السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اقدم لكم اليوم موضوعا شاملا خاص بقراء مصر الاجلاء الذين اثرو انفسنا باصواتهم العذبه الجميلة
سيرة الشيخ محمد محمود الطبلاوي
[BIMG]http://www.islamophile.org/spip/local/cache-vignettes/L356xH337/resize_of_tablawi-453bb.gif[/BIMG]
نبذة عن الشيخ محمد رفعت::.يقولها أحد أحفاده
هو أول وآخر مقرئي القرآن الذي تهافت على سماعه عدد كبير من غير المسلمين وهو القارىء الذي أحاطت به هالة من الأساطير قال عنه مفتي سوريا بعد وفاته " أنه جدد شباب الاسلام ".
وهو من مواليد حي المغربلين بمدينة القاهرة عام 1882 م ألحقه أبوه بكتاب الحي عندما بلغ الخامسة من عمره وأتم حفظ القرآن قبل أن يتم العشر سنوات وكان شيخه ومحفظه يحبه كثيرا لإتقانه الحفظ والتلاوة بصوت شجي فعلمه التجويد وأعطاه شهادة إجادة حفظ القرآن وتجويده قبل بلوغه السادسة عشر من عمره وكتب فيها : أنه وبعد أن قرأ علينا الشيخ محمد رفعت القرآن الكريم تلاوة وترتيلا ومجودا ومجزءا فقد منحته الإعتراف بأهليته لترتيل القرآن وتجويده ..ومنذ تلك اللحظة والشيخ محمد رفعت يقرأ القرآن في السهرات والليالي والأفراح والمأتم... وقد أحترف القراءة والتلاوة وسط جيل من رواد الموسيقى كالشيخ أبو العلا محمد وعبده الحامولي ومحمد عثمان فاستقى حلاوة الصوت النغمي باقترابه منهم وإستماعه
لموسيقاهم وطربهم في الأفراح والسهرات إضافة إلى كوكبة أخرى من القراء العظام الذين سطع نجمهم في عصره ولكنهم لم ينالوا حظهم كالشيخ البربري وحنفي برعي والمناخلي وإسماعيل سكر فاكتسب فنه وحلاوة صوته من إلتصاقه بهؤلاء القراء والمشايخ الكبار في موسيقاهم وقراءاتهم ..فأخذ من كل منهم أبدع مافيه حتى فاقهم هو بموهبته رغم صغر سنه بالنسبة لهم فأخذ يجوب محافظات مصر ويقرأ فيها حتى سطع نجمه وأصبح القارىء الأول في مصر كلها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ..
لموسيقاهم وطربهم في الأفراح والسهرات إضافة إلى كوكبة أخرى من القراء العظام الذين سطع نجمهم في عصره ولكنهم لم ينالوا حظهم كالشيخ البربري وحنفي برعي والمناخلي وإسماعيل سكر فاكتسب فنه وحلاوة صوته من إلتصاقه بهؤلاء القراء والمشايخ الكبار في موسيقاهم وقراءاتهم ..فأخذ من كل منهم أبدع مافيه حتى فاقهم هو بموهبته رغم صغر سنه بالنسبة لهم فأخذ يجوب محافظات مصر ويقرأ فيها حتى سطع نجمه وأصبح القارىء الأول في مصر كلها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ..
وفي عام 1934 م وبينما كان الشيخ رفعت يقرأ في أحد المآتم إذ استمع إليه البرنس محمد على مصادفة فأعجب به وبصوته وأسلوب تلاوته فأرسل إليه وطلب منه أن يفتتح الإذاعة الأهلية بتلاوة القرآن الكريم فكان ذلك فتحا كبيرا على الشيخ محمد رفعت إذا كان أول قارىء بالإذاعة الأهلية.
لقد سجل الشيخ رفعت بعض السور القرآنية لإذاعة الـ ب.ب.س البريطانية على شرائط كاسيت قبل أن يسجل للإذاعة الأهلية المصرية .... لماذا؟
أول تسجيل للشيخ رفعت بصوته كان تسجيلاً أهلياً .. فقد سجل له صديقاه زكريا باشا مهران صاحب بنك مصر والحاج محمد خميس التاجر الكبير المعروف في ذلك الوقت سورتا الكهف ومريم على أسطوانة .. ثم طلبت منه بعد ذلك إذاعة الـ ب. ب. س البريطانية أن يسجل لها القرآن بصوته فرفض معتقداً أن ذلك يعد حراماً على اساس أنها إذاعة أجنبية فأستفتى الشيخ المراغي شيخ الأزهر في ذلك الوقت فصحح له إعتقاده فسجل لها سورة مريم وبعد ذلك طلبت منه الإذاعة الأهلية أن يسجل لها وكان في مرضه الأخير فسجل لها بعض السور كالكهف ومريم ويونس على أسطوانتين إلا أن صوته كان غير مرض بالنسبة له وظلت الإذاعة تذبع له تلك التسجيلات طيلة حياته ولم يكن راضياً عنها , وبعد وفاته علم المسؤلين بالإذاعة أن هناك تسجيلين آخرين عند صاحبيه زكريا مهران ومحمد خميس وبعض التسجيلات الأخرى وبصوت قوي وأستطاعوا أن يحصلوا على تلك التسجيلات وتم إعادة طبعها واستعانت الإذاعة بالقارئ الشيخ أبو العينين شعيشع في إستكمال بعض الآيات وربطها في الأسطوانات المسجلة لوجود عيوباً فنية بها , وهي التي تذاع الآن.
هاجمت الزغطة الشيخ محمد رفعت مع بداية عام 1943 م فكانت بداية رحلته مع المرض الذي أحتار الأطباء في علاجه منه حتى توفى عام 1950م ... فماذا كان يفعل طوال هذه الفترة ؟ وهل أمتنع عن القراءة في الإذاعة ؟
لقد هاجمه المرض في عام 1943م كما ذكرت وكانت الزغطة شديدة جداً حيث كانت تلازمه فترة طويلة تزيد على الثلاث ساعات يومياً فذهب إلى الكثير من الأطباء وتم أخذ بعض المسكنات ولكن لفترة قصيرة إلا أنها عاودته مرة اخرى وكان الأطباء قد نصحوه بأن يشرب السوائل من الإناء بطريقة معينة مما قد يساعد ذلك في منع الزغطة.. وكان في تلك الفترة يذهب إلى الإذاعة يومين في الأسبوع هما يومي الأثنين والجمعة وذلك حتى عام 1948م حيث أشتد عليه المرض الذي كان يهاجمه أغلب ساعات يومه دون إنقطاع حتى أنها هاجمته مرة أثناء قراءته بالإذاعة فأمتنع عن الذهاب إلى الإذاعة بعدها لشعوره بالخوف على ضياع مكانته كقارئ عظيم مكتفياً بما قدم حتى أنه فضل القراءة في إحدى مساجد حي السيدة زينب وهو مسجد فاضل كان يقرأ فيه القرآن دون ان يذهب إلى الإذاعة.
ولماذا كان يذهب إلى مسجد فاضل فقط دون الإذاعة ما دام قادراً على القراءة والتلاوة؟
لقد سألته نفس سؤال حضرتك فقال: أنا اعرف بحالتي عندما أقرأ القرآن , فقد يكون صوتي قوياً فأنطلق كالحصان الجموح وأحياناً أخرى يكون صوتي ضعيفاً لشدة إرهاقي وسوء حالتي النفسية من شدة المرض, فإذا ما قرأت في المسجد وكنت على غير ما يرام سترني أصحابي وأحبابي أما في الإذاعة فهذا الأمر لن يكون في صالحي وأنا لا أفضل ذلك في أيامي الأخيرة.
عندما اشتد المرض بالشيخ محمد رفعت أعلن الكاتب والصحفي الكبير الأستاذ أحمد الصاوي محمد عن فتح إكتتاب لعلاج الشيخ محمد رفعت إلا أن الشيخ رفض.. لماذا؟ وما حقيقة ذلك الأمر؟
في يوليو عام 1949 م كانت مجلة المصور قد نشرت خبرا مصورا عن مرض الشيخ محمد رفعت فأعلن الأستاذ أحمد الصاوي محمد عن فتح إكتتاب لعلاج الشيخ وجمع التبرعات فأثار ذلك الخبر حزن محبيه والمعجبين بصوته وتم جمع ما يزيد عن خمسين ألف جنيها وعندما علم الشيخ رفعت بذلك قال : أنا مستور والحمد لله ولست في الحالة التي تستوجب جمع هذه المبالغ وإذا كان على العلاج فالأطباء يعالجونني ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه كما ان هذه المبالغ أصحابها أولى بها مني فهم الفقراء والمحبين لصوتي حقا ولكني والحمد لله لست في حاجة إلى كل هذا المال ..ثم قال لي : أحضر ورقة فأحضرتها فقال : إكتب وأملاني ..إلى الأستاذ أحمد الصاوي ..أعتذر عن قبول هذه التبرعات ..وأن مرضي بيد الله وهو القادر على شفائي وإني لأشكرك وأرجو أن تشكر كل الذين جمعوا لي هذه التبرعات على روحهم الطيبة وحبهم لي ..فلما أرسلنا هذه الرسالة إلى الأستاذ أحمد الصاوي كتب بجريدة الأهرام يثني على عفة الشيخ رفعت وأخلاقه وتأثير القرآن عليه في سمو نفسه وعلوها وقد توفي رحمه الله بعد ذلك بعام واحد.
ما عدد أولاده ؟
خمسة أبناء أكبرهم محمود وولد عام 1906 م موقد توفي صغيرا ثم محمد وولد عام 1909 م ثم أحمد عام 1911 م ثم ابنته زوجتي وولدت عام 1914 م ثم حسين وولد عام 1919 م وقد توفاهم الله جميعا.
لم تكن العلاقة بين الشيخ رفعت والشيخ طه الفشني طيبة ..لماذا ؟
هذه ليست حقيقة ولكن كل ما في الأمر أن الشيخ رفعت كان قد طلب من الشيخ طه الفشني الموافقة على زواج إحدى بناته لأحد أبنائه فرفض الشيخ طه الفشني ..فغضب الشيخ رفعت ولكن هذا لم يدم طويلا لأن الشيخ رفعت كان يحب الشيخ طه ويحب صوته وكذلك إنشاده
رغم إعجاب الشيخ محمد رفعت بالشيخ على محمود وبخاصة آدائه في التواشيح و الأبتهالات الدينية إلا أنه كان يلقبه بالبهلوان ..لماذا ؟
لم يكن هذا رأي الشيخ رفعت وحده فقد قال لي ذات مرة أن المشايخ يلقبون الشيخ على محمود بالبهلوان ولما سألته : لماذا ؟ قال : لأنه يسرح بالنغم في الأنشاد ويتوه مع المستمعين ويتوههم معها ويطلع وينزل بكلتا يديه من شدة الإندماج كالبهلوان ثم يعود إلى ما بدأ به في يداية إنشاده دون أن يخطىء حتى أننا كنا نخشى عليه ألا يستطيع العودة في إنشاده وإلى ما بدأ به فإذا به يعود وأقوى فينال إستحسان الناس وتقديرهم ..ولذا فقد كان يكرر دائما أن الشيخ على محمود لا يبارى في الآداء الإنشادي والإبتهالات.
