فمضى الانسان واخبر اليهود ان يسوع هو الذي ابراه. 16 ولهذا كان اليهود يطردون يسوع ويطلبون ان يقتلوه لانه عمل هذا في سبت. 17 فاجابهم يسوع ابي يعمل حتى الان وانا اعمل. 18 فمن اجل هذا كان اليهود يطلبون اكثر ان يقتلوه.لانه لم ينقض السبت فقط بل قال ايضا ان الله ابوه معادلا نفسه بالله
19 فاجاب يسوع وقال لهم الحق الحق اقول لكم لا يقدر الابن ان يعمل من نفسه شيئا الا ما ينظر الاب يعمل.لان مهما عمل ذاك فهذا يعمله الابن كذلك.20 لان الاب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله.وسيريه اعمالا اعظم من هذه لتتعجبوا انتم. 21 لانه كما ان الاب يقيم الاموات ويحيي كذلك الابن ايضا يحيي من يشاء. 22 لان الاب لا يدين احدا بل قد اعطى كل الدينونة للابن. 23 لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الاب.من لا يكرم الابن لا يكرم الاب الذي ارسله
24 الحق الحق اقول لكم ان من يسمع كلامي ويؤمن بالذي ارسلني فله حياة ابدية ولا ياتي الى دينونة بل قد انتقل من الموت الى الحياة. 25 الحق الحق اقول لكم انه تاتي ساعة وهي الان حين يسمع الاموات صوت ابن الله والسامعون يحيون. 26 لانه كما ان الاب له حياة في ذاته كذلك اعطى الابن ايضا ان تكون له حياة في ذاته. 27 واعطاه سلطانا ان يدين ايضا لانه ابن الانسان. 28 لا تتعجبوا من هذا.فانه تاتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته. 29 فيخرج الذين فعلوا الصالحات الى قيامة الحياة والذين عملوا السيات الى قيامة الدينونة. 30 انا لا اقدر ان افعل من نفسي شيئا.كما اسمع ادين ودينونتي عادلة لاني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الاب الذي ارسلني
يستدل الأصدقاء المسيحيون بقول اليهود ( بل قال ايضا ان الله ابوه معادلا نفسه بالله ) على أن يسوع قد صرّح بألوهيته , و قد قال أنه معادل لله , و فى الواقع هذا من أغرب طرق الإستدلال التى رأيتها , فكيف يستدل بسوء فهم اليهود لكلام المسيح على ألوهية المسيح ؟ إن هذا لأمر عجاب !!!!
من المعروف للدارسين لإنجيل يوحنا أنه يستخدم أسلوبا أدبيا معينا , يعرض فيه فكرته كالآتى : يقول يسوع شيئا معينا , يسىء الناس فهمه , يصحح يسوع سوء الفهم هذا .
و سوف نسرد فى موضوع آخر غير موضوعنا الحالى هذا الأمر و نشرحه , و نضع لكم أمثلة عديدة عن هذا الأسلوب الأدبى فى إنجيل يوحنا
و لكن دعونا نركز الآن على أحد هذه الأمثلة و هو النص الوارد فى يوحنا 5 - 18 . لقد قال المسيح لليهود ( ابى يعمل حتى الآن و أنا أعمل ) و يقصد المسيح بهذا أنه يقلد أباه كإبن مطيع , و لكن اليهود اساءوا فهم كلام المسيح , و اتهموه بأنه بهذا يعادل نفسه بالله , فأوضح لهم المسيح أن هذا غير صحيح , و أنه لا يعادل نفسه بالله فقال ردا على تهمتهم بأنه لا يقدر أن يفعل شيئا من نفسه : ( فاجاب يسوع وقال لهم الحق الحق اقول لكم لا يقدر الابن ان يعمل من نفسه شيئا الا ما ينظر الاب يعمل ) و ( انا لا اقدر ان افعل من نفسي شيئا.كما اسمع ادين ودينونتي عادلة لاني لا اطلب مشيئتي بل مشيئة الاب الذي ارسلني ) و أوضح لهم أنه يفعل ما يفعل بسلطان الله : ( واعطاه سلطانا ) , و بالتالى من يكرمه كوكيل و مرسل الله فهو يكرم الله , و من يهينه يهين الله الذى أرسله : ( لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الاب.من لا يكرم الابن لا يكرم الاب الذي ارسله)
اذن لقد رد المسيح على تهمة اليهود , و اثبت لهم أنه ليس معادلا لله , و لكن يا للعجب , يأتى النصارى فيستدلون بكلام اليهود الباطل و يتركون ما قيل على لسان المسيح .
