ما هو الصبر,,طرق تحصيله ,, منزلته ,, أنواعه

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ندى الصباح الحمد لله على نعمة الاسلام اكتشف المزيد حول ندى الصباح
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 1 (0 أعضاء و 1 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ندى الصباح
    2- عضو مشارك
    • 23 ينا, 2010
    • 222
    • بدون
    • الحمد لله على نعمة الاسلام

    ما هو الصبر,,طرق تحصيله ,, منزلته ,, أنواعه

    رياض الصالحين


    باب الصبر

    ما هو الصبر؟
    قال العلماء:
    الصبر: هو ثبات باعث الدين في مقابلة باعث الشهوة
    باعث الدين : هو ما هدى إليه الإنسان من معرفة الله ورسوله ومعرفة المصالح المتعلقة بالعواقب ، وهي الصفة التي بها فارق الإنسان البهائم في قمع الشهوات.
    باعث الهوى : هو مطالبة الشهوات بمقتضاها .
    - وبهذا نعلم أن حقيقة الصبر: هي ثبات باعث الدين في مقاومة باعث الهوى .
    ولكي تفهم هذا المعنى ، ينبغي أن تعرف ما هو مصدر هذان الباعثان في الإنسان ، باعث الدين وباعث الهوى .
    يقول تعالى (وَنَفْسٍ وَمَـا سَوَّاهَـا فَـألْـهَمَها فُجُورَها وتـَقْوَاهَا)
    فالنفس البشرية ركب الله فيها ميول للخير ورغبة فيه ، وجعل فيها أيضاً ميل للشر ورغبة فيه .
    باعث الدين : منشأه من استجابة النفس لنزعة الخير التي خلقت فيها ،
    وباعث الهوى : منشأه من استجابة النفس لنزعة الشر التي وجدت فيها ،
    وكلما كانت الاستجابة أعلى كان الباعث أقوى.

    * الإنسان مكون من جزئين : جزء مادي ومحله الجسد ، وجزء روحي ومحله القلب، ولكل جزء منهما غذاء يقوى به إذا تعاطاه ، ويضعف إذا حُرم منه.
    فغذاء الجسد من الأرض التي خلق منها كجميع أنواع الطعام والشراب ، وكلما انتقص هذا الغذاء ضعف الجسد، وإذا حُرمه لفترة طويلة هلك .
    وغذاء الروح من السماء، فكل ما يصلك بالله تعالى هو غذاء للروح وصحة وقوة للقلب، مثل الذكر والصلاة والصيام والنية الحسنة وحب ما يحبه الله وبغض ما يبغض الله.
    فليس الغذاء متوقف على ما يصدر من الجوارح ، وإنما المشاعر التي تربطك بالله هي كذلك من غذاء الروح ، كالحب في الله ، والبغض فيه ، والفرح بالطاعة ، والحزن على إتيان المعصية.
    وكلما قلَّ هذا الغذاء ضعف القلب. وكلما زاد حرمانه من الغذاء لمدة طويلة ، قد يموت هذا القلب ، فلا يستقبح قبيحاً ولا يستحسن معروفاً، فقد عُدِمَ الإحساس تماماً مثل الميت.

    * ولكن موت القلب ليس كموت الجسد
    فالجسد إذا مات ، أي لم تعد فيه حياة ، فإنه لا مرد للحياة فيه إلا يوم النشور، أما القلب فإذا مات ، فهو كالأرض إذا ماتت فلم يعد بها حياة ولم تعد صالحه للإنبات .. ولكن إذا نزل عليها الماء اهتزت وربت وانبتت من كل زوج بهيج .
    كذلك القلب إذا مات ثم جاءه نور من الله فإنه يحيا بهذا النور ، وتعود إليه قوته وصحته.
    نقول هذا حتى إذا زاد بُعْدُ الإنسان عن ربه ، وأيقن بموت قلبه ، لا ييأس، فليس موت القلب كموت الجسد.

    لذلك عندما دعا الله تعالى أصحاب القلوب القاسية للخشوع فقال : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)
    قال بعدها :
    ( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) ... فما علاقة الأرض بالقلب؟
    إشارةً إلى أن القادر على أن يحيي الأرض بعد موتها هو قادر على أن يحيي القلوب بعد موتها ، حتى لا نيأس من رحمته.
    ومنه نفهم أيضاً :
    أن الإنسان كلما اهتم بغذاء جسده مع إهمال غذاء الروح فإن هذا يزيد من جاذبية الأرض له لأنه منها خلق فيكون مجذوب دائماً للشهوات حتى وإن رفضها بعقله.
    وإذا اهتم الإنسان بغذاء روحه فإن جسده يخف لأن الروح ستنجذب إلي أعلى ويقل انجذاب الجسد إلي أسفل فيسهل عليه فعل الطاعات وترك الشهوات.

    * فالإنسان إما مجذوب إلي أعلى وإما مجذوب إلي أسفل ، فكل مهموم بالدنيا منجذب إليها وكل مهموم بالآخرة منجذب إليها .
    لذلك الذي يشتكي من قوة إقباله ورغبته في المعصية رغم أنه يعلم ضررها ويرفضها بعقله نقول له:
    اهتم بغذاء القلب حتى يسهل عليك ترك الشهوة ، فإن انقيادك للشهوة وشدة تعلقك بها إنما يكون لشدة الجذبة إلي الأرض وضعف الجذبة إلي أعلى ، فقوى قلبك حتى تنجذب إلي أعلى ويقوى باعث الدين على باعث الهوى فيتمكن من مقاومته.
    لهذا قال العلماء: إن باعث الدين له مع باعث الهوى ثلاثة أحوال :
    1) أن يقهر باعث الدين باعث الهوى فلا تبقى له قوة
    والواصلون إلي هذه الرتبة هم الأقلون وهم الصدقيون المقربون ( الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا )
    وهم الذين يناديهم المنادي : " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ُ"

    2) أن يغلب باعث الهوى باعث الدين فيُسلم نفسه إلي جند الشياطين ولا يجاهد ليأسه من هذه المجاهدة.
    وهؤلاء هم الغافلون وهم الأكثرون وصاحب هذه الحالة يقول أريد أن أتوب لكني لا أقدر على التوبة ، أو يقول أن الله غفور رحيم كريم لا حاجة به إلى توبتي، قد صار عقله ذليلاً لشهوته لا يستعمله إلا في الحيل التي يتوصل بها إلي قضاء شهوته.

    3) أن يكون الحرب سجالاً بين الجندين تارة له وتارة عليه
    وأهل هذه الحالة هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وأخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم.

    ويكون الحال يوم القيامة موازي لهذه الأحوال الثلاثة :
    فمن الناس من يدخل الجنة ولا يدخل النار (الصنف الأول)
    ومنهم من يدخل النار ولا يدخل الجنة (الصنف الثاني)
    ومنهم من يدخل النار ثم يدخل الجنة (الصنف الثالث)

    * ومنه نعلم أيضاً: أن من الناس من يصبر بجهد ومشقة ، ومنهم من يصبر بأدنى حمل على النفس.
    ومثال الأول: كرجل صارع رجلاً شديداً فلا يقهره ألا بتعب ومشقة
    ومثال الثاني: كرجل صارع رجلاً ضعيفاً فإنه يصرعه بغير مشقة
    ذكر أبي الدنيا عن بعض السلف:
    " أن شيطاناً لقى شيطاناً فقال مالي أراك شحيبا ً؟
    فقال: إني مع رجل إن أكل ذكر الله فلا آكل معه ، وإن شرب ذكر اسم الله فلا أشرب معه ، وإن دخل بيته ذكر اسم الله فأبيت خارج الدار.
    فقال الآخر: لكني مع رجل إن أكل لم يسم الله فآكل أنا وهو جميعاً، وإن شرب لم يسم الله فاشرب معه، وإن دخل داره لم يسم الله فادخل معه ، وإن جامع امرأته لم يسم الله فأجامعها "
    فمن اعتاد الصبر هابه عدوه ومن عز عليه الصبر طمع فيه عدوه وأوشك أن ينال منه غرضه.

    * طرق تحصيل الصبر :
    الصبر عبارة عن مصارعة باعث الدين باعث الهوى
    فإذا أردنا أن يغلب أحد المتصارعين الآخر فلابد من تقوية من أردنا له النصر وتضعيف الأخر.
    فيكون طريق تحصيل الصبر: بتقوية باعث الدين وتضعيف باعث الهوى

    1) تضعيف باعث الهوى:
    إن كان الهوى شهوة : فسبيل تضعيف باعث الشهوة الآتي:
    1- أن ننظر إلي مادة قوتها وهي الأغذية المحركة للشهوة (من حيث كثرتها ومن حيث نوعها) ونقطعها
    فمن الأغذية المحركة للشهوة: كثرة الطعام، الخلطة الفاسدة، كثرة النوم
    لذلك كان الصوم من الأدوية الموصوفة لمقاومة الشهوة لأن فيه قطع لمادة من مواد قوتها وهي كثرة الطعام.
    2- قطع أسبابه المهيجة في الحال .. مثل النظر
    فالشهوة تهيج بالنظر إلي مظان الشهوة ، إذ النظر يحرك القلب والقلب يحرك الشهوة ، وهذا يحصل بالعزلة والاحتراز من وقوع البصر على الصور المشتهاه والفرار منها .
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام أبليس"
    3- تسلية النفس بالمباح من الجنس الذي يشتهيه وذلك بالنكاح لمن يعاني من شهوة النظر إلي النساء فإن كل ما يشتهيه الطبع ففي المباحات من جنسه ما يُغني عن المحظورات منه.

    2) تقوية باعث الدين : بطريقين :
    أ- إطعامه من فوائد المجاهدة وثمراتها بكثرة الإطلاع على الأخبار الواردة في فضلالصبر .
    ب- أن يُعَوِّد هذا الباعث مصارعة الهوى تدريجياً قليلاً قليلاً حتى يدرك لذة الظفر بها فيقوى على مصارعتها .
    فمن عود نفسه مخالفة الهوى غلبها متى أراد (أي غلب نفسه) .




    يتبع ..
  • ندى الصباح
    2- عضو مشارك
    • 23 ينا, 2010
    • 222
    • بدون
    • الحمد لله على نعمة الاسلام

    #2
    *منزلة الصبر :

    ورد في الحديث " الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر "

    ولكي نفهم معنى كون الصبر نصف الإيمان نقول:

    الإيمان أحياناً يطلق على التصديق (وهو اليقين) والعمل ، وتارة يطلق على العمل فقط

    - إذا أطلق الإيمان على

    اليقين و العمل
    فاليقين : يُعرفه أن المعصية ضارة والطاعة نافعة
    والعمل : لكي يعمل بمقتضى هذا اليقين يحتاج إلي صبر كي يعمل الطاعة ويترك المعصية

    ● وبهذا يتضح كون الصبر نصف الإيمان

    n وإذا أطلق الإيمان على العمل فقط
    فإن كل ما يلاقيه العبد ينقسم إلى قسمين

    ما يضره فهو مطالب في هذا القسم بالصبر
    ما ينفعه ومطالب في هذا القسم بالشكر


    ● وبذلك يكون بهذا المعنى الصبر نصف الإيمان والشكر هو النصف الأخر



    * عن علي بن أبي طالب: قال: الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا جسد لمن لا رأس له ولا إيمان لمن لا صبر له.
    ولكي نفهم هذا القول ونعرف ما السر في كون الصبر بهذه المنزلة من الإيمان ينبغي أن نعلم:


    " أن العبد لا يستغنى عن الصبر، في جميع أحواله "



    يقول العلماء في بيان هذا الأمر:

    " اعلم أن جميع ما يلقى العبد في هذه الحياة لا يخلو من نوعين ما يوافق وما لا يوافق الهوى"

    · ما يوافق هواه ==> كالصحة والمال والجاه وكثرة الأولاد وجميع ملاذ الدنيا
    فهو محتاج للصبر فى كل واحد منها

    · ما لا يوافق هواه بل يكرهه منها

    أ- ما يرتبط باختياره : كالطاعات والمعاصي

    ب- ما لا يرتبط باختياره : كالمصائب (الضراء )

    جـ- لا يرتبط باختياره ولكن له اختيار فى إزالته : كالتشفي من المؤذي (كردات الأفعال بالعفو عند المقدره وكظم الغيظ )

    يتبع ..

    تعليق

    • ندى الصباح
      2- عضو مشارك
      • 23 ينا, 2010
      • 222
      • بدون
      • الحمد لله على نعمة الاسلام

      #3
      * النوع الأول (ما يوافق هواه) :

      " مثل المال والجاه وسائر المتع "= ( النعم / السراء)

      ما أحوج العبد إلي الصبر على هذه الأمور فإنه إن لم يضبط نفسه في الاسترسال والركون إليها والانهماك في ملاذها المباحة أخرجه ذلك إلي البطر والطغيان.
      شرح : الصبر على هذه الأمور أي زينة الدنيا – الاسترسال اي الانشغال
      هناك نهي عن الركون الى الدنيا لأنه سوف يؤدي للانشغال عن الآخره والسعي اليها
      فإن فعل أدى به ذلك الى البطر = نسيان المُنعم والطغيان = الظلم للآخرين والجحود والكفر بالخالق

      · قال تعالى ( إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى )
      · وقال بعض العارفين: البلاء يصبر عليه المؤمن والعوافي لا يصبر عليها إلا صدِّيق.
      · وقال سهل: الصبر على العافية أشد من الصبر على البلاء.
      · ولما فتحت أبواب الدنيا على الصحابة رضي الله عنهم قالوا: أبتلينا بفتنة الضراء فصبرنا وابتلينا بفتنة السراء فلم نصبر.
      ولذلك حذر الله عباده من فتنة المال والزوج والولد فقال عز شأنه " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ "

      وقال تعالى:
      ( إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ )
      (العداوه المقصوده هنا المترتبه على المحبه أي أن يحب أحد حب يؤدي الى الضرر والعداوة والاخلاص لله هو المنجي من هذا النوع )

      وفي قصص القرآن الكثير مما يبين هذه الفتنة كقصة قارون وصاحب الجنتين، وفي السنة ورد قصة الأعمى والأقرع والأبرص.


      * ما معنى الصبر على العافية ؟

      قال العلماء: أن يعلم أن كل ذلك (أي من النعم) مستودع عنده ولا يرسل نفسه في الفرح بها ، ولا ينهمك في التنعم واللذة واللهو واللعب ، وأن يرعى حقوق الله فيها ، ففي ماله بالانفاق وفي بدنه ببذل المعونة للخلق ، وفي لسانه ببذل الصدق ، وهكذا في سائر النعم.

      وهذا الكلام يحتاج إلي شرح:
      ● فقولهم (أن يعلم أن كل ذلك مستودع عنده)

      المقصود به: (نسبة النعمة إلي الله تعالى)
      والاعتراف بينه وبين نفسه أولًا ثم بينه وبين الناس أن هذه النعمة من الله فلا يغيب عن قلبه أن صاحب النعمة هو الله تعالى وأن كل نعمة بين يديه هي ملك لله في الحقيقة وهو الواهب لها ( وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ )
      وهناك فرق بين أن تؤمن بهذا وبين أن يكون هناك شعور قائم في قلبك باستمرار به ...
      فالإنسان حين يؤمن بذلك فإنه لا ينكر بعقله أن النعمة من الله ويقر بلسانه أيضاً ولكنه قد ينكر هذا بأفعاله وذلك حين يغيب هذا العلم عن قلبه.

      فهو حين يغيب هذا العلم عن قلبه وهذا الشعور فإنه حتماً ولابد سيغتر بهذه النعمة ويتكبر بها على غيره ويستعظم شأن نفسه ويحتقر من هو دونه ويظهر ذلك في تصرفاته وأفعاله ولكنه قد لا يفهم هذا من نفسه بل يُحسن الظن بها.

      وهذا نراه كثيراً بين الناس فيمن رزقه الله مالاً أو سلطاناً أو علم فإنه في بادئ الأمر يرى المنعم ويعترف بفضله ولكنه حين يطول عليه الأمد يتناسى ذلك ويظن أن النعمة جاءته عن استحقاق فيرى نفسه مستحقة لهذه النعمة ثم يرى بعد ذلك أنه هو الذي سعى وحصَّل هذه النعمة بجهده وذكائه حتى يحمد سعيه ويختفي من قلبه تدريجياً رؤية المنعم حتى لا يحمده لا باللسان ولا بالفعال.

      مثال ذلك: إنسان جاهل فتح الله له أبواب العلم فتعلم .
      فإنه في البداية قد يلهج لسانه بحمد الله على تيسيره ذلك العلم ، ولكنه حين يجلس بين جُهَّال ليعلمهم مما علمه الله قد يضعف عنده رؤية المنعم ويتعاظم لديه رؤية نفسه وهي مرتفعة على غيرها بالعلم فيغتر بالنعمة حتى يتكبر على من هو دونه ويترفع عليه ويرى أنه حين جلس لتعليم غيره فإنه مستحق لهذا المقام بتحصيله للعلم.

      وهذه الأحوال المذكورة من الاغترار بالنعمة والتكبر بها إلي أخرها لا تكون واضحة بينه وبين نفسه أو صريحة وإنما هي تتضح في أفعاله وتترجم منها فمن كان ذو بصيرة وملاحظة لحال نفسه علمها.
      أما من استقر في قلبه أن الله هو المنعم عليه في الحقيقة فإن رؤيته للنعمة من الله تزيده تواضعاً في النعمة وحرصاً على نفع غيره بها كما انتفع هو بها ولا يبخل بها عن غيره لأنها ليست ملكاً له على الحقيقة وإنما هي وديعة عنده .

      ولكي يحفظ الإنسان في قلبه رؤية المنعم دائماً فعليه أن يُعلن على نفسه باستمرار أن الله هو الوهاب الرزاق، ولكي تستقر هذه الحقيقة في قلبه فليكن دائماً على لسانه ذكر المنعم كلما ظهرت عليه النعمة، فيقول الله رزقني بكذا، الله نفعني بكذا ، الله سخر لي كذا، لولا عناية الله ما حصل لي كذا، لولا أن هداني الله لكذا ما فعلت .

      فإقرار اللسان بالحقيقة هو الذي يثبتها في القلب
      فإذا غابت الحقيقة عن اللسان غاب ذكرها في القلب .

      مثال آخر: أن يوفق الله تعالى شخص في حل مشكلة صعبة لغيره من الناس فإنه قد يرى أنه فعل ذلك بذكائه وحُسن فهمه ويغيب عن عقله وقلبه رؤية المنعم ,
      فينسب النعمة لنفسه ويقول أنا فكرت وفعلت، وقد يرى المُنعم في بداية الأمر فيقول الله ألهمني كذا وكذا ولكنه قد ينسى بعد ذلك حين يمدحه الخلق بأنه هو الذي حل المشكلة وأنه صاحب ذكاء وفراسة فقد يضعف عنده رؤية المنعم .. ويرى نفسه ، وحينذاك يعجب بها وتنبسط نفسه بمدح الخلق.

      لذلك قال العلماء : الفرق بين الفرح بالطاعة والعُجب بها هو رؤية المنعم سبحانه ، فمن كان فرحه بالطاعة أو النعمة مصحوباً برؤية توفيق الله تعالى فهذا فرح محمود.

      قال تعالى " قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ "

      أما إذا غاب عن قلبه رؤية مِنَّة الله عليه ولم يرى إلا النعمة وعمل نفسه فقط فإن هذا هو العُجب. الفرح المذموم

      ● وقولهم (ولا يرسل نفسه في الفرح)
      لأن هذه النعمة اختبار له فليست جزاء له حتى يفرح بها وهي كذلك لم تأتيه عن استحقاق وإنما هو مختبر بها بأن يشكر أو يكفر.
      قال تعالى " لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ "
      وقال تعالى " وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ "
      وتبديل النعمة أن يستعملها في غير ما أحل الله له .

