الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
تقول ياسمينا كورنيليا كوفمان : هجرت المسيحية والهندوسية ولم أجد ضالتي إلا في الإسلام
ولدت مسيحية في العاصمة فيينا لأبوين مسيحيين وكنت أتردد علي الكنيسة للصلاة منذ طفولتي ولكن كلما كبرت في السن أخذت أفكر في طقوس الكنيسة وجدواها وبدأت أكتشف الكثير من التناقضات بين الأناجيل بل وداخل الإنجيل الواحد .
وكان عقلي يرفض ما يقوله القساوسة في عظاتهم بأن المسيح هو الله وكنت اشعر في قرارة نفسي أنهم يكذبون فكيف يصلب المسيح الإله ويتضرع أثناء الصلب ويصلي ويشكو ويقول لماذا تركتني ؟؟ فكيف يكون هو الإله وفي نفس الوقت يبكي ويشكو ويصلي فهل كان يشكو نفسه لنفسه اويصلي لنفسه ؟؟
إذن المسيح هو رسول وبشر وليس الها او ابن للإله لان أمه مريم العذراء حملت به وبعد ولادته ارضعته كما ترضع الامهات اولادهن وكانت تنظفه كأي طفل فكيف يكون الها ؟؟ واذاكان عيسي المسيح ولد بدون اب ونفخ الله فيه من روحه فآدم ايضا هو نفخة من روح الله وخلقه الله بدون اب او ام فلماذا نؤله المسيح ولا نؤله آدم ايضا ؟؟ .
كما أن القساوسة كانوا يقولون لنا إن المسيح هو الذي بني الكنيسة التي كنا نتردد عليها للصلاة وكان عقلي يرفض أن يكون المسيح هو باني الكنيسة بل الناس هم الذين قاموا ببنائها كما أن التناقضات الموجودة في الإنجيل جعلتني أوقن أن المكتوب فيه ليس كلام الله بل هو كلام كاتبيه من البشر وكانت النتيجة إنني توقفت عن قراءة الإنجيل والذهاب للكنيسة .
يكفي ان أقول لجميع الحاقدين على الإسلام ، انه اكثر الديانات إنتشارا و اقل الديانات في خروج اتباعه منه.
ويكفي ان اقول ان رؤساء امريكيا و اوربا و الغرب و الشرق كله لا يحسب حساب لإي دين آخر غير الإسلام.
و هم يقاتلون الإسلام بكل ما آتوا من قوه و بدعاوى كلها باطلة و كاذبة و تحت مسميات الإرهاب و التطرف و غيرها.
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الرسالات التي جاء بها الأنبياء جميعاً منزلة من عند الله العليم الحكيم الخبير ، ولذلك فإنها تمثل صراطاً واحداً يسلكه السابق واللاحق (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) سورة الفاتحة ، ومن خلال استعراضنا لدعوة الرسل التي أشار إليها القرآن نجد أنّ الدِّين الذي دعت إليه الرسل جميعاً واحد هو الإسلام ، ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ) [ آل عمران : 19 ] ، والإسلام في لغة القرآن ليس اسماً لدين خاص ، وإنما هو اسم للدّين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء ، فنوح عليه السلام يقول لقومه : ( وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [ يونس : 72 ] ، والإسلام هو الدين الذي أمر الله تعالى به أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام ( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) [البقرة : 131] ويوصي كل من إبراهيم ويعقوب أبناءه قائلاً : ( فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) [البقرة : 132] وأبناء يعقوب يجيبون أباهم : ( نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) [ البقرة : 133 ] وموسى عليه السلام يقول لقومه : ( يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ) [ يونس : 84 ] والحواريون يقولون لعيسى عليه السلام : ( آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) [ آل عمران : 52 ] وحين سمع فريق من أهل الكتاب القرآن الكريم ( قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ) [ القصص : 53 ] .
فالإسلام شعار عام كان يدور على ألسنة الأنبياء وأتباعهم منذ أقدم العصور التاريخية إلى عصر النبوة المحمدية .
