رأس الحسين
الامام ابن تيمية هو : شيخ الاسلام
تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله : بل المشهد المنسوب إلى الحسين بن علي - – الذي بالقاهرة كذب مختلق، بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم، الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك، لعلمهم وصدقهم.
ولا يعرف عن عالم مسمى معروف بعلم وصدق أنه قال: إن هذا المشهد صحيح. وإنما يذكره بعض الناس قولا عمن لا يعرف، على عادة من يحكي من مقالات الرافضة وأمثالهم من أهل الكذب.
* فإنهم ينقلون أحاديث وحكايات، ويذكرون مذاهب ومقالات.
وإذاطالبتهم بمن قال ذلك ونقله؟ لم يكن لهم عصمة يرجعون إليها.
ولم يسموا أحدا معروفا بالصدق في نقله، ولا بالعلم في قوله.
بل غاية ما يعتمدون عليه. أن يقولوا: أجمعت طائفة الحقة. وهم عند أنفسهم الطائفة الحقة، الذين هم عند أنفسهم المؤمنون، وسائر الأمة كفار.
* ويقولون: إنما كانوا على الحق لأن فيهم الإمام المعصوم، والمعصوم عند الرافضة الإمامية الاثنى عشرية : هو الذي يزعمون أنه دخل سرداب
سامرا بعد موت أبيه الحسن بن علي العسكري، سنة ستين ومائتين.
وهو إلى الآن لم يعرف له خبر، ولا وقع له أحد على عين ولا أثر.
* وأهل العلم بأنساب أهل البيت يقولون: إن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب. ولا ريب أن العقلاء كلهم لا يعدون مثل هذا القول.
واعتقاد الإمامة والعصمة في مثل هذا: مما لا يرصاه لنفسه إلا من هو أسفه الناس، وأضلهم وأجهلهم.
وهكذا ما ينقلونه من هذا الباب، ينقلون سيرا وحكايات وأحاديث، إذا ما طالبتهم بإسنادها، لم يحلوك على رجل معروف بالصدق، بل حسب أحدهم أن يكون سمع ذلك من آخر مثله، أو قرأه في كتاب ليس فيه إسناد معروف، وإن سموا أحدا: كان من المشهورين بالكذب والبهتان.
لا يتصور قط أن ينقلوا شيئا مما لا يعرفه علماء السنة إلا عن مجهول لا يعرف، أو عن معروف بالكذب.
* ومن هذا الباب نقل الناقل: أن هذا مشهد الحسين رضي الله عنه، بل وكذلك مشاهير غير هذا مضافة إلى الحسين، بل ومشاهد مضافة إلى قبر
الحسين رضي الله عنه، فإنه باتفاق الناس: أن هذا المشهد بني عام بضع وأربعين وخمسمائة وأنه نقل من مشهد بعسقلان! وأن ذلك المشهد - بعسقلان - كان قد أحدث بعد التسعين وأربعمائة.
* فأصل هذا المشهد القاهري هو ذلك المشهد العسقلاني.
وذلك العسقلاني محدث بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة وثلاثين سنة، وهذا بعد مقتله بقريب من خمسمائه سنة، وهذا مما لم يتنازع فيه اثنان ممن تكلم في هذا الباب من أهل العلم، على اختلاف أصنافهم - كأهل الحديث، ومصنفي أخبار القاهره، ومصنفي التواريخ، وما نقله أهل العلم طبقة عن طبقة .
وهذا بينهم مشهور متواتر، سواء قيل: إن إضافته إلى الحسين صدق أو كذب - لم يتنازعوا أنه نقل من عسقلان في أواخر الدولة العبيدية.
* وإذا كان أصل هذا المشهد القاهري هو ما نقل عن ذلك المشهد العسقلاني باتفاق الناس وبالنقل المتواتر، فمن المعلوم أن قول القائل: إن ذلك الذي بعسقلان هو مبنى على رأس الحسين رضي الله عنه : قول بلا حجة أصلا.
فإن هذا لم ينقله أحد من أهل العلم الذين من شأنهم نقل هذا لا من أهل الحديث. ولا من علماء الأخبار والتواريخ، ولا من العلماء المصنفين في النسب: نسب قريش أو نسب بني هاشم ونحوه.
* وذلك المشهد العسقلاني : أحدث في آخر المائة الخامسة، لم يكن قديما، ولا كان هناك مكان قبله، أو نحوه مضاف إلى الحسين، ولا حجر منقوش ولا نحوه مما يقال، إنه علامة على ذلك.
* فتبين بذلك: أن إضافة المضيف مثل هذا إلى الحسين قول بلا علم أصلا.
وليس مع قائل ذلك ما يصلح أن يكون معتمدا، لا نقل صحيح ولا
ضعيف،
ثم نقول: بل نحن نعلم ونجزم بأنه ليس رأس الحسين، ولا كان ذلك المشهد العسقلاني مشهدا للحسين، من وجوه متعددة.
* منها: أنه لو كان رأس الحسين هناك لم يتأخر كشفه وإظهاره إلى ما بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة سنة، ودولة بني أمية انقرضت قبل ظهور ذلك بأكثر من ثلاثمائة وبضع وخمسين سنة.
وقد جاءت خلافة بني العباس وظهر في أثنائها من المشاهد بالعراق وغير العراق ما كان كثير منها كذبا.
وكانوا عند مقتل الحسين بكربلاء قد بنوا هنالك مشهدا.
وقريبا من ذلك: ظهر بنو بويه الأعاجم: وكان في كثير منهم زندقة وبدع قوية وفي دولتهم قوى بنوا عبيد القداح بأرض مصر، وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي رضي الله عنه بناحية النجف، وإلا فقيل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك، وإنما دفن علي رضي الله عنه بقصر الإمارة بالكوفة، وإنما ذكروا أنه حكى عن الرشيد.
أنه جاء إلى بقعة هناك، وجعل يعتذر إلى المدفون فيها، فقالوا: إنه علي، وإنه اعتذر إليه مما فعل بولده، فقالوا: هذا هو قبر علي، وقد قال قوم: إنه قبر المغيرة بن شعبة،
فإذا كان بنو بويه وبنو عبيد - مع ما كان في الطائفين من الغلو في التشيع.
حتى إنهم كانوا يظهرون في دولتهم ببغداد يوم عاشوراء من شعار الرافضة ما لم يظهر مثله، مثل تعليق المسوح على الأبواب، وأخراج النوائح بالأسواق
فإذا كان مع هذا لم يظهر حتى مشهد للحسين بعسقلان، مع العلم بأنه لو كان رأسه بعسقلان لكان المتقدمون أعلم بذلك من المتأخرين، فإذا كان مع توفر الهمم والدواعي والتمكين والقدرة لم يظهر ذلك، علم أنه باطل مكذوب مثل من يدعي أنه شريف علوي: وقد علم أنه لم يدع هذا أحد من أجداده، مع حرصهم على ذلك لو كان صحيحا، فإنه بهذا يعلم كذب هذا المعي، وبمثل ذلك علمنا كذب من يدعي النص على علي، أو غير ذلك من الأمور التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها ولم ينقل.
يتبع ان شاء الله
تعليق