      ● وقولهم (أن يرعى حقوق الله فيها، في ماله بالانفاق وفي بدنه ببذل المعونة)
      يقول بعض السلف:
      (من كثرت نعم الله عنده كثرت حاجة الناس إليه)
      فإذا مل الإنسان النعمة نقلت إلي غيره . فلا يجب أن يبخل صاحب النعمة على غيره وإلا حرم منها .
      - فمن أتاه الله علماً ولم يعلم غيره يوشك الله أن يُنسيه ذلك العلم أو يمنع عنه الانتفاع به .
      - ومن أتاه الله قوة على معونة الناس فتضجر من كثرة احتياج الناس له يوشك الله أن يصرف عنه الناس أو يفقره فيما يملك.
      - ومن أتاه الله مالاً ولم ينفق منه يوشك الله أن يسلبه أو يمنع عنه بركته

      وإذا كان :
      - الاعتراف بالنعمة ونسبتها إلي الله
      - وعدم الركون إليها والفرح بها
      - والتصرف فيها بما يُرضى الله
      إذا كان كل هذا من الأمور التي يصعب فيها ضبط النفس .
      فإنها لذلك تحتاج مجاهدة للنفس وصبر عليها .

      فالجائع عند غيبة الطعام أقدر على الصبر منه إذا حضرته الأطعمة اللذيذة وقدر عليها .
      لذلك قال صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه:

      " والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تُبسط إليكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم "



      ومن هنا كانت فتنة السراء أشد من فتنة الضراء



      اذن شُكر النعمه يكون بــ


      شكر القلب : رؤية المُنعم


      شكر اللسان : بالحمد ونسب الفضل إلى الله

      شكر العمل : أن يصرفها على النحو الذي أمره الله به

      تعليق

      • ندى الصباح
        2- عضو مشارك
        • 23 ينا, 2010
        • 222
        • بدون
        • الحمد لله على نعمة الاسلام

        #4
        * النوع الثاني(ما لا يوافق الهوى والطبع) :
        - القسم الأول:
        أ- ما يرتبط باختيار العبد
        وهو سائر أفعاله التي توصف بكونها طاعة أو معصية
        1) الطاعة:
        نستكمل ,,



        2) المعاصي:
        وهي مقتضى باعث الهوى
        (أشد أنواع الصبر هو الصبر على المعاصي التي صارت مألوفة بالعادة)
        أي أن المعصية التي اعتاد الإنسان فعلها يصعب عليه تركها عن المعصية التي يتعرض لها في أحوال معينة أو ظروف خاصة.
        كمن اعتاد أن يشاهد التلفزيون فمن الصعب أن يصبر على عدم النظر إليه أما من لم يعتاد مشاهدته فإنه يسهل عليه تركه.

        قالوا : ( فإذا انضافت الشهوة إلي العادة تظاهر جندان من جنود الشيطان على جند الله فلا يقوى باعث الدين على قمعها )
        فمن كان في قلبه شهوة النظر المحرم كان من الصعب عليه ترك النظر عمن ينظر عادة لأنه أعتاد إرسال نظره فقط

        قالوا : (ثم إذا كان هذا الفعل مما يتيسر فعله كان الصبر عنه أثقل على النفس)
        كالصبر عن معاصي اللسان من الغيبة والكذب والمراء والثناء على النفس تعريضاً وتصريحاً وأنواع المزاح المؤذي للقلوب وضروب الكلام التي يقصد بها الازدراء والاستحقار وذكر الموتى والقدح فيهم.
        فإن ذلك في ظاهره غيبة وفي باطنه ثناء على النفس ففيه شهوتان: نفي الغير وإثبات النفس .
        ولاجتماع الشهوتين وتيسر حركة اللسان وكون ذلك عادة في المحاورات والمجالس يعسر الصبر عنها .

        قال العلماء: ومن لم يملك لسانه في المحاورات ولم يقدر على الصبر على ذلك فيجب عليه العزلة والانفراد .
        فالصبر على الانفراد أهون من الصبر على السكوت مع المخالفة
        وقالوا (وتختلف شدة الصبر في أنواع المعاصي باختلاف دواعي المعصية، فحركة الخواطر أيسر من حركة اللسان وحديث النفس في العزلة لا يمكن الصبر عنه إلا أن يغلب هم أخر في الدين يستغرقه.


        من الأسباب التي تعين على الصبر على المعاصي :

        1) معرفة حقيقة الدنيا والأخرة
        فإن الدنيا وما فيها من لذات ومتع إلي زوال
        يقول تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا... "

        وجاء في الأثر فيما صح معناه عن رب العزة :
        ابن أدم: اعلم أن الذي تبنيه للخراب وعمرك عارية وجسدك للتراب وما جمعته فللورثة ، الأكل منه والنعيم لغيرك والحساب عليك والعقاب والندم والصاحب لك في القبر العمل، فحاسب نفسك قبل أن تحاسب وألزم طاعتي وأحذر معصيتي وأرضي بما يأتيك مني وكن من الشاكرين.

        وفي الخبر: حب الدنيا رأس كل خطيئة
        فأكبر باب للمعاصي هو حب الدنيا والتعلق بها .

        لذلك جاء في الحديث:
        ليجئن أقواماً يوم القيامة أعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلي النار ، قالوا: يا رسول الله مصلين ؟ قال: نعم كانوا يصلون ويصومون ويأخذون من الليل فإذا عُرض لهم شيء في الدنيا وثبوا عليه.
        - وهذا نراه كثيراً فيمن يقطع رحمه من أجل المال أو يهضم حق من حقوقه
        - ونراه فيمن يكره مسلماً لأنه خالفه في الرأي
        - وفيمن يتكبر على أخيه لأنه أصبح أفضل منه حالاً
        - وفيمن يشح بما لا يُنقصه على من لا يملك
        فكل هذا منشأه هو حب الدنيا
        وما الدنيا سوى حب المال والجاه والظهور والكثرة

        وفي الخبر: روي عن عيسى عليه السلام أنه قال: لا يستقيم حب الدنيا والأخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد .
        وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
        "الدنيا موقوفة بين السماء والأرض منذ خلقها الله تعالى لم ينظر إليها وتقول يوم القيامة يارب أجعلني لأدنى أوليائك اليوم نصيباً فيقول أسكتي يالا شيء إني لم أرضك لهم في الدنيا أأرضك لهم اليوم ؟".

        ومن المعلوم أن آخر إنسان يدخل الجنة له عشرة أمثال الدنيا ، وزيادة على ذلك يقال له : ( لك ما تشتهي نفسك وتقر عينك وأنت فيها خالد )
        فأي دنيا تلك التي نعصى الله من أجلها
        وأي شهوة تلك التي تعدل لذتها لذة النظر إلي وجه الله تعالى .

        فإذا استشعر الإنسان قيمة الآخرة وقدر نعيمها هان عليه ترك الدنيا واحتقر شأنها. فكلما حدثتك نفسك بمعصية تأمل عاقبتها في الآخرة فإنك حين تفعل ذلك يضعف إقبالك عليها وتوشك ألا تحدثك نفسك بها مرة ثانية.

        2) الحياء من الله تعالى :
        يقول الفضيل بن عياض: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والأخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفاً يبقى على ذهب يفنى فكيف وقد اخترنا خزفاً يفنى على ذهب يبقى .
        فينبغي أن يستحي الإنسان من أن يعصى الله ويخالفه من أجل شهوة ساعة أو لذة منقطعة.
        يقول الشاعر:قل حياء الناس من ربهم
        والكل يظهر تقواه
        يخاف أن يمقته قومه
        ولا يبالي مقت مولاه

        ولكى يجلب الإنسان الحياء إلي نفسه :
        قال العلماء: تخيل نفسك بين أيدي الملائكة الموكلين بك أوقفوك عند عرش الرحمن فرموك من أيديهم وناداك الله عز وجل بعظيم كلامه: يا ابن ادم أدنو مني (أي اقترب) فتقترب بقلب خافق ورعب وخشوع وذلة ومعك كتابك الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها الله عليك.
        فبأي قدم تقف بين يدي الله وبأي لسان تجيب وبأي قلب تعقل ماذا تقول إذا قال الله لك: أما استحييت مني أظننت أنني لا أراك وتذكر قول الله تعالى لك وهو يعرض عليك ذنوبك:
        يا عبدي أما استحييت مني فبارزتني بالقبح
        واستحييت من خلقي فاظهرت لهم الجميل
        أكنت أهون عليك من سائر عبادي
        استخففت بنظري إليك فلم تكترث به واستعظمت نظر غيري
        ألم أنعم عليك ,,, فماذا غرك بي.

        3) استحضار العقوبة :
        ومما يعين على ترك المعاصي والصبر عليها ما قاله العلماء:
        على العاصي أن يضع نصب عينيه أنه لن يفلت من العقاب قال تعالى : " وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ "
        وقال تعالى:
        " أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ "
        وقال العلماء في قوله تعالى (وإن الفجار لفي جحيم) .
        قالوا: وهذه تشمل الدور الثلاثة: الدنيا، البرزخ، الأخرة .
        ففي الدنيا: يسوق عليهم الهموم والبلايا ما يجعله في نكد دائم وحزن مستمر.
        وفي البرزخ: عذاب في القبر.
        وفي الأخرة: لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الأخرة أشق.

        4) الاستغفار والتوبة :
        إذا وقع في المعصية فليقلع عن المعصية ويندم عليها ويعزم ألا يعود ويستغفر الله من وزرها ويعينه على ذلك أن يعلم أن ملك الموت إذا جاء يقول الإنسان: يا ملك الموت أخرني يوماً اعتذر فيه إلي ربي وأتوب وأتزود صالحاً لنفسي، فيقول: فنيت الأيام فلا يوم، فيقول: فأخرني ساعة فيقول فنيت الساعات فلا ساعة، فيغلق عليه باب التوبة ويتجرع الحسرة والندامة على تضييع عمره.

        قال لقمان لابنه: يا بني لا تؤخر التوبة فإن الموت يأتي بغته .
        وقال بعض السلف:
        من ترك المبادرة بالتوبة بالتسويف كان بين خطرين:
        أ- أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي حتى يصير طبعاً فلا يقبل المحو.
        ب- أن يعاجله المرض فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو ، لذلك ورد في الخبر أن أكثر صياح أهل النار من التسويف.

        5) مجاهدة النفس:
        إن من أكثر الأسباب المعينة على الصبر عن المعاصي هي مجاهدة النفس وذلك بأمرين:
        أ- طلب العلم النافع: فبه يعرف ضرر المعاصي وعقوبة المعصية، وبالعلم يزيد باعث الدين لديه فيقوى على باعث الهوى فيغلب نفسه على ما تشتهي.
        ب- تزكية النفس: بالعمل الصالح وذكر الله تعالى واللجأ إليه والاستعانة به وهذا أيضاً مما يقوى باعث الدين .

        تعليق

        • ندى الصباح
          2- عضو مشارك
          • 23 ينا, 2010
          • 222
          • بدون
          • الحمد لله على نعمة الاسلام

          #5
          القسم الثاني:


          ب) ما لا يرتبط باختيار العبد



          كالمصائب



          مثل موت الأحبة، هلاك الأموال، زوال الصحة بالمرض وسائر جميع أنواع البلاء.



          قال ابن عباس: الصبر في القرآن على ثلاثة أوجه :


          - صبر على أداء فرائض الله تعالى فله ثلثمائة درجة


          - وصبر على محارم الله تعالى فله ستمائة درجة


          - وصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى فله تسعمائة درجة


          فالصبر على الفرائض وعلى المحارم يقدر عليه كل مؤمن , وأما الصبر على البلاء فهو شديد على النفس فهو بضاعة الصديقين .



          لذلك قال صلى الله عليه وسلم: "وأسألك من اليقين ما تهون به على مصائب الدنيا"


          وعنه صلى الله عليه وسلم قال:


          قال الله عز وجل: إذا وجهت إلي عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً أو أنشر له ديواناً.



          * وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد مؤمن أصيب بمصيبة فقال كما أمر الله تعالى: [ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ، اللهم أجرني في مصيبتي وأعقبني خيراً منها] إلا فعل الله به ذلك "



          * وقال صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: إذا ابتليت عبدي ببلاء فصبر ولم يشكني إلي عواده أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خير من دمه فإذا ابرأته ابرأته ولا ذنب له وأن توفيته فإلى رحمتي ".



          * وروي عن داوود عليه السلام قال:


          يا رب ما جزاء الحزين الذي يصبر على المصائب ابتغاء مرضاتك ؟ قال: جزاؤه أن ألبسه لباس الإيمان فلا أنزعه عنه أبداً.


          * ويقال أن امرأة فتح الموصلى عثرت فانقطع ظفرها فضحكت


          فقيل لها: أما تجدين الوجع ؟


          فقالت: إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه .


          * وقال داوود عليه السلام لسليمان عليه السلام يُستدل على تقوى المؤمن بثلاث:


          - حسن التوكل فيما لم ينل


          - وحسن الرضا فيما قد نال


          - وحسن الصبر فيما قد فات



          * يقول الإمام الغزالي: وليس الصبر أن لا تكون في نفسه كراهية المصيبة وإنما يخرج من مقام الصبر بالجزع وشق الجيوب والمبالغة في الشكوى وإظهار الكآبة وتغير العادة في الملبس والمطعم فينبغي أن يجتنب جميعها ويظهر الرضا بقضاء الله ويبقى مستمر على عادته ويعتقد أن ذلك وديعة فاسترجعت كما روي في قصة الرميصاء أم سليم زوجة أبى طلحة.



          وقال بعض العلماء:


          الصبر الجميل: هو أن لا يُعرف صاحب المصيبة عن غيره


          ولا يخرجه عن حد الصبر: توجع القلب وفيضان العين بالدمع لأن ذلك مقتضى البشرية .


          لذلك لما مات إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلم فاضت عيناه ، فقيل له: أما نهيتنا عن هذا فقال: "إن هذه رحمة، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"

          فلم يخرجه البكاء في ذلك عن مقام الرضا .

          تعليق

          • ندى الصباح
            2- عضو مشارك
            • 23 ينا, 2010
            • 222
            • بدون
            • الحمد لله على نعمة الاسلام

            #6
            ج) ما لا يرتبط باختيار العبد وله اختيار في دفعه :

            كما لو أوذي بفعل أو قول أو جُنى عليه في نفسه أو ماله ، فالصبر على ذلك تارة يكون واجب وتارة يكون فضيلة .

            وفي هذا الصبر قالوا : " ما كنا نعد إيمان الرجل إيماناً إذ لم يصبر على الأذى "

            قال تعالى : " وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا "

            وقال تعالى : " وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ".



            فالصبر على أذى الناس من أعلى مراتب الصبر


            من أمثلة ذلك:

            - ما روي في أن رجلاً شتم سيدنا أبا ذر الغفاري ، فقال له: يا هذا لا تستغرق في شتمنا ودع للصلح موضعاً فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.

            - وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه خرج إلي المسجد ليلاً ومعه عسكره فتعثر في رجل جالس فقال له الرجل: أأعمى أنت ؟ فقال له سيدنا عمر: لا ، فَهَمَّ الحرس بالرجل ليضربوه فقال سيدنا عمر: سألني سؤال وأجبته .

            - وروي أن رجلاً شتم أبا حنيفة وهو في درسه وأكثر عليه فما التفت إليه وقطع كلامه فلما فرغ وقام تبعه الرجل إلي باب داره فقام على بابه فقال له أبا حنيفة: هذه داري فإن كان بقى معك شيء فأتمه حتى لا يبقى في نفسك شيء - فاستحيا الرجل.

            وببيان حقيقة الصبر ومعناه ، وكون الإنسان لا يستغني عنه في جميع أحواله يتبين لنا من هذا معنى هذا الحديث الشريف :" حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات "

            * عن عمر بن عبد العزيز قال: أفضل الأعمال ما أكرهت عليه الأنفس .

            * وقال المسيح عليه السلام: إنكم لا تدركون ما تحبون إلا بصبركم على ما تكرهون

            * وعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
            " إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا ، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة ".

            * وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أن عِظم الجزاء من عِظم البلاء وأن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط ".

            * وروي في الخبر: لما نزل قول الله تعالى ( مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ) قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله كيف الفرج بعد هذه الآية ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا أبا بكر أليس تمرض؟ أليس يصيبك الأذى؟ أليس تحزن ؟ قال: بلى يا رسول الله . قال: فهذا ما تجزون به )

            يعني جميع ما يصيبك يكون كفارة لك .

            وبهذا يتضح لك أن العبد لا يدرك منزلة الأخيار إلا بالصبر على الشدة والبلاء.

            قال أحد العلماء: الهموم التي تُعرض للقلوب كفارات للذنوب.

            لذلك قال الثوري: لم يفقه عندنا من لم يعد البلاء نعمة والرخاء مصيبة.

            وقال ابن عيينه: الدنيا كلها غموم فما كان فيها من سرور فهو ربح .

            تعليق

            • محب المصطفى
              مشرف عام

              • 7 يول, 2006
              • 17075
              • مسلم

              #7
              شكرا جزيلا على الموضوع الطيب والمفيد ..
              شموس في العالم تتجلى = وأنهار التأمور تتمارى , فقلوب أصلد من حجر = وأنفاس تخنق بالمجرى , مجرى زمان يقبر في مهل = أرواح وحناجر ظمئى , وأفئدة تسامت فتجلت = كشموس تفانت وجلى

              سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك ،،، ولا اله الا انت سبحانك إنا جميعا كنا من الظالمين نستغفرك ونتوب إليك
              حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكيلُ
              ،،،
              يكشف عنا الكروب ،، يزيل عنا الخطوب ،، يغفر لنا الذنوب ،، يصلح لنا القلوب ،، يذهب عنا العيوب
              وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد
              وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد
              عدد ما خلق الله - وملئ ما خلق - وعدد ما في السماوات وما في الأرض وعدد ما احصى كتابه وملئ ما احصى كتابه - وعدد كل شيء وملئ كل شيء
              وعدد ما كان وعدد ما يكون - وعدد الحركات و السكون - وعدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته




              أحمد .. مسلم

              تعليق

              • ندى الصباح
                2- عضو مشارك
                • 23 ينا, 2010
                • 222
                • بدون
                • الحمد لله على نعمة الاسلام

                #8
                الفرق بين الصبر - التصبر - الاصطبار و المصابره

                السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                اللهم أحيي فينا ما مات من عزائمنا

                اللهم اني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل .. اللهم اهدنا واهد بنا ..

                نشمر ونستكمل ,,,,







                * آيات الصبر فى القرآن :

                1- قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ )

                أولاً: نذكر الفرق بين الصبر – التصبر – الاصطبار – المصابرة


                - (الصبر): هو حبس النفس ومنعها عن إجابة ما لا يحسن فإن كان خلقاً له وملكة سمى صبراً.
                والمعنى: أن الصبر معناه الذي يُعرف به هو حبس النفس عن فعل مخالف للمطلوب منها ..
                - فالصبر مثلاً على المصيبة معناه : حبس النفس عن التسخط والجزع
                - والصبر على الطاعة : هو حبس النفس عن الكسل وعن دواعي ترك الطاعة
                - والصبر على المعصية : هو حبس النفس عن الوقوع فيها.

                هذا الصبر إن كان يحصل بسهولة لكونه أصبح ملكة وصفة ملازمة لصاحبه بحيث متى أراد أن يصبر كان من السهل عليه أن يصبر سمى ذلك صبراً.
                أي أن من وصل إلي سهولة حبس النفس عن ما لا يحسن فعله فهو قد وصل إلي الصبر .


