بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هل يمكن ان يجتمع التعريف الشعورى والتطور معا (الية الاحساس)
كل شيء نحس به او نشعر به ما هو الا امواج وذبذبات لا تختلف فقط إلا في طولها الموجي ، و ترددها .. يعرفها المخ تعريفا داخليا خاص به لا علاقة له بماهية الشىء او كنهه الحقيقى .... هذا التعريف يختلف من كائن لاخر .
"فالنور الأبيض الذي نراه إذا مررناه خلال منشور زجاجي يتحلل إلى سبعة ألوان هي ألون الطيف المعروفة ، فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان لم نجد أنها ألوان ... وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها الموجي ، ذبذبات متفاوتة في ترددها .. وهذه كل الحكاية ... ولكن أعيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات ... وإنما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان ، ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانا وإنما هي محض موجات واهتزازات والمخ بلغته الاصطلاحية لكي يميزها عن بعضها يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن الألوان ... وهذه هي حكاية الألوان .
والحقول التي نراها خضراء ليست خضراء ... وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ماعدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل أعيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ ( اللون الأخضر ) .
أما العسل فهو في فمنا حلو و نتلذذ به ، ولكن دودة المش لها رأي مختلف تماما بدليل أنها لا تقرب العسل بعكس المش الذي تغوص فيه وتلتهمه التهاما ، حلاوة العسل إذن لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية وإنما هي صفة نسبية نسبة إلى أعضاء التذوق في لساننا ... إنها ترجمتنا الاصطلاحية الخاصة للمؤثرات التي تحدثها جزيئات العسل فينا ... وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسية في كائن حي آخر طعما مختلفا هو أشبه بالمرارة" . (مصطفى محمود – اينشتين والنسبية)
ولكي يحدث الشعور لابد من وجود خلايا تتاثر بنوع معين من الذبذبات ووصلات عصبية تنقل هذا التاثير الى المخ ليترجم عبر مراكز خاصة في المخ إلى التعريف الذي يحس به الإنسان فى صورة شعور .
وهناك شيء رابع لابد من ذكره يكمن فيه سر الإحساس في صورته النهائية (الشعور) و هو البرمجة الفطرية التلقائية التى تجعل كل ذلك يتم بشكل الى , فلو كان الانسان لديه كل الخلايا ... الخلايا التى تتاثر والتى توصل و التى تترجم دون برمجة خاصة تجعل من الامر تلقائى وانسيابى ولا ارادى , فسوف تنفك عنه التلقائية فى نفس الوقت الذى سوف ينفك فيه الاحساس والشعور عن التعريفات الداخلية المتمثلة فى الاشكال والاصوات والروائح , لتكون مجرد معلومات فقط تفتقر إلى وجود ذاكرة ويصبح كل شىء مندرجا تحت اجتهاد الكائن ومعاناته , بداية من بحثه و وصوله الى التعريفات والمسميات المناسبة .
انتباهه لعدم اختلاط الامور عليه (لان الامر كله متعلق بالجهد الذاتى وبعيدا تماما عن التلقائية وبالتالى يكون معرض للخطأ والسهو والنسيان وتغير وجهات النظر) .
انتهاء بتخذين هذه المعلومات فى الذاكرة
ولكن كيف نفهم ذلك ؟
لو تصورنا أن هناك شخص فاقد لحاسة البصر منذ الولادة (نظرا لوجود خلل عطب فى مراكز الابصار فى المخ) لكنه لم يفقد قدرته على التاثر بموجات الضوء ثم بحثنا فى سلوكه اتجاه الضوء عند تاثره بالموجات الضوئية ؟ فسوف نجد ان هذا الشخص عندما يتاثر بالموجات الضوئية لن يستطيع الاحساس بها كصور واشكال لان الجزء المسئول عن ذلك فى المخ معطوب فلا يكون لديه الا التاثر فقط كالوتر الذى يهتز بالهواء دون الشعور بملمس او احتكاك فهو يهتز فقط اهتزاز مجرد ولا يعلم اذا كان السبب فى الاهتزاز ريشة او قطعة من الخشب او يد عارية وعليه ان يعرف هذه التاثرات بتعريفات خاصة سوف تختلف عن المبصر فى كونها معلوماتية خالية من الاحساس و الشعور مبنية فقط على قوة وحجم التاثير ولذلك كل محاولات ابتكار ما يسمى بالعين الصناعية عن طريق التحفيز الضوئي لم تلق نجاحاً، وكل الأبحاث التي تجري حالياً في هذا المضمار تحاول ابتكار جهاز مساعد يساعد العميان في حركتهم عن طريق خواص مشابهة لما يستعمله الوطواط، أي أن ما يسمى أبحاث العين الصناعية أو الالكترونية في مفهومنا الحالي يقوم على خواص صوتية ـ سمعية بحتة، حيث تحاول ابتكار جهاز يمكنه رسم صورة للأعمى عن الموجودات حوله عن طريق أسلوب الرادار الذي يعتمد على الآليات الصوتية ـ السمعية. . ولم يحدث هذا التركيز على الخواص الصوتية والسمعية فقط الا لاستحالة برمجة المخ ذاتيا للتعامل مع الامواج الضوئية او تعريفها لان هذه البرمجة الخاصة بالتعامل يجب ان تكون موجودة فيه من بادىء الامر ويمكن لاى منا ان يقيس ذلك على الخلية الاولى مع الفارق فى مدى الاستحالة .
