بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
معجزة القرآن الكريم بين الاعجاز والعجز والتعجيز
تحدى الله الانس والجن على الاتيان بسورة من مثل القرآن او حتى باية بل و زاد فى التحدى الى اقصى الدرجات باخبارهم بالعجز عن فعل ذلك (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24))
وليس هناك حث وتشجيع على جمع القوة والشتات لمواجهة اى تحدى اكثر من ذلك فما بدا منهم ؟ بدا منهم العجز وقعدت بهم الخيبة وانقطاع الامل عن الايتان بسورة من مثل القرآن او حتى بآية كما اخبرت الاية الكريمة مع كل هذا الاستفزاز الذى وصل الى اقصى درجاته وان قلنا لما ؟ , لانه توازى مع التنديد باصنامهم وتسفيه أحلامهم وإهانة مقدساتهم ، الشىء الذى يوجب عليهم عدم التواني لحظة في حشد الأمصار والأعوان للتظاهر والتآزر على الإتيان بالمثل المطلوب لو كان في القدرة و الإمكان وما لجأو الى كل افتراء و افتراض حتى وصل بهم الامر الى وصم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنون تارة و بالسحر تارة اخرى قال تعالى : " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" ومنذ رسالة النبى صلى الله عليه وسلم والى الان لم يتم كسر هذا التحدى ؟ الذى لو حدث لهدم الدين وقلع من اساسه وخصوصا فى وقت اعلان التحدى وقت ولادة الدين الجديد هذا الوقت الذى لا يحتمل فتح اى باب للشكوك و الحيرة , بل تثبيت اليقين واقراره فهناك فرق بين من يولد على دين معين وما يقترن بتلك الولادة من تقليد وعصبية وتكيف وحساسية ناحية هذا الدين تعجل الانسان يرفض اى شبهة بدون بحث او تحرى وبين من يتحول الى الاسلام عن دين اخر بعد بحث و اقتناع , الامر الذى سوف يجعله لن يمرر اى شبهة مرور الكرام فكل ما يهمه هو البحث عن الحقيقة بصرف النظر عن كون الاسلام هو الذى حفزه على هذا البحث و لعدم وجود القيود السابقة الامر الذى سوف يجعله يعيد تقييم الامر مرة بعد الاخرى عند ظهور اى شبهة بموضوعية تامة , وبالتالى يكون كل معتنق للاسلام فى ذلك العصر بالاخص وما بعده شاهدا على اعجاز القرآن من هذه الناحية ومن كل النواحى الاخرى , وفى هذا ضحد لكل كذب وافتراء بانه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالقرآن قد نزل على قوم قد تميزو بالفصاحة والبلاغة وحسن الاداء وجمال المنطق وسلاسة التعبير واشتهروا بمزاولة أساليب النظم والنثر وتمرسوا على الخطب والأشعار وبالغوا في حفظ الوقائع والأيام ، و القدرة على الأمر من دواعي الإتيان به ." متحديا لهم فيما تميزو فيه فعجزوا بل و لم تبد منهم اى محاولات للمعارضة ولو كانت ركيكة ومبتذلة ورديئة لان فهمهم للغة العربية وتذوقهم للادب جعلهم يشعرون باختلاف القرآن واعجازه وتميزه وجماله الى الحد الذى لا يمكن لقدراتهم اللغوية ان تضاهيه , بل والشهادة له بذلك فعن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة (الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو عبد شمس، من قضاة العرب في الجاهلية ومن زعماء قريش ومن زنادقتها توفي سنة 1 ه، الكامل 2/26، الأعلام 8/122.) جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال له: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، قال: لِمَ ؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ من قومك أنك منكر له وكاره، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل ألم بالشعر مني، لا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: والله ما يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، فنَزلت : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ "
(الايات من سورة المدثر
والحديث أخرجه الحاكم، كتاب التفسير، باب تفسير سورة المدثر 2/506، وقال عقبه: هذا حديثٌ صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه.)
والجدير بالذكر ان الجميع لم يكونوا ليهملوا شأن القرآن بل كانوا ينتظرون الوحى بشغف بصرف النظر عن كونهم مؤمنين او كافرين يتربصون به ليتصيدواعليه اى مأخذ يقول الاستاذ الدكتور "محمد عبد الله دراز فى كتابه مدخل الى القرآن الكريم الجزء الاول حقائق تاريخية ص42" : "كان الناس جميعا ينتظرون الوحى بشغف , ويتمنون ان يتلقوه فور نزوله , حتى اعداء الرسول انفسهم الذين كانوا لا يهملون شأن القرآن , كانوا يحرصون على سماعه , اما للبحث عن نقط ضعف فيه تعينهم على مغالبته او مهاجمته , واما لاشباع حاجتهم فى التذوق الادبى ويمكننا ان نتصور اذن مدى الاهتمام الذى كان يثيره القرآن فى النفوس " .