                - (التصبر) : أن يتكلف ويتمرن الصبر لتيجرع مرارته فإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له ، قال صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبر يصبره الله) .
                فإذا لم يكن من السهل حبس النفس عما لا يحسن ، وكان من الصعب الوصول إلي الصبر وهو التحكم في النفس ومنعها مما لا يليق ، فعلى الإنسان أن يتصبر بمعنى أن يتكلف إخضاع نفسه والتحكم فيها بتذكيرها وتخويفها من العقوبة وترغيبها في الأجر والثواب حتى تخضع وتسكن لحكم الله ، وإن كان هذا مكروها لها

                فالفرق بين هذه الدرجة والتي قبلها أن الأول طوع نفسه لمراده فأصبح من السهل عليه أن يلزمها بما يريد فإذا أراد حبسها عن شيء أجابته .
                وأما الآخر: فإنه يصعب عليه حبس نفسه عما يريد فهو يتكلف ما يمنعها به على كره منها فتستجيب له بصعوبة وتقيم معه على ما أراد وهي كارهة فإذا أرغمها في كل مرة على ما يريد ولم يطاوعها في مرادها ولم يبالي بكراهيتها أو شكت بعد ذلك على النهوض بمشقة أقل.
                وهكذا بتكرار هذا السلوك مع النفس تعتاد الاستجابة ويسهل إخضاعها فيصل حين ذلك لدرجة الصبر وتصير له سجية وهذا معنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من يتصبر يصبره الله) أي من يتكلف مع نفسه استدعاء الصبر وألزمها بما هو مطلوب منها ومنعها عما لا يليق فإن الله يعينه على نفسه ويُخضعها له حتى يكون من السهل حبسها عما لا يحسن.

                قال العلماء: وكذلك العبد يتكلف التعفف حتى يصير التعفف له سجية وهكذا في سائر الأخلاق.

                وهذه مسألة اختلف فيها الناس:
                أ- بعضهم قال التخلق لا يصير خلقاً ولهذا قالوا (الطبع يغلب التطبع)
                ب- والبعض قالوا: بل يمكن اكتساب الخلق كما يكتسب العقل والحلم والشجاعة والواقع يشهد بذلك.
                وهذا القول الأخير هو الراجح وإلا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث لإتمام مكارم الأخلاق فإن كان الطبع يغلب التطبع فما كان هناك فائدة لأي رسالة من السماء لأهل الأرض.
                وقد قال العلماء: " المزاولات تعطي الملكات " ومعنى هذا أن من زاول شيئاً واعتاده وتمرن عليه صار ملكة له وسجية وطبع ، وقالوا أيضاً: "العوائد تنقل الطبائع".

                فلا يزال العبد يتكلف التصبر حتى يصير الصبر له سجية.

                وقالوا: وقد جعل الله سبحانه وتعالى في الإنسان قوة القبول والتعلم، فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل غير أن هذا الانتقال قد يكون ضعيفاً فيعود العبد إلي طبعه بأدنى باعث وقد يكون قوياً.
                ومعنى كلامهم: إن الله عز وجل جعل للإنسان قدرة على التعلم وقبول التغيير من خُلق إلي خُلق ففي النفس ميل واستعداد للخير وفيها أيضاً ميل واستعداد للشر.
                وبذلك يكون نقل الطبائع وتغييرها غير مستحيل بل هو مطلوب شرعاً أن يغير الإنسان من سلوكه وفعله مهما اعتاد عليه وأصبح طبعاً له (إذا كان مخالف لمراد الله) ولو أن هذا غير ممكن ما كان الله ليأمر به، بل قال تعالى ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )

                فمن السهل أن يغير الإنسان ما تطبع عليه.
                ولكن هذا الانتقال من طبع إلي آخر قد يكون ضعيفاً فيعود الإنسان إلى طبعه الأول بسهولة وبأقل الأسباب.
                أما إذا كان هذا الانتقال قوياً فإن العودة إلى ما كان عليه تكون أقل احتمالاً.
                ففي مجال الأخلاق مثلاً: فرق بين من يتغير بكلمة وعظ لها تأثير وقتي وبين علم واضح منظم وبين عقيدة راسخة.
                فالإنسان قابل للتغير في جميع الأحوال بقوة المؤثر ولكن العودة إلى ما كان عليه تختلف باختلاف المؤثر.

                ونأخذ مما سبق أن الإنسان لا ييأس من التغيير إلي الأحسن مصدقاً لقوله (من يتصبر يصبره الله) فمن كان ذا خلق سيء ثم اجتهد مع نفسه لنقلها إلي ضد ذلك فإنه يُعان على نفسه حتى تخضع له ، لهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : "اللهم آت نفسى تقواها وزكها أنت خير من زكاها"
                - فمن كان بخيلاً .. يوشك أن يكون كريماً إذا تصبر (أي طالب نفسه بالصبر رغم مشقته على نفسه) على صعوبة العطاء.
                - ومن كان جباناً يوشك أن يكون شجاعاً إذا تصبر على مشقة الجرأة والإقبال
                - ومن كان كسولاً يوشك أن يكون نشيطاً إذا تصبر على مشقة النهوض
                - ومن كان جاهلاً يوشك أن يكون عالماً إذا تصبر على مشقة التعليم.

                ومن هذا تعلم بأن كل منا بإمكانه أن ينفذ أوامر الله تعالى وأن يجتنب نواهيه. بإمكان كل منا أن يكون عبداً صالحاً كما يحب الله ويرضى وذلك إنما يكون بالصبر وهو حبس النفس عما يغضب الله إما طوعاً أو كرهاً.
                فإذا صدر ذلك منها طوعاً فهذا هو الصبر
                وإذا صدر ذلك منها كرهاً فهذا هو التصبر


                - ( الاصطبار)
                هو الحالة التي يصل إليها الإنسان إلي الصبر بالتصبر فالتصبر هو مبدأ الاصطبار كما أن التكسب مبدأ الاكتساب فلا يزال التصبر يتكرر حتى يصير اصطبار.
                فالاصطبار هو الوصول إلي الصبر بعد مشقة وتصبر

                والفرق بينه وبين التصبر :
                إن التصبر هو افتعال الصبر وإرغام النفس على الوصول إلي الصبر ، والاصطبار هو إدراك هذا الصبر وإخضاع النفس لما يوجبه عليها الصبر من الحبس والمنع.
                أما القسم الأول فهو من وصل إلي الصبر بسهولة لكونه سجية وطبع والفرق بينهم هو قوة باعث الدين فحيث كان قوياً كان الصبر أسهل.
                وحيث كان ضعيفاً كان الوصول إلي الصبر شاق فاحتاج إلي تصبر حتى يصل الإنسان إلي الصبر فيكون بوصوله إليه مصطبراً.

                فالاصطبار هو الوصول إلي الصبر بعد مزاولة التصبر مراراً وتكراراً ولهذا جاء لفظ الاصطبار في آيتين هما:
                أحدهما:
                قوله تعالى: ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ ) سورة مريم
                قال الألوسي: في تغير قوله (واصطبر لعبادته)
                أي: أقبل على عبادته واصطبر على مشاقها
                قال (واصطبر) لتضمنه معنى الثبات للعبادة فيما تورد عليه من الشدائد والمشاق .
                وقال رحمه الله: وفيه إشارة إلي ما يكابد من المجاهدة في رعاية العبادة حق رعايتها.

                وبهذا يتبين سبب اختيار هذا اللفظ (الاصطبار) في تلك الآية فإن هناك أمور تعبدية قد تمتنع النفس عن الاستجابة لها بسهولة ويكون تحصيل الصبر فيها ليس ميسوراً.
                فالخطاب هنا فيه توجيه للإنسان ألا يستسلم لإمتناع نفسه ومشقة مخالفتها بل عليه أن يتصبر ويفتعل الصبر حتى يرغمها على الصبر وتنفيذ ما طُلِب منها ومنعها عما لا ينبغي وهذا هو الاصطبار.
                فمهما كان العبادة شاقة على نفسك في جهة ما فاصطبر وطالب نفسك بالصبر مهما كانت كارهة لذلك.

                والآية الثانية: قوله تعالى في سورة طه
                ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا )
                ففيه إشارة إلى أن القيام بمسئولية الدعوة للأهل للقيام بحق الله سيكون فيها مشقة وتحتاج إلي جهد فينبغي أن تصبر مهما كان الأمر شاق.

                - (المصابرة):هي مقاومة الخصم في ميدان الصبر .
                فإنها مفاعلة تقتضي وقوعها بين اثنين كالمشاتمة والمضاربة وهذه الحالة تبين أنه قد يحول بين الإنسان وبين الوصول إلي الصبر معوقات وأسباب تضعف في نفسه تحصيل الصبر فهو مأمور في تلك الحالة أن يصابر ويقاوم هذه المعوقات لكي يُحِّصل الصبر. وتلك هي المصابرة فهي عبارة عن حاله في الصبر مع خصمه.

                * والفرق بينها وبين الاصطبار :أن الإنسان إذا كان الحائل بينه وبين الوصول إلي الصبر هو نفسه ، حيث يشق عليها الصبر لضعف باعث الدين وغلبة باعث الهوى فعليه أن يجاهدها ويتصبر حتى يصل إلي الصبر وهذا هو الاصطبار
                أما إذا كان الحائل بينه وبين الصبر معوقات خارجية وأسباب أخرى تضعف قدرته على الصبر فعليه أن يقاوم ويصابر وهذه هي المصابرة.


                ( المرابطة ):هي الثبات واللزوم والإقامة على الصبر .
                - فقد يصبر العبد ولا يصابر .
                - وقد يصابر ولا يرابط .
                فالمرابطة معناها: الثبات على الصبر بعد الوصول إليه.
                فقد يصبر العبد بأن يطوع نفسه على الصبر ويحبسها عما لا يحسن ، ولكن إذا صده عن الصبر صاد فإنه لا يقاوم ولا يصابر فينقطع عن الصبر.
                وقد يصابر ويقاوم فترة من الزمن ثم يضعف عن الاستمرار وينقطع كذلك عن الصبر.
                فالمرابطة: معناها الإقامة على الصبر .

                وبذلك نفهم معنى قوله تعالى:
                ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ )قال العلماء:

                أمرهم بالصبر وهو حال الصابر في نفسه
                والمصابرة وهي حالة في الصبر مع خصمه
                والمرابطة الثبات واللزوم والإقامة على الصبر والمصابرة


                فالآية فيها أمر بتحصيل الصبر وأمر بالمصابرة وهي مقاومة كل من يصدك عن الصبر ثم أمر بلزوم هذا الصبر.
                كأن ما يقال لك في الآية من المعاني هو:
                * عليك أن تقوى باعث الدين في نفسك حتى يمكنك أن تمنعها وتحبسها عما يخالف أمر الله (وهذا هو الصبر)
                ثم إذا ابتليت بمن يريد أن يخرجك من هذا الصبر من شياطين الأنس والجن فعليك أن تقاوم هذا الخصم وتصابر حتى لا تخرج عن حدود الصبر.
                فإذا تمكنت من تلك المقاومة والمصابرة فعليك أن تلازمها ولا تغفل عن خصمك لحظة لتثبت على حالة الصبر.


                وعموماً:
                ● الصبر خاص في الذكر بمجاهدة النفس
                ● والمصابرة خاصة بمجاهدة الخصم
                ● والمرابطة معناها الثبات على الإثنان والاستقامة على ذلك.

                لذلك جاء في شرح دليل الفالحين في تفسير الآية:
                قالوا: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ )
                أي اصبروا على الطاعات والمصائب وعن المعاصي ، وصابروا الكفار أي غالبوهم بالصبر فلا يكونوا أشد صبراً منكم ، ورابطوا أي أقيموا على الجهاد .

                ولعل الجهاد هنا يشمل الإثنان: الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس والأصغر وهو جهاد الكفار.


                اللهم اجعلنا من الصابرين

                تعليق

                • ندى الصباح
                  2- عضو مشارك
                  • 23 ينا, 2010
                  • 222
                  • بدون
                  • الحمد لله على نعمة الاسلام

                  #9
                  تابع آيات الصبر في القرآن الكريم


                  2- قال تعالى - ( ولنبلونَكم بشيءٍ من الخوفِ والجوعِ ونقصٍ من الأموالِ والأنفسِ والثمرات وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

                  قوله (لنبلونكم) أي لنعاملنكم معاملة المختبر والمبتلي لأحوالكم.
                  (بشيء) أي بقليل من كل واحد من هذه البلايا .
                  فهذا اللفظ (شيء) للتقليل .
                  قال الزمخشري: ليؤذن أن كل بلاء وإن جل ففوقه ما هو أكبر وذلك ليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال حتى في البلاء حيث يبتليهم بالقليل الذي يتحملوه.
                  (الخوف) هو غم يلحق بالنفس لتوقع مكروه .
                  ومن أشد ما تضطرب له النفوس من الخوف خشيتها أن تقع تحت يد عدو لا هم له إلا إيذاؤها بما تكره .
                  (الجوع) ضد شبع والمراد منه :
                  أ‌- القحط .
                  ب- تعذر تحصيل القوت .
                  ج- الحاجة الملحة إلي الطعام بحيث يأكل الإنسان كثير ولا يشبع.
                  فالمقصود بالقحط : أن تكون الحالة الاقتصادية للبلد سيئة فهذا بلاء ، وقد تكون الحالة الاقتصادية طيبة ولكن يبتلى الإنسان بتعذر تحصيل القوت فتضيق أمامه طرق الوصول إلي ما يحتاج لسد جوعه وهذا من البلاء ، أو أن يتيسر هذا وذاك ويتوفر الطعام ويُمكَّن من الحصول عليه لكي يبتلي بعدم البركة أو بمرض بحيث يأكل ولا يشبع.
                  (والأموال) جمع مال وهو ما يملك مما له قيمة
                  فالمال ليس معناه العُملة التي نشتري بها ونبيع وإنما المال يطلق على كل شيء له قيمة.
                  وقد جرى للعرب عُرف باستعماله في النعم خاصة وهي الإبل والبقر والغنم .
                  (ونقص من الأموال) يعني نقص الاقتصاد بحيث تصاب الأمة بقلة المادة ، ويعني كذلك (الفقر) بأسباب يُقدِّرها الله امتحاناً وابتلاء .
                  (الأنفس) الموت بحيث يحل في الناس أوبئة تهلكهم .
                  (الثمرات) جمع ثمرة وهي حمل الشجر ، وقد يطلق على الشجر والنبات نفسه.
                  البلاء: أن تنقص الثمرات وتنزع بركتها في الزروع والنخيل والأشجار
                  والمعنى: ولنصيبنكم بشيء من الخوف وبشيء من الجوع وبشيء من النقص في الأنفس والأموال والثمرات ليظهر هل تصبرون أو لا تصبرون فيترتب الثواب على الصبر والثبات على الطاعة ويترتب العقاب على الجزع وعدم التسليم لأمر الله.


                  3-قال تعالى- ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )

                  (وبشر الصابرين) الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكل من يبلغه الخطاب.
                  أي: بشر يا محمد وبشر يا من يبلغه هذا الكلام: الصابرين الذين يصبرون على البلوى فلا يقابلونها بالتسخط .
                  وإنما يقابلوها بالرضا على سبيل التسليم المطلق لقضاء الله .
                  (المصيبة) اسم فاعل من الإصابة والمراد بها الآلام الداخلة على النفس بسبب ما ينالها من الشدائد والمحن .
                  (إنا لله) أي إنا لله ملكاً وعبودية .
                  والمالك يتصرف في ملكه ويقلبه من حال إلي حال كيف يشاء .
                  (وإنا إليه راجعون) أي وإنا إليه صائرون يوم القيامة فيجازينا على ما أمرنا به من الصبر والتسليم لقضائه عند نزول الشدائد التي ليس في استطاعتنا دفعها.
                  فقولهم (إنا لله) إقرار بالعبودية والملكية لله رب العالمين .
                  وقولهم (وإنا إليه راجعون) إقرار بصحة البعث والحساب والثواب والجزاء

                  وليست هذه البشارة موجهة إلي الذين يقولون بألسنتهم هذا القول مع الجزع وعدم الرضا بالقضاء والقدر.وإنما هذه البشارة موجهة إلي الذين يتلقون المصائب بالسكينة والتسليم لقضاء الله لأول حلولها لقوله ( إذا أصابتهم مصيبة قالوا ...) فإنه يدل على أنهم يقولون ذلك وقت الإصابة .
                  ويصرح بهذا قوله صلى الله عليه وسلم (الصبر عند المصيبة الأولى)
                  قال الإمام القرطبي: جعل الله هذه الكلمات وهي قوله تعالى (إنا لله وإنا إليه راجعون) ملجأ لذوي المصائب وعصمة للممتحنين لما جمعت من المعاني المباركة فإن قوله (إنا لله) توحيد وإقرار بالعبودية والملك وقوله (وإنا إليه راجعون) إقرار بالموت والبعث من القبور واليقين إن رجوع الأمر كله إليه كما هو له.
                  قال سعيد بن جبير: لم تُعط هذه الكلمات نبياً قبل نبينا ولو عرفها يعقوب لما قال: يا أسفى على يوسف

                  ثم بين سبحانه ما أعده للصابرين من أجر جزيل فقال (أولئك عليهم صلوات) جمع صلاة .
                  (من ربهم) وصلاة الله على عباده: إقباله عليهم بالثناء والعطف والمغفرة ، وجمعت مراعاةً لما يترتب عليها من أنواع الخيرات في الدنيا والأخرة
                  (ورحمة) كما هو مذهب السلف هي صفة قائمة بذاته لا نعرف حقيقتها وإنما نعرف أثرها الذي هو الإحسان.
                  وعطف سبحانه الرحمة على الصلوات ليدل على أن بعد ذلك الإقبال منه على عباده إنعامًا واسعًا وعطاءًا جزيلاً في الدنيا.
                  (أولئك هم المهتدون) لنعلم أن الصبر لا يحصل عليه إلا من هُدى إلي معرفة الله ومحبته وتعظيمه .


                  3- قال تعالى ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )
                  (يوفي الصابرون) أي يُعطي الصابرون .
                  (أجرهم) ثوابهم .
                  (بغير حساب) بغير مكيال ولا وزن .
                  قال علي رضي الله عنه: كل مطيع يكال له كيلاً ويوزن له وزناً إلا الصابرون فإنه يحثى لهم حثياً .
                  قال ابن عثيمين رحمه الله : الحسنة تضاعف بعشرة أمثالها إلي سبعمائة ضعف إلي أضعاف كثيرة ، أما الصبر مضاعفته تأتي بغير حساب من عند الله وهذا يدل على أن أجره عظيم وأن الإنسان لا يمكن أن يتصور هذا الأجر لأنه لم يقابل بعدد بل هو أمر معلوم عند الله ولا حساب .


                  4- وقوله ( وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)
                  (لمن صبر) فلم ينتصر لنفسه بعد ظلمها .
                  (وغفر) تجاوز عن ظالمه .
                  (إن ذلك) المذكور من الصبر والغفران .
                  (لمن عزم الأمور) أي من الأمور التي تحتاج إلي صبر ومجاهدة .
                  أي: إن الذي يصبر على أذى الناس ويحتملهم ويغفر لهم سيئاتهم التي يسيئون بها إليه فإن ذلك من عزم الأمور أي من معزوماتها وشدائدها التي تحتاج إلي مصابرة.
                  قال بعضهم: الصبر على المكاره من علامات الأنبياء .
                  فمن صبر على مكروه أو مصيبة ولم يجزع أورثه اللهُ حالةَ الرضى وهي من أجلِّ الأحوال ومن جزع من المصائب وشكا وكَّله الله إلي نفسه ولم تنفعه شكواه.
                  قال ابن عيثمين: في الآية حث على صبر الإنسان على أذية الناس ومغفرته لهم ما أساءوا فيه.

