إِنَّ المُؤْمِنَ حَقًّا هُوَ مَنْ يَجْعَـلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَسْـبَهُ وَوَكِيلَهُ، وَالقُرْآنَ الكَرِيمَ هَادِيَهُ وَدَلِيلَهُ، وَالتَّأسِّيَ بِرَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهْجَهُ وَسَبِيلَهُ، إِذَا نَزَغَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ اسْـتَعَاذَ بِاللهِ وَلَجَأَ إِلَيْهِ؛ طَالِبًا مِنْهُ النُّصْرَةَ وَالتَّغلُّبَ عَلَيْهِ؛ وَحِينَئِذٍ يَخْسأُ الشَّيْطَانُ وَيَؤُوبُ، إِنَّ فِي الإِنْسَانِ مَيْـلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا مَيْـلٌ إِلَى المَادَّةِ،
وَثَانِيهِمَا مَيْـلٌ رُوحِيٌّ،
بِحُكْمِ كَونِهِ مَخْلُوقًا مِنْ طِينِ الأَرْضِ، وَمِنْ نَفْخَةِ اللهِ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ؛
فَمَيْـلُهُ إِلَى طِينِيَّـتِهِ وَمَادِّيَّـتِهِ هُوَ مَجَالُ عَمَلِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَمَيْـلُهُ إِلَى السُّمُوِّ الرُّوحِيِّ هُوَ مَهْبَطُ المَلَكِ الكَرِيمِ،
يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- :
((إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْـلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ وَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))
ثُمَّ قَرَأَ:
((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))،
واللَّمَّةُ هِيَ هَمَّةٌ وَخَطْرَةٌ فِي القَلْبِ، فَإِذَا أَحَسَّ الإِنْسَانُ بِانْفِتَاحٍ وَانْشِرَاحٍ فِي قَلْبِهِ لِلْخَيْرِ وَحُبِّهِ لَهُ فَلْيَعْـلَمْ أَنَّهَا خَطْرَةُ مَلَكٍ، بِهَا يَكُونُ الإِنْسَانُ فِي أَهْنَأِ عَيْـشٍ وَأَسْعَدِهِ، وَأَلَذِّهِ وَأَطْيَبِهِ، أَمَّا خَطْرَةُ الشَّيْطَانِ فَإِنَّها تُصِيبُ القُلُوبَ بِالضَّيْـقِ، وَتَسُدُّ أَمَامَ صَفَاءِ الفِطْرَةِ الطَّرِيقَ، فيُصِيبُهَا العَطَبُ وَالجِرَاحُ، بَعْدَ الاتِّسَاعِ وَالانْشِرَاحِ، وَبِهَذِهِ اللَّمَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ يَجِدُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ سَاخِطًا عَلَى المَقْدُورِ، مُتَبَرِّمًا مِنْ أَيْسَرِ الأُمُورِ، فَيُصْبِحُ فِي ضَيْـقٍ وَهَمٍّ، وعُسْرٍ وَغَمٍّ، يَشُكُّ فِي الحَقِّ وَهُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَيُبْغِضُ الخَلْقَ بِلاَ سَبَبٍ ظَاهِرٍ أَو خَفِيٍّ، وَبِذَلِكَ يَسُوءُ حَاضِرُهُ وَحَالُهُ، وَإِنِ استَمَرَّ عَلَى هَذَا سَاءَ مُستَقْبَلُهُ وَمَآلُهُ، بَيْدَ أَنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَحَسَّ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ بَادَرَتْ قُواهُ الرُّوحِيَّةُ إِلَى طَرْدِهِ؛ فَرَجَعَ مَدْحُورًا، وَعَادَ خَائِبًا مَحْسُورًا، وَهَذِهِ القُوَى الرُّوحِيَّةُ تَستَمِدُّ قُوَّتَهَا وَتَعْمَـلُ عَمَلَهَا وتُؤدِّي دَوْرَهَا بِالاستِعَاذَةِ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ، وَحِيَـلِهِ وَدَسَائِسِهِ،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ))،
