تمثيلات يسوع
على لسان القساوسة
نتكلم عن يسوع الأناجيل ، لا عن عيسى ابن مريم عليهما السلام .
كم تستوقفنى تمثيلات يسوع على لسان إخوتنا إياهم .
لا أشك فى أن من يكتب منهم يبتسم فى دخيلة نفسه ، أو ربما يقهقه إن كان خاليا وحده ، حين تعجزه الحيلة فيضحك على الغِرّ الساذج من أتباع يسوع ، ثم يلقى إليه بالمَثَـل .
يقول أحدهم فى حل صعوبة صرخة يسوع على الصليب : " إيلى إيلى لَما شبقتنى أى إلهى إلهى لماذا تركتنى " مت 27/46 :
" أما الصعوبة الثانية فنقول فيها أن الترك المشار إليه فى النص ليس تركا جوهريا وإنما هو ترك أدبى . وآلام الصليب وقعت على الناسوت طبيعيا ، وفى نفس الوقت وقعت على اللاهوت أدبيا ... ومعنى العبارة : لماذا تركتنى للألم بينما هو لم يتركه تماما ، مثلما يقول طفل يحمله أبوه أمام طبيب يجرى له جراحة بسيطة . فيصرخ الطفل ويقول : يا بابا ليه سايبنى ؟ إن الأب لم يتركه بل هو ممسك به ويحتضنه ، لكن المعنى أنه تركه للألم .... وإن هذا الناسوت بعد اتحاده باللاهوت لا زال ناسوتا كاملا محتفظا بكل صفاته .
ولو كان اللاهوت ترك الناسوت فى تلك اللحظة أو فارقه مفارقة جوهرية لكان معنى ذلك أن الفداء لم يتم ... " (1) .
ويقول قبلها : " ولا صعوبة فى ذلك لأن الناسوت كامل ، وله كل الصفات الناسوتية . والاتحاد بين اللاهوت والناسوت لم يبطل صفات الناسوت أو يعطلها "
ولنا ملاحظتان قبل أن ندخل فى موضوعنا :
- أَلا يتصف الناسوت الكامل بأنه : يحمل فى بطنه الغوطة والبولة ، والضرطة والفسوة ، والإحساس بالاحتقان والحاجة إلى الإخراج ، والرغبة الجنسية وضرورة تصريف الغريزة ، وحب البقاء والشهوات ، والمرض والموت ، والسهو والنسيان ، والنوم والغفلة ، والجهل والخطأ ، والألم والصراخ ، والخوف والهرب ، والحزن والاكتئاب ، والسكْر والتعرى ، ..... إلخ .
ما مدى ملازمة اللاهوت لبول يسوع وبرازه وضرطه وفسوه بعد أن يفارق إسته وأحشاءه . هل يظل متحدا بها ؟ أم ينسلخ عنها كما تنسلخ الحية من جلدها ؟ كذلك بالنسبة للقلفة المقطوعة عند ختانه وإلقائها فى النفايات ( الزبالة ) ، وبصاقه ومخاطه ، وعرقه ودموعه ، وشعره (شعر العانة واللحية ... ) وأظافره ؟ وما هى علاقة اللاهوت بناسوت يسوع السكران والعريان ؟ (2).
فما بال القوم لا يعبدون اللهَ القدوسَ المنزهَ عن كل هذه النقائص ، سبحانه له الأسماء الحسنى ، ذو الجلال والإكرام ، ليس كمثله شىء ، لا إله إلا هو شكرا لنعمته ، وإقرارا بربوبيته ، وتنزيها لعظمته ؟ ؟ ؟
ولكن " إن دققتَ الأحمق فى هاون بين السميذ بمدق ، لا تبرح عنه جهالته " أم 27/23 .
يقول البابا شنوده : " ... ولذلك فإن شعائر العبادة لا تقدم للاهوت وحده دون الناسوت ، إذ لا يوجد فصل ، بل العبادة هى لهذا الإله المتجسد " (3) .
