنسان موته لبقاء سيئة أو سيئتين عليه حتى يخرج من الدنيا نقيا من الذنوب وهذه نعمة لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، لكن إذا أراد الله بعبده الشر أمهل له واستدرجه وأدر عليه النعم ودفع عنه النقم حتى يبطر ويفرح فرحاً مذموماً بما أنعم الله به عليه وحينئذٍ يلاقي ربه وهو مغمور بسيئاته فيعاقب بها في الآخرة .


            (فوائد الحديث) :
            فيه الحث على الصبر على ما تجري به الأقدار وأنه خير للناس في الحال والمآل ، فمن صبر فاز ومن تبرم بالأقدار فقدر الله لا يُرد وقد فات المتبرم أعالي الدرجات وتكفير السيئات .
            20- (وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن عِظَم الجزاء مع عِظم البلاء ..... )
            (وعن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم) مؤكداً لما دل عليه الحديث قبله مبيناً له
            (إن عظم الجزاء) أي الثواب في الآخرة (مع عظم البلاء) قال النووي : فمن حل به خلاف ما يهوى الإنسان بالطبع من الشدائد فليفرح بها لما فيها من التخصيص وإجزال العطاء فإن لم يكن من أهل مقام الرضا فلا أقل من أهل مقام الصبر .

            (وأن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم) لأنه لو تركهم وزهرة الدنيا ربما استغرقت فيها قلوبهم فاشتغلوا بها عن مربوبهم كما وقع ذلك للكفار وأرباب الغفلات فمن أراد الله إقباله عليه قطع عنه العلائق وأنزل به أنواع البلايا لتقوده إلى الرجوع إلى مولاه في كل ساعة وأي نعيم يوازي نعيم القرب من الله وأي جحيم يساوي الغفلة والبعد عن الله ؟
            (فمن رضى) بما جرى به القدر ولم يتبرم ولم يتضجر (فله الرضا) بالاختصاص الإلهي والفيض الرباني والثواب الجزيل والأجر الجميل .
            قال تعالى : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ )
            (ومن سخط) من ذلك وتبرم من تلك المقادير ، جرى المقدور إذ لا مانع لما أراده سبحانه (وله) أي الساخط (السخط) الانتقام
            وفي معنى حديث الباب ما أخرجه الترمذي عن جابر قال :
            قال صلى الله عليه وسلم :
            (يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب أن لو كانت جلودهم قرضت في الدنيا بالمقاريض).

            (فوائد الحديث)
            * فيه : أن الابتلاء ليس دليلاً على سخط الله على العبد وإنما دليلاً على حبه لما فيه من إرادة الخير له في الدنيا برجوع العبد إلى الله وفي الآخرة بالأجر عليه .
            وقد جاء في الأثر : (إن الله تعالى يتابع عبده المؤمن بالبلاء كما يتابع أحدكم حبيبه بالهدية)

            * وفيه : أن الجزاء من جنس العمل فمن رضى عن أقدار الله رضى الله عنه ، ومن سخط على مقدور الله سخط الله عليه .
            فمن أراد أن يعلم موقعه من الرضا أو السخط فلينظر لقلبه حين تقع به الأقدار ، وفي الخبر ( إرضى عن الله يرضى الله عنك ).


            تعليق

            • ندى الصباح
              2- عضو مشارك
              • 23 ينا, 2010
              • 222
              • بدون
              • الحمد لله على نعمة الاسلام

              #21
              الصبر على فقد الولد والتسليم لقضاء الله تعالى


              21- عن أنس رضي الله عنه قال :" كان ابن لأبي طلحة رضى الله عنه يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال ما فعل ابني ؟ فقالت أم سليم وهي أم الصبي : هو أسكن ما كان ، فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما أفرغ قالت واروا الصبي ، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبره ، فقال : أعرستم الليلة ؟ قال : نعم ، قال : (اللهم بارك لهما ) فولدت غلاماً ، فقال لي أبو طلحة : احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وبعث معه بتمرات ، فقال : أمعه شيء ؟ قال : نعم ، تمرات ، فأخذها النبي(صلى الله عليه وسلم) فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في فىّ الصبي ثم حنَّكه وسماه عبد الله ".متفق عليه


              وفي رواية للبخاري :
              قال ابن عيينه : فقال رجل من الأنصار : فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرءوا القرآن يعني من أولاد عبد الله المولود .

