بقية مبادئ المعاملات والأداب من القرآن العظيم . سلسلة متجددة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Saber Abbas مسلم اكتشف المزيد حول Saber Abbas
هذا موضوع مثبت
X
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 31 (0 أعضاء و 31 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بن الإسلام
    6- عضو متقدم

    حارس من حراس العقيدة
    • 30 سبت, 2009
    • 961
    • محاسب ولكنى داعى الى الله
    • مسلم

    #31
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

    جزاكم الله خيراً

    وجعله الله فى ميزان حسناتكم

    تعليق

    • Saber Abbas
      3- عضو نشيط

      حارس من حراس العقيدة
      • 1 فبر, 2010
      • 319
      • محام
      • مسلم

      #32
      بسم الله الرحمن الرحيم

      مع الجزء الثلاثون
      (2)
      وبعض آيات من سورة النبأ

      النبأ العظيم


      نستكمل إن شاء الله الحديث عن النبأ العظيم .
      تحدثنا في اللقاء السابق على ضرورة اليقين بأن هنالك حسابا . وأن هنالك جزاء . وأن هنالك عذابا شديدا . ونعيما كبيرا . .وليس الأمر عبسيا...
      وأن هذا اليقين يضبط كل معاملات الإنسان في هذه الدنيا..
      وأن كتاب الكون مفتوح أمام الجميع ينطق بأن الله تعالى حكيم قدير عليم سميع بصير ..إلى أخر الأسماء الحسنى. وأن الله تعالى مهد لنا الأرض قبل أن نوجد عليها وأرساها بالجبال وجعل التوازن بين نوعية البشر . وتحدثنا عن ظاهرة الليل والنهار وحاجة الإنسان إلى الراحة لينطلق بقوة للسعي في طلب الرزق وتعمير الأرض..

      ******

      وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً – 13 وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً – 14 لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً – 15 وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً - 16

      واستكمالا للحديث عن نعم الله تعالى على الإنسان , تلفتنا الآيات عن أهمية الشمس والمطر , وأهمية زراعة الحبوب مثل القمح والذرة ثم حدائق الفاكهة المختلفة وأهميتها الغذائية.

      ( وجعلنا سراجا وهاجا ). . وهو الشمس المضيئة الباعثة للحرارة التي تعيش عليها الأرض وما فيها من الأحياء . والتي تؤثر كذلك في تكوين السحائب بتبخير المياه من المحيط الواسع في الأرض ورفعها إلى طبقات الجو العليا مكونة السحاب الحامل للماء المطهر: ( وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ).

      وللأسف الشديد لم نستغل الطاقة الشمسية كما يجب..
      وهناك علامات استفهام كثيرة على ذلك ...
      فالطاقة الشمسية طاقة نظيفة لا تلوث الهواء يمكن تخزينها عبر محطات الشحن ثم توزيعها في صورة طاقة كهربائية عبر الأسلاك , وفي ذلك تحقيق لثروات هائلة للمنطقة العربية والصحراء الكبرى التي تشمل مصر وليبيا والجزائر والمغرب, فيمكن للطاقة المستخرجة من تلك المناطق العملاقة أن تغطي بلدان الأرض جميعا.
      إن بعض البلدان المتقدمة صناعيا استطاعت تسيير طائرة بالطاقة الشمسية ..فهل لنا أن نسير السيارات بالطاقة الشمسية ؟ لكي نحمي أجيالا من تلوث البيئة بسبب الانبعاث الخطير لعادم السيارات الكثيفة في المدن..
      هل لنا أن نصنع خزانات مصنوعة من الزجاج الحراري تعمل كسخانات من دون كهرباء أو غاز ؟..وإنه لأمر يسير ولكن نريد العزم على النهوض باستخدام الطاقة النظيفة والمتجدده التي أرشدنا إليها المولى عز وجل في القرآن العظيم كثيرا..

      أن الأوان أن نقرأ القرآن العظيم بقلب وعقل مفتوح..
      لعلنا نسود كما فعل أسلافنا في العصر الذهبي للدولة الإسلامية ..

      *******

      وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

      تعليق

      • Saber Abbas
        3- عضو نشيط

        حارس من حراس العقيدة
        • 1 فبر, 2010
        • 319
        • محام
        • مسلم

        #33
        بسم الله الرحمن الرحيم

        مع الجزء الثلاثون
        (3)
        وبعض آيات من سورة النازعات

        نهاية الطغاة


        هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى – 15 إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى – 16 اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى – 17 فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى – 18 وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى - 19

        تبدأ الآيات بتوجيه الخطاب إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ]: ( هل أتاك حديث موسى ? ). . وهو استفهام للتمهيد وإعداد النفس والأذن لتلقي القصة وتمليها....
        فتبدأ بمشهد المناداة والمناجاة ... ( إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى ). . وطوى اسم الوادي على الأرجح . وهو بجانب الطور الأيمن بالنسبة للقادم من مدين في شمال الحجاز....

        ولحظة النداء لحظة رهيبة جليلة . ونداء الله بذاته - سبحانه - لعبد من عباده أمر هائل عظيم ...وهو سر من أسرار الألوهية العظيمة ..

        ثم يبادر السياق أمر التكليف الإلهي لموسى : ( اذهب إلى فرعون . إنه طغى . فقل:هل لك إلى أن تزكى , وأهديك إلى ربك فتخشى )

        والطغيان أمر لا ينبغي أن يكون ولا أن يبقى . إنه أمر كريه , وفساد للأرض , مخالف لما يحبه الله , مؤد إلى ما يكره . . فمن أجل منعه ينتدب الله تعالى عبدا من عباده المختارين , ليحاول وقف هذا الشر , ومنع هذا الفساد , ووقف هذا الطغيان ....

        ( اذهب إلى فرعون . إنه طغى ).

        ثم يعلمه الله كيف يخاطب الطاغية بأحب أسلوب وأشده جاذبية للقلوب , لعله ينتهي , ويتقي غضب الله وأخذه.

        ( فقل هل لك إلى أن تزكى ? ). . هل لك إلى أن تتطهر من رجس الطغيان ودنس العصيان ? هل لك إلى طريق الصلاة والبركة ?

        ( وأهديك إلى ربك فتخشى ). . هل لك أن أعرفك طريق ربك ? فإذا عرفته وقعت في قلبك خشيته .
        فما يطغى الإنسان ويعصى إلا حين يذهب عن ربه بعيدا , وإلا حين يضل طريقه إليه فيقسو قلبه ويفسد , فيكون منه الطغيان والتمرد..

        فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى – 20 فَكَذَّبَ وَعَصَى – 21 ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى – 22 فَحَشَرَ فَنَادَى – 23 فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى – 24 فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى - 25

        لقد بلغ موسى ما كلف تبليغه . بالأسلوب الذي لقنه ربه وعرفه ...فأراه موسى الآية الكبرى . آية العصا واليد البيضاء كما جاء في المواضع الأخرى... ( فكذب وعصى ). . وانتهى مشهد اللقاء والتبليغ عند التكذيب والمعصية في اختصار وإجمال...
        ثم يعرض مشهدا آخر . مشهد فرعون يتولى عن موسى , ويسعى في جمع السحرة للمباراة بين السحر والحق . حين عز عليه أن يستسلم للحق والهدى..

        ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى – 22 فَحَشَرَ فَنَادَى – 23 فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى – 24 فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى – 25


        ويسارع السياق هنا إلى عرض قولة الطاغية الكافرة , مجملا مشاهد سعيه وحشره للسحرة وتفصيلاتها . فقد أدبر يسعى في الكيد والمحاولة , فحشر السحرة والجماهير ; ثم انطلقت منه الكلمة المتطاولة , المليئة بالغرور والجهالة: أنا ربكم الأعلى..

        قالها الطاغية مخدوعا بغفلة شعبه , وإذعانها وانقيادها . فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة شعوبهم وذلتها وطاعتها وانقيادها . وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانا .
        إنما هي الشعوب الغافلة الذلول , تمطي له ظهرها فيركب ... وتمد له أعناقها فيجر ... وتحني له رؤوسها فيستعلي ... وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى....

        والشعوب تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى . وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم . فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين , لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها .

        وما يمكن أن يطغى فرد في أمة كريمة أبدا . وما يمكن أن يطغى فرد في أمة رشيدة أبدا . وما يمكن أن يطغى فرد في أمة تعرف ربها وتؤمن به وتأبى أن تتعبد لواحد من خلقه لا يملك لها ضرا ولا رشدا...

        فأما فرعون فوجد في قومه من الغفلة ومن الذلة ومن خواء القلب من الإيمان , ما جرؤ به على قوله : أنا ربكم الأعلى . .