                  ولكن ينبغي أن يُعلم أن المغفرة لمن أساء إليك ليست محمودة على الإطلاق. فإن الله قيد هذا بأن يكون العفو مقروناً بالإصلاح فقال (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) .
                  أما إذا لم يكن في العفو والمغفرة إصلاح فلا تعفو ولا تغفر .
                  مثال:لو كان الذي أساء إليك شخصاً معروفاً بالشر والفساد وأنك لو عفوت عنه لكان في ذلك زيادة في شره ، ففي هذه الحال الأفضل أن لا تعفو عنه بل تأخذ بحقك من أجل الاصلاح .
                  أما إذا كان الشخص إذا عفوت عنه لم يترتب على العفو مفسدة فإن العفو أفضل وأحسن لأن الله تعالى يقول:
                  (فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وإذا كان أجرك على الله كان خيراً لك من أن يكون ذلك بمعاوضة تُؤخذ من أعمال صاحبك الصالحة .

                  تعليق

                  • ندى الصباح
                    2- عضو مشارك
                    • 23 ينا, 2010
                    • 222
                    • بدون
                    • الحمد لله على نعمة الاسلام

                    #10
                    - قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
                    (استعينوا) أطلبوا المعونة على أموركم .
                    (بالصبر) الصبر هو حبس النفس على احتمال المكاره وتوطينها على تحمل المشاق وتجنب الجزع .
                    (والصلاة) الصلاة المصحوبة بالخشوع .

                    * والمعنى : يا من آمنتم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر استعينوا على إقامة دينكم والدفاع عنه وعلى فعل الطاعات وترك المعاصي وعلى احتمال المكاره التي تجري بها الأقدار ، استعينوا على كل ذلك بالصبر الجميل وبالصلاة المصحوبة بالخشوع والإخلاص والتذلل للخالق عز وجل فإن الإيمان الذي خالط قلوبكم يستدعي منكم القيام بالمصاعب واحتمال المكاره ولقاء الأذى من عدو أو سفيه ولن تستطيعوا أن تتغلبوا على كل ذلك إلا بالصبر والصلاة.
                    ولقد استجاب النبي (صلى الله عليه وسلم) لهذا التوجيه الرباني وتأسَّى به أصحابه في ذلك فقد أخرج الإمام أحمد بسنده عن حذيفه بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حز به أمر صلى ( أي إذا شق عليه أمر لجأ إلي الصلاة لله رب العالمين) .

                    وافتتحت الآية بالنداء لأن فيه اشعار بخبر مهم عظيم :
                    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ )فإن من شأن الأخبار العظيمة التي تهول المخاطب أن يقدم قبلها ما يهيئ النفس لقبولها لتستأنس بها قبل أن تفاجأها .
                    وهذه الأية مما يشهد بأفضلية هذه الأمة على غيرها من الأمم أن الله تعالى قد أمر بني إسرائيل في السورة نفسها بالاستعانة بالصبر والصلاة فقال (واستعينوا بالصبر والصلاة) إلا أنه سبحانه قال لهم (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) ليشعرهم بضعف عزائمهم عن عظائم الأعمال.
                    ولم يقل سبحانه للمؤمنين ذلك في الآية التي معنا للإيماء إلي أنهم قد يسر لهم ما يصعب على غيرهم ، وأنهم الخا شعون الذين استثناهم الله هنالك.

                    قوله تعالى: (إن الله مع الصابرين) بيان لحكمة الاستعانة بالصبر وهو الفوز والنصر ، أي أن الله مع الصابرين بمعونته ونصره وتوفيقه وتسديده . فهي معية خاصة وإلا فهو سبحانه مع جميع خلقه بعلمه وقدرته .
                    وقال سبحانه (إن الله مع الصابرين) ولم يقل (مع المصلين) لأن الصلاة المستوفية لأركانها وسننها وخشوعها لا تتم إلا بالصبر فالمصلون بحق داخلون في قوله تعالى (إن الله مع الصابرين)
                    ولم يقل (معكم) ليفيد أن معونته إنما تمدهم إذا صار الصبر وصفاً لازماً لهم.
                    قال بعض العلماء: إن من سنة الله تعالى أن الأعمال العظيمة لا تتم ولا ينجح صاحبها إلا بالثبات والاستمرار وهذا إنما يكون بالصبر فمن صبر فهو على سنة الله ، والله معه لأنه سبحانه جعل هذا الصبر سبباً للظفر إذ هو يولد الثبات والاستمرار الذي هو شرط النجاح ومن لم يصبر فليس الله معه لأنه تنكب سنته وأن يثبت فيبلغ غايته.

                    والمعنى: إن الإنسان مطالب بالاستقامة على العمل الصالح ولا يبلغ الاستقامة إلا بالصبر وهذا الصبر يجعله في معية الله سبحانه .
                    يقول ابن عثمين رحمه الله: في قوله
                    ( اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )أمر سبحانه وتعالى أن نستعين على الأمور بالصبر عليها لأن الإنسان إذا صبر وانتظر الفرج من الله سهلت عليه الأمور.
                    فأنت إذا أصبت بشيء يحتاج إلي صبر فأصبر وتحمل وأعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً .
                    وبين الله في كتابه أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر فإذا استعان الإنسان بالصلاة على أموره يسر الله له ذلك لأن الصلاة صلة بين العبد وربه فيقف الإنسان فيها بين يدي الله ويناجيه يدعوه ويتقرب إليه بأنواع القربات التي تكون في هذه الصلاة فكانت سبباً للمعونة.
                    وفي قوله (إن الله مع الصابرين)
                    دليل على أنه مُعان من قبل الله وأن الله يعين الصابر ويؤيده ويكلؤه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله عز وجل .


                    6- قال تعالى ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )
                    (ولنبلونكم) اللام مؤذنة بقسم . والابتلاء بمعنى الاختبار.
                    أي والله لنختبرنكم بأن نأمركم بالجهاد ومشاق الدين فيظهر لنا منكم الطائع والعاصي (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ )
                    قوله (حتى نعلم المجاهدين) لا يتوهم منه قصر علمه أن الله لا يعلم الشيء حتى يقع فهذا غير صحيح.

                    فالله تعالى يعلم الأشياء قبل وقوعها كما قال تعالى: ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ )
                    لكن العلم الذي في الآية (حتى نعلم المجاهدين) هو العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب لذلك قال بعض العلماء: المراد بقوله (حتى نعلم المجاهدين) أي علم ظهور، يعني: حتى يظهر الشيء .
                    فهو سبحانه يعلم بالشيء قبل أن يكون ويعلمه بعد أن يكون.
                    وقوله (المجاهدين) المجاهد هو الذي بذل جهده لإعلاء كلمة الله ، فيشمل المجاهد بعلمه، والمجاهد بسلاحه فكلاهما مجاهد في سبيل الله ، فالمجاهد بعلمه يتعلمه، وينشره بين الناس،
                    ويجعل هذا وسيلة لتحكيم شريعة الله فهذا مجاهد ، والذي يحمل السلاح لمقاتلة الأعداء مجاهد في سبيل الله إذا كان المقصود في الجهادين أن تكون كلمة الله هي العليا .
                    (والصابرين) أي الذين يصبرون على ما كُلفوا فيه من الجهاد ويحملونه ويقومون به .
                    (ونبلو أخباركم) أي نختبرها وتتبين لنا وتظهر ظهوراً يترتب عليه الجزاء من حيث الثواب أو العقاب.


                    فالآية تُبين:
                    - أن الصبر هو مادة امتحان الإنسان ، فالمسلم يُختبر على الصبر في كل أحواله فإن صبر فاز ونجا وإن لم يصبر خسر بقدر عجزه عن الصبر.
                    - وتُبين أيضاً ما سبق ذكره من كون الصبر لا يستغني عنه العبد في كل ما يلاقيه في حياته سواء كان مما يوافق هواه ومما لا يوافق هواه وهو ممتحن بالصبر في كل ذلك ، قال تعالى: (ونبلوكم بالشرِ والخيرِ فتنة)
                    .

                    تعليق

                    • ندى الصباح
                      2- عضو مشارك
                      • 23 ينا, 2010
                      • 222
                      • بدون
                      • الحمد لله على نعمة الاسلام

                      #11
                      أحاديث الصبر


                      * أحاديث فى الصبر *

                      1- عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله ، والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السموات والأرض ، والصلاة نور، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ".

                      (الطهور): أي استعمال الطهور.
                      واشتقاقه من الطهارة وهي لغة النظافة حسية كانت أو معنوية
                      (شطر): أي نصف
                      (شطر الإيمان) قال المصنف: المراد من الإيمان الصلاة كقوله تعالى: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) أي صلاتكم
                      والصلاة لا تصح إلا بطهر فكان كالشطر .
                      (الحمد لله تملأ الميزان): الميزان المراد منه حقيقته أي ما توزن به الأعمال .
                      والمعنى: أن جملة (الحمد لله) هذه الجملة بخصوصها تملأ الميزان لأنها أفضل صيغ الحمد، لذا بدئ بها الكتاب العزيز (الحمد لله رب العالمين) وهي أخر الدعوات (وآخر دعواهم أن الحمد لله)
                      الحمد: هو الثناء على الله تعالى بالجميل الاختياري .

                      ولكي نفهم هذا التعريف نحتاج لمعرفة الفرق بين الحمد والمدح وبين الحمد والشكر
                      أ- الفرق بين الحمد والمدح:
                      الحمد: هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري
                      المدح: يكون في الاختياري وغيره
                      فالمدح يكون على الجميل وإن لم يكن الممدوح مختاراً كمدح الرجل على جماله وقوته.
                      ومعنى هذا الكلام:
                      أنك قد تمدح شخصًا أي تثني عليه لأشياء فعلها باختياره وقدرته فيكون مستحق للمدح ، وقد تمدحه على أشياء لم يفعلها هو باختياره .
                      ● فالمدح هو الثناء بالجميل في أمور تملكها موهوبه لك أو بفعلك أنت واختيارك .
                      ● أما الحمد فهو ثناء للفاعل المالك المختار .
                      فأنت حين تحمد الله فأنت تثني عليه لكونه المالك الحقيقي والفاعل المختار لكل أوصافه وصفاته فليس شيء منها موهوب له أو مضاف إليه.
                      * فرق آخر بين الحمد والمدح :
                      - أن الحمد إخبار عن المحاسن مع المحبة والإجلال .
                      - أما المدح فهو مجرد إخبار عن المحاسن .

                      ب - أما عن الفرق بين الحمد والشكر :
                      الحمد: ثناء على الممدوح بصفاته من غير سبق إحسانه .
                      والشكر: ثناء على الممدوح بما أولى من الإحسان .
                      فالشكر يكون مقابل النعمة بخلاف الحمد ، فتقول (شكرته على عمله وإحسانه) .
                      * فرق آخر: الحمد يكون باللسان، أما الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح .
                      قال تعالى: ( اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا )

                      ● ومن هنا نفهم لماذا بدأت الفاتحة بقوله تعالى (الحمد لله) ولم يقل (المدح لله) أو (الشكر لله)
                      قال الحمد لله ولم يقل المدح لله: تصريحاً بأن المؤثر في وجود هذا العالم فاعل مختار خلقه بالقدرة والمشيئة.
                      ولم يقل (الشكر لله) لأن الشكر يكون بسبب إنعام صدر منه ووصل إليك وهذا يُشعر بأن العبد إذ ذكر تعظيمه بسبب صدر منه ووصل إليه فحينئذ يكون المطلوب الأصلي له وصول النعمة إليه وهذه درجة حقيرة.
                      أما إذا قال (الحمد لله) فهذا يدل على أن العبد حمده لأجل كونه مستحقًا للحمد لا لخصوص أن الله أوصل النعمة إليه فيكون الإخلاص أكمل.
                      فقوله (الحمد لله رب العالمين) :
                      قررت الآية بصراحة ووضوح ثبوت الثناء المطلق لله لأنه رب العالمين إذ هو الخالق لكل شيء كأنه يقول: ( اجعلوا حمدكم وثنائكم لي وحدي لأني رب العالمين ).
                      ولم يفتتح السورة بصيغة الأمر (احمدوا الله) ، وإنما افتتحت بصيغة الخبر لأن الأمر يقتضي التكليف والتكليف قد تنفر النفوس منه أحيانًا .
                      فجملة (الحمد لله) هي ثناء أثنى الله به على نفسه وفي ضمنه أمر عبادة أن يثنوا عليه فكأنه قال: قولوا الحمد لله.
                      عن ابن عباس قال: قال عمر: قد علمنا سبحان الله ولا الـه إلا الله فما الحمد لله؟
                      فقال علي رضي الله عنه: كلمة رضيها الله لنفسه .

                      هذا عن معنى كلمة الحمد ، أما فضلها:
                      - فقد جاء في هذا الحديث أنها تملأ الميزان .
                      - وأخرج بن ماجه عن أنس قال (صلى الله عليه وسلم): " ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ " .
                      - وأخرج الترمذي عن أنس قال (صلى الله عليه وسلم) :
                      " لو أن الدنيا كلها بحذافيرها في يد رجل من أمتي ثم قال الحمد لله لكان الحمد أفضل ".
                      لأن ثواب الحمد لا يفني ونعيم الدنيا لا يبقي.
                      - وأخرج الإمام مسلم عن أنس قال (صلى الله عليه وسلم):
                      (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربه فيحمده عليها)

                      قال (وسبحان الله والحمد لله تملأن أو تملأ ما بين السموات والأرض)

                      * لماذا قرن بين التسبيح والحمد ؟

                      لأن :
                      - الثناء : تارة بإثبات الكمال وتارة بنفي النقص .
                      - والتسبيح : هو تنزيه الله عن العيب والنقص .
                      - والحمد : هو إثبات الكمال لله عز وجل .
                      لذلك كان أفضل الذكر هي كلمة (سبحان الله وبحمده) لأنها جامعة بين التسبيح والتمجيد والثناء .
                      - قال العلماء في معنى قوله (سبحان الله وبحمده) :
                      * إما أن تكون الواو (واو حال) فيكون المعنى: أسبح الله أي أنزه الله عن صفات النقص حال كوني متلبساً بحمده فيكون اللفظ جامع بين التنزيه والتمجيد على الله بصفات الكمال بمعنى: أنزه الله عن النقص وأنا بهذا التنزيه أثبت له الكمال ، فأنت إذا قلت مثلاً هو منزه عن الظلم فأنت بذلك تثبت له الكمال العدل ، وأنت حين تقول هو منزه عن الجهل فأنت بذلك تثبت له كمال العلم ، وحين تنزهه عن الضعف والعجز فأنت تثبت كمال القدرة.

                      * قالوا : وإما أن تكون الواو (واو عطف) فيكون المعنى جامع بين التسبيح والثناء أي سبح الله وأثنى عليه .

                      والثناء متضمن لمعنى المدح والشكر فلماذا جمع بينه وبين التسبيح ؟
                      الجواب: أنك حين تجمع بين التسبيح والثناء كأنك تمدح الله وتشكره على أنه منزه عن النقص.
                      ولماذا تشكره على أنه كامل ؟
                      لأنك مستفيد من هذا الكمال ومستفيد من كونه سبحانه منزه عن النقائص، كامل في صفاته.
                      فهو إذ لم يكن كامل في سمعه فيجوز أنه يسمع أشياء ولا يسمع أشياء أخرى ، وإذا لم يكن كامل في بصره فيجوز أنه لا يرى كل شيء، وإذا لم يكن كامل في قدرته فيجوز أن هناك أشياء لا يقدر عليها وهذا يصيبك بالقلق والخوف يا ترى ربنا رأى ما حدث لي، يعلم ما يكون أم لا يعلم، هل إذا دعوته سمع دعائي أم أنه قد يسمع في مرة ولا يسمع في هذه المرة ؟
                      أما إذا علمت أنه يرى كل شيء مهما خفى ودق وأنه يسمع كل شيء ولا يخفى عليه شيء لأن سمعه كامل وبصره كامل وهو منزه عن النقص في سمعه وبصره وعلمه وسائر صفاته فأنت تطمئن لذلك ، وتأنس بمعيته وقدرته وسائر صفاته لكونها كاملة لا نقص فيها ، أما المخلوق فجميع صفاته ناقصة، قدرة المخلوق مهما عظمت لها حدود تنتهي إليها ولا تتعداها فتكون هذه القدرة ناقصة.
                      وسمع المخلوق وبصره أيضاً له حدود يقف عندها وهذا معنى النقص أما سمع الله وبصره وسائر صفاته لا حدود لها.
                      فأنت حين تعلم أن سمعه وبصره كامل تتيقن أنه يراك ويسمعك في كل حال وأي وقت ولكمال هذه الصفات فهي تسع كل المخلوقات فهو يسمع ويرى كل ما هو كائن. وهكذا في سائر الصفات.
                      وحين تعلم أن رحمته كاملة أي أنها تسع كل شيء هذا يؤنسك ويؤملك في رحمة تنالها من الله.
                      إذن أنت مستفيد من كمال أوصاف الله وصفاته لذلك حين تقول: (سبحان الله) أي أنزه الله عن النقص فأنت تحمد الله على كونه منزهاً عن كل نقص.

                      - قال العلماء عن المعنى الثالث في قول (سبحان الله وبحمده)
                      إن الباء في قوله (وبحمده) متعلقة بمحذوف تقديره (اسبحه بحمده) .
                      أي أنه لم يبلغ تسبيح الله وتنزيه وتوقيره وتعظيمه إلا بتوفيق الله وإعانته .
                      فقول (بحمده) إخبار وإعلام عن حال الذاكر أنه في حال تنزيهه لربه بحمده من أجل توفيقه على الإعانة على هذا الذكر .

                      ( والصلاة نور)قيل في تفسير قوله (والصلاة نور) أقوال كثيرة كلها صحيحة ويمكن اجتماعها .
                      - قيل : إن الصلاة نفسها تضيء لصاحبها في ظلمات الموقف بين يديه .
                      - قالوا : ولم يجيء في فعل متعبد به أنه نور في نفسه سوى الصلاة فالظاهر أن هذا النور خاص بها .

                      ومما يصرح بذلك الحديث (من حافظ على الصلاة كانت له برهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة يوم القيامة وكان مع قارون وفرعون وهامان وأُبَيِّ بن خلف )
                      - وقيل : النور ( أجرها ) لا هي فتكون على تقدير مضاف
                      - وقيل : نور ظاهر على وجه المؤمن يوم القيامة، فالمراد بها: أي بسببها يعلو النور وجه المؤمن .
                      - وقيل : النور معنوي لأنها تنهي عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلي الصواب فتصد عن المهالك وتوصل إلي طريق السلامة كما يستضاء بالنور
                      - وقيل : نور القلب بسببها لاشتمالها على ما لم يجتمع في غيرها من أعمال القلوب والألسن والجوارح فرضاً ونقلاً.

                      * ومن هذه التعريفات نخرج بمعنى عظيم وهو:
                      إن الصلاة نور للقلب تضيء فيه فيُبصر ويفهم عن الله ما يقوى صلته بالله سبحانه وتعالى.
                      وأنت حين تصلى كأنك تُعرِّض قلبك لهذا النور الرباني يضيء فيه فكلما أطلت الصلاة وكلما أتقنتها فإن نصيبك من هذا النور أعظم ، لذلك بعض الناس الذين لا يتوفر لديهم القدرة على الأخذ بأسباب التعلم والإطلاع فلا يعرفون عن ربهم سوى ما تمليه عليهم الفطرة السليمة والأخبار المشهورة الموروثة، ومع ذلك تجد في قلوبهم خشية الله وحب له وخضوع وتقوى أعظم مما قد يكون في قلوب غيرهم ممن يفوقهم في العلم درجات ، وذلك بسبب تعظيمهم لأمر الصلاة وخشوعهم فيها ، فالصلاة لقاء بين العبد وربه ولابد أن يخرج العبد بنتيجة من هذا اللقاء فيخرج بصلاح في القلوب بقدر الخشوع فيها ويخرج باستجابة طلبه بقدر الدعاء والإلحاح فيه ، ويخرج بزكاة نفس بقدر الإطالة فيها.
                      ويخرج بهدى وتوفيق من الله تعالى بقدر محافظته على أداءها في أول وقتها، وهكذا كلما أتقن العبد أمر الصلاة كلما خرج بنتائج كثيرة وعظيمة .
                      قال العلماء : فالصلاة الكاملة يحصل بها من النور الإلهي في القلب ما لا يُعَبَّر عنه .
                      وقالوا : يمكن حمل النور على جميع ما تقدم من حقيقة اللفظ ومجازه أي أن المعنى في قوله (الصلاة نور) يتفق مع كل ما قيل من الآراء ويحتملها جميعاً.

