دمعة وداع
ارتشف يوسف من كوب الشوكولاتة الموضوع بجوار الحاسوب الخاص به بينما ظلت عيناه مثبتتان على الشاشة الصغيرة بينما لمح ظل يمر بجواره بسرعة فالتفت إليه ليرى شقيقه الأكبر كاشفاً ذراعيه العريضتين و ناظراً إلى ( يوسف) بنظرة صارمة. جعلت (يوسف) ينتبه إلى نظرة شقيقه المرتابة الذي بادره بصوت عميق قائلاً " يوسف.. مازلت مصمماً على الرحيل؟؟ "
و هنا اعتدل يوسف محاولاً إقناع شقيقه " يا أخي الحبيب هناك الفرصة أفضل .. كما أنك...." هنا قاطعه ( أحمد) قائلاً بحدة " ثم أنني ماذا؟؟ .. موجود هنا و أقوم بدفع كافة التكاليف هنا ... كما أنني أتحمل مسئولية والدتنا و شقيقك الأصغر .. و لذا لا حاجة إليك.. أليس كذلك؟؟"
هنا قام (يوسف) بوضع يده على كتف شقيقه بوداعة محاولاً إرضائه " يا أخي الحبيب
حتماً يوماً سأعود .. و لو تعرف ما اذهب إليه لتركتني أذهب اليوم"
رد ( أحمد ) بسرعة " و أنا أريد أن أعرف ما تذهب إليه ؟؟" هنا تردد ( يوسف) قبل أن يقول " العمل في أستراليا كثير و هناك مسجد للدعوة الإسلامية و أنت تعرف شيخنا الحبيب ( فيصل) سيقوم بمساعدتي.. و بخصوص النفقات سوف أرسل لك كل ... "
قاطعه ( أحمد ) صائحاً " أي نفقات التي تتحدث عنها ؟؟ أنا لا أريد منك سوى أن تكون ناجحاً في حياتك و أنت تعلم جيداً إننا و ا لحمد لله لدينا ما يكفينا .. و إن كنت تتحدث لأجل الدعوة فأنت تستطيع أن تفعل ذلك من هنا". .فقال (يوسف) " يا أخي الموضوع ليس بسيطاً كما تتصور فهناك العمل وفقاً لقدراتي أيضاً و التي لا أشعر بأي جزء منها هنا "
هنا غادر ( أحمد) بعد أن التفت قائلا " و ما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين "
و عاد (يوسف) إلى شاشته الصغيرة ليكمل بحثه.
***
" هل ستأخذ هذا المصحف أم هذا ؟؟ " رفع ( مصطفى ) الشقيق الأصغر لـ ( يوسف) يديه الصغيرتين حاملاً مصحفين مختلفي الأحجام و ملوحاً بهم إلى شقيقه الأكبر الذي يقوم بإعداد حقيبة الضخمة و التفت إلى اليدين الصغيرتين قائلاً " اترك الاثنين خارج الحقيبة فهما أخر ما يوضع في الحقيبة " هنا لم يتملك (مصطفى ) دموعه الصغيرة التي نزلت ببطء قائلاً " يقول ( أحمد ) أننا قد لا نراك ثانيةً .. هل هذا صحيح؟" هنا اعتدل (يوسف) و قام إلى الطفل الصغير قائلاً " تعلم كم أحبك يا أخي ؟ " و هز ( مصطفى )رأسه بإيماءة تعني الإيجاب فقال له (يوسف) " إ ن الله قادر أن يجمعنا ثانيةً كما أنني سأراك عبر الإنترنت ... لا تنسى ذلك أبداً " و رد ( مصطفى) بصوته الرقيق " أمى كانت تبكى بالأمس في صلاتها بشكل جعلني أخاف جداً و أنا ظننت ذلك لأنك ستسافر و تتركنا " فقال ( يوسف) لن أترككم يا أخي الحبيب إن شاء الله سنلتقي قريباً . و ما إن تستقر الأوضاع هناك سآتي لأخذكم معي " هنا انتهى حزن الطفل الذي قال فرحاً " حقا؟؟" فقال ( يوسف) و الحزن يعتصر قلبه و لكنه منع نفسه من التعبير عن ذلك الحزن برسم ابتسامة حزينة حاملاً شقيقه " نعم حقاً يا ( مصطفى) و لكن هذا في حال أنك لم تغضب أمك و ذاكرت دروسك جيداً " خرج الطفل سريعاً إلى أمه ليبشرها بقول ( يوسف) الذي جلس يناجي ربه بهمسات خاشعة غير مسموعة.
***
دقت الساعة الثالثة فجراً فقام ( يوسف ) حاملاً حقيبته ناظراً إلى غرفته الذي ربما يراها للمرة الأخيرة و ودعت عيناه كل ركن فيها .. نظر إلى سريره ملياً و الصورة التي بجواره التي يظهر فيها الأسرة بأكملها و تردد في أخذها أو أن يتركها فقرر تركها قبل ن يخرج و يفتح غرفة أمه بهدوء و ينظر إليها نظرة أخيرة قبل الرحيل .. لقد قرر في نفسه أن يغادر دون وداع لأنه لا يحتمل تلك اللحظات و هنا أغلق الباب بهدوء قبل أن يتوجه إلى الخارج ليجد نفسه مواجهاً لـ شقيقه الأكبر الذي قال " وفقك الله يا أخي ... يعلم الله كم سأفتقدك"
لم يستطع (يوسف ) أن يمنع نفسه من احتضان أخيه بقوة ... ثم اعتدل قائلاً " أستودعكم الله .. الذي لا تضيع ودائعه" فقال (أحمد) " لن أوصيك بنفسك .. و إياك و أن تنسى إيمانك و صلاتك و قيامك " و نزل ( يوسف) مودعاً كل ما تقع عليه عيناه من ذكريات قد لا يراها بعد اليوم إلا بعد وقت طويل جداً ....و هنا أخرج مصحفه و أخذ يقرأ فيه متجهاً إلى الميناء.
****
مذكرات(فريد)
وقف (كراوش) أمام العمال الذين كانوا منهمكين في بناء المدينة بينما وصل ( جون ) مساعد السيد ( كراوش) بصحبة ( فريد ) الذي بدا عليه الإرهاق من فرط السفر ... فالتفت مستر (كراوش)مرحباً " أهلاً بالوافد الجديد ... لا تدري كم هي سعادتي بان أول الساكنين في مدينتي مسلم سابق" لم يبد على وجه ( فريد) أي تعبير سواء بالترحيب أو حتى ابتسامة الروتين المعروفة و لكنه مد يده لمستر (كراوش) قائلاً " تشرفت بلقاؤك يا سيد (كراوش) " فقال (كراوش) " لقد اخترت لك أفضل مكان في مدينتي ..و الآن دعنا نذهب من هنا إلى قصري" .
بينما كانوا في السيارة معاً قال ( كراوش) " سأصارحك يا سيد (فريد) . لدينا أزمة حقيقية في جذب المسلمين الملحدين إلى هنا و لا أدري ما السبب الحقيقي لعدم التسابق عليها رغم أنني أعرف أن هناك ملحدين كثر في العالم كله و رجالي الحمقى لا يعرفون كيف يقومون بجذب هؤلاء الذين كانوا مسلمين و نجوا من هذا الدين العنيف "
هنا رد (فريد) " يا سيد (كراوش) المسألة على المسلمين ليست بسهلة على الإطلاق .. فهم أكثر الشعوب تديناً كما أنني عشت منذ طفولتي في أمريكا و مع أم مسيحية تزوجها والدي في مصر قبل أن يهاجروا إلى نيو يورك و مات أبي منذ زمن بعيد كنت حينها طفلاً
و تقطعت العلاقة بيني و بين الإسلام تماماً من يومها فلا أمي اهتمت بتعريفي ما هو الإسلام و لا اهتممت أنا بمعرفة ما حقيقته و لكن ما أعرفه أنهم متمسكون للغاية بدينهم و حتى من ألحد منهم يخشى على نفسه من القتل أو على أسرته كما أن عددهم قليل للغاية ممن درسوا في روسيا مثلاً ...و كملحوظة لك فأنا تركت نيو يورك لتمييزها العنصري ضد العرب فالجميع هناك يعاملونني كعربي إرهابي و كأنني أود أقتل كل من هم غير المسلمين و هذا غير صحيح بالنسبة لي على الأقل فلو وجدت تمييزاً هنا فأنا ..."
" لا تكمل يا سيد (فريد) أنا أعرف مدى معاناتكم أنتم العرب المتأمركين من هذا الأمر و كن على ثقة أن الناس سواسية هنا في (واى سي باراديز) "
" أتمنى ذلك يا مستر (كراوش) ... سأضطر للنزول هنا ما إن أذنت لي فقال ( كراوش ) ببساطة " تفضل طبعاً " .
و ما إن نزل (فريد) قال محدثاً ( جون) الذي كان يسترق السمع " هل هذا هو المسلم الذي جئت به يا ( جون) كنت أعرف انك أحمق جداً .. إنه لم يعرف شيئاً عن الإسلام قط أنت لا تستحق حتى أن تكون حاملاً لحذائي "
احمر وجع (جون ) للغاية بعد وصلة التوبيخ العنيفة من (كراوش) و لكنه قال " يا سيد ( كراوش) أعدك بان القادم أفضل فلدينا شاب جديد إسمه ( يوسف ) مصري أيضاً و تحرياتنا عنه تقول بأنه كان ملتزماً غير أنه ولد و عاش في مصر فهو بالتأكيد يعرف الكثير عن الإسلام و ناقماً عليه "
" مسلم ملتزم و يريد الالتحاق بمدينتنا ؟؟ أي هراء هذا يا أحمق ؟؟ اسمع.. حينما يصل ذلك الشاب فلن يلتحق بمدينتنا بالاختبار التقليدي .. احضره لي سيكون اختباره على يدي و علنياً أمام الجميع .. إن نجح في عبوره فهو يستحق أن يعيش بيننا و إن لم يستحق فسأتركه لـ ( سيرجي ياكوف ) ليتعامل معه " قال (جون ) بخضوع " حسناً يا سيدي .. و بخصوص المناظرات التي طلبتها فهو جاهزة للعرض في أي وقت "
" ركزوا على المناظرات الإسلامية و المسيحية و الهندوسية "
" و بالنسبة لليهودية يا سيدي ؟؟" فرد (كراوش ) " اليهود هم من يدفعون يا أحمق!" و انطلقت ضحكات (كراوش ) عالية جداً.
تعليق