        وما كان ليقولها أبدا لو وجد أمة واعية كريمة مؤمنة , تعرف أنه عبد ضعيف لا يقدر على شيء . وإن يسلبه الذباب شيئا لا يستنقذ من الذباب شيئا...

        وأمام هذا التطاول الوقح , بعد الطغيان البشع , كان الجزاء الذي هو عبرة لكل متطلع إلى الطغيان, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

        فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى – 25

        ويقدم هنا نكال الآخرة على نكال الأولى . . لأنه أشد وأبقى . فهو النكال الحقيقي الذي يأخذ الطغاة والعصاة بشدته وبخلوده .
        ونكال الأولى كان عنيفا قاسيا . فكيف بنكال الآخرة وهو أشد وأنكى ?

        إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى – 26


        *******
        وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

        تعليق

        • Saber Abbas
          3- عضو نشيط

          حارس من حراس العقيدة
          • 1 فبر, 2010
          • 319
          • محام
          • مسلم

          #34
          بسم الله الرحمن الرحيم

          مع الجزء الثلاثون
          (4)
          وبعض آيات من سورة عبس

          قيمة الإنسان المؤمن
          في الإسلام


          رسالة الإسلام هي رسالة الله تعالى للبشرية كافة, والله أعلم بقلوب البشر, وفي الحديث : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم . ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم..
          الراوي: أبو هريرة - المصدر: صحيح مسلم

          وقال تعالى في سورة الحجرات : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا,
          إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ – 13

          فهذا هو الميزان الذي أنزله الله للناس مع الرسل , ليقوموا به القيم كلها ...
          إن الدعوة إلى الله تعالى تحتاج منا الجهد المستمر والشاق وخاصة مع كبار القوم من الناس الذين بهداهم قد يدخل في الإسلام الكثير, أو على الأقل يكفوا عن التصدي لدعوة الحق....
          ولكن دعوة الحق في الإسلام جلية واضحة , والله تعالى وحده المتفرد بالقبول للداخلين في دينه... ولا منة لأحد من البشر أن يقول أمنت..
          قال تعالى في سورة الحجرات : يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ – 17

          ******

          عَبَسَ وَتَوَلَّى – 1 أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى – 2 وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى – 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى – 4 أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى – 5 فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى – 6 وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى – 7 وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى - 8 وَهُوَ يَخْشَى – 9 فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى – 10 كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ – 11 فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ – 12 فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ – 13 مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ – 14 بِأَيْدِي سَفَرَةٍ – 15 كِرَامٍ بَرَرَةٍ – 16


          يجيء الرجل الأعمى الفقير . . ابن أم مكتوم . . إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو مشغول بأمر النفر من سادة قريش . عتبة وشيبة ابني ربيعة , وأبي جهل عمرو بن هشام , وأمية بن خلف , والوليد بن المغيرة , ومعهم العباس بن عبد المطلب .
          والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يدعوهم إلى الإسلام ; ويرجو بإسلامهم خيرا للإسلام في عسرته وشدته التي كان فيها بمكة ; وهؤلاء النفر يقفون في طريقه بمالهم وجاههم وقوتهم ; ويصدون الناس عنه , ويكيدون له كيدا شديدا حتى ليجمدوه في مكة تجميدا ظاهرا . بينما يقف الآخرون خارج مكة , لا يقبلون على الدعوة التي يقف لها أقرب الناس إلى صاحبها , وأشدهم عصبية له , في بيئة جاهلية قبلية , تجعل لموقف القبيلة كل قيمة وكل اعتبار...

          يجيء هذا الرجل الأعمى الفقير إلى رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهو مشغول بأمر هؤلاء النفر . لا لنفسه ولا لمصلحته , ولكن للإسلام ولمصلحة الإسلام . فلو أسلم هؤلاء لانزاحت العقبات العنيفة والأشواك الحادة من طريق الدعوة في مكة ; ولانساح بعد ذلك الإسلام فيما حولها , بعد إسلام هؤلاء الصناديد الكبار....

          عَبَسَ وَتَوَلَّى – 1 أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى – 2

          بصيغة الحكاية عن أحد آخر غائب غير المخاطب .. وفي هذا الأسلوب إيحاء بأن الأمر موضوع الحديث من الكراهة عند الله بحيث لا يحب - سبحانه - أن يواجه به نبيه وحبيبه . عطفا عليه , ورحمة به , وإكراما له.
          وتشريعا لنا نهتدي به عبر العصور...

          كيف يزن الناس كل أمور الحياة ؟ ومن أين يستمدون القيم التي يزنون بها ويقدرون ..

          وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى – 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى – 4

          يجيء هذا الرجل , فيقول لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]:يا رسول الله أقرئني وعلمني مما علمك الله . . ويكرر هذا وهو يعلم تشاغل الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] بما هو فيه من الأمر . فيكره الرسول قطعه لكلامه واهتمامه . وتظهر الكراهية في وجهه - الذي لا يراه الرجل - فيعبس ويعرض .

          وهنا تتنزل رحمة الله تعالى للمؤمنين :

          وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى – 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى – 4 أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى – 5 فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى – 6 وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى – 7 وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى - 8 وَهُوَ يَخْشَى – 9 فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى – 10 كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ – 11 فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ – 12 فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ – 13 مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ – 14 بِأَيْدِي سَفَرَةٍ – 15 كِرَامٍ بَرَرَةٍ – 16

          ومن هنا ندرك كرامة المؤمن عند الله تعالى, وأن الداعية إلى الله لا يكلف نفسه فوق طاقتها ..
          قال تعالى في سورة القصص:
          إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ - 56

          يقول تعالى: ﴿ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾ أي: حقا إن هذه الموعظة تذكرة من الله، يذكر بها عباده، ويبين لهم في كتابه ما يحتاجون إليه، ويبين الرشد من الغي، فإذا تبين ذلك ﴿ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ﴾ أي: عمل به، كقوله تعالى في سورة الكهف: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾29

          ثم ذكر محل هذه التذكرة وعظمها ورفع قدرها، فقال: ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ ﴾ القدر والرتبة ﴿ مُطَهَّرَةٌ ﴾ من الآفاق و عن أن تنالها أيدي الشياطين أو يسترقوها، بل هي ﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴾ وهم الملائكة الذين هم السفراء بين الله وبين عباده، ﴿ كِرَامٍ ﴾ أي: كثيري الخير والبركة، ﴿ بَرَرَةٍ ﴾ قلوبهم وأعمالهم.
          وذلك كله حفظ من الله لكتابه، أن جعل السفراء فيه إلى الرسل الملائكة الكرام الأقوياء الأتقياء، ولم يجعل للشياطين عليه سبيلا، وهذا مما يوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول..

          *******

          وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

          تعليق

          • Saber Abbas
            3- عضو نشيط

            حارس من حراس العقيدة
            • 1 فبر, 2010
            • 319
            • محام
            • مسلم

            #35
            بسم الله الرحمن الرحيم

            مع الجزء الثلاثون
            (5)
            وبعض آيات من سورة عبس

            قيمة العقل
            وأولويات العمل

            عشنا في اللقاء السابق مع قيمة المؤمن عند الله تعالى.
            ونواصل اليوم إن شاء الله تعالى الحديث عن قيمة العقل والتدبر للوصول إلى اليقين الإيماني.. فقضية العقيدة في الإسلام قضية واقعية مبنية على المنطق والعقل وليست ضربا من الخيال والأوهام الفارغة ...

            قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ – 17 مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ – 18 مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ – 19 ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ – 20 ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ – 21 ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ – 22

            فقضية الكفر ليس عليها دليل عقلي بل ضرب من الجهل وضياع العمر فيما لا طائل من وراءه إلا الدمار في الدنيا والجحيم في الأخرة.
            فعمر الدنيا لا يكاد يذكر بجانب الخلود الأبدي في الحياة الحقيقية والنعيم الأبدي في الأخرة..

            عجبا لهذا الإنسان الذي يعرض عن الهدى , ويستغني عن الإيمان , ويستعلي على الدعوة إلى ربه . . عجبا من أمره وكفره , وهو لا يذكر مصدر وجوده , وأصل نشأته , ولا يرى عناية الله به وهيمنته كذلك على كل مرحلة من مراحل نشأته في الأولى والآخرة ; ولا يؤدي ما عليه لخالقه وكافله ومحاسبه..؟؟

            قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ – 17

            فإنه ليستحق القتل على عجيب تصرفه . . فهي صيغة تفظيع وتقبيح وتشنيع لأمره . وإفادة أنه يرتكب ما يستوجب القتل لشناعته وبشاعته . .
            ما أكفره ؟ . . ما أشد كفره وجحوده ونكرانه لمقتضيات نشأته وخلقته . ولو رعى هذه المقتضيات لشكر خالقه , ولتواضع في دنياه , ولذكر آخرته . .
            وإلا فعلام يتكبر ويستغني ويعرض ? وما هو أصله وما هو مبدؤه؟

            مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ – 18

            إنه أصل متواضع زهيد يستمد كل قيمته من فضل الله ونعمته , ومن تقديره وتدبيره..

            مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ – 19

            من هذا الشيء الذي لا قيمة له ; ومن هذا الأصل الذي لا قوام له . . ولكن خالقه هو الذي قدره وكرمه...

            ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ – 20

            فمهد له سبيل الحياة . أو مهد له سبيل الهداية . ويسره لسلوكه بما أودعه من خصائص واستعدادات . سواء لرحلة الحياة , أو للإهتداء فيها .
            حتى إذا انتهت الرحلة , صار إلى النهاية التي يصير إليها كل حي . بلا اختيار ولا فرار....

            ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ – 21

            فأمره في نهايته كأمره في بدايته , في يد الذي أخرجه إلى الحياة حين شاء , وأنهى حياته حين شاء , وجعل مثواه جوف الأرض , كرامة له ورعاية , ولم يجعل جسده على ظهر الأرض للجوارح والكواسر ...

            حتى إذا حان الموعد الذي اقتضته مشيئته , أعاده إلى الحياة لما يراد به من الأمر والحساب...

            ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ – 22

            فليس متروكا سدى ; ولا ذاهبا بلا حساب ولا جزاء . . فهل تراه تهيأ لهذا الأمر واستعد ؟؟؟

            *******

            أولويات التدبر والإهتمام للإنسان العاقل


            فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ - 24

            أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً – 25 ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً – 26 فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً – 27 وَعِنَباً وَقَضْباً – 28 وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً – 29 وَحَدَائِقَ غُلْباً – 30 وَفَاكِهَةً وَأَبّاً – 31 مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ - 32

            فهلا نظر إلى طعامه وطعام أنعامه في هذه الرحلة ? وهي شيء واحد من أشياء يسرها له خالقه ؟؟

            من الغريب أن نرى الإنسان يوجه إهتماماته إلى أشياء كثيرة لا تنفعه وينفق عليها الكثير , بينما يواجه كثير من البشر مخاطر الجوع والفقر..
            وكان على الإنسان العاقل أن ينظر إلى طعامه والأهتمام بالجانب الزراعي وزراعة الحبوب وزراعة الفاكهة من أعناب ونخيل والزيتون,

            فهذه نعم الله تعالى التي أنعمها على الإنسان , فوجب الإهتمام بها صيانة ودليلا على القدرة الإلهية ...

            فإن اليد التي أخرجته إلى الحياة وأبدعته, هي ذاتها اليد التي أخرجت طعامه وأبدعته..

            فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ - 24

            أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً – 25 ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً – 26 فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً – 27 وَعِنَباً وَقَضْباً – 28 وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً – 29 وَحَدَائِقَ غُلْباً – 30 وَفَاكِهَةً وَأَبّاً – 31 مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ - 32


            ومع الإهتمام بالزراعة , من استصلاح للأراضي والإهتمام بالري , وعدم الإعتداء على الأراضي الزراعية, فيجب أن ينظر إليها أنها من إبداع الخالق , فالحبوب والبذور التي يلقيها الإنسان في الأرض . . إنه لم يبدعها , ولم يبتدعها .

            والمعجزة في إنشائها ابتداء من وراء تصور الإنسان وإدراكه . والتربة واحدة بين يديه , ولكن البذور والحبوب منوعة , وكل منها يؤتي أكله في القطع المتجاورات من الأرض . وكلها تسقى بماء واحد , ولكن اليد المبدعة تنوع النبات وتنوع الثمار ; وتحفظ في البذرة الصغيرة خصائص أصلها..

            فالبذرة توضع في الأرض الزراعية يخرج منه جذر وساق ,
            ومن المفروض أن يتجه الجذر الى أسفل في عمق الأرض الزراعية وأن الساق يتجه إلى أعلى ليحمل الأوراق والثمار .
            هذه العملية تقتضي أن تكون البذرة على وضع منضبط , بحيث لو وضعت مقلوبة يحدث العكس ..
            ولكن الأمر العجيب أن المزارع يرمي البذر على الأرض دون تفكير في هذا الأمر مطلقا ..
            فمن الذي وضع في البذرة هذا البرنامج الذي يحدد إتجاه كل من الجذر والساق مهما كان وضع البذرة ؟
            الجواب : هو الله الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى .


            *******

            وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

            تعليق

            • Saber Abbas
              3- عضو نشيط

              حارس من حراس العقيدة
              • 1 فبر, 2010
              • 319
              • محام
              • مسلم

              #36
              بسم الله الرحمن الرحيم

              مع الجزء الثلاثون
              (6)
              وبعض آيات من سورة التكوير


              علامات القيامة
              وأثارها في المعاملات


              إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ – 1 وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ – 2 وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ - 3
              وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ – 4 وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ – 5 وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ -6 وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ – 7

              وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ – 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ – 9


              علامات تهز النفس البشرية هزا عنيفا طويلا , يخلعها من كل ما اعتادت أن تسكن إليه , وتتشبث به , فإذا هي في عاصفة الهول المدمر الجارف ريشة لا وزن لها ولا قرار . ولا ملاذ لها ولا ملجأ إلا في حمى الواحد القهار , الذي له وحده البقاء والدوام , وعنده وحده القرار والاطمئنان..

              هذا هو مشهد الانقلاب التام لكل معهود , والثورة الشاملة لكل موجود . الانقلاب الذي يشمل الأجرام السماوية والأرضية , والوحوش النافرة والأنعام الأليفة , ونفوس البشر , وأوضاع الأمور . حيث ينكشف كل مستور , ويعلم كل مجهول ; وتقف النفس أمام ما أحضرت من الرصيد والزاد في موقف الفصل والحساب . وكل شيء من حولها عاصف ; وكل شيء من حولها مقلوب ..

              وهذه الأحداث الكونية الضخام تشير بجملتها إلى أن هذا الكون الذي نعهده . الكون المنسق الجميل , الموزون الحركة , المضبوط النسبة , المتين الصنعة , المبني بأيد وإحكام . أن هذا الكون سينفرط عقد نظامه , وتتناثر أجزاؤه , وتذهب عنه صفاته هذه التي يقوم بها ; وينتهي إلى أجله المقدر , حيث تنتهي الخلائق إلى صورة أخرى من الكون ومن الحياة ومن الحقائق غير ما عهدت نهائيا من هذا الكون المعهود.

              وهذا ما تستهدف السورة إقراره في المشاعر والقلوب كي تنفصل من هذه المظاهر الزائلة - مهما بدت لها ثابتة - وتتصل بالحقيقة الباقية . .

              أن البقاء لله الواحد القهار لا يحول ولا يزول..
              حين يحول كل شيء من الحوادث ويزول .

              إن هذا الشعور بالرهبة يجعل النفس تراجع كل معاملاتها تجاه الأخرين خشية الحساب والعقاب..

              وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ – 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ – 9

              وإذا الموءودة سئلت: بأي ذنب قتلت ? وقد كان من هوان النفس الإنسانية قبل الإسلام أن انتشرت عادة وأد البنات خوف العار أو خوف الفقر .
              جاء الإسلام ليرفع العرب من هذا التخلف , ويرفع البشرية كلها .

              فإن هناك حساب ..فما بال القتل الجماعي الذي نراه الأن ؟
              فما بال قتل الأطفال بهذه البشاعة التي تعرض في وسائل الإعلام وعبر النت ؟ فما بال قتل النساء والشيوخ العزل ؟
              إن القتل يقع من المنوط بهم حماية النفس وحماية الدين والمال والعرض.

              هل الشعور بالرهبة من يوم الحساب قد تجمد ؟
              وأصبح الإنسان متبلد المشاعر في قتل أخيه ولا يدرك أن هناك نهاية لهذا العالم وأن الحساب شديد .

