السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان لنا مع صفة الرحمه وقفه
والآن ننتقل إلى تعريف الاسم
الرَّحْمٰن – الرَّحِيم
الرحمٰن الرحيم : اسمان مشتقان من الرحمة
الرحمة فى الأصل : رقة فى القلب تستلزم التفضل والإحسان إلى المرحوم وتكون بالمسامحة واللطف أو المعاونة والعطف .
- وهذا جائز فى حق العباد ولكنه محال فى حق الله تعالى لعدم ممثالته للحوادث .
لأن الرحمة بين البشر انفعال فى النفس يقتضى الإحسان ، والله تعالى مُنزَّه عن الانفعالات ، والرحمة لا تخلو من رقة مؤلمة تعترى الرحيم فتحركه إلى قضاء حاجة المرحوم .
- فالإنسان إذا رحم إنسان يقول : تمزق قلبى لحاله .. فقد ترى طفلاً صغيراً واقفاً فى ساعة شديدة البرد ليبيع خبزاً، حينها تنفعل وتحس بألم فى نفسك وتشعر برحمة تدفعك لمساعدة هذا الطفل .
- إذاً الإنسان حين يقف أمام حالة بائسة يتألم فى أعماقه ويحس بمشاعر رحيمة معينة ، أما رب العالمين فلا تعتريه هذه المشاعر لأنه مُنزَّه عن هذا الانفعال وذاك الألم .
- أما الإنسان فإنه حين يرى مخلوقاً معذباً فإنه يرحمه حتى يريح نفسه مما اعتراه من مشاعر منغصة مؤلمة فهذا ضعف فيه .
- لكن الله تعالى يرحم لمصلحة المخلوق لا لمصلحة الراحم ، فهو سبحانه منزه عن مثل هذه المشاعر التى تعترى مشاعر الرحيم من بنى البشر ، وهو سبحانه يرحم مخلوقاته ليرحمهم ، لا يرحمهم ليتخلص من شعور اعتراه لأنه منزه عن ذلك وليس كمثله شىء .
لذلك فإن رحمة الله لابد أن تحمل على معنى يليق به جلَّ جلاله .
فهى:( صفة تقتضى إيصال الخير إلى من يشاء من عباده ودفع الشر عنهم على وفق ما تقتضيه حكمته ) .
ومما سبق يتبين : أن رحمة الله ليست شفقة على خلقه كما هو بالمعنى المعروف فى رحمة الإنسان لأخيه الإنسان .
فرحمة الله عز وجل ليست كرحمة المخلوقين ، والاتفاق فى الاسم لا يقتضى الاتفاق فى المسمى ، فالخالق له صفات تليق به والمخلوقات لهم صفات تليق بهم وتختص بهم .
وإذا كانت الرحمة فى أصل مادتها تعنى رقة فى القلب على المرحوم فذلك جائز فى حق العباد ولكنه مُحال فى حق الله لأنه لا يشبه الحوادث فهو سبحانه ذو رحمة على ما يليق بجلاله كسائر الصفات .
- ولكن كثير من الناس يخلط ما بين معنى الرحمة المعروف بين البشر والتى تليق بهم وهى رقة القلب ، وبين الرحمة التى تليق بالله فيظن أن رحمة الله شفقة منه على عباده .
وينشأ من ذلك أخطاء فى التصور والفهم تؤدى إلى سوء الأفعال والأحوال المؤدية للخسران .
منها
1- أنه يتصور أن رحمة الله تتنافى مع مشقة التكاليف الشرعية لكونها مخالفة لهوى النفس .
فإذا شق عليه أمر من الشريعة فإنه يشكك فى هذا الأمر فيقول أن الله لم يأمر بذلك لكونه شاق على نفسه .. وهذه المشقة تتعارض مع رحمة الله التى يتوهم معنى كونها شفقة .
وقد أعطانا القرآن مثلاً لمن فهموا معنى رحمة الله بهذا التصور الخاطىء . وهم أصحاب القرية فى سورة ( يس ) حين قالوا لرسلهم : ( َمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ) وذلك لأنهم وجدوا ما أمرهم به الرسل شاق على أنفسهم
لأنه مخالف لهواهم فظنوا أن ذلك يتنافى مع رحمة الله .. فاستدلوا بوصف الرحمٰن على أنه ما أنزل شىء من هذه التكاليف التى جاءت بها الرسل وهى عبادة الله وحده وترك الشرك .
والصواب :
إن من تمام رحمة الله تعالى بعباده هو ابتلاءهم بالأوامر والنواهى امتحاناً لهم ليُظهر الصادق من الكاذب والمستحق للنعيم من المستحق للعذاب .
إن من تمام رحمة الله تعالى بعباده هو ابتلاءهم بالأوامر والنواهى امتحاناً لهم ليُظهر الصادق من الكاذب والمستحق للنعيم من المستحق للعذاب .
فلا بد أن يوجد فى التكاليف الشرعية من المشقة ما يميز الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب .
ومعلوم أن الشهوات محبوبة للنفس فلا بد أن يكون مخالفة هوى النفس فيه من المشقة ما يؤلمها ، فإذا كانت هذه المشقة بها يندفع عن النفس العذاب الدائم ويثمر لها البقاء فى النعيم فحينئذٍ لا يكون هناك تعارض بين هذه المشقة وبين رحمة الله بل هى من تمام رحمة الله بعباده لأن بها تتم مصالحهم الأخروية .
فالأوامر والنواهى لم يفرضها الله على عباده لحاجة منه إليهم وإنما تزكية لنفوسهم ومنعهم من الشهوات التى ترديهم فى الجحيم .
٢- ومنها : الاغترار بكرم الله
سوء الفهم لمعنى رحمة الله تعالى .. واعتقاد كونها شفقة من الله على عباده يجعل الإنسان يظن إنه مُسامح على تقصيره فى الأمر ومعذور بإتيانه للنهى اغتراراً بكرم الله تعالى وسوء فهم لمعنى رحمته .
فتراه يتمادى فى غفلته أو يباشر المعصية ويعتقد إنه مسامح لكونه مشغول بطلب الرزق ..
أو لضعف نفسه عن ترك المعصية
أو لأنه صاحب تفوق فى جهة من جهات الخير ،
أو لأنه أقل ذنوباً من غيره ،
أو لضعف نفسه عن ترك المعصية
أو لأنه صاحب تفوق فى جهة من جهات الخير ،
أو لأنه أقل ذنوباً من غيره ،
فيظن أن الله تعالى سيرحمه أى سيشفق عليه لهذه الأسباب .
وهكذا كل من قل خوفه من الله تعالى عن القدر المطلوب منه حين يقصر فى طاعة أو يقع فى معصية فإن السبب الأكبر فى قلة خوفه هو سوء فهمه لمعنى رحمة الله وإسقاطه معنى الشفقة على مفهوم رحمة الله تعالى .
لذا تجد الواحد منهم يبقى فى تقصيره أو يستمر فى عصيانه اعتماداً على رحمة الله وأنه سيتجاوز عن تقصيره ومعاصيه شفقة عليه .
والصواب : أن رحمة الله تقتضى أن يتجاوز الله تعالى عن تقصير العبد وعصيانه حين يكون العبد معترفاً بهذا التقصير تائباً من ذلك العصيان ، فتكون توبته سبب لرحمة الله .
أما بدون محاولة للخروج من التقصير وخوف من العقوبة على الذنب يدفعه إلى التوبة والإصلاح فلا سبيل إلى هذا التجاوز مهما رأى فى نفسه من الأعذار ما يكون سبباً للشفقة عليه .
٣- ومنها : أن يتصور أن رحمة الله تتنافى مع وقوع البلاء على العبد لأن الشفقة تتعارض مع حصول الألم والأذى .
فكل من فهم رحمة الله شفقة منه على عباده .. لا يستطيع أن يستوعب وجود الرحمة مع وقوع البلاء والأقدار المكروهة للعبد .
والصواب : إن رحمة الله صفة تقتضى إيصال المنافع للعبد وإن كرهتها نفسه وشقت عليها ، لذلك قد تأتى الرحمة من طريق فيه مشقة وألم وحرمان إذا كانت المصلحة لا تتم إلا بذلك .
- فإن أرحم الناس من شق عليك فى إيصال مصالحك ودفع المضار عنك .
- فالأب الذى يشق على ولده بالضرب ليؤدبه أو يمنعه شهواته التى تضره فهو بذلك يرحمه .. وإذا أهمل ذلك كان لقلة رحمته به وإن ظن أنه يريحه ويرحمه .
- ومثال ذلك : إذا أصيب ولد بمرض فى يده استلزم قطعها فإن الأم قد ترفض بشدة وتبكى مخافة إلحاق الألم بالولد حين تقطع يداه ، أما الأب فقد يصر على قطع يده رجاء الشفاء لولده .. فأيهما أرحم للولد ؟
إن الأب أشد رحمة لأنه بهذا الألم المؤقت بقطع اليد يدفع عن ولده ضرر أكبر عن سائر البدن .
والأم أقل رحمة لأنها كرهت له ألم مؤقت وأهلكت سائر البدن .