إن كاتب إنجيل يوحنا لم يكن يؤمن أن المسيح معادل لله , و قد رد على تهمة اليهود عبر هذا الأسلوب الأدبى الذى يوضح فيه سوء فهم اليهود لكلام المسيح
لمزيد من الشرح و الإيضاح , أترككم مع مقال للعالم جيمس ماك جراث حول هذا النص , و كيف يفسر بطريقة صحيحة .
***********************************
الإبن المتمرد ؟ ...العالم " هوجو أوديبرج " وتفسير نص يوحنا 5-18
للعالم جيمس ماك جراث
ظهر حل للسؤال الصعب الخاص بكيفية تفسير يوحنا 5 – 18 مع نشر العالم " هوجو أوديبرج " Hugo Odeberg لعمله البارز و المعروف باسم " الإنجيل الرابع " فى عام 1929 م . استشهد " أوديبرج " بعبارة نسبها لأحبار اليهود فى وصفهم للإبن المتمرد بأنه " الشخص الذى يجعل نفسه مساويا مع أبيه " , و بالتالى اقترح " أوديبرج " أن اليهود هنا فى النص الذى أورده يوحنا يتهمون يسوع بهذه التهمة : أى أنهم يعتبرون يسوع متمردا على السلطة الإلهية . لقد استشهد العلماء لفترة طويلة بما قاله العالم " أوديبرج " باعتباره يكشف بوضوح خلفية و معنى النص الوارد فى يوحنا 5 – 18 , و بالتالى لكل الفقرة .
على الرغم من ذلك , ظهرت نقطة فارقة عندما كتب العالم " س . هـ . دود " C . H . Dodd عمله الأكبر على الإنجيل الرابع , و لم يستطع أن يحدد المصدر الذى استشهد به العالم " أوديبرج " . لسنا مندهشين من عجز العالم " س . هـ . دود " أن يجد الإقتباس , اذا عرفنا أن الإختصارات التى أوردها العالم " أوديبرج " فى الهامش لا تتوافق مع باقى الإختصارات الأخرى التى استخدمها فى كتابه . جرت محاولات للعثور على هذه العبارة باستخدام تكنولوجيا الكمبيوتر , و لكنها لم تثمر عن شىء . على الرغم من ذلك , ليس ثمة سبب يدعونا أن نعتقد أن العالم " أوديبرج " قد فبرك مصدرا غير موجود ليدعم رأيه . كذلك لا يبدو محتملا أن يكون الأمر بكل بساطة هو أن العالم " أوديبرج " قد تذكر النص بشكل غير صحيح , لأنه أحال فى الهامش الى مصدر النص , و لكنها إحالة غير صحيحة . ربما أن التفسير المنطقى هو أن العالم " أوديبرج " نفسه قد اعتمد على مصدر آخر و استقى منه معلومته , تماما كما أن كثيرا من العلماء اللاحقين قد اعتمدوا عليه . إن هذا يفسر لم أن هذا " الهامش " footnote يختلف عن باقى الإختصارات فى كتاب " أوديبرج " _ إنها أيضا مستقاة من كتاب آخر .
ليس مستحيلا أن يكون المصدر الذى اعتمد عليه العالم " أوديبرج " قد اقتبس بشكل خاطىء نصا مثل Genesis Rabbah 65.1 أو b.sanh 71 a , فكلاهما يستخدمان عبارات مشابهة , على الرغم من أن العبارات ليست بنفس المعنى الذى يستشهد به العالم " أوديبرج " . على أى حال , على الرغم من أن القراءات الخاطئة و – أو أخطاء الطباعة قد أوصلتنا الى هذا الإضطراب , إلا أنه يبدو مؤكدا جدا أن العبارة التى استشهد بها العالم " أوديبرج " لا توجد فى أى مصدر قديم من كتابات الأحبار .
