حول تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم ومشاركتهم فيها
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى أله وأصحابه ومن والاه وبعد
فإن احتفال المسلم بأي عيد من الأعياد على وفق احتفاله بأحد العيدين المشروعين له- الفطر والأضحى- بأي شكل من الأشكال هو حرام شرعا، ومن فعله كان آثما عند الله تعالى، وذلك لأنه من باب التشبه بالكافرين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود. كما أن الأمة قد أجمعت على أنه ليس للمسلمين إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، والأعياد هي من شعائر الدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا" رواه البخاري، حتى لو كان مثل هذا الاحتفال مجردا عن المحرمات، ويكون أشد حرمة إذا اشتمل على محرم، من شرب الخمر، والاختلاط المحرم، وارتكاب الفواحش وغيرها من المحرمات، فعيد رأس السنة الميلادية عيد لغير أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لهم أن يحتفلوا به وأن يؤمن لهم حقهم فيه، ولكن ليس للمسلم أن يشاركهم لاحتفال به لأن الأعياد كما ذكرنا من شعائر الدين.
وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: من تأسى ببلاد الأعاجم , وصنع نيروزهم ومهرجانهم – عيدهم - وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة
أما تهنئة المسلمين للنصارى بعيد رأس السنة الميلادية، فمع ما فيه من خلاف فقهي فإننا نميل إلى القول بالجواز بشروط نذكرها بعد أن نبين مناط الخلاف
فمن العلماء من ذهب إلى القول بالتحريم ؛ باعتبار أن في التهنئة إقرارا على الكفر، والتهنئة بالكفر أقل ما فيها أنها محرمة.
وذهب فريق آخر إلى جواز تهنئة النصارى بعيد رأس السنة الميلادية ما لم يشتمل على محرم، كالاشتراك معهم في طقوس الاحتفال في الكنسية، أو ارتكاب محظور شرعي؛ احتفالا بهذا اليوم، فإن خلا من الأمور المحرمة فهو جائز.
وإننا إذ تؤكد على حرمة الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية، فإننا نرى جواز تهنئة النصارى بهذا العيد إن خلا من المحرمات. مع ضرورة مراعاة ما يلي:
أولا: يجب أن تخلو تلك التهنئة من أي شكل من ألأشكال التي يفهم منها إقرار بعقيدتهم، فهي تهنئة يجب أن تخلو من ذلك.
الشرط الثاني: ألا يكون في التهاني آيات قرآنية؛ - خاصة ما كان بطاقة - صيانة لها من أن يصيبها محظور، إذ من المعلوم أن مثل تلك البطاقات هي غير محترمة عندهم.
الشرط الثالث: ألا يحضر المهنئ طقوسا من طقوسات احتفالاتهم، ومنها الذهاب إلى الكنيسة ونحوها لما يكون فيها من إعلان الكفر واستعلائه الذي لا يتفق وما ندين به، وقد قال صلى الله عليه وسلم " ولا تدخلوا على النصارى في كنائسهم يوم أعيادهم فإن السخط يتنزل عليهم". أخرجه الترمذي
الشرط الرابع: ألا تكون تلك التهنئة مصحوبة بمحرم، كتقديم خمر وصليب ونحو ذلك.
الشرط الخامس: ألا تشتمل ألفاظ التهنئة على ما يفهم منه أنه إقرار من المسلم لما هم فيه من باطل مما يناقض ما يؤمن به المسلم ، فلا تتجاوز تلك التهنئة ما ينصرف منها إلى غير الدلالة الاجتماعية دون الدينية من مثل قولنا لهم "كل سنة وأنتم طيبون، أو وأنت طيب"، فمثل ذلك لا نرى به إن شاء الله بأسا.
الشرط السادس: أن تقتصر التهنئة على الأعياد التي لا تتمحض المعاني فيها لما نعده كفرا وإن مناسبة مولد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل السلام لا تتعلق كلها بكفر، وإنما الاحتفال بها قد أضحى مناسبة اجتماعية فيها من الدلالة على بشريته عليه السلام ما يهدم عقيدة تأليهه، أما الأعياد التي تتمحض للكفر والشرك فلا يجوز التهنئة بها بأي حال من الأحوال .
والأدلة على جواز التهنئة بالشروط المذكورة ما يلي:
الأول: أنه لم يرد نص قطعي في تحريم التهنئة، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال؛ سقط به الاستدلال كما هو مقرر عند الأصوليين ، أي أنه لا يكون ملزما للطرفين، ومما استدل به المانعون قوله تعالى: ( والذين لا يشهدون الزور) قالوا: هي أعياد الكفار، وهو تفسير لا يسلم من خدش لأن الزور يطلق على كل ما خالف الحق، ثم النهي في الآية هو عن شهود الزور، والشهود يعني الحضور و المشاركة.
الثاني: أن كل ما ورد في التحريم إنما هو في المشاركة، وليس في مجرد التهنئة مثل حديث:
" ومن تشبه بقوم فهو منهم" فالتشبه يعني الفعل والمشاركة،
الثالث: أن هناك جملة من النصوص الشرعية تحث على البر إلى أهل الكتاب غير المحاربين، والتهنئة لهم من البر بهم، من ذلك قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة: 8
وتتأكد التهنئة إذا كان النصارى يهنئون المسلمين بأعيادهم من باب رد التحية؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) النساء: 86.