                      (والصدقة برهان) قيل : أي حجة على إيمان مؤديها .
                      - وقيل : على أنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات .
                      - وقيل : على حبه لله ورسوله فإنه آثر رضاهما على المال الذي جُبل على حبه .
                      - وقيل : برهان له يوم القيامة إذا سُئل عن ماله فيم أنفقه ؟ يقول تصدقت به .
                      وقال صاحب التحرير: يجوز أن المتصدق يوم القيامة يوسم بسيمي يعرف بها فتكون برهاناً له على حال ولا يسأل عن مصرف ماله.
                      وأيد بحديث أبي داود عن عقبة بن عامر مرفوعاً (كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضي بين الناس)
                      فيكون هذا الظل برهاناً على صدق إيمانه أو على إخلاصه.

                      (والصبر ضياء) ضياء: من الإضاءة ، انتشار النور
                      والمعنى: فهو إضاءة عواقب الأحوال وحسنها في المآل.
                      فالصبر بالنسبة لصاحبه كالمصباح يضيء له حقائق الأمور .

                      فأنت عندما تصاب بمصيبة كفقد مال فإنك إذا طالبت نفسك بالصبر فمنعتها عن التسخط والجزع فإن هذا الصبر الذي حصلته يكون سبباً في تنوير عقلك وتبصير قلبك بكون هذه المصيبة ابتلاء يختبرك الله به وأنك حين ترضى بقضاء الله يكفر الله عنك سيئاتك ويخلف عليك، فترى بهذا البصر أن الخير في هذا البلاء وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم .. فتطمئن نفسك وترضى.
                      فكان الصبر سبباً في تحصيل العلم النافع في قلبك فكان كالضوء الذي أنار ظلمة الجهل في القلب.
                      وكذلك كل قضاء مكروه يقع عليك إذا طالبت نفسك بالصبر ومنعتها عن ما لا يحسن فعله وقوله فبهذا الصبر تُعان على تحمل المصيبة بحسن الفهم والتدبر لحقيقة ما نزل بك.
                      كذلك في شأن الطاعات والمعاصي إذا صبر الإنسان على أداء الطاعة رغم ثقلها على النفس وبُغض النفس لإتمامها فإنه بهذا الصبر المستمر تنقاد النفس بعد زمن يسير إلي الطاعة وتسهل عليها ثم أنها قد تتلذذ بها
                      وإذا كانت المعصية محبوبة للنفس ولكنك أرغمتها على تركها وألزمتها بالصبر على ذلك فإن هذا الصبر يضيء في القلب حتى يرى ضرر المعصية فيسهل عليها تركها.

                      * فالصبر يضيء القلب حتى يرى المصلحة في فعل الطاعة فتحبها وتسهل عليك ، ويضيء لك فترى الضرر في فعل المعصية حتى تبغضها ويسهل عليك تركها ، لذلك من الخطأ أن يؤخر الإنسان فعل الطاعة حتى تنقاد نفسه لها وتحبها أو يستمر على المعصية حتى تتوفر الأسباب التي تُبغض النفس فيها وإنما لابد من فعل الطاعة ولو كانت مكروهة للنفس وثقيلة عليها ولابد من ترك المعصية ولو كانت محبوبة للنفس ويصعب عليها تركها فإذا اجتهدت في ذلك وألزمت النفس بالصبر على هذه المشقة فبهذا الصبر تُرزق الانقياد من نفسك.

                      فكأن الصبر مصباح يضيء للنفس الطريق فترى الحق حقاً فتتبعه وترى الباطل باطلاً وتجتنبه..

                      * وأما في جانب النعم وهو الجانب الذي يوافق هوى العبد.
                      فإن الصبر على النعم يضيء للإنسان معنى العبودية المطلوب منه في هذا الجانب، أما إذا انفعل الإنسان بالنعمة ولم يطالب نفسه بالصبر عليها حتى يعلم ما الذي يرضى ربه في هذه النعمة فإنه حتماً سيقع فيما يُنقص عبودية هذه النعم كأن يغيب عن قلبه شهود مِنَّة الله تعالى عليه أو يتكبر بها على غيره أو يستعملها في غير ما أحل الله له.

                      (والقرآن حجة لك أو عليك)
                      القرآن : هو كلام الله المُنزَّل على رسول الله عن طريق جبريل عليه السلام بقصد الإعجاز والتعبد بتلاوته.
                      حجة لك : إن امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه فتحتج به في المواقف التي تُسأل فيها عنه كمسائل الملكين في القبر أو المسألة عند الميزان والصراط .
                      وقيل: حجة لك في الدنيا على المطالب الشرعية والأحكام .
                      أو حجة عليك : يكون خصماً لك .
                      وفي حديث جابر ( القرآن شافع مشفع فمن جعله أمامه قاده إلي الجنة ومن جعله خلفه قاده إلي النار)
                      وتأمل قوله (جعله أمامه) فجعله بمنزلة القائد لصاحبه هو الذي يوجه سيره ويحدد حركاته وخطواته.

                      فلينظر كل منا هل القرآن أمامه يقوده...؟
                      هل أنت مهتدي بكلام الله؟ من الذي يوجهك؟ عقلك فقط أم العرف المشهور بين الناس أم مذهب من مذاهب البشر أم تعاليم القرآن الذي فهمتها وتعلمتها من كتاب الله؟

                      إذا كان القرآن هو الذي يحكم أفعالك وتصرفاتك ويوجه مشاعرك ويحدد أهدافك وغاياتك فإنه يأتي يوم القيامة حُجة لك فقد أُمرت أن تعبد الله وقد أُنزل إليك منهجًا يُبين لك كيف تعبد الله فهذا المنهج هو الذي بينك وبين الله ، فإذا أنت نفذته كان هذا المنهج المنظوم في كتاب الله حجة لك عند الله في أنك أديت الوظيفة المطلوبة منك وحققت الهدف من وجودك فيأتي هذا المنهج يشهد لك أنك عبدت الله كما ينبغي ويكون حجة لك بهذا المعنى.

                      أما من انقاد لفكرة وعقله في سلوكه وهدفه وسعيه في هذه الحياة أو انقاد لعرف الناس أو لغير ذلك مما ابتدعه البشر وكان بعيداً عن فهم كتاب الله وإتباعه والالتزام بمنهجه فقد جعله خلفه حيث لم يعتد به فهو يشهد عليه يوم القيامة بما كان فيه فيكون حجة عليه بأنه لم يعبد الله كما ينبغي لأنه لم يأخذ بالمنهج الذي يحقق به هذه العبودية.

                      (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)
                      - قيل : معناه: كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى بإتباعهما فيوبقها أي يهلكها.
                      - قيل : فمنهم من يشتري نفسه بالأعمال الصالحة فيعتقها من العذاب ومنهم من يعرضها للعذاب باكتساب المأثم فيوبقها.
                      - وقيل : كل الناس يبدأ يومه من الغدوة بالعمل ، فإذا كان الصباح وهو الغدوة سار الناس واتجهوا كلٌ لعمله فمنهم من يتجه إلي الخير وهم الصالحون ومنهم من يتجه إلي الشر وهم الفاسقون.

                      تعليق

                      • ندى الصباح
                        2- عضو مشارك
                        • 23 ينا, 2010
                        • 222
                        • بدون
                        • الحمد لله على نعمة الاسلام

                        #12
                        2- عن أبي سعيد ... عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
                        " أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده فقال لهم حين انفق كل شيء بيده : ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطى أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر".
                        كان من خلق النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يُسأل شيئاً يجده إلا أعطاه وما عُهد عنه أنه منع سائلاً بل كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ويعيش في بيته عيش الفقراء وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع فهو (صلى الله عليه وسلم )أكرم الناس وأشجع الناس فلما نَفَذَ ما في يده أخبرهم أنه (ما يكن عندي من خير فلن ادخره عنكم) أي لا يمكن أن يدخر خيراً عنهم فيمنعهم ولكن ليس عنده شيء.
                        ثم حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الاستعفاف والاستغناء والصبر فقال (ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يصبر يصبره الله)
                        وقد قال (صلى الله عليه وسلم ) تنفيراً لهم من الاستكثار مما زاد عن الحاجة من الدنيا وتحريضاً على القناعة وحثاً على الاستعفاف.
                        (ومن يستعفف) أي من طلب العفة عن سؤال الناس والاستشراف إلي ما في أيديهم.
                        (يعفه الله) أي يرزقه العفة فيصير عفيفاً قنوعاً .
                        فالاستعفاف هو الصبر والنزاهة عن الشيء ، وخص بعضهم العفة بالصبر عن مقتضى الشهوة .
                        (ومن يستغن) أي يظهر الغناء بالتعفف عما في أيدي الناس
                        (يغنه الله) أي يجعله غني النفس ولا غناء إلا غناؤهما
                        (ومن يتصبر) أي يتكلف الصبر على ضيق المعيشة وغيره من مكاره الدنيا بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو لغير مولاه
                        (يصبِّره الله) أي يعطيه من حقائق الصبر الموصلة للرضى ما يُهون عليه كل مشقة ومكدر.

                        والمعنى : إن الإنسان إذا طالب نفسه بتحمل مشقة الفقر والحاجة وحبسها ومنعها عن الإلحاح بالسؤال للغير ومنعها من الاستشراف إلي ما في أيدي الناس .. إنه إن فعل ذلك بداية فإن الله يعينه على الصبر فيتحمل ما هو فيه من فقر أو بلاء دون مشقة المجاهدة التي وجدها من نفسه في البداية.
                        أي أنه إذا طالب نفسه بالصبر رغم صعوبته فإن الله يعينه على نفسه فيستطيع منعها عما لا يليق ويحبسها عن الطلب وهذا هو الصبر الذي إن وصل إليه سكنت نفسه ورضيت بالفقر أو البلاء أياً كان نوعه وقل إلحاحها في الطلب وهذا معنى (من يتصبر) أي يتكلف مجاهدة نفسه ومنعها رغم مشقة ذلك.
                        (يصبره الله) يعطيه الصبر حتى يسهل عليه هذا المنع وتستجيب له نفسه .
                        ولقد قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذه الكلمة حين كرروا السؤال والطلب كلما أعطاهم، يريد أن يعلمهم أنه ينبغي ألا يستجيب الإنسان لمتطلبات نفسه ويستسهل السؤال وإنما ينبغي أن يصبر الإنسان عند الاحتياج والفقر ولا يُسرع إلي الناس بالسؤال ففي صبره على الفقر فضيلة وفي احتياجه إلي الناس وسؤالهم مذلة.
                        قال (وما أُعطى أحد) أي ما أُعطى أحد من خُلق ولا مقام .
                        (خيراً) هو خير
                        (وأوسع من الصبر) معنى كونه أوسع أي أن به تتسع المعارف والمشاهد والمقاصد .

                        والمعنى: أن الصبر يسع جميع أحوال العبد فبه يستقيم حال الإنسان في كل جوانب حياته.
                        * فإن رُزقت الصبر في جانب النعم كان ذلك خيراً لك لأنه يُتحصل به الشكر الذي تُحفظ به النعمة وتزيد.
                        * وإذا رُزقته في جانب النقم كان فيه الخير حيث يعينك على تحمل مشقة البلاء في الدنيا والحصول على الأجر في الآخرة.
                        * وإذا رُزقت الصبر في الطاعات أتممتها على الوجه المطلوب.
                        * وإذا رُزقت الصبر على المعاصي أمكنك تجنبها والنجاة من ضررها
                        وبهذا يتضح كون الصبر أفضل عطاء يرزقه العبد ، وأوسع عطاء لأنه يحتاجه في كل جوانب الحياة حيث لا يستغنى عنه .

                        ومعنى كونه أوسع عطاء يحتمل أيضاً أنه يوسع معرفة العبد بحقيقة البلاء سواء كان في جانب النعم أو النقم أو التكليف. فإن الإنسان مثلاً إذا رُزق نعمة ولم يُرزق عليها صبراً فإنه يضيق فهمه لهذه النعمة حتى يعتقد أنه مستحقاً لها أو أنها دليل على خيريته وإذا حُرم من نعمة أو أصيب بمكروه فإنه قد يرى أن ذلك تضييق عليه وإشارة إلي عدم أهليته.
                        فإذا رُزق الصبر فإنه يفهم أن النعمة ابتلاء هو مختبر فيه وأن وجودها ليس دليلاً على استحقاقه حتى يركن إليها ، وغيابها ليس دليل على إهانته .

                        فإن الصبر يوسع دائرة معرفته بحقيقة البلاء أو القضاء الذي وقع عليه ، وبالتالي يوسع مقاصده أي يجعل نواياه وأهدافه مختلفة بهذا الفهم الجديد، فلن يكون مقصده من النعمة التمتع وإنما يقصد أداء حق الله فيها وكذلك في البلاء يكون تحمله لمشقة البلاء بقصد حصول الأجر والثواب ، لذلك تجد الإنسان الصابر مختلف في أحواله عن غيره ممن حُرم الصبر فهو مطمئن هادي القلب، لا تبطره النعمة ولا تسخطه المصيبة ، لأن الصبر وسع دائرة فهمه وصحح مقاصده فرأى الخير فيما لا يراه غيره ورأى الشر في غير ما يعرفه غيره ممن لم يرزق الصبر.

                        لهذا المعنى عقب الأمام النووي بعد هذا الحديث بحديث آخر يبين هذه الحالة عند الإنسان الذي رزق الصبر.

                        كأنه يقول لك أنظر إلي حال من أعطاه الله الصبر كيف كان الصبر أوسع عطاء وأفضل عطاء حيث جعله بهذا الوصف.

                        **************

                        3- عن أبي يحي صهيب بن سنان رضي الله عنه قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : " عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ".
                        قال العلماء: (عجباً لأمر المؤمن) أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أظهر العجب على وجه الاستحسان لأمر المؤمن أي لشأنه.
                        (المؤمن) أي الكامل وهو العالم بالله الراضي بأحكامه العامل على تصديقه موعوده.
                        (إن أمره) أي شأنه (كله له خير)
                        (وليس ذلك) الخير في كل شأنه (لأحد إلا المؤمن) الكامل ، أي أن إيمانه الكامل سبب خيرته من كل حال .
                        وقولهم (المؤمن الكامل) إشارةً إلى أن هذا الحال لا يصل إليه أحد إلا من كَمُلَ إيمانه أي وصل أعلى درجات الفهم واليقين بحقيقة البلاء وعلى قدر إيمان العبد على قدر تحصيله لجزء من هذا الفهم وتلبسه بهذا الحال.
                        قالوا (إن أصابته سراء) أي ما يسره (شكر) أي عرف قدر نعمة مولاه فشكره (فكان) شكره (خيراً له) من السراء التي نالها لكونه ثواباً أُخروياً.
                        أي أن صبره على السراء أفضل من السراء نفسها لأن النعمة يتمتع بها الإنسان في الدنيا فليس له في الآخرة منها شيء.
                        أما الشكر على النعمة ففيه الثواب في الآخرة وهو أشد ما يحتاجه الإنسان في هذا اليوم .. فإذا رُزق الإنسان النعمة ولم يُرزق عليها الشكر تمتع بها في الدنيا فقط ، أما إذا رزق عليها الشكر فإنه ينتفع بها في الآخرة وإذا قورن بين انتفاعه بذات النعمة في الدنيا وانتفاعه بثواب الشكر عليها في الآخرة كان ذاك الأخير أفضل.
                        قال (وإن أصابته ضراء) أي ما يضره في بدنه أو ما يتعلق به من أهل أو ولد أو مال (صبر) واحتسب ذلك عند الله رجاء ثوابه ورضى به نظراً لكونه فعل مولاه الذي هو أرحم به.
                        (فكان) صبره على الضراء (خيراً له) لأنه حصَّل له بذلك خير الدارين.
                        أما غير كامل الإيمان فإنه يتضجر ويتسخط من المصيبة فيجتمع عليه نصبها ووزر سخطه ولا يعرف للنعمة قدرها فلا يقوم بحقها ولا يشكرها فتنقلب النعمة في حقه نقمة وينعكس عليه الحال.
                        نعوذ بالله من النقصان بعد الزيادة.

                        **********************

                        4- وعن أنس رضي الله عنه قال : " لما ثقل النبي (صلى الله عليه وسلم) جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة (رضي الله عنها) : واكرب أبتاه فقال : ليس على أبيك كرباً بعد اليوم ، فلما مات قالت : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه ، يا أبتاه إلي جبريل ننعاه فلما دُفن قالت فاطمة (رضي الله عنها) : أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب ".

                        ساق المؤلف هذا الحديث ليبين أعظم أمثلة الصبر في هذه الحياة منذ أن وجدت على الأرض إنه صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، صبر على أعباء النبوة..صبر على تعليم الأمة..صبر على الجهاد..وعلى العبادة..صبر على البلاء ... صبر على المرض في آخر لحظات حياته وكان عاقبة هذا الصبر جنة الفردوس وليست جنة عدن أو جنة الخلد بل هي أعلى مكان في الجنة وأرفع منزلة فيها فكان من فقه المؤلف أن يسوق هذا الحديث ليبين مثال لأشد ما يُبتلى به إنسان في عمره من بلايا وعاقبة الصبر عليها ويبين أيضاً أن الحياة الدنيا هي دار عمل لا دار جزاء وليس للإنسان أن ينتظر جزاء على صبره إلا في الجنة .
                        لذلك قال صلى الله عليه وسلم عندما علم بحلول أجله (لا كرب على أبيك بعد اليوم) فالكرب لا ينتهي إلا بعد انتهاء هذا الحياة.
                        فإذا انتهت الحياة انتهى التعب والمشقة ، فالإنسان إذا صبر في حياته القصيرة سيرتاح بعد ذلك كثيراً في حياة أبدية لا نهاية له.

                        قوله (لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم) من شدة المرض .
                        (جعل يتغشاه) أي يغشاه (الكرب) أي الشدة من سكرات الموت لعلو درجته وشرف رتبته ففي الحديث ( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل ) .
                        فقالت فاطمة رضي الله عنها (واكرب أبتاه) قالته لما رأته حل به صلى الله عليه وسلم فتألم قلبها وباح بما في لسانها مع كمال صبرها ورضاها بفعل ربها فهي تتوجع له من كربه لحبها الشديد له.
                        فهذا لا ينافي صبرها ورضاها لأنها لم ترفع صوتها بذلك وإلا لكان ينهاها.
                        فقال صلى الله عليه وسلم (لا كرب على أبيك) إشارة إلي أن سبب صدور ما تقدم من السيدة فاطمة لتوجعها على أبيها فهو أصلاً لها.
                        (بعد اليوم) أي لا يصيبه نصب ولا وصب يجد له ألماً بعد اليوم لأنه ينتقل من دار الأكدار إلي دار الآخرة والسلامة الدائمة إلي ما لا يعلم من العطايا والمراتب العليا.
                        (وقد ورد أنه لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه) فكيف بسيد الخلق فقد انتقل لمحل قرة عينه وراحة نفسه ودوام أنسه .
                        (فلما مات قالت) أي فاطمة .
                        (يا) حرف ندبة (أبتاه) يا أبي .
                        (أجاب ربا دعاه) أي لقاه .
                        (يا أبتاه) أي الذي (جنة الفردوس) هي أعلى درجات الجنة وسقفها الذي فوقها عرش الرب جل جلاله.
                        وفي الحديث (إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإنه سر الجنة) أي وسط الجنة، وفي حديث البخاري (أنه وسط الجنة وأنه أعلى الجنة وأن سقفه عرش الرحمن )
                        (مأواه) أي منزله
                        (يا أبتاه إلي جبريل ننعاه) أي نرفع خبره إليه لأن الإنسان يذكر ما ينزل به من الأحوال إلي أصحابه على وجه الإخبار عما نزل ولا يضر في الكمال إذا لم يكن فيه تسخط من القدر الإلهي ولا تجزع.