والتحدى كان له حكمة بالغة لن تتاتى فى غير هذا الزمن وتحمل رسالة الى الازمنة الاخرى لكل من تحدثه نفسه بمعارضة القرآن او فتح باب لالقاء شبهات ليس لها اصل فى الماضى .
يقول الرافعي "صاحب كتاب اعجاز القرآن" : ((وحِكمة هذا التحدي وذكره في القرآن إنما هي أن يشهد التاريخ في كل عصر بعجز العرب عنه وهم الخُطباء اللُّدُّ، والفصحاء اللُّسن، حتى لا يجيءَ بعد ذلك فيما يجيءُ من الزمنِ مولد، أو أعجمي كاذب، أو منافق، أو ذو غفلة فيزعمُ أن العرب كانوا قادرين على مثله وأنه غير معجز)) (إعجاز القرآن 22 ).
"وإعجازُ القرآنِ الكريمِ أولُ دليلٍ على مصدرِ القرآنِ الكريم الإلهي، وبه ثبوتُ صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، لذا قام المستشرقون بالتشكيك في إعجازه والطعن فيه، وفي جمال أسلوبه وبلاغته، ولا يعرف ذلك إلا العرب الخلص الذين عرفوا البيان، وأنى للمستشرقين أو المستعربين منهم فى ذلك" (مصدر القرآن الكريم - د. عبد الودود بن مقبول حنيف ص42)
ولقد أكده القاضى الباقلاني بانه لا يمكنُ لأي كائنٍ أن يُقَدِّرَ إعجاز القرآن سوى أهل اللغة والبيان ذوي الخبرة بعلوم اللغة المختلفة. ونَصُّ عبارته في كتابه إعجاز القرآن : ((فأما من كان متناهياً في معرفةِ وجوه الخطاب، وطرقِ البلاغة والفنون التي يمكنُ فيها إظهار الفصاحة، فهو متى سمع القرآن عرَف إعجازه)) (كتاب إعجاز القرآن ص 51، وانظر: الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 56. ).
والعرب هم من تنطبق عليهم هذه الصفات دون غيرهم على الاطلاق بفارق لا يقاس او يقارن فيكونوا هم المؤهلين للحكم
والتقييم اكثير من غيرهم بنفس الدرجة مما ينهى الامر لكل عاقل ويحسمه حسما نهائيا فلقد انتهى زمن الحكم والتقييم والقاء الشبهات لصالح القرآن ولن يتكرر ذلك الزمن او القيمة العالية لشهاداته واجازاته مرة اخرى .
يقول الدكتور "عبد الودود مقبول حنيف" فى كتابه "مصدر القرآن الكريم" : "الأسلوب الأدبي للقرآن الكريم أسلوب رفيع عال يفوق أي أسلوبٍ من الأساليب العربية الأخرى، سواءٌ أكانت قصيدةً أم نثراً مسجوعاً أم غير مسجوع، أو شعراً، فلغة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على رصانةِ ألفاظه وقوة فصاحتِه وبلاغته، فقد أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، وهو ما بدا واضحاً في سنته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك كله لا يمكن أن يصل لمستوى القرآنِ الكريم فهو معجزٌ، عجزت الإنس والجن عن أن يأتوا بمثله ولن يستطيع أحدٌ الإتيانَ بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً، بعكس الحديث النبوي فإن أعجز عامة الناس الإتيان بالأسلوب البشري فلا يعجز بعض خاصتهم الإتيان بأسطرٍ منه، وبالمقارنة بين القرآنِ والسنة يتضحُ الفرق بين الأسلوب الإلهي الذي يدل على روعة النظمِ القرآني وبين الأسلوب البشري"، قال ابن عطية : ((لو نُزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجدَ أحسن منها لم يوجد))( تفسير ابن عطية 1/52.) وقال الزرقاني في البيان والتوضيح بين الأسلوبين: ((حتى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، وأشرقت نفسه بنور النبوة والوحي، وصِيغَ على أكمل ما خلق الله، فإنه مع تحليقه في سماءِ البيان وسُمُوِّه على كل إنسان لا يزالُ هناك بَونٌ بينه وبين القرآن)) ) مناهل العرفان 2/ 298(.