ولو اقتربنا من هذه التعريفات اكثر نجد انها :
مفتقرة للتلقائية .
لماذ ؟
لانها تحتاج الى اجتهاد لاستدعائها من الذاكرة (لأنها معلومات حرفية خارجة عن التلقائية الموجودة فى الحواس المتوفرة لديه كصوت الذى يحس به تلقائيا لاكتمال كل اركان الشعور الصوتى لديه (التاثر ..التوصيل ..الترجمة .. التلقائية) بخلاف الضوء الساقط الذى سوف يتاثر به فقط لعدم وجود ترجمة تلقائية نظرا لتلف الخلاية المعنية بهذه الجزئية فى المخ مما يضطره الى الترجمة الحرفية التى تحتاج الى ذاكرة خاصة ومعرضة للنسيان , لكونها معلومات جافة خالية من الحياة تحتاج الى اجتهاد للوصول إليها (التعريفات والمسميات المناسبة التى يمكن تشبيهها بشفرة مورس الكافية او لغة التلغراف البدائية ) ثم البحث عنها عند الحاجة اليها بخلاف الحواس الاخرى التى لا تحتاج الى بحث او استدعاء أو اجتهاد بل تتم فيها كل هذه المراحل بتلقائية وانسيابية تامة خارج ارادة الكائن .
غير مطابقة للواقع .
لماذا ؟
لانه لا يملك اى مرجعيات بصرية (فانت لا يمكن ان تشرح له معنى اللون الازرق او الفرق بينه وبين اللون الاحمر او تربط له لون بلون اخر لانه لا يعرف حقيقة اى لون إنما يستخدم شعوره الناتج من الحواس الأخرى المتوفرة لديه كالشم والصوت لإعطائه معلومات عن الأشياء تمكنه من التمييز بينهم ) .
وبالنسبة للخلية الاولى التى من الطبيعى ان تكون مفتقرة لكل اليات الترجمة التلقائية وغير مكتملة ايا من اركان الاحساس والشعور الامر سوف يكون اعقد من ذلك بكثير وعليه هل يمكن ان تكون هناك متعة او رغبة لها فى البقاء والاستمرار فى عوالم خارجها وداخلها معلومات فقط (لا ترى , لا تسمع , لا تتكلم).
ما الفرق بين التعريف الشعورى والتعريف المعلوماتى ؟
الفرق بين ذلك وذاك (اى الشعور واللاشعور) متمثل فى البرمجة التلقائية فالكائن البصير لن يكفيه وجود خلايا حساسة او موصلة او مترجمة بل لابد من وجود برمجة تلقائية لترجمة هذه التأثيرات لا علاقة لها بارادة الكائن تجعل من الموجات والذبذبات اصوات وصور وروائح وطعوم بشكل تلقائي وفطرى مع الاتنباه الى مراكز الاحساس او الترجمة يجب ان تكون موجودة فى المخ من بادىء الامر ومفردة من مفرداته .