              هل أدركنا أهمية التربية الإيمانية على مائدة القرآن العظيم ؟

              إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ – 1 وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ – 2 وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ - 3
              وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ – 4 وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ – 5 وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ -6 وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ – 7

              وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ – 8 بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ – 9

              وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ – 10 وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ – 11

              وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ – 12 وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ – 13

              عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ – 14

              ******

              وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

              تعليق

              • Saber Abbas
                3- عضو نشيط

                حارس من حراس العقيدة
                • 1 فبر, 2010
                • 319
                • محام
                • مسلم

                #37
                بسم الله الرحمن الرحيم

                مع الجزء الثلاثون
                (7)
                وبعض آيات من سورة الأنفطار

                تدوين الملائكة لكل أعمال الإنسان
                وأثارها في المعاملات


                يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8)
                كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)

                ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾ أتهاونا منك في حقوقه تعالى ؟ أم احتقارا منك لعذابه ؟ أم عدم إيمان منك بجزائه ؟
                أليس هو ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ ﴾ في أحسن تقويم ؟ ﴿ فَعَدَلَكَ ﴾ وركبك تركيبا قويما معتدلا، في أحسن الأشكال، وأجمل الهيئات، فهل يليق بك أن تكفر نعمة المنعم، أو تجحد إحسان المحسن ؟
                إن هذا إلا من جهل وظلم وعناد الإنسان ، فالحمد لله أن لم يجعل صورة الإنسان صورة كلب أو حمار، أو نحوهما من الحيوانات, فلهذا قال تعالى: ﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾
                ﴿ كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ ﴾ أي: مع هذا الوعظ والتذكير، لا تزالون مستمرين على التكذيب بالجزاء.
                وأنتم لا بد أن تحاسبوا على ما عملتم، وقد أقام الله عليكم ملائكة كراما يكتبون أقوالكم وأفعالكم ويعلمون أفعالكم، ودخل في هذا أفعال القلوب، وأفعال الجوارح، فاللائق بكم أن تكرموهم وتجلوهم وتحترموهم.

                ونحن لا ندري كيف يقع هذا كله , ولسنا بمكلفين أن نعرف كيفيته .

                ويكفي أن يشعر القلب البشري أنه غير متروك سدى . وأن عليه حفظة كراما كاتبين يعلمون ما يفعله , ليرتعش ويستيقظ , ويتأدب , وهذا هو المقصود.

                ولما كان جو السورة جو كرم وكرامة , فإنه يذكر من صفة الحافظين كونهم . .( كراما ). . ليستجيش في القلوب إحساس الخجل والتجمل بحضرة هؤلاء الكرام . فإن الإنسان ليحتشم ويستحيي وهو بمحضر الكرام من الناس أن يسف أو يتبذل في لفظ أو حركة أو تصرف . . فكيف به حين يشعر ويتصور أنه في كل لحظاته وفي كل حالاته في حضرة حفظة من الملائكة ( كرام ) لا يليق أن يطلعوا منه إلا على كل كريم من الخصال والفعال..

                إن القرآن ليستجيش في القلب البشري أرفع المشاعر بإقرار هذه الحقيقة فيه بهذا التصور الواقعي الحي القريب إلى الإدراك المألوف . .

                ولقد عرف الإنسان في الوقت الراهن تسجيل الصوت والصورة عبر الأقمار الصناعية , وأنظمة المراقبة الدقيقة التي تراقب الداخلين والخارجين في المطارات والفنادق والأبنية الهامة , وكل هذا لا يشكل إلا الحركات الخارجية للإنسان , ويمكن للإنسان أن يتجنب أجهزة المرقبة بالإبتعاد عنها , ولكن لا يستطيع أن يتوارى عن الرقابة الإلهية.

                قال تعالى في سورة ق :

                وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ – 16 إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ – 17 مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ – 18

                *******
                إن صور الفساد تستشري في المجتمعات التي تنحي الإيمان جانبا ولا تؤمن بالرقابة الإلهية ..
                وإن الأمن والأمان يسود في المجتمعات المؤمنة , ويحضرني موقف عمر بن الخطاب وهو يتقدم بإستقالته لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم , أبي بكر الصديق , وكان عمر بن الخطاب يشغل منصب القاضي ومر عام ولم يتقدم إليه أي شكوى أو مظلمة...
                في ظل هذا المجتمع المؤمن يعرف كل إنسان ما له وما عليه ولا يظلم ولا ينطق الفحش أو الكذب لأنه يدرك مدى الرقابة التي تلازمه.

                نحن في حاجة ماسة للتربية الإيمانية التي صنعت مثل هذه النماذج الحضارية التي تصون أمتها وتنهض بها..

                *******

                وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                تعليق

                • Saber Abbas
                  3- عضو نشيط

                  حارس من حراس العقيدة
                  • 1 فبر, 2010
                  • 319
                  • محام
                  • مسلم

                  #38
                  بسم الله الرحمن الرحيم

                  مع الجزء الثلاثون
                  (8)
                  وبعض آيات من سورة المطففين

                  العدل في المعاملات

                  وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ – 1 الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ – 2 وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ – 3 أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ – 4 لِيَوْمٍ عَظِيمٍ – 5 يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ - 6

                  إن الإسلام ليس شعارات ترفع ثم يفعل الإنسان مايخالف المبادئ التي قام عليها من عدل وأخلاق وإحسان في كافة المعاملات وجميع مجالات الحياة.

                  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من غشنا فليس منا

                  إن فساد المجتمع يأتي من عدم اليقين بالحساب يوم الدين.
                  ونلاحظ اليوم أن الكيل بمكيالين أصبح منتشرا حتي بين الدول ,

                  فكيف تتحقق العدالة , والموازين مختلة ؟

                  فلا تستقيم حياة البشر إلا في ظل العدل الذي قررته شريعة الإسلام , حيث الحق والعدل والمساواة...

                  ******

                  فسورة المطففين تفضح صنف من البشر يستغل حاجة الناس ,في التربح غير الشريف وكأنه ليس هناك حساب ولا عقاب يوم القيامة..

                  فالسورة تتألف من أربعة مقاطع..

                  يبدأ المقطع الأول منها بتهديد و بيان مصير المطففين: ويل للمطففين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون؛ وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم؟ يوم يقوم الناس لرب العالمين؟

                  فشريعة الإسلام تنبذ الفساد بكل صوره.. وتنهى عن الغش و الإستغلال والخيانة... وقد رآينا ذلك واضحا في تلك السلسلة من أولها ,

                  ونورد على سبيل المثال هذا التهديد لمن يتعاملون بالربا الذي يدمر إقتصاديات الشعوب ...حيث توعد الله تعالى أكلي الربا إلا أن يتوبوا...

                  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ – 278
                  فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ -279 البقرة

                  فالمعاملات في الإسلام مبنية على الأمانة والصدق والإخلاص وهي أهداف العقيدة الصحيحة....

                  ففي الحديث الشريف, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

                  من حمل علينا السلاح فليس منا . ومن غشنا فليس منا..

                  الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 101
                  خلاصة الدرجة: صحيح

                  *****

                  ويتحدث المقطع الثاني في شدة وردع وزجر، وتهديد بالويل والهلاك , وبيان لسبب هذا العمى وعلة هذا الانطماس، وتصوير لجزائهم يوم القيامة، وعذابهم بالحجاب عن ربهم، كما حجبت الآثام في الأرض قلوبهم..

                  كلا. إن كتاب الفجار لفي سجين. ومآ أدراك ما سجين ؟ كتاب مرقوم . ويل يومئذ للمكذبين , الذين يكذبون بيوم الدين . وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ، إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين . كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. ثم إنهم لصالوا الجحيم. ثم يقال: هـذا الذي كنتم به تكذبون ...

                  *****

                  والمقطع الثالث يعرض الصفحة المقابلة. صفحة الأبرار. ورفعة مقامهم. والنعيم المقرر لهم. ونضرته التي تفيض على وجوههم. والرحيق الذي يشربون وهم على الأرائك ينظرون.. وهي صفحة ناعمة وضيئة...

                  كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين . ومآ أدراك ما عليون , كتاب مرقوم، يشهده المقربون . إن الأبرار لفي نعيم ، على الأرآئك ينظرون ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، ختامه مسك - وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ـ ومزاجه من تسنيم . عيناً يشرب بها المقربون....

                  وعلى هذا النعيم الأبدي يجب أن تكون المنافسة , قال تعالى : فاستبقوا الخيرات...سورة البقرة

                  أما التنافس على الدنيا فهي الهلاك...

                  وكلنا يرى ما يحدث من فساد وخراب ودمار من أجل التنافس على الدنيا..
                  بينما لو حدث التنافس على الخيرات لعم الرخاء والسعادة والتعاون والحب بين البشر...
                  هذا في الدنيا , أما في الأخرة فالنعيم الأبدي بلا حدود...


                  *******

                  والمقطع الأخير يصف ما كان الأبرار يلاقونه في عالم الغرور الباطل من الفجار من إيذاء وسخرية وسوء أدب. ليضع في مقابله ما آل إليه أمر الأبرار وأمر الفجار في عالم الحقيقة الدائم الطويل...