كيف يتحقق الإسلام
الإسلام هو الطاعة والانقياد والاستسلام لله تعالى ، بفعل ما يأمر به ، وترك ما ينهى عنه ، ولذلك فإنّ الإسلام في عهد نوح يكون باتباع ما جاء به نوح ، والإسلام في عهد موسى يكون باتباع شريعة موسى عليه السلام ، والإسلام في عهد عيسى عليه السلام يكون باتباع الإنجيل ، والإسلام في عهد محمد صلى الله عليه وسلم يكون بالتزام ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
لبُّ دعوات الرسل
ولبُّ دعوات الرسل وجوهر الرسالات السماوية هو الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، ونبذ ما يُعبد من دونه ، وقد عرض القرآن هذه القضية وأكدها في مواضع متعددة ، مرة يذكر دعوة الرسل فنوح يقول لقومه : ( يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [ الأعراف : 59 ] ، وإبراهيم قال لقومه : ( وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ العنكبوت : 16 ] وهود عليه السلام قال لقومه : ( اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [ الأعراف : 65 ] وصالح قال لقومه : ( اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) [ الأعراف : 73 ] .
ومرة ينص على أنّه أرسل الرسل جميعاً بهذه المهمة الواحدة : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) [ الأنبياء : 25 ] . ومرة يسرد سيرة الأنبياء وأتباعهم ينظمهم في سلك واحد ، ويجعل منهم أمة واحدة لها إله واحد ( إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [ الأنبياء : 92 ] ، ومرة يجعل الاستجابة لله وتحقيق العبودية له هي الدين والملة ، ويجعل مَن رفضَها يحكم على نفسه بالسفه والضلال، ( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ) [ البقرة : 130 ] ، وملة إبراهيم عليه السلام حددها بقوله : ( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [ الأنعام : 79 ] .
ومرة يبين أنها وصية الرسل والأنبياء لمن بعدهم ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا ) [ البقرة : 133 ] .
ومرة ينص على وحدة الدين الذي شرعه للرسل العظام : ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) [ الشورى : 13 ] .
الرسالات السابقة تبين الأسباب الموجبة لعبادة الله :
ولم تكتف الرسالات السابقة بالدعوة إلى عبادة الله وحده ، بل بينت الأسباب التي تجعل هذه الدعوى هي الحق الذي لا محيص عنه ، وذلك بذكر خصائص الألوهية ، وبالحديث عن نعم الله تعالى التي أنعم بها على عباده ، وبتوجيه الأنظار والعقول للنظر في ملكوت السماوات والأرض ، فنوح يقول لقومه : ( مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13 ) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) [سورة نوح ]
وهذا المعنى يتردد في صحف إبراهيم وموسى ، وقد ورد فيهما كما أخبرنا القرآن الكريم ( وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52)) [ النجم : ] .
المبادئ الخالدة : مسائل العقيدة :
وليست الدعوة إلى عبادة الله وحده هي القضية الوحيدة التي اتفقت فيها الرسالات، فأماكن الاتفاق كثيرة ، فمن ذلك أمور الاعتقاد التي تشكل تصوراً واحداً وأساساً واحداً لدى جميع الرسل وأتباعهم ، فأول الرسل نوح ذكَّر قومه بالبعث والنشور فمما قاله لقومه : ( وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ) [نوح : 17-18 ] .
وأعلمهم بالملائكة والجنّ ، ولذلك قال الكفار من قومه : ( مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ - إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ) [ المؤمنون : 24-25 ] .
والإيمان باليوم الآخر واضح في دعوة إبراهيم ( وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) [ البقرة : 126 ] ،
وفي دعوة موسى أشدُّ وضوحاً ، ولذلك نرى السحرة عندما يخرون سجدّاً يقولون لفرعون : ( إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76)) [ طه : 73-76 ] .
