حول الإسلام والاخر كلمة المرصد بقلم خالد حربي
ما فتئت بعض الدوائر الإعلامية المشبوهة في الداخل والخارج تتعرض للإسلام بعد كل حادث أو اعتداء على الأقباط وتطالب بتخفف الخطاب الديني وتنحية الإسلام عن المجتمع حتى يستريح بال الكنيسة وتهدئ حامية الأقباط الثائرة وتعزف أبواق الطائفية على وتر قبول الأخر باعتباره الحلقة الغائبة عند الإسلام وأهله .
وشعار "قبول الأخر" على غرابته وغموضه لا يحتاج المسلمون إلى التمسح بعباءته ففي دينهم الكفاية كما قال تعالى "وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً "
وبداية لابد لنا من تصحيح مصطلح الأخر ؟
وهو مصطلح وافد على الشريعة الإسلامية
فالأخر مصطلح يكيل الناس بمكيل المغايرة المطلقة بغض النظر عن مدي هذه المغايرة وعن خطورتها أو قربها , ,إنما هو أخر وحسب
وهذا المعني العنصري لا يوجد في الإسلام ،فالإسلام يحدد العلاقة بالبشر على أساس علاقتهم بربهم . والأخر في الإسلام ليسوا سواء ،فهناك أهل الكتاب والوثنين والمرتدين والملاحدة ..
وهؤلاء لا ينظر الإسلام إليهم نظرة واحدة في كل الأمور
وان كانت هناك أصول عامة تعامل الإسلام بها مع غير المسلمين , لكنه لا تساوي بينهم في كل الأحوال بل حتى أبناء الطائفة الواحدة لا يعاملهم الإسلام معاملة واحدة
قال تعالى "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ " ال عمران (113)
وهذا من قمة عدل الإسلام ورحمته , فهو لا يعامل الناس أبدا بغير ما كسبوه و ولا يؤاخذهم بأفعال غيرهم حتى لو كانوا من ملتهم وشيعتهم .
وبعيدا عن هذا المصطلح المضلل الذي يريد به الأعداء هدم هذا الميزان الرباني للشريعة الإسلامية .
نجد أن الإسلام قد سن لكل المخالفين له أصول عامة يحكمها العدل في التعامل معهم
و من هذه المفاهيم :
- أن الاختلاف واقع لا محالة ولا سبيل لإنهائه عن طريق محو المخالفين أو إجبارهم على ترك معتقداتهم
?ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين^إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ? ( هود : 118– 119). والتاريخ يشهد أن المسلمين طوال تاريخهم العظيم لم يعمدوا إلى إجبار الشعوب أو الأفراد على اعتناق دينهم ، فقد أيقنوا أن اختلاف البشر في شرائعهم واقع بمشيئة الله تعالى ومرتبط بحكمته، أدرك المسلمون أن هداية الجميع من المحال، وأن أكثر الناس لا يؤمنون، وأن واجبهم الدأب في دعوة الناس إلى الحق وطلب أسباب هدايتهم. فقد أخبرهم الله بأن مهمتهم هي البلاغ فحسب، وأنه تعالى هو من يتولى حساب المعرضين في الآخرة، قال الله مخاطباً نبيهr: ? فإن تولوا فإنما عليك البلاغ? (النحل: 82). وقال: ?فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ بالعباد? (آل عمران: 20)، ?ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين? (يونس: 99). -ومن هذه الأصول أيضا تحديد معايير الأفضلية حتى لا يتسرب إلى نفوس هؤلاء انهم واقعون تحت تميز عنصري وضع الإسلام ميزان التفاضل في الدنيا والآخرة , وهو العمل الصالح وحده
?لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً? (المائدة: 48)،
"لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا " النساء 123
-و منها كذلك عدم الإكراه ولو حتى على الإيمان إن الإسلام يرفض إسلام المكره لأسباب بسيطة واضحة، منها أن المكره ليس بمؤمن حقيقة، ولا تلزمه أحكامه في الدنيا، ولا ينفعه ذلك في الآخرة، ومنها أن ذلك ليس مقتضى الحكمة والمشيئة الإلهية.
وأعلنها صريحة: ? لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي? (البقرة: 256) ،
? وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها? (الكهف: 29).
وقد شهد المؤرخون بالتزام المسلمين بتعاليم دينهم في هذا الصدد،
يقول المفكر الأسباني بلاسكوا أبانيز في كتابه "ظلال الكنيسة" متحدثاً عن الفتح الإسلامي للأندلس: "لقد أحسنت أسبانيا استقبال أولئك الرجال الذين قدموا إليها من القارة الإفريقية، وأسلمتهم القرى أزمتها بغير مقاومة ولا عداء، فما هو إلا أن تقترب كوكبة من فرسان العرب من إحدى القرى؛ حتى تفتح لها الأبواب وتتلقاها بالترحاب .. كانت غزوة تمدين، ولم تكن غزوة فتح وقهر .. ولم يتخل أبناء تلك الحضارة زمناً عن فضيلة حرية الضمير، وهي الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب، فقبلوا في المدن التي ملكوها كنائس النصارى وبيع اليهود، ولم يخشَ المسجد معابد الأديان التي سبقته، فعرف لها حقها، واستقر إلى جانبها، غير حاسد لها، ولا راغب في السيادة عليها".[1] ويقول المؤرخ الإنجليزي السير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام":
"لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة ، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة ، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة ، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح ".[2] وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: "العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها؛ سمح لهم جميعاً دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أو ليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومتى؟".[3] يقول المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون: "إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن ، فقد ترك العرب المغلوبين أحراراً في أديانهم .. فإذا حدث أن انتحل بعض الشعوب النصرانية الإسلام واتخذ العربية لغة له؛ فذلك لما كان يتصف به العرب الغالبون من ضروب العدل الذي لم يكن للناس عهد بمثله، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم تعرفها الأديان الأخرى".[4]
المؤرخ وول ديورانت يقول: "وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة اعتنق الدين الجديدَ معظمُ المسيحيين وجميع الزرادشتيين والوثنيين إلا عدداً قليلاً منهم .. واستحوذ الدين الإسلامي على قلوب مئات الشعوب في البلدان الممتدة من الصين وأندنوسيا إلى مراكش والأندلس، وتملك خيالهم، وسيطر على أخلاقهم، وصاغ حياتهم، وبعث آمالاً تخفف عنهم بؤس الحياة ومتاعبها".[5] وهكذا تسامح الإسلام مع غير المسلمين أحد أسباب انتشار الإسلام في الأرض وبعد الفتوحات لم يتغير خلق المسلمين بل لقد زاد عليها التراحم والتواد مع غيرهم
-منها أيضا التراحم الاجتماعي بين المسلمين وغيرهم قال الله تعالى: ?لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين? (الممتحنة: 8).