                        ويؤخذ من هذا الحديث:
                        جواز التوجع للميت عند احتضاره مثل قول فاطمة (واكرب ابتاه) وأنه ليس من النياحة لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أقرها على ذلك وأما قولها بعد أن قُبض (وابتاه) يؤخذ منه أن تلك الألفاظ إذا كان الميت متصفاً بها لا يمنع ذكره بها بعد موته بخلاف ما إذا كانت فيه ظاهراً وهو في الباطن خلاف ذلك أو لا يتحقق اتصافه بها فيدخل المتع.
                        فلما دُفن قالت فاطمة يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي على قبره) التراب، قالت ذلك لأنه يدل على خلاف ما عرفته فيهم من رقة قلوبهم وشدة محبتهم له وسكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان حاله يقول: لم تطب أنفسنا بذلك إلا أنا قُهرنا على فعله امتثالاً لأمره.

                        قال العلماء: ومناسبة إيراد هذا الحديث في باب الصبر:

                        هو بيان صبره صلى الله عليه وسلم على ما هو فيه من سكرات الموت وشدائده ورضاه بذلك وتسكين ما نزل بالسيدة فاطمة من مشاهدة ذلك بقوله لا كرب على أبيك بعد اليوم أي فهذا التعب الشديد يُحتمل لقصر زمانه بل هو محبوب لكونه فعل الله ولما يترتب عليه من الوصول إلي منازل الأحباب.

                        يا حبيبي يا رسول الله ,, يا أحب خلق الله إليه ,, وتألمت من سكرات الموت
                        اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وصحبه ومن تبعه باحسان واجعلنا منهم

                        تعليق

                        • ندى الصباح
                          2- عضو مشارك
                          • 23 ينا, 2010
                          • 222
                          • بدون
                          • الحمد لله على نعمة الاسلام

                          #13
                          الصبر عند مصيبة موت حبيب


                          5- عن أسامة بن زيد قال (أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم أن ابني قد احتضر فأرسل يقرئ السلام ويقول إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب، فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأُبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال رضي الله عنهم فرُفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع ففاضت عيناه ، فقال سعد : يا رسول الله ما هذا؟ فقال : هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده).
                          وفي رواية (في قلوب من شاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)

                          معنى تقعقع: تتحرك وتضطرب.
                          (أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم) قيل هي زينب وقيل غيرها .
                          (قد احتضر) أي حضرته مقدمات الموت .
                          (فاشهدنا) أي أحضرنا .
                          (فأرسل يقرئ السلام) (ويقول: إن لله ما أخذ)
                          فلا ينبغي الجزع من أخذه لأن صاحب الحق إذا أخذ حقه لا يجزع منه وقدم ذكر الأخذ على الإعطاء وإن كان متأخر في الواقع اهتماماً بما يقتضيه المقام (أي أن المقام مقام أخذ وليس إعطاء)
                          (وله ما أعطى) يعني أن الله تعالى إذا أعطى عباده شيئاً فلا يخرج بذلك الإعطاء عن ملكه بل هو باق عليه بخلاف إعطاء المخلوق لمثله (أي أن الله إذا أعطاك شيئاً فهو ليس ملكاً لك لأنه أعطاه لك وإنما الملكية لله ، فإذا شاء أن يسترد عطيته في أي وقت له ذلك ، خلاف إذا أعطاك بشر عطية فإنه تصبح ملك لك لا يجوز له أن يأخذها إلا بموافقتك.
                          قيل: ويحتمل أن يراد بقوله (ما أعطى) ما أعطاه من الثواب على المصيبة أو الحياة لمن بقى بعد الموت أو ما هو أعم من ذلك .
                          و(ما) مصدريه في الموضعين أي لله الأخذ والإعطاء .
                          (وكل شيء) أي من الأخذ والإعطاء أو الأنفس أو ما هو أعم من ذلك .
                          (عنده) والمراد منه عندية العلم .
                          (بأجل مسمى) أي معلوم مقدر فمحال أن يتقدم عليه أو يتأخر عنه ، والأجل يطلق على الجزء الأخير وعلى مجموع العمر.
                          (فلتصبر) أي على مقادير الله .
                          (ولتحتسب) أي تنوى بصبرها طلب الثواب من ربها ليحسب لها ذلك من عملها الصالح.
                          (فأرسلت إليه) أي عقب مجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها.
                          (تقسم عليه ليأتينها) لما ترجوه من دفع ما تجده من الألم عند حضوره ببركة حضوره صلى الله عليه وسلم وقد حقق الله رجاؤها.
                          وكان امتناعه صلى الله عليه وسلم أولاً للمبالغة في إظهار التسليم لأمر الله ولبيان الجواز في أن من دعى لمثل ذلك لا تجب عليه الإجابة بخلاف الوليمة.
                          (فقام ومعه سعد ... ورجال...) فمشوا إلي أن وصلوا إلي بيتها واستأذنوا فأذن لهم فدخلوا.
                          (فرُفع إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده) أي وضعه (في حجره) (ونفسه تقعقع) أي تضطرب وتتحرك.
                          (ففاضت عيناه) أي النبي صلى الله عليه وسلم
                          (فقال سعد) أي ابن عبادة مستبعداً ما رأه منه لما يعلمه من عادته صلى الله عليه وسلم من مقاومة المصيبة بالصبر عليها.

                          قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: معناه أن سعداً ظن أن جميع أنواع البكاء حرام وأن دمع العين حرام فظن أن النبي صلى الله عليه وسلم نسى فذكره فأعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن مجرد البكاء ودمع العين ليس بحرام ولا مكروه بل هو رحمة وفضيلة وإنما المحرم النوح والندب والبكاء المقرون بهما أو أحدهما كما سيأتي في حديث (إن الله لا يعذب بهذا ويرحم وأشار إلي لسانه)
                          وفي الحديث الأخر (العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا)
                          فقال صلى الله عليه وسلم (هذه) أي الدمعة أثر (رحمة جعلها الله في قلوب عباده)
                          أي بعض عباده بدليل قوله (وفي رواية: قلوب من شاء من عباده)
                          أي ومثل هذا الفيضان الناشئ عن حزن القلب من غير تعمد من صاحبه ولا استدعاء لا مؤاخذة عليه فيه إنما النهي عن الجزع وعدم الصبر أو عما كان مع نوح أو ندب.
                          (وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) والرحماء جمع رحيم وهو من صيغ المبالغة
                          والمعنى: أن رحمته تعالى تختص بمن اتصف بالرحمة الكاملة بخلاف من فيه رحمة ما.
                          أما قضية خبر أبي داوود وغيره (الراحمون يرحمهم الرحمن) أنها تشمل كل من فيه رحمة ما.


                          [ الفوائد من الحديث ] :
                          1- وجوب الصبر عند المصيبة :لقوله صلى الله عليه وسلم بلفظ الأمر (مرها فلتصبر) أي فلتحبس نفسها عن السخط وتتحمل المصيبة وهذا بمقدور الإنسان وإلا ما صدر في صيغة الأمر.

                          2- احتساب الأجر على الصبر:قد يصاب الإنسان بمصيبة ويصبر عليها بمعنى أن لا يصدر منه سخط أو جزع ولكن هذا الصبر قد يكون لقوة تحمله وشدة طبعه فهو لا يتأثر بشدة المصيبة، أو خشية أن يعيبه الناس إذا جزع أو تسخط أو لاستهتاره بحجم المصيبة، أو خوفاً من أذى غيره إذا صدر منه جزع أو اعتراض، فلا يكون في باله التشوق إلي الحصول على أجر الصبر فهو يصبر وليس بسبب الحصول على الثواب من الله وهذا معنى الاحتساب وهذا نراه كثيراً بين الناس.

                          هناك من النساء من تصبر على البلاء من أجل الأولاد أو خشية الفراق أو خوفاً من ضياع الرزق إلي آخر هذه المصالح ، وهناك من يصبر عن ضعف وعدم قدرة عن رد الأذى أو التسخط فهذا الصبر عن عجز وضعف ليس فيه محبة الأجر.
                          فليس كل صبر يثاب عليه فاعله حتى يحتسب الأجر عند الله لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مرها فلتصبر) ثم لم يتقصر على ذلك وأضاف (ولتحتسب) أي تبتغي الأجر على صبرها.

                          3- استحباب إذا أُخذ منك شيئاً محبوباً أن تقول لله ما أخذ ولله ما أعطى لأنه هو المالك الحقيقي.
                          4- أن انفعال الإنسان بالمصيبة حتى يحزن لوقوعها أو تدمع عينيه أو تتألم نفسه بسببها ليس جزعاً وإنما هو طبيعة إنسانية لا يأثم عليها الإنسان وإنما يأثم على النتائج المترتبة عليها إذا كانت تخالف الشريعة.
                          5- أن الإحساس والمشاعر ملك لله ونعمة من الله يهبها من يشاء وينزعها مما يشاء فالرحمة والحنان والرقة والرأفة كل هذه المشاعر والأوصاف القلبية منح من الله لعباده لذلك قال (صلى الله عليه وسلم) للرجل الذي أخبره أنه لا يُقبِّل أولاده؟ قال: وماذا أفعل لك وقد نزع الله الرحمة من قلبك .

                          وليس معنى ذلك أن الإنسان غير مسئول عن غياب مشاعر الرحمة وغيرها من قلبه فقوله صلى الله عليه وسلم (الراحمون يرحمهم الله) يدل على كون هذه العطايا لها أسباب إذا حصَّلها الإنسان كان أهلاً لعطايا الله سبحانه.
                          فهناك من يعتقد أن الرحمة في القلب ضعف والحنان تدليل زائد والرأفة سذاجة فمثل هؤلاء لا يكونوا محل لمنح السماء فقد أغلقوا عن نفوسهم أبواب الخير.

                          تعليق

                          • ندى الصباح
                            2- عضو مشارك
                            • 23 ينا, 2010
                            • 222
                            • بدون
                            • الحمد لله على نعمة الاسلام

                            #14
                            قصة أصحاب الأخدود



                            6- عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان ملك فيمن قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك أني قد كبرت فابعث إليَّ غلاماً أعلمه السحر .....) إلي آخر الحديث
                            الحديث بكامله هنا

                            http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=225192
                            الشرح:

                            (كان ملك فيمن كان قبلكم) من الأمم السابقة
                            (وكان له ساحر) يتكهن له (فلما كبر) أي كبرت سنه (قال للملك إني قد كبرت فابعث) أي أرسل (إليَّ غلاماً) الغلام : لغة الصبي من الفطام إلي البلوغ .(أعلمه السحر) فأني أخاف أن أموت وينقطع عنكم هذا العلم ولا يكون فيكم من يعلمه
                            (فبعث إليه غلاماً يعلمه) قال القرطبي في تفسيره اسم الغلام عبد الله .
                            (وكان في طريقه) أي الغلام (إذا سلك) إلي الساحر (راهب) وهو من المتعبدين المتخلي عن أشغال الدنيا التارك لملاذها بالزهد فيها الصابر على مشاقها المعتزل عن أهلها.
                            فقعد الغلام (إليه) أي إلي الراهب (وسمع كلامه فأعجبه)
                            قال الترمذي: فجعل الغلام يسأل ذلك الراهب عن معبوده كلما مر به فلم يزل حتى أخبره فقال: إني أعبد الله.
                            (وكان) الغلام (إذا أتى) أي أراد أن يصل (إلي الساحر مر بالراهب) لكونه في طريقه (وقعد إليه) لمحبته لنهجه (فإذا أتى الساحر) ووصل إليه .
                            (فقل حبسني) أي منعني (أهلي) أي شغلهم .
                            (وإذا خشيت أهلك) لتخلفك عندي في العودة من عند الساحر .
                            (فقل حبسني الساحر فبينما هو على ذلك) المذكور من التردد بين الرجلين
                            (إذ أتى على دابة عظيمة) عند الترمذي: أن تلك الدابة كانت أسداً
                            (قد حبست الناس) أي منعتهم من المرور لخوفهم من صولتها
                            (فقال) الغلام (اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل) أي ينكشف لي ذلك
                            (فأخذ) الغلام (حجرا فقال اللهم إن كان أمر الراهب) أي ما هو فيه من الشئون والأمور (أحب إليك من أمر) أي حال وشأن (الساحر فاقتل هذه الدابة) أي عقب وصول الحجر إليها ليكون ذلك آية على أحبية الراهب عندك وقوله (حتى يمضي الناس) يصح أن يكون غاية مترتبة على السؤال وأن يكون علة له (فرماها) الغلام (فقتلها) بتلك الرمية و (ومضى الناس) أي انطلقت ألسنتهم بالثناء عليه بالعلم، وعند الترمذي (ففزع الناس وقالوا قد علم هذا الغلام علما لم يعلمه أحد)، (فأتى) الغلام (الراهب فأخبره)
                            (فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم) المراد منه الحين (أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى) أي من كمال اليقين وصدق الاعتقاد
                            (وأنك ستُبتلى) قال هذا بطريق الفراسة أو بطريق العادة والتجربة إذ من خالف الناس في منهجهم ابتلوه وآذوه.
                            (فإن ابتُليت) أتى بحرف الشك (إن) لأن الفراسة قد تخطئ والتجربة قد تتخلف أو أنه قصد التخفيف عن الغلام فلا يخاطبه بما يؤكد حصول البلاء لئلا يصير في الكرب قبل حلول البلاء.
                            (فلا تدل علىَّ وكان) أي صار (الغلام يبرئ الأكمه) أي يحصل البرء عقب علاجه (والأبرص) (ويداوي الناس من سائر) أي جميع (الأدواء) أي الأمراض والأسقام جمع داء

                            (فسمع) أي به (جليس للملك كان قد عمى فأتاه) أي فأتى الجليس الغلام (بهدايا كثيرة، فقال) الجليس
                            (ما) أي الذي (هاهنا) أي في هذا المكان من الهدايا (لك أجمع) (إن أنت شفيتني) أي إن شفيتني أنت لا غيرك.
                            (فقال الغلام: إني لا أشفى أحداً إنما يشفى الله تعالى) أي إذا كان لا يشفى أحد إلا الله فلا أشفى أحد إذ لا شفاء إلا شفاؤه سبحانه.
                            (فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك) من عماك الحسي كما شفاك بالإيمان من عماك المعنوي (فآمن) أي الجليس (بالله تعالى) عقب قول الغلام لسبق العناية به وليترتب عليه ما سبق ترتبه عليه في علم الله سبحانه (فشفاه الله) أي حصل له الشفاء الموعود بترتبه على الإيمان ليزداد يقينه

                            (فأتى الجليس الملك فجلس) مفضياً (إليه) جلوساً (كما كان يجلس) أي أن جلوسه بعد شفائه مماثل لجلوسه قبل حلول دائه.
                            (فقال له الملك: من رد عليك بصرك) أي إدراكك للمبصرات (قال ربي) أي رده ربي أو ربي رده (قال) يعني الملك (أو لك رب غيري) أي أو لك رب غيري (قال) يعني الملك (أو لك رب غيري) أي أو لك رب غيري (قال) يعني الجليس (ربي) أي مالكي ومربي بالطاعة (وربك الله) (فاخذه فلم يزل) الملك (يعذبه) (حتى دل على الغلام)

                            (فجيء الغلام) أي فأمر بالغلام فجيء به (فقال له الملك أي بنى) قاله على سبيل التلطف به أو على ما جرت به العادة من مخاطبة الكبير للصغير (قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل) كناية عن كثرة تصرفاته ومزيد أعماله.
                            (فقال أني لا أشفى أحد) رد لما يُفهم من كلام الملك حيث نسب إليه إبراء المريض دون الله عز وجل ثم أثبت الغلام ذلك لله وحده بقوله (إنما يشفى الله تعالى) (فأخذه) أي أخذ الملك الصبي
                            (فلم يزل يعذبه) ليدل على من علمه ما هو فيه (حتى دله على الراهب فجيء بالراهب فقيل له: أرجع عن دينك) ودينه هو ما دل عليه كلامه وصرح به من عباده الله عز وجل (فأبى) أي امتنع أشد الامتناع (فدعى بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه، مستعيناً به) أي المنشار (واستمر يشقه حتى وقع شقاه) أي جانباه على الأرض (ثم جيء الغلام) ولعل تأخيره حتى يرى ما فعل بصاحبه فيرجع عما هو عليه (فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلي نفر) يقع على جماعة من الرجال خاصة: ما بين الثلاثة إلي العشرة (من أصحابه) أي الملك: أي أتباعه وخدمه (فقال: أذهبوا به إلي جبل كذا وكذا).

                            (فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذورته فإن رجع عن دينه) فاتركوه بدليل (وإلا فاطرحوه) أي وإلا يرجع فاطرحوه (فذهبوا به فصعدوا به) أي جعلوه صاعداً أو صعدوا بسببه أو معه (الجبل فقال) الغلام (اللهم أكفنيهم بما شئت) أي بمشيئتك أي بالذي شئت من أنواع الكفاية إما بإهلاكهم أو بغيره (فرجف) أي تحرك واضطرب (بهم الجبل فسقطوا) اي بسبب اضطرابه: وفيه نصر من توكل على الله سبحانه وانتصر به وخرج من حول نفسه وقواها (وجاء) الغلام (يمشي إلي الملك) ليربه آية الله تعالى بنصر أهل دينه لينكشف عن قلبه حجب الغواية فيرجع إلي الإيمان.
                            (فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله تعالى) وحاق سوء فعلهم بهم

                            (فدفعه إلي نفر) آخرين (من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه في قرقور) في سفينة (وتوسطوا به البحر)
                            اي ليبعد الغور فيتعذر الخلاص(فإن رجع عن دينه) فاتركوه (وإلا) اي وإلا يرجع عنه (فاقذفوه) أي ارموه بقوة(فذهبوا به) حتى بلغوا وسط البحر (فقال) الغلام (اللهم اكفينهم بما شئت فانكفأت بهم السفينة) أي انقلبت بهم (فغرقوا) فنجاه الله دونهم (وجاء الغلام يمشي إلى الملك) ليريه الآيات الكبرى المرة بعد الأخرى ليبصر ضياء الإيمان ولكن لا تبصر أعين العميان(فقال له الملك ما فعل أصحابك ؟ قال: كفاينهم الله تعالى )

                            ( فقال) الغلام (للملك : إنك لست بقاتلي) أي في أي حال من الأحوال كما يقتضيه تأكيد النفي (حتى تفعل) أي إلا في حال أن تفعل (ما آمرك به، قال) الملك (ما هو) أي : أي شئ الأمر الذي تأمرني به (قال أن تجمع الناس في صعيد واحد) أي أرض واحدة ومقام واحد (وتصلبني) من الصلب وهو تعليق الإنسان للقتل وقيل شد صلبه على خشبة (على جذع) أي عود من أعواد النخل وجمعه جذوع (ثم خذ سهمًا من كنانتي) بيت السهام (ثم ضع السهم في كبد) أي وسط (القوس ثم قل : باسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني) اتيت بما جعله الله سببًا لقتلي ، وقصد الغلام من هذا الكلام إفشاء توحيد الله تعالي بين الناس وإظهار أن لا مؤثر في شئ سواه ولم يفطن الملك لذلك لفرط غباوته
                            (فجمع) الملك (الناس في صعيد) مقام (واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته) أي كنانة الغلام (ثم وضع السهم في كبد ) وتر (القوس ثم قال: باسم الله رب الغلام) أي أرميه لأقتله ( ثم رماه فوقع السهم في صدغه) هو ما بين العين إلى شحمه الأذن (فوضع) الغلام (يده في) أي على (صدغه) لتألمه من السهم
                            (فمات، فقال الناس) لما رأوا الآية العظمى الشاهدة لله تعالى بالوحدانية وأنه الفاعل المختار ولا فاعل سواه وأنه هو الإله (آمنا برب الغلام ، فأتى الملك) أي حين وقع فيما حذر منه من توحيد الله تعالى والإيمان به (فقيل له أرأيت) أي أخبرني (ما كنت تحذر) من إيمان الناس وقع بك (قد آمن الناس )

                            (فأمر بالأخدود بافواه السكك) الأفواه جمع فوه والسكك جمع سكة وهي الطرق ، والمراد من أفواهها أبوابها (فخدت) أي شقت الأخاديد (وأضرم فيها) أي في الأخدود (النيران) جمع نار (وقال) أي الملك (من لم يرجع عن دينه) أي الإيمان الذي صار إليه (فأقحموه) أي القوه كرها (فيها أو) شك من الراوي (قيل له) أي لمن لم يرجع عن دينه (اقتحم) أي نار.
                            (ففعلوا) أي ما أمروا به من الأخدود وما بعده واستمروا كذلك (حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها) قيل : كان ابن سبعة أشهر (فتقاعست) أي توقفت ولزمت موضعها وكرهت (أن تقع فيها) أي في النار (فقال لها الغلام) بلسانه (يا أماه)(اصبري) أي على هذا العذاب فإنه يئول إلى جزيل الثواب (فإنك على) الدين (الحق) أي الإيمان.

