الحركات التنصيرية في الغرب ومحاولة إيقاف قطار الإسلام
بون: صلاح الصيفي
أثار انتباهي حكاية رواها لي أحد العرب من طالبي اللجوء في ألمانيا عن محاولة تعرض لها من جانب إحدى الجماعات التنصيرية التابعة للكنيسة الكاثوليكية لإثنائه عن الدين الإسلامي وإدخاله الدين المسيحي، وكان المقابل مغرياً بالفعل: مبالغ مالية كبيرة توفر له حياة كريمة مدى الحياة لا يعيشها الكثير من الشعب الألماني نفسه، بالإضافة إلى إقامة مدى الحياة ومنحه الجنسية الألمانية، كما عرضوا عليه بعض الكتيبات عن المسيحية باللغة العربية كي يتعرف أكثر على المسيحية.
وعندما رفض هذا العرض بدأت المضايقات تلاحقه والتهديدات بترحيله عن البلاد. ولم يكن هذ الشاب العربي هو الوحيد في سلسلة قائمة المسلمين والعرب المطلوب تنصيرهم، فهناك الآلاف من المسلمين والعرب خاصة الذين يواجهون حياة معيشية صعبة على قائمة المطلوب تنصيرهم. بل العجيب والمثير للدهشة أن هناك من يذهب إليهم من المسلمين للتنازل عن إسلامه واعتناقه المسيحية؛ مقابل الإقامة والحياة الكريمة التي لم ينعم بها في بلاده!
مليون ضد محمد
ففي ألمانيا ذكرت صحيفة "فيلت إم زونتاج" الألمانية في تقرير لها تحت عنوان "مليون ضد محمد" مؤخراً أن الفاتيكان خصص قدراً هائلاً من الأموال مؤخراً، لتفعيل نشاط منظمة "رابطة الرهبان لنشر الإنجيل" التنصيرية، في مجال وقف انتشار الإسلام حول العالم، وتنصير أكبر عدد ممكن من المسلمين. وأدوات المنظمة لتحقيق هذا الهدف متعددة، من أبرزها بناء المدارس ومرافق الخدمة العامة، خاصة الصحية منها التي تقدم خدمات مجانية لفقراء المسلمين في عدة دول بالعالم، كما تضم المنظمة نحو مليون فرد يعملون ليل نهار وفي كل مكان؛ من أجل وقف انتشار الإسلام في العالم بكل قوة، وعلى تشويه صورة النبي محمد {، ونعته بأبشع الصفات. ويعمل في خدمة المنظمة "جيش" مكون من 850 ألف قس وكاهن و450 ألف موظف إداري ساهموا في تأهيل 65 ألف قس جديد عبر 280 دورة تدريبية خلال السنوات الأخيرة. كما يعمل في خدمة جيش الكهنة والموظفين الإداريين جيش آخر مكون من مليون فرد ينتقلون من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة للتنصير، ومحاولة إقناع الفقراء والمهمشين بالكاثوليكية.
واعتبر التقرير أن المنظمة التي تحاول تقديم النصرانية إلى الناس كدين للتسامح والسلام تتبع في عملها نظاماً إدارياً بعيداً عن أي قدر من الرحمة، مثلما هو الحال في الجيوش العسكرية، مشيراً إلى أن استخدام الرئيس الحالي للمنظمة الكاردينال كريسينسيو سيبي لكلمة "قواتي" أو "جنودي" عند حديثه عن المنظمة لم يكن استخداماً عادياً، وإنما إشارة ذات دلالة لطبيعة المنظمة.
وقدر التقرير الميزانية السنوية لمنظمة "رابطة الرهبان لنشر الإنجيل" بنحو 500 مليون دولار يذهب معظمها لأنشطة التنصير ووقف المد الإسلامي.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية كشف تقرير للبيت الأبيض أن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش قدمت مساعدات بلغت أكثر من ملياري دولار كمنح للجمعيات الخيرية الدينية، خلال عام 2005م؛ وهو ما أثار اتهامات لإدارة بوش بأنها تكفلت بحملات التبشير التي يقوم بها اليمين المسيحي.
وأورد تقرير البيت الأبيض أن نحو 10.9% من المنح الفيدرالية المقررة لبرامج المعوذين في عام 2005م ذهبت إلى الجمعيات الخيرية الدينية عام 2005م، وذلك بعد أن كانت النسبة 10.3% في عام 2004م، كما لعبت الجمعيات الخيرية الدينية بالولايات المتحدة دوراً مميزاً وكبيراً في توفير الإسكان الشعبي، بعد تلقيها نحو 14.2% من نفقاتها في 2005م من وكالة التنمية الدولية.
وقد أثار الدعم الكبير من جانب بوش للجمعيات الخيرية الدينية جدلاً واسعاً، داخل وخارج الولايات المتحدة، خاصة بعدما أدت ضغوط جماعات الضغط اليمينية المسيحية بالولايات المتحدة إلى تحويل نحو 4 مليارات جنيه إسترليني، كان البيت الأبيض تعهد بها لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى برامج للرهبنة والتبشير للمسيحية بين المسلمين، وهذا ما دفع الرئيس الأمريكي لأن ينشئ مكتباً دينياً، داخل إدارة الأمن القومي، بهدف المساعدة في تنسيق أداء الخدمات الإجتماعية من قبل المنظمات الدينية، ليضاف إلى 11 مكتباً متشابهاً أنشئت خلال الفترة التي قضاها الرئيس بوش في البيت الأبيض.