وإذا كان هناك برمجة فلابد من وجود برنامج ومفردات لو اقترن كلا منهم بالاخر نتجت الحاسة , ولا يمكن ان يتم هذا الامر عن طريق المصادفة والاتفاق , لان البرمجة لابد أن تكون مقصودة من بادىء الامر لكونها لا يمكن ان تنتج عن التطور لأنها من مفردات العقل المسئول عن ذلك (التصميم والتطوير والاشراف والإدارة) واقرب مثال للتقريب ذلك الى الاذهان العقل الالكترونى , , فالعقل الالكتروني لا يمكن أن يضاف له شىء إلا إذا كان مهيىء لهذه الإضافة ومبرمج ذاتيا على التعرف على هذا الشىء والتعامل معها و تشغيله وادارته و الشاهد ان الأشياء التى تضاف اليه حاليا كالسيدى روم و الهارد دسك و الهيدفون كانت لا يمكن ان تضاف الى الاجيال الاولى منه والسبب هو البرمجة الذاتية التى لم تتوفر حين ذاك , ولا يمكن أن يحدث ذلك (البرمجة , والتعرف , والتوافق , والتشغيل) إلا قبل التصميم وخلال الصنع , و العقل الالكتروني لا يبلغ جزء صغير من تعقيد العقل البشرى .... العقل الذى يشكل هو و الحواس الأساس الذي تقتبس منه كافة التصميم التي توضع للأجهزة الصناعية والالكترونية .
كالأنف الإلكتروني مثلا مع الاختلاف في الدقة والتعقيد .
" فحاسة الشم لدى الإنسان تستطيع تمييز أكثر من عشرة آلاف نوع من الروائح المختلفة، و يستطيع جنير كيمياوي أن يشخص 100 نوع مختلف من الروائح ضمن عطر واحد106. وهذا التصميم المذهل لأنف الإنسان هو الذي يستلهم منه المصممون في وضع تصاميمهم للأجهزة التي يريد صنعها.
ولهذا السبب تدعى النماذج المصممة في هذه المراكز بالأنف الإلكتروني، وعوضا عن المستقبلات الشمية التي تتألف من البروتينات فقد استخدمت مواد حساسة كيميائيا داخل الأنف الإلكتروني. وهذه المواد الكيماوية تصمم على أساس أنّ كل واحدة منها تتأثر برائحة معينة، وكلما زادت قدرتها في تحسس عدد أكبر من الروائح زادت الصعوبة في تصميمها. وتقوم هذه المُتحسّسات بالتأثر بالروائح المختلفة الموجودة في الوسط الذي توضع فيه، ومن ثم تحول هذا التأثر إلى إشارات منطقية مزدوجة عبر الدوائر الإلكترونية ليتم إيصالها إلى حاسوب يقوم بمعالجتها للحصول على النتيجة ما.
وتلعب الدوائر الإلكترونية دور الأعصاب الشمية في الأنف، أمّا الحاسوب فيقوم بدور المخ في معالجة المعطيات، وتتم برمجة الحاسوب مسبقا ليستطيع معالجة المعطيات القادمة إليه حيث يقوم بتأويلها على شكل روائح مختلفة ".. وإذا لم يكن الحاسوب مبرمجا مسبقا لن يكون لباقي الأجزاء أي داعي مع العلم بان العقل البشرى لا يمكن برمجته آنيا فلابد أن تكون البرمجة جزء من مفرداته وتكوينه ولا يمكن أن تحدث البرمجة وهى جزء من مفردات العقل وتكوينه (أي هي والعقل وحدة واحدة) إلا لحظة الخلق بتصميم وإرادة سابقة للخلق بل أن الأمر اكبر من ذلك مما يأكد الخلق والإبداع فلابد من وجود آليات أخرى مساعدة للحواس عند الإنسان وهذا يزيد من الأمر تعقيدا ويلغى أي اعتبار للمصادفة كآليات التكيف في حاسة الشم .
فأنت "عزيزي القارئ، وأنت تقرأ هذه السطور لا تشعر بملابسك التي هي في حالة تماس مع جلدك، ولكنك لابد وأن شعرت بها عند ارتدائك إياها، وبعد فترة قصيرة يزول هذا الشعور لأنّ المستقبلات الحسية اللمسية الموجودة في الجلد توقف إرسال الإشارات العصبية إلى المخ، ولو لم توجد مثل هذه الآلية لتحولت عملية عادية مثل ارتداء الملابس إلى عملية مزعجة لا تطاق إذ أنّ الإشارات العصبية اللمسية تشدّ انتباهك وتشتت ذهنك في تعاملك مع نشاط الحواس الأخرى، وباختصار تتحول الحياة إلى مجموعة إزعاجات لا تحتمل.