                            * قال الأمام النووي في تفسير بعض كلمات الحديث :-
                            ذروة الجبل: أعلاه
                            القرقور: نوع من السفن.
                            الأخدود: الشقوق في الأرض كالنهر الصغير.
                            أضرم: أوقد
                            انكفأت: اي انقلبت
                            تقاعست: توقفت وجَبُنت

                            الفوائد والعبر من الحديث:
                            1- من قوله (كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر) نرى أن الملك اتخذ بطانة له وأعوان من مثل هذا الرجل وهو ساحر.
                            فما الحكمة أن يكون الساحر من بطانة الملك وأعوانه ؟
                            ما سر احتياج الملوك للسحرة ؟ ولماذا اختار الملك رجلاً ساحراً في القيام بمصالحه ؟

                            السحر هو التزين لقوله تعالى : (يخيل إليه من سحرهم)
                            فوظيفة الساحر هو التزين ، يزين الباطل للناس ليظهر في صورة الحق ومن هنا كان احتياج الملوك للسحرة أو من يقوم بمقامهم من تزييف الحقائق للعامة وللشعب.
                            والذي يقوم مقام السحر في أيامنا هذه هو الإعلام بكل صورة المشهودة والمسموعة والمقروءة.
                            فالإعلام يفعل في الناس فعل السحر لأن كليهما له هدف واحد وهو تزييف الحقائق وتزين الباطل.

                            2- من قوله (اني قد كبرت فابعث إلي غلاماً أعلمه السحر)
                            اهتم الساحر - وهو على الباطل - أن يُورث علمه عندما اقترب أجله فأهل الباطل يبذلون قصاري جهدهم في الإضلال والإغواء ومن حرصهم على إبقاء هذا الباطل فإنهم يجتهدون فيمن يستكمل ما بدأوه.
                            وجديرٌ بأهل الحق وأصحاب الدعوات إلى السبيل الصحيح أن يكون لديهم حرص أعظم من غيرهم في توريث معارفهم وخبرتهم لمن يقوم بالأمر بعدهم (فالحق أحق أن يتبع) .

                            ۳- من قوله (فبعث اليه غلاماً فعلمه)
                            اختار غلاماً أولاً : لأن الغلام اقبل للتعليم فالصغير أسرع حفظاً من الكبير ، ولأن الشاب فارغ البال ليست عنده مشاكل توجب انشغاله . ولهذا كان التعلم في الصغر خيراً بكثير من التعلم في الكبر وفي كلٍ خير .
                            وثانيا: أن ما يحفظه الشاب يبقى وما يحفظه الكبير يُنسى .
                            لذلك قالوا : ( العلم في الصغر كالنقش على الحجر)

                            4- من قوله ( وكان في طريقه راهب)
                            أراد الساحر هذا الغلام ليعلمه السحر وهو من الباطل ولكن الله تعالى أراد بهذا الغلام خيراً فوضع فى طريقه هذا الراهب وهذا يبين لنا أن إرادة الله تعالى تنفذ فوق الأسباب . فهذا يجعل الإنسان يعتمد على الله تعالى ولا يركن إلى الأسباب فهو سبحانه إذا أراد أن يقول للشئ كن: فيكون.
                            فمهما تظاهرت الأسباب في جلب خير أو جلب شر فإنه لا يجب الإلتفات إلى الأسباب في جلب خير أو جلب شر فإنه لا يجب إلى الالتفات إلى الأسباب فهي لا تؤثر إلا بقدرة الله وإذنه فلا يضرك شئ أو ينفعك إلا بإذن الله وقدره.
                            * إذا استقرت هذه الحقيقة في قلب العبد استطاع بسهولة أن يفهم معني التوكل على الله ومعني حُسن الظن بالله والثقة به سبحانه.

                            5- من قوله( فقعد إليه ) أي الراهب (وسمع كلامه فأعجبه)
                            فيه أن الغلام لما سمع كلام الراهب حيث كان يتحدث عن الإيمان بالله واستحقاق الله تعالى للعبادة وصفاته وأوصافه . أُعجب الغلام بهذا الكلام :
                            - لكون الحديث عن الله تعالى ووجوب الإيمان به موافقاً للفطرة السليمة التي امتاز بها هذا الغلام - ولإخلاص الراهب في دعودة الغلام وتعليمه وحُسن حديثه وعذوبة منطقُه.
                            ومنه نفهم: أن الصغير يكون أكثر استجابة من الكبير في قبول الحق لكونه موافقًا لفطرته التي لم تؤثر الشهوات والأهواء فيها فتفسدها ، فيجب الاهتمام بغرس مفاهيم العقيدة في صدور أولادنا مبكراً وكثرة الحديث معهم عن نِعم الله ووجوب محبته والإيمان به والتعرف على أوصافه سبحانه كى يرتبط قلب الصغير منذ الصغر بربه وفيه جاءت وصية رسول الله (صلي الله عليه وسلم) في تربية الأولاد على حب الله وحب رسول الله وحب القرآن.
                            * فلا ينبغي أن نحرص على تحفيظ الأولاد الآيات دون الاعتناء بفهم المعاني الإجمالية التي تربط مشاعر الطفل بهذه الآيات بشكل يدفع عنه مشقة الحفظ والسأم من الإعادة .
                            * وكذلك لا ينبغي الاكتفاء بحشد المعلومات مجردة في ذهنه وإنما ينبغي الاعتناء بما يؤثر في نفسه من المعاني حتى يكون بالإمكان توجيه فكره إلى ما يصحح عقيدته وسلوكه.

                            6- من قوله ( فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقل حبسنى أهلي وإذا خشيت أهلك فقل حبسنى الساحر)
                            هذا من الكذب المأذون فيه: فإن الكذب يُرَخص للإنسان في ثلاثة أحول:
                            - للإصلاح بين المتخاصمين .
                            - وبين الزوجين في الأمور العاطفية .
                            - وفي الحرب .... وقد تأول الراهب هذه الحالة بالحرب ورأى أن المصلحة تقتضيه فأمر به الغلام.

                            7- من قوله ( فبينما هو على ذلك) أي بينما الغلام على ذلك التردد بين الساحر والراهب يريد أن يعرف أيهما أحب إلى الله في مسلكه وهذا يدلك على أنه إذا كثرت مصادر التلقي عند الصغير حصل له تردد وتشوش عليه فكره فهو يسمع الحق من مصادره ويسمع الشر من مصادر أخرى , فتستجيب فطرته إلى الخير وتنازعه الشرور التي يراها كثيراً ويسمعها ، ويري أكثر الناس حوله مقيمين عليها فيصبح في حيرة داخلية قد يعجز لسانه أن يُعَبِّر عنها ويعجز عقله عن الحكم فيها.
                            * لذلك علينا أن نقلل تعرض أولادنا للبث المباشر من مصادر الشر على أسماعهم وأبصارهم فإن هذا يبلبل عندهم الأفكار فيما يأخذوه من التعليم والنصح والهداية إلى الصواب من خلال الأباء والمنصحين وفيما يرونه في الواقع الذي فسد أكثر ما فيه من الأشياء المرئية والمسموعة فيصله من الباطل أكثر مما يصله من الحق .

                            8- من قوله ( إذ أتى على دابة عظيمة.....)
                            إلى قوله ( اللهم إن كان أمر الراهب أحب اليك من أمرالساحر فاقتل هذه الدابة........ فرماها فقتلها)
                            كانت هذه آية من الله لتثبيت إيمان الغلام.
                            وهذا يحدث لكل إنسان سلك طريق الإيمان بالله فكم من آيات تأتينا من الله ليثبت الله الإيمان فى قلوبنا ولكى نتعرف على وصف ربنا ولكن كثير منا لا يراها ولا يدركها.
                            وقد يشعر بها في أول مسلكه لطريق الإيمان ويكون دائم التحدث عن الله .... فيقول لقد وفقني الله في كذا ، وأعانني على كذا ، وفعل لي كذا، فإن الله يغدق عليه من هذه الآيات والمعينات تثبيتاً له وتشجيعاً له على لزوم الطريق ثم لا يلبث الإنسان أن يعتاد هذه النعم فلا يعظمها كما كان يعظمها ثم لا يتكلم بها وبالتالي فإنه يوشك ألا يشعر بها ولا يراها ..... حتى يكون ذلك إيذاناً في الحرمان منها .
                            فينبغي لمن أنعم الله عليه بنعمة أن يعظمها في نفسه ويشكر الله عليها حتى يُعَوِّد نفسه رؤية المنعم والاعتراف بالنعمة .

                            9- ومنه أيضا نفهم أهمية الاستخارة للإنسان إذا أهمه أمر واحتار فيه أن يتوجه إلى الله بصدق وإيمان في أن الله تعالى عالم به وسوف يدله على الخير ، فيسأله سبحانه أن يُبين له وجه الخير من الشر فيما يفعله وذلك بشئ يلقيه في قلبه أو بتسخير للأسباب في جهة ما أو مشورة أحد من الناس حيث يُظهر الله تعالى له بهذا أو ذاك وجه الخير فيما أراد.

                            10- من قوله ( قال له الراهب أي بني أنت اليوم أفضل مني ..... وأنك ستبتلي ...)
                            لماذا قال الراهب للغلام أنت أفضل مني رغم أنه هو المعلم والأكثر علماً والأسبق في الإيمان؟
                            أن الفضيلة التي امتاز بها الصغير عن معلمه هي نشر العلم ،إن الغلام حين رمي الدابة أمام الناس كان يعلم أن الناس سيسألونه كيف قتلت الدابة ؟ فجعل هذه الحادثة دليلاً على صحة إيمانه حتى تطمأن نفسه ودليلاً في دعوته إلى الإيمان بالله .
                            لقد أعلن بهذه الحادثة أن له رباً يؤمن به ويدعوه ويطلب منه فيستجيب الله له ويحقق له ما أراد.
                            أما الراهب فإنه لم ينفع إلا نفسه فإن كان آمن بالله واعتكف على عبادته لكنه لم يدعو إليه أحد فهو لم ينفع غيره فزاد الغلام عنه درجة حين استوي معه في الإيمان ، زاد في دعوته إلى الله فكان أفضل عند الله.
                            وقديماً قالوا : ( جميل جداً أن تذكر الله والأجمل منه أن تُذَكِّر الناس به )

                            11- في قوله ( فقال : إني لا أُشفي أحد إنما يُشفي الله تعالى )
                            لقد كان الغلام صريحاً مع نفسه فلم يدعي لها ما لم تعمل وكان صادقاً مع ربه فاعترف بنعمته ونسبها إليه .
                            وكان مخلصاً في دعوته فابتغى بها وجه الله ولم يبتغي تحصيل المجد والثناء لنفسه .
                            لذلك كان دقيقاً في ألفاظه فذكر ما يفعله فقال ( إن آمنت بالله دعوت لك) هذا هو ما أملكه أن أدعو لك وأنخلع مما لم يفعله ولا يقدر عليه وهو الشفاء فقال ( إني لا أُشفي ) ثم أكد ذلك فقال (إنما يُشفي الله ).

                            * فينبغي للإنسان أن ينسب الفضل لصاحبه فهذا من شكر النعمة وحتى لا يتغير بالنعمة إذا نسبها إلى نفسه فيُحبط أجره ويضيع عمله.
                            وقد كان من هدي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) أن يعلن على الناس أن الفضل بيد الله وحده يؤتيه من يشاء من عباده.
                            فحين حدث قحط في الأرض وجف المطر وذهب الناس يطلبون من رسول الله صلي الله عليه وسلم الدعاء ليسقيهم الله ، وصلي بهم رسول الله صلاة الاستسقاء وما إن نزل من على منبره حتى امتلئت السماء بالسحب وجاءه بعض الناس بالبشري فقال صلي الله عليه وسلم معلماً للناس :
                            " أشهد أنى عبد الله ورسوله اللهم حوالينا لا علينا " .
                            يريد أن ينبههم أن الفضل في إنزال المطر في إرادة الله تعالى وأن دعاء النبي كان سبباً أعطاهم الله به وأن رسول الله صلي الله عليه وسلم لا يملك لهم نفعاً ولا ضراً
                            وهذا المعني يحتاجه كل مسلم ويحتاجه الدعاة إلى الله بشكل أكبر لأنهم محاطون دائماً بفضل الله في هداية الناس والتأثير فيهم.

                            فينبغي أن يكون الداعي دقيقاً في ألفاظه حتى لا ينسب لنفسه ما لم يفعل وينبغي أن يكون همه أن يربط الناس بالله تعالى ولا يطلب مدحاً أو ثناءً وأن يعلم أن الهدى بيد الله تعالى فمن يشاء الله أن يهديه يشرح صدره للنصح والوعظ ويرزقه الاستجابة ومن يشاء أن يضله يغلق مسامع قلبه عن السمع أو الفهم . فالهدى من عند الله.
                            فليكن شعار الداعي إلى الله وشعار كل مسلم عندما يلوح له نعمة أو نصر من الله أن يقول ( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)
                            فلا ينبغي أن يكون هذا الكلام على اللسان وغائب في القلب وإلا ما انتفع بع صاحبه حين يقوله.

                            12- من قوله ( فأتي الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك : من رد عليك بصرك ؟ قال ربي )
                            - لماذا لم يخفي جليس الملك إيمانه خشية أن يؤذي ؟
                            لأن حلاوة الإيمان إذا استقرت في القلب ما استطاع الإنسان أن يكتمها ولأن جليس الملك سار في نهج الغلام في رفع راية الدعوة إلى الله.

                            13- من قول الراهب للغلام (أنك ستُبتلي ...)
                            - لماذا تفرس الراهب في أمر الغلام بأنه سيُبتلي؟
                            لأن هذه سنة الله في كونه بأن كل من آمن لابد أن يبتلى خاصة من رفع لواء الدعوة إلى الله فلا بد بمن يعارضه ويمنعه ويؤذيه لأنه يخالف ما تعارف عليه من الباطل الذي عم وانتشر وهكذا في كل زمان ومكان يكون الباطل دائماً أكثر انتشاراً من الحق .
                            يقول تعالى : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) فأخبرنا الله أن أكثر أهل الأرض ضالين.
                            فإذا تحرك أحد بالدعوة إلى الله أو أظهر إيمانه وخالف الناس فى طريقهم لابد أن يعارضوه بالسخرية والاستهزاء في أقل درجات المعارضة وقد تزيد إلى درجة الأذى وإعلان الحرب المضادة أو الطرد أو القتل ، فأراد الراهب أن يبين له حقيقة الطريق الذي سلكه حتى يُعان على المسير فيه.

                            14- من قوله ( فإن ابتليت فلا تدل علىّ )
                            - لماذا طلب الراهب من الغلام أن لا يدل عليه ؟ هل هذا جبن منه أو ضعف أم أنه جائر؟
                            قال العلماء: لا يجوز للإنسان أن يلقي بنفسه إلى التهلكة وعليه أن يبعد عن أسباب البلاء فلا يجوز أن يقصد الوقوع في البلاء بل عليه أن يتحاشى الوقوع في المشقة أو البلاء .
                            والحديث عن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يصرح بذلك في قوله : ( لا تتمنوا لقاء العدو)
                            فالإنسان لا يعلم حال قلبه وبدنه هل يتحمل البلاء أم لا فالأحوال تتبدل والقلوب تتغير .

                            وروي أن رجلاً من الصالحين اسمه ذا النون كان يسأل الله أن يبتليه فيقول : يارب ابتليني وسترانى صابراً
                            فابتلاه الله بانحباس البول، فما كان يطيقه ويتألم وأخذ يدعو الله أن يشفيه فلما شفاه الله كان يمر في الطريق على الأولاد الصغار فيقول لهم: استغفروا لعمكم الكذاب .
                            فالبلاء لا يثبت فيه إلا من ثبته الله وأنت لا تدري هل يثبتك الله أم لا ؟

                            وقد يعرض بعض الناس نفسه للمشقة ابتغاء الثواب لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها : ( أجرك على قدر نصبك )
                            فتري الرجل ذو مال يمكنه أن يحج بطائرة مثلاً، ولكنه يختار أن يحج بالسيارة لأن فيها مشقة أكبر ابتغاء الأجر.
                            وقد قال بعض أهل العلم أن هذا من الخطأ وأنه لا يجوز للإنسان أن يقصد المشقة قصداً وإنما إذا فرضت عليه فإن فى صبره عليها أجراً عظيماً.

                            15- من قوله ( فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب )
                            - لماذا دل الغلام على الراهب رغم أنه طلب منه ألا يدل عليه؟
                            لأنه تعرض لما لم يتحمله من العذاب.
                            وهذا يدل على أن البلاء يؤثر في العزائم فيفسدها ويغيرها وهذا يؤيد ما سبق من أن المسلم لا ينبغي أن يعرض نفسه للبلاء لأنه ليس كل أحد يصبر على البلاء فلكل إنسان طاقة والتثبيت من عند الله وحده.