وفي فرنسا أشار موقع "فرانس إيكو" القريب من منظمات التنصير إلى أن النشاط التنصيري بين مسلمي فرنسا بدأ يركز أكثر على الأقلية القبائلية القادمة من دول المغرب العربي، حيث إن القبائليين أسسوا لهم أول كنيسة مغاربية أسموها "نتردام دي كابيلي" نسبة إلى منطقة القبائل، كما تأسست عام 2001م جمعية "إقبال" التي مهمتها جذب المغاربيين الناطقين بالعربية إلى المسيحية، حيث تقوم الجمعية كل يوم سبت بعقد اجتماع أسبوعي بالداخلين الجدد في المسيحية من المغاربيين، وتقديم النصائح لهم من أجل تعميدهم نهائياً. كما أشار الموقع إلى أن عدد المغاربيين الذين اعتنقوا المسيحية بلغ في السنوات القليلة الماضية 7 آلاف، مقابل حوالي 50 ألف مسيحي فرنسي اعتنقوا الإسلام، بحسب دراسة أصدرتها الأجهزة الأمنية الفرنسية العام الماضي.
إحصائيات خطيرة
وعند البحث عن التنصير والحركات التنصيرية في أوروبا، وجدنا إحصائيات خطيرة كان لابد من الوقوف عندها، حيث إن هناك ارتفاعًا شديدًا ومكثفًا في أعداد المؤسسات والهيئات التنصيرية العاملة في العالم الإسلامي، وأن عدد مؤسسات التنصير في العالم بلغ حوالي ربع مليون مؤسسة تنصيرية تمتلك 100مليون جهاز كمبيوتر تتبع 25 شبكة إلكترونية موزعة على الكنائس الكبرى في العالم، وتصدر 100ألف كتاب و25 ألف مطبوعة صحفية بأكثر من 150 لغة وكلها تخدم التنصير، وهناك 500 قناة فضائية وأرضية جديدة بالإضافة إلى ما سبق ذكره كلها متخصصة في التنصير، وكذلك حوالي 100 ألف من المراكز والمعاهد والمحطات التي تتولى تدريب وتأهيل المنصرين على مستوى العالم الإسلامي. كما حققت الإرساليات الأجنبية دخلاً قدره 8.9 بليون دولار، ويعمل في خدمة التنصير 82 مليون جهاز كمبيوتر، وصدر 8861 كتابًا و24900 مجلة أسبوعية تنصيرية، ووصل عدد الأناجيل الموزعة مجاناً إلى 53مليون. كما تبلغ محطات الإذاعة والتلفاز المسيحية 3240، وقد بلغ ما أنفق لدعم ميزانية التنصير خلال عام 1991م حوالي 181 مليار دولار، والذي زاد بمقدار 30 مليار خلال عامين، حيث كان عام 1989م حوالي 151 مليار دولار. وهذا يبين مدى التزايد الكبير الذي يحدث في ميزانية التنصير على مستوى العالم. والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا عن ميزانية الدعوة للدين الإسلامي؟
آليات التنصير
وهناك تساؤل آخر يفرض نفسه هنا أيضاً هو: ما الوسائل التي تتبعها الحملات التنصيرية؟
بالطبع هناك وسائل كثيرة تتبعها الحركات التنصيرية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولاً: الخدمات الإنسانية مثل الإغاثة والطب والمساعدات هي من أهم الوسائل التي يصلون بها إلى المسلمين، فهم يحملون الإنجيل بيد والعلاج باليد الأخرى، حيث تمثل الكوارث التي تقع في البلاد الإسلامية فرصة مناسبة لتقديم الإغراءات والمساعدات والتي يستطيعون من خلالها اصطياد المسلمين.
ثانياً: التخريب الأخلاقي حيث إن الكنيسة تدار فيها الخمور وحفلات الرقص الماجن للمراهقين والمراهقات؛ من أجل استهواء الشباب وجلبهم إلى النصرانية خاصة إن كانوا من شباب المسلمين.
ثالثا:ً إصدار كتب وكتيبات بجميع اللغات وفي جميع الموضوعات عن المسيحية وبكميات هائلة يصعب حصرها، مع تعمد التشوية والكذب في مثل هذه الدراسات والكتب والمقالات.
ومن الوسائل أيضاً: المجلات، والدوريات، والصحف، حيث إن عدد الصحف التي تخدم التنصير المخصصة لهذا الغرض كثيرة جدًا لدرجة يصعب حصرها.
وفي النهاية ورغم شراسة هذه الحملات التنصيرية، إلا أننا نؤكد أن الإسلام يسير بقوة دفع ذاتية، وطاقة التشغيل الأساسية هي القرآن الكريم وليس بقوة المسلمين، فإن استطاعوا اليوم تنصير ألف من المسلمين فإن خمسين ألفاً على الأقل يدخلون إلى الإسلام غداً، وإلا لماذا هذه الرعب والهلع من الإسلام خاصة في فرنسا والتي أشارت آخر الدراسات بها إلى أنها ستتحول إلى دولة إسلامية بحلول عام 2050؟!
المصدر: مجلة المجتمع
تعليق