                  إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون، وإذا مروا بهم يتغامزون، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين. وإذا رأوهم قالوا : إن هـؤلاء لضالون. ومآ أرسلوا عليهم حافظين. فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرآئك ينظرون. هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ؟

                  *******

                  وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                  تعليق

                  • Saber Abbas
                    3- عضو نشيط

                    حارس من حراس العقيدة
                    • 1 فبر, 2010
                    • 319
                    • محام
                    • مسلم

                    #39
                    بسم الله الرحمن الرحيم

                    مع الجزء الثلاثون
                    (9)
                    وبعض آيات من سورة الإنشقاق

                    الكدح السمة المشتركة
                    للإنسان في هذه الحياة

                    يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ – 6 فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ – 7 فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً – 8 وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً – 9

                    وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ – 10 فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً – 11 وَيَصْلَى سَعِيراً – 12 إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً – 13 إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ – 14 بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً – 15

                    يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ .. الذي خلقه ربه بإحسان , والذي ميزه بهذه " الإنسانية " التي تفرده في هذا الكون بخصائص كان من شأنها أن يكون أعرف بربه، وأطوع لأمره من الأرض والسماء.
                    وقد نفخ فيه من روحه، وأودعه القدرة على الاتصال به، وتلقي قبس من نوره، والفرح باستقبال فيوضاته، والتطهر بها أو الارتفاع إلى غير ..وآفاق هذا الكمال عالية بعيدة .
                    فهل بعد هذا التكريم لهذا الإنسان تكريم ؟؟

                    يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ – 6

                    . يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحاً، تحمل عبئك، وتجهد جهدك، وتشق طريقك.. لتصل في النهاية إلى ربك. فإليه المرجع وإليه المآب. بعد الكد والكدح والجهاد..

                    يا أيها الإنسان.. إنك كادح حتى في متاعك.. فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد. إن لم يكن جهد بدن وكد عمل ، فهو جهد تفكير وكد مشاعر.

                    الواجد والمحروم سواء . إنما يختلف نوع الكدح ولون العناء ، وحقيقة الكدح هي المستقرة في حياة الإنسان.. ثم النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء.

                    يا أيها الإنسان.. إنك لا تجد الراحة في الأرض أبداً.

                    إنما الراحة هناك. لمن يقدم لها بالطاعة والاستسلام..


                    التعب واحد في الأرض والكدح واحد ـ وإن اختلف لونه وطعمه ـ أما العاقبة فمختلفة عندما تصل إلى ربك..

                    فإنسان إلى عناء دونه عناء الأرض. وإنسان إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كدح ولا كد..

                    يا أيها الإنسان.. الذي امتاز بخصائص " الإنسان ".. ألا فاختر لنفسك ما يليق بهذا الامتياز الذي خصك به الله، اختر لنفسك الراحة من الكدح عندما تلقاه.


                    يا أيها الإنسان إنك ساعٍ إلى الله, وعامل أعمالا من خير أو شر, ثم تلاقي الله يوم القيامة, فيجازيك بعملك بفضله أو عدله.

                    ******

                    فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ – 7 فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً – 8 وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً – 9

                    فأما من أعطي صحيفة أعماله بيمينه, وهو مؤمن بربه, فسوف يحاسب حسابًا سهلا ويرجع إلى أهله في الجنة مسرورًا.


                    والذي يؤتى كتابه بيمينه هو السعيد، الذي آمن وأحسن، فرضي الله عنه وكتب له النجاة. وهو يحاسب حساباً يسيراً. فلا يناقش ولا يدقق معه في الحساب.

                    والذي يصور ذلك هو الآثار الواردة عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم

                    عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : من نوقش الحساب عذب ... قالت: قلت : أفليس قال الله تعالى: فسوف يحاسب حساباً يسيراً.

                    قال: ليس ذلك بالحساب، ولكن ذلك العرض.

                    من نوقش الحساب يوم القيامة عذب.

                    الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: الجامع الصحيح - الصفحة أو الرقم: 4939
                    خلاصة الدرجة: [صحيح]

                    ******
                    وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ – 10 فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً – 11 وَيَصْلَى سَعِيراً – 12 إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً – 13 إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ – 14 بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً – 15

                    وأمَّا مَن أُعطي صحيفة أعماله من وراء ظهره, وهو الكافر بالله, فسوف يدعو بالهلاك والثبور, ويدخل النار مقاسيًا حرها. إنه كان في أهله في الدنيا مسرورًا مغرورًا, لا يفكر في العواقب, إنه ظنَّ أن لن يرجع إلى خالقه حيا للحساب. بلى سيعيده الله كما بدأه ويجازيه على أعماله, إن ربه كان به بصيرًا عليمًا بحاله من يوم خلقه إلى أن بعثه.


                    *****


                    وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                    تعليق

                    • Saber Abbas
                      3- عضو نشيط

                      حارس من حراس العقيدة
                      • 1 فبر, 2010
                      • 319
                      • محام
                      • مسلم

                      #40
                      بسم الله الرحمن الرحيم

                      مع الجزء الثلاثون
                      (10)
                      وبعض آيات من سورة البروج

                      وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ – 1 وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ – 2 وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ – 3 قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ – 4 النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ – 5 إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ – 6 وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ – 7 وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ – 8 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ - 9

                      ******

                      إن حقيقة الإيمان تجعل من الإنسان نموذجا حيا من الأمانة والعدالة والأخلاق الرفيعة مثل الشهامة والكرم والعطف على الضعفاء والمرضى والمساكين ومساعدة كل من يلجأ إليه ..فالمؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده..

                      فهل بعد هذه الصورة المشرقة للإنسان توجد صورة مماثلة ..؟؟

                      إن المؤمن لا يعبد إلا الله الخالق الحق.. لا يطأطئ رأسه لمخلوق..لا يرضى بالفساد ولا يرضى بالظلم سواء من نفسه أو على نفسه.
                      فهل هذا يقلق الطغاة المتسلطين الفاسدين..؟؟ الذين يريدون من الناس عبيدا لهم وخدما لا يرفعون رؤساهم أبدا ولا تتكلم السنتهم بالمساواة والحرية والعدل.. فهذا يعتبر تمرد جزاءه الموت والحرق..

                      ورد في حديث الإسراء , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مررت ليلة أسري بي برائحة طيبة ، فقلت لجبريل ما هذه ( الرائحة الطيبة ) ؟ فقال ماشطة بنت فرعون ، كانت تمشطها ، فوقع المشط من يدها فقالت باسم الله ، فقالت ابنة فرعون : أبي ، قالت : ربي ، ورب أبيك ، قالت أقول له إذا ، قالت قولي له ، فقال فرعون لها : أولك رب غيري ؟ قالت : ربي وربك الله الذي في السماء -- فأحمي لها ( بنقرة من نحاس ) ، فألقى ولدها ، واحدا ، واحدا -- فكان آخرهم صبي ، فقال يا أماه اصبري فإنك على الحق..
                      الراوي: عبدالله بن عباس – حديث حسن

                      وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ – 8 الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ - 9

                      والموضوع المباشر الذي تتحدث عنه السورة هو حادث أصحاب الأخدود . . والموضوع هو أن فئة من المؤمنين السابقين على الإسلام - ابتلوا بأعداء لهم طغاة قساة , وأرادوهم على ترك عقيدتهم والارتداد عن دينهم , فأبوا وتمنعوا بعقيدتهم . فشق الطغاة لهم شقا في الأرض , وأوقدوا فيه النار , وكبوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقا , على مرأى من الجموع التي حشدها المتسلطون لتشهد مصرع الفئة المؤمنة بهذه الطريقة البشعة ...

                      ******

                      إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ – 10
                      إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ – 11

                      إن جرائم الطغاة لا تنتهي في هذه الدنيا ولا يسدل عليها ستائر النهاية, فهناك حساب عادل وميزان وقصاص في الأخرة...وقد يكون الإنتقام من الطغاة في الدنيا.

                      فهل يعتبر طغاة اليوم ويقدموا التوبة قبل يوم الحساب ؟ فإن الله تواب رحيم..

                      ******

                      هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ – 17 فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ - 18

                      قد أتاك حديثهم ... وكيف فعل ربك بهم ؟
                      وهما حديثان مختلفان في طبيعتهما وفي نتائجهما . . فأما حديث فرعون , فقد أهلكه الله وجنده ونجى بني إسرائيل , ومكن لهم في الأرض فترة , ليحقق بهم قدرا من قدره , وإرادة من إرادته .
                      وأما حديث ثمود فقد أهلكهم الله عن بكرة أبيهم وأنجى صالحا والقلة معه حيث لم يكن لهم بعد ذلك ملك ولا تمكين . إنما هي مجرد النجاة من القوم الفاسقين...
                      وهما نموذجان لفعل الإرادة الإلهية , وتوجه المشيئة . يعرضها القرآن للقلة المؤمنة في مكة , ولكل جيل من أجيال المؤمنين...

                      *******

                      وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                      تعليق

                      • Saber Abbas
                        3- عضو نشيط

                        حارس من حراس العقيدة
                        • 1 فبر, 2010
                        • 319
                        • محام
                        • مسلم

                        #41
                        بسم الله الرحمن الرحيم

                        مع الجزء الثلاثون
                        (11)
                        وبعض آيات من سورة الطارق

                        التدبر
                        وتأثيره في المعاملات والنهوض بالأمم


                        وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)

                        *****
                        إن هنالك تدبيراً لهذا الكون الشاسع بنجومه وكواكبه وأقماره. وإن هنالك تقديراً لجميع الخلائق وقانونا تتحرك بمقتضاه . وإن هنالك ابتلاء. وإن هنالك تبعة. وإن هنالك حساباً وجزاء.
                        وبذلك يسير المؤمن حياته فلا يطغى ولا يظلم ولا يفسد في الأرض...

                        ******

                        ونعيش مع بعض التأملات العلمية ...

                        النجوم النيوترونية تزداد كتلتها عن كتلة الشمس .
                        فعندما يبدأ النجم بالانهيار على نفسه ينكمش بسرعة ويزيد الضغط على ذرات مواده فتتحطم الذرات ويتكون المائع الالكتروني ويزداد سمكه فيبقى عاجزا عن تحمل الضغط الناتج من ثقل النجم وجاذبيته وتكون النتيجة أن تسحق جاذبية النجم " المائع الألكتروني " كما سحقت من قبل قشرة الذرة ويستمر انهيار العملاق الأحمر على نفسه .. فتلتصق الالكترونات بالبروتينات ثم تتحد معها مكونة نيوترونات جديدة .

                        وتبدأ طبقات النجم وهي تنهار في التطلع إلى منقذ ينقذها من براثن هذا الوحش المسمى بقوة ثقل النجم والذي يسحق كل ما يجده أمامه وفي النهاية تتحد كل الالكترونات بالبروتينات فيصبح النجم عبارة عن نيوترونات منضغطة على بعضها بدون وجود أي فراغ فتصل كثافة النجم إلى رقم قياسي يصعب تصوره ويتقلص العملاق الأحمر إلى ما يسمى بالنجم النيوتروني في حجم كرة القدم يبلغ وزنها خمسين ألف بليون من الأطنان.

                        فإذا وضعت هذه الكرة على الأرض أو على أي جرم سماوي آخر فلن يتحمل سطحه هذا الوزن الهائل فتسقط الكرة خلال الأرض أو خلال الجرم السماوي تاركا وراءه ثقبا يتناسب مع حجمه..
                        والطارق هو جرم سماوي له صفتان .. وهما النجم والثاقب ولو قارنا بين تلك الخواص واي جرم سماوي لوجدنا أن النجم النيوتروني يستوفي هذه الخواص نجم و طارق و ثاقب .. له نبضات وطرقات منتظمة فالطارق يصدر طرقات منتظمة متقطعة تك .. تك .. تك تشابه تماما تلك البيبات التي نقلها لنا اللاسلكي والتي كان مصدرها النجم النيوتروني.

                        وقد توصل العلماء إن النجم النيوتروني عند مولده له نبضات سريعة لسرعة دورانه وسرعة طاقته وان النجم النيوتروني العجوز له إشارات بطيئة على فترات أطول وذلك عندما تقل طاقته وتنقص سرعة دورانه ..

                        فسبحان لله العظيم حين خص هذا النجم بالثاقب وأقسم به فمن عظمة القسم ندرك عظمة المقسوم به ....
                        المصدر ( موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة )

                        فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8)

                        فلينظر الإنسان من أي شيء خلق وإلى أي شيء صار.. إنه خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب، ولقد كان هذا سراً مكنوناً في علم الله لا يعلمه البشر. حتى كان نصف القرن الأخير .

                        هذه الخلية الواحدة الملقحة لا تكاد ترى بالمجهر , هذه الخليقة التي لا قوام لها ولا عقل ولا قدرة ولا إرادة، تبدأ في الحال بمجرد استقرارها في الرحم في عملية بحث عن الغذاء . حيث تزودها اليد الحافظة بخاصية أكالة وبمجرد اطمئنانها على غذائها تبدأ في عملية جديدة. عملية انقسام مستمرة تنشأ عنها خلايا..

                        وتعرف هذه الخليقة التي لا قوام لها ولا عقل ولا قدرة ولا إرادة.. تعرف ماذا هي فاعلة وماذا هي تريد.. حيث تزودها اليد الحافظة بالهدى والمعرفة والقدرة والإرادة التي تعرف بها الطريق.. إنها مكلفة أن تخصص كل مجموعة من هذه الخلايا الجديدة لبناء ركن من أركان هذه العمارة الهائلة.

                        عمارة الجسم الإنساني.. فهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الهيكل العظمي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز العضلي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز العصبي. وهذه المجموعة تنطلق لتنشئ الجهاز للمفاوي.. إلى آخر هذه الأركان الأساسية في العمارة الإنسانية.

                        ولكن العمل ليس بمثل هذه البساطة.. إن هنالك تخصصاً أدق. فكل عظم من العظام. وكل عضلة من العضلات. وكل عصب من الأعصاب.. لا يشبه الآخر. لأن العمارة دقيقة الصنع، عجيبة التكوين، متنوعة الوظائف.. ومن ثم تتعلم كل مجموعة من الخلايا المنطلقة لبناء ركن من العمارة، أن تتفرق طوائف متخصصة، تقوم كل طائفة منها بنوع معين من العمل في الركن المخصص لها من العمارة الكبيرة.

                        فالخلايا المكلفة أن تصنع العين تعرف أن العين ينبغي أن تكون في الوجه، ولا يجوز أبداً أن تكون في البطن أو القدم أو الذراع. مع أن كل موضع من هذه المواضع يمكن أن تنمو فيه عين. ولو أخذت الخلية الأولى المكلفة بصنع العين وزرعت في أي من هذه المواضع لصنعت عيناً هنالك! ولكنها هي بذاتها حين تنطلق لا تذهب إلا للمكان المخصص للعين في هذا الجهاز الإنساني المعقد..
                        فمن ترى قال لها: إن هذا الجهاز يحتاج إلى عين في هذا المكان دون سواه؟ إنه الله. إنه الحافظ الأعلى الذي يرعاها ويوجهها ويهديها إلى طريقها في المتاهة التي لا هادي فيها إلا الله تعالى ...
                        وكل تلك الخلايا فرادى ومجتمعة تعمل في نطاق ترسمه لها مجموعة معينة من الوحدات كامنة فيها. هي وحدات الوراثة، الحافظة لسجل النوع ولخصائص الأجداد. فخلية العين وهي تنقسم وتتكاثر لكي تكوّن العين، تحاول أن تحافظ في أثناء العمل على شكل معين للعين وخصائص محددة تجعلها عين إنسان لا عين أي حيوان آخر.

                        وإنسان لأجداده شكل معين للعين وخصائص معينة.. وأقل انحراف في تصميم هذه العين من ناحية الشكل أو ناحية الخصائص يحيد بها عن الخط المرسوم. فمن ذا الذي أودعها هذه القدرة ؟ وعلمها ذلك التعليم؟ وهي الخلية التي لا عقل لها ولا إدراك، ولا إرادة لها ولا قوة ؟ إنه الله تعالى . علمها ما يعجز الإنسان كله عن تصميمه لو وكل إليه تصميم عين أو جزء من عين . بينما خلية واحدة منه أو عدة خلايا ، تقوم بهذا العمل العظيم .

                        فلينظر الإنسان المنكر للبعث مِمَّ خُلِقَ ؟ ليعلم أن إعادة خلق الإنسان ليست أصعب من خلقه أوّلا . إن الذي خلق الإنسان من هذا الماء لَقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت.

                        *****
                        وهكذا ندرك معنى التدبر في السماوات والأرض وفي النفس
                        هذا التدبر يرقى بالإنسان للوصول إلى اليقين الإيماني والتطور العلمي وبالتالي السعادة في الدنيا والنعيم الدائم في الأخرة.

                        *******

                        يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ (10)

                        يوم تُخْتَبر السرائر فيما أخفته, ويُمَيَّز الصالح منها من الفاسد, فما للإنسان من قوة يدفع بها عن نفسه, وما له من ناصر يدفع عنه عذاب الله.

