فسأله رئيس الكهنة أيضا و قال له : " أ أنت المسيح بن المبارك ؟ " , فقال يسوع : " أنا هو , و سوف تبصرون بن الإنسان جالسا عن يمين القوة , و آتيا فى سحاب السماء " , فمزق رئيس الكهنة ثيابه و قال : " ما حاجتنا بعد الى شهود ؟ قد سمعتم التجاديف , ما رأيكم " , فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت . ( مرقص 14 - 61 الى 64 )
اذا نحينا جانبا المشكلات التى يألفها أى شخص درس هذه الفقرة بحرص , يمكننا أن نركز على مشكلة " التجديف " التى قال بها رئيس الكهنة ( مرقص 14 – 64 ) . اذا كان لهذا الإتهام اصالة تاريخية بالفعل , على الرغم من أن العديد يشكون فى هذا , فما الذى دفع اليه ؟
إن الإجابة الواضحة من سياق القصة نفسها هو ما قيل عن " ابن الإنسان " , التى ربما يشير فيها يسوع لنفسه مستخدما رؤيا دانيال . لأنه فى هذه الحاله , يُمكن أن يُحمل القولُ على أن يسوع يدعى أنه هو الشخص الذى أتم دور " الشبيه بإبن الإنسان " ( دانيال 7 – 13 ) فى أخذ العرش الثانى بجوار قديم الأيام فى السماء ( 7 – 9 الى 14 ) .
هناك ما يقال بخصوص هذا الإقتراح أكثر مما تراه العين لأول وهلة . إننا نعلم أن شكلا ما من الميستيكية كان يمارس فى يهودية الهيكل الثانى المتأخرة , تركز على وجه الأخص على عرش الله ( حزقيال 1 ) . إننا نعلم أنه حتى بعد ذلك بقرن من الزمان , اتهم الحبر أكيبا بأنه يدنس محضر الله بسبب تأمل مثل هذا _ لأنه ادعى أن العرش الثانى ( الوارد ذكره فى دانيال 7 – 9 ) مخصص للمسيا . أيضا , هناك تقليد مثير عن أكيبا عن أربعة اشتركوا فى تجربة مستيكية دخلوا فيها الى الفردوس ( 1 . Hag . 2.3 – 4 ) . أحد الثلاثة الآخرين قيل عنه أنه قد نادى الشخص الثانى الجالس على العرش بأنه القوة الثانية فى السماء , و لهذا فإن تقليد الأحبار يدينه و يعتبره أحد رؤساء الهراطقة , لأنه أنكر البديهية اليهودية التى تقول بوحدة – وحدانية الله .
هل يمكن اذن أن يكون ما قاله يسوع قد فهم بنفس هذه الطريقة , و اعتبر هرطقة لأنه ادعى مكانة تخص الله فقط , و بالتالى يكون بهذا منكرا لوحدة الله , و منكرا لأول مبدأ يقوم عليه الدين اليهودى ؟
إن المشكلة التى نقابلها اذا قلنا بهذا الكلام , هو أنه يتحتم علينا أن نفترض أنه كان هناك ثمة حساسية بخصوص وحدة الله ( الوحدانية وفق هذا المعنى ) , و هو الأمر الذى لا نجد شاهدا له إلا الفترة التى أعقبت عام 70 م . هذه هى الفترة التى بدأت فيها " اليهودية الأحبارية " Rabbinic Judaism الوليدة تحدد ما الذى تعنيه اليهودية من وجهة نظرها بشكل أدق , من أجل إقصاء الأشكال الأخرى من اليهودية التى ازدهرت قبل ذلك إبان فترة الهيكل الثانى المتأخرة . لقد قامت " اليهودية الأحبارية " برسم حدود ضيقة بهدف إنشاء " يهودية تتمركز حول التوراة " , و بالتالى جرى أيضا تنحية ذلك النوع من التأملات التى نجدها فى الكتب الرؤوية اليهودية و التى تتحدث عن الإله و وكلائه السمائيين . على العكس , فإن هذه النوعية من التأملات التى جرى تنحيتها بعد ذلك ربما كان الرفض الذى يقابلها أقل حدة قبل عام 70 م .
كل هذا ذو علاقة مباشرة ( و لو أنه أمر متنازع عليه ) بالحجة القائلة بأن يسوع قد اعتمد بالفعل على رؤيا دانيال كطريقة يتصور بها ثقته فى تبرير الله ( هذا هو كل الغرض الذى يستهدفه دانيال 7 ) . لأنه فى مثل تلك الحالة , مثل هذا الإستخدام لدانيال 7 ربما لم يكن أمرا استثنائيا فى عصر يسوع . و بأكثر دقة , فليس بالضرورة أن هذه الإشاره الى دانيال 7 قد أطلقت أجراس الإنذار لمن يؤمنون بعقيدة التوحيد .
و حتى لو بالغنا , و قلنا أن قول يسوع هذا يمثل خروجا عن وعيه الذاتى المعتاد , فعلينا ألا ننسى أن هذا قد سجل كآخر اقوال يسوع التى قالها على الملأ , و أن هذا ليس أى نوع من تعديل ( أو تفنيد ) لعقيدة التوحيد التى عبر عنها يسوع بشكل أكثر وضوحا فى مرحلة أقدم من كرازته . و علينا ألا ننسى أن أكثر قول مشهود له من أقوال يسوع بعد ما ورد فى مرقص 14 – 62 و قبل موته , هو ما ورد فى مرقص 15 – 34 ( الوى , الوى , لم شبقتنى ) أى الهى الهى لماذا تركتنى ؟
__________________
المصدر :
Early Jewish and Christian monotheism: edited by Loren T. Stuckenbruck ,Wendy E. Sproston North , Was Jesus a monotheist , James dunn , pages 117 - 119
تعليق