ولا يخفى ما في مآلات التهنئة لهم من خير غالب وذلك في مثل إظهار المسلمين على حقيقتهم بالصورة الحسنة اللائقة بهم مما يعد نوعا من الدعوة إلى الله، وكذلك إظهار محاسن الإسلام الذي يفرض على أتباعه فعل كل جميل حتى مع غير المسلمين، وإذا كان المقصد محمودا، فكل وسيلة توصل إليه وليس في الشرع ما يمنع منها فإنها محمودة.
كما أن في القول بجواز التهنئة ما يساعد على الأمن الاجتماعي داخل المجتمع الذي يعيش فيه المسلمون مع غيرهم، سواء أكان المسلمون فيه قلة أم كثرة، والمحافظة على الأمن الاجتماعي مقصد من أهم مقاصد الشرع فيما يتعلق بالأوطان.
على أنه ينبغي أن لا يفهم عنا من هذه الفتوى أننا نقر المتساهلين في هذا الشأن من أهل العلم ومن الدعاة، فمثل هذا منهم فيه من الإساءة إليهم وإلى دينهم ما فيه، ومهما غالوا في مواقفهم لإرضاء غيرهم فإنهم لن يبلغوا عشر معشار الحقيقة التي جاء عليها دينهم، هذا الدين الذي أجاز للإمام في صلاته أن يقطع صلاته ويستخلف غيره على المصلين لإنقاذ نفس محترمة ولو كانت كافرة متى كان قادرا على ذلك [ الموسوعة الفقهية الصادرة عن دولة الكويت 3/ 255] وليس هناك دين يفعل مع خصومه مثل ما فعل ويفعل ديننا .
إنه من المقرر شرعا كما جاء عن سفيان الثوري: " من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام" فكيف بمن يوقر كافرا أو شعارا لكافر ويكون ذلك منه باسم الإسلام زورا وبهتانا.
(والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)
صدر عن جبهة علماء الأزهر 25محرم 1432هـ الموافق 31من ديسمبر 2010م
الحمد لله والصلاة والسلام فقهي فإنناله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه وبعد
فقد ورد إلينا ورد إلينا هذا السؤال:
ما حكم تهنئة النصارى بعيد رأس السنة الميلادية، وما حكم مشاركة المسلمين إياهم في الاحتفال بهذه المناسبة وبغيرها من مناسبات الأعياد؟
فنقول وبالله التوفيق فقد ورد إلينا ورد إلينا هذا السؤال:
ما حكم تهنئة النصارى بعيد رأس السنة الميلادية، وما حكم مشاركة المسلمين إياهم في الاحتفال بهذه المناسبة وبغيرها من مناسبات الأعياد؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى أله وأصحابه ومن والاه وبعد
فإن احتفال المسلم بأي عيد من الأعياد على وفق احتفاله بأحد العيدين المشروعين له- الفطر والأضحى- بأي شكل من الأشكال هو حرام شرعا، ومن فعله كان آثما عند الله تعالى، وذلك لأنه من باب التشبه بالكافرين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود. كما أن الأمة قد أجمعت على أنه ليس للمسلمين إلا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، والأعياد هي من شعائر الدين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا" رواه البخاري، حتى لو كان مثل هذا الاحتفال مجردا عن المحرمات، ويكون أشد حرمة إذا اشتمل على محرم، من شرب الخمر، والاختلاط المحرم، وارتكاب الفواحش وغيرها من المحرمات، فعيد رأس السنة الميلادية عيد لغير أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لهم أن يحتفلوا به وأن يؤمن لهم حقهم فيه، ولكن ليس للمسلم أن يشاركهم لاحتفال به لأن الأعياد كما ذكرنا من شعائر الدين.
وقد قال عبد الله بن عمرو بن العاص: من تأسى ببلاد الأعاجم , وصنع نيروزهم ومهرجانهم – عيدهم - وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة
أما تهنئة المسلمين للنصارى بعيد رأس السنة الميلادية، فمع ما فيه من خلاف فقهي فإننا نميل إلى القول بالجواز بشروط نذكرها بعد أن نبين مناط الخلاف
فمن العلماء من ذهب إلى القول بالتحريم ؛ باعتبار أن في التهنئة إقرارا على الكفر، والتهنئة بالكفر أقل ما فيها أنها محرمة.
وذهب فريق آخر إلى جواز تهنئة النصارى بعيد رأس السنة الميلادية ما لم يشتمل على محرم، كالاشتراك معهم في طقوس الاحتفال في الكنسية، أو ارتكاب محظور شرعي؛ احتفالا بهذا اليوم، فإن خلا من الأمور المحرمة فهو جائز.
وإننا إذ تؤكد على حرمة الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية، فإننا نرى جواز تهنئة النصارى بهذا العيد إن خلا من المحرمات. مع ضرورة مراعاة ما يلي:
أولا: يجب أن تخلو تلك التهنئة من أي شكل من ألأشكال التي يفهم منها إقرار بعقيدتهم، فهي تهنئة يجب أن تخلو من ذلك.