و"إسلام لبيد بن ربيعة وعمر بن الخطاب المعروفين بالفصاحة والبيان ما هو إلا شاهد ودليلٌ واضحٌ على الأسلوب البلاغي الراقي الذي انفرد به القرآنُ الكريم عن غيره من الأساليب، فقد كانت هناك قصيدةٌ شعرية للبيد تُعَدُّ من أعظم ما قيل من الروائع في عهد محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يجرؤ أحدٌ من الشعراء على منافستها حتى علقت بجانبها بعض آياتٍ من القرآنِ الكريم، فأسلم لبيد في الحال وقال قولته: ((إن كلاماً كهذا ليس من قول البشر، وإنه لا شك وحيٌ إلهي)) (انظر الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 52)
و"عمر بن الخطاب كان فصيحاً لا نظير له، وكان يعادي الإسلام والقرآن حتى وجد عند أخته صحيفةً بها بعض القرآن فطلبها فامتنعت فقرأها، فلما تمكن من قراءتها ملأت الآيات القليلة قلبه إعجاباً ورهبة، ومنذ تلك اللحظة أصبح عمر بن الخطاب واحداً من رموز قادة الإسلام "(انظر الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 53)
ويمكن ان نضيف الى هذه الشهادات :
شهادات بعض المستشرقين الذين لم يستطيعوا ان يخفوا اعجابهم بالقرآن رغم حقدهم وكراهيتهم للاسلام ليظهر لنا الاعجاب مختلطا بالحقد والعصبية فى اغرب هيئة وصورة وذلك عندما يقولون فى القرآن ما ينوب عن اعلى درجات الاعجاب والاحساس بالروعة ثم ينسبونه بعد ذلك إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول مثلا المستشرق سيل واضع اشهر ترجمة لمعانى القرآن الكريم : "من المعترفِ به أن لغةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم قد بلغت الغايةَ في الروعةِ والنقاء، وقد استند محمدٌ إلى إعجاز الكتاب لإثبات حقيقة بعثته، وأعلن تحديه لأعظم الرجال وأكثرهم فصاحة" , ويقول أيضاً: "ولا شك أن أسلوب القرآنِ مذهل فهو جميل مشرق، وهو مُفعَمٌ بذوقٍ شرقي فضلاً عن أنه ممتلئٌ بالتعبيرات الهادية المنمَّقة التي تنطقُ بالحِكمة، كما أن المواضع التي تذكر عظمةَ الله وصفاته هي الذروة فيما قدم الأسلوب القرآني من فنون البيان" (انظر: الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 59، 60.)
ويقول "هيرتشفلد" وهو مستشرق يهودي، وباحث فى القرآن الكريم وتفسيره : "إن هذا الدين الذي أحدث الثورة الكبرى لم يقم على مجرد الخيال" (انظر: دعوى المستشرقين أن القرآن من صنع البشر 143) .
ها هى شهادة الاعداء والمتربصين وها هى شهادة اهل الفصاحة واللغة واساطين البلاغة والادب وبعد هل يمكن ان يأتى من يضاهى حقد وكراهية "جورج سيل" , و"هيرتشفلد" على القرآن والاسلام والمسلمين؟ , اوهل يمكن لاحد ان ياتى بعد العرب ويسبقهم او يتفوق عليهم فى التميز الادبى وفهم اللغة العربية والالمام باسرارها ؟ , فياتى بما عجزوا عن الاتيان بمثله او محاولة معارضته , او يشهد بغير ما قالوا واقروا, فيجعل نفسه مؤهلا للحكم والتقييم اكثر هؤلاء , الا اذا كان احمق جمع بين عمى البصر والبصيرة وكيف من ليس له اى احساس لغوى او حس فنى او تذوق ادبى يكون مؤهلا للحكم والقييم وان كان , فيكيف يصل الى ما وصل اليه العرب فى تلك الحقبة , ولكن ماذا نفعل "وقد اعتاد المنصِّرون والمستشرقون الطعن في القرآنِ بأسلوب أو بآخر، ولا يخفى على المسلم أن عملهم لا يُعَدُّ نقداً، أو التعبير برأيٍ آخر كما يرددون من أنه حريةٌ في البحث، بل هو صادرٌ عن حِقدٍ وكراهية للإسلام والقرآن، وأحياناً عن عصبية شديدة، والتعصب يعمي ويصم ويَقلب الحقَّ باطلاً والباطل حقاً، وغرضهم الرئيس من ذلك هو التشكيكُ في القرآنِ الكريم وقَداستِه كي يتوصلوا إلى صرف أنظار المسلمين عن القرآنِ الكريم، وهذه الطعونُ مبنيةٌ على رواياتٍ باطلة أو مختلقة أو آراءَ شاذة وأدلةٍ واهية، أو على مقالاتٍ لبعض الباحثين، او على بعضِ الروايات الصحيحة أو المقبولة التي قاموا بفهمها كما يحلو لهم من وجهة نظرهم، " (مصدر القرآن الكريم- د. عبد الودود بن مقبول حنيف) .
