هل الصمت فضيلة
والسكوت من ذهـب؟
إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب !,ولسانك حصانك إن صنته صانـــك وإن هنته هانك! .
أمثلة كثيرة نسمعها ونعيها ,وتعيش في حياتنا وتؤثر فينا إما سلبا أو إيجـــــــابا ,وهي تحثنا علي ألاّ ننطق أو نتفوه أو نبسم إلاّ بالكلمـة النافعة و الطيبة, وهي تدعونا إلي أن نفكر ونستخدم العقل قبل النطق بالكلمة ,فالكلمة قد تؤدي بحياتنا وقد تبقيها , وقد ترفعنا أو تهبط بنا إلي أسفل الأسفلين أو إلي سابع أرض كما يقولون , وإذا كانت الكلمة الطيبة صدقة فماذا تكون الكلمة غير الطيبة ؟ من المؤكد أنها لن تكون صدقة علي صاحبها وإنما ستكون وبالا عليه ونقمة , وحصرة عليه وغما , ففيها شقاؤه , أو فيها سعادته وفيها حياته ,أو فيها حتفه , وموته , ومنها و من الممكن أن يجني ثمرة حلوة المذاق , أو ثمرة مرة المذاق وعلقم , فالسعادة والهناء وراحة البال والنعيم ورغد العيش في الكلمة التي تنطق بها, والشقاء والبلاء وسوء العاقبة والجحيم وقلة ذات اليد في الكلمة التي تتفوه بها والتي تخرج من لسانك , فالكلمة إما تعيش فيها وبها حراًَ أو أسيراً .
فخطر اللسان عظيم , ولا نـــجاة من خـــطره إلاّ بالصمــت , لهذا مـــدح الشرع الصمت وحث عليه , ففي الحديــث النبوي عن عبد الله بن عمر () أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: "من صمت نجا" ـ رواه الطبراني بسند جيد ـ وفي الحديث : قلت : يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به ؟ قال : قل ربي الله ثــــــم استقم . قال : قلت : يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفـسه ، ثم قال : هذا. الراوي: سفيان بن عبدا لله الثقفي المحدث: المنــذري المصدر:الترغيب والترهــيب ـ الصفحة أوالــرقم: 4/21 خـــلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
وعن معاذ معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: قلت يارسول الله , أنؤاخَذُ بما نقول ؟ فقال: ثكلتك أمك يامعاذ, وهل يكب الناس في النار الا حصائد ألسنتهم.رواه البيهقي في الدلائل والحاكم في المستدرك .
وعن ابي سعيد الخدري ان النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: إذا أصبح ابن آدم أصبحت الأعضاء تستعيذ من شر اللسان وتقول : إتق الله , فإنك إن إستقمت استقمنا , وإن اعوججت اعوججنا. ـ رواه إبن عبد البر ـ .
وعن إبن مسعود رضي الله عنه أنه كان علي الصفا يلبّي ويقول: يالسان قل خيرا تغنم ,واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم. فقيل له : يا أبا عبد الرحمن , أهذا شيء تقوله , أو شيء سمــعته؟ , فقال : لا سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:إن أكثر خطايا ابن آدم في لسانه .رواه البيهقي في الشُّعب .
ومن أقوال نبي الله سليمان صلوات ربي وسلامه عليه:إن كان الكلام من فضة , فالسكوت من ذهب .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال : الناس ثلاثة : غانمٌ,وسالمٌ,وشاحبٌ , فالغانم الذي يذكر الله تعالي , والسالم الساكت , والشاحب الذي يخوض في الباطل.ـ رواه الطبراني ـ .
يقول طاووس:لساني سبعٌ(أسد), إن أرسلته أكلني . وقال الحسن رضي الله عنه : تكلم رجل عند الخليفة , والأحنف بن قيس ساكت , فقال الخليفة : مالك يا أبا بحر لا تتكلم ؟ قال: أخشي الله إن كذبت , وأخشاك إن صدقت .
