بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهمَّ صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سورة «الفاتحة» (1من3) من تفسير د. عمر الأشقر (1) للقرآن الكريم
الحمد لله الذي أنزل على عبده ورسوله محمد [ خير الكتب وأفضلها، وهو القرآن الكريم؛ فأعزنا به، وأكرمنا، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس،
والصلاة والسلام على المصطفى المختار محمد صلوات الله وسلامه عليه، الذي أنزل عليه كتابه العظيم، وجعل كتابه خُلقه الذي تخلق به،
وعلى آله الأبرار وصحبه الأخيار الذين تلقوا كتاب الله عن نبيهم فحفظوه، وفقهوه،
وعلى من سار مسارهم وسلك سبيلهم، وبعد:
فقد قامت في نفسي رغبة قوية منذ سنوات بعيدة في تفسير كتاب الله تعالى، ولم تزل هذه الرغبة تقوى وتشتد حتى أذن الله تعالى بالأخذ بالتفسير منذ عامين،
وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا التفسير بركات تحلُّ في نفسي، ويهدي بها الله قلبي، ويحشرني بها ربي في زمرة الذين فقهوا كتابه، وعملوا به، ودعوا إليه،
فذاك السؤدد والعز والشرف. وقصدي من وراء هذا التفسير تجلية معاني القرآن بأوضح عبارة بعيداً عن التعقيد والمصطلحات النحوية والبلاغية والأصولية وغيرها،
فهو تفسير لمتوسط الثقافة، تشف ألفاظه عن معانيه، أعتمد فيه على
تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسنة،
ثم بأقوال الصحابة، ومن سار على إثرهم من علماء التابعين وأبنائهم،
بعيداً عن منهج الفرق التي ابتدعت عن المنهج الأصيل من المعتزلة والخوارج والشيعة والمرجئة ونحوهم.
ولسهولة تناول سور القرآن؛ قسمت كل سورة من سوره إلى نصوص، يضم النص الواحد في الأغلب الأعم أربع خطوات،
الأولى: مقدمة للنص.
والثانية: آيات النص القرآني.
والثالثة المعاني الحسان لتفسير آيات النص الذي أتناوله.
والرابعة: ما تهدي إليه آيات النص من علم وعمل.
وقد آثرتُ مجلة «المجتمع» الغراء بنشر هذا التفسير في حلقات متتابعة على صفحاتها، فقد كان لي بها صلة قوية منذ صدورها،
ونشرت فيها كثيراً مما خطه قلمي، وسيستمر نشر هذا التفسير في مجلة «المجتمع» إلى أن يقدر الله تعالى إتمامه، ثم طبعه، والله المستعان.
سورة الفاتحة
سورة الفاتحة مكونة من سبع آيات، وكلماتها خمس وعشرون كلمة، وعدد حروفها ثلاثة عشر ومائة حرف،
وهي أولى سور القرآن الكريم، وهي أفضل سور القرآن، فهي أفضل من سورة «البقرة»، وأفضل من سورة «آل عمران»، بل هي أفضل ما نزل من السماء،
وهي أساس القرآن وجامعة معانيه، وهي «السبع المثاني والقرآن» الذي آتاه الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم
[، قال تعالى: {لّقّدً آتّيًنّاكّ سّبًعْا مٌنّ پًمّثّانٌي الًقٍرًآنّ پًعّظٌيمّ }(الحجر). وهذه الآية مكية باتفاق العلماء،
فدلَّ ذلك على أنَّ سورة «الفاتحة» مكية النزول، لأن الله امتنَّ بهذه الآية على رسوله [، والامتنان إنما يكون بما نزل،
ويدلُّ على نزولها في مكة أن «الفاتحة» مرتبطة بالصلاة، فلا تصحُّ الصلاة إلا بها، والصلاة فرضت في مكة.
أسماء هذه السورة وتسمى هذه السورة بـ: «فاتحة الكتاب»، و«أم الكتاب»، و«أم القرآن»، و«الحمد»، و«السبع المثاني»، و«القرآن العظيم».
أسباب تسميتها بهذه الأسماء: أ- وقد سماها الرسول صلى الله عليه وسلم [ بـ«فاتحة الكتاب» في حديث عبادة بن الصامت، في قوله: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»(البخاري: 756، ومسلم: 394)،
وسميت بفاتحة الكتاب لافتتاح المصاحف بها، ولأنَّ الذي يتلو القرآن يفتتح التلاوة بها.
ب- وسماها الرسول [ في حديث سعيد بن المعلى بـ«السبع المثاني والقرآن العظيم»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[: «هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته»(البخاري: 4703).
سماها بـ«السبع المثاني»، لأنها تثنى في كل ركعة من ركعات الصلاة، أي تكرر فيها.
جـ- وسميت بـ«أمّ الكتاب»، لأنها تجمع علوم القرآن، وكلياته الأساسية في العقيدة والتصور والمشاعر والتوجهات، والعرب -
كما يقول ابن جرير - تسمي «كل جامعٍ أمراً، أو مقدماً لأمر أمّاً، إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمام جامع» (ابن جرير الطبري: 1/48). د-
وسماها رسولنا [ بـ«الحمد» في الحديث الذي رواه عنه أبو هريرة، ونصه: «الحمد لله، وأم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني»(الترمذي: 3124).
وسميت بـ«الحمد»؛ لأنها مفتتحة بهذه الكلمة،
وذكر السيوطي أن أسماءها تزيد على عشرين اسماً، وذكر من أسمائها:
«الصلاة، والشفاء، والرقية، والأساس، والوافية، والكافية»(قطف الأزهار: ص106).
والصواب الاقتصار في عدّها على ما ورد في النصوص، والله أعلم.
فضائلها
لـ«الفاتحة» فضائل كثيرة، ثبتت في الكتاب والسنة، فمن ذلك: -
«الفاتحة» هي المقصودة بقوله تعالى: {$ّلّقّدً آتّيًنّاكّ سّبًعْا مٌَنّ پًمّثّانٌي $ّالًقٍرًآنّ پًعّظٌيمّ >87<}
، وقد صرح الرسول صلى الله عليه وسلم [في حديث أبي سعيد المعلى، وحديث أبيّ بن كعب
، وقد صرح الرسول صلى الله عليه وسلم [في حديث أبي سعيد المعلى، وحديث أبيّ بن كعب
بأن «الفاتحة» هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي آتاه الله إياه، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن الرسول [ قال: «أمُّ القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم»(البخاري: 4704).
وإنما كانت «الفاتحة» هي السبع المثاني، لأنها سبع آيات تثنى في كل ركعة من ركعات الصلاة فريضة كانت أو تطوعاً. -
«الفاتحة» أحد أعظم نورين أوتيهما الرسول صلى الله عليه وسلم[ لم يؤتهما نبي من قبله،
وقد أخبر الرسولَ صلى الله عليه وسلم [ بذلك ملكٌ نزل من السماء، لم ينزل قبل ذلك اليوم، من باب لم يفتح قبل ذلك اليوم.
روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس، قال: «بينما جبريل قاعد عند النبي [ سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه فقال: «هذا باب من السماء فُتح اليوم، لم يُفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أُوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته»(صحيح مسلم 806).
وقد دل هذا الحديث على فضل نور سورة «الفاتحة»، ونور خواتيم سورة «البقرة»، وسيأتي نور سورة الفاتحة أفضل من نور خواتيم سورة البقرة.
أفضل القرآن: دل أكثر من حديث على أن سورة «الفاتحة» أفضل ما نزل من القرآن،
فقد روى البخاري عن سعيد بن المعلى، قال: «مرّ بي النبي صلى الله عليه وسلم [ وأنا أصلي، فدعاني فلم آته حتى صليت، ثم أتيت، فقال: «ما منعك أن تأتيني؟» فقلت: كنت أصلي، فقال: «ألم يقل الله: {يّا أّيَهّا پَّذٌينّ آمّنٍوا اسًتّجٌيبٍوا لٌلَّهٌ ولٌلرَّسٍولٌ إذّا دّعّاكٍمً لٌمّا يٍحًيٌيكٍمً}(الأنفال:24)»،
ثم قال: «ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن قبل أن أخرج من المسجد؟» فذهب النبي [ ليخرج من المسجد فذكرته، فقال: {الًحّمًدٍ لٌلَّهٌ رّبٌ العّالّمٌينّ (2)}(الفاتحة)، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته»(البخاري: 4703، وانظر رقم: 4647، 5006)، فهذا الحديث صريح في أن «الفاتحة» هي أعظم سورة في القرآن. -
وجاءت بعض النصوص دالة على أن «الفاتحة» أفضل ما نزل من عند الله في الكتب كلها،
ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم [ خرج على أُبيّ بن كعب، فناداه الرسول [ قائلاً: «يا أُبيّ» وهو يصلي، فالتفت أُبيّ ولم يجبه، وصلى أُبيّ، فخفف، ثم انصرف إلى رسول الله [ فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال رسول الله [: «وعليك السلام، ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك؟» فقال: يا رسول الله، إني كنت في الصلاة، قال: «أفلم تجد فيما أوحى الله إليّ أن {يّا أّيهّا الذٌينّ آمّنٍوا اسًتّجٌيبٍوا لٌلَّهٌ ولٌلرَّسٍولٌ إذّا دّعّاكٍمً لٌمّا يٍحًيٌيكٍمً}»،
قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله. قال: «أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها»، قال: نعم يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[: «كيف تقرأ في الصلاة؟» قال: فقرأ «أم القرآن»،
قال: بلى، ولا أعود إن شاء الله. قال: «أتحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها»، قال: نعم يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم[: «كيف تقرأ في الصلاة؟» قال: فقرأ «أم القرآن»،
فقال رسول الله [: «والذي نفسي بيده ما أُنزل في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته»(الترمذي: 2875، وقال فيه: هذا حديث حسن صحيح. وأورده الألباني في صحيح سنن الترمذي: ورقمه: 2307).