إِنَّ مِنَ الخَطَرِ بِمَكَانٍ أَنْ يُصْبِحَ الإِنْسَانُ دُمْيَةً فِي يَدِ الشَّيْطَانِ، وَلَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الإِيمَانِ، فَقَدْ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَقُودَ المُؤْمِنَ إِلَى المَهَالِكِ؛ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَيَلْجَأُ إِلَى الوَسْوَسَةِ لاَ يَزِيدُ، وَالمُؤْمِنُ اليَقِظُ هُوَ مَنْ يُواجِهُ هَذِهِ الوَسْوَسَةَ بِالاستَعَاذَةِ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ؛ فَلاَ يَنَالُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ مَا يُرِيدُ، لِهَذَا أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَستَعِيذَ بِاللهِ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ،
قَالَ تَعَالَى: ((وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ))،
وَهَذَا الأَمْرُ بِالتَّعَوُّذِ وَإِنْ خُوطِبَ بِهِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فَهُوَ لأُمَّـتِهِ مَعَهُ، بَلْ هِيَ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَيْهِ. قَدْ يُعَانِي الإِنْسَانُ مِنَ القَلَقِ وَيُصَابُ بِالأَرَقِ، فَإِنْ أَرَادَ التَّغلُّبَ عَلَى ذَلِكِ لِيُمْنَحَ الطُّمَأْنِينَةَ، وَيَعِيشَ فِي ظِلاَلِ الهُدُوءِ وَالسَّكِينَةِ؛ فَلاَ أَنْفَعَ وَأَنْجَعَ مِنَ الاستِعَاذَةِ بِاللهِ وَاللُّجُوءِ إِلَيْهِ؛ لِيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُصُولِ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ إِلَيْهِ، لَقَدْ شَكَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يُؤْرَقُ مِنَ اللَّيْـلِ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أَنْ يَقُولَ:
((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرونِ)).
أَحَدُهُمَا مَيْـلٌ إِلَى المَادَّةِ،
وَثَانِيهِمَا مَيْـلٌ رُوحِيٌّ،
بِحُكْمِ كَونِهِ مَخْلُوقًا مِنْ طِينِ الأَرْضِ، وَمِنْ نَفْخَةِ اللهِ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ؛
فَمَيْـلُهُ إِلَى طِينِيَّـتِهِ وَمَادِّيَّـتِهِ هُوَ مَجَالُ عَمَلِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَمَيْـلُهُ إِلَى السُّمُوِّ الرُّوحِيِّ هُوَ مَهْبَطُ المَلَكِ الكَرِيمِ،
يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- :
((إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابنِ آدَمَ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْـلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ وَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))
ثُمَّ قَرَأَ:
((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))،
