الحمد لله وحده و الصلاة و السلام علي من لا نبي بعده ,
ثم اما بعد ,
قال النصارى : إن قال المسلمون: لم أطلقتم لفظ الابن والزوج الأقانيم ، مع أن ذلك يوهم أنكم تعتقدون تعدد الآلهة ، وأن الآلهة ثلاثة أشخاص مركبة ، وأنكم تعتقدون ببنوة المباضعة ، قلنا للمسلمين : هذا كإطلاق المتشابه عندكم من لفظ اليد ، والعين ، ونحوها ، فإنه يوهم التجسيم ، وأنتم لا تعتقدونه
و نحن نقول و بالله التوفيق ,
إن المتأمل في كتاب الله تبارك وتعالى وما جاء فيه عن دعوات الرسل، وما أُنزل عليهم من الكتب ليخرج بحقيقة واحدة، اتفق عليها جميع الرسل، وأُنزلت بها جميع الكتب السماوية. وهذه الحقيقة هي: الدعوة إلى توحيد الله وعبادته دون سواه. فهي أُسّ الرسالات وعمودها الفقري، وهي القاسم المشترك بينها. وإن اختلفت بعد ذلك الشرائع والمناهج؛ فما من نبي أرسل ولا كتاب أنزل إلا وكان أول ما يدعو إليه هو توحيد الله تبارك وتعالى.
يقول الله -عز وجل- {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (36) سورة النحل
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (25) سورة الأنبياء
و قد دعا كل الرسل و الانبياء الي توحيد الله عز و جل {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (67) سورة آل عمران
{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (132) سورة البقرة
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} (36) سورة الذاريات
و قولهم ان الاقانيم مثل الصفات فهذا افتراء لاننا لا نثبتها لله كما أثبتها لنفسه دون تشبيه أو تعطيل ، أو تأويل ..
وأما ما كان من المتشابهات التي بينها العلماء والواردة في قوله تعالى : ( وأخر متشابهات ) فإنما يطلق المسلمون المتشابه بعد ثبوته نقلا متواترا نقطع به عن الله تعالى أنه أمر بتلاوته امتحانا لعباده ليضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، وليعظم ثواب المهتدين حيث حصل الهداية بعد التعب في وجوه النظر ، ويعظم عذاب الضالين حيث قطعوا لا في موضع القطع ، ولم ينقلوا ذلك عن امرأة كما اتفق ذلك في الإنجيل ؛ بل ما اقتصر المسلمون على الجمع القليل ، بل ما اعتمدوا على العدد الذي يستحيل عليهم الكذب ، فلما تحققوا أن الله أمرهم بذلك نقلوه ، وأما النصارى فأطلقوا بعض ذلك من قبل أنفسهم ، كالأقانيم والجوهر ، وبعضها نقلوه نقلا لا تقوم به حجة في أقل الأحكام ، فضلا عن أحوال الربوبية ، فهم عصاة لله تعالى حيث أطلقوا عليه ما لم يثبت عندهم بالنقل ، بل لو طولبوا بالرواية لإنجيلهم لعجزوا عن الرواية ، فضلا عن النقل القطعي ، فلا تجد أحدا له رواية في الإنجيل يرويه واحد عن واحد إلى عيسى عليه السلام ، وأقل الكتب عند المسلمين من الارتياب وغيرها يروونها عن قائلها ، فتأمل الفرق بين الاثنين ، والبون الذي بين الدينين؛ هؤلاء المسلمون ضبطوا كل شيء ، والنصارى أهملوا كل شيء ، ومع ذلك يعتقدون أنهم على شيء .
و علي عكس ما قالوا فان ايات الصفات تحديدا لها فضل خاص في دحض افترائتهم و الرد عليهم فنري نقلا عن كتاب الله , يقول الله _سبحانه و تعالي_ ردا علي اليهود (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)(آل عمران:181)، وقال -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)(قّ:38-39)، قال هذا -سبحانه- للرد على من يقولون: إن الله -تعالى- تعب من خلق السموات والأرض، واستراح في اليوم السابع، وقال -تعالى-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64)، وغير ذلك مما ينسبونه لله -تعالى-، كما ينسبون له العجز والجهل والمرض_سبحانه تعالي عما يصفون_...
و يقول سبحانه ردا علي النصاري (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا) (مريم 88-91)
كما نسبوا إلى الله -تعالى- الموت والبكاء وسائر صفات المخلوقين، حين قالوا: "المسيح ابن الله"، وذلك أنهم يعتقدون أن المسيح هو الله، أو أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، ونسبوا إليه أنه صُلِبَ ومات، وبقي ثلاثة أيام ميتاً، ثم قام من بين الأموات.
و يرد عليهم رب العزه
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (73) سورة المائدة
المصادر : رسالة افحام النصاري
و سطية القران للدكتور الصلابي
المنة شرح اعتقاد السنة للشيخ ياسر البرهامي
هذا اجتهاد مني ان كنت قد اخطأت فمن نفسي و الله و رسوله منه براء , و ان كنت قد اصبت فيقنا من الله و بتوفيقه..
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تعليق