                            16- من قوله ( فجئ بالراهب فقيل ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمنشار)
                            - هل يجب على الإنسان أن يصبر على القتل أو يجوز أن يقول كلمة الكفر ولا تضره إذا كان مكرهاً ؟
                            قال العلماء : هذا فيه تفصيل :
                            * إن كانت المسألة تتعلق بالإنسان نفسه فله الخيار إن شاء قال كلمة الكفر دفعاً للإكراه مع الطمأنينة في القلب بالإيمان ، وإن شاء أصر وأبى ولو قتل. هذا إذا كان الأمر عائداً إلى الإنسان نفسه.
                            * أما إذا كان الأمر يتعلق بالدين بمعني أنه لو كفر و لو ظاهراً أمام الناس لكفر الناس فإنه لا يجوز له أن يقول كلمة الكفر بل يجب أن يصبر و لو قتل كالجهاد في سبيل الله، يقاتل و لو قتل لأنه يريد أن تكون كلمه الله هي العليا ، فإذا كان إماماً للناس وأُجبر على أن يقول كلمة الكفر فإنه لا يجوز أن يقول كلمة الكفر لاسيما في زمن الفتنة بل عليه أن يصبر و لو قتل .
                            مثل ذلك :
                            ما وقع للإمام احمد بن حنبل حين امتحن المحنة العظيمة المشهورة على أن يقول أن القرآن مخلوق و ليس كلام الله فأبى ، فأوذي حتى ضرب بالسوط وحتي يُغشى عليه و كلما أفاق قال القرآن كلام ربي غير مخلوق ، و إنما لم يجز لنفسه أن يقول كلمة الكفر مع الإكراه لأن الناس ينتظرون ماذا يقول الإمام أحمد ، فلو قال القرآن مخلوق لصار كل الناس يقولون ذلك و فسد الدين .

                            17- في قوله ( فوضع المنشار في مفرق رأسه فشقه حتى وقع علي الارض )
                            -كيف تحمل الراهب نشر الجمجمة ثم صدره و هو حي فهو لم يقع حتى شق نصفين فكيف تحمل ألم المنشار؟
                            قال العلماء : إن الله يرفع عن أولياؤه الشعور بالألم إلا بالشئ الهين لحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ( إن الشهيد لا يشعر بوقع القتل إلا كما يشعر احدكم بالقرصة ) و هذا يوافق قوله تعالي ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ )

                            18- في قوله ( ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبي فدفعه إلي نفر من أصحابه ..)
                            - لماذا لم يقتله الملك ؟
                            الجواب : لأنه محتاجه فهو الذي ينبغي أن يكون مكان الساحر وقد يكون طمعاً في رده عن دينه حتى يفسد نتائج دعوته و يرد الناس عن الإيمان بالله حين يرتد الغلام .

                            19- في قوله ( اللهم اكفنيهم بما شئت ... )
                            تأمل هذه الكلمة تجدها تعبر عن أعلى درجات الرجاء في الله و حسن ظن به سبحانه . فهذه الكلمة تدل على صدق رجاؤه في الله سبحانه وعلو رجاؤه في الله .
                            إنك قد ترجو ربك حين تتلمح بعض الأسباب أو إشارة من إشارات النصر و لكن كيف حال قلبك إذا انقطعت كل الأسباب ولا أمل في النجاة بقانون العقل هل يمكنك أن تحسن الظن في مولاك فترجوه ؟ و هل إذا رجوته تصدق في رجاءك حتى يختفي الاضطراب في قلبك و تطمئن إلى نصرته و لا تشك في معيته و توفيقه لك حتى ينطلق لسانك بمثل هذه الثقة فى الله قائلاً : ( اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت )

                            وتأمل قوله ( بما شئت و كيف شئت ) فيه منتهى الثقة في الله و منتهى التفويض له سبحانه ( نجِّني يا رب بما شئت من الأسباب و كيف شئت من الوسائل) فهو لا يفكر كيف سينجيه الله او من أين يأتي له النصر ... ؟ كيف يرزقه الله ؟ ما هي أبواب النصر التي تفتح له ؟ من أين يعطيه ؟ هو يدعو فقط ، يطلب فقط ، ولأنه واثق بقدرة من يدعو فهو لا ينشغل كيف تأتيه الاستجابة ومتى تأتي، فهذا أمر لا يخصه لأنه يدعو رب قادر .. رب عزيز لا يعجزه شيء .. رب واسع الرحمة واسع العطاء.

                            ● وهكذا اعلم: أنه بقدر ما يكون في قلبك من التعظيم لله بقدر ما يقوى رجاؤك
                            قال العلماء: في الحديث نصر من توكل على الله سبحانه وانتصر به وخرج من حول نفسه وقوته .
                            فتأمل كيف حقق اله ظن الغلام حين دعاه وكيف حقق رجاؤه ففي الحديث القدسي (أنا عند حُسن ظن عبدي بي فإن ظن بي خيراً كان خيراً)

                            20- وفي قوله (وجاء يمشي إلى الملك ..)
                            تُرى لماذا لم يهرب الغلام بعد أن نجاه الله من الهلاك ومن الجند حيث أهلكهم جميعاً وأصبح الغلام بمفرده ؟
                            الجواب:
                            إنه لم يهرب لانه مستخدَم .. فله وظيفته .. وله هَم .. وله رسالة .. وهي دعوة الناس إلى الإيمان بالله .
                            فهو يحرص على نجاح دعوته ولا يحرص على حياته ، هو يطمع في إيمان الملك إذا رأى آية الله تعالى بنصره ونجاته وإن لم يؤمن الملك فسوف يسمع الناس بما جرى له فيؤمن منهم من يشاء الله.
                            إذاً فقد رجع الغلام ليُرى الملك آية الله تعالى بنصر أهل دينه لينكشف عن قلبه حجب الجهل والظلم فيرجع إلى الإيمان هكذا المسلم ينبغي أن يكون أكبر همه وغايته في الوجود أن ينشر دين الله وأن يدخل الناس في دين الله أفواجاً.

                            21- من قوله (قال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمرك به ...)
                            انظر وتأمل لعزة الإيمان بالله .
                            تأمل كيف تتغير الأحوال بعزة الإسلام .
                            كيف أصبح الغلام الصغير هو الآمر الناهي للملك الجبار العنيد ؟
                            كيف تحول الضعيف المهزوم المطارد المغلول على أمره هو القوي المنتصر الآمر الذي يُسمع قوله ويُنفذ أمره ؟
                            تأمل عزة الإسلام إذا غشت القلب وملئت الكيان الإنساني كيف تتحول إلي قوة لا يقف أمامها شيء مهما عظم .
                            لا يقدر عليها الملك الذي يملك كل شيء ولكنه لا يملك الحول والقوة التي بها يستدفع الضر أو يجلب لنفسه النفع.
                            أما المسلم فإن قوته يستمدها بعزة الإسلام من رب الأنام فالعزيز من أطاع الله وإن كان غلاماً صغيراً ، والذليل من عصى الله وإن كان ملك من ملوك الأرض.
                            وقيل:
                            العزيز من أطاع الله وإن كان رث الهيئة ، دميم المنظر ، دنئ المنزلة .
                            والجاهل من عصى الله ، وإن كان جميل المنظر عظيم الخطر شريف المنزلة، فالقردة والخنازير أحسن عند الله ممن عصاه.
                            فإذا خاف العبد من الله أخاف الله منه كل شيء وإذا لم يخف من الله أخافه الله من كل شيء.

                            22- في قوله (فجمع (الملك) الناس في صعيد ....)
                            لم يتفطن الملك لمراد الغلام حين أمره أن يجمع الناس ويصلبه ثم يرميه بسهم ويقول باسم الله رب الغلام .
                            فقد كان هدفه وقصده من هذا هو إفشاء توحيد الله تعالى بين الناس وإظهار أن لا مؤثر في شيء سواه ولم يفطن الملك لذلك لفرط غباوته.
                            فتأمل كيف يضل الله الإنسان إذا أعرض عن الله ، تأمل كيف يخذله الله ويضل فكره ولا ينتفع بعقله أو ذكاءه ويفقد الاهتداء إلى الصواب فى أحوج ما يحتاجه .
                            لذلك ترى الإنسان كلما زادت مسافة البعد بينه وبين الله زاد جهله وقل فهمه وضعف عقله وخذله الله في أحوج ما يكون وقل التوفيق له في حياته.

                            23- في قوله ( وقال: من لم يرجع من دينه فاقحموه فيها ...)
                            هذه سنة الله في كونه، أن يبتلى عباده الصالحين فيبتلي الإنسان على قدر دينه، أي على قدر ما يطيق ويتحمل من البلاء... وأنه ينبغي للإنسان أن يصبر على البلاء.

                            وهذه العبرة هي محور الدرس من القصة
                            فالمقصود من هذه القصة هو أن تعلم أن المؤمن لابد أن يبتلى وأن من ابتلى فصبر رفعه الله في الدنيا والآخرة
                            .

                            تعليق

                            • ندى الصباح
                              2- عضو مشارك
                              • 23 ينا, 2010
                              • 222
                              • بدون
                              • الحمد لله على نعمة الاسلام

                              #15
                              الصبر عند الصدمة الأولى - جزاء الصبر



                              7-عن أنس رضي الله عنه قال : ( مر النبي صلي الله عليه و سلم بامرأة تبكي عند قبر فقال: ( اتقي الله و اصبري ) فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي و لم تعرفه فقيل لها : إنه النبي صلي الله عليه و سلم فأتت باب النبي صلي الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين فقالت : لم أعرفك فقال : إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) . متفق عليه

                              قال القرطبي : الظاهر أنها كان في بكائها قدر زائد من نوح أو غيره و لهذا أمرها بالتقوي .
                              و قال الطيبي : قوله ( اتق الله ) توطئة لقوله ( اصبرى ) كأنه قال لها خافي غضب الله إن لم تصبري و اصبري ليحصل لكِ الثواب .
                              ( فقالت إليك عني ) اسم فعل بمعني تنح و أبعد، أي : أبعد عني ، وهذا يدل علي أن المصيبة بلغت منها مبلغاً عظيماً .
                              ( فإنك لم تصب بمصيبتي ) و في رواية لمسلم ( ما تبالي بمصيبتي ) كأنها تقول له : أنت لم تصب بمصيبتي حتى تعلم ما أنا فيه من الشدة و الحزن و هذا المعنى يقوله كثير من الناس عند توجيه النصح لهم .
                              يقولون: أنت لو في مكاني ما استهنت بما أنا فيه أو ما قدرت علي الصبر او ما استطعت ان تفعل ما تأمرني به.
                              ( و لم تعرفه ) جملة حالية أي خاطبته بذلك و هي لا تعرف انه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقيل لها انه النبي صلي الله عليه وسلم .
                              زاد مسلم ( فأخذها مثل الموت ) أي من شدة الكرب الذي أصابها لما عرفت أنه رسول الله صلي الله عليه و سلم حياءاً منه و مهابة .
                              ( فأتت ) للاعتذار (باب النبي صلي الله عليه و سلم لم تجد عنده بوابين )
                              قال الطيبي : فائدة هذه الجملة أنه لما قيل لها أنه النبي (صلي الله عليه و سلم) استشعرت خوفاً وهيبة في نفسها و تصورت أنه مثل الملوك له حاجب أو بواب يمنع الناس من الوصل إليه فوجدت الأمر بخلاف ما تصورته فقالت :( لم أعرفك) و في حديث أبو هريرة ( و الله ما عرفتك ) فقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما الصبر ) أى الذى يحمد عليه صاحبه كل الحمد ما كان ( عند الصدمة الأولى) أي عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعدها فإنه عود الأيام يسلو .

                              قال الخطابي : و قال الطيبي : صدَر الجواب منه (صلي الله عليه وسلم) بهذا عن قولها لم أعرفك علي أسلوب الحكيم كأنه قال لها : دعي الاعتذار فاني لا أغضب لغير الله وانظري لنفسك في تفويتك الثواب الجزيل بعدم الصبر عند مفاجأة المصيبة .
                              وقال ابن المنير : فائدة جواب المرأة بذلك أنها لما جاءت طائعة لما أمرها به من التقوى معتذرة عن قولها الصادر عن الحزن ، بين لها أن حق هذا الصبر أن يكون في أول الحال فهو الذي يترتب عليه الثواب .
                              وفي رواية أخرى لمسلم : ( تبكي علي صبي لها ) و هذه الرواية تشير بأن صاحب القبر كان ابناً للباكية .

                              * فوائد الحديث :
                              1- فيه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مع كل أحد و بذل النصيحة .
                              2- وفيه التواضع و الرفق بالجاهل و مسامحة المصاب ، فانها لما قالت لرسول الله صلي الله عليه وسلم : (إليك عني) لم يغضب لنفسه و لم يقمها بالقوة لأنه عرف أنه أصابها من الحزن ما لا تستطيع بمستوى إيمانها أن تملك نفسها فتركها و انصرف .
                              فلا ينبغي أن نشتد في وعظ الآخرين إذا لم نجد منهم قبولاً في الحال وإنما يمكننا أن نعاود المحاولة بعد ذلك في أوقات أخري لقوله تعالى ( فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى ) .
                              3- و فيه أن من أُمر بمعروف ينبغي له أن يقبل ولو لم يعرف الآمر .
                              4-و فيه الاعتذار لأهل الفضل إذا أساء الإنسان أدبه معهم .
                              5- و في رواية مسلم أنها حين علمت أنه رسول الله صلي الله عليه وسلم (أخذها مثل الموت ) من شدة الكرب حياءاً منه صلى الله عليه وسلم ومهابة.

                              * فالمسلم ينبغي أن يستحي أن يراه رسول الله صلي الله عليه وسلم علي حالة لا ترضي الله ، فإن لم يكن يراه الان فهو حتماً سيعلم بما وقع منه حين يلتقي بأمته علي الحوض يوم القيامة ، فتطرد الملائكة كل من خالف هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم ويُحرم من أن يُسقى بيديه الشريفة من ماء الحوض، فإذا استشعر المسلم هذا الموقف فسوف يأخذه الحياء والمهابة من أن يخالف هدي رسول الله صلي الله عليه وسلم .

                              6- فيه أن الصبر الذي يُحمد فاعله و يُثاب عليه الإنسان هو أن يصبر أول ما تصيبه المصيبة و ذلك لأن فجأة المصيبة تخرج مكنون القلب ، فإن كان الإنسان مؤمناً بالقدر خيره و شره و عارفاً بالله و صفاته وكمال أفعاله فإن علي قدر هذا الايمان وتلك المعرفة لا يخرج منه إلا ما يرضي الله و أقل حالاته هو عدم التسخط .
                              و قد يكون الانسان خاملاً غير عالم بما يوجب له الصبر ولكن لحسن فطرته وطيب خصاله يثبته الله فلا يسخط و يُعان علي الصبر .
                              أما الصبر بعد ذلك فإن هذا ربما يكون تسلياً كما تتسلى البهائم فإن طبيعة الانسان أنه ينسي وبمرور الأيام تخف المصيبة عليه إلى أن ينساها فيكون الصبر بعد ذلك سهلاً لأنه بمقتضى الطبع و ليس بمقتضى الإيمان .
                              لذلك حقيقة الصبر أن يكون عند أول ما يصدم بالمصيبة

                              7- في رواية مسلم ( تبكي علي صبي ) إشارةً إلي أن صاحب القبر ابناً لها و منه نأخذ أنه إذا كانت المرأة مأمورة بالصبر علي الابن وهو أغلى إنسان عندها فالصبر علي غيره أوكد .
                              8-استدل به ابن حجر علي جواز زيارة القبور سواء كان رجلاً او امرأة و موضع الدلالة أنه (صلي الله عليه وسلم) لم ينكر علي المرأة قعودها عند القبر .


                              --------------------------------------------


                              8- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
                              يقول الله تعالي : "ما لعبدي المؤمن عندي جزاء اذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة " رواه البخاري

                              قال النووي :
                              هذا من الأحاديث القدسية و هي أكثر من مائة حديث و الفرق بينه و بين القرآن أن :
                              القرآن : اللفظ المنزل للاعجاز ، و القدسي : ما أخبر الله به نبيه بالإلهام أو رؤيا المنام أو غيره من كيفيات الوحي ، فعبر عنه رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بعبارته فلا يكون معجز ولا متواتر كالقرآن ولذا لم يثبت له شئ من أحكامه من حرمة حمله ومسه علي المحدث وقراءته على الجنب و حصول الثواب على كل حرف منه لقارئه بعشر حسنات وغير ذلك .


                              ( ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه ) اي حبيبه لأنه يصافيه بوده .
                              والصفي : من يصطفيه الإنسان و يختاره من ولد أو أخ أو عم أو أب أو صديق
                              ( ثم احتسبه ) الاحتساب : هو طلب الأجر من الله تعالي خالصاً .
                              احتسبه : بأن يرجو ثوابه و يدخره عند الله تعالى ، و ذلك ينبئ عن الصبر و التسليم ( إلا الجنة ) أي دخولها مع الداخلين .

                              * فوائد الحديث :
                              1- قد يصبر الانسان لكون المصيبة خفيفة فهو لم يفقد غالياً أو يُحرم من محبوب وإنما يمتحن الانسان في ايمانه و قدرته علي الصبر حين يفقد شيئاً غالياً أو عزيزاً عليه ، فمن كان غنياً لا يصاب بفقد ماله كمن كان فقيراً ، ومن فقد إنساناً عزيزاً عليه قريباً لقلبه ليس كمن فقد جاراً له ليس بينه وبينه مودة أو حب .
                              فحقيقة الصبر و قوة الإيمان تظهر حين تكون المصيبة في شئٍ غالي و محبوب للنفس و هذا يختلف من إنسان لآخر .
                              فمن الناس من يكون المال عنده أغلى من الولد ، ومنهم من يكون الأهل عنده أغلى من المال والولد ، ومنهم من يحب خليله وصديقه أكثر من حبه لأخيه ومنهم من يكون المرض أشد عليه من الفقر و منهم من يتحمل المرض ولا يتحمل الفقر .
                              لذلك إذا رأيت مبتلى أجهده بلاءه لا تستهين بمصيبته لكونك قادر علي تحمل مثلها فقد ابتلي فيما يحبه هو ولا تحبه أنت و إنما نسأل الله العفو و العافية .

                              2- قال ابن عثيمين رحمه الله :
                              ونأخذ من الحديث أنه إذا قدَّر الله تعالى علي الإنسان ما يكره فلا شك أن ما يكرهه الإنسان شراً بالنسبة له ولكنه ليس شراً في تقدير الله فالله لا يُقَدِّر إلا لحكمة عظيمة إما خاصة بالإنسان نفسه أو بالآخرين فانه قد يقدر علي الإنسان ( شئ مكروه له ) و لكنه يرجع بسببه إلى ربه ، لأن الإنسان إذا كان دائماً في النعم قد ينسى شكر المنعم عز وجل و لا يلتفت إلي الله فإذا أصيب بالضراء تذكر ورجع إلى ربه سبحانه و في ذلك فائدة عظيمة للإنسان .

                              و قد تكون الحكمة خاصة بمن حوله فقد يكون وقوع هذا المكروه بالإنسان وإن كان يؤلمه ويضره لكن ينتفع به الآخرون وهو حين يصبر ويحتسب يكون خيراً له فينتفع هو كذلك كانتفاع الاخرين.
                              مثال ذلك : رجل عنده بيت من طين فأرسل الله مطراً غزيراً فإن صاحب البيت يتضرر بالمطر في هذا الوقت بينما ينتفع به كثيرون فهذا التقدير كان شراً علي شخص و خيراً علي الآخرين .
                              ومع ذلك فكونه شراً لهذا الشخص أمر نسبي ، إذ أنه شر من وجه ولكنه خير من وجه آخر فإنه قد يتعظ به ويعلم أن الملجأ هو الله عز وجل ، لا ملجأ إلا إليه فيستفيد من هذا فائدة أكبر مما حصل له من المضرة .

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 9 أغس, 2023, 11:28 م
                              ردود 0
                              68 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة د.أمير عبدالله
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 17 أكت, 2022, 01:16 م
                              ردود 112
                              230 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                              ابتدأ بواسطة اسلام الكبابى, 30 يون, 2022, 04:29 م
                              ردود 3
                              48 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عاشق طيبة
                              بواسطة عاشق طيبة
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 28 أكت, 2021, 02:21 م
                              ردود 0
                              145 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                              ابتدأ بواسطة عادل خراط, 6 أكت, 2021, 01:31 م
                              ردود 3
                              104 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة عادل خراط
                              بواسطة عادل خراط
                              يعمل...