وهاتان واقعتان، جرت كل واحدة منهما مع صحابيّ، وقرر الرسول صلى الله عليه وسلم[ في الأولى أن «الفاتحة» أفضل سور القرآن،
وفي الثانية أنها أفضل ما أنزل في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن،
فهما فضيلتان، لا فضيلة واحدة.
شفاء من الأمراض - القرآن شفاء، و«الفاتحة» فيها من الشفاء ما ليس في غيرها، فعن أبي سعيد قال: انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [ في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم،
فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لُدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟
فقال بعضهم: نعم والله، إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم،
فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الًحّمًدٍ لٌلَّهٌ رّبٌ العّالّمٌينّ (2)}، فكأنما نُشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلبَة.
فلُدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لُدغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟
فقال بعضهم: نعم والله، إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحوهم على قطيع من الغنم،
فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الًحّمًدٍ لٌلَّهٌ رّبٌ العّالّمٌينّ (2)}، فكأنما نُشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلبَة.
قال: فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسِموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم [ فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا، فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم[ فذكروا له،
فقال: «وما يدريك أنها رقية»، ثم قال: «قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهماً»، فضحك النبي [ (البخاري: 2276، ومسلم: 2201).
والحديث واضح الدلالة على شفاء ذلك الرجل اللديغ بقراءة ذلك الصحابي «الفاتحة» عليه.
يتبع بإذن الله
(1) من هو الدكتور عمر الأشقر ؟
باختصار نقول :
الشيخ الدكتور عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (ولد في نابلس، فلسطين سنة 1940) هو أحد علماء الدين السنة ويشغل حالياً منصب أستاذ في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية في عمان، الأردن
باختصار نقول :
الشيخ الدكتور عمر بن سليمان بن عبد الله الأشقر (ولد في نابلس، فلسطين سنة 1940) هو أحد علماء الدين السنة ويشغل حالياً منصب أستاذ في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية في عمان، الأردن
خرج الأشقر من فلسطين وهو ابن ست عشرة سنةٍ، إلى المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، وأكمل دراسته الثانويَّة العامَّة هناك، ثمَّ أكمل الدراسة في الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة، وحصل على البكالوريوس من كليَّة الشريعة، ومكث فيها فترةً من الزمن، ثمَّ غادر إلى الكويت عام 1966م، واستكمل الأشقر رحلته العلميَّة بدراسة الماجستير في جامعة الأزهر، ثمَّ حصل على الدكتوراه من كليَّة الشريعة بجامعة الأزهر عام 1980م، وكانت رسالته في "النيَّات ومقاصد المكلَّفين" في الفقه المقارن، وعمل مدرسًا في كليَّة الشريعة بجامعة الكويت.
بقي الشيخ بالكويت حتى عام 1990م، ثمَّ خرج منها إلى المملكة الأردنيَّة، فعُيِّن أستاذًا في كليَّة الشريعة بالجامعة الأردنيَّة، وحالياً لا يزال يشغل هذا المنصب. وكان عميد كلية الشريعة بجامعة الزرقاء سابقا
بقي الشيخ بالكويت حتى عام 1990م، ثمَّ خرج منها إلى المملكة الأردنيَّة، فعُيِّن أستاذًا في كليَّة الشريعة بالجامعة الأردنيَّة، وحالياً لا يزال يشغل هذا المنصب. وكان عميد كلية الشريعة بجامعة الزرقاء سابقا
قال العلامة (محمد إسماعيل المقدَّم) -حفظه الله تعالى-:
"إذا وجدت كتابًا عليه اسم (د. عمر الأشقر) فلا تنظر إلى اسم الكتاب، واشتره فورًا، وإلا سيفوتك خير كثير" اهـ كلامه بمعناه من سلسلته «المنهج العلمي».
تعليق