              (كان ابن) هو الذي قال له صلى الله عليه وسلم (يا أبا عمير ما فعل النغير؟ )
              وحديثه ذلك في الترمذي وقيل : كنَّاه (صلى الله عليه وسلم) بما ذكره إشارة إلى قصر عمره
              وعند ابن ماجه حديث في قصة تزويج أم سليم بابي طلحة بشرط أن يسلم وقال فيه :
              " فكلمت فولدت غلاماً صبيحاً فكان أبو طلحة يحبه حباً شديداً فعاش حتى تحرك فمرض فحزن أبو طلحة عليه حزناً شديداً حتى تضعضع وأبو طلحة يغدو ويروح على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فراح روحه فمات الصبي (لأبي طلحة) اسمه زيد بن سهل الأنصاري .
              والابن أخ لأنس من أمه أم سليم فهي أم أنس بن مالك فأولادها من أبي طلحة إخوة أنس بن مالك لأمه .
              (يشتكي) أي مريض ، وليس المراد أنه صدرت منه شكوى لكن لما كان المريض يحصل منه ذلك استعمل في كل مريض .
              (فخرج أبو طلحة) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم
              (فقبض الصبي) وفي رواية (فأمرت أمه أنس أن يدعو أبا طلحة وألا يخبره بموت ابنه)
              (فلما رجع أبو طلحة) إلى بيته ، وفي رواية (وكان أبو طلحة صائما)
              (فقال ما فعل ابني) أي ما قام به من صحة أو زيادة مرض .
              (فقالت أم سليم ) واختلف في إسمها فقيل سهلة وقيل رميثة وقيل الرميصاء وهي أم الصبي .
              (هو أسكن ما كان) أي أسكن أكوانه (أي أحواله) فإنه كان في القلق والاضطراب للنزع فذهب ذلك حينئذ وظن أبو طلحة أنها أرادت هو أسكن من الألم لحصول العافية .
              (فقربت له العشاء) الطعام الذي يؤكل عند العشاء .
              (فتعشى ثم أصاب منها) أي جامعها . وفي رواية (أنها تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها) .
              (فلما فرغ) من حاجته
              (قالت : واروا) أي استروا (الصبي) بالدفن .

              (فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره) أي بما عدا الجماع بدليل قوله (أعرستم الليلة) المراد منه هنا الوطء وسماه إعراسا لأنه من توابع الإعراس .
              (قال: نعم ، قال: اللهم بارك لهما ) دعا لهما بالبركة وهي النماء والزيادة. فولدت من ذلك الوطء المدعو بالبركة فيه (غلاما) هو عبد الله.

              (قال أنس : فقال لي أبو طلحة : احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم) ليحل نظره الشريف عليه
              (وبعث معه بتمرات ) ليحنكه بها ، والتحنيك بالتمر تفاؤل بالإيمان لأنها ثمرة الشجرة التي شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلام بالمؤمن ولحلاوتها أيضاً .
              (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أمعه شيء) أي يحنك به
              (قال) أي أنس (نعم تمرات ، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها) لتختلط بريقه الشريف ويقدر الصبي على إساغتها فيكون أول ما يدخل جوفه الممتضغ بريق المصطفى صلى الله عليه وسلم فيسعد ويبارك فيه .
              (ثم أخذها ) أي التمرات الممضوغات
              (من فيه) أي في فمه صلى الله عليه وسلم
              (فجعلها في فيّ الصبي) أى في فمه (ثم حنكه) حنكت الصبي إذا مضغت تمراً أو غيره ثم دلكته بحنكه
              (وسماه عبد الله) أي وضع له هذا الاسم ففيه فضل التسمية بذلك

              وفي رواية البخاري : قال رجل من الأنصار : فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤا القرآن من أولاد عبد الله بن أبي طلحة (المولود) من تلك الإصابة المدعو لها بالبركة .




              وفي رواية لمسلم :
              مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك فوقع بها فلما أن رأت انه قد شبع وأصاب منها قالت : يا أبا طلحة ، أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ، ألهم أن يمنعوها ؟ قال : لا، فقالت : فاحتسب ابنك . قال : فغضب ، ثم قال : تركتيني حتى إذا تلطخت ثم ابلغتينى بابنى ، فانطلق حتى أتى رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فأخبره بما كان ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): (بارك الله في ليلتكما) قال : فحملت ، قال ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سفر وهي معه وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً ، فدنوا من المدينة فضربها المخاض فاحتبس عليها أبو طلحة وانطلق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . قال : يقول أبو طلحة : إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن اخرج مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا خرج وأدخل معه إذا دخل وقد احتبست بما ترى ، تقول أم سليم : يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد ، انطلق ، فانطلقنا ، وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاماً ، فقالت لي أمي . يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
              (وذكر تمام الحديث).


              (مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها) أي لقرابتها الذي عندها وقد شعروا بوفاة ابنها ( لا تحدثوا أبا طلحة) عند مجيئه بالمنزل (بابنه) أي بوفاة ابنه لئلا يتنغص عيشه وهو صائم فلا ينال حاجته من الطعام .
              (حتى أكون أنا أحدثه فجاء فقربت إليه عشاء) إشارة إلى أن العشاء كان مهيأ (فأكل وشرب ثم تصنعت له) بتحسين الهيئة بالحلي ونحوه
              (أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك) وهذا يدل على كمال يقينها وقوة صبرها . (فوقع بها) بالجماع .
              (قالت) منبهة له على أنه لا ينبغي له الحزن على موت ولده عند إطلاعه عليه لأنه وديعة بصدد الاسترداد .
              (يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ، قال: لا ، قالت: فاحتسب ابنك)
              أي اطلب ثواب ابنك وأجر مصيبتك فيه من الله ولا تدنسها بما يحبط الثواب فانه كان عندك عارية واسترده مالكه .