وجاء في صحف إبراهيم وموسى : ( بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) [ الأعلى : 16-17 ] وكل الرسل والأنبياء أنذروا أممهم المسيح الدجال ، ففي الحديث الصحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ، فقال : " إني أنذركموه ، وما من نبي إلا قد أنذره قومه ، لقد أنذره نوح قومه ، ولكن سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه ، تعلمون أنه أعور ، وأن الله ليس بأعور "
القواعد العامة
والكتب السماوية تقرر القواعد العامة التي لا بدّ أن تعيها البشرية في مختلف العصور كقاعدة الثواب والعقاب ، وهي أنّ الإنسان يحاسب بعمله ، فيعاقب بذنوبه وأوزاره ، ولا يؤاخذ بجريرة غيره ، ويثاب بسعيه ، وليس له سعى غيره ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) [ النجم : 36-41 ] .
ومن ذلك أن الفلاح الحقيقي يتحقق بتزكية النفس بمنهج الله والعبودية له ، وإيثار الآجل على العاجل : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) [ الأعلى : 14-19 ] .
ومن ذلك أنّ الذي يستحق وراثة الأرض هم الصالحون ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [ الأنبياء : 105 ] .
والقرآن الكريم يخبرنا أنّ الرسل جميعاً حملوا ميزان العدل والقسط
قال الله تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطٌِ ) [ الحديد : 25 ] وأنهم أمروا بأن يكسبوا رزقهم بالحلال ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) [المؤمنون : 51] وكثير من العبادات التي نقوم بها كانت معروفة عند الرسل السابقين وأتباعهم ( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ) [الأنبياء : 73] . وإسماعيل عليه السلام ( وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ) [ مريم : 55 ] وقال الله تعالى لموسى عليه السلام : ( فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) [ طه : 14 ] ،
وقـال عيسى عليه السلام : ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) [ مريم : 31 ] . والصوم مفروض على من قبلنا كما هو مفروض علينا ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [ البقرة : 183 ] .
والحج فرضه إبراهيم عليه السلام ، فقد أمره الله بعد بناء الكعبة فنادى بالحج ، ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا ... ) [ الحج : 29 ] (3) ، وقد كان لكل أمة مناسكها وعبادتها ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَام ) [الحج : 3]
( لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ) [ الحج : 67 ] .
ومما اتفقت فيه الرسالات أنها بينت المنكر والباطل ودعت إلى محاربته وإزالته ، سواءً أكان عبادة أوثان ، أو استعلاء في الأرض ، أو انحرافاً عن الفطرة كفعل قوم لوط ، أو عدواناً على البشر وأحوالهم بقطع الطريق والتطفيف بالميزان .
تكليف الجن
خلق الله الجن للغاية نفسها التي خلق الإنس من أجلها : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات : 56 ] .
فالجن على ذلك مكلفون بأوامر ونواهٍ ، فمن أطاع رضي الله عنه ، وأدخله الجنة ، ومن عصى وتمرد ، فله النار ، يدلّ على ذلك نصوص كثيرة .
ففي يوم القيامة يقول الله مخاطباً كفرة الجن والإنس موبخاً مبكتاً : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) [الأنعام : 130] .
ففي هذه الآيات دليل على بلوغ شرع الله الجن ، وأنه قد جاءهم من ينذرهم ويبلغهم .
والدليل على أنهم سيعذبون في النار قوله تعالى : ( قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النَّار ) [ الأعراف : 38 ] ، وقال : ( ولقد ذرأنا لجهنَّم كثيراً من الجن والإنس ) [ الأعراف : 179 ] ، وقال : ( لأملأنَّ جهنَّم من الجنَّة والنَّاس أجمعين ) [ السجدة : 13 ] . والدليل على أن المؤمنين من الجن يدخلون الجنة قوله تعالى : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) [ الرحمن : 46-47 ] .
والخطاب هنا للجن والإنس ؛ لأن الحديث في مطلع السورة معهما ، وفي الآية السابقة امتنان من الله على مؤمني الجن بأنهم سيدخلون الجنة ، ولولا أنهم ينالون ذلك لما امتن عليهم به .
جنود الشيطان من الجن والإنس
والشيطان له فريقان من الجنود : فريق من الجان ، وفريق من بني الإنسان .
وله جنود يهاجمون راكبين راجلين ، يرسلهم على العباد ، يحركونهم إلى الشر تحريكاً : ( ألم تر أنَّا أرسلنا الشَّياطين على الكافرين توزُّهم أزّاً ) [ مريم : 83 ] .