لماذا للصمت سببا ؟
1. لأن ذلاّت اللسان و آفاته كثيرة منها : الخطأ, والكذب , والغيبة , والنميمة , والرياء , والنفاق , والمراء , والفُحش واللمم , والخوض في الباطل , و الخوض في أعراض الناس , والخصومة ,وفضول الكلام , وإيذاء الخلق , وهتك الأعراض والعورات , وقول الزور , والسٍباب , واللعان ,والمهاترات , والشطط , والهزل . وستجدها في معظمها لها حلاوة في القلب ومذاقا .وقال عمر رضي الله عنه: لا تتعرض لما لا يعنيك واعتزل عدوك واحذرصديقك من القوم إلا الأمين. ولا أمين إلا من خشي الله تعالى، ولا تصحب الفاجرفتتعلم من فجوره ولا تطلعه على سرك، واستشر في أمرك الذين يخشون اللهتعالى .
فضبط الألسنة أمر حض عليه الشارع الحكيم فقد قال تعالى " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" , لأن الألسنة السائبة بلا كوابح تكبـــــحها تودي بأصحابها إلى الهلاك , ولذا فليس على ظــــهر الأرض شئ أحـــوج إلى طول سجن من اللسان , ومن كثر كلامه كثر خطـــؤه , و خير الكـلام ما قل ودل , وإذا كان الكـــلام من فضـــة فالسـكوت من ذهب, و الإسلام يكره أن يكون الكلام بلا روية , ودون تفكير سابق فيما يراد قوله , وكثر الناس يتكلم عفو الخاطر , فإذا دققت معه فيما فاه به, اعتــــذر عما قاله , أو اتهـــمك بأنك متشدد في التدقيق على الكلام العادي, وتلك خصـــلة ذميمة فان الـــدين والعقل يحضان على قلة الكلام و دوام التفكير و قد قــال الحسـن البصري : " لسان العاقل من وراء قلبه , فإذا أراد الكلام تفكر فان كان له قال , وان كان عليه سكت أو قلب الجاهل من وراء لســـانه فإذا هم بالكــلام تكلم به له أو عليه" .
و قال ابن مسعود " أن هذه القلـــوب أوعــية , فاشغلوهــا بالقــرآن , ولا تشغلوها بغيره"
و المسلم الملتزم يجعل صمته فكرا وحديثه ذكرا و نظــره عبــرة , وحــين تفلس النفس من معالي الأمور تنشــغل بسفاسفها , و كم من كلــمة ذهبت صاحبها إلى الجنة و أخرى هوت بصاحبها إلى النار , و السعـــــيد من ضبط لسانه.
أن الكلام منه حسن وقبيح , وشر وخير , وواجـــب و سنة ومستحـــب ومكروه ومحرم.
وللكلام أقسام ـ في غير اللغة :
الأول : قسم هو ضرر محض , لابد من السكوت عنه .
الثاني : قسم فيه ضرر ومنفعة , وهذا أيضا يجب السكوت عته , خوفا من الوقوع في الضرر .
الثالث : قسم لا ضرر فيه ولا منفعة , فهو فضول كلام مضٍّيٍّع للوقت , لا فائدة منه , فيجب السكوت عنه .
الرابع : سقط ثلاثة أرباع الكلام , وًبًقٍي الربع الرابع , وهذا الربع وهـو النافع , فيه خطر أيضا , إذ يمتزج فيه الإثم من دقائق الرياء , وتزكية النفس , وفضول الكلام , والغيبة وغيرها , فيكون الإنسان علي خطر عظيم .
وعلي الإنسان ان لا يتكلم إلا النافع من الكلام الذي لالغط فيه ولا لغو .
ويتذكر دائما قول الحق :وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(18). ـ سورة ق ـ .
ويتذكر قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى , ما يلقى لها بالا يرفــــعه الله بها درجات في الجنة , و أن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعـالى لا يلقى لها بالا يهوي بها في جهنم " ـ رواه مالك و البخاري ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.