واللَّمَّةُ هِيَ هَمَّةٌ وَخَطْرَةٌ فِي القَلْبِ، فَإِذَا أَحَسَّ الإِنْسَانُ بِانْفِتَاحٍ وَانْشِرَاحٍ فِي قَلْبِهِ لِلْخَيْرِ وَحُبِّهِ لَهُ فَلْيَعْـلَمْ أَنَّهَا خَطْرَةُ مَلَكٍ، بِهَا يَكُونُ الإِنْسَانُ فِي أَهْنَأِ عَيْـشٍ وَأَسْعَدِهِ، وَأَلَذِّهِ وَأَطْيَبِهِ، أَمَّا خَطْرَةُ الشَّيْطَانِ فَإِنَّها تُصِيبُ القُلُوبَ بِالضَّيْـقِ، وَتَسُدُّ أَمَامَ صَفَاءِ الفِطْرَةِ الطَّرِيقَ، فيُصِيبُهَا العَطَبُ وَالجِرَاحُ، بَعْدَ الاتِّسَاعِ وَالانْشِرَاحِ، وَبِهَذِهِ اللَّمَّةِ الشَّيْطَانِيَّةِ يَجِدُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ سَاخِطًا عَلَى المَقْدُورِ، مُتَبَرِّمًا مِنْ أَيْسَرِ الأُمُورِ، فَيُصْبِحُ فِي ضَيْـقٍ وَهَمٍّ، وعُسْرٍ وَغَمٍّ، يَشُكُّ فِي الحَقِّ وَهُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَيُبْغِضُ الخَلْقَ بِلاَ سَبَبٍ ظَاهِرٍ أَو خَفِيٍّ، وَبِذَلِكَ يَسُوءُ حَاضِرُهُ وَحَالُهُ، وَإِنِ استَمَرَّ عَلَى هَذَا سَاءَ مُستَقْبَلُهُ وَمَآلُهُ، بَيْدَ أَنَّ المُؤْمِنَ إِذَا أَحَسَّ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ بَادَرَتْ قُواهُ الرُّوحِيَّةُ إِلَى طَرْدِهِ؛ فَرَجَعَ مَدْحُورًا، وَعَادَ خَائِبًا مَحْسُورًا، وَهَذِهِ القُوَى الرُّوحِيَّةُ تَستَمِدُّ قُوَّتَهَا وَتَعْمَـلُ عَمَلَهَا وتُؤدِّي دَوْرَهَا بِالاستِعَاذَةِ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَوَسَاوِسِهِ، وَحِيَـلِهِ وَدَسَائِسِهِ،
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ))،
إِنَّ مِنَ الخَطَرِ بِمَكَانٍ أَنْ يُصْبِحَ الإِنْسَانُ دُمْيَةً فِي يَدِ الشَّيْطَانِ، وَلَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الإِيمَانِ، فَقَدْ يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يَقُودَ المُؤْمِنَ إِلَى المَهَالِكِ؛ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَيَلْجَأُ إِلَى الوَسْوَسَةِ لاَ يَزِيدُ، وَالمُؤْمِنُ اليَقِظُ هُوَ مَنْ يُواجِهُ هَذِهِ الوَسْوَسَةَ بِالاستَعَاذَةِ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ؛ فَلاَ يَنَالُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ مَا يُرِيدُ، لِهَذَا أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَستَعِيذَ بِاللهِ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ،
قَالَ تَعَالَى: ((وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ))،
وَهَذَا الأَمْرُ بِالتَّعَوُّذِ وَإِنْ خُوطِبَ بِهِ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- فَهُوَ لأُمَّـتِهِ مَعَهُ، بَلْ هِيَ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَيْهِ. قَدْ يُعَانِي الإِنْسَانُ مِنَ القَلَقِ وَيُصَابُ بِالأَرَقِ، فَإِنْ أَرَادَ التَّغلُّبَ عَلَى ذَلِكِ لِيُمْنَحَ الطُّمَأْنِينَةَ، وَيَعِيشَ فِي ظِلاَلِ الهُدُوءِ وَالسَّكِينَةِ؛ فَلاَ أَنْفَعَ وَأَنْجَعَ مِنَ الاستِعَاذَةِ بِاللهِ وَاللُّجُوءِ إِلَيْهِ؛ لِيُحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وُصُولِ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ إِلَيْهِ، لَقَدْ شَكَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ يُؤْرَقُ مِنَ اللَّيْـلِ فَأَمَرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - أَنْ يَقُولَ:
((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ، وَمِنْ شَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرونِ)).
عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ حَذِرِينَ مِنْ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ؛ لأَنَّ إِبْـلِيسَ - لَعَنَهُ اللهُ- لَمَّا عَلِمَ أَنَّ صَلاَحَ الإِنْسَانِ بِصَلاَحِ قَلْبِهِ، وَأَنَّ فَسَادَهُ بِفَسَادِهِ؛ رَكَّزَ اهتِمَامَهُ فِيهِ، وَوَجَّهَ هَمَزَاتِهِ إِلَيْهِ، خُصُوصًا عِنْدَمَا يَكُونُ قَلْبُ الإِنْسَانِ خَالِيًا مِنَ الشَّرِّ، فَارِغًا مِنَ المَعْصِيَةِ، حِينَئِذٍ يَنْتَهِزُ الشَّيْطَانُ هَذِهِ الفُرْصَةَ ويُوَسْوِسُ لَهُ، فَيَخْطُرُ الذَّنْبُ بِبَالِ صَاحِبِهِ فَتَكُونُ خَطْرَةٌ، ثُمَّ يُمَنِّـيهِ وَيُشَهِّيهِ فَتَكُونُ شَهْوَةٌ، ثُمَّ يُحَسِّنُ لَهُ المَعْصِيَةَ حتَّى تَمِيلَ نَفْسُهُ إِلَيْهَا فَتَكُونُ الإِرَادَةُ، فَإِذَا ظَلَّ يَستَجِيبُ لَهُ كَانَتِ العَزِيمَةُ، ثُمَّ تَكُونُ المَعْصِيَةُ وَالنِّهَايَةُ الأَلِيمَةُ، وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ إِلَى قَلْبِ الإِنْسَانِ عَبْرَ خَطَواتٍ، فَإِذَا استَجَابَ الإِنْسَانُ لأَوَّلِ خَطْوَةٍ؛ حَدَثَتْ زَلَّةٌ وَهَفْوَةٌ، فَإِذَا استَجَابَ لِلْخَطْوَةِ التِي تَلِيهَا حَدَثَ مَا هُوَ أَشَدُّ جُرْمًا وَأَعْظَمُ إِثْمًا، وَحتَّى إِذَا صُدَّ الشَّيْطَانُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ؛ استَمَرَّ عَلَى وَسْوَسَتِهِ وَعَاوَدَ الكَرَّةَ؛ فَلْيَكُنِ المُؤْمِنُ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ؛ لِيَتَجَنَّبَ مَوَاطِنَ الزَّلَلِ وَمَنَابِعَ الخَطَرِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُواعَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ))
إِنَّ لِلشَّيْطَانِ حِيَلاً وَمَكَايِدَ، ومِنْ حِيَلِهِ تَزْيِينُ البَاطِلِ، فَالبَاطِلُ فِي ذَاتِهِ قَبِيحٌ، وَلَكِنَّ وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ تَأْتِي فَتُزَيِّنُهُ وتُغَطِّيهِ بِغِطَاءٍ جَمِيلٍ، وتُلْبِسُهُ رِدَاءً حَسَنًا، وَقَدْ أَعْـلَنَ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ وَاعْـتَرَفَ بِهِ، فَمَنْ تَبِعَهُ بَعْدَ هَذَا الاعْـتِرَافِ؛ ضَلَّ طَرِيقَ الهُدَى وَسَلَكَ طَرِيقَ الانْحِرَافِ، قَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ إِبْـلِيسَ - لَعَنَهُ اللهُ -: ((رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ))
إِنَّ الذِينَ وَقَعُوا فِي حَبَائِلِ الشَّيْطَانِ وَمَصَايِدِهِ، وَحِيَلِهِ وَمَكَايِدِهِ، يَرَوْنَ البَاطِلَ أَمَامَهُمْ ظَاهِرًا مُجَلًّى، مُزَيَّنًا مُحَلًّى، فيُسْحَرُونَ بِهِ وَيُدَافِعُونَ عَنْهُ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ، حتَّى لَكَأَنَّهُمْ يُدَافِعُونَ عَنْ حَقٍّ صَرِيحٍ، وَمَا هُوَ بِالحَقِّ بَلْ هُوَ البَاطِلُ القَبِيحُ، وَأَعْمَالُ هَؤلاَءِ خَرَابٌ، وَآمَالُهُمْ سَرَابٌ، قَالَ تَعَالَى:
((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا))،