والشيء نفسه يقال بالنسبة إلى حاسة الشم، فعندما تدخل إلى المطعم تفوح منه رائحة المأكولات، تحس بها للوهلة الأولى، ولكن بعد برهة ينتهي إحساسنا بها، ولكن هذا التطور لم ينتج من انخفاض تركيز الروائح في جوّ المطعم وإنما نتج مما ندعوه بـ"التعوّد"، وبعبارة أخرى فإنّ تغير الإحساس بالروائح بالرغم من عدم تغير تركيز تلك الروائح ينتج بفعل آلية خاصة تدعى بـ"التكيف ".
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُم الله حَلاَلاً طَيّبًا وَاتّقُوا الله الذِي أَنتُم بِهِ مُؤمِنُونَ) المائدة – الآية 88.
ويمكن التعبير عن أهمية هذه الآلية بما يلي: لنلاحظ العاملين في ذلك المطعم الذي ذكرناه آنفا والذي يحتوي جوّه على روائح مختلفة وبتركيز عال، وليكن الطبّاخون مثالا على ما ذكرنا، فإذا لم تنخفض حساسية أنوفهم تجاه روائح المطعم بمرور الوقت فإن الأمر يصبح صعبا بل مزعجا جدا بالنسبة إليهم، بالإضافة إلى عدم تحسس مستقبلاتهم الشمية لأية رائحة غريبة قد تكون خطيرة لانشغالها بتحسّس روائح المأكولات.
ويؤكد الباحث فرانك زوفال المعروف بأبحاثه في هذا المجال أن هذا التكيف الشمي ينتج بفعل آليات حياتية معقدة ، وبمعنى آخر هنالك فعاليات حيوية عديدة جدا ومتشابكة تحدث على المستوى الجزيئي ولم يتم التعرف على حقيقتها بعد، ويعتقد العلماء أن الخلايا المستقبلة للروائح تشهد حصول ثلاث آليات مختلفة للتكيف، بالإضافة إلى اعتقادهم بأن المخ يحتوي بدوره على مراكز خاصة لتقييم الإشارات الحسية القادمة من الحواس ونقلها أو عرقلتها.
ولكن كيف يتسنى للخلايا الشمية وخلايا المخ التي تتكون من ذرات كالكربون والنتروجين والأوكسجين وغيرها من الذرات أن تطور أو تولد مثل هذه الآليات الحياتية الخطيرة ؟ كيف تستطيع الخلايا اللاشعورية أن تقرر الإقدام على أداء مهمّة دون الأخرى وفي الوقت المناسب؟ كيف تستطيع تحديد هذا التوقيت المضبوط ؟ كيف تستطيع أن تؤدي هذه المهام الخطيرة دون أن يتدخل الإنسان في عملها ؟
إن الجواب سيكون واضحا أمام الإنسان العاقل المتفكر لأنه سيتوصل حتما إلى أنّ هذه الآليات الحياتية المتحكمة في حاسة الشم تعتبر جزءا من التصميم البارع الذي له أمثلة عديدة في كافة أرجاء الكون والذي وضع وفق مخطط مسبق ومحكم التفاصيل، ولا مكان للحظ أو الصدفة أبدا ضمن هذه التفاصيل، أي أن هذه الآليات الحياتية التي نتحدث عنها والموجودة في أجسامنا عجيبة وعظيمة إلى درجة لا يمكن تفسير وجودها بكلمة الصدفة أبدا، وهي تمثل دليلا قويا ودامغا على حدوث عملية الخلق وترجمانا لعلم الله الواسع، والآية الكريمة تقول:
(يُدَبّرُ الأَمرَ مِِنَ السّمَاءِ إِلَى الأَرضِ ثُمّ يَعرُجُ إِليهِ فِي يَومٍ كًانَ مِقدَارُهُ أَلفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدّونَ ) السجدة – الآية 5".
يتبع بعون الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
هل يمكن ان يجتمع التعريف الشعورى والتطور معا (الية الاحساس)
كل شيء نحس به او نشعر به ما هو الا امواج وذبذبات لا تختلف فقط إلا في طولها الموجي ، و ترددها .. يعرفها المخ تعريفا داخليا خاص به لا علاقة له بماهية الشىء او كنهه الحقيقى .... هذا التعريف يختلف من كائن لاخر .
"فالنور الأبيض الذي نراه إذا مررناه خلال منشور زجاجي يتحلل إلى سبعة ألوان هي ألون الطيف المعروفة ، فإذا حاولنا أن ندرس ماهية هذه الألوان لم نجد أنها ألوان ... وإنما وجدناها موجات لا تختلف في شيء إلا في طولها الموجي ، ذبذبات متفاوتة في ترددها .. وهذه كل الحكاية ... ولكن أعيننا لا تستطيع أن ترى هذه الأمواج كأمواج ولا تستطيع أن تحس بهذه الذبذبات كذبذبات ... وإنما كل ما يحدث أن الخلايا العصبية في قاع العين تتأثر بكل نوع من هذه الذبذبات بطريقة مختلفة ومراكز البصر في المخ تترجم هذا التأثر العصبي على شكل ألوان ، ولكن هذه المؤثرات الضوئية ليست ألوانا وإنما هي محض موجات واهتزازات والمخ بلغته الاصطلاحية لكي يميزها عن بعضها يطلق عليها هذه التعريفات التي هي عبارة عن الألوان ... وهذه هي حكاية الألوان .
والحقول التي نراها خضراء ليست خضراء ... وإنما كل ما يحدث أن أوراق النباتات تمتص كل أمواج الضوء بكافة أطوالها ماعدا تلك الموجة ذات الطول المعين التي تدخل أعيننا وتؤثر في خلاياها فيكون لها هذا التأثير الذي هو في اصطلاح المخ ( اللون الأخضر ) .
أما العسل فهو في فمنا حلو و نتلذذ به ، ولكن دودة المش لها رأي مختلف تماما بدليل أنها لا تقرب العسل بعكس المش الذي تغوص فيه وتلتهمه التهاما ، حلاوة العسل إذن لا يمكن أن تكون صفة مطلقة موضوعية وإنما هي صفة نسبية نسبة إلى أعضاء التذوق في لساننا ... إنها ترجمتنا الاصطلاحية الخاصة للمؤثرات التي تحدثها جزيئات العسل فينا ... وقد يكون لهذه المؤثرات بالنسبة للأعضاء الحسية في كائن حي آخر طعما مختلفا هو أشبه بالمرارة" . (مصطفى محمود – اينشتين والنسبية)
ولكي يحدث الشعور لابد من وجود خلايا تتاثر بنوع معين من الذبذبات ووصلات عصبية تنقل هذا التاثير الى المخ ليترجم عبر مراكز خاصة في المخ إلى التعريف الذي يحس به الإنسان فى صورة شعور .
وهناك شيء رابع لابد من ذكره يكمن فيه سر الإحساس في صورته النهائية (الشعور) و هو البرمجة الفطرية التلقائية التى تجعل كل ذلك يتم بشكل الى , فلو كان الانسان لديه كل الخلايا ... الخلايا التى تتاثر والتى توصل و التى تترجم دون برمجة خاصة تجعل من الامر تلقائى وانسيابى ولا ارادى , فسوف تنفك عنه التلقائية فى نفس الوقت الذى سوف ينفك فيه الاحساس والشعور عن التعريفات الداخلية المتمثلة فى الاشكال والاصوات والروائح , لتكون مجرد معلومات فقط تفتقر إلى وجود ذاكرة ويصبح كل شىء مندرجا تحت اجتهاد الكائن ومعاناته , بداية من بحثه و وصوله الى التعريفات والمسميات المناسبة .
انتباهه لعدم اختلاط الامور عليه (لان الامر كله متعلق بالجهد الذاتى وبعيدا تماما عن التلقائية وبالتالى يكون معرض للخطأ والسهو والنسيان وتغير وجهات النظر) .
انتهاء بتخذين هذه المعلومات فى الذاكرة
ولكن كيف نفهم ذلك ؟
لو تصورنا أن هناك شخص فاقد لحاسة البصر منذ الولادة (نظرا لوجود خلل عطب فى مراكز الابصار فى المخ) لكنه لم يفقد قدرته على التاثر بموجات الضوء ثم بحثنا فى سلوكه اتجاه الضوء عند تاثره بالموجات الضوئية ؟ فسوف نجد ان هذا الشخص عندما يتاثر بالموجات الضوئية لن يستطيع الاحساس بها كصور واشكال لان الجزء المسئول عن ذلك فى المخ معطوب فلا يكون لديه الا التاثر فقط كالوتر الذى يهتز بالهواء دون الشعور بملمس او احتكاك فهو يهتز فقط اهتزاز مجرد ولا يعلم اذا كان السبب فى الاهتزاز ريشة او قطعة من الخشب او يد عارية وعليه ان يعرف هذه التاثرات بتعريفات خاصة سوف تختلف عن المبصر فى كونها معلوماتية خالية من الاحساس و الشعور مبنية فقط على قوة وحجم التاثير ولذلك كل محاولات ابتكار ما يسمى بالعين الصناعية عن طريق التحفيز الضوئي لم تلق نجاحاً، وكل الأبحاث التي تجري حالياً في هذا المضمار تحاول ابتكار جهاز مساعد يساعد العميان في حركتهم عن طريق خواص مشابهة لما يستعمله الوطواط، أي أن ما يسمى أبحاث العين الصناعية أو الالكترونية في مفهومنا الحالي يقوم على خواص صوتية ـ سمعية بحتة، حيث تحاول ابتكار جهاز يمكنه رسم صورة للأعمى عن الموجودات حوله عن طريق أسلوب الرادار الذي يعتمد على الآليات الصوتية ـ السمعية. . ولم يحدث هذا التركيز على الخواص الصوتية والسمعية فقط الا لاستحالة برمجة المخ ذاتيا للتعامل مع الامواج الضوئية او تعريفها لان هذه البرمجة الخاصة بالتعامل يجب ان تكون موجودة فيه من بادىء الامر ويمكن لاى منا ان يقيس ذلك على الخلية الاولى مع الفارق فى مدى الاستحالة .
ولو اقتربنا من هذه التعريفات اكثر نجد انها :
مفتقرة للتلقائية .
لماذ ؟
لانها تحتاج الى اجتهاد لاستدعائها من الذاكرة (لأنها معلومات حرفية خارجة عن التلقائية الموجودة فى الحواس المتوفرة لديه كصوت الذى يحس به تلقائيا لاكتمال كل اركان الشعور الصوتى لديه (التاثر ..التوصيل ..الترجمة .. التلقائية) بخلاف الضوء الساقط الذى سوف يتاثر به فقط لعدم وجود ترجمة تلقائية نظرا لتلف الخلاية المعنية بهذه الجزئية فى المخ مما يضطره الى الترجمة الحرفية التى تحتاج الى ذاكرة خاصة ومعرضة للنسيان , لكونها معلومات جافة خالية من الحياة تحتاج الى اجتهاد للوصول إليها (التعريفات والمسميات المناسبة التى يمكن تشبيهها بشفرة مورس الكافية او لغة التلغراف البدائية ) ثم البحث عنها عند الحاجة اليها بخلاف الحواس الاخرى التى لا تحتاج الى بحث او استدعاء أو اجتهاد بل تتم فيها كل هذه المراحل بتلقائية وانسيابية تامة خارج ارادة الكائن .
غير مطابقة للواقع .
لماذا ؟
لانه لا يملك اى مرجعيات بصرية (فانت لا يمكن ان تشرح له معنى اللون الازرق او الفرق بينه وبين اللون الاحمر او تربط له لون بلون اخر لانه لا يعرف حقيقة اى لون إنما يستخدم شعوره الناتج من الحواس الأخرى المتوفرة لديه كالشم والصوت لإعطائه معلومات عن الأشياء تمكنه من التمييز بينهم ) .
وبالنسبة للخلية الاولى التى من الطبيعى ان تكون مفتقرة لكل اليات الترجمة التلقائية وغير مكتملة ايا من اركان الاحساس والشعور الامر سوف يكون اعقد من ذلك بكثير وعليه هل يمكن ان تكون هناك متعة او رغبة لها فى البقاء والاستمرار فى عوالم خارجها وداخلها معلومات فقط (لا ترى , لا تسمع , لا تتكلم).
ما الفرق بين التعريف الشعورى والتعريف المعلوماتى ؟
الفرق بين ذلك وذاك (اى الشعور واللاشعور) متمثل فى البرمجة التلقائية فالكائن البصير لن يكفيه وجود خلايا حساسة او موصلة او مترجمة بل لابد من وجود برمجة تلقائية لترجمة هذه التأثيرات لا علاقة لها بارادة الكائن تجعل من الموجات والذبذبات اصوات وصور وروائح وطعوم بشكل تلقائي وفطرى مع الاتنباه الى مراكز الاحساس او الترجمة يجب ان تكون موجودة فى المخ من بادىء الامر ومفردة من مفرداته .