الشرط الثاني: ألا يكون في التهاني آيات قرآنية؛ - خاصة ما كان بطاقة - صيانة لها من أن يصيبها محظور، إذ من المعلوم أن مثل تلك البطاقات هي غير محترمة عندهم.
الشرط الثالث: ألا يحضر المهنئ طقوسا من طقوسات احتفالاتهم، ومنها الذهاب إلى الكنيسة ونحوها لما يكون فيها من إعلان الكفر واستعلائه الذي لا يتفق وما ندين به، وقد قال صلى الله عليه وسلم " ولا تدخلوا على النصارى في كنائسهم يوم أعيادهم فإن السخط يتنزل عليهم". أخرجه الترمذي
الشرط الرابع: ألا تكون تلك التهنئة مصحوبة بمحرم، كتقديم خمر وصليب ونحو ذلك.
الشرط الخامس: ألا تشتمل ألفاظ التهنئة على ما يفهم منه أنه إقرار من المسلم لما هم فيه من باطل مما يناقض ما يؤمن به المسلم ، فلا تتجاوز تلك التهنئة ما ينصرف منها إلى غير الدلالة الاجتماعية دون الدينية من مثل قولنا لهم "كل سنة وأنتم طيبون، أو وأنت طيب"، فمثل ذلك لا نرى به إن شاء الله بأسا.
الشرط السادس: أن تقتصر التهنئة على الأعياد التي لا تتمحض المعاني فيها لما نعده كفرا وإن مناسبة مولد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل السلام لا تتعلق كلها بكفر، وإنما الاحتفال بها قد أضحى مناسبة اجتماعية فيها من الدلالة على بشريته عليه السلام ما يهدم عقيدة تأليهه، أما الأعياد التي تتمحض للكفر والشرك فلا يجوز التهنئة بها بأي حال من الأحوال .
والأدلة على جواز التهنئة بالشروط المذكورة ما يلي:
الأول: أنه لم يرد نص قطعي في تحريم التهنئة، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال؛ سقط به الاستدلال كما هو مقرر عند الأصوليين ، أي أنه لا يكون ملزما للطرفين، ومما استدل به المانعون قوله تعالى: ( والذين لا يشهدون الزور) قالوا: هي أعياد الكفار، وهو تفسير لا يسلم من خدش لأن الزور يطلق على كل ما خالف الحق، ثم النهي في الآية هو عن شهود الزور، والشهود يعني الحضور و المشاركة.
الثاني: أن كل ما ورد في التحريم إنما هو في المشاركة، وليس في مجرد التهنئة مثل حديث:
" ومن تشبه بقوم فهو منهم" فالتشبه يعني الفعل والمشاركة،
الثالث: أن هناك جملة من النصوص الشرعية تحث على البر إلى أهل الكتاب غير المحاربين، والتهنئة لهم من البر بهم، من ذلك قوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة: 8
وتتأكد التهنئة إذا كان النصارى يهنئون المسلمين بأعيادهم من باب رد التحية؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا ) النساء: 86.
ولا يخفى ما في مآلات التهنئة لهم من خير غالب وذلك في مثل إظهار المسلمين على حقيقتهم بالصورة الحسنة اللائقة بهم مما يعد نوعا من الدعوة إلى الله، وكذلك إظهار محاسن الإسلام الذي يفرض على أتباعه فعل كل جميل حتى مع غير المسلمين، وإذا كان المقصد محمودا، فكل وسيلة توصل إليه وليس في الشرع ما يمنع منها فإنها محمودة.
كما أن في القول بجواز التهنئة ما يساعد على الأمن الاجتماعي داخل المجتمع الذي يعيش فيه المسلمون مع غيرهم، سواء أكان المسلمون فيه قلة أم كثرة، والمحافظة على الأمن الاجتماعي مقصد من أهم مقاصد الشرع فيما يتعلق بالأوطان.
على أنه ينبغي أن لا يفهم عنا من هذه الفتوى أننا نقر المتساهلين في هذا الشأن من أهل العلم ومن الدعاة، فمثل هذا منهم فيه من الإساءة إليهم وإلى دينهم ما فيه، ومهما غالوا في مواقفهم لإرضاء غيرهم فإنهم لن يبلغوا عشر معشار الحقيقة التي جاء عليها دينهم، هذا الدين الذي أجاز للإمام في صلاته أن يقطع صلاته ويستخلف غيره على المصلين لإنقاذ نفس محترمة ولو كانت كافرة متى كان قادرا على ذلك [ الموسوعة الفقهية الصادرة عن دولة الكويت 3/ 255] وليس هناك دين يفعل مع خصومه مثل ما فعل ويفعل ديننا .
إنه من المقرر شرعا كما جاء عن سفيان الثوري: " من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام" فكيف بمن يوقر كافرا أو شعارا لكافر ويكون ذلك منه باسم الإسلام زورا وبهتانا.
(والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)
صدر عن جبهة علماء الأزهر 25محرم 1432هـ الموافق 31من ديسمبر 2010م
تعليق