وَكَمَا يُزَيِّنُ الشَّيْطَانُ البَاطَلَ شَكْلاً وَرَسْمًا، يُزَيِّنُهُ كَذَلِكَ اسْمًا، فيُسَمِّي المَعَاصِيَ بِأَسْمَاءٍ مُحَبَّبَةٍ إِلَى النَّفْسِ، لِيَتَوارَى مَا فِيهَا مِنْ خُبْثٍ وَرِجْسٍ، وَهَذَا مَا حَدَثَ عِنْدَمَا وَسْوَسَ الشَّيْطَانُ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ لِيَأكُلاَ مِنْ شَجَرَةٍ نَهَاهُمَا رَبُّهُمَا عَنْهَا بِمُجَرَّدِ الاقْتِرَابِ مِنْهَا؛ فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْطَانُ عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ اسْمًا يَحْرِصُ آدَمُ وَأَبْنَاؤُهُ عَلَى تَحْـقِيقِ مَدْلُولِهِ، وَهُوَ الخُلْدُ وَعَدَمُ الفَنَاءِ، قَالَ تَعَالَى:
((فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى))،
لَقَدْ حَسَّنَ الشَّيْطَانُ لِبَعْضِ ضِعَافِ النُّفُوسِ الإِفْسَادَ فَأَفْسَدُوا، وَالجُحُودَ فَجَحَدُوا، وَزَيَّنَ لَهُمُ الرَّذِيلَةَ فَأَلْقَوا ِأَنْفُسَهُمْ فِي حَمْأَتِهَا، وَجَمَّـلَ لَهُمُ المَعْصِيَةَ فَرَمَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي وَحْـلِهَا، لَقَدِ ارْتَضَوْهُ وَلِيًّا فِي العَاجِلَةِ، وَسَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي الآجِلَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:
((تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))
إِنَّ مِنْ وَسَائِلِ إِغْوَاءِ الشَّيْطَانِ طَرْحَ أَسْئِلَةٍ مُضَلِّلَةٍ عَلَى الإِنْسَانِ يَقْصِدُ مِنْهَا زَعْزَعَةَ عَقِيدَتِهِ، وَهِيَ أَسْئِلَةٌ تَبْدأُ هَادِئَةً لاَ إِثْمَ فِيهَا وَلاَ حَرَجَ، غَيْرَ أَنَّ نِهَايَتَها تُرْدِي وَلاَ تَهْدِي، لأَنَّهَا صَدَرَتْ مِنْ عَدُوٍّ أَظْهَرَ لِلإِنْسَانِ عَدَاوَتَهُ، فَهُوَ يُرِيدُ مِنْ وَرَائِهَا أَهْدَافًا ذَمِيمَةً، تُسَـبِّبُ لِلإِنْسَانِ عَوَاقِبَ وَخِيمَةً، يَقُولُ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ؟ مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ ومَنْ خَلَقَ كَذَا؟ وَتظَلُّ الأَسئِلَةُ تَدُورُ عَنْ مَخْلُوقَاتِ اللهِ، وَتَظَلُّ الإِجَابَةُ عَلَى صِدْقِهَا: اللهُ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، وَفَجْأَةً يَقْفِزُ الشَّيْطَانُ بِوَسْوَسَتِهِ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللهَ؟ لَقَدْ بَدَأَ الشَّيْطَانُ بِأَسْئِلَةٍ لاَ حَرَجَ فِيهَا لِيَصِلَ إِلَى السُّؤَالِ الأَخِيرِ، وَهُوَ سُؤَالٌ جِدُّ خَطِيرٍ، يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ الشَّرَّ المُستَطِيرَ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-:
((يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ وَمَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّـكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْـتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ)).