وكثيـرا ما يلـبس الشيـطانُ مسـوحَ الرهبـان !!!!!
- " ذهب كثيرون إلى أن تفسير قوله ( إيلى إيلى إلخ ) ليس فى الأصل ، بل كتبه أحد الناسخين لأن متى كتب إنجيله للعبرانيين ، وهم لا يحتاجون إلى تفسير الكلمات العبرانية " (4) .
ونعود إلى موضوعنا :
أيها الإله : لقد سكت القس دهرا ونطق كفرا .
لقد عثر بعد جهد جهيد على مثال لك ، الطفل الصغير الباكى المتألم ، المستغيث المسترحم ، ذو العقل الصغير ، قاصر الإدراك ، الذى لا يدرى حكمةَ ما يُفعل به .
وحـقا ، للذكاء حـدود ، ولكـن لا حـدود للغبـاء .
" فلا تضربوا لله الأمثال ، إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " سورة النحل : 74 .
هل فوجئت أيها الإله من أبيك بما لم يكن فى حسبانك ؟
" إذ تركته السماء بلا عزاء ، وستر الآب وجهه عنه ، فهنا ظهر المسيح فى مواجهة العدل الإلهى بمظهر ذبيحة الخطيئة المكروهة من الله فصرخ ... " (5) .
" الآب يسحب حضوره الإلهى عنه ، ويملأ نفسه بشعور رهيب من الغضب ، نسبة إلى الخطية التى كان يحتمل دينونتها " (6) .
" ومع أن يسوع رأى الآب قد تركه ، فإنه لم يزل واثقا به بدليل قوله : ( إلهى إلهى ) لا : الله الله " (7) .
" كان هذا من فرط وعمق الصراع الداخلى ، والشعور بالتخلى عن المعونة والتعزية " (8) .
" متروك من الله لأنه تعالى حجب وجهه عنه ... وعامَلَه كمذنب ليُظهرَ غضبَه على الخطيئة " (9) .
لِمَ لمْ تتركه أنت أيضا يا يسوع ؟ ؟ إنه لا يزيد عنك خردلة ، إنكما متساويان فى المجد والقدرة والكرامة ، ولولاك لكان الآب أخرس أخرق ، فأنت الكلمة والحكمة ، ولولاك لما خُلِقتْ جميع الأشياء " كل شىء به كان ، وبغيره لم يكن شىء مما كان " يو 1/3 .
إنك الإبن متجسدا ، هل نسى الآبُ حضورَه فرحَ أمك مريم .
تحت عنوان : " شَرِكةُ الأقانيم فى عمل التجسد : فالروحُ حل على العذراء فحبلتْ منه ، والآبُ ظلل العذراءَ بقوته السرمدية كى يحتمل جسدُها جمرَ اللاهوت ، والإبنُ قَبِلَ أن يتجسد ويولد " (10) .
لقد كان الروحُ يُحبّل ، والآبُ يظلل ، والإبنُ يتجسد فى بويضة قطرها 1,. مم ، ومريمُ تهنأ فى سعادة بما يحدث لها .
إن الآبَ لم يكن لطيفا معك ، هل يُعقل أن يتخلى عنك أبوك ويتركَك ؟ هل يذْكُرُك فى بويضةٍ داخل الرحم ، وينساك رجلا ؟ ؟ تصرف مؤسف !!!!!
يتخبط القوم ، ويختلط الأمر عليهم فيقولون إنه راض عنك ، إنه تمثيل فى تمثيل ، لقد مثّل الآب الدور جيدا . متى تفهم أيها الحَمَـل الغِرّ ؟ ؟ ألم تقرأ قول القس الآخر : " والحق أن الله لم يترك يسوع حقيقة لأنه فى ذلك الوقت عيْنِه كان يقوم بالعمل الذى سُرّ اللهُ بأن يضعَه عليه ، وأَحبّه باعتبار كونه ابنه ساعتئذ ،أكثرَ من كل محبته له فيما مضى " (11) .