ولقد قال عنهم الأمير شَكيب أَرسَلان : ((وإذا عثروا على حكاية شاردة أو نكتة واردة في زاوية كتاب قد يكون محرفاً تساقطوا عليه تهافت الذباب على الحلوى، وجعلوها معياراً ومقاساً، لا بل صيروها مَحَكًّا يعرضون عليها سائر الحوادث)) ( انظر: الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية ص 326. )
وشىء بديهى اذا عجز ملوك الفصاحة والبلاغة واهل الادب والشعر فلن يستطيع احد اخر , واذا كان هناك من يرمى بالشبهات على القرآن العظيم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من اى ناحية كانت , كالزعم بكون مصادر القرآن الشعر الجاهلى لامية ابن ابى الصلت وامرىء القيس , او التشكيك فى اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وجوانب حياته , نقول لو كان هذا الامر صحيحا لما سكت العرب عن فضحه واستخدامه ضد الرسول والاسلام انتقاما للتنديد باصنامهم وتسفيه أحلامهم وإهانة مقدساتهم , وما تكلفوا وتكبدوا عناء الحرب والقتال وما لجأوا الى كل افتراضو و افتراء حتى وصل بهم الامر الى وصم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنون تارة و بالسحر تارة اخرى فهم الاقرب عهدا منه واصحابه اكثر من غيرهم وهم الذين عاصروه وعايشوه و تعاملوا معه عن قرب اكثر من غيرهم وهم الذين يعلمون الرسول صلى الله عليه وسلم , واحواله واخلاقه اكثر من اى احد اخر بل هم الذين لقبوه بالصادق الامين لا احد اخر وفى ذلك يقول الدكتور "محمد عبد الله دراز فى كتابه مدخل الى القرآن الكريم الجزء الاول حقائق تاريخية ص26" : معللا ذلك اللقب " وكان - محمد صلى الله عليه وسلم - يتميز بين اترابه الفتيان بخلقه الرفيع , وبحيائه الشديد وبعده عن اللهو الرخيص وعفته المطلقة , وكان يجذب اهتمام كل من تعامل معه فأكسبه ذلك ثقة كبيرة فى قلوب الناس مما برر تسميته بالامين ومثل هذه الخصال تنبىء عن صاحبها فى المجتمع , فنراه فى ريعان شبابه يدعى لمجالسة رؤساء القبائل الموقرين فى حلف الفضول الحلف الذى كان يستهدف مساندة الضعفاء , ورد الظلم عن المظلومين , واقرار السلام بين القبائل ويتصدى لمن يحاول العبث به" وهناك الكثير من الحوادث التاريخية التى تشهد على ذلك مثل الحادث الذى وقع وقت ترميم الكعبة متمثل فى النزاع الذى نشب بين القبائل فيما يتعلق بوضع الحجر الاسود فى مكانه , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم سببا رئيسيا فى حله بحكمته وحسن تفكيره , فساد الرضا بين جموع الحاضرين واستتب السلام بين القبائل ولم ينبع ذلك الا من الثقة والاحترام والكل يعلم ذلك .
"لذا عندما صدع الرسول بدعوته ووقف على الصفا ونادى القبائل بأسمائها، فلما اجتمعوا قال: ((أرأيتم لو أخبرتكم أن وراء الجبل خيل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: بلى ما عرفنا منك كذبا، قال: فإني رسول الله بين يدي عذاب شديد)). فهم أمام الجبل لا يرون ولا يعرفون ما خلف الجبل، فثقتهم بالمخبر وصدقه وأمانته تلزمهم أن يؤمنوا ويصدقوا بالخبر" (http://shhada.syriaforums.net/t45-topic)
هذه هى احوال الرسول واخلاقه قبل البعثة النبوية تؤكد على مصدر القرآن الالهى وتدعمها وتعضدها احواله بعد البعثة واحوال معاصريه وردود افعالهم التى كانت ظاهرة للجميع وخصوصا المتعلقة بنزول الوحى وورعه وفقره وتقشفه وعفته وتقواه وزهده فى الحياة وعفوه عمن اساء اليه وسماحته وتسامحه ومن قبل اميته ..
يتبع بعون الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
معجزة القرآن الكريم بين الاعجاز والعجز والتعجيز
تحدى الله الانس والجن على الاتيان بسورة من مثل القرآن او حتى باية بل و زاد فى التحدى الى اقصى الدرجات باخبارهم بالعجز عن فعل ذلك (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24))
وليس هناك حث وتشجيع على جمع القوة والشتات لمواجهة اى تحدى اكثر من ذلك فما بدا منهم ؟ بدا منهم العجز وقعدت بهم الخيبة وانقطاع الامل عن الايتان بسورة من مثل القرآن او حتى بآية كما اخبرت الاية الكريمة مع كل هذا الاستفزاز الذى وصل الى اقصى درجاته وان قلنا لما ؟ , لانه توازى مع التنديد باصنامهم وتسفيه أحلامهم وإهانة مقدساتهم ، الشىء الذى يوجب عليهم عدم التواني لحظة في حشد الأمصار والأعوان للتظاهر والتآزر على الإتيان بالمثل المطلوب لو كان في القدرة و الإمكان وما لجأو الى كل افتراء و افتراض حتى وصل بهم الامر الى وصم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنون تارة و بالسحر تارة اخرى قال تعالى : " قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا" ومنذ رسالة النبى صلى الله عليه وسلم والى الان لم يتم كسر هذا التحدى ؟ الذى لو حدث لهدم الدين وقلع من اساسه وخصوصا فى وقت اعلان التحدى وقت ولادة الدين الجديد هذا الوقت الذى لا يحتمل فتح اى باب للشكوك و الحيرة , بل تثبيت اليقين واقراره فهناك فرق بين من يولد على دين معين وما يقترن بتلك الولادة من تقليد وعصبية وتكيف وحساسية ناحية هذا الدين تعجل الانسان يرفض اى شبهة بدون بحث او تحرى وبين من يتحول الى الاسلام عن دين اخر بعد بحث و اقتناع , الامر الذى سوف يجعله لن يمرر اى شبهة مرور الكرام فكل ما يهمه هو البحث عن الحقيقة بصرف النظر عن كون الاسلام هو الذى حفزه على هذا البحث و لعدم وجود القيود السابقة الامر الذى سوف يجعله يعيد تقييم الامر مرة بعد الاخرى عند ظهور اى شبهة بموضوعية تامة , وبالتالى يكون كل معتنق للاسلام فى ذلك العصر بالاخص وما بعده شاهدا على اعجاز القرآن من هذه الناحية ومن كل النواحى الاخرى , وفى هذا ضحد لكل كذب وافتراء بانه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم , فالقرآن قد نزل على قوم قد تميزو بالفصاحة والبلاغة وحسن الاداء وجمال المنطق وسلاسة التعبير واشتهروا بمزاولة أساليب النظم والنثر وتمرسوا على الخطب والأشعار وبالغوا في حفظ الوقائع والأيام ، و القدرة على الأمر من دواعي الإتيان به ." متحديا لهم فيما تميزو فيه فعجزوا بل و لم تبد منهم اى محاولات للمعارضة ولو كانت ركيكة ومبتذلة ورديئة لان فهمهم للغة العربية وتذوقهم للادب جعلهم يشعرون باختلاف القرآن واعجازه وتميزه وجماله الى الحد الذى لا يمكن لقدراتهم اللغوية ان تضاهيه , بل والشهادة له بذلك فعن ابن عباس أن الوليد بن المغيرة (الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أبو عبد شمس، من قضاة العرب في الجاهلية ومن زعماء قريش ومن زنادقتها توفي سنة 1 ه، الكامل 2/26، الأعلام 8/122.) جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال له: يا عم، إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالاً، قال: لِمَ ؟ قال: ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالاً، قال: فقل فيه قولاً يبلغ من قومك أنك منكر له وكاره، قال: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل ألم بالشعر مني، لا برجزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى، وإنه ليحطم ما تحته، قال: والله ما يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، فنَزلت : " ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ "
(الايات من سورة المدثر
والحديث أخرجه الحاكم، كتاب التفسير، باب تفسير سورة المدثر 2/506، وقال عقبه: هذا حديثٌ صحيح الإسناد على شرط البخاري ولم يخرجاه.)
والجدير بالذكر ان الجميع لم يكونوا ليهملوا شأن القرآن بل كانوا ينتظرون الوحى بشغف بصرف النظر عن كونهم مؤمنين او كافرين يتربصون به ليتصيدواعليه اى مأخذ يقول الاستاذ الدكتور "محمد عبد الله دراز فى كتابه مدخل الى القرآن الكريم الجزء الاول حقائق تاريخية ص42" : "كان الناس جميعا ينتظرون الوحى بشغف , ويتمنون ان يتلقوه فور نزوله , حتى اعداء الرسول انفسهم الذين كانوا لا يهملون شأن القرآن , كانوا يحرصون على سماعه , اما للبحث عن نقط ضعف فيه تعينهم على مغالبته او مهاجمته , واما لاشباع حاجتهم فى التذوق الادبى ويمكننا ان نتصور اذن مدى الاهتمام الذى كان يثيره القرآن فى النفوس " .