و لكن على الرغم من أن العبارة التى استشهد بها " أوديبرج " تدعيما لفكرته غير موجودة , إلا أنه يبدو أنه كان محقا بنسبة كبيرة فى تخمينه عن الأهمية التى ستكون لهذا الجملة فى سياق العالم القديم , عندما ترتبط بالتصاوير التى تتناول علاقات " الأب – الإبن " .
هناك عديد من النصوص من تلك الفترة يمكن أن يستشهد بها كدليل على أن " البنوة " و " المساواة " ليسا أمرين متلازمين , بل بالأحرى غير متوافقين . يمكننا أن نسرد التالى كأمثلة :
كتب " إيبكتيتوس " Epictetus الفيلسوف الرواقى الذى عاش فى القرن الأول ما يلى :
ضع فى ذهنك أنك ابن . إن مهنة الإبن أن يتعامل مع كل شىء ملكه على أنه ملك لأبيه , و أن يطيعه فى كل شىء , و ألا يتكلم عنه بسوء لأى شخص آخر , و ألا يقول أو يفعل أى شىء يؤذيه , و أن يفسح له المجال فى كل شىء و أن يعطيه الصدارة , و أن يساعده بأقصى قوته .
و بنفس الطريقة , يقول بن سيراخ : من احترم أباه طالت أيامه ... و يخدم والديه بمنزلة سيدين له ... لا تفتخر بهوان أبيك فإن هوان أبيك ليس فخرا لك ... و من خذل أباه فهو بمنزلة المجدف .
يؤكد " فيلو " على التالى :
" إن الرجال الذى يهملون آباءهم عليهم أن يغطوا وجوههم خجلا ... لأن الأطفال لا يملكون شيئا يخصهم و ليس من ملك والديهم , الذين إما أنعموا بها عليهم مما لديهم , و إما جعلوهم قادرين على اكتسابها بأن زودوهم بالوسائل .
و كتب ميناندر السريانى : ( اسمع كل يوم لكلام أبيك و أمك , و لا تسع فى إغضابهم أو إهانتهم , لأن الإبن الذى يغضب و يهين أباه و أمه يعجل الله له الموت و البلية . أكرم أباك حسبما هو لائق ) . بعد ذلك ينقل قول أصدقاء " هوميروس " Homer يتساءلون ( ماذا يحدث لمن يضرب أباه ؟ ) , و يجيب " هوميروس " قائلا ( إن هذا لم يحدث , و بالتالى لا يمكن أن نأخذ هذا الأمر فى اعتبارنا , لأنه لا يوجد ابن يضرب أباه ) . إنه يشجب أيضا ( الذى يصلى من أجل موتك – يقصد موت الأب – لأنه بموتك ينال الإكرام و يحل موضعك و سيعتاش على أشيائك كما يحلو له ) , و يعتبره ابنا سيئا .
إن الكتب المقدسة العبرية تعبر عن نفس هذه الفرضيات التى تتعلق ب " البنوة " , فكما نرى فى سفر التثنية 21 – 18 أن " الإبن المتمرد " هو الذى " لا يسمع لقول أبيه و لا لقول أمه " .
إن النصوص التى سردناها تظهر لنا أن خضوع الأبناء للآباء كان أمرا محل اتفاق بشكل عام فى ثقافات منطقة البحر المتوسط فى القرن الأول الميلادى . و بالتالى يمكننا أن نستنتج بكل اطمئنان أن الإنسان الذى يجعل نفسه مساويا لأبيه , بمعنى أنه يدعى لنفسه صفات المجد الفريدة التى تخص أباه , سوف ينظر اليه على أنه " ابن متمرد " , و على أنه يتصرف بأسلوب لا يليق بإبن .