              (قال ) أنس (فغضب) أبو طلحة (وقال) لأم سليم
              (تركتيني حتى إذا تلطخت) أي تقذرت بالجماع (ثم أخبرتيني بابني) بموته (فانطلق) يمشي (حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك) أي فعل أم سليم الدال على كمال يقينها وحسن صبرها مما يعجز عنه كثير من الرجال .
              (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) داعياً لهما بما يعود نفعه عليهما لجميل فعلها
              (بارك الله لكما في ليلتكما) أي فيما فعلتماه فيها من الإعراس بأن يجعله نتاجاً طيباً وثمرة حسنة .
              (قال): أنس (فحملت) أم سليم ، إجابة لدعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة

              (قال) أنس (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر) سمي السفر بذلك لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، وكان سفره صلى الله عليه وسلم من المدينة إنما كان لأداء النسك أو الجهاد.
              (لا يطرقها طروقا) أي لا يأتيها ليلاً وكل آتٍ بالليل طارق
              وقد نهى عن طروق السفر أهله ليلاً لئلا يرى منهم ما قد يكرهه فإذا وصلوا البلد نهاراً وسمع بهم أهلهم تصنعت المرأة لبعلها فيراها بمنظر حسن بخلاف ما إذا فاجئها وهي شعثة ربما كان رؤياها كذلك سبباً لفراقه وهذا إذا لم يترقب أهله قدومه عليهم ليلاً وإلا كأن بلغهم خبر قدومه من أول النهار فلا بأس بالطروق حينئذ.
              (فدنوا) قربوا (من المدينة فضربها المخاض) وجع الولادة
              (فاحتبس عليها أبو طلحة) أي حبس نفسه عليها لانشغاله بشأنها
              (وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم) في مسيره إلى المدينة

              (قال ) أنس (يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب أنه يعجبني أن اخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج) من المدينة لسفر (وادخل معه) المدينة (إذا دخل) (وقد احتبست) أي مُنعت من الدخول (بما ترى) مما نزل بأم سليم ، فأجاب الله دعوته وكشف كربته .
              (قال ) أنس مخبراً عن ذلك (تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد) أي ما أجد ألم الوضع الذي كنت أجده قبل
              (انطلق) أمر له لأن سبب التخفيف زال (قال) أنس (فانطلقنا وضربها المخاض حين قدما) أي وقت قدوم أبي طلحة وأم سليم المدينة مع المصطفى صلى الله عليه وسلم (فولدت غلاما) هو المسمى بعبد الله (فقالت لي أمي يا أنس لا يرضعه أحد) أي ليكون أول شيء يشق جوفه ويدخل أمعائه الممزوج بريق النبي صلى الله عليه وسلم فيعود عليه بخير الدارين كما ظهر أثره في هذا الغلام بتكثير بنيه الصالحين الأتقياء الفالحين .

              (حتى تغدو به) وتعرضه (على رسول الله صلى الله عليه وسلم)
              والغدو : سير أول النهار ، والرواح : السير بعد الزوال
              (فلما أصبح) أي دخل وقت الصباح (احتملته فانطلقت) أمشي (به) منتهياً (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذكر تمام الحديث


              (فوائد الحديث) :

              * الاقتداء بقوة صبر أم سليم ، وجواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها .
              * فيه تزين المرأة لزوجها وتعرضها لطلب الجماع منه واجتهادها في عمل مصالحه .
              * مشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها ولم يترتب عليها إبطال حق مسلم
              والمعاريض: هي أن يتكلم الإنسان بكلام تخالف نيته ما في ظاهر الكلام ، والحامل لأم سليم عليه المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء إخلافه عليها ما فات منها إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر من أول الحال تنكد عليه وقته ولم تبلغ الغرض الذي أرادته فلما علم الله تعالى صدق نيتها بلغها مناها وأصلح لها ذريتها .
              * فيه أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه
              * استحباب التسمية بعبد الله ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)
              * وجوب الصبر على فقد الأولاد لأنهم عارية عندنا وملك لله متى شاء أخذهم .

              تعليق

              • ندى الصباح
                2- عضو مشارك
                • 23 ينا, 2010
                • 222
                • بدون
                • الحمد لله على نعمة الاسلام

                #22
                الصبر على شهوة الغضب

                22- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
                (ليس الشديد بالصُرَعَة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)
                متفق عليه

                (ليس الشديد بالصُرَعة)
                قال ابن حجر : الصرعة في كلام العرب : الذي يصرع الناس كثيراً بقوته
                وفي رواية لأحمد من حديث رجل لم يسمه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الصرعة كل الصرعة – كررها ثلاثة – الذي يغضب ويحمر وجهه فيصرع غضبه)
                (ليس الشديد ) المحمودة شديدتيه شرعاً (بالصرعة)
                (إنما الشديد) المحمودة شديدتيه شرعاً الذي يملك نفسه من الوقوع في المنهيات (عند) وجود (الغضب) وقيامه به.
                وذلك إنما يكون لمن راوض نفسه بسياسة الإتباع واقتدى بالمصطفى (صلى الله عليه وسلم) في سائر الأحوال فلم يحمله الغضب على الوقوع في أسباب الهلاك في دينه .
                والغضب بالتحريك لغة : ضد الرضا
                وسببه حصول مخالف لمراد الإنسان ممن هو دونه وتحت يده فيحصل منه تلك الحالة المقتضية لفعل ما لا يجوز من قتل أو ضرب أو سب.
                فمن حفظ نفسه عن ذلك وقادها بزمام الشريعة وكظم غيظه وعفا فاز بالدرجة العليا وكان محموداً شرعاً .
                وإن انتقم بقدر ما أذن فيه الشرع من التأديب فلا بأس.
                * ففي الحديث : يبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الشديد ليس القوى في الصرعة ، الذي يكثر صرع الناس فيطرحهم ويغلبهم فهذا يقال عنه عند الناس أنه شديد وقوي ولكن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول ليس هذا هو الشديد حقيقة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .
                أي القوي الحقيقي هو الذي يصرع نفسه إذا صارعته وملكها وتحكم فيها لأن هذه هي القوى الحقيقية قوة داخلية معنوية يتغلب بها الإنسان على الشيطان لأن الشيطان هو الذي يلقي الجمرة في قلب الإنسان من أجل أن يغضب

                فوائد الحديث :* فيه أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو لأنه (صلى الله عليه وسلم) جعل الذي يملك نفسه عند الغضب أعظم الناس قوة .


                23- عن سليمان بن صرد رضى الله عنه قال : كنت جالساً مع النبي (صلى الله عليه وسلم) ورجلان يستبان وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب منه ما يجد فقالوا له : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعوذ بالله من الشيطان الرجيم " .
                متفق عليه
                (قال كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان) افتعال من السب : أي يسب كل منها صاحبه .
                (وأحدهما قد احمر وجهه وانتفخت أوداجه) الأوداج : ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح.
                (إني لأعرف كلمة لو قالها) بصدق ويقين.
                (لذهب عنه ما يجد) من شدة الغضب ببركة الكلمات .
                قال النووي :
                هذا الحديث مستمد من قوله تعالى ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )
                (أعوذ) معناه ألجأ وأعتصم
                (الشيطان) العاتي المتمرد من شاط : احترق ، أو من شطن : بعد
                (الرجيم) أي المبعد من رحمة الله
                (فقالوا له) أي قال الصحابة لذلك الرجل المغضب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

                فوائد الحديث : * إن الغضب في غير الله تعالى من نزغ الشيطان فهو الذي يثير ناره ويشعل لهبه لما يترتب عليه من الضرائر في الدين والدنيا فلذا كان دواؤه قطع سبب مادته وهو وسواس الشيطان الرجيم بالاستعاذة منه .
                وقد ذكر الشبلي في كتابه (أحكام الجان) :
                أن إبليس التقي بموسى فقال له .. واذكرني حين تغضب فاني وحي في قلبك وعيني في عينك وأجرى منك مجري الدم في العروق .
                * وفيه : أن الغضب يخرج الإنسان عن اعتدال حاله ، فيتكلم بالباطل وينوي الحقد والبغض ويزين له إفساد ماله كتقطيع ثوبه وكسر آنيته أو الإقدام على من أغضبه ونحو ذلك مما يتعاطاه مما يخرج عن الاعتدال .
                * فيه الحث على أن يملك الإنسان نفسه عند الغضب ولا يسترسل فيه حتى لا يندم.
                بل يجب عليه الصبر وحبس النفس فهذه هي القوة الحقيقية .
                * على الإنسان أن يستعيذ بالله بصدق متحققاً معنى اللجأ إلى الله والهروب إليه والتحصن به .
                فإنه متى استعاذ بالله من الشيطان الرجيم أعاذه الله .
                وعليه إذا غضب أن يتوضأ فإن الوضوء يطفئ الغضب ، وعليه إن كان قائماً فليقعد وإن كان قاعداً فليضطجع وإن خاف خرج من المكان الذي هو فيه حتى لا ينفذ غضبه فيندم بعد ذلك.

                تعليق

                • ندى الصباح
                  2- عضو مشارك
                  • 23 ينا, 2010
                  • 222
                  • بدون
                  • الحمد لله على نعمة الاسلام

                  #23

                  24- عن معاذ ابن أنس رضي الله عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : "من كظم غيظا وهو قادر على أين يُنفذه دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء"


                  (من كظم غيظاً) تجرعه واحتمل سببه وصبر عليه .
                  والغيظ : تغير الإنسان عند احتداده .
                  (وهو قادر على أن يُنفذه) أي يقضي ويعمل بما يدعوه إليه من ضرب المغتاظ منه أو قتله أو نحوه لسطوته على المغتاظ منه بملك أو نحوه وهو قيد في حصول ثواب كظم الغيظ
                  (دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق) تنويهاً بشأنه وإعلاماً بعلو مكانه (يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين )
                  (الحور) : أي شديدات سواد العيون وبياضها
                  (العين) : ضخام العيون

                  * قال النووي :
                  وعند أبي الدنيا في كتاب ذم الغضب من حديث أبي هريرة مرفوعاً : ( من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمناً وإيماناً )
                  وعنده أيضاً : من حديث ابن عمر ( من كف غضبه ستر الله عورته )
                  وقد روى أن الحسين بن علي بن أبي طالب كان له عبد يقوم بخدمته ويقرب إليه طهره (ماء الوضوء) فقرب إليه طهره ذات يوم في كوز فلما فرغ الحين من طهوره رفع العبد الكوز من بين يديه فأصاب فم الكوز رباعية الحسين فكسرها فنظر إليه الحسين فقال العبد (والكاظمين الغيظ) قال : قد كظمت غيظي فقال: (والعافين عن الناس) قال: قد عفوت عنك قال: (والله يحب المحسنين) قال : اذهب فأنت حر لوجه الله .