وإذا كان هناك برمجة فلابد من وجود برنامج ومفردات لو اقترن كلا منهم بالاخر نتجت الحاسة , ولا يمكن ان يتم هذا الامر عن طريق المصادفة والاتفاق , لان البرمجة لابد أن تكون مقصودة من بادىء الامر لكونها لا يمكن ان تنتج عن التطور لأنها من مفردات العقل المسئول عن ذلك (التصميم والتطوير والاشراف والإدارة) واقرب مثال للتقريب ذلك الى الاذهان العقل الالكترونى , , فالعقل الالكتروني لا يمكن أن يضاف له شىء إلا إذا كان مهيىء لهذه الإضافة ومبرمج ذاتيا على التعرف على هذا الشىء والتعامل معها و تشغيله وادارته و الشاهد ان الأشياء التى تضاف اليه حاليا كالسيدى روم و الهارد دسك و الهيدفون كانت لا يمكن ان تضاف الى الاجيال الاولى منه والسبب هو البرمجة الذاتية التى لم تتوفر حين ذاك , ولا يمكن أن يحدث ذلك (البرمجة , والتعرف , والتوافق , والتشغيل) إلا قبل التصميم وخلال الصنع , و العقل الالكتروني لا يبلغ جزء صغير من تعقيد العقل البشرى .... العقل الذى يشكل هو و الحواس الأساس الذي تقتبس منه كافة التصميم التي توضع للأجهزة الصناعية والالكترونية .
كالأنف الإلكتروني مثلا مع الاختلاف في الدقة والتعقيد .
" فحاسة الشم لدى الإنسان تستطيع تمييز أكثر من عشرة آلاف نوع من الروائح المختلفة، و يستطيع جنير كيمياوي أن يشخص 100 نوع مختلف من الروائح ضمن عطر واحد106. وهذا التصميم المذهل لأنف الإنسان هو الذي يستلهم منه المصممون في وضع تصاميمهم للأجهزة التي يريد صنعها.
ولهذا السبب تدعى النماذج المصممة في هذه المراكز بالأنف الإلكتروني، وعوضا عن المستقبلات الشمية التي تتألف من البروتينات فقد استخدمت مواد حساسة كيميائيا داخل الأنف الإلكتروني. وهذه المواد الكيماوية تصمم على أساس أنّ كل واحدة منها تتأثر برائحة معينة، وكلما زادت قدرتها في تحسس عدد أكبر من الروائح زادت الصعوبة في تصميمها. وتقوم هذه المُتحسّسات بالتأثر بالروائح المختلفة الموجودة في الوسط الذي توضع فيه، ومن ثم تحول هذا التأثر إلى إشارات منطقية مزدوجة عبر الدوائر الإلكترونية ليتم إيصالها إلى حاسوب يقوم بمعالجتها للحصول على النتيجة ما.
وتلعب الدوائر الإلكترونية دور الأعصاب الشمية في الأنف، أمّا الحاسوب فيقوم بدور المخ في معالجة المعطيات، وتتم برمجة الحاسوب مسبقا ليستطيع معالجة المعطيات القادمة إليه حيث يقوم بتأويلها على شكل روائح مختلفة ".. وإذا لم يكن الحاسوب مبرمجا مسبقا لن يكون لباقي الأجزاء أي داعي مع العلم بان العقل البشرى لا يمكن برمجته آنيا فلابد أن تكون البرمجة جزء من مفرداته وتكوينه ولا يمكن أن تحدث البرمجة وهى جزء من مفردات العقل وتكوينه (أي هي والعقل وحدة واحدة) إلا لحظة الخلق بتصميم وإرادة سابقة للخلق بل أن الأمر اكبر من ذلك مما يأكد الخلق والإبداع فلابد من وجود آليات أخرى مساعدة للحواس عند الإنسان وهذا يزيد من الأمر تعقيدا ويلغى أي اعتبار للمصادفة كآليات التكيف في حاسة الشم .