على الرغم من أننا لا نجد نفس التعبير بنفس الشكل الذى زعم العالم " أوديبرج " أنه موجود فى الأدبيات القديمة و الذى يعلق على أمر المساواة , إلا أن " أوديبرج " قد فسر العبارة الواردة فى إنجيل يوحنا بشكل صحيح : أى أنه اذا كان يسوع قد جعل نفسه مساويا للآب , اذن هو ابن متمرد . إن هذا يقترح أن الترجمة التقليدية للعدد 18 ربما تكون غير صحيحة بشكل كبير . إن هذا العدد يترجم عادة هكذا " بل قال أيضا إن الله أبوه , معادلا نفسه بالله " ( الترجمة الحرفية : جاعلا نفسه معادل الله ) على أن المساواة " تعتبر أمرا بدهيا مرتبطا ب " البنوة " . على الرغم من ذلك , ففى ضوء الأدلة التى سقناها , يبدو أنه من الأفضل أن نعتبر اسم الفاعل " جاعلا " فى موضع " اسم الفاعل التناقضى " (1) concessive participle , و هذا يعنى أن العبارة يكون معناها كالتالى ( قال أن الله أبوه , و لكنه على الرغم من ذلك جعل نفسه معادلا لله ) .
لقد ادعى يسوع أنه ابن الله , و اليهود يتهمونه أنه يتصرف بطريقة لا تتوافق مع البنوة , لأنه يدعى لنفسه صفات أبيه الفريدة , أى أن اليهود يتهمون يسوع بأنه يتصرف بطريقة تكذب و تتناقض مع ما يقوله بلسانه , أى أنه يقول شيئا ما بينما يتصرف بشكل آخر , و يتهمونه بتناقض سلوكه مع دعاواه .
إن هذا التفسير لا يتوافق فقط مع الخلفية الثقافية لهذه الفترة , بل و أيضا مع الرد الذى قاله يسوع بعد ذلك .إن الرد الذى قاله يسوع فى إنجيل يوحنا ردا على هذا الإتهام الذى اتهمه له اليهود , يتوافق بإمتياز مع التفسير الذى اقترحناه للعدد رقم 18 .
فى الأعداد 19 – 30 , يُصوّر يسوع على أنه يؤكد أن الإبن لا يستطيع أن يفعل شيئا من نفسه , إلا ما ينظر الآب يفعل . إن كاتب الإنجيل الرابع يستشهد بالمبدأ الذائع القبول فى ثقافته المعاصرة , المبدأ الذى يقول أن الإبن المطيع يقلد أباه . و بالتالى اذا فعل يسوع ما يفعله أبوه , يظهر اذن أنه ليس ابنا متمردا أو ابنا عاصيا , بل ابنا مطيعا . فقط اذا كان يسوع لا يفعل ما يفعله أبوه , حينها يكون ابنا عديم الإحترام و عاصيا . و لأن الإبن قد عينه الآب كوكيل عنه , فيجب أن يُحترم كما لو أنه هو الشخص الذى أرسله , كما لو كان هو الآب نفسه .
و بالتالى يبدو أن كاتب إنجيل يوحنا يرغب فى أن يؤكد على أنه من ناحية معينه لم يكن يسوع ابنا متمردا : فهو لم يجعل نفسه معادلا لله . إن يسوع بفعله ما يفعله الآب يظهر طاعته و ليس عصيانه . و بصفته وكيل الآب , فإنه " يعمل " functions بشكل مساو لله : أى أنه يحمل كامل سلطة الآب , و بالتالى إكرامه أو إهانته و طاعته أو عصيانه , هو طاعة أو عصيان للآب الذى أرسله .
و بالتالى يمكننا أن نستنتج أنه بينما أسس العالم " أوديبرج " تفسيره على نص غير موجود فى كتابات أحبار اليهود , إلا أنه اقترب بشدة من معنى النص : و هو أن اليهود اتهموا يسوع بأنه ابن متمرد , و لكن يسوع ينكر هذا حسبما يخبرنا إنجيل يوحنا .
____________________________________
(1) concessive participle : يأتى بمعنى " على الرغم من " .
المصدر :
New Test. Stud. vol. 44,1998, pp. 470-473
A rebellious son? Hugo Odeberg and the
interpretation of John 5.18
تعليق