                  فوائد الحديث :
                  * فيه الحث على الصبر على الأذى من الآخرين وترك الانتقام منهم ودفع الغضب وكظمه كما قال تعالى
                  ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) .


                  ********

                  25- عن أبي هريرة رضى الله عنه " أن رجلاً قال للنبي (صلى الله عليه وسلم) : أوصني ، قال : ( لا تغضب ) فردد مراراً ، قال : ( لا تغضب) " .
                  ] رواه البخاري

                  (أوصني) توصية جامعة لخير الدارين
                  وجاء في رواية أبي سعيد الخدري (أخبرني بعمل يدخلني الجنة ولا تكثر عليَّ لعلي أعقله)
                  (قال لا تغضب) لما كان الغضب من نزغات الشيطان وهو يخرج الإنسان عن اعتداله فيتكلم بالباطل ويفعل المذموم.
                  قال له لما قال (أوصني ) : لا تغضب
                  (فردد) السائل قوله أوصني (مراراً قال) صلى الله عليه وسلم في جواب كل مرة لا تغضب ولم يزد عليه
                  ففيه دليل على عِظم مفسدة الغضب وما ينشأ عنه

                  وعند الخرائطي زيادة : (وقال الرجل السائل ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فإذا الغضب يجمع الشر كله )
                  قال الخطابي : معنى قوله (لا تغضب) أي : اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبيعي لا يزول عن الجبلة (الفطرة) .

                  * وقال غيره : ما كان من قبيل الطبع الحيواني لا يمكن دفعه فلا يدخل في النهي لأنه من تكليف المحال وما كان من قبيل ما يكتسب بالرياضة فهو المراد .

                  * وقيل معناه : لا تغضب لأن أعظم ما ينشأ عنه الغضب الكبر لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله الكبر على الغضب فالذي يتواضع حتى يذهب عنه الكبر يسلم من شر الغضب

                  * وقيل معناه : لا تفعل ما يأمرك به الغضب .

                  قال ابن التيني : جمع صلى الله عليه وسلم في قوله (لا تغضب) خير الدنيا والآخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينقص ذلك من الدين .

                  قال ابن حجر في شرح البخاري : أقوى الأشياء في رفع الغضب استحضار التوحيد الحقيقي وهو أن لا فاعل إلا الله وكل فاعل غيره فهو آلة له فمن توجه إليه مكروه من جهة غيره فاستحضر أن الله لو شاء لم يمكن ذلك الغير منه اندفع غضبه لأنه لو غضب والحالة هذه كان غضبه على ربه جل وعلا وهو خلاف العبودية .
                  قلت (أي ابن حجر) وبهذا يظهر السر في أمره (صلى الله عليه وسلم) الذي غضب بأن يستعيذ من الشيطان لأنه إذا توجه إلى الله في تلك الحالة بالاستعاذة به من الشيطان أمكنه استحضار ما ذكر وإذا استمر الشيطان متلبسا متمكنا من الوسوسة لم يمكنه من استحضار شيء من ذلك .

                  تعليق

                  • ندى الصباح
                    2- عضو مشارك
                    • 23 ينا, 2010
                    • 222
                    • بدون
                    • الحمد لله على نعمة الاسلام

                    #24
                    الصبر على البلاء ومن جُهال الناس من هم أشد من بلاء الداء


                    26- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة " .

                    (ما يزال البلاء) بالمصائب والمتاعب نازلاً (بالمؤمن والمؤمنة في نفسه ) بالمرض والفقر والغربة التي في الظاهر كربة ، وإن نظرت إليها وأنها واردة إليك من أرحم الراحمين انقلبت من كونها محنة الى كونها منحة .
                    (وولده) بالموت والمرض وعدم الاستقامة ونحوه مما يؤلم الوالد بحسب الطبع البشري .
                    (وماله) بالتلف ببعض الأسباب من حرق وسرقة ونحو ذلك
                    (حتى ) غاية لنزول البلاء بأرباب الإيمان ، أي أن البلاء لا يزال بالإنسان أي الصابر كما يدل عليه لفظ المؤمن والمؤمنة المحمول عن الفرد الكامل – إلى أن يغفر الله له به الخطايا.
                    ف (يلقى) أي المبتلى (الله تعالى) ولقاء الله كناية عن الموت (وما عليه خطيئة) أي ذنب.

                    -------------------------------------


                    27- عن ابن عباس قال : قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحُر بن قيس وكان من النفر الذين يدنيهم عمر (رضي الله عنه) وكان القراء أصحاب مجالس عمر رضى الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً فقال عينيه لابن أخيه :
                    يا ابن أخي لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه فاستأذن فأذن له عمر فلما دخل قال : هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل فغضب عمر رضي الله عنه حتى هم أن يوقع به .
                    فقال له الحُر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وإن هذا من الجاهلين ، والله ما جاوزها عمر حين تلاها وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى .

                    (عيينة بن حصن) اسلم يوم الفتح وقيل قبله وكان من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الجفاة ارتد وأتى به أسيراً إلى الصديق فأسلم فأطلقه فقدم ابن حصن المدينة .
                    (فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس) وكان الحر (من النفر الذين يدنيهم) يقربهم (عمر بن الخطاب) لكونه من الفقهاء القراء .
                    (وكان القراء) جمع قارئ ، والمراد منهم القارئ للقرآن المتفهم لمعانيه فإن عبادتهم حينئذ كانت كذلك حتى لقد قرأ عمر رضي الله عنه البقرة في سبع سنين.
                    لذلك (أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاوريه) أي ملازمى مجلسه لينبهوه إذا سها ويُذَكِّروه إذا نسى.
                    (كهولاً كانوا أو شُباناً) الكهل : قيل هو الذي جاوز الثلاثين ووخطه الشيب . وفي تحفة القارئ : سن الشباب خمس وثلاثون وسن الكهولة خمسون سنة وسن الشيخوخة ستون سنة
                    قال النووي : وبه يعلم أن الثلاث والثلاثين ابتداء الكهولة وتستمر إلى الخمسين وما قبل ذلك من بعد البلوغ فسن الشباب .
                    (فقال عيينة لابن أخيه يا ابن أخي لك وجه) أي جاه
                    (عند هذا الأمير) أي عمر بن الخطاب (فاستأذن لي ) أمر : أي اسأل لي الإذن في الدخول . (عليه فاستأذن) أي الحر لعيينه (فأذن له عمر فلما دخل قال هي) قيل : (هي) كلمة تهديد
                    (يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل) أي ما تعطينا الشيء الكبير أو العطاء الكثير ، وأصل الجزل ما عظم من الخطب وكأنه أراد أن يستأثر به عن مستحقيه .
                    (ولا تحكم فينا بالعدل) وهو ما جاء في الكتاب والسنة نصاً أو استنباطاً
                    (فغضب عمر رضي الله عنه) أي لما رماه به من منع المال عن مستحقه من الأنام وعدم العدل في الأحكام .
                    (حتى هم) أي أراد (أن يوقع به) أي شيئا من العقوبة وذلك لجفائه وسوء أدبه معه.
                    (فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم) محرضاً له على الحلم والصفح أي ولكم في رسول الله أسوة حسنة.
                    (خذ العفو) التيسير من أخلاق الناس ولا تبحث عنها وفي رواية قال (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس).
                    (وأمر بالعرف) أي بالمعروف .
                    (وأعرض عن الجاهلين) فلا تقابلهم بسفههم .
                    روى الطبري وابن مردويه من حديث جابر وغيره :
                    لما نزلت هذه الآية قال (صلى الله عليه وسلم) لجبريل: ما هذا ؟ قال لا أدرى حتى أسأل ثم رجع فقال : إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك .
                    قال جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه.
                    (وإن هذا من الجاهلين) الذي أمر صلى الله عليه وسلم بالصفح عنهم والتجاوز عن سوء فعلهم .
                    (والله ما جاوزها) أي الآية (عمر) أي ما خرج عما تضمنته من الصفح والتجاوز (حين تلاها) الحر عليه
                    (وكان وقافا عند) حدود (كتاب الله) كناية عن امتثاله لها والاهتمام بأمرها وعدم تجاوز ذلك .

                    فوائد الحديث :
                    1- فيه الحث على تدبر كتاب الله وفهم معاني الآيات والعمل بمقتضى تعاليمها .
                    2- الحث على الصبر على جهل الجهال وسوء خلق الناس وقبول اليسير من خيرهم وعدم البحث عن غيرها
                    3- عدم رد إساءة الناس بالإساءة إليهم ولكن تدفع إساءتهم ويُتجنب الخوض معهم بلا مهانة ولا مذلة .

                    تعليق

                    • آية اللطف
                      4- عضو فعال

                      • 13 أكت, 2006
                      • 698
                      • والأم راعية في بيتها
                      • مسلمة ولله الحمد

                      #25
                      موضوع رائع ... جزاك الله خيرا وبارك فيك ..
                      اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا هدى وتقى وصلاحا وفلاحا يا أرحم الراحمين ..
                      - اللهم لولا أنت ما اهتدينا **** ولا تصدقنا ولا صلينا
                      إن اليهود قد بغوا علينا **** وإن أرادوا ذلنا أبينا
                      فأنزلن سكينة علينـــــا **** وثبت الأقدام إن لاقينا
                      - ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
                      - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون

                      تعليق

                      • قاهر الضلال
                        2- عضو مشارك

                        • 6 فبر, 2012
                        • 168
                        • social worker
                        • مسلم

                        #26
                        جزاكم الله خيرا

                        تعليق

                        • ندى الصباح
                          2- عضو مشارك
                          • 23 ينا, 2010
                          • 222
                          • بدون
                          • الحمد لله على نعمة الاسلام

                          #27
                          الاخوه الكرام

                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                          شكرا على المرور والكلام الطيب

                          ومعذرة عن التأخير في استكمال الملف ...