فَاتَّقُوا اللهَ واعْـلَمُوا أَنَّهُ لاَ شَيءَ يُخَـلِّصُ الإِنْسَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهَمَزَاتِهِ، وَوَسَاوِسِهِ وَنَزَغَاتِهِ، غَيْرُ الاستِعَاذَةِ بِاللهِ مِنْهُ، فَبِالاستِعَاذَةِ يَكُونُ المُؤْمِنُ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ.
إِنَّ أَوْسَعَ بَابٍ يَلِجُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ إِلَى الإِنْسَانِ بَابُ الغَضَبِ، فَمِنْ طَرِيقِهِ يُحقِّقُ الشَّيْطَانُ كُلَّ مَأْرَبٍ، فَكَمْ بِسبَبِ الغَضَبِ تَقَطَّعَتْ أَوَاصِرُ العَلاَقَاتِ، وَطَفَتْ عَلَى السَّطْحِ بَوَادِرُ الخُصُومَاتِ، كَمْ بِهِ حَلَّ الخِلاَفُ مَحَلَّ الائْتِلاَفِ، وَحَدَثَ الفِرَاقُ بَدَلَ الوِفَاقِ، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا عَرَفَ أَنَّ هَذَا الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَاستَعَاذَ بِاللهِ مِنْهُ؛ لَهَدَأَتِ الأُمُورُ، وَسَلَكَ طَرِيقَ الهُدَى وَالنُّورِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- :
((إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ))،
وَعِنْدَمَا مَلَكَ الغَضَبُ وَاحِدًا فِي حَضْرَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-:
((إِنِّي لأَعْـلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ذَا: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).
إِنَّ القَلْبَ المَوْصُولَ بِاللهِ، وَاللِّسَانَ الذَّاكِرَ للهِ؛ إِذَا أَلَمَّ بِصَاحِبِهِ مَسٌّ مِنَ الشَّيْطَانِ استَيْـقَظَ بِسُرْعَةٍ، فَاستَطَاعَ صَدَّ الشَّيْطَانِ وَدَفْعَهُ.
فَاتَّقُوا اللهَ وَحَصِّـنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيْطَانِ بِذِكْرِ اللهِ، فَبِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ، وتُضَاءُ المَسَالِكُ وَالدُّرُوبُ، ويُفَرِّجُ اللهُ الأَزَمَاتِ وَالكُرُوبَ، وَإِذَا زَلَّ إِنْسَانٌ وَاستَجَابَ لِلشَّيْطَانِ فَوَقَعَ فِي مَعْصِيَةٍ؛ فَالعِلاَجُ مَعْرُوفٌ وَالدَّوَاءُ مَوْصُوفٌ، إِنَّهُ التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ النَّصُوحُ؛ فَهِيَ لِكُلِّ نَادِمٍ مُستَغْفِرٍ بَابٌ وَاسِعٌ مَفْتُوحٌ.