الهدف البعيد
هناك هدف وحيد يسعى الشيطان لتحقيقه في نهاية الأمر ، هو أن يلقي الإنسان في الجحيم ، ويحرمه من الجنّة ، ( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ) [ فاطر : 6 ] .
إيقاع العباد في الشرك والكفر :
وذلك بدعوتهم إلى عبادة غير الله ، والكفر بالله وبشريعته : ( كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ) [ الحشر : 16 ] .
إيقاعهم في الذنوب والمعاصي
إيقاعهم في البدعة :
وهي أحب إلى الشيطان من الفسوق والمعاصي ؛ لأن ضررها في الدين ، قال سفيان الثوري : " البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ؛ لأن المعصية يتاب منها ، والبدعة لا يتاب منها " غرائب وعجائب الجن ، للشبلي : ص 206 .
صدّه العباد عن طاعة الله
إفساد الطاعات
كل مخالفة للرحمن فهي طاعة للشيطان :فكل من عبد غير الله من صنم أو وثن ، أو شمس وقمر ، أو هوى ، أو إنسان ، أو مبدأ ، فهو عابد للشيطان ، رضي أم أبى ؛ لأن الشيطان هو الآمر بذلك والمرغب فيه ، ولذلك فإن عبّاد الملائكة يعبدون الشيطان في الحقيقة : ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41 ) [ سبأ ] .
يعني أن الملائكة لم تأمرهم بذلك ، وإنما أمرتهم بذلك الجن
هذا العدو الماكر حريص على إضلال بني آدم ، وقد علمنا أهدافه ووسائله في الإضلال ، فبمقدار علمك بهذا العدو : أهدافه ووسائله والسبل التي يضلنا بها تكون نجاتنا منه ، أما إذا كان الإنسان غافلاً فإن عدوه يأسره ويوجهه الوجهة التي يريد .
ان السبيل للحماية من الشيطان هو الالتزام بالكتاب والسنة علماً وعملاً ، فالكتاب والسنة جاءا بالصراط المستقيم ، والشيطان يجاهد كي يخرجنا عن هذا الصراط قال تعالى : ( وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه ولا تتَّبعوا السُّبل فتفرَّق بكم عن سبيله ذلكم وصَّاكم به لعلَّكم تتَّقون ) [ الأنعام : 153 ] .
وقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية فعن عبد الله بن مسعود قال : " خط لنا رسول الله خطاً ، ثمّ قال : ( هذا سبيل الله ) ثمّ خط خطوطاً عن يمينه وشماله وقال : ( هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ) وقرأ : ( وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتَّبعوه ) [ الأنعام : 153 ] . رواه الإمام أحمد والنسائي والدارمي) مشكاة المصابيح : 1/58 . ورقمه : 166 . وقال محقق المشكاة : وإسناده حسن .
خير سبيل للاحتماء من الشيطان وجنده هو الالتجاء إلى الله والاحتماء بجنابه ، والاستعاذة به من الشيطان ، فإنه عليه قادر . فإذا أجار عبده فأنى يخلص الشيطان إليه ، قال تعالى : ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين (199) وإمَّا ينزغنَّك من الشَّيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنَّه سميع عليم ) [ سورة الأعراف ] .
فالشيطان منبع الشرور والآثام ، فهو القائد إلى الهلاك الدنيوي والأخروي ، ورافع الراية في كل وقت ومكان ، يدعو الناس إلى الكفران ، ومعصية الرحمن
حريّ بالعاقل أن لا يغتر بكثرة الهالكين ، فالكثرة ليس لها اعتبار في ميزان الله ، إنما الاعتبار بالحقّ ولو قَلّ عدد متبعيه .
فكن من أتباع الحق الذين رضوا بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد رسولاً ، الذين عرفوا الشيطان وأتباع الشيطان ، فحاربوهم بالحجة والبرهان ،
وقبل ذلك بالالتجاء إلى الرحمن.
http://www.youtube.com/watch?v=kYNyuK82-PM
تعليق