والبر فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله " البر حسن الخلق "
-كذلك أوجب القرآن حسن العشرة وصلة الرحم حتى مع الاختلاف في الدين ، فقد أمر الله بحسن الصحبة للوالدين وإن جهدا في رد ابنهما عن التوحيد إلى الشرك، فإن ذلك لا يقطع حقهما في بره وحسن صحبته: ?وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً? (لقمان: 15). ولما جاءت أسماء بنت الصديق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: يا رسول الله ، قدمت عليّ أُمّي وهي راغبة ، أفأَصِلُ أُمي؟ فأجابها الرحمة المهداة : ((صِلِي أُمَّك)).[6] ومن البر والتسامح الذي لا يمنعه اختلاف الدين عيادة المريض ، فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم عمه الكافر أبا طالب في مرضه[7]، وعاد أيضاً جاراً له من اليهود في مرضه، فقعد عند رأسه.[8] وقد أهدى النبيr هدايا إلى بعض غير المسلمين، لما للهدية من أثر في كسب القلوب واستلال الشحناء؛ فقد أهدى إلى أبي سفيان تمر عجوة، وهو بمكة،، كما قبِل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا الملوك إليه، فقِبل هدية المقوقس، وهدية ملك أيلة أكيدر، وهدية كسرى.[9] و قبِل صلى الله عليه وسلم دعوة زينب بنت الحارث اليهودية، حين دعته إلى شاة مشوية في خيبر[10]، كما قبِل وأجاب دعوة يهودي دعاه إلى خبز شعير وإهالة سنخة.[11] و حين يقع العداء بين والمسلمين وبين أعدائهم لم يترك الإسلام النفوس تتحكم بها العداوة بل صبغها بحكمته وضبطها بعدله فامرهم بالعدل الذي لا يغلبه العداون ولا تتجاوزه الخصومة
قال الله تعالى قال تعالى: ? يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى? (المائدة: 8).
يقول الدكتور نظمي لوقا وهو نصراني مصري : "ما أرى شريعة أدعى للإنصاف، ولا أنفى للإجحاف والعصبية من شريعة تقول: ?وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ? (المائدة: 8)، فأي إنسان بعد هذا يكرم نفسه وهو يدينها بمبدأ دون هذا المبدأ، أو يأخذها بدين أقل منه تسامياً واستقامة".[12]
إن أمثال هذه المواقف وتكرارها دفع بطريك بيت المقدس في القرن التاسع للقول عن العرب في كتابه إلى بطريرك القسطنطينية: "إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف".[13] ويقول مع جوستاف لوبون في كتابه "حضارة العرب": "الإسلام من أكثر الأديان ملاءمة لاكتشافات العلم، ومن أعظمها تهذيباً للنفوس وحملاً على العدل والإحسان والتسامح".[14] ويقول الدكتور لويس يونغ في كتابه "العرب وأوروبا" حين قال: "إن أشياء كثيرة لا يزال على الغرب أن يتعلمها من الحضارة الإسلامية منها نظرة العرب المتسامحة وعدم تمييزهم فروق الدين والعرق واللون".[15] هذا هو الإسلام العظيم وهذا هو شيء من نوره وهديه في معاملة غير المسلمين , فهل بحث غير المسلمين عن ماذا يؤمرون في مخالفيهم ؟!
سؤال يجبه صرخات المضطهدين عبر تاريخ البشرية
[1]فن الحكم في الإسلام، مصطفى أبو زيد فهمي (387).
[2]الدعوة إلى الإسلام (51).
[3]شمس العرب تسطع على الغرب (364) .
[4]حضارة العرب (127).
[5]قصة الحضارة (13/133).
[6]أخرجه البخاري ح (2620)، ومسلم (رقم 1003).
[7]أخرجه أحمد ح (2009) ، والترمذي ح (3232).
[8]أخرجه البخاري ح (1356).
[9]انظر البخاري ح (1482)، وأحمد ح (749).
[10]أخرجه البخاري ح (2617)، ومسلم (2190).
[11]أخرجه أحمد ح (12789).
[12]محمد الرسالة والرسول (26).
[13]شمس العرب تسطع على الغرب (364).
[14]حضارة العرب (126).
[15]قالوا عن الإسلام، عماد الدين خليل (326).
تعليق