أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً (النساء : 82 )
[أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] سورة النساء: 82. تعطي الآية معياراً صحيحاً للتحقق من صحة نسبة أي كتاب لله عز وجل، فالبشر من طبعهم الخطأ والنسيان، والتخليط بعد تقادم الأيام، ولذا تأتي كتاباتهم منسجمة مع هذه الطبائع البشرية.
ولو طبقنا هذا المعيار على الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، فإنا سنرى آثار هذه الطبائع تتجلى في أخطائهم وتخالفهم وتناقضهم في الأحداث والأحكام التي يوردونها في كتاباتهم. ووجود التناقض يدحض دعوى إلهامية هذه الكتب ، واعتبارها جزء من كلمة الله التي أوحاها إلى بعض تلاميذ المسيح . ويعترف النصارى ضمناً بصحة هذا المعيار ، لذا نرى شراح العهد الجديد يعمدون إلى تفسير التناقضات والصعوبات التي تواجه النص ، ويتأولونها بعيداً عن الحقيقة التي ينطق بها النص ، ليقينهم بأن بقاء التناقض يعني بشرية الكتب ونفي إلهاميتها وقداستها .
ولما كان النصارى يؤمنون بالأناجيل الأربعة ، وهي جميعاً تتحدث عن قصة المسيح كان لابد أن تتشابه هذه القصص ، في معانيها ومضامينها أو - على الأقل - أن تتكامل لتكون رواية متكاملة عن المسيح .
لكن عند المقارنة بين المعطيات الإنجيلية في الحدث الواحد نرى تناقضاً يحيل العقل الجمع فيه على وجه من الوجوه، ويتكرر هذا التعارض والتناقض في كثير من الرواية الإنجيلية.
وأمام هذه التناقضات كان لابد للنصارى أن يختاروا بعض هذه الأناجيل أو بعض رواياتهم فيجعلونها مقدسة ، ويرفضون ما وراء ذلك ، أو أن يعترفوا ببشرية الأناجيل الأربعة كتابة ووضعاً ، فيمكن فهم التناقض حينذاك ، وأما الإصرار على أن هذا المتناقض من الله، فهذا ما نرفضه نحن وهم على سواء , فهل تتناقض الأناجيل فعلاً ؟
إن الله قادرٌ على أن يحفظ كلمته، ولكنه سبحانه وتعالى اختار بحكمته أن يحفظ كتابه الأخير، ودستوره الأبدي، وكلمته إلى الإنس والجن، وليس المؤقت.
وإليكم الأدلة من الكتاب المقدس على أن الله سبحانه وتعالى قد أوكل حفظ كتبه القديمة لعباده ولم يتكفَّل هو بحفظها:
(وَالآنَ أَصْغُوا يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الشَّرَائِعِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي أُعَلِّمُهَا لَكُمْ لِتَعْمَلُوا بِهَا، فَتَحْيَوْا وَتَدْخُلُوا لاِمْتِلاَكِ الأَرْضِ الَّتِي يُوَرِّثُهَا لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لاَ تزيدوا عَلَى الكلام الذي أنا أوصيكم به، وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْه ُ، لتحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها.) تثنية 4: 2.
(وَإِنَّنِي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا: إِنْ زَادَ أَحَدٌ شَيْئاً عَلَى مَا كُتِبَ فِيهِ، يَزِيدُهُ اللهُ مِنَ الْبَلاَيَا الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا، 19وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدٌ شَيْئاً مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا، يُسْقِطُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، اللَّتَيْنِ جَاءَ ذِكْرُهُمَا فِي هَذَا الْكِتَاب.) رؤيا يوحنا 22:" 18ـ19.
ومن هذا النص يتضح لكم أن الله فرض علي اليهود فروضاً محدَّدة ، وحدَّدَ عقوبة المخالف. فهو إذاً بعلمه الأزلي يعلم أنه سيتم التحريف بالزيادة والنقصان، ويكفي أن تتطلع على الصفحة الأولى من الكتاب المقدس لتقرأ الكلمة التالية(منقحة) والسؤال الآن منقحة من ماذا؟.
