دعني انتحر ولكن بلطف!!
كتبه : مهند عبد الرحمن البلاع
حكى لي صديقي (مروان) أنّ أحد زملائه في العمل (هولندي الجنسية) سأله ذات مرة: ماذا تفعلون هنا في السودان حينما (تزهجون)؛ ويصيبكم السأم والملل؟!؛ فقال له (مروان): لا شيء بالتحديد؛ فلكلٍّ منّا طريقته في التخلص من الملل؛ فالبعض يرتاد الملاهي والمتنزهات، وآخرون يقيمون رحلات نيلية على ضفاف فردوسنا (الموجود)؛ كما ترى فقد حبانا الله بطبيعة ساحرة، ونيل يشق أراضينا في عزة وكبرياء؛ ناثراً الخضرة على جنباته.. سرح ذاك (الهولندي) الأشقر يتأمل في حديث (مروان) قبل أن يقول مخاطباً له: إذن لاتنتحرون؟!.. ألجمت الدهشة لسان صديقي (مروان)، وقفزت عيناه من فرط الاستغراب، ثم قال وقد بدت على صوته نبرات التعجب: (ننتحر؟!)؛ فأجاب الأشقر التعس: (نعم!؛ فنحن حين يصيبنا الملل والسأم من الحياة وروتينها ننتحر؛ فلكلِ داءٍ دواء، ودواء الملل الانتحار)!!.. ضرب صديقي (مروان) كفّاً بكف؛ أسفاً على حال أولائك الغربيين، ثم قال له: (أمّا نحن معشر المسلمين فالانتحار حرام في شرعتنا، ويُعد خروجاً عن الملّة؛ فإن كان الملل والفراغ يدعوكم للانتحار فهو يدعونا للتأمل والتفكر في ملكوت الله).
برز (الانتحار) في الآونة الأخيرة بشكل ملفت في المجتمعات الغربية، وتحول من حالات تُعد على أصابع اليد الواحدة إلى ظاهرة تستحق الوقوف والدراسة، فضلاً عن آخرين حاولوا (الانتحار)؛ فأنقذتهم العناية الألهية من براثن الموت؛ ليُكتَب لهم عمر جديد.
الناظر لحال المجتمعات الغربية، وما تشهده من انحلال، وتفكك أُسري، وغياب الرقيب لا يستغرب إقدام البعض على الانتحار؛ فإن كان التواصل بين أعضاء الأسرة تواصلا فاعلاً وحميماً؛ وأفرغ كلٌّ منهم ما في جوفه؛ من هموم، وأشواق، وهواجس إلى الآخر، وإن كان لديهم رادعاً ووازعاً دينياً حاضراً في قلوبهم لعصمهم كل ذلك عن الزلل؛ واختيار الموت؛ (انتحارا)؛ بدلا عن حياة وهبت لبعضهم النعيم من كل لون؛ فبدّلوا النعيم بالجحيم وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعا!؛ إذن فحياتهم مرهونة بحالة سأم عابرة؛ تتداعى لها وساوِس الشيطان؛ وأفكارالانتحار.. غريب أمر هولاء (الخواجات)!؛ يهدرون وقتهم في البحث عن أساليب تجعل (الانتحار) سهلاً، وهيناً؛ بدلاً من أن يبحثوا عن أسباب ما يحسوه من سأم، وملل، وربما ترف؛ يجعلهم فريسة الأفكار الخبيثة.. وعلى ذكر الترف، والثراء، والأثرياء فترى (الثري)؛ موفور الصحة والمال فجأة يقرر الانتحار؛ بعد أن عاش الحياة بطولها، وعرضها؛ ونال ما أراد من متع، وملذات؛ فيكتب (وصيته) قبل أن يُقدم على الانتحار (أنا المدعو فلان الفلاني أُُوصِي بكل تركتي إلى كلبي العزيز (بوبي)؛ وأتمنى له حياةً سعيدة؛ فيصبح الكلب (الموقر) بين ليلة وضحاها من أثرياء العالم؛ الذين يُشار إليهم بالبنان، وربما راقت (لبوبي) فكرة أن يرشح نفسه في الانتخابات كحاكم لولاية، أو عضواً في البرلمان، لاغرو؛ فالغرب ما انفك يصدر لنا العجائب، وأخشى أن تقوم مستقبلاً منظمة تسمي نفسها (أصدقاء الانتحار) ترعى شؤونهم؛ وتزلل كل العراقيل التي تقف في طريقهم، وتؤمن لهم انتحاراً وفق مايشتهون، وفعلاً؛ صدقت توقعاتي؛ فقد نما إلى مسامعي أن هنالك موقعاً في (الإنترنت) يساعد الأشخاص الراغبين في الانتحار؛ ويتناول بالشرح والتفصيل كل الطرق التي تجعلهم ينتحرون بيُسر!.
سجّل التاريخ بمداد أسود شخصيات عالمية أقدمت على الانتحار؛ ومن تلك الشخصيات الملكة الفرعونية (كيلوباترا)، وفي عصرنا الحاضر الديكتاتور الألماني (هتلر) إبان سقوط برلين في الحرب العالمية الثانية، وأيضاً الممثلة الأمريكية (مارلين مورنو)، وعلى ذكر أمريكا فقد قرأت خبراً مفاده أن رجلاً أمريكياً مات بعد أن أطلق علي نفسه النار؛ احتجاجاً على انتخاب الرئيس الأمريكى (جورج بوش) لولاية ثانية!.. لم تكتف ثقافة الانتحار (إن صح التعبير) في التغلغل وسط أهلها؛ بل اجتازت كل حواجز الطبيعة؛ وبدات تنفذ إلى مجتمعاتنا؛ كفيروس فتّاك، وتحضرني هنا حادثة انتحار عشرات (المعجبين) الذين سقطوا من أعلى البنايات حزناً وأسفاً على وفاة مطربهم الحبيب (عبد الحليم حافظ)، والجدير بالذكر أن مصر هي أكثر البلاد العربية التي تُسجَّل فها حالات الانتحار!.
تتفاوت الأسباب التي ترمي إلى جحيم الانتحار؛ فالإهانة، وسوء المعاملة، والإحباط، والشعور بالعجز قد تكون إشارات تجعل ضعيفي الإيمان يتخذون (الانتحار) ملاذا، كما تتفاوت نسبة الإقدام عليه بين الذكور والأناث، والملاحظ أن (الإناث) هنُّ الأكثر إقبالاً على الانتحار؛ لما يحملنه من حساسية عالية تستبين في ثنايا الأحداث والمواقف؛ فشكلات العنوسة، والطلاق، والصدمات العاطفية تملأ قاموسهِنّ، أما معشر الرجال بصلابتهم، وحزمهم يقدرون على إدارة الأزمات، وإن جنح بعضهم للضعف؛ فأذهق الروح؛ متعللاً بظروف الحياة، وما ذاقه من مراراتِ الفقر، والحاجة!.
مهما ساق (الجُهلاء) من أسبابٍ، وحججٍ واهية؛ تُصوِر المنتحر بمثابة (الضحية) المغلوب على أمرها فإن الانتحار يظل فعلاً شائناً، وجريمةً لا تُغتفر؛ فرب العزّة وحده الذي بيده قبض الأرواح؛ فنحن لا نختار حياتنا كما نشاء؛ وإن اجتهدنا في تغييرها فللقدر أحواله وتصاريفه؛ فإيماننا بالقضاء والقدر من إيماننا بالله؛ ونحمد الله أن جعلنا من أمة الإسلام؛ ووقانا شرور الإحباط، والسأم، والملل.
كتبه : مهند عبد الرحمن البلاع
حكى لي صديقي (مروان) أنّ أحد زملائه في العمل (هولندي الجنسية) سأله ذات مرة: ماذا تفعلون هنا في السودان حينما (تزهجون)؛ ويصيبكم السأم والملل؟!؛ فقال له (مروان): لا شيء بالتحديد؛ فلكلٍّ منّا طريقته في التخلص من الملل؛ فالبعض يرتاد الملاهي والمتنزهات، وآخرون يقيمون رحلات نيلية على ضفاف فردوسنا (الموجود)؛ كما ترى فقد حبانا الله بطبيعة ساحرة، ونيل يشق أراضينا في عزة وكبرياء؛ ناثراً الخضرة على جنباته.. سرح ذاك (الهولندي) الأشقر يتأمل في حديث (مروان) قبل أن يقول مخاطباً له: إذن لاتنتحرون؟!.. ألجمت الدهشة لسان صديقي (مروان)، وقفزت عيناه من فرط الاستغراب، ثم قال وقد بدت على صوته نبرات التعجب: (ننتحر؟!)؛ فأجاب الأشقر التعس: (نعم!؛ فنحن حين يصيبنا الملل والسأم من الحياة وروتينها ننتحر؛ فلكلِ داءٍ دواء، ودواء الملل الانتحار)!!.. ضرب صديقي (مروان) كفّاً بكف؛ أسفاً على حال أولائك الغربيين، ثم قال له: (أمّا نحن معشر المسلمين فالانتحار حرام في شرعتنا، ويُعد خروجاً عن الملّة؛ فإن كان الملل والفراغ يدعوكم للانتحار فهو يدعونا للتأمل والتفكر في ملكوت الله).
برز (الانتحار) في الآونة الأخيرة بشكل ملفت في المجتمعات الغربية، وتحول من حالات تُعد على أصابع اليد الواحدة إلى ظاهرة تستحق الوقوف والدراسة، فضلاً عن آخرين حاولوا (الانتحار)؛ فأنقذتهم العناية الألهية من براثن الموت؛ ليُكتَب لهم عمر جديد.
