كتب الأخ مجد الدين بن أحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الأخيار الطيبين .بسم الله الرحمن الرحيم
2- ( اعط ما لقيصر لنظير)
( اعط ما لقيصر لقيصر ) قاعدة كنسية خلتها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لمن مضى من القياصرة والرهبان ، أما هي فقد خرجت تطلب ما لقيصر وكسرى وفرعون وقارون وهامان لنظير .فكأن رأس الكنيسة نظير جيد المعروف بشنودة قد ورث مفتاح الأبدية من باباوات القرون الوسطى، فصار يفتح لمن يشاء ويحرم من يشاء فيرمي به في الجحيم ، وعمت عدالته الجميع فلم يفلت من جحيمه هذا إلا من لا يؤبه له ، إذ لم يفرق بين علماني وقس ، فلقد حرم القس عبد السيد لما خالفه في التوجه الطائفي للكنيسة ؛ فلما مات دارت أرملته بجنازته على الكنائس كنيسة كنيسة ، فما جرؤ قس واحد أن يصلي على زميل له مات ليخلص روحه ـ بحسب معتقدهم ـ بعد أن قرر البابا أن يسجنها .
ولما كتب الدكتور نظمي لوقا كتابه (( محمد الرسالة والرسول )) بشيء من الإنصاف فأقر فيه بنبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم حرمه نظير ، حرمه من الأبدية برغم أن الرجل لم يترك النصرانية بعد ، ولما مات دارت أرملته بجنازته دورة أرملة القس عبد السيد .
وبعد أن أحكم نظير قبضته على شعب الكنيسة ، برز للدولة في زينته ينازعها بجبروت سلطاتها الثلاث : التشريعية ، والقضائية ، والتنفيذية ، عبر مشروع طائفي عدواني قاد به انقلاباً لا أقول صامتاً بل ناطقاً صارخاً استقلت به الكنيسة مالياً ، وإدارياً ، وقضائياً عن سلطات الدولة الثلاث ، فبدت الكنيسة وكأنها الدولة المجاورة الجديدة ، دولة معادية ؛ فشعبها الذي رضع السلوك الطائفي الشرس لم يترك شيئاً من مقدسات المسلمين ـ رعايا الدولة الأم ـ إلا وتحرش به ، أما رأس الدولة الجديدة فذو سلوك امبراطوري متعجرف أسلم سلطات الدولة الأم للحرج والحيرة .
وفي إحدى مفردات السلوك الامبراطوري المفعم بالكبر والجبروت استقل نظير بمحابس كنسية له يسجن فيها المسلمات حديثات العهد بالإسلام بعد أن يتسلمهن من الدولة ؛ فلم يكتف رأس الزهد بمفتاح الأبدية وسجن من يخالف إرادته في جحيم السماء ، حتى أقام جحيماً وسجناً له على الأرض للضعفة المساكين ، وذلك بعد أن تنازلت الدولة له عن أخص سلطاتها على مواطنيها … سلطة الحبس ، ورضيت بالعمل شرطياً لدى الكنيسة ، فتتلقى أوامر الضبط والإحضار والتسليم والتسلم من الجناب الامبراطوري البابوي .
ومع أن تسليم مسلمة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن عيسى عبد الله ورسوله لمن يفتنها عن ذلك لتشهد أن عيسى هو الله ، كفر أحمر لا يحتمل جهلاً ولا تأويلاً ، للناس فيه من الله برهان ؛ مما يكسر أبواب التطرف والعنف والتوحش على المجتمع المسلم من جديد ، وهذا مع ما هم فيه من الضنك عذاب فوق العذاب .
ومع أن تجاهل إرادة إنسان راشد عاقل بهذا التسليم والتسلم وكأنه كيس من الأرز لمجرد أنه يقول " لا إله إلا الله " تصرفٌ همجي فج يحرج المواثيق الدولية التي يفضل أصحابها العمل ضد الإسلام في الخفاء ، مما قد يحرك عدالة المسيو أكمبو ومحكمته الجنائية الدولية في جريمة لا تسقط بالتقادم .
ومع أن هذا الفعل لا علاقة له بمفهوم الدولة المدنية مهما بلغت من التخلف ، ومهما بلغت من احتقار مواطنيها ، بل هو انتكاسة بشرية كبيرة بإعادة سيرة الدولة الدينية المسيحية ذات التاريخ المظلم والسمعة السيئة ، والتي دفعت مفكرو أوربا إلى الكفر بالدين والإله ، حتى قال نيتشة الفليسوف الألماني المعروف " لقد مات الإله " وعلى هذا بني فلسفته السوداء المظلمة، فتقلبت البشرية في السواد ما بين الفعل ورد الفعل وأنى لها بالنور . قال تعالى : (( أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ )) [سورة النور : 40]
ومع أن الرضا بهذا التسليم يسقط مفهوم الدولة بالكلية ، بل تترفع عنه جماعة متوسطة الحجم … بالكثير متوسطة الحجم، تسيطر على بعض البؤساء في قرية صغيرة نائية في مجاهل الأرض .
مع كل هذه المخاطر والمحاذير فقد كررت الدولة مراسم هذا التسليم والتسلم حتى صار قاعدة ثابتة ، تحت سمع وبصر السلطات التشريعية والقضائية والدينية وهيئات المجتمع المدني ، ومن دون أدنى اعتراض ، وهذا ـ بلا شك ـ سقوط مدوي لمؤسسات الدولة الأم أمام القيصر المجاور الجديد .
وهكذا بدا القيصر الجديد وكأنه قد تسلم مفاتيح الدنيا والآخرة ، ودكدك عليها في سراويله بعيداً عن الأعين ، فمضى يختال في صلبانه وهو ينظر لرعايا الدولة الأم في تأفف واحتقار ، لا تفرح يا نظير فإن الله لا يحب الفرحين .
تعليق