من خطب الجمعة
إِنَّ لِلشَّيْطَانِ حِيَلاً وَمَكَايِدَ، ومِنْ حِيَلِهِ تَزْيِينُ البَاطِلِ، فَالبَاطِلُ فِي ذَاتِهِ قَبِيحٌ، وَلَكِنَّ وَسَاوِسَ الشَّيْطَانِ تَأْتِي فَتُزَيِّنُهُ وتُغَطِّيهِ بِغِطَاءٍ جَمِيلٍ، وتُلْبِسُهُ رِدَاءً حَسَنًا، وَقَدْ أَعْـلَنَ الشَّيْطَانُ ذَلِكَ وَاعْـتَرَفَ بِهِ، فَمَنْ تَبِعَهُ بَعْدَ هَذَا الاعْـتِرَافِ؛ ضَلَّ طَرِيقَ الهُدَى وَسَلَكَ طَرِيقَ الانْحِرَافِ، قَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ إِبْـلِيسَ - لَعَنَهُ اللهُ -: ((رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ))
إِنَّ الذِينَ وَقَعُوا فِي حَبَائِلِ الشَّيْطَانِ وَمَصَايِدِهِ، وَحِيَلِهِ وَمَكَايِدِهِ، يَرَوْنَ البَاطِلَ أَمَامَهُمْ ظَاهِرًا مُجَلًّى، مُزَيَّنًا مُحَلًّى، فيُسْحَرُونَ بِهِ وَيُدَافِعُونَ عَنْهُ بِكُلِّ مَا أُوتُوا مِنْ قُوَّةٍ، حتَّى لَكَأَنَّهُمْ يُدَافِعُونَ عَنْ حَقٍّ صَرِيحٍ، وَمَا هُوَ بِالحَقِّ بَلْ هُوَ البَاطِلُ القَبِيحُ، وَأَعْمَالُ هَؤلاَءِ خَرَابٌ، وَآمَالُهُمْ سَرَابٌ، قَالَ تَعَالَى:
((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا))،
وَكَمَا يُزَيِّنُ الشَّيْطَانُ البَاطَلَ شَكْلاً وَرَسْمًا، يُزَيِّنُهُ كَذَلِكَ اسْمًا، فيُسَمِّي المَعَاصِيَ بِأَسْمَاءٍ مُحَبَّبَةٍ إِلَى النَّفْسِ، لِيَتَوارَى مَا فِيهَا مِنْ خُبْثٍ وَرِجْسٍ، وَهَذَا مَا حَدَثَ عِنْدَمَا وَسْوَسَ الشَّيْطَانُ إِلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ لِيَأكُلاَ مِنْ شَجَرَةٍ نَهَاهُمَا رَبُّهُمَا عَنْهَا بِمُجَرَّدِ الاقْتِرَابِ مِنْهَا؛ فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّيْطَانُ عَلَى هَذِهِ الشَّجَرَةِ اسْمًا يَحْرِصُ آدَمُ وَأَبْنَاؤُهُ عَلَى تَحْـقِيقِ مَدْلُولِهِ، وَهُوَ الخُلْدُ وَعَدَمُ الفَنَاءِ، قَالَ تَعَالَى:
((فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى))،
لَقَدْ حَسَّنَ الشَّيْطَانُ لِبَعْضِ ضِعَافِ النُّفُوسِ الإِفْسَادَ فَأَفْسَدُوا، وَالجُحُودَ فَجَحَدُوا، وَزَيَّنَ لَهُمُ الرَّذِيلَةَ فَأَلْقَوا ِأَنْفُسَهُمْ فِي حَمْأَتِهَا، وَجَمَّـلَ لَهُمُ المَعْصِيَةَ فَرَمَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي وَحْـلِهَا، لَقَدِ ارْتَضَوْهُ وَلِيًّا فِي العَاجِلَةِ، وَسَيَسْتَمِرُّونَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي الآجِلَةِ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:
((تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ))
إِنَّ مِنْ وَسَائِلِ إِغْوَاءِ الشَّيْطَانِ طَرْحَ أَسْئِلَةٍ مُضَلِّلَةٍ عَلَى الإِنْسَانِ يَقْصِدُ مِنْهَا زَعْزَعَةَ عَقِيدَتِهِ، وَهِيَ أَسْئِلَةٌ تَبْدأُ هَادِئَةً لاَ إِثْمَ فِيهَا وَلاَ حَرَجَ، غَيْرَ أَنَّ نِهَايَتَها تُرْدِي وَلاَ تَهْدِي، لأَنَّهَا صَدَرَتْ مِنْ عَدُوٍّ أَظْهَرَ لِلإِنْسَانِ عَدَاوَتَهُ، فَهُوَ يُرِيدُ مِنْ وَرَائِهَا أَهْدَافًا ذَمِيمَةً، تُسَـبِّبُ لِلإِنْسَانِ عَوَاقِبَ وَخِيمَةً، يَقُولُ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ: مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ؟ مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ ومَنْ خَلَقَ كَذَا؟ وَتظَلُّ الأَسئِلَةُ تَدُورُ عَنْ مَخْلُوقَاتِ اللهِ، وَتَظَلُّ الإِجَابَةُ عَلَى صِدْقِهَا: اللهُ خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، وَفَجْأَةً يَقْفِزُ الشَّيْطَانُ بِوَسْوَسَتِهِ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ اللهَ؟ لَقَدْ بَدَأَ الشَّيْطَانُ بِأَسْئِلَةٍ لاَ حَرَجَ فِيهَا لِيَصِلَ إِلَى السُّؤَالِ الأَخِيرِ، وَهُوَ سُؤَالٌ جِدُّ خَطِيرٍ، يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ الشَّرَّ المُستَطِيرَ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-:
((يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ وَمَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّـكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْـتَعِذْ بِاللهِ وَلْيَنْتَهِ)).