الناظر لحال المجتمعات الغربية، وما تشهده من انحلال، وتفكك أُسري، وغياب الرقيب لا يستغرب إقدام البعض على الانتحار؛ فإن كان التواصل بين أعضاء الأسرة تواصلا فاعلاً وحميماً؛ وأفرغ كلٌّ منهم ما في جوفه؛ من هموم، وأشواق، وهواجس إلى الآخر، وإن كان لديهم رادعاً ووازعاً دينياً حاضراً في قلوبهم لعصمهم كل ذلك عن الزلل؛ واختيار الموت؛ (انتحارا)؛ بدلا عن حياة وهبت لبعضهم النعيم من كل لون؛ فبدّلوا النعيم بالجحيم وهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعا!؛ إذن فحياتهم مرهونة بحالة سأم عابرة؛ تتداعى لها وساوِس الشيطان؛ وأفكارالانتحار.. غريب أمر هولاء (الخواجات)!؛ يهدرون وقتهم في البحث عن أساليب تجعل (الانتحار) سهلاً، وهيناً؛ بدلاً من أن يبحثوا عن أسباب ما يحسوه من سأم، وملل، وربما ترف؛ يجعلهم فريسة الأفكار الخبيثة.. وعلى ذكر الترف، والثراء، والأثرياء فترى (الثري)؛ موفور الصحة والمال فجأة يقرر الانتحار؛ بعد أن عاش الحياة بطولها، وعرضها؛ ونال ما أراد من متع، وملذات؛ فيكتب (وصيته) قبل أن يُقدم على الانتحار (أنا المدعو فلان الفلاني أُُوصِي بكل تركتي إلى كلبي العزيز (بوبي)؛ وأتمنى له حياةً سعيدة؛ فيصبح الكلب (الموقر) بين ليلة وضحاها من أثرياء العالم؛ الذين يُشار إليهم بالبنان، وربما راقت (لبوبي) فكرة أن يرشح نفسه في الانتخابات كحاكم لولاية، أو عضواً في البرلمان، لاغرو؛ فالغرب ما انفك يصدر لنا العجائب، وأخشى أن تقوم مستقبلاً منظمة تسمي نفسها (أصدقاء الانتحار) ترعى شؤونهم؛ وتزلل كل العراقيل التي تقف في طريقهم، وتؤمن لهم انتحاراً وفق مايشتهون، وفعلاً؛ صدقت توقعاتي؛ فقد نما إلى مسامعي أن هنالك موقعاً في (الإنترنت) يساعد الأشخاص الراغبين في الانتحار؛ ويتناول بالشرح والتفصيل كل الطرق التي تجعلهم ينتحرون بيُسر!.
سجّل التاريخ بمداد أسود شخصيات عالمية أقدمت على الانتحار؛ ومن تلك الشخصيات الملكة الفرعونية (كيلوباترا)، وفي عصرنا الحاضر الديكتاتور الألماني (هتلر) إبان سقوط برلين في الحرب العالمية الثانية، وأيضاً الممثلة الأمريكية (مارلين مورنو)، وعلى ذكر أمريكا فقد قرأت خبراً مفاده أن رجلاً أمريكياً مات بعد أن أطلق علي نفسه النار؛ احتجاجاً على انتخاب الرئيس الأمريكى (جورج بوش) لولاية ثانية!.. لم تكتف ثقافة الانتحار (إن صح التعبير) في التغلغل وسط أهلها؛ بل اجتازت كل حواجز الطبيعة؛ وبدات تنفذ إلى مجتمعاتنا؛ كفيروس فتّاك، وتحضرني هنا حادثة انتحار عشرات (المعجبين) الذين سقطوا من أعلى البنايات حزناً وأسفاً على وفاة مطربهم الحبيب (عبد الحليم حافظ)، والجدير بالذكر أن مصر هي أكثر البلاد العربية التي تُسجَّل فها حالات الانتحار!.
تتفاوت الأسباب التي ترمي إلى جحيم الانتحار؛ فالإهانة، وسوء المعاملة، والإحباط، والشعور بالعجز قد تكون إشارات تجعل ضعيفي الإيمان يتخذون (الانتحار) ملاذا، كما تتفاوت نسبة الإقدام عليه بين الذكور والأناث، والملاحظ أن (الإناث) هنُّ الأكثر إقبالاً على الانتحار؛ لما يحملنه من حساسية عالية تستبين في ثنايا الأحداث والمواقف؛ فشكلات العنوسة، والطلاق، والصدمات العاطفية تملأ قاموسهِنّ، أما معشر الرجال بصلابتهم، وحزمهم يقدرون على إدارة الأزمات، وإن جنح بعضهم للضعف؛ فأذهق الروح؛ متعللاً بظروف الحياة، وما ذاقه من مراراتِ الفقر، والحاجة!.
مهما ساق (الجُهلاء) من أسبابٍ، وحججٍ واهية؛ تُصوِر المنتحر بمثابة (الضحية) المغلوب على أمرها فإن الانتحار يظل فعلاً شائناً، وجريمةً لا تُغتفر؛ فرب العزّة وحده الذي بيده قبض الأرواح؛ فنحن لا نختار حياتنا كما نشاء؛ وإن اجتهدنا في تغييرها فللقدر أحواله وتصاريفه؛ فإيماننا بالقضاء والقدر من إيماننا بالله؛ ونحمد الله أن جعلنا من أمة الإسلام؛ ووقانا شرور الإحباط، والسأم، والملل.
تعليق