ولقد استخرجت من الكتاب (المقدس) ألف تناقض واختلاف وبعثت بها إلى فطاحل القساوسة ومنهم من آثر السلامة ولم يرد ومنهم من جاء رده هزيلاً كالدكتور منيس عبد النور رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر وبعثت إليه بردودي عليه بقولي: عيب يا دكتور منيس، مما يثبت أن هذه التناقضات وتلك الاختلافات ليست من عند الله سبحانه وتعالى وصدق الله العظيم إذ يقول:
(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً).
وإليكم بعض الأغلاط بشهادة الكتب المقدسة
زكريا المقتول بن يهويا داع ( يُوياداعَ ) وليس ابن برخيا :
فمن الأغلاط التي تشهد لها الأسفار المقدسة عند النصارى بالخطأ ما جاء في متى في قوله أن المسيح قال في ( متى 23/35 ) [34لذلِكَ سأُرسِلُ إلَيكُم أنبـياءَ وحُكَماءَ ومُعَلَّمينَ، فمِنهُم مَنْ تَقتُلونَ وتَصلِبونَ، ومِنهُم مَنْ تَجلِدونَ في مجامِعِكُم وتُطارِدونَ مِنْ مدينةٍ إلى مدينةٍ، 35حتَّ? يَنزِلَ بِكُم العِقابُ على سَفكِ كُلٌ دمِ بريءٍ على الأرضِ، مِنْ دمِ هابـيلَ الصَّدّيقِ إلى دمِ زكريّا بنِ بَرَخِيّا الَّذي قتَلتُموهُ بَينَ المَذبحِ وبَيتِ الله. 36الحقُّ أقولُ لكُم: هذا كُلٌّهُ سيَقَعُ على هذا الجِيلِ! ] .
وقد غلط متى إذ المقتول بين الهيكل والمذبح هو زكريا بن يهويا داع ، فقد جاء في سفر الأيام " [ولبس روح الله زكريا بن يهويا داع الكاهن فوقف فوق الشعب .. ففتنوا عليه ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب ] ( أيام (2) 24/20 - 21 ) [20ثُمَ اَستَولى روحُ اللهِ على زكريّا بنِ يُوياداعَ الكاهنِ فوقَفَ أمامَ الشَّعبِ وقالَ لهُم: «هذا ما قالَ الرّبُّ: لِماذا تُخالِفونَ وصايا الرّبِّ، فتُنزِلونَ الشَّقاءَ بِأنفُسِكُم؟ أهمَلتُمُ الرّبَّ فأهمَلَكُم». 21فثاروا على زَكريّا ورجموهُ بِالحجارَةِ بِأمرٍ مِنَ المَلِكِ يوآشَ في دارِ الهَيكلِ. 22ولم يَذكُرِ المَلِكُ ما كانَ لِيُوياداعَ أبي زَكريّا مِنَ الفَضلِ علَيهِ، بل قتَلَ اَبنَهُ الذي قالَ عِندَ موتِهِ: «الرّبُّ يرى وينتَقِمُ». ]. وأما زكريا بن برخيا فهو آخر عاش أيام سبي بابل ، وهو من الأنبياء الصغار ، وينسب له السفر الذي في التوراة ، ويقول عنه قاموس الكتاب المقدس " ويذكر التقليد اليهودي أن زكريا هذا طالت أيامه ، وعاش في بلاده ، ودفن بجانب حجي الذي كان زميلاً له " . كما يجدر أن ننبه هنا إلى أن لوقا قد نقل قول المسيح الذي ذكره متى، ولكنه لم يخطئ كما أخطئ متى ، فقد قال: " من دم هابيل إلى دم زكريا الذي أهلك بين المذبح والبيت " ( لوقا 11/51 ).