فَاتَّقُوا اللهَ واعْـلَمُوا أَنَّهُ لاَ شَيءَ يُخَـلِّصُ الإِنْسَانَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهَمَزَاتِهِ، وَوَسَاوِسِهِ وَنَزَغَاتِهِ، غَيْرُ الاستِعَاذَةِ بِاللهِ مِنْهُ، فَبِالاستِعَاذَةِ يَكُونُ المُؤْمِنُ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ.
إِنَّ أَوْسَعَ بَابٍ يَلِجُ مِنْهُ الشَّيْطَانُ إِلَى الإِنْسَانِ بَابُ الغَضَبِ، فَمِنْ طَرِيقِهِ يُحقِّقُ الشَّيْطَانُ كُلَّ مَأْرَبٍ، فَكَمْ بِسبَبِ الغَضَبِ تَقَطَّعَتْ أَوَاصِرُ العَلاَقَاتِ، وَطَفَتْ عَلَى السَّطْحِ بَوَادِرُ الخُصُومَاتِ، كَمْ بِهِ حَلَّ الخِلاَفُ مَحَلَّ الائْتِلاَفِ، وَحَدَثَ الفِرَاقُ بَدَلَ الوِفَاقِ، وَلَوْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا عَرَفَ أَنَّ هَذَا الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَاستَعَاذَ بِاللهِ مِنْهُ؛ لَهَدَأَتِ الأُمُورُ، وَسَلَكَ طَرِيقَ الهُدَى وَالنُّورِ، يَقُولُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- :
((إِنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ))،
وَعِنْدَمَا مَلَكَ الغَضَبُ وَاحِدًا فِي حَضْرَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ-:
((إِنِّي لأَعْـلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ ذَا: أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).
إِنَّ القَلْبَ المَوْصُولَ بِاللهِ، وَاللِّسَانَ الذَّاكِرَ للهِ؛ إِذَا أَلَمَّ بِصَاحِبِهِ مَسٌّ مِنَ الشَّيْطَانِ استَيْـقَظَ بِسُرْعَةٍ، فَاستَطَاعَ صَدَّ الشَّيْطَانِ وَدَفْعَهُ.
فَاتَّقُوا اللهَ وَحَصِّـنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيْطَانِ بِذِكْرِ اللهِ، فَبِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ، وتُضَاءُ المَسَالِكُ وَالدُّرُوبُ، ويُفَرِّجُ اللهُ الأَزَمَاتِ وَالكُرُوبَ، وَإِذَا زَلَّ إِنْسَانٌ وَاستَجَابَ لِلشَّيْطَانِ فَوَقَعَ فِي مَعْصِيَةٍ؛ فَالعِلاَجُ مَعْرُوفٌ وَالدَّوَاءُ مَوْصُوفٌ، إِنَّهُ التَّوْبَةُ الصَّادِقَةُ النَّصُوحُ؛ فَهِيَ لِكُلِّ نَادِمٍ مُستَغْفِرٍ بَابٌ وَاسِعٌ مَفْتُوحٌ.
من خطب الجمعة
تعليق