والتحدى كان له حكمة بالغة لن تتاتى فى غير هذا الزمن وتحمل رسالة الى الازمنة الاخرى لكل من تحدثه نفسه بمعارضة القرآن او فتح باب لالقاء شبهات ليس لها اصل فى الماضى .
يقول الرافعي "صاحب كتاب اعجاز القرآن" : ((وحِكمة هذا التحدي وذكره في القرآن إنما هي أن يشهد التاريخ في كل عصر بعجز العرب عنه وهم الخُطباء اللُّدُّ، والفصحاء اللُّسن، حتى لا يجيءَ بعد ذلك فيما يجيءُ من الزمنِ مولد، أو أعجمي كاذب، أو منافق، أو ذو غفلة فيزعمُ أن العرب كانوا قادرين على مثله وأنه غير معجز)) (إعجاز القرآن 22 ).
"وإعجازُ القرآنِ الكريمِ أولُ دليلٍ على مصدرِ القرآنِ الكريم الإلهي، وبه ثبوتُ صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، لذا قام المستشرقون بالتشكيك في إعجازه والطعن فيه، وفي جمال أسلوبه وبلاغته، ولا يعرف ذلك إلا العرب الخلص الذين عرفوا البيان، وأنى للمستشرقين أو المستعربين منهم فى ذلك" (مصدر القرآن الكريم - د. عبد الودود بن مقبول حنيف ص42)
ولقد أكده القاضى الباقلاني بانه لا يمكنُ لأي كائنٍ أن يُقَدِّرَ إعجاز القرآن سوى أهل اللغة والبيان ذوي الخبرة بعلوم اللغة المختلفة. ونَصُّ عبارته في كتابه إعجاز القرآن : ((فأما من كان متناهياً في معرفةِ وجوه الخطاب، وطرقِ البلاغة والفنون التي يمكنُ فيها إظهار الفصاحة، فهو متى سمع القرآن عرَف إعجازه)) (كتاب إعجاز القرآن ص 51، وانظر: الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 56. ).
والعرب هم من تنطبق عليهم هذه الصفات دون غيرهم على الاطلاق بفارق لا يقاس او يقارن فيكونوا هم المؤهلين للحكم
والتقييم اكثير من غيرهم بنفس الدرجة مما ينهى الامر لكل عاقل ويحسمه حسما نهائيا فلقد انتهى زمن الحكم والتقييم والقاء الشبهات لصالح القرآن ولن يتكرر ذلك الزمن او القيمة العالية لشهاداته واجازاته مرة اخرى .
يقول الدكتور "عبد الودود مقبول حنيف" فى كتابه "مصدر القرآن الكريم" : "الأسلوب الأدبي للقرآن الكريم أسلوب رفيع عال يفوق أي أسلوبٍ من الأساليب العربية الأخرى، سواءٌ أكانت قصيدةً أم نثراً مسجوعاً أم غير مسجوع، أو شعراً، فلغة النبي صلى الله عليه وسلم تدل على رصانةِ ألفاظه وقوة فصاحتِه وبلاغته، فقد أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، وهو ما بدا واضحاً في سنته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك كله لا يمكن أن يصل لمستوى القرآنِ الكريم فهو معجزٌ، عجزت الإنس والجن عن أن يأتوا بمثله ولن يستطيع أحدٌ الإتيانَ بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً، بعكس الحديث النبوي فإن أعجز عامة الناس الإتيان بالأسلوب البشري فلا يعجز بعض خاصتهم الإتيان بأسطرٍ منه، وبالمقارنة بين القرآنِ والسنة يتضحُ الفرق بين الأسلوب الإلهي الذي يدل على روعة النظمِ القرآني وبين الأسلوب البشري"، قال ابن عطية : ((لو نُزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب في أن يوجدَ أحسن منها لم يوجد))( تفسير ابن عطية 1/52.) وقال الزرقاني في البيان والتوضيح بين الأسلوبين: ((حتى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، وأشرقت نفسه بنور النبوة والوحي، وصِيغَ على أكمل ما خلق الله، فإنه مع تحليقه في سماءِ البيان وسُمُوِّه على كل إنسان لا يزالُ هناك بَونٌ بينه وبين القرآن)) ) مناهل العرفان 2/ 298(.
و"إسلام لبيد بن ربيعة وعمر بن الخطاب المعروفين بالفصاحة والبيان ما هو إلا شاهد ودليلٌ واضحٌ على الأسلوب البلاغي الراقي الذي انفرد به القرآنُ الكريم عن غيره من الأساليب، فقد كانت هناك قصيدةٌ شعرية للبيد تُعَدُّ من أعظم ما قيل من الروائع في عهد محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يجرؤ أحدٌ من الشعراء على منافستها حتى علقت بجانبها بعض آياتٍ من القرآنِ الكريم، فأسلم لبيد في الحال وقال قولته: ((إن كلاماً كهذا ليس من قول البشر، وإنه لا شك وحيٌ إلهي)) (انظر الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 52)
و"عمر بن الخطاب كان فصيحاً لا نظير له، وكان يعادي الإسلام والقرآن حتى وجد عند أخته صحيفةً بها بعض القرآن فطلبها فامتنعت فقرأها، فلما تمكن من قراءتها ملأت الآيات القليلة قلبه إعجاباً ورهبة، ومنذ تلك اللحظة أصبح عمر بن الخطاب واحداً من رموز قادة الإسلام "(انظر الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 53)
ويمكن ان نضيف الى هذه الشهادات :
شهادات بعض المستشرقين الذين لم يستطيعوا ان يخفوا اعجابهم بالقرآن رغم حقدهم وكراهيتهم للاسلام ليظهر لنا الاعجاب مختلطا بالحقد والعصبية فى اغرب هيئة وصورة وذلك عندما يقولون فى القرآن ما ينوب عن اعلى درجات الاعجاب والاحساس بالروعة ثم ينسبونه بعد ذلك إلى محمد صلى الله عليه وسلم فيقول مثلا المستشرق سيل واضع اشهر ترجمة لمعانى القرآن الكريم : "من المعترفِ به أن لغةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم قد بلغت الغايةَ في الروعةِ والنقاء، وقد استند محمدٌ إلى إعجاز الكتاب لإثبات حقيقة بعثته، وأعلن تحديه لأعظم الرجال وأكثرهم فصاحة" , ويقول أيضاً: "ولا شك أن أسلوب القرآنِ مذهل فهو جميل مشرق، وهو مُفعَمٌ بذوقٍ شرقي فضلاً عن أنه ممتلئٌ بالتعبيرات الهادية المنمَّقة التي تنطقُ بالحِكمة، كما أن المواضع التي تذكر عظمةَ الله وصفاته هي الذروة فيما قدم الأسلوب القرآني من فنون البيان" (انظر: الاستشراق والقرآن العظيم د. محمد خليفة ص 59، 60.)
ويقول "هيرتشفلد" وهو مستشرق يهودي، وباحث فى القرآن الكريم وتفسيره : "إن هذا الدين الذي أحدث الثورة الكبرى لم يقم على مجرد الخيال" (انظر: دعوى المستشرقين أن القرآن من صنع البشر 143) .
ها هى شهادة الاعداء والمتربصين وها هى شهادة اهل الفصاحة واللغة واساطين البلاغة والادب وبعد هل يمكن ان يأتى من يضاهى حقد وكراهية "جورج سيل" , و"هيرتشفلد" على القرآن والاسلام والمسلمين؟ , اوهل يمكن لاحد ان ياتى بعد العرب ويسبقهم او يتفوق عليهم فى التميز الادبى وفهم اللغة العربية والالمام باسرارها ؟ , فياتى بما عجزوا عن الاتيان بمثله او محاولة معارضته , او يشهد بغير ما قالوا واقروا, فيجعل نفسه مؤهلا للحكم والتقييم اكثر هؤلاء , الا اذا كان احمق جمع بين عمى البصر والبصيرة وكيف من ليس له اى احساس لغوى او حس فنى او تذوق ادبى يكون مؤهلا للحكم والقييم وان كان , فيكيف يصل الى ما وصل اليه العرب فى تلك الحقبة , ولكن ماذا نفعل "وقد اعتاد المنصِّرون والمستشرقون الطعن في القرآنِ بأسلوب أو بآخر، ولا يخفى على المسلم أن عملهم لا يُعَدُّ نقداً، أو التعبير برأيٍ آخر كما يرددون من أنه حريةٌ في البحث، بل هو صادرٌ عن حِقدٍ وكراهية للإسلام والقرآن، وأحياناً عن عصبية شديدة، والتعصب يعمي ويصم ويَقلب الحقَّ باطلاً والباطل حقاً، وغرضهم الرئيس من ذلك هو التشكيكُ في القرآنِ الكريم وقَداستِه كي يتوصلوا إلى صرف أنظار المسلمين عن القرآنِ الكريم، وهذه الطعونُ مبنيةٌ على رواياتٍ باطلة أو مختلقة أو آراءَ شاذة وأدلةٍ واهية، أو على مقالاتٍ لبعض الباحثين، او على بعضِ الروايات الصحيحة أو المقبولة التي قاموا بفهمها كما يحلو لهم من وجهة نظرهم، " (مصدر القرآن الكريم- د. عبد الودود بن مقبول حنيف) .