فأنت "عزيزي القارئ، وأنت تقرأ هذه السطور لا تشعر بملابسك التي هي في حالة تماس مع جلدك، ولكنك لابد وأن شعرت بها عند ارتدائك إياها، وبعد فترة قصيرة يزول هذا الشعور لأنّ المستقبلات الحسية اللمسية الموجودة في الجلد توقف إرسال الإشارات العصبية إلى المخ، ولو لم توجد مثل هذه الآلية لتحولت عملية عادية مثل ارتداء الملابس إلى عملية مزعجة لا تطاق إذ أنّ الإشارات العصبية اللمسية تشدّ انتباهك وتشتت ذهنك في تعاملك مع نشاط الحواس الأخرى، وباختصار تتحول الحياة إلى مجموعة إزعاجات لا تحتمل.
والشيء نفسه يقال بالنسبة إلى حاسة الشم، فعندما تدخل إلى المطعم تفوح منه رائحة المأكولات، تحس بها للوهلة الأولى، ولكن بعد برهة ينتهي إحساسنا بها، ولكن هذا التطور لم ينتج من انخفاض تركيز الروائح في جوّ المطعم وإنما نتج مما ندعوه بـ"التعوّد"، وبعبارة أخرى فإنّ تغير الإحساس بالروائح بالرغم من عدم تغير تركيز تلك الروائح ينتج بفعل آلية خاصة تدعى بـ"التكيف ".
(وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُم الله حَلاَلاً طَيّبًا وَاتّقُوا الله الذِي أَنتُم بِهِ مُؤمِنُونَ) المائدة – الآية 88.
ويمكن التعبير عن أهمية هذه الآلية بما يلي: لنلاحظ العاملين في ذلك المطعم الذي ذكرناه آنفا والذي يحتوي جوّه على روائح مختلفة وبتركيز عال، وليكن الطبّاخون مثالا على ما ذكرنا، فإذا لم تنخفض حساسية أنوفهم تجاه روائح المطعم بمرور الوقت فإن الأمر يصبح صعبا بل مزعجا جدا بالنسبة إليهم، بالإضافة إلى عدم تحسس مستقبلاتهم الشمية لأية رائحة غريبة قد تكون خطيرة لانشغالها بتحسّس روائح المأكولات.
ويؤكد الباحث فرانك زوفال المعروف بأبحاثه في هذا المجال أن هذا التكيف الشمي ينتج بفعل آليات حياتية معقدة ، وبمعنى آخر هنالك فعاليات حيوية عديدة جدا ومتشابكة تحدث على المستوى الجزيئي ولم يتم التعرف على حقيقتها بعد، ويعتقد العلماء أن الخلايا المستقبلة للروائح تشهد حصول ثلاث آليات مختلفة للتكيف، بالإضافة إلى اعتقادهم بأن المخ يحتوي بدوره على مراكز خاصة لتقييم الإشارات الحسية القادمة من الحواس ونقلها أو عرقلتها.
ولكن كيف يتسنى للخلايا الشمية وخلايا المخ التي تتكون من ذرات كالكربون والنتروجين والأوكسجين وغيرها من الذرات أن تطور أو تولد مثل هذه الآليات الحياتية الخطيرة ؟ كيف تستطيع الخلايا اللاشعورية أن تقرر الإقدام على أداء مهمّة دون الأخرى وفي الوقت المناسب؟ كيف تستطيع تحديد هذا التوقيت المضبوط ؟ كيف تستطيع أن تؤدي هذه المهام الخطيرة دون أن يتدخل الإنسان في عملها ؟
إن الجواب سيكون واضحا أمام الإنسان العاقل المتفكر لأنه سيتوصل حتما إلى أنّ هذه الآليات الحياتية المتحكمة في حاسة الشم تعتبر جزءا من التصميم البارع الذي له أمثلة عديدة في كافة أرجاء الكون والذي وضع وفق مخطط مسبق ومحكم التفاصيل، ولا مكان للحظ أو الصدفة أبدا ضمن هذه التفاصيل، أي أن هذه الآليات الحياتية التي نتحدث عنها والموجودة في أجسامنا عجيبة وعظيمة إلى درجة لا يمكن تفسير وجودها بكلمة الصدفة أبدا، وهي تمثل دليلا قويا ودامغا على حدوث عملية الخلق وترجمانا لعلم الله الواسع، والآية الكريمة تقول:
(يُدَبّرُ الأَمرَ مِِنَ السّمَاءِ إِلَى الأَرضِ ثُمّ يَعرُجُ إِليهِ فِي يَومٍ كًانَ مِقدَارُهُ أَلفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدّونَ ) السجدة – الآية 5".
يتبع بعون الله تعالى
تعليق