إن الأب أشد رحمة لأنه بهذا الألم المؤقت بقطع اليد يدفع عن ولده ضرر أكبر عن سائر البدن .
والأم أقل رحمة لأنها كرهت له ألم مؤقت وأهلكت سائر البدن .
- كذلك ... ولله المثل الأعلى ..
● فإن من رحمة الله تعالى أن يسلط على خلقه أنواع البلاء ليسوقهم إليه ، فيبتليهم ليعافيهم ويمنعهم ليعطيهم .
قال تعالى : ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ )
وقال : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
فهذه رحمة الله تعالى للعاصى لكى يرجع وينيب
قال تعالى : ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ )
وقال : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
فهذه رحمة الله تعالى للعاصى لكى يرجع وينيب
● وفيما يقع للمؤمن من أقدار مكروهة تكفير لذنوبه ورفعاً لدرجاته ، ففى الحديث الصحيح :
( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه )
فهو سبحانه قد يأخذ ليعطى ويقبض ليبسط ويبتلى ليجزى فالله تعالى أعلم بمصلحة العبد .. فابتلاؤه له ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته من رحمته به .
( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه )
فهو سبحانه قد يأخذ ليعطى ويقبض ليبسط ويبتلى ليجزى فالله تعالى أعلم بمصلحة العبد .. فابتلاؤه له ومنعه من كثير من أغراضه وشهواته من رحمته به .
ولكن العبد لجهله وظلمه يتهم ربه بابتلائه ولا يعلم أن إحسانه إليه بابتلائه .
وقد جاء فى الأثر : أن المبتلى إذا دعى له : اللهم ارحمه ، يقول الله سبحانه : كيف أرحمه من شىء به أرحمه .
وفى أثر آخر : إن الله إذا أحب عبده حماه الدنيا وطيباتها وشهواتها كما يحمى أحدكم مريضه .
وقد جاء فى الأثر : أن المبتلى إذا دعى له : اللهم ارحمه ، يقول الله سبحانه : كيف أرحمه من شىء به أرحمه .
وفى أثر آخر : إن الله إذا أحب عبده حماه الدنيا وطيباتها وشهواتها كما يحمى أحدكم مريضه .
فهذا من تمام رحمته به لا من بخله عليه ، كيف وهو الجواد الماجد الذى له الجود كله وجَود جميع المخلوقين فى جنب جوده أقل من ذرة فى جبال الدنيا ورمالها .
● ومن رحمته سبحانه أن نغص الدنيا على أهلها وكدرها لئلا يسكنوا إليها ولا يطمئنوا إليها فيرغبوا عن النعيم المقيم فى الآخرة . قال تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ )
وقال تعالى : ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ )
فمن جهل ذلك سيكون دائم السخط والجزع من كبد الدنيا ويرى تضييق الدنيا شر وبسطها خير ويرى عطاياها إنعام والحرمان منها إهانة .
-ومنها : ان يعتقد ان رحمة الله تعالى لا تتنافى مع وجود جهنم وتعذيب أهلها :
لأن رحمة الله شملت جميع المخلوقات منذ أن خلقهم وتكفل بتوفير مقومات الحياة لهم من ماء وهواء وطعام إلى غير ذلك مما لا يعد ولا يحصى ، وفى مقابل ذلك طلب منهم عبادته وطاعته مما هو ميسور لهم من العبادات وهذه العبادة تكفل لهم فى الدنيا حياة كريمة هادئة ...
فمن عصى بعد ذلك ولم يعبد الله بما يتناسب مع نعمه عليه فقد أسقط موجبات الرحمة فى الآخرة واستحق أن يعامله الحق عز وجل بمقتضى عدله المطلق الذى يقتضى معاملة كل إنسان وفقاً لعمله فى الدنيا .
ولو ساوى الله تعالى بين العباد فى الحساب وأدخل الجميع الجنة لأصبح ظالماً لعباده الصالحين الطائعين فعدله عز وجل يقتضى أن يكون رحمن الدنيا فتشمل رحمته فى الدنيا جميع خلقه . وأن يكون رحيم الآخرة فتشمل رحمته فى الآخرة عباده الصالحين الطائعين ويكون تعذيبه للنفوس الشريرة التى دأبت على المعصية رحمة لتطهير هذه النفوس من شرها وعنادها فإذا أدخلها الجنة بعد ذلك دخلت طاهرة بما يتناسب مع قداسة الجنة وقداسة أهلها .
● لذلك فإن من رحمته سبحانه لعباده أن حذرهم نفسه لئلا يغتروا به فيعاملوه بما لا تحسن معاملته فيخسرون أنفسهم .
يقول تعالى : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ )
وقال : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ )
تعليق