ولقد قال عنهم الأمير شَكيب أَرسَلان : ((وإذا عثروا على حكاية شاردة أو نكتة واردة في زاوية كتاب قد يكون محرفاً تساقطوا عليه تهافت الذباب على الحلوى، وجعلوها معياراً ومقاساً، لا بل صيروها مَحَكًّا يعرضون عليها سائر الحوادث)) ( انظر: الفكر العربي المعاصر في معركة التغريب والتبعية الثقافية ص 326. )
وشىء بديهى اذا عجز ملوك الفصاحة والبلاغة واهل الادب والشعر فلن يستطيع احد اخر , واذا كان هناك من يرمى بالشبهات على القرآن العظيم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من اى ناحية كانت , كالزعم بكون مصادر القرآن الشعر الجاهلى لامية ابن ابى الصلت وامرىء القيس , او التشكيك فى اخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وجوانب حياته , نقول لو كان هذا الامر صحيحا لما سكت العرب عن فضحه واستخدامه ضد الرسول والاسلام انتقاما للتنديد باصنامهم وتسفيه أحلامهم وإهانة مقدساتهم , وما تكلفوا وتكبدوا عناء الحرب والقتال وما لجأوا الى كل افتراضو و افتراء حتى وصل بهم الامر الى وصم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنون تارة و بالسحر تارة اخرى فهم الاقرب عهدا منه واصحابه اكثر من غيرهم وهم الذين عاصروه وعايشوه و تعاملوا معه عن قرب اكثر من غيرهم وهم الذين يعلمون الرسول صلى الله عليه وسلم , واحواله واخلاقه اكثر من اى احد اخر بل هم الذين لقبوه بالصادق الامين لا احد اخر وفى ذلك يقول الدكتور "محمد عبد الله دراز فى كتابه مدخل الى القرآن الكريم الجزء الاول حقائق تاريخية ص26" : معللا ذلك اللقب " وكان - محمد صلى الله عليه وسلم - يتميز بين اترابه الفتيان بخلقه الرفيع , وبحيائه الشديد وبعده عن اللهو الرخيص وعفته المطلقة , وكان يجذب اهتمام كل من تعامل معه فأكسبه ذلك ثقة كبيرة فى قلوب الناس مما برر تسميته بالامين ومثل هذه الخصال تنبىء عن صاحبها فى المجتمع , فنراه فى ريعان شبابه يدعى لمجالسة رؤساء القبائل الموقرين فى حلف الفضول الحلف الذى كان يستهدف مساندة الضعفاء , ورد الظلم عن المظلومين , واقرار السلام بين القبائل ويتصدى لمن يحاول العبث به" وهناك الكثير من الحوادث التاريخية التى تشهد على ذلك مثل الحادث الذى وقع وقت ترميم الكعبة متمثل فى النزاع الذى نشب بين القبائل فيما يتعلق بوضع الحجر الاسود فى مكانه , وكان الرسول صلى الله عليه وسلم سببا رئيسيا فى حله بحكمته وحسن تفكيره , فساد الرضا بين جموع الحاضرين واستتب السلام بين القبائل ولم ينبع ذلك الا من الثقة والاحترام والكل يعلم ذلك .
"لذا عندما صدع الرسول بدعوته ووقف على الصفا ونادى القبائل بأسمائها، فلما اجتمعوا قال: ((أرأيتم لو أخبرتكم أن وراء الجبل خيل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: بلى ما عرفنا منك كذبا، قال: فإني رسول الله بين يدي عذاب شديد)). فهم أمام الجبل لا يرون ولا يعرفون ما خلف الجبل، فثقتهم بالمخبر وصدقه وأمانته تلزمهم أن يؤمنوا ويصدقوا بالخبر" (http://shhada.syriaforums.net/t45-topic)
هذه هى احوال الرسول واخلاقه قبل البعثة النبوية تؤكد على مصدر القرآن الالهى وتدعمها وتعضدها احواله بعد البعثة واحوال معاصريه وردود افعالهم التى كانت ظاهرة للجميع وخصوصا المتعلقة بنزول الوحى وورعه وفقره وتقشفه وعفته وتقواه وزهده فى الحياة وعفوه عمن اساء اليه وسماحته وتسامحه ومن قبل اميته ..
يتبع بعون الله
تعليق