                        وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11) وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)

                        والقول الفصل هو الذي ينهي كل قول وكل جدل وكل شك وكل ريب.

                        وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ

                        والرجع المطر ترجع به السماء مرة بعد مرة،
                        حيث تتبخر المياه من البحار ومن سطح الأرض بفعل حرارة الشمس
                        مكونة السحاب الذي سخره الله بحيث لا ينفلت من الأرض
                        وينقى الماء ثم يعود مرة أخرى إلى ينابيع الأنهار
                        كما أن الرجع له وظيفة أخرى حيث تقوم طبقات السماء العليا للأرض بصد الأشعاعات الضارة التي تنبعث من الشمس وغيرها إلى الأرض .

                        والصدع النبت يشق الأرض وينبثق.. وهما يمثلان مشهداً للحياة في صورة من صورها. حياة النبات ونشأته الأولى: ماء يتدفق من السماء، ونبت ينبثق من الأرض.. أشبه شيء بالماء الدافق من الصلب والترائب؛ والجنين المنبثق من ظلمات الرحم. الحياة هي الحياة. والمشهد هو المشهد. والحركة هي الحركة.. نظام ثابت، يدل وحدانية الخالق. الذي لا يشبهه أحد لا في حقيقة الصنعة ولا في شكلها الظاهر

                        وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ

                        يقول الدكتور زغلول النجار في التفسير العلمي للآية الكريمة
                        فسبحان الذي وصف الأرض من قبل ألف وأربعمائة سنة بأنها ذات صدع ,
                        لأن الشبكة العملاقة من الصدوع أو الأودية التي تمزق الغلاف الصخري 150.65 كيلو مترا وتمتد لعشرات الألاف من الكيلو مترات لتحيط بالأرض إحاطة كاملة في كل الاتجاهات تتصل بعضها البعض , وكأنها صدع واحد .
                        فعبر هذه الصدوع العملاقة خرج كل من الغلافين المائي والغازي للأرض

                        *****

                        وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                        تعليق

                        • محب المصطفى
                          مشرف عام

                          • 7 يول, 2006
                          • 17075
                          • مسلم

                          #42
                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                          تأخرت علينا بعض الشيء في هذه الأيام المباركة أخونا الفاضل "صابر عباس" فلعله خير بإذن الله ، وحمدا لله على عودتك سالما ولله الحمد ..
                          او لعلي انا من تعجلت

                          جزاك الله عنا كل خير ..
                          شموس في العالم تتجلى = وأنهار التأمور تتمارى , فقلوب أصلد من حجر = وأنفاس تخنق بالمجرى , مجرى زمان يقبر في مهل = أرواح وحناجر ظمئى , وأفئدة تسامت فتجلت = كشموس تفانت وجلى

                          سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك ،،، ولا اله الا انت سبحانك إنا جميعا كنا من الظالمين نستغفرك ونتوب إليك
                          حَسْبُنا اللهُ وَنِعْمَ الوَكيلُ
                          ،،،
                          يكشف عنا الكروب ،، يزيل عنا الخطوب ،، يغفر لنا الذنوب ،، يصلح لنا القلوب ،، يذهب عنا العيوب
                          وصل اللهم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد
                          وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد
                          عدد ما خلق الله - وملئ ما خلق - وعدد ما في السماوات وما في الأرض وعدد ما احصى كتابه وملئ ما احصى كتابه - وعدد كل شيء وملئ كل شيء
                          وعدد ما كان وعدد ما يكون - وعدد الحركات و السكون - وعدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته




                          أحمد .. مسلم

                          تعليق

                          • Saber Abbas
                            3- عضو نشيط

                            حارس من حراس العقيدة
                            • 1 فبر, 2010
                            • 319
                            • محام
                            • مسلم

                            #43
                            بسم الله الرحمن الرحيم

                            مع الجزء الثلاثون
                            (12)
                            وبعض آيات من سورة الأعلى

                            سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى – 1 الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى – 2 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى - 3 وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى - 4 فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى - 5 سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى - 6 إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى - 7


                            معنى التسبيح في معاملات الإنسان

                            فالتسبيح هو التمجيد والتنزيه واستحضار معاني الصفات الحسنى لله , والحياة بين إشعاعاتها وفيوضاتها وإشراقاتها في القلب والشعور . وليست هي مجرد ترديد لفظ : سبحان الله . . .

                            قال تعالى في الحشر : الآيات 22 إلى 24 .

                            هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

                            ( سبح اسم ربك الأعلى ). . يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحا، يليق بعظمة الله تعالى ، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم ، فهو الرقيب سبحانه , فكل أفعال العباد تحت رقابته ..
                            وهو السميع سبحانه , فلا ينطق المؤمن إلا خيرا ..لعلمه أن الله تعالى يسمعه ويراه..
                            وبجانب تذكر أسماء الله الحسنى نتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها ، أي : أتقنها وأحسن خلقها ،

                            وأن تلتزم في جميع سلوكياتك ومعاملاتك مقتضى التسبيح والتنزيه ..

                            إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ..

                            فلا يصدر منك تصرف يخالف هذا اليقين , فهذا مقتضى التسبيح ..الإذعان لمنهج الله تعالى الذي أرسله للبشر ليسود السلام والأمن بينهم..

                            فالكون من حولنا يسير وفق قانون الله الذي وضعه له دون تمرد ..
                            فهذا الكون يسبح لله تعالى, وهذا هو المعنى الحقيقي للتسبيح المرادة من المؤمن .. فعليه تسير حياته وفق شرع الله دون تمرد .
                            قال تعالى في سورة النور :

                            أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ – 41 وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ – 42


                            وفي الحديث الشريف : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان :

                            سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم .

                            الراوي: أبو هريرة المصدر: صحيح البخاري -
                            حكم المحدث: صحيح

                            *******

                            وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                            تعليق

                            • Saber Abbas
                              3- عضو نشيط

                              حارس من حراس العقيدة
                              • 1 فبر, 2010
                              • 319
                              • محام
                              • مسلم

                              #44
                              بسم الله الرحمن الرحيم

                              مع الجزء الثلاثون
                              (13)
                              وبعض آيات من سورة الغاشية

                              سورة الغاشية تطوف بالقلب البشري في مجالين هائلين : مجال الآخرة وعالمها الواسع , ومشاهدها المؤثرة . ومجال الوجود العريض المكشوف للنظر , وآيات الله المبثوثة في خلائقه المعروضة للجميع .
                              ثم تذكرهم بعد هاتين الجولتين الهائلتين بحساب الآخرة , وسيطرة الله , وحتمية الرجوع إليه في نهاية المطاف .

                              *****

                              الوجوه الخاشعة الناصبة


                              هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ – 1 وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ – 2 عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ – 3 تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً – 4 تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ – 5 لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ – 6 لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ - 7

                              ( الغاشية ). . أي الداهية التي تغشى الناس وتغمرهم بأهوالها . وهو من الأسماء الجديدة الموحية التي وردت في هذا الجزء . . الطامة . . الصاخة . . الغاشية . . القارعة . . مما يناسب طبيعة هذا الجزء المعهودة ..

                              فحديث الغاشية هو حديث هذا القرآن العظيم . يذكر به وينذر ويبشر ; ويستجيش به في الضمائر الحساسية والخشية والتقوى والتوجس ; كما يثير به الرجاء والارتقاب والتطلع . ومن ثم يستحيي هذه الضمائر فلا تموت ولا تغفل وتسير جميع معاملاتها وفقا لذلك اليقين ..
                              وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ – 2 عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ – 3 تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً – 4


                              إنه يعجل بمشهد العذاب قبل مشهد النعيم ; فهو أقرب إلى جو( الغاشية )

                              فهناك يومئذ وجوه خاشعة ذليلة متعبة مرهقة ; عملت ونصبت فلم تحمد العمل ولم ترض العاقبة , ولم تجد إلا الوبال والخسارة , فزادت مضضا وإرهاقا وتعبا , فهي : ( عاملة ناصبة ) . . عملت لغير الله , ونصبت في غير سبيله . عملت لنفسها وأولادها . وتعبت لدنياها ولأطماعها . ثم وجدت عاقبة العمل والكد . وجدته في الدنيا شقوة لغير زاد . ووجدته في الآخرة سوادا يؤدي إلى العذاب . وهي تواجه النهاية مواجهة الذليل المرهق الخائب الرجاء ..
                              ومع هذا الذل والرهق العذاب والألم : ( تصلى نارا حامية ) وتذوقها وتعانيها ..