وفي نبوءة أوردها متى أخطأ وهو ينقل عن التوراة ، يقول متى في (27/3 - 10 )[ 3فلمّا رأى يَهوذا الَّذي أسلَمَ يَسوعَ أنَّهُم حكَموا علَيهِ، ندِمَ ورَدَّ الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ إلى رُؤساءِ الكَهنَةِ والشٌّيوخِ، 4وقالَ لهُم: "خَطِئتُ حينَ أسلَمتُ دمًا بريئًا". فقالوا لَه: "ما علَينا؟ دَبَّرْ أنتَ أمرَكَ". 5فرَمى يَهوذا الفِضَّةَ في الهَيكلِ واَنْصرفَ، ثُمَّ ذهَبَ وشَنقَ نفسَهُ. 6فأخَذَ رُؤساءُ الكَهنَةِ الفِضَّةَ وقالوا: "هذِهِ ثمنُ دمِ، فلا يَحِلُّ لنا أنْ نضَعَها في صُندوقِ الهَيكَلِ". 7فاَتَّـفَقوا أنْ يَشتَروا بِها حَقلَ الخَزّافِ ليَجعَلوهُ مَقبرَةً لِلغُرَباءِ. 8ولِهذا يُسَمّيهِ الناسُ حقلَ الدَّمِ إلى هذا اليومِ. 9فتَمَّ ما قالَهُ النَّبـيٌّ إرميا: "وأخذوا الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ، وهيَ ما اَتَّفقَ بَعضُ بَني إِسرائيلَ على أنْ يكونَ ثمنُهُ، 10ودَفَعوها ثَمنًا لِحَقلِ الخزّافِ. هكذا أمرَني الرَّبٌّ". ] .
فإحالته إلى سفر إرميا غير صحيحة ، إذ لا يوجد شيء من ذلك في إرميا ، والصحيح أنه في سفر زكريا : " فقال لي الرب : ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به ، فأخذت الثلاثين من الفضة ، وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب " ( زكريا 11/12 - 14 ) [12فقُلتُ لهُم: «إنْ حَسُنَ في عُيونِكُم، فهاتوا أُجرتي وإلاَ فاَمتنِعوا». فَوَزَنوا أُجرتي ثلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ. 13فقالَ ليَ الرّبُّ: «ألقِها في الخزانةِ، وفي بَيتِ الرّبِّ، ثَمنًا كريمًا ثَمَّنوني بهِ». فأخذتُ الثَّلاثينَ مِنَ الفِضَّةِ وألقيتُها في الخزانةِ، في بَيتِ الرّبِّ. 14وكسَرتُ عَصايَ الأخرى صِلةَ، فنقَضْتُ صِلةَ الإخاءِ بَينَ يَهوذا وإِسرائيلَ.]
ويجدر أن ننبه هنا أن القصة في سفر زكريا لا علاقة لها بيهوذا ولا المسيح.
وهناكخطأ وقع به بولس وهو يتحدث عن قيامة المسيح والتي يفترض أنها بعد وفاة يهوذا بأيام وقبل انتخاب البديل عنه ميتاس [ 25ليَقومَ بالخِدمةِ والرِّسالةِ مَقامَ يَهوذا الذي تَركَهُما ومضى ليَلقى مَصيرَهُ. 26ثُمَ اَقتَرَعوا فأصابَتِ القُرعةُ مَتِّياسَ، فاَنضمَ إلى الرُّسُلِ الأحدَ عشَرَ. حلول الروح القدس] (أعمال 1/26 ) ، فقال بولس: " قام في اليوم الثالث حسب الكتب ، وأنه ظهر لصفا ثم للإثني عشر ، وبعد ذلك ظهر لأكثر من خمسمائة أخ " (تيموثاوس (1) 15/4 - 6 )
وقد تنبه للخطأ كاتب مرقس فقال: [ 14وظهَرَ آخِرَ مرَّةٍ لِتلاميذِهِ الأحَدَ عشَرَ، وهُم يتَناولونَ الطَّعامَ، فلامَهُم على إيمانهم وقَساوَةِ قُلوبِهِم، لأنَّهُم ما صَدَّقوا الذينَ شاهَدوهُ بَعدَما قامَ. 15وقالَ لهُم: «اَذهَبوا إلى العالَمِ كُلِّهِ، وأعلِنوا البِشارةَ إلى النـاسِ أجمعينَ.] ( مرقس 16/14 ).