                          تعليق

                          • ندى الصباح
                            2- عضو مشارك
                            • 23 ينا, 2010
                            • 222
                            • بدون
                            • الحمد لله على نعمة الاسلام

                            #28

                            28- عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال :"إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ، قالوا : يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال : تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم ".

                            (إنها ستكون) تحصل (بعدي) أي بعد وفاتي بمدة
                            (أثرة) : الأثرة : الانفراد بالشيء والاستئثار به عمن له فيه حق
                            (وأمور تنكرونها) كما وقع من تأخير الصلوات وبعض المنكرات


                            هذا إخبار عن ولاة المسلمين في أنهم يستأثرون بأموال المسلمين يصرفونها كما شاءوا ويمنعون المسلمين حقهم فيها وهذه أثرة وظلم من الولاة أن يستأثروا بالأموال التي للمسلمين فيها الحق ويستأثروا بها لأنفسهم عن المسلمين.
                            (قالوا يا رسول الله فما تأمرنا) نفعله حينئذ .
                            (قال تؤدون) أي تعطون (الحق الذي) كتب (عليكم) من الانقياد لهم وعدم الخروج عليهم .
                            (وتسألون الله الذي لكم) اسألوا الحق الذي لكم من الله
                            أي لا يمنعكم استئثارهم بالمال عليكم أن تمنعوا ما يجب عليكم نحوهم من السمع والطاعة بل اصبروا واسمعوا وأطيعوا ولا تنازعوا الأمر الذي أعطاهم الله واسألوا الحق الذي لكم من الله .
                            أي اسألوا الله أن يهديهم حتى يؤدوكم الحق الذي عليهم لكم وهذا من حكمة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأنه يعلم أن النفوس شحيحة وأنها لن تصبر على من يستأثر عليهم بحقوقهم فأرشدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمر قد يكون فيه الخير وهو أن نؤدي ما علينا من الطاعة وندعو الله لهم بأن يعطونا حقنا .

                            فوائد الحديث : الحديث فيه الصبر على المقدور والرضا بالقضاء حلوه ومره والتسليم لمراد الرب العليم .
                            * وفيه الصبر على ظلم الولاة .. وهم كل من يتولى أمرك وله حق الطاعة عليك بداية من الوالي الذي يلي أمر البلاد إلى الوالدين إلى الزوج في بيته .. ونحوهم .
                            فالمطلوب من الإنسان إذا توجه له ظلم من هؤلاء ولم يستطيع أن يغيره بالحسنى ويدفعه عن نفسه فلا بد أن يصبر ويؤدي الحق الذي عليه لهم ، فلا يدفعه ظلمهم له أن يهضم حقهم الذي فرضه الله عليه من الطاعة فلا يقصر في حقهم إلى أن يأخذ منهم حقه وإنما يؤدي ما عليه من حقوق وواجبات ويطلب حقه من الله وذلك بأن يسأل الله أن يهديهم إلى أداء حقه المهضوم عندهم وذلك بعد استفراغ الوسع من طلب الحق منهم .
                            ومما يعين على هذا أن يعلم أن الله تعالى هو الذي قدر له ما هو فيه من خير أو شر ولو شاء الله لأعطاه منهم ما يريد ولو شاء منعه .. فهو سبحانه القاهر فوق عباده .

                            وجاء في الخبر فيما يحكى عن رب العزة أنه قال: " أنا الملك ، مالك الملك ومالك الملوك وأن العباد إذا هم أطاعوني سلطت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة وأن العباد إذا هم عصوني سلطت قلوب ملوكهم عليهم بالسخط والنقمة فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك ولكن اشغلوا أنفسكم بالدعاء والتضرع لي أكفكم ملوككم "

                            تعليق

                            • ندى الصباح
                              2- عضو مشارك
                              • 23 ينا, 2010
                              • 222
                              • بدون
                              • الحمد لله على نعمة الاسلام

                              #29
                              29- عن أبي يحيى أسيد بن حضير رضى الله عنه أن رجلاً من الأنصار قال : يا رسول الله ألا تستعملني كما استعملت فلاناً فقال : "
                              إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض
                              "

                              (أن رجلاً من الأنصار) قال النووي : قيل : هو أسيد بن حضير الراوي .
                              ( قال: يا رسول الله ألا تستعملني) أي تصيرني عاملاً في بلادها ونحوها .
                              (كما استعملت فلانا) هو عمرو بن العاص .
                              (فلانا) أي استعمالاً كاستعمال فلان وفلان .
                              (فقال إنكم) أي يا معشر الأنصار .
                              (ستلقون بعدي أثرة) أي من يستأثر عليكم .
                              (فاصبروا) على استئثارهم عليكم بما تستحقونه .
                              (حتى تلقوني على الحوض) أي إلى الموت الكائن بعد البعث منه لقاؤهم له صلى الله عليه وسلم على الحوض .

                              قال النووي : فإن قلت ما وجه المناسبة بين قوله (إنكم ستلقون ..) وما سأله عن العمل؟
                              قلت : لعله أن من شأن العامل الاستئثار إلا من عصم الله فأشفق عليه الصلاة والسلام من أن يقع فيه بعض من يأتي بعده من الملوك فيستأثر على ذوي الحقوق ويمنعهم منه .