                              فيجب على الإنسان العاقل أن يدرك أن الإتزان والإستقامة على الحق في جميع معاملاته سواء المتعلقة بالعقيدة أو السلوكيات مرهونة بتلك المدة من عمره على الأرض فلا يضيعها في العبث والظلم والفساد وجمع المال بالباطل وسلب حقوق الأخرين ... فإن ذلك يعرض الإنسان للتعب والمشقة في الدنيا والنصب والعذاب في الأخرة ...

                              *******

                              الوجوه الناعمة


                              وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ – 8 لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ – 9 فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ – 10 لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً – 11 فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ – 12 فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ – 13 وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ - 14 وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ – 15 وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ -
                              16

                              وعلى الجانب الآخر:

                              وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ – 8 لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ – 9 فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ – 10

                              فهنا وجوه يبدو فيها النعيم . ويفيض منها الرضى . وجوه تنعم بما تجد , وتحمد ما عملت . فوجدت عقباه خيرا , وتستمتع بهذا الشعور الروحي الرفيع . شعور الرضى عن عملها حين ترى رضى الله عنها . وليس أروح للقلب من أن يطمئن إلى الخير ويرضى عاقبته , ثم يراها ممثلة في رضى الله الكريم . وفي النعيم . ومن ثم يقدم القرآن العظيم هذا اللون من السعادة على ما في الجنة من رخاء ومتاع , ثم يصف الجنة ومناعمها المتاحة لهؤلاء السعداء ...

                              لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً – 11

                              ويطلق هذا التعبير جوا من السكون والهدوء والسلام والاطمئنان والود والرضى والنجاء والسمر بين الأحباء والأوداء , والتنزه والارتفاع عن كل كلمة لاغية , لا خير فيها ولا عافية . . وهذه وحدها نعيم . وهذه وحدها سعادة . سعادة تتبين حين يستحضر الحس هذه الحياة الدنيا , وما فيها من لغو وجدل وصراع وزحام ولجاج وخصام وقرقعة وفرقعة . وضجة وصخب , وهرج ومرج .

                              ثم يستسلم بعد ذلك لتصور الهدوء الآمن والسلام الساكن في العبارة الموحية : ( لَّا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ) وتوحي هذه اللمسة بأن حياة المؤمنين في الأرض وهم ينأون عن الجدل واللغو , هي طرف من حياة الجنة , يتهيأون بها لذلك النعيم الكريم ...

                              وهكذا يقدم الله تعالى من صفة الجنة هذا المعنى الرفيع الكريم الوضيء . ثم تجيء المناعم التي تشبع الحس والحواس . تجيء في الصورة التي يملك البشر تصورها . وهي في الجنة مكيفة وفق ما ترتقي إليه نفوس أهل الجنة . مما لا يعرفه إلا من يذوقه ...

                              ******

                              والى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                              تعليق

                              • Saber Abbas
                                3- عضو نشيط

                                حارس من حراس العقيدة
                                • 1 فبر, 2010
                                • 319
                                • محام
                                • مسلم

                                #45
                                بسم الله الرحمن الرحيم

                                مع الجزء الثلاثون
                                (14)
                                وبعض آيات من سورة الغاشية

                                تحدثنا في اللقاء السابق عن مجال الآخرة وعالمها الواسع , ومشاهدها المؤثرة .
                                ونعرض اليوم إن شاء الله تعالى لمجال الوجود العريض المكشوف للنظر , وآيات الله المبثوثة في خلائقه المعروضة للجميع . وتأثيرها على جميع معاملات الإنسان .. فإنسان العاقل الذي يعتبر بما يدور حوله .
                                فالكون من حولنا طائع لمن خلقه .

                                ******

                                أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ -17 وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ -18
                                وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ –19 وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ -20


                                هذه دعوة للتأمل في آيات الله الكونية .

                                إن هذه المشاهد معروضة لنظر الإنسان حيثما كان . . السماء والأرض والجبال والحيوان . . وأيا كان حظ الإنسان من العلم والحضارة فهذه المشاهد داخلة في عالمه وإدراكه . موحية له بما وراءها حين يوجه نظره وقلبه إلى دلالتها..

                                أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ

                                فلننظر إلى الإبل كيف سخرها ربنا لنا , بهذا الحجم الهائل يسوقها غلام صغير ,ولولا تسخير الله لها , ما كنا نستطيع أن نستفيد بها ..
                                بينما هناك مخلوقات صغيرة جدا ولكن ليست مسيسة بشكل مباشر لك وقد تتسبب في هلاكك مثل الجراثيم والحشرات والعقارب والثعابين إلى آخر تلك المخلوقات.. وقد يستفيد الإنسان من تلك المخلوقات بإستخراج سمومها واستخدامها في الترياق وبعض الأدوية ..
                                والإشارة إلى الإبل هنا تدلك على أهميتها بالنسبة للإنسان , حيث كانت في الماضي من أهم وسائل المواصلات وخاصة في الصحراء , وكان العرب يسمونها سفينة الصحراء , فإن لها بكل قدم خف كبير بحيث لا تغوص أقدامها في الرمال , وتستطيع الأبل تخزين كميات هائلة من المياه داخل بطونها تستعين بها في السفر الطويل..
                                وهي على عظم نفعها وخدمتها قليلة التكاليف . مرعاها ميسر , وكلفتها ضئيلة , وهي أصبر الحيوان المستأنس على الجوع والعطش والكدح وسوء الأحوال..

                                *******

                                وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ

                                فالمتأمل في السماء يدرك عظمة الخالق, لهذا الكون العظيم , من مجرات ونجوم وكواكب وأقمار .
                                السماء بنهارها الواضح الباهر الجاهر . والسماء بأصيلها الفاتن الرائق الساحر . والسماء بغروبها البديع الفريد الموحي . والسماء بليلها المترامي ونجومها المتلألئة . والسماء بشروقها الجميل الحي السافر ..
                                فالنجوم والكواكب والأقمار كلها تسير في مدارات وضعت لها ,
                                فالقانون الآلهي مطاع من تلكم الأجرام السماوية الهائلة..
                                ولو إنحرفت النجوم عن هذه المسارت وعن هذا القانون الآلهي لهلكت وأهلكت الكواكب التابعة لها.. ولم أستطع أن أعبر عن مدى الدمار الذي يحدث إن انحرفت ..
                                ونتعلم من ذلك أن شريعة الله تعالى هي الضمانة لسلامة الإنسان . كما أن قانون الله في الكون ضمان لسائر النجوم والكواكب والأقمار.

                                *******

                                وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ

                                وعلى الأرض نرى هذه الجبال الشامخة , وكيف نصبت على هذه الهيئة التي تحفظ توازن الأرض بإذن الله تعالى .

                                *****

                                وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ

                                والمتأمل والدارس لكوكب الأرض يرى عجائب صنع الله ,
                                فباطن الأرض منصهر هائل الإرتفاع في الحرارة , تعبر عنه البراكين والحمم...

                                فكلنا رأينا ما يخرج من البراكين من نيران ومنصهرات تذيب ما تقع عليه في لحظات , ومع هذا الجحيم في باطن الأرض نرى سطح الكرة الأرضية أمنا معبد للإنسان.. , به الأودية والأنهار والبحار والزروع وجميع الأحياء , رغم أن باطن الأرض منصهر ..

                                فكيف سطحت هذه الأرض بهذه الكيفية الأمنة ؟ , والجواب .. قدرة الله العظيم ...
                                بهذا التأمل فتح المسلمون العالم ووضعوا مبادئ العلوم الحديثة التي نراها الأن.. وبهذا التأمل يعود مجد الأمة إلى عهده إن شاء الله تعالى..


                                أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ -17 وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ -18
                                وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ –19 وَإِلَى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ -20


                                *******

                                وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة الفقير لله 3, 14 أكت, 2024, 04:59 ص
                                ردود 0
                                27 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة الفقير لله 3
                                بواسطة الفقير لله 3
                                ابتدأ بواسطة الفقير لله 3, 3 أكت, 2024, 11:34 م
                                رد 1
                                17 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة الفقير لله 3
                                بواسطة الفقير لله 3
                                ابتدأ بواسطة الفقير لله 3, 28 سبت, 2024, 02:37 م
                                رد 1
                                23 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة الفقير لله 3
                                بواسطة الفقير لله 3
                                ابتدأ بواسطة الفقير لله 3, 28 سبت, 2024, 12:04 م
                                ردود 0
                                14 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة الفقير لله 3
                                بواسطة الفقير لله 3
                                ابتدأ بواسطة مُسلِمَة, 5 يون, 2024, 04:11 ص
                                ردود 0
                                61 مشاهدات
                                0 معجبون
                                آخر مشاركة مُسلِمَة
                                بواسطة مُسلِمَة
                                يعمل...