لقد أحبك أبوك الآن أضعاف محبته السابقة لك ، ربما " سبعين مرة ، سبع مرات " (12) .
إذن هل كنتَ أنت أيضا تجيد دورك فى المسرحية : " إن هذا هو ( الكأس ) الذى تقبّله بسرور من يد الله أبيه " (13) .
هل كنتَ تخدعنا ، تُوَلْوِلُ : " أجز عنى هذه الكأس " (14) ، "وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض " لو 22/44 ؟ ؟ وهل خدعتَ الملائكة أيضا " فظهر له ملاك من السماء يقويه " لو 22 /43 .
ما أبرعكما فى التمثيل يا يسوع ، أنت وأبوك الذى ولدك .
ولكن هذا يناقض ما ذهب إليه القس أولا : " يـا بـابـا ليـه سـايبـنـى " .
أجـبنـى يـا ابن الله ، أيها الراعى الصالح ، بحق من حبّـل ، وبحق من ظلّل ، أى الأقـوال نصـدق ؟ ؟ .
يـا مثـبّـتَ العـقـلِ والديـن .
كلما قـرأتُ شيئـا من كتـابـاتهم ، أسـرعت أستعـيذ بالله من شيـاطـين الإنـس .
" لقد كان رعب عظيم جعله يصرخ تلك الصرخة المُرّة ، وليس نتيجة ألم جسدى ، الشىء الذى لا يقيم له وزنا ، إلا عن الكفارة وهو سر لا يستطيع أحد أن يفك لغزه " (15) .
وا حسرتاه على دين كل أموره ألغاز لا يفهمها أحد !!!!!!
" فوقع تحت ثقل الصليب ، فلم يكن ثقله بسبب وزنه ، بل بسبب ثقل آثام البشر " (16) .
" وهو حامل ثقل خطايا الناس " (17) .
لقد حمل سمعان القيروانى صليبك ، ولكنه لم يرزح تحته ، أو يتعثر به .
إن هـذا الثقـلَ المـزعـومَ وهْـمٌ يصدّقـه الحمقـى .
يفتقـد الأمانـة والذكاء ، من يحـاول تبريـر إيمان لا يمكـن الدفـاع عن مصداقيتـه ، وهنـا تكمـن عـظَـمـة الإسـلام .
المراجع :
1. عقيدة المسيحيين فى المسيح – الأنبا يوأنس صـ 214 .
2. انظر مشاركتنا ( سؤال عن لاهوت ما ينفصل عن يسوع ) .
3. طبيعة المسيح - صـ 9 .
4. الكنز الجليل فى تفسير الإنجيل – د. وليم أدى .
5. تفسير الأناجيل الأربعة – د. شماس حمدى صادق معا صـ 280 .
6. الكنز الجليل فى تفسير الإنجيل – د. وليم أدى .
7. الكنز الجليل فى تفسير الإنجيل – د. وليم أدى .
8. تفسير إنجيل متى – جون ويسلى صـ 307 .
9. الكنز الجليل فى تفسير الإنجيل – د. وليم أدى .
10. الثالوث الذى نؤمن به – مفيد كامل صـ 144 . ويقول متى : " وُجِدتْ حبلى من الروح القدس "، ويقول لوقا 1/25 : " الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك " . ( انظر مشاركتنا بعنوان : " هل الحمل المقدس فضيحة " ) .
11. الكنز الجليل فى تفسير الإنجيل – د. وليم أدى .
12. مت18/22 .
13. التفسير الحديث للكتاب المقدس _ إنجيل متى : ر.ت. فرانس .
14. مت 26/39 ، 42 ، 44 ، مر 14/36 ، 39 ، لو 22/42 .
15. تفسير إنجيل متى – جون ويسلى صـ 307 .
16. تفسير الأناجيل الأربعة معا صـ 275 .
17. الكنز الجليل فى تفسير الإنجيل – د. وليم أدى .
تعليق