                              فوائد الحديث : فيه التصبر بجزاء الآخرة وثوابها عن منغصات الدنيا ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم (إنها ستكون أثره ) ثم قال (اصبروا حتى تلقوني على الحوض) يعني أنكم إذا صبرتم فإن جزاء الله لكم على صبركم أن يسقيكم من حوض النبي (صلى الله عليه وسلم) .

                              تعليق

                              • ندى الصباح
                                2- عضو مشارك
                                • 23 ينا, 2010
                                • 222
                                • بدون
                                • الحمد لله على نعمة الاسلام

                                #30
                                - عن أبي إبراهيم عبد الله بن أوفي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بعض أيامه التي لقى فيها العدو انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال :
                                "يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ثم قال النبي (صلى الله عليه وسلم) :
                                اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم".


                                (قال : يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو) وحكمة النهي كما قال ابن بطال أن المرء لا يعلم مآل أمره وهو نظير سؤال العافية من الفتن.
                                وقال الصديق (لأن أعافى فاشكر أحب إليَّ من أن أُبتلى فأصبر)
                                وقيل : إنما نهى عنه لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على القوة والوثوق بها وقلة الاهتمام بأمر العدو وكل ذلك مخالف للاحتياط والأخذ بالحزم.
                                قال المصنف : كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية وهي من الألفاظ المتناولة لدفع جميع الآفات في البدن في الظاهر والباطن في الدنيا والآخرة .
                                (فإذا لقيتموهم) أي العدو (فاصبروا) على قتالهم ولا تجبنوا عن حربهم فإنه سبحانه وتعالى مع الصابرين بالمعونة وقد وعد جنده بالظفر فقال (وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) ففيه الحث على الصبر وهو أهم المطلوب في الجهاد.
                                (واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف) أي حاصلة بها

                                قال التوربشتي : معناه : ثواب الله والسبب الموصل إلى الجنة عند الضرب بالسيف ومشي المجاهد في سبيل الله فاحضروا بصدق نية واثبتوا.
                                (ثم قال) داعياً بالنصر وقدم الثناء عليه سبحانه تعليماً للأدب فيه وهو أن يقدم الداعي أمام دعائه ذكر بعض أسمائه تعالى وأوصافه مما يناسب حاجته ومطلوبه .
                                لأنه صلى الله عليه وسلم مطلوبه هنا النصرة وهي من أثار القدرة والمذكور يناسبها : أي مناسبة (اللهم ) يا
                                (منزل الكتاب) قيل الكتب المنزلة إلى الدنيا ، وقيل المراد القرآن
                                (ومجري السحاب) فالسحاب لا يتحرك إلا بقدرة الله سبحانه .
                                (وهازم الأحزاب) الأحزاب : الطوائف من الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
                                وكانت موقعة الأحزاب في السنة الخامسة من الهجرة ، وخُصت بالذكر لأن هزيمتهم فيها مع كثرة عددهم إنما كان بمحض القدرة الإلهية لا دخل فيها بالأسباب بخلاف باقي الحروب والأعجب من ذلك أن هزيمتهم كانت بالريح .
                                (اهزمهم وانصرنا عليهم) أي عَجِّل بالنصر فإن رسل الله هم المنصورون وجند الله هم الغالبون.
                                وخص الدعاء عليهم بما ذكر دون الإهلاك لأن فيه سلامة نفوسهم وقد يكون فيه رجاء لإسلامهم بخلاف الإهلاك

                                وفي الحديث استعمال السجع في الدعاء .
                                قال المصنف وغيره : السجع المذموم في الدعاء هو المتكلف لأنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب أما ما حصل بلا كلفة ولا إعمال فكر لكمال فصاحة الداعي ونحو ذلك أو لكونه محفوظاً فلا بأس به .

                                فوائد الحديث : * قال النووى : الدعاء حال الشدائد والخروج من الحول والقوة وذلك من أعظم الأسباب لبلوغ المآرب ونيل المطالب
                                وفي الحديث :
                                (لا حول ولا قوة إلا بالله دواء تسعة وتسعين داء أيسرهم الهم).* قال ابن عثيمين : في فعله صلى الله عليه وسلم جمع بين الحقيقة والشريعة
                                - فالشريعة أخذه العدة من السلاح وغيره والخروج للقتال وتحريض الصحابة على ذلك .
                                - والحقيقة هي دعاؤه صلى الله عليه وسلم وإظهاره للافتقار وتعلقه بربه .
                                * فيه الحث على طلب العافية في كل الأشياء ولا يُعَرِّض نفسه لشيء وهو لا يقدر عليه اللهم إلا إن أتاه أمر وفاجأه فوظيفته إذ ذاك الصبر والتثبيت والأدب فيما أقيم فيه .
                                * إن الإنسان إذا لقى العدو فإن الواجب عليه أن يصبر ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ ).




                                الحمد لله الذى تتم بنعمته الصالحات

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                                ردود 0
                                68 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة د.أمير عبدالله
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                                ردود 112
                                230 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                                ردود 3
                                48 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة عاشق طيبة
                                بواسطة عاشق طيبة
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                                ردود 0
                                145 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                                ردود 3
                                104 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة عادل خراط
                                بواسطة عادل خراط
                                يعمل...