وعلاوة على هذا كله فإن في الرسائل فقرات تنفي هي عن نفسها دعوى الإلهام وتكذبه، وتشهد لصاحبها بأنه يتحدث ببشرية تامة، وأن الوحي لا علاقة له بما يكتب.
ومن ذلك قول بولس :[12وأمَّا الآخَرونَ، فأقولُ لهُم أنا لا الرَّبُّ: إذا كانَ لأخِ مُؤمنٍ اَمرَأةِ غَيرُ مُؤمِنَةٍ رَضِيَت أنْ تَعيشَ معَهُ، فَلا يُطَلِّقْها. ]( كورنثوس (1) 7/12 ) .
ثم يقول[40إلاّ أنَّها في رَأْيي تكونُ أكثَرَ سَعادَةً إذا بَقِـيَت على حالِها، وأَظُنُّ أنَّ رُوح الله فِـيَّ أنا أيضًا. ]( كورنثوس (1) 7/40 ).ويقول: [25وأمَّا غَيرُ المُتزوِّجينَ فَلا وَصِيَّةَ لهُم عِندي مِنَ الرَّبِّ، ولكِنِّي أُعطي رَأْيي كرَجُلٍ جَعَلَتْه رَحمَةُ الرَّبِّ مَوضِعَ ثِقَةٍ، ]( كورنثوس (1) 7/25 )،فهل نصدق بولس، وهو يصف كلامه هنا بأنه رأي شخصي أم نصدق النصارى الذين يقولون عن هذه العبارات أنها أيضاً ملهمة .ويقول بولس أيضاً وهو ينفي عن كلامه صفة القداسة[16أُكَرِّرُ القَولَ: لا يَظُنُّ أحدٌ أنِّي جاهِلٌ، وإلاّ
فاَقبَلوني ولَو كَجاهِلٍ لِيكونَ لي شيءٌ أُفاخِرُ بِه. 17ما أقولُهُ هُنا لا أَقولُهُ وَفْقًا للرَّبِّ، بَل أقولُهُ كجاهِلٍ لَه الجُرأةُ أنْ يُفاخِرَ.]( كورنثوس (2) 11/16 - 17 ).
ويؤكد أن بعض ما يصدر عنه هو محض رأي بشري واجتهاد شخصيمنه، فيقول: [8ولا أقولُ هذا على سبيلِ الأمرِ، بَل لأمتحِنَ بِحماسَةِ الآخرينَ صِدقَ مَحبَّتِكُم. 9وأنتُم تَعرِفونَ نِعمَةَ رَبِّنا يَسوعَ المَسيحِ: كيفَ اَفتَقَرَ لأجلِكُم، وهوَ الغَنِيُّ، لتَغتَنُوا أنتُم بِفَقْرِه.10فهذا رَأْيـي في الأمرِ، وهوَ خَيرٌ لكُم، وأنتُمُ الذينَ كانوا مُنذُ العامِ الماضي أوَّلَ مَنِ اَبتَدأ بِهذا العَمَلِ، بَل أوَّلَ مَنْ رَغِبَ فيهِ. ً ]( كورنثوس (2) 8/8 - 10 ).
ويقول بولس:“ ليتكم تحتملون غباوتي قليلاً “ ( كورنثوس (2) 11/1 ).
فهل أوحى الله له أن يصف نفسه بالغباء، وهل يعتذر الله ويخشى أن يكون ملهمه قد أثقل على أولئك الذين يقرؤون رسالته.ويقول معتذراً، والمفروض أن القائل وحي الله الذي يسجله بولس:[15ولكِنِّي كَتَبتُ إلَيكُم في بَعضِ الأُمورِ بِكَثيرٍ مِنَ الجُرأَةِ لأنبِّهَكُم إلَيها، وذلِكَ لِلنِعمَةِ التي وهَبَها الله لي ] ( رومية 15/15 ).
تعليق