كان الشيخ محمد رفعت أحد اقطاب جماعة النقشبندية فكيف كان فكره مع هذه الجماعة ؟ وهل أثر ذلك على سلوكه العام ؟
كانت هذه الجماعة إحدى الجماعات المتصوفة وكانت تؤمن بمبدأ الخلة أي الأصدقاء مع الله وعدم التكلف معه لكثرة انشغالهم بالتعبد والتقرب إليه وهم يعتقدون أنه ليست هناك حواجز بينهم وبين الله فهم مقربون أحباب الله سبحانه وتعالىوكنتأسمعه حينما يختلي بنفسه يناجي ربه بصوت مسموع وعندما كان يقول مناجياً ربه : أنا مذنب صحيح .. أنا مش معترض .. أنا معترف بذنبي .. أنا حبيبك خادم القرآن.. وكان المقصود من هذا الإسم لهذه الجماعة هو نقش إسم الله على الصدر دليل على المحبة الفياضة لله عز وجل وبدون حدود فيقول: أنا كل إللي طالبه منك أني أستمر في خدمة القرآن ... اشفيني يا رب .. مش عايز أموت وأنا عيان كده عايز أخف وأقرأ القرآن من تاني وبعدين أموت .. ولا أقولك إنت عارف كل حاجة وأنا مش ح أقول أي حاجة .. وأنا عبدك وأنت ربي وراضي بكل اللي تقسمه لي.. وكان هذا الإيمان بالله وهذا الحب يجعله هادئ النفس قوي الإيمان لا يهتم بالدنيا ولا المال وكان كل همه هو تلاوة القرآن فقط فهو يتمنى الشفاء من أجل قراءة القرآن فقط.
هل كان يدرب صوته قبل أن يذهب إلى الإذاعة ؟
كان ذلك شيئاً مقدساً وبخاصة قبل ذلك للإذاعة ففي كل صباح يدرب صوته حيث يدخل حجرته ويمسح حلقه بريشة أشبه بعمل مس للحلق ثم يظل في حجرته لمدة تزيد عن النصف ساعة يختبر صوته وعندما كنا نسأله عما كان يفعل كان يقول: أختبر صوتي لأعرف مدى قدرتي للوصول لمقام معين موسيقي معين وكذا أدرب صوتي على النغمات العالية.
دكتور فراج.. لماذا رفض الشيخ رفعت دعوة المهراجا الهندي حيدر أباد لقراءة القرآن بالهند؟
كان الشيخ رفعت يرفض التكسب عن طريق القرآن وعندما دعاه حيدر أباد للسفر إليه بالهند وترتيل القرآن في حفلات يوبيله مقابل 15ألف جنيه .. رفض.. وعز عليه أن يرحل إلى الهند خاصة بعد أن علم بنية حيدر أباد بمحاولة إثناءه عن عزمه بالرجوع إلى مصر في حالة الموافقة على السفر للهند.. وقد حاول الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يثنيه عن الرفض وأغراه بالاستعداد لمرافقته في تلك الرحلة إلا أنه أصر على الرفض ولم يسافر ولم يقبل تلك الدعوة.
وكيف كانت علاقة الإذاعة المصرية به في أخر أيامه؟
تجاهلت الإذاعة المصرية تسجيلات الشيخ محمد رفعت في أواخر أيامه رغم أنه كان في أشد الحاجة إلى المال للإنفاق على علاجه وكانت الإذاعة تذيع له تسجيلاً واحداً في الشهر مقابل خمسة جنيهات فأهابت مجلة المصور بمحطة الإذاعة أن تحسن معاملة الشيخ في محنته فصارت الناس تسمع صوته مرة في الأسبوع.
هل ورث أحد من أبناءه حلاوة الصوت؟
إبنه محمد كان يحفظ القرآن وكان صوته حلواً ولكنه لم يحترف القراءة
ما هي الأمنية التي توفى دون تحقيقها؟
كان دائماً ما يدعوا الله ألا يتوفاه وهو مريض بهذا المرض الذي أثر على صوته وهو الزغطة وكان له أثراً سيئاً على حالته المعنوية والنفسية مما أدى إلى إحتجابه عن القراءة حتى توفى عام 1950م.
قيل أن الشيخ محمد رفعت ولد مبصراً ؟ فها هذه المقولة صحيحة؟
بالفعل ولد مبصراً .. وقد قالت لي إبنته هذا الكلام نقلاً عنه فقد كان جميل الشكل عند ولادته فحسده الناس فهاجمه مرض في إحدى عينيه ولكن الإهمال في العلاج أثر عليها وعى عينه الأخرى فضعف بصره شيئاً فشيئاً حتى فقدت إحداهما القدرة على الإبصار وظلت الأخرى ضعيفة إلا أنه كان يرى بها بعض الشيء وظل كذلك حتى عام 1936م وبينما كان يقرأ سورة الكهف بمسجد سيدي جابر الشيخ بالإسكندرية إذا أحتشد الناس بالمسجد على غير العادة وألتفوا حوله بعد صلاة الجمعة ليعانقونه ويقبلونه وبينما هم كذلك حاول أحدهم أن يصل إليه وسط التفاف الناس حوله ليقبله فطالت أصابع يده تلك العين عن غير قصد ففثأها وفقد بصره تماماً بعدها.
ما هي ثروته التي تركها حال وفاته؟
بيته المكون من ثلاثة طوابق .. قام بتأجير طابقين منها. ويوم أن أضطر إلا تأجير الطابق الثاني ليستعين بالإيجار على مطالب العيش لازم غرفة نومه أسبوعاً كاملاً أمضاه في البكاء ويوم أن أضطر إلى تأجير الطابق الأرضي كان الحزن يملاْ حياته والكأبة تخيم عليها كذلك قطعة أرض بشارع المنيرة عليها سبعة دكاكين وأربعة أشرطة في الإذاعة وبعض الأسطوانات الموسيقية لبيتهوفن وموزار وشوبرت وفجنر وإسطوانات منيرة المهدية وبعض الأسطوانات التركية.
الشيخ "محمد رفعت" أعظم صوت قرأ آيات الذكر الحكيم في القرن العشرين، استطاع بصوته العذب الخاشع أن يغزو القلوب والوجدان في قراءة عذبة خاشعة.. صوته يشرح الآيات، ويجمع بين الخشوع وقوة التأثير، فكان أسلوبًا فريدًا في التلاوة.
النشأة:
وُلِد محمد رفعت، واسمه مركب، في حي "المغربلين" بالدرب الأحمر بالقاهرة يوم الإثنين (9-5-1882)، وكان والده "محمود رفعت" ضابطًا في البوليس، وترقّى من درجة جندي - آنذاك - حتى وصل إلى رتبة ضابط، وحينها انتقل إلى السكن في منزل آخر في "درب الأغوات"، بشارع "محمد علي"، وكان ابنه " محمد رفعت " مبصرًا حتى سن سنتين، إلا أنه أصيب بمرض كُفّ فيه بصره، وهناك قصة لذلك، فقد قابلته امرأة، وقالت عن الطفل: إنه ابن ملوك - عيناه تقولان ذلك، وفي اليوم التالي استيقظ الابن وهو يصرخ من شدة الألم في عينه، ولم يلبث أن فقد بصره.
ووهب "محمود بك" ابنه "محمد رفعت" لخدمة القرآن الكريم، وألحقه بكتّاب مسجد فاضل باشا بـ"درب الجماميز"، فأتم حفظ القرآن وتجويده قبل العاشرة، وأدركت الوفاة والده- مأمور قسم الخليفة في تلك الفترة- فوجد الفتى نفسه عائلا لأسرته، فلجأ إلى القرآن الكريم يعتصم به، ولا يرتزق منه، وأصبح يرتِّل القرآن الكريم كل يوم خميس في المسجد المواجه لمكتب فاضل باشا، حتى عُيِّن في سن الخامسة عشرة قارئًا للسورة يوم الجمعة، فذاع صيته، فكانت ساحة المسجد والطرقات تضيق بالمصلين ليستمعوا إلى الصوت الملائكي، وكانت تحدث حالات من الوجد والإغماء من شدة التأثر بصوته الفريد، وظلَّ يقرأ القرآن ويرتله في هذا المسجد قرابة الثلاثين عامًا؛ وفاءً منه للمسجد الذي بدأ فيه.
التكوين:
لم يكتفِ الشيخ محمد رفعت بموهبته الصوتية الفذَّة، ومشاعره المرهفة في قراءة القرآن، بل عمق هذا بدراسة علم القراءات وبعض التفاسير، واهتم بشراء الكتب، ودراسة الموسيقى الرقيقة والمقامات الموسيقية، فدرس موسيقى "بتهوفن"، و"موزارت"، و"فاجنر"، وكان يحتفظ بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية في مكتبته.
وامتاز محمد رفعت بأنه كان عفيف النفس زاهدًا في الحياة، وكأنه جاء من رحم الغيب لخدمة القرآن، فلم يكن طامعًا في المال لاهثًا خلفه، وإنما كان ذا مبدأ ونفس كريمة، فكانت مقولته: "إن سادن القرآن لا يمكن أبدًا أن يُهان أو يُدان"، ضابطة لمسار حياته، فقد عرضت عليه محطات الإذاعة الأهلية أن تذيع له بعض آيات الذكر الحكيم، فرفض وقال: "إن وقار القرآن لا يتماشى مع الأغاني الخليعة التي تذيعها إذاعتكم".
وعندما افتُتحت الإذاعة المصرية الخميس (31-5-1934) كان الشيخ أول من افتتحها بصوته العذب، وقرأ: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا"، وقد استفتى قبلها الأزهر وهيئة كبار العلماء عما إذا كانت إذاعة القرآن حلالا أم حراما؟ فجاءت فتواهم بأنها حلال حلال، وكان يخشى أن يستمع الناس إلى القرآن وهم في الحانات والملاهي.
وقد جاء صوت الشيخ رفعت من الإذاعة المصرية نديًّا خاشعًا، وكأنه يروي آذانًا وقلوبًا عطشى إلى سماع آيات القرآن، وكأنها تُقْرأ لأول مرة، فلَمَع اسم الشيخ، وعشقت الملايين صوته، بل أسلم البعض عندما سمع هذا الصوت الجميل، ففي ذات يوم التقى "علي خليل" شيخ الإذاعيين، وكان بصحبته ضابط طيَّار إنجليزي- بالشيخ رفعت، فأخبره "علي خليل" أن هذا الضابط سمع صوته في "كندا"، فجاء إلى القاهرة ليرى الشيخ رفعت، ثم أسلم هذا الضابط بعد ذلك.
وقد تنافست إذاعات العالم الكبرى، مثل: إذاعة برلين، ولندن، وباريس، أثناء الحرب العالمية الثانية؛ لتستهل افتتاحها وبرامجها العربية بصوت الشيخ محمد رفعت؛ لتكسب الكثير من المستمعين، إلا أنه لم يكن يعبأ بالمال والثراء، وأبى أن يتكسَّب بالقرآن، فقد عُرض عليه سنة 1935 أن يذهب للهند مقابل (15) ألف جنيه مصري، فاعتذر، فوسّط نظام حيدر آباد الخارجية المصرية، وضاعفوا المبلغ إلى (45) ألف جنيه، فأصرَّ الشيخ على اعتذاره، وصاح فيهم غاضبًا: "أنا لا أبحث عن المال أبدًا، فإن الدنيا كلها عَرَضٌ زائل".
وقد عرض عليه المطرب "محمد عبد الوهاب" أن يسجِّل له القرآن الكريم كاملاً مقابل أي أجر يطلبه، فاعتذر الشيخ خوفًا من أن يمسَّ أسطوانة القرآن سكران أو جُنُب.
الشيخ الإنسان:
ومع تمتع الشيخ بحس مرهف ومشاعر فياضة، فقد كان - أيضًا - إنسانًا في أعماقه، يهتزّ وجدانه هزًّا عنيفًا في المواقف الإنسانية، وتفيض روحه بمشاعر جياشة لا تجد تعبيرًا عن نفسها إلا في دموع خاشعات تغسل ما بالنفس من أحزان؛ فقد حدث أن ذهب لزيارة أحد أصدقائه المرضى، وكان في لحظاته الأخيرة، وعند انصرافه أمسك صديقه بيده ووضعها على كتف طفلة صغيرة، وقال له: "تُرى، من سيتولى تربية هذه الصغيرة التي ستصبح غدًا يتيمة؟"، فلم يتكلم محمد رفعت، وفي اليوم التالي كان يتلو القرآن في أحد السرادقات، وعندما تلا سورة الضحى، ووصل إلى الآية الكريمة: "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَر"، ارتفع صوته بالبكاء وانهمرت الدموع من عينيه كأنها سيل؛ لأنه تذكر وصية صديقه، ثم خصص مبلغًا من المال لهذه الفتاة حتى كبرت وتزوجت.
وعُرف عنه العطف والرحمة، فكان يجالس الفقراء والبسطاء، وبلغت رحمته أنه كان لا ينام حتى يطمئن على فرسه، ويطعمه ويسقيه، ويوصي أولاده برعايته، وهو إحساس خرج من قلب مليء بالشفقة والشفافية والصفاء، فجاءت نغماته منسجمة مع نغمات الكون من حوله.
كان منزله منتدى ثقافيًّا وأدبيًّا وفنًّيا، حيث ربطته صداقة قوية بمحمد عبد الوهاب، الذي كان يحرص على قضاء أغلب سهراته في منزل الشيخ بالسيدة زينب، وكثيرًا ما كانت تضم هذه الجلسات أعلام الموسيقى والفن، وكان الشيخ يُغني لهم بصوته الرخيم الجميل قصائد كثيرة، منها: "أراك عصيّ الدمع"، أما عبد الوهاب فكان يجلس بالقرب منه في خشوع وتبتل، وتدور بينهما حوارات ومناقشات حول أعلام الموسيقى العالمية.
كان بكَّاءً بطبعه، يقرأ على الهواء مرتين أسبوعيًّا من خلال الإذاعة (يومي الثلاثاء والجمعة) مدة (45) دقيقة في كل مرة، والدموع تنهمر من عينيه.
االمرض:
شاء الله أن يُصاب الشيخ محمد رفعت بعدة أمراض لاحقته وجعلته يلزم الفراش، وعندما يُشفى يعاود القراءة، حتى أصيب بمرض الفُواق (الزغطة) الذي منعه من تلاوة القرآن، بل ومن الكلام أيضًا؛ حيث تعرَّض في السنوات الثمانية الأخيرة من عمره لورم في الأحبال الصوتية، منع الصوت الملائكي النقي من الخروج، ومنذ ذلك الوقت حُرم الناس من صوته، فيما عدا ثلاثة أشرطة، كانت الإذاعة المصرية سجلتها قبل اشتداد المرض عليه، ثم توالت الأمراض عليه، فأصيب بضغط الدم، والتهاب رئوي حاد، وكانت أزمة الفُواق (الزغطة) تستمر معه ساعات.
وقد حاول بعض أصدقائه ومحبيه والقادرين أن يجمعوا له بعض الأموال لتكاليف العلاج، فلم يقبل التبرعات التي جُمعت له، والتي بلغت نحو (20) ألف جنيه، وفضَّل بيع بيته الذي كان يسكن فيه في حي "البغالة" بالسيدة زينب، وقطعة أرض أخرى؛ لينفق على مرضه. عندئذ توسط الشيخ "أبو العنين شعيشع" لدى "الدسوقي أباظة" وزير الأوقاف آنذاك، فقرَّر له معاشًا شهريًّا.
وشاء الله أن تكون وفاة الشيخ محمد رفعت في يوم الإثنين 9 مايو 1950، نفس التاريخ الذي وُلد فيه، عن ثمانية وستين عامًا قضاها في رحاب القرآن الكريم.
قالوا عن الشيخ محمد رفعت:-
قال عنه الأديب "محمد السيد المويلحي" في مجلة الرسالة: "سيد قراء هذا الزمن، موسيقيّ بفطرته وطبيعته، إنه يزجي إلى نفوسنا أرفع أنواعها وأقدس وأزهى ألوانها، وإنه بصوته فقط يأسرنا ويسحرنا دون أن يحتاج إلى أوركسترا".
ويقول عند الأستاذ "أنيس منصور": "ولا يزال المرحوم الشيخ رفعت أجمل الأصوات وأروعها، وسر جمال وجلال صوت الشيخ رفعت أنه فريد في معدنه، وأن هذا الصوت قادر على أن يرفعك إلى مستوى الآيات ومعانيها، ثم إنه ليس كمثل أي صوت آخر".
ويصف الموسيقار "محمد عبد الوهاب" صوت الشيخ محمد رفعت بأنه ملائكي يأتي من السماء لأول مرة، وسئل الكاتب الكبير "محمود السعدني" عن سر تفرد الشيخ محمد رفعت فقال: كان ممتلئًا تصديقًا وإيمانًا بما يقرأ.
أما الأستاذ "علي خليل" شيخ الإذاعيين فيقول عنه: "إنه كان هادئ النفس، تحس وأنت جالس معه أن الرجل مستمتع بحياته وكأنه في جنة الخلد، كان كيانًا ملائكيًّا، ترى في وجهه الصفاء والنقاء والطمأنينة والإيمان الخالص للخالق، وكأنه ليس من أهل الأرض".
ونعته الإذاعة المصرية عند وفاته إلى المستمعين بقولها: "أيها المسلمون، فقدنا اليوم عَلَمًا من أعلام الإسلام".
أما الإذاعة السورية فجاء النعي على لسان المفتي حيث قال: "لقد مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام
فضيلة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
[BIMG]http://forum.jsoftj.com/imgcache/3/25229jsoftjcom.jpg[/BIMG]
ولادته ونسبه : ولد القارىء الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد عام 1927 بقرية المراعزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة قنا بجنوب مصر .
حيث نشأ في بقعة طاهرة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويدا ..فالجد الشيخ عبدالصمد كان من الأتقياء والحفظة المشهود لهم بالتمكن
من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام , والوالد هو الشيخ محمد عبدالصمد , كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظا وتجويدأ
أما الشقيقان محمود وعبدالحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما أخوهما الأصغر سنا.
عبدالباسط , وهو في السادسة من عمره .. كان ميلاده بداية تاريخ حقيقي لقريته ولمدينة أرمنت التي دخلت التاريخ
من أوسع أبوابه. التحق الطفل الموهوب عبدالباسط بكتّاب الشيخ الأمير بأرمنت فاستقبله شيخه أحسن ما يكون
الإستقبال , لأنه توسم فيه كل المؤهلات القرآنية التي أصقلت من خلال سماعه القرآن يتلى بالبيت ليل نهار بكرة وأصيلا.
لاحظ الشيخ (( الأمير )) على تلميذه الموهوب أنه يتميز بجملة من المواهب والنبوغ تتمثل في سرعة استيعابه لما أخذه
من القرآن وشدة انتباهه وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب , ودقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء
وعذوبة في الصوت تشنف الآذان بالسماع والاستماع .. وأثناء عودته إلى البيت كان يرتل ما سمعه من الشيخ رفعت
بصوته القوي الجميل متمتعاً بأداء طيب يستوقف كل ذي سمع حتى الملائكة الأبرار.
يقول الشيخ عبدالباسط في مذكراته : (( .. كان سني عشر سنوات أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على
لساني كالنهر الجاري وكان والدي موظفاً بوزارة المواصلات , وكان جدي من العلماء .. فطلبت منهما أن أتعلم القراءات
فأشارا علي أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ (( محمد سليم ))
ولكن المسافة بين أرمنت إحدى مدن جنوب مصر وبين طنطا إحدى مدن الوجه البحري كانت بعيدة جداً . ولكن الأمر
كان متعلقاً بصياغة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر , وقبل التوجه إلى طنطا بيوم واحد علمنا
بوصول الشيخ محمد سليم إلى (( أرمنت )) ليستقر بها مدرساً للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت واستقبله أهل أرمنت
أحسن استقبال واحتفلوا به لأنهم يعلمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل العلم والقرآن , وكأن القدر ساق إلينا هذا الرجل
في الوقت المناسب .. وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم (( بأصفون المطاعنة )) فكان يحفظ
القرآن ويعلم علومه والقراءات . فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله ثم حفظت الشاطبية التي هي المتن الخاص
بعلم القراءات السبع .
بعد أن وصل الشيخ عبدالباسط الثانية عشرة من العمر إنهالت عليه الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا وخاصة أصفون
المطاعنة بمساعدة الشيخ محمد سليم الذي زكّى الشيخ عبدالباسط في كل مكان يذهب إليه .. وشهادة الشيخ سليم
كانت محل ثقة الناس جميعاً .
زيارته للسيدة زينب في ذكرى مولدها: في عام 1950م ذهب ليزور آل بيت رسول الله (ص) وعترته الطاهرين وكانت
المناسبة التي قدم من أجلها مع أحد أقربائه الصعايدة هي الإحتفال بمولد السيدة زينب .. والذي كان يحييه عمالقة
القراء المشاهير كالشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبدالعظيم زاهر والشيخ أبوالعينين
شعيشع وغيرهم من كوكبة قراء الرعيل الأول بالإذاعة. بعد منتصف الليل والمسجد الزينبي يموج بأوفاج من المحبين
لآل البيت القادمين من كل مكان من أرجاء مصر كلها .. إستأذن أحد أقارب الشيخ عبدالباسط القائمين على الحفل أن
يقدم لهم هذا الفتى الموهوب ليقرأ عشر دقائق فأذن له وبدأ في التلاوة وسط جموع غفيرة وكانت التلاوة من
سورة الأحزاب .. عم الصمت أرجاء المسجد واتجهت الأنظار إلى القارىء الصغير الذي تجرأ وجلس مكان كبار القراء ..
ولكن ما هي إلا لحظات وانتقل السكون إلى ضجيج وصيحات رجت المسجد (( الله أكبر )) , (( ربنا يفتح عليك )) إلى
آخره من العبارات التي تصدر من القلوب مباشرة من غير مونتاج.. وبدلاً من القراءة عشر دقائق امتدت إلى أكثر من ساعة
ونصف خيل للحاضرين أن أعمدة المسجد وجدرانه وثرياته انفعلت مع الحاضرين وكأنهم يسمعون أصوات الصخور تهتز
وتسبح بحمد ربها مع كل آية تتلى بصوت شجي ملائكي يحمل النور ويهز الوجدان بهيبة ورهبة وجلال.
الشيخ الضباع يقدم الشيخ عبدالباسط للإذاعة: مع نهاية عام 1951 طلب الشيخ الضباع من الشيخ عبدالباسط أن
يتقدم إلى الإذاعة كقارىء بها ولكن الشيخ عبدالباسط أراد أن يؤجل هذا الموضوع نظراً لارتباطه بالصعيد وأهله ولأن
الإذاعة تحتاج إلى ترتيب خاص . ولكن ترتيب الله وإرادته فوق كل ترتيب وإرادة . كان الشيخ الضباع قد حصل على تسجيل
لتلاوة الشيخ عبدالباسط بالمولد الزينبي والذي به خطف الأضواء من المشاهير وتملك الألباب وقدم هذا التسجيل للجنة
الإذاعة فانبهر الجميع بالأداء القوي العالي الرفيع المحكم المتمكن وتم اعتماد الشيخ عبدالباسط بالإذاعة عام 1951 ليكون
أحد النجوم اللامعة والكواكب النيرة المضيئة بقوة في سماء التلاوة.
بعد الشهرة التي حققها الشيخ عبدالباسط في بضعة أشهر كان لابد من إقامة دائمة بالقاهرة مع أسرته التي نقلها
من الصعيد إلى حي السيدة زينب ليسعد بجوار حفيدة الرسول (ص) والتي تسببت في شهرته والتحاقه بالإذاعة
وتقديمه كهدية للعالم والمسلمين والإسلام على حد قول ملايين الناس . بسبب إلتحاقه بالإذاعة زاد الإقبال على
شراء أجهزة الراديو وتضاعف إنتاجها وانتشرت بمعظم البيوت للإستماع إلى صوت الشيخ عبدالباسط وكان الذي
يمتلك (( راديو )) في منطقة أو قرية من القرى كان يقوم برفع صوت الراديو لأعلى درجة حتى يتمكن الجيران
من سماع الشيخ عبدالباسط وهم بمنازلهم وخاصة كل يوم سبت على موجات البرنامج العام من الثامنة وحتى
الثامنة والنصف مساءً . بالإضافة إلى الحفلات الخارجية التي كانت تذاع على الهواء مباشرة من المساجد الكبرى .
زياراته المتعددة إلى دول العالم: بدأ الشيخ عبدالباسط رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952م
فانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا في شهر رمضان وغير شهر رمضان .. كانت بعض الدعوات توجه
إليه ليس للإحتفال بمناسبة معينة وإنما كانت الدعوة للحضور إلى الدولة التي أرسلت إليه لإقامة حفل بغير
مناسبة وإذا سألتهم عن المناسبة التي من أجلها حضر الشيخ عبدالباسط فكان ردهم
(( بأن المناسبة هو وجود الشيخ عبدالباسط )) فكان الإحتفال به ومن أجله لأنه كان يضفي جواً من البهجة
والفرحة على المكان الذي يحل به .. وهذا يظهر من خلال استقبال شعوب دول العالم له استقبالاً رسمياً
على المستوى القيادي والحكومي والشعبي .. حيث استقبله الرئيس الباكستاني في أرض المطار وصافحه
وهو ينزل من الطائرة .. وفي جاكرتا بدولة أندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات
المسجد بالحاضرين وامتد المجلس خارج المسجد لمسافة كيلو متر مربع فامتلأ الميدان المقابل للمسجد بأكثر من
ربع مليون مسلم يستمعون إليه وقوفا على الأقدام حتى مطلع الفجر .
وفي جنوب أفريقيا عندما علم المسئولون بوصوله أرسلوا إليه فريق عمل إعلامي من رجال الصحافة
والإذاعة والتليفزيون لإجراء لقاءات معه ومعرفة رأيه عما إذا كانت هناك تفرقة عنصرية أم لا من وجهة نظره
فكان أذكى منهم وأسند كل شيء إلى زميله وابن بلده ورفيق رحلته القارىء الشيخ أحمد الرزيقي الذي رد عليهم
بكل لباقة وأنهى اللقاء بوعي ودبلوماسية أضافت إلى أهل القرآن مكاسب لا حد لها فرضت احترامهم على الجميع .
كانت أول زيارة للشيخ عبدالباسط خارج مصر بعد التحاقه بالإذاعة عام 1952 زار خلالها السعودية لأداء فريضة
الحج ومعه والده .. واعتبر السعوديون هذه الزيارة مهيأة من قبل الله فهي فرصة يجب أن تجنى منها الثمار , فطلبوا منه
أن يسجل عدة تسجيلات للمملكة لتذاع عبر موجات الإذاعة .. لم يتردد الشيخ عبدالباسط وقام بتسجيل عدة
تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التي سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف
(( لقب بعدها بصوت مكة )) .. ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي زار فيها السعودية وإنما تعددت الزيارات ما بين
دعوات رسمية وبعثات وزيارات لحج بيت الله الحرام .
ومن بين الدول التي زارها (( الهند )) لإحياء احتفال ديني كبير أقامه أحد الأغنياء المسلمين هناك .. فوجيء الشيخ
عبدالباسط بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنّوا رؤوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود
وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع تأثراً بهذا الموقف الخاشع . لم يقتصر
الشيخ عبدالباسط في سفره على الدول العربية والإسلامية فقط وإنما جاب العالم شرقاً وغرباً .. شمالاً وجنوباً
وصولاً إلى المسلمين في أي مكان من أرض الله الواسعة .. ومن أشهر المساجد التي قرأ بها القرآن هي
المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بالسعودية والمسجد الأقصى بالقدس وكذلك
المسجد الإبراهيمي بالخليل بفلسطين والمسجد الأموي بدمشق وأشهر المساجد بآسيا وإفريقيا والولايات
المتحدة وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم , فلم تخل جريدة رسمية أو غير رسمية من صورة وتعليقات
تظهر أنه أسطورة تستحق التقدير والإحترام .
تكريمه: يعتبر الشيخ عبدالباسط القارىء الوحيد الذي نال من التكريم حظاً لم يحصل عليه أحد بهذا القدر
من الشهرة والمنزلة التي تربع بها على عرش تلاوة القرآن الكريم لما يقرب من نصف قرن من الزمان نال
خلالها قدر من الحب الذي جعل منه أسطورة لن تتأثر بمرور السنين بل كلما مر عليها الزمان زادت قيمتها
وارتفع قدرها كالجواهر النفيسة ولم ينس حياً ولا ميتاً فكان تكريمه حياً عام 1956 عندما كرمته سوريا
بمنحه وسام الاستحقاق ووسام الأرز من لبنان والوسام الذهبي من ماليزيا ووسام من السنغال وآخر من المغرب
وآخر الأوسمة التي حصل عليها كان بعد رحيله من الرئيس محمد حسن مبارك في الاحتفال بليلة القدر عام 1990م.
رحلته مع المرض والوفاة : تمكن مرض السكر منه وكان يحاول مقاومته بالحرص الشديد والإلتزام في
تناول الطعام والمشروبات ولكن تاضمن الكسل الكبدي مع السكر فلم يستطع أن يقاوم هذين المرضين
الخطيرين فأصيب بالتهاب كبدي قبل رحيله بأقل من شهر فدخل مستشفى الدكتور بدران بالجيزة إلا أن صحته
تدهورت مما دفع أبناءه والأطباء إلى نصحه بالسفر إلى الخارج ليعالج بلندن حيث مكث بها أسبوعاً وكان بصحبته
ابنه طارق فطلب منه أن يعود به إلى مصر وكأنه أحسّ أن نهار العمر قد ذهب , وعيد اللقاء قد اقترب . فما الحياة
إلا ساعة ثم تنقضي , فالقرآن أعظم كرامة أكرم الله بها عبده وأجل عطية أعطاها إياه فهو الذي استمال القلوب
وقد شغفها طرباً وطار بها فسافرت إلى النعيم المقيم بجنات النعيم , وقد غمر القلوب حباً وسحبهم إلى الشجن
فحنت إلى الخير والإيمان وكان سبباً في هداية كثير من القلوب القاسية وكم اهتدى بتلاوته كثير من الحائرين فبلغ
الرسالة القرآنية بصوته العذب الجميل كما أمره ربه فاستجاب وأطاع كالملائكة يفعلون ما يؤمرون .
وكان رحيله ويوم وداعه بمثابة صاعقة وقعت بقلوب ملايين المسلمين في كل مكان من أرجاء الدنيا وشيّعه
عشرات الألاف من المحبين لصوته وأدائه وشخصه على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وكانت جنازته وطنية
ورسمية على المستويين المحلي والعالمي فحضر تشييع الجنازة جميع سفراء دول العالم نيابة عن شعوبهم
وملوك ورؤساء دولهم تقديراً لدوره . في مجال الدعوة بكافة أشكالها حيث كان سبباً في توطيد العلاقات
بين كثير من شعوب دول العالم ليصبح يوم 30 ديسمبر من كل عام يوم تكريم لهذا القارىء العظيم ليذكّر
المسلمين بيوم الأربعاء 30/11/1988م الذي توقف عنه وجود المرحوم الشيخ عبدالباسط بين أحياء الدنيا
ليفتح حياةً خالدةً مع أحياء الآخرة يرتل لهم القرآن الكريم كما كان يرتل في الدينا .
تابعو
اقدم لكم اليوم موضوعا شاملا خاص بقراء مصر الاجلاء الذين اثرو انفسنا باصواتهم العذبه الجميلة
سيرة الشيخ محمد محمود الطبلاوي
[BIMG]http://www.islamophile.org/spip/local/cache-vignettes/L356xH337/resize_of_tablawi-453bb.gif[/BIMG]
ولادته :
ولد القارىء الشيخ محمد محمود الطبلاوي نائب نقيب القراء وقارىء مسجد الجامع الأزهر الشريف , يوم 14/11/1934م في قرية ميت عقبة مركز (( إمبابة )) الجيزة أيام كانت ميت عقبة قرية صغيرة قريبة جداً من ضفاف نيل مصر الخالد. كان أهم ما يميز ميت عقبة آنذاك .. إنتشار الكتاتيب والإهتمام بتحفيظ القرآن الكريم بصورة لم نعهدها الآن . ذهب به والده الحاج ((محمود)) رحمه الله إلى كتاب القرية ليكون من حفظة كتاب الله عز وجل لأنه ابنه الوحيد . عرف الطفل الموهوب محمد محمود الطبلاوي طريقه إلى الكتاب وهو في سن الرابعة مستغرقاً في حب القرآن وحفظه فأتمه حفظاً وتجويداً في العاشرة من عمره .
كانت بداية شاقة وممتعة في نفس الوقت بالنسبة للفتى المحب لكتاب الله عز وجل والذي لم يرض عنه بديلا .. يقول الشيخ الطبلاوي وهو يسترجع ذكريات لا تنسى مع كتاب الله عز وجل : (( .. وكان والدي يضرع إلى السماء داعياً رب العباد أن يرزقه ولداً ليهبه لحفظ كتابه الكريم وليكون من أهل القرآن ورجال الدين . استجاب الخالق القدير لدعاء عبده الفقير إليه ورزق والدي بمولوده الوحيد ففرح بمولدي فرحة لم تعد لها فرحة في حياته كلها. لا لأنه رزق ولداً فقط وإنما ليشبع رغبته الشديدة في أن يكون له ابن من حفظة القرآن الكريم , لأن والدي كان يوقن أن القرآن هو التاج الذي يفخر كل مخلوق أن يتوج به لأنه تاج العزة والكرامة في الدنيا والآخرة. وهذه النعمة العظيمة التي منّ الله علي بها وقدمها لي والدي على طبق من نور تجعلني أدعو الله ليل نهار أن يجعل هذا العمل الجليل في ميزان حسنات والدي يوم القيامة وأن يجعل القرآن الكريم نوراً يضيء له ويمشي به يوم الحساب لأن الدال على الخير كفاعله ووالدي فعل خيراً عندما أصر وكافح وصبر وقدم لي العون والمساعدة ووفر لي كل شيء حتى أتفرغ لحفظ القرآن الكريم . رحم الله والدي رحمة واسعة إنه على كل شيء قدير .
بعد أن حفظ الفتى الموهوب محمد محمود الطبلاوي القرآن كاملاً بالأحكام ولم يتوان لحظة واحدة في توظيف موهبته التي أنعم الله بها عليه فلم يترك الكتّاب أو ينقطع عنه وإنما ظل يتردد عليه بانتظام والتزام شديد ليراجع القرآن مرة كل شهر. يقول الشيخ الطبلاوي : فبدأت قارئاً صغيراً غير معروف كأي قاريء شق طريقه بالنحت في الصخر وملاطمة أمواج الحياة المتقلبة فقرأت الخميس والأربعين والرواتب والذكرى السنوية وبعض المناسبات البسيطة , كل ذلك في بداية حياتي القرآنية قبل بلوغي الخامسة عشرة من عمري وكنت راضيا بما يقسمه الله لي من أجر والذي لم يزد على ثلاثة جنيهات في السهرة ولما حصلت على خمسة جنيهات تخيلت أنني بلغت المجد ووصلت إلى القمة .
الموهبة وبداية الشهرة :
لم ينس الشيخ الطبلاوي كل من قدم له نصحاً وإرشاداً وتوجيهاً .. ودائماً يذكر من تسببوا في إثقال موهبته في الحفظ والتجويد بكل خير فيقول (( دائماً أتحين الفرصة التي أخلو فيها مع نفسي وأتذكر بدايتي مع القرآن ونشأتي وأول خطواتي على درب الهدى القرآني وما وصلت إليه الآن فأشعر أنني مدين بالكثير والكثير لكل من هو صاحب فضل عليّ بعد ربي العلي القدير فأدعو لوالدي ولسيدنا رحمهما الله ولزملائي الذي شجعوني واستمعوا إلي وأنا صغير وجعلوني أشعر بأنني قارىء موهوب وأتذكر قول شيخي الذي حفظني القرآن : (( يا محمد أنت موهوب وصوتك جميل جداً وقوي معبر )) .ولأن سيدنا كان خبيراً بالفطرة إستطاع أن يميز الأصوات بقوله : محمد الطبلاوي صوته رخيم وفلان صوته أقرع والآخر صوته نحاسي , وكان دائماً يحثني على الاهتمام بصوتي وأولاني رعاية واهتماماً خاصاً على غير ما كان يفعل مع زملائي من حيث التحفيظ بدقة والمراجعة المستمرة.
قرأ الشيخ محمد محمود الطبلاوي القرآن وانفرد بسهرات كثيرة وهو في الثانية عشرة من عمره ودعي لإحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة والعائلات المعروفة بجوار مشاهير القراء الإذاعيين قبل أن يبلغ الخامسة عشرة واحتل بينهم مكانة مرموقة فاشتهر في الجيزة والقاهرة والقليوبية, وأصبح القارىء المفضل لكثير من العائلات الكبرى نظراً لقوة أدائه وقدراته العالية وروحه الشابة التي كانت تساعده على القراءة المتواصلة لمدة زمنية تزيد على الساعتين دون كلل ولا يظهر عليه الإرهاق بالإضافة إلى إصرار الناس على مواصلته للقراءة شوقاً للمزيد من الاستماع إليه لما تميز به من أداء فريد فرض موهبته على الساحة بقوة.. ساعده على ذلك حرصه الشديد على صوته وصحته مع المواظبة على مجالسة مشاهير القراء والاستماع إليهم مباشرة وعن طريق الإذاعة أمثال الشيخ رفعت والشيخ علي محمود والشيخ محمد سلامه والشيخ الصيفي والبهتيمي ومصطفى إسماعيل وغيرهم من قراء الرعيل الأول بالإذاعة .
الإلتحاق بالإذاعة :
يعد الشيخ محمد محمود الطبلاوي أكثر القراء تقدماً للإلتحاق بالإذاعة كقارىء بها وقد يحسد على صبره الجميل الذي أثبت قيمة ومبدءاً وثقة في نفس هذا القارىء المتين بكل معاني هذه الكلمة. لم يتسرب اليأس إلى نفسه ولم تنل منه أي سهام وجهت إليه. وإنما تقبل كل شيء بنفس راضية مطمئنة إلى أنّ كل شيء بقدر وأنّ مشيئة الله فوق مشيئة البشر, تقدم تسع مرات للإذاعة ولم يأذن الله له . وفي المرة العاشرة اعتمد قارئاً بالإذاعة بإجماع لجنة اختبار القراء وأشاد المختصون بالموسيقى والنغم والانتقال من مقام موسيقي إلى مقام آخر بإمكاناته العالية , وحصل على تقدير (( الإمتياز )) وكانت اللجنة منصفة في ذلك والذي لم يعرف عدد مرات تقدم الشيخ الطبلاوي للإذاعة كان عليه أن يقف مع نفسه وقفة تجبره على السؤال عن سر هذا القارىء الذي ترجم كل شيء وفك رموزاً وشفرات في برهة قصيرة إنه القارىء الوحيد الذي اشتهر في أول ربع ساعة ينطلق فيها صوته عبر الإذاعة من ينكر هذه الشهرة التي عمت أرجاء مصر والأمة العربية والإسلامية بعد انطلاق صوت صاحبها بعشر دقائق فقط .. إنني أسجل هنا حقيقة يعلمها الملايين وهي أن الشيخ الطبلاوي سجل الرقم القياسي من حيث سرعة الشهرة والصيت والإنتشار وكأنه أراد أن يتحدث إلى من يهمه الأمر بلغة قرآنية وإمكانات صوتية فرضت على الدنيا اسماً جديداً أراد أن يترجم الصبر إلى فعل وعمل فحقق من الشهرة خلال نصف ساعة مالم يحققه غيره في ثلاثين عاماً لأنه صبر 9 سنوات نصف صبر أيوب الذي صبر 18 عماً فجاءه الشفاء مرة واحدة بعد أن تفجر الماء الشافي تحت قدميه وبمجرد أن وضع قدميه تحقق له من الشفاء ما كان يحتاج إلى عشرات السنين. كانت الفترة ما بين 1975 وحتى 1980 بمثابة غزو مفاجىء من الشيخ الطبلاوي فاحتل المقدمة مع المرحوم الشيخ عبدالباسط الذي أعطاه الجمهور اللقب مدى حياته .
مواقف في حاية الشيخ محمد محمود الطبلاوي :
يقول : إنني تعرضت لموقف شديدة المرارة على نفسي وكان من الممكن أن يقضى علي كقارىء ولكن الله سلّم . هذا الموقف أنقذتني منه عناية السماء وقدرة الله . وهذا الموقف حدث عندما كنت مدعواَ لإحياء مأتم كبير بأحد أحياء القاهرة المهتم أهله باستدعاء مشاهير القراء وكان السرادق ضخماً والوافدون إليه بالآلاف , وكان التوفيق حليفي والنفحات مع التجليات جعلتني أقرأ قرآنا وكأنه من السماء , وأثناء استراحتي قبل تلاوة الختام جاءني القهوجي وقال تشرب فنجان قهوة يا شيخ محمد ؟ قلت له : إذا ما كنش فيه مانع. وبعد قليل أحضر القهوة ووضعها أمامي على الترابيزة.. فانشغلت ونسيتها .. فقال لي صاحب الميكروفون القهوة بردت يا شيخ محمد فمددت يدي لتناولها فجاءني صديق وسلم عليّ وبدلاً من وضع يدي على الفنجان صافحت الرجل وانشغلت مرة ثانية وأردت أن أمد يدي فشعرت بثقل بذراعي لم يمكنني من تناول الفنجان وفجأة جاءني صاحب المأتم وطلب مني القراءة فتركت القهوة ولكن صاحب الميكرفون شربها وبعد لحظات علمت أنه انتقل بسيارة الإسعاف إلى القصر العيني وبفضل من الله تم إسعافه ونجا بقدرة الله . وهكذا تدخلت عناية السماء مرتين الأولى عندما منعتني القدرة من تناول القهوة والثانية نجاة الرجل بعد إسعافه بسرعة. وهذا الموقف حدث لي بعد إلتحاقي بالإذاعة ووصلت إلى المكانة التي لم يصل إليها أحد بهذه السرعة .
وهناك موقف لن ينسى وسيظل محفوراً بذاكرتي وهو :
(( .. أراد أحد القراء أن يشن حرباً عليّ لا لشيء إلا لأنني أخذت حظاً وفيراً من الشهرة بفضل الله تعالى .. فقال هذا القارىء الذي لا داعي لذكر اسمه . بعد إلتحاقه بالإذاعة بشهور : أريد الفرصة لكي أمسح الطبلاوي وأمثاله !! فأعطي الفرصة كاملة وأخذ إذاعة خارجية بعدها استبعد ستة شهور لأنه لم يتقن التلاوة !! فهذه جرأة على قدرة الله . أراد الله أن يشعره بأن الله يسمع ويرى وبيده ملكوت كل شيء هو المعز وهو المذل وهو على كل شيء قدير .
موقف خارج مصر :
يقول الشيخ الطبلاوي : (( .. سافرت إلى الهند ضمن وفد مصري ديني بدعوة من الشيخ أبوالحسن الندوي. وكان رئيس الوفد المرحوم الدكتور زكريا البري وزير الأوقاف في ذلك الوقت.. وحدث أننا تأخرنا عن موعد حضور المؤتمر المقام بجامعة الندوة بنيودلهي , وكان التأخير لمدة نصف ساعة بسبب الطيران .. وبذكاء وخبرة قال الدكتور البري: الوحيد الذي يستطيع أن يدخل أمامنا هو الشيخ الطبلاوي لأنه الوحيد المميز بالزي المعروف ولأنه مشهور هنا وله مكانته في قلوب الناس بما له من مكانة قرآنية , وربما يكون للعمة والطربوش دور في الصفح والسماح لنا بالدخول. وحدث ما توقعه الدكتور البري وأكثر .. والمفاجأة أن رئيس المؤتمر وقف مرحباً وقال بصوت عال: حضر وفد مصر وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الطبلاوي .. فلنبدأ احتفالنا من جديد .. كانت لفتة طيبة أثلجت صدر الوزير لأن الندوة كانت تجمع شخصيات من مختلف دول العالم. وبعد انتهاء الجلسة التف حولي كل الموجودين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم يأخذون معي الصور التذكارية .. فقال لهم الدكتور الوزير : كلكم تعرفون الشيخ الطبلاوي ؟ فردوا وقالوا : والشيخ عبدالباسط أيضاً وكثير من قراء مصر العظماء. وفي الحقيقة عاد السيد الوزير إلى مصر بعد انتهاء المؤتمر وأعطاني عدة مسئوليات .. منها شيخ عموم المقارىء المصرية .. وعضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية .. وعضو بلجنة القرآن بالوزارة ومستشار ديني بوزارة الأوقاف .. ففوجئت بقيام مجموعة من مشاهير القراء بالاحتجاج على هذه الإمتيازات .. تحسب لقراء القرآن كلهم وفي مصلحتنا جميعاً , ويعد هذا نجاحاً للقراء , وكسباً لنا جميعاً .. وواجب علينا أن نفرح بهذا .
المصحف المرتل :
يقول الشيخ الطبلاوي : (( .. والحمد لله لقد أكرمني المولى جل شأنه بأن مكنني من تسجيل القرآن الكريم كاملاً مرتين .. مجوداً ومرتلاً . وهذا هو الرصيد الذي أعتز به وهو الثروة التي منّ الله عليّ بها في الدنيا والآخرة. أما بالنسبة للمصحف المرتل فهو مسجل بصوتي ويذاع بدول الخليج بناء على رغبة إذاعاتها .. وإذا طلبت إذاعتنا الغالية هذا المصحف فلن أتأخر عن إهدائه لمستمعيها فوراً وبدون مقابل مادي لأن الإذاعة صاحبة فضل على جميع القراء . بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من التلاوات النادرة والحفلات الخارجية التي سجلتها في السبعينيات بالمساجد الكبرى في مصر وفي بعض الدول العربية والإسلامية .
السفر والبعثات المتعددة إلى الخارج :
سافر إلى أكثر من ثمانين دولة عربية وإسلامية وأجنبية . بدعوات خاصة تارة ومبعوثاً من قبل وزارة الأوقاف والأزهر الشريف تارات أخرى ممثلاً مصر في العديد من المؤتمرات ومحكماً لكثير من المسابقات الدولية التي تقام بين حفظة القرآن من كل دول العالم .
ومن الدعوات التي يعتز بها, هي الدعوة التي تلقاها من مستر جون لاتسيس باليونان ليتلو القرآن أمام جموع المسلمين لأول مرة في تاريخ اليونان .. وكذلك الدعوة التي وجهت إليه من قبل المسئولين بإيطاليا عن طريق السفارة المصرية لتلاوة القرآن الكريم بمدينة (( روما )) لأول مرة أمام جموع غفيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك . ولم ينس الشيخ الطبلاوي دعوة القصر الملكي بالأردن لإحياء مأتم الملكة (( زين الشرف )) والدة الملك حسين , حيث أقيم العزاء الرسمي بقصر رغدان بعمان . وهناك مئات الأسفار التي جاب خلالها الشيخ الطبلاوي معظم دول العالم لتلاوة كتاب الله عز وجل . ونتج عن هذا العمر القرآني للشيخ الطبلاوي كثير من التسجيلات التي سجلت بالإحتفالات الخارجية وهي موجودة لدى شركة ( إبراهيم فون )) لصاحبها الحاج إبراهيم محمد محمود الطبلاوي 7 شارع الشيخ الطبلاوي . بميت عقبة . خلف نادي الترسانة .
تكريم الشيخ الطبلاوي :
حصل على وسام من لبنان في الإحتفال بليلة القدر تقديراً لجهوده في خدمة القرآن الكريم .. ورغم السعادة والفرحة التي لا يستطيع أن يصفها بهذا التقدير إلا أنه يقول : إني حزين لأنني كرمت خارج وطني ولم أكرم في بلدي مصر أم الدنيا ومنارة العلم وقبلة العلماء .
ولد القارىء الشيخ محمد محمود الطبلاوي نائب نقيب القراء وقارىء مسجد الجامع الأزهر الشريف , يوم 14/11/1934م في قرية ميت عقبة مركز (( إمبابة )) الجيزة أيام كانت ميت عقبة قرية صغيرة قريبة جداً من ضفاف نيل مصر الخالد. كان أهم ما يميز ميت عقبة آنذاك .. إنتشار الكتاتيب والإهتمام بتحفيظ القرآن الكريم بصورة لم نعهدها الآن . ذهب به والده الحاج ((محمود)) رحمه الله إلى كتاب القرية ليكون من حفظة كتاب الله عز وجل لأنه ابنه الوحيد . عرف الطفل الموهوب محمد محمود الطبلاوي طريقه إلى الكتاب وهو في سن الرابعة مستغرقاً في حب القرآن وحفظه فأتمه حفظاً وتجويداً في العاشرة من عمره .
كانت بداية شاقة وممتعة في نفس الوقت بالنسبة للفتى المحب لكتاب الله عز وجل والذي لم يرض عنه بديلا .. يقول الشيخ الطبلاوي وهو يسترجع ذكريات لا تنسى مع كتاب الله عز وجل : (( .. وكان والدي يضرع إلى السماء داعياً رب العباد أن يرزقه ولداً ليهبه لحفظ كتابه الكريم وليكون من أهل القرآن ورجال الدين . استجاب الخالق القدير لدعاء عبده الفقير إليه ورزق والدي بمولوده الوحيد ففرح بمولدي فرحة لم تعد لها فرحة في حياته كلها. لا لأنه رزق ولداً فقط وإنما ليشبع رغبته الشديدة في أن يكون له ابن من حفظة القرآن الكريم , لأن والدي كان يوقن أن القرآن هو التاج الذي يفخر كل مخلوق أن يتوج به لأنه تاج العزة والكرامة في الدنيا والآخرة. وهذه النعمة العظيمة التي منّ الله علي بها وقدمها لي والدي على طبق من نور تجعلني أدعو الله ليل نهار أن يجعل هذا العمل الجليل في ميزان حسنات والدي يوم القيامة وأن يجعل القرآن الكريم نوراً يضيء له ويمشي به يوم الحساب لأن الدال على الخير كفاعله ووالدي فعل خيراً عندما أصر وكافح وصبر وقدم لي العون والمساعدة ووفر لي كل شيء حتى أتفرغ لحفظ القرآن الكريم . رحم الله والدي رحمة واسعة إنه على كل شيء قدير .
بعد أن حفظ الفتى الموهوب محمد محمود الطبلاوي القرآن كاملاً بالأحكام ولم يتوان لحظة واحدة في توظيف موهبته التي أنعم الله بها عليه فلم يترك الكتّاب أو ينقطع عنه وإنما ظل يتردد عليه بانتظام والتزام شديد ليراجع القرآن مرة كل شهر. يقول الشيخ الطبلاوي : فبدأت قارئاً صغيراً غير معروف كأي قاريء شق طريقه بالنحت في الصخر وملاطمة أمواج الحياة المتقلبة فقرأت الخميس والأربعين والرواتب والذكرى السنوية وبعض المناسبات البسيطة , كل ذلك في بداية حياتي القرآنية قبل بلوغي الخامسة عشرة من عمري وكنت راضيا بما يقسمه الله لي من أجر والذي لم يزد على ثلاثة جنيهات في السهرة ولما حصلت على خمسة جنيهات تخيلت أنني بلغت المجد ووصلت إلى القمة .
الموهبة وبداية الشهرة :
لم ينس الشيخ الطبلاوي كل من قدم له نصحاً وإرشاداً وتوجيهاً .. ودائماً يذكر من تسببوا في إثقال موهبته في الحفظ والتجويد بكل خير فيقول (( دائماً أتحين الفرصة التي أخلو فيها مع نفسي وأتذكر بدايتي مع القرآن ونشأتي وأول خطواتي على درب الهدى القرآني وما وصلت إليه الآن فأشعر أنني مدين بالكثير والكثير لكل من هو صاحب فضل عليّ بعد ربي العلي القدير فأدعو لوالدي ولسيدنا رحمهما الله ولزملائي الذي شجعوني واستمعوا إلي وأنا صغير وجعلوني أشعر بأنني قارىء موهوب وأتذكر قول شيخي الذي حفظني القرآن : (( يا محمد أنت موهوب وصوتك جميل جداً وقوي معبر )) .ولأن سيدنا كان خبيراً بالفطرة إستطاع أن يميز الأصوات بقوله : محمد الطبلاوي صوته رخيم وفلان صوته أقرع والآخر صوته نحاسي , وكان دائماً يحثني على الاهتمام بصوتي وأولاني رعاية واهتماماً خاصاً على غير ما كان يفعل مع زملائي من حيث التحفيظ بدقة والمراجعة المستمرة.
قرأ الشيخ محمد محمود الطبلاوي القرآن وانفرد بسهرات كثيرة وهو في الثانية عشرة من عمره ودعي لإحياء مآتم لكبار الموظفين والشخصيات البارزة والعائلات المعروفة بجوار مشاهير القراء الإذاعيين قبل أن يبلغ الخامسة عشرة واحتل بينهم مكانة مرموقة فاشتهر في الجيزة والقاهرة والقليوبية, وأصبح القارىء المفضل لكثير من العائلات الكبرى نظراً لقوة أدائه وقدراته العالية وروحه الشابة التي كانت تساعده على القراءة المتواصلة لمدة زمنية تزيد على الساعتين دون كلل ولا يظهر عليه الإرهاق بالإضافة إلى إصرار الناس على مواصلته للقراءة شوقاً للمزيد من الاستماع إليه لما تميز به من أداء فريد فرض موهبته على الساحة بقوة.. ساعده على ذلك حرصه الشديد على صوته وصحته مع المواظبة على مجالسة مشاهير القراء والاستماع إليهم مباشرة وعن طريق الإذاعة أمثال الشيخ رفعت والشيخ علي محمود والشيخ محمد سلامه والشيخ الصيفي والبهتيمي ومصطفى إسماعيل وغيرهم من قراء الرعيل الأول بالإذاعة .
الإلتحاق بالإذاعة :
يعد الشيخ محمد محمود الطبلاوي أكثر القراء تقدماً للإلتحاق بالإذاعة كقارىء بها وقد يحسد على صبره الجميل الذي أثبت قيمة ومبدءاً وثقة في نفس هذا القارىء المتين بكل معاني هذه الكلمة. لم يتسرب اليأس إلى نفسه ولم تنل منه أي سهام وجهت إليه. وإنما تقبل كل شيء بنفس راضية مطمئنة إلى أنّ كل شيء بقدر وأنّ مشيئة الله فوق مشيئة البشر, تقدم تسع مرات للإذاعة ولم يأذن الله له . وفي المرة العاشرة اعتمد قارئاً بالإذاعة بإجماع لجنة اختبار القراء وأشاد المختصون بالموسيقى والنغم والانتقال من مقام موسيقي إلى مقام آخر بإمكاناته العالية , وحصل على تقدير (( الإمتياز )) وكانت اللجنة منصفة في ذلك والذي لم يعرف عدد مرات تقدم الشيخ الطبلاوي للإذاعة كان عليه أن يقف مع نفسه وقفة تجبره على السؤال عن سر هذا القارىء الذي ترجم كل شيء وفك رموزاً وشفرات في برهة قصيرة إنه القارىء الوحيد الذي اشتهر في أول ربع ساعة ينطلق فيها صوته عبر الإذاعة من ينكر هذه الشهرة التي عمت أرجاء مصر والأمة العربية والإسلامية بعد انطلاق صوت صاحبها بعشر دقائق فقط .. إنني أسجل هنا حقيقة يعلمها الملايين وهي أن الشيخ الطبلاوي سجل الرقم القياسي من حيث سرعة الشهرة والصيت والإنتشار وكأنه أراد أن يتحدث إلى من يهمه الأمر بلغة قرآنية وإمكانات صوتية فرضت على الدنيا اسماً جديداً أراد أن يترجم الصبر إلى فعل وعمل فحقق من الشهرة خلال نصف ساعة مالم يحققه غيره في ثلاثين عاماً لأنه صبر 9 سنوات نصف صبر أيوب الذي صبر 18 عماً فجاءه الشفاء مرة واحدة بعد أن تفجر الماء الشافي تحت قدميه وبمجرد أن وضع قدميه تحقق له من الشفاء ما كان يحتاج إلى عشرات السنين. كانت الفترة ما بين 1975 وحتى 1980 بمثابة غزو مفاجىء من الشيخ الطبلاوي فاحتل المقدمة مع المرحوم الشيخ عبدالباسط الذي أعطاه الجمهور اللقب مدى حياته .
مواقف في حاية الشيخ محمد محمود الطبلاوي :
يقول : إنني تعرضت لموقف شديدة المرارة على نفسي وكان من الممكن أن يقضى علي كقارىء ولكن الله سلّم . هذا الموقف أنقذتني منه عناية السماء وقدرة الله . وهذا الموقف حدث عندما كنت مدعواَ لإحياء مأتم كبير بأحد أحياء القاهرة المهتم أهله باستدعاء مشاهير القراء وكان السرادق ضخماً والوافدون إليه بالآلاف , وكان التوفيق حليفي والنفحات مع التجليات جعلتني أقرأ قرآنا وكأنه من السماء , وأثناء استراحتي قبل تلاوة الختام جاءني القهوجي وقال تشرب فنجان قهوة يا شيخ محمد ؟ قلت له : إذا ما كنش فيه مانع. وبعد قليل أحضر القهوة ووضعها أمامي على الترابيزة.. فانشغلت ونسيتها .. فقال لي صاحب الميكروفون القهوة بردت يا شيخ محمد فمددت يدي لتناولها فجاءني صديق وسلم عليّ وبدلاً من وضع يدي على الفنجان صافحت الرجل وانشغلت مرة ثانية وأردت أن أمد يدي فشعرت بثقل بذراعي لم يمكنني من تناول الفنجان وفجأة جاءني صاحب المأتم وطلب مني القراءة فتركت القهوة ولكن صاحب الميكرفون شربها وبعد لحظات علمت أنه انتقل بسيارة الإسعاف إلى القصر العيني وبفضل من الله تم إسعافه ونجا بقدرة الله . وهكذا تدخلت عناية السماء مرتين الأولى عندما منعتني القدرة من تناول القهوة والثانية نجاة الرجل بعد إسعافه بسرعة. وهذا الموقف حدث لي بعد إلتحاقي بالإذاعة ووصلت إلى المكانة التي لم يصل إليها أحد بهذه السرعة .
وهناك موقف لن ينسى وسيظل محفوراً بذاكرتي وهو :
(( .. أراد أحد القراء أن يشن حرباً عليّ لا لشيء إلا لأنني أخذت حظاً وفيراً من الشهرة بفضل الله تعالى .. فقال هذا القارىء الذي لا داعي لذكر اسمه . بعد إلتحاقه بالإذاعة بشهور : أريد الفرصة لكي أمسح الطبلاوي وأمثاله !! فأعطي الفرصة كاملة وأخذ إذاعة خارجية بعدها استبعد ستة شهور لأنه لم يتقن التلاوة !! فهذه جرأة على قدرة الله . أراد الله أن يشعره بأن الله يسمع ويرى وبيده ملكوت كل شيء هو المعز وهو المذل وهو على كل شيء قدير .
موقف خارج مصر :
يقول الشيخ الطبلاوي : (( .. سافرت إلى الهند ضمن وفد مصري ديني بدعوة من الشيخ أبوالحسن الندوي. وكان رئيس الوفد المرحوم الدكتور زكريا البري وزير الأوقاف في ذلك الوقت.. وحدث أننا تأخرنا عن موعد حضور المؤتمر المقام بجامعة الندوة بنيودلهي , وكان التأخير لمدة نصف ساعة بسبب الطيران .. وبذكاء وخبرة قال الدكتور البري: الوحيد الذي يستطيع أن يدخل أمامنا هو الشيخ الطبلاوي لأنه الوحيد المميز بالزي المعروف ولأنه مشهور هنا وله مكانته في قلوب الناس بما له من مكانة قرآنية , وربما يكون للعمة والطربوش دور في الصفح والسماح لنا بالدخول. وحدث ما توقعه الدكتور البري وأكثر .. والمفاجأة أن رئيس المؤتمر وقف مرحباً وقال بصوت عال: حضر وفد مصر وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الطبلاوي .. فلنبدأ احتفالنا من جديد .. كانت لفتة طيبة أثلجت صدر الوزير لأن الندوة كانت تجمع شخصيات من مختلف دول العالم. وبعد انتهاء الجلسة التف حولي كل الموجودين على اختلاف ألوانهم وأجناسهم يأخذون معي الصور التذكارية .. فقال لهم الدكتور الوزير : كلكم تعرفون الشيخ الطبلاوي ؟ فردوا وقالوا : والشيخ عبدالباسط أيضاً وكثير من قراء مصر العظماء. وفي الحقيقة عاد السيد الوزير إلى مصر بعد انتهاء المؤتمر وأعطاني عدة مسئوليات .. منها شيخ عموم المقارىء المصرية .. وعضو بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية .. وعضو بلجنة القرآن بالوزارة ومستشار ديني بوزارة الأوقاف .. ففوجئت بقيام مجموعة من مشاهير القراء بالاحتجاج على هذه الإمتيازات .. تحسب لقراء القرآن كلهم وفي مصلحتنا جميعاً , ويعد هذا نجاحاً للقراء , وكسباً لنا جميعاً .. وواجب علينا أن نفرح بهذا .
المصحف المرتل :
يقول الشيخ الطبلاوي : (( .. والحمد لله لقد أكرمني المولى جل شأنه بأن مكنني من تسجيل القرآن الكريم كاملاً مرتين .. مجوداً ومرتلاً . وهذا هو الرصيد الذي أعتز به وهو الثروة التي منّ الله عليّ بها في الدنيا والآخرة. أما بالنسبة للمصحف المرتل فهو مسجل بصوتي ويذاع بدول الخليج بناء على رغبة إذاعاتها .. وإذا طلبت إذاعتنا الغالية هذا المصحف فلن أتأخر عن إهدائه لمستمعيها فوراً وبدون مقابل مادي لأن الإذاعة صاحبة فضل على جميع القراء . بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من التلاوات النادرة والحفلات الخارجية التي سجلتها في السبعينيات بالمساجد الكبرى في مصر وفي بعض الدول العربية والإسلامية .
السفر والبعثات المتعددة إلى الخارج :
سافر إلى أكثر من ثمانين دولة عربية وإسلامية وأجنبية . بدعوات خاصة تارة ومبعوثاً من قبل وزارة الأوقاف والأزهر الشريف تارات أخرى ممثلاً مصر في العديد من المؤتمرات ومحكماً لكثير من المسابقات الدولية التي تقام بين حفظة القرآن من كل دول العالم .
ومن الدعوات التي يعتز بها, هي الدعوة التي تلقاها من مستر جون لاتسيس باليونان ليتلو القرآن أمام جموع المسلمين لأول مرة في تاريخ اليونان .. وكذلك الدعوة التي وجهت إليه من قبل المسئولين بإيطاليا عن طريق السفارة المصرية لتلاوة القرآن الكريم بمدينة (( روما )) لأول مرة أمام جموع غفيرة من أبناء الجاليات العربية والإسلامية هناك . ولم ينس الشيخ الطبلاوي دعوة القصر الملكي بالأردن لإحياء مأتم الملكة (( زين الشرف )) والدة الملك حسين , حيث أقيم العزاء الرسمي بقصر رغدان بعمان . وهناك مئات الأسفار التي جاب خلالها الشيخ الطبلاوي معظم دول العالم لتلاوة كتاب الله عز وجل . ونتج عن هذا العمر القرآني للشيخ الطبلاوي كثير من التسجيلات التي سجلت بالإحتفالات الخارجية وهي موجودة لدى شركة ( إبراهيم فون )) لصاحبها الحاج إبراهيم محمد محمود الطبلاوي 7 شارع الشيخ الطبلاوي . بميت عقبة . خلف نادي الترسانة .
تكريم الشيخ الطبلاوي :
حصل على وسام من لبنان في الإحتفال بليلة القدر تقديراً لجهوده في خدمة القرآن الكريم .. ورغم السعادة والفرحة التي لا يستطيع أن يصفها بهذا التقدير إلا أنه يقول : إني حزين لأنني كرمت خارج وطني ولم أكرم في بلدي مصر أم الدنيا ومنارة العلم وقبلة العلماء .
فضيلة الشيخ محمد رفعت
[BIMG]http://www.islamophile.org/spip/local/cache-vignettes/L338xH323/resize_of_mrifat-4704f.jpg[/BIMG]
هو أول وآخر مقرئي القرآن الذي تهافت على سماعه عدد كبير من غير المسلمين وهو القارىء الذي أحاطت به هالة من الأساطير قال عنه مفتي سوريا بعد وفاته " أنه جدد شباب الاسلام ".
وهو من مواليد حي المغربلين بمدينة القاهرة عام 1882 م ألحقه أبوه بكتاب الحي عندما بلغ الخامسة من عمره وأتم حفظ القرآن قبل أن يتم العشر سنوات وكان شيخه ومحفظه يحبه كثيرا لإتقانه الحفظ والتلاوة بصوت شجي فعلمه التجويد وأعطاه شهادة إجادة حفظ القرآن وتجويده قبل بلوغه السادسة عشر من عمره وكتب فيها : أنه وبعد أن قرأ علينا الشيخ محمد رفعت القرآن الكريم تلاوة وترتيلا ومجودا ومجزءا فقد منحته الإعتراف بأهليته لترتيل القرآن وتجويده ..ومنذ تلك اللحظة والشيخ محمد رفعت يقرأ القرآن في السهرات والليالي والأفراح والمأتم... وقد أحترف القراءة والتلاوة وسط جيل من رواد الموسيقى كالشيخ أبو العلا محمد وعبده الحامولي ومحمد عثمان فاستقى حلاوة الصوت النغمي باقترابه منهم وإستماعه
لموسيقاهم وطربهم في الأفراح والسهرات إضافة إلى كوكبة أخرى من القراء العظام الذين سطع نجمهم في عصره ولكنهم لم ينالوا حظهم كالشيخ البربري وحنفي برعي والمناخلي وإسماعيل سكر فاكتسب فنه وحلاوة صوته من إلتصاقه بهؤلاء القراء والمشايخ الكبار في موسيقاهم وقراءاتهم ..فأخذ من كل منهم أبدع مافيه حتى فاقهم هو بموهبته رغم صغر سنه بالنسبة لهم فأخذ يجوب محافظات مصر ويقرأ فيها حتى سطع نجمه وأصبح القارىء الأول في مصر كلها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ..
لموسيقاهم وطربهم في الأفراح والسهرات إضافة إلى كوكبة أخرى من القراء العظام الذين سطع نجمهم في عصره ولكنهم لم ينالوا حظهم كالشيخ البربري وحنفي برعي والمناخلي وإسماعيل سكر فاكتسب فنه وحلاوة صوته من إلتصاقه بهؤلاء القراء والمشايخ الكبار في موسيقاهم وقراءاتهم ..فأخذ من كل منهم أبدع مافيه حتى فاقهم هو بموهبته رغم صغر سنه بالنسبة لهم فأخذ يجوب محافظات مصر ويقرأ فيها حتى سطع نجمه وأصبح القارىء الأول في مصر كلها شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ..
وفي عام 1934 م وبينما كان الشيخ رفعت يقرأ في أحد المآتم إذ استمع إليه البرنس محمد على مصادفة فأعجب به وبصوته وأسلوب تلاوته فأرسل إليه وطلب منه أن يفتتح الإذاعة الأهلية بتلاوة القرآن الكريم فكان ذلك فتحا كبيرا على الشيخ محمد رفعت إذا كان أول قارىء بالإذاعة الأهلية.
لقد سجل الشيخ رفعت بعض السور القرآنية لإذاعة الـ ب.ب.س البريطانية على شرائط كاسيت قبل أن يسجل للإذاعة الأهلية المصرية .... لماذا؟
أول تسجيل للشيخ رفعت بصوته كان تسجيلاً أهلياً .. فقد سجل له صديقاه زكريا باشا مهران صاحب بنك مصر والحاج محمد خميس التاجر الكبير المعروف في ذلك الوقت سورتا الكهف ومريم على أسطوانة .. ثم طلبت منه بعد ذلك إذاعة الـ ب. ب. س البريطانية أن يسجل لها القرآن بصوته فرفض معتقداً أن ذلك يعد حراماً على اساس أنها إذاعة أجنبية فأستفتى الشيخ المراغي شيخ الأزهر في ذلك الوقت فصحح له إعتقاده فسجل لها سورة مريم وبعد ذلك طلبت منه الإذاعة الأهلية أن يسجل لها وكان في مرضه الأخير فسجل لها بعض السور كالكهف ومريم ويونس على أسطوانتين إلا أن صوته كان غير مرض بالنسبة له وظلت الإذاعة تذبع له تلك التسجيلات طيلة حياته ولم يكن راضياً عنها , وبعد وفاته علم المسؤلين بالإذاعة أن هناك تسجيلين آخرين عند صاحبيه زكريا مهران ومحمد خميس وبعض التسجيلات الأخرى وبصوت قوي وأستطاعوا أن يحصلوا على تلك التسجيلات وتم إعادة طبعها واستعانت الإذاعة بالقارئ الشيخ أبو العينين شعيشع في إستكمال بعض الآيات وربطها في الأسطوانات المسجلة لوجود عيوباً فنية بها , وهي التي تذاع الآن.
هاجمت الزغطة الشيخ محمد رفعت مع بداية عام 1943 م فكانت بداية رحلته مع المرض الذي أحتار الأطباء في علاجه منه حتى توفى عام 1950م ... فماذا كان يفعل طوال هذه الفترة ؟ وهل أمتنع عن القراءة في الإذاعة ؟
لقد هاجمه المرض في عام 1943م كما ذكرت وكانت الزغطة شديدة جداً حيث كانت تلازمه فترة طويلة تزيد على الثلاث ساعات يومياً فذهب إلى الكثير من الأطباء وتم أخذ بعض المسكنات ولكن لفترة قصيرة إلا أنها عاودته مرة اخرى وكان الأطباء قد نصحوه بأن يشرب السوائل من الإناء بطريقة معينة مما قد يساعد ذلك في منع الزغطة.. وكان في تلك الفترة يذهب إلى الإذاعة يومين في الأسبوع هما يومي الأثنين والجمعة وذلك حتى عام 1948م حيث أشتد عليه المرض الذي كان يهاجمه أغلب ساعات يومه دون إنقطاع حتى أنها هاجمته مرة أثناء قراءته بالإذاعة فأمتنع عن الذهاب إلى الإذاعة بعدها لشعوره بالخوف على ضياع مكانته كقارئ عظيم مكتفياً بما قدم حتى أنه فضل القراءة في إحدى مساجد حي السيدة زينب وهو مسجد فاضل كان يقرأ فيه القرآن دون ان يذهب إلى الإذاعة.
ولماذا كان يذهب إلى مسجد فاضل فقط دون الإذاعة ما دام قادراً على القراءة والتلاوة؟
لقد سألته نفس سؤال حضرتك فقال: أنا اعرف بحالتي عندما أقرأ القرآن , فقد يكون صوتي قوياً فأنطلق كالحصان الجموح وأحياناً أخرى يكون صوتي ضعيفاً لشدة إرهاقي وسوء حالتي النفسية من شدة المرض, فإذا ما قرأت في المسجد وكنت على غير ما يرام سترني أصحابي وأحبابي أما في الإذاعة فهذا الأمر لن يكون في صالحي وأنا لا أفضل ذلك في أيامي الأخيرة.
عندما اشتد المرض بالشيخ محمد رفعت أعلن الكاتب والصحفي الكبير الأستاذ أحمد الصاوي محمد عن فتح إكتتاب لعلاج الشيخ محمد رفعت إلا أن الشيخ رفض.. لماذا؟ وما حقيقة ذلك الأمر؟
في يوليو عام 1949 م كانت مجلة المصور قد نشرت خبرا مصورا عن مرض الشيخ محمد رفعت فأعلن الأستاذ أحمد الصاوي محمد عن فتح إكتتاب لعلاج الشيخ وجمع التبرعات فأثار ذلك الخبر حزن محبيه والمعجبين بصوته وتم جمع ما يزيد عن خمسين ألف جنيها وعندما علم الشيخ رفعت بذلك قال : أنا مستور والحمد لله ولست في الحالة التي تستوجب جمع هذه المبالغ وإذا كان على العلاج فالأطباء يعالجونني ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه كما ان هذه المبالغ أصحابها أولى بها مني فهم الفقراء والمحبين لصوتي حقا ولكني والحمد لله لست في حاجة إلى كل هذا المال ..ثم قال لي : أحضر ورقة فأحضرتها فقال : إكتب وأملاني ..إلى الأستاذ أحمد الصاوي ..أعتذر عن قبول هذه التبرعات ..وأن مرضي بيد الله وهو القادر على شفائي وإني لأشكرك وأرجو أن تشكر كل الذين جمعوا لي هذه التبرعات على روحهم الطيبة وحبهم لي ..فلما أرسلنا هذه الرسالة إلى الأستاذ أحمد الصاوي كتب بجريدة الأهرام يثني على عفة الشيخ رفعت وأخلاقه وتأثير القرآن عليه في سمو نفسه وعلوها وقد توفي رحمه الله بعد ذلك بعام واحد.
ما عدد أولاده ؟
خمسة أبناء أكبرهم محمود وولد عام 1906 م موقد توفي صغيرا ثم محمد وولد عام 1909 م ثم أحمد عام 1911 م ثم ابنته زوجتي وولدت عام 1914 م ثم حسين وولد عام 1919 م وقد توفاهم الله جميعا.
لم تكن العلاقة بين الشيخ رفعت والشيخ طه الفشني طيبة ..لماذا ؟
هذه ليست حقيقة ولكن كل ما في الأمر أن الشيخ رفعت كان قد طلب من الشيخ طه الفشني الموافقة على زواج إحدى بناته لأحد أبنائه فرفض الشيخ طه الفشني ..فغضب الشيخ رفعت ولكن هذا لم يدم طويلا لأن الشيخ رفعت كان يحب الشيخ طه ويحب صوته وكذلك إنشاده
رغم إعجاب الشيخ محمد رفعت بالشيخ على محمود وبخاصة آدائه في التواشيح و الأبتهالات الدينية إلا أنه كان يلقبه بالبهلوان ..لماذا ؟
لم يكن هذا رأي الشيخ رفعت وحده فقد قال لي ذات مرة أن المشايخ يلقبون الشيخ على محمود بالبهلوان ولما سألته : لماذا ؟ قال : لأنه يسرح بالنغم في الأنشاد ويتوه مع المستمعين ويتوههم معها ويطلع وينزل بكلتا يديه من شدة الإندماج كالبهلوان ثم يعود إلى ما بدأ به في يداية إنشاده دون أن يخطىء حتى أننا كنا نخشى عليه ألا يستطيع العودة في إنشاده وإلى ما بدأ به فإذا به يعود وأقوى فينال إستحسان الناس وتقديرهم ..ولذا فقد كان يكرر دائما أن الشيخ على محمود لا يبارى في الآداء الإنشادي والإبتهالات.
كان الشيخ محمد رفعت أحد اقطاب جماعة النقشبندية فكيف كان فكره مع هذه الجماعة ؟ وهل أثر ذلك على سلوكه العام ؟
كانت هذه الجماعة إحدى الجماعات المتصوفة وكانت تؤمن بمبدأ الخلة أي الأصدقاء مع الله وعدم التكلف معه لكثرة انشغالهم بالتعبد والتقرب إليه وهم يعتقدون أنه ليست هناك حواجز بينهم وبين الله فهم مقربون أحباب الله سبحانه وتعالىوكنتأسمعه حينما يختلي بنفسه يناجي ربه بصوت مسموع وعندما كان يقول مناجياً ربه : أنا مذنب صحيح .. أنا مش معترض .. أنا معترف بذنبي .. أنا حبيبك خادم القرآن.. وكان المقصود من هذا الإسم لهذه الجماعة هو نقش إسم الله على الصدر دليل على المحبة الفياضة لله عز وجل وبدون حدود فيقول: أنا كل إللي طالبه منك أني أستمر في خدمة القرآن ... اشفيني يا رب .. مش عايز أموت وأنا عيان كده عايز أخف وأقرأ القرآن من تاني وبعدين أموت .. ولا أقولك إنت عارف كل حاجة وأنا مش ح أقول أي حاجة .. وأنا عبدك وأنت ربي وراضي بكل اللي تقسمه لي.. وكان هذا الإيمان بالله وهذا الحب يجعله هادئ النفس قوي الإيمان لا يهتم بالدنيا ولا المال وكان كل همه هو تلاوة القرآن فقط فهو يتمنى الشفاء من أجل قراءة القرآن فقط.
هل كان يدرب صوته قبل أن يذهب إلى الإذاعة ؟
كان ذلك شيئاً مقدساً وبخاصة قبل ذلك للإذاعة ففي كل صباح يدرب صوته حيث يدخل حجرته ويمسح حلقه بريشة أشبه بعمل مس للحلق ثم يظل في حجرته لمدة تزيد عن النصف ساعة يختبر صوته وعندما كنا نسأله عما كان يفعل كان يقول: أختبر صوتي لأعرف مدى قدرتي للوصول لمقام معين موسيقي معين وكذا أدرب صوتي على النغمات العالية.
دكتور فراج.. لماذا رفض الشيخ رفعت دعوة المهراجا الهندي حيدر أباد لقراءة القرآن بالهند؟
كان الشيخ رفعت يرفض التكسب عن طريق القرآن وعندما دعاه حيدر أباد للسفر إليه بالهند وترتيل القرآن في حفلات يوبيله مقابل 15ألف جنيه .. رفض.. وعز عليه أن يرحل إلى الهند خاصة بعد أن علم بنية حيدر أباد بمحاولة إثناءه عن عزمه بالرجوع إلى مصر في حالة الموافقة على السفر للهند.. وقد حاول الموسيقار محمد عبد الوهاب أن يثنيه عن الرفض وأغراه بالاستعداد لمرافقته في تلك الرحلة إلا أنه أصر على الرفض ولم يسافر ولم يقبل تلك الدعوة.
وكيف كانت علاقة الإذاعة المصرية به في أخر أيامه؟
تجاهلت الإذاعة المصرية تسجيلات الشيخ محمد رفعت في أواخر أيامه رغم أنه كان في أشد الحاجة إلى المال للإنفاق على علاجه وكانت الإذاعة تذيع له تسجيلاً واحداً في الشهر مقابل خمسة جنيهات فأهابت مجلة المصور بمحطة الإذاعة أن تحسن معاملة الشيخ في محنته فصارت الناس تسمع صوته مرة في الأسبوع.
هل ورث أحد من أبناءه حلاوة الصوت؟
إبنه محمد كان يحفظ القرآن وكان صوته حلواً ولكنه لم يحترف القراءة
ما هي الأمنية التي توفى دون تحقيقها؟
كان دائماً ما يدعوا الله ألا يتوفاه وهو مريض بهذا المرض الذي أثر على صوته وهو الزغطة وكان له أثراً سيئاً على حالته المعنوية والنفسية مما أدى إلى إحتجابه عن القراءة حتى توفى عام 1950م.
قيل أن الشيخ محمد رفعت ولد مبصراً ؟ فها هذه المقولة صحيحة؟
بالفعل ولد مبصراً .. وقد قالت لي إبنته هذا الكلام نقلاً عنه فقد كان جميل الشكل عند ولادته فحسده الناس فهاجمه مرض في إحدى عينيه ولكن الإهمال في العلاج أثر عليها وعى عينه الأخرى فضعف بصره شيئاً فشيئاً حتى فقدت إحداهما القدرة على الإبصار وظلت الأخرى ضعيفة إلا أنه كان يرى بها بعض الشيء وظل كذلك حتى عام 1936م وبينما كان يقرأ سورة الكهف بمسجد سيدي جابر الشيخ بالإسكندرية إذا أحتشد الناس بالمسجد على غير العادة وألتفوا حوله بعد صلاة الجمعة ليعانقونه ويقبلونه وبينما هم كذلك حاول أحدهم أن يصل إليه وسط التفاف الناس حوله ليقبله فطالت أصابع يده تلك العين عن غير قصد ففثأها وفقد بصره تماماً بعدها.
ما هي ثروته التي تركها حال وفاته؟
بيته المكون من ثلاثة طوابق .. قام بتأجير طابقين منها. ويوم أن أضطر إلا تأجير الطابق الثاني ليستعين بالإيجار على مطالب العيش لازم غرفة نومه أسبوعاً كاملاً أمضاه في البكاء ويوم أن أضطر إلى تأجير الطابق الأرضي كان الحزن يملاْ حياته والكأبة تخيم عليها كذلك قطعة أرض بشارع المنيرة عليها سبعة دكاكين وأربعة أشرطة في الإذاعة وبعض الأسطوانات الموسيقية لبيتهوفن وموزار وشوبرت وفجنر وإسطوانات منيرة المهدية وبعض الأسطوانات التركية.
الشيخ "محمد رفعت" أعظم صوت قرأ آيات الذكر الحكيم في القرن العشرين، استطاع بصوته العذب الخاشع أن يغزو القلوب والوجدان في قراءة عذبة خاشعة.. صوته يشرح الآيات، ويجمع بين الخشوع وقوة التأثير، فكان أسلوبًا فريدًا في التلاوة.
النشأة:
وُلِد محمد رفعت، واسمه مركب، في حي "المغربلين" بالدرب الأحمر بالقاهرة يوم الإثنين (9-5-1882)، وكان والده "محمود رفعت" ضابطًا في البوليس، وترقّى من درجة جندي - آنذاك - حتى وصل إلى رتبة ضابط، وحينها انتقل إلى السكن في منزل آخر في "درب الأغوات"، بشارع "محمد علي"، وكان ابنه " محمد رفعت " مبصرًا حتى سن سنتين، إلا أنه أصيب بمرض كُفّ فيه بصره، وهناك قصة لذلك، فقد قابلته امرأة، وقالت عن الطفل: إنه ابن ملوك - عيناه تقولان ذلك، وفي اليوم التالي استيقظ الابن وهو يصرخ من شدة الألم في عينه، ولم يلبث أن فقد بصره.
ووهب "محمود بك" ابنه "محمد رفعت" لخدمة القرآن الكريم، وألحقه بكتّاب مسجد فاضل باشا بـ"درب الجماميز"، فأتم حفظ القرآن وتجويده قبل العاشرة، وأدركت الوفاة والده- مأمور قسم الخليفة في تلك الفترة- فوجد الفتى نفسه عائلا لأسرته، فلجأ إلى القرآن الكريم يعتصم به، ولا يرتزق منه، وأصبح يرتِّل القرآن الكريم كل يوم خميس في المسجد المواجه لمكتب فاضل باشا، حتى عُيِّن في سن الخامسة عشرة قارئًا للسورة يوم الجمعة، فذاع صيته، فكانت ساحة المسجد والطرقات تضيق بالمصلين ليستمعوا إلى الصوت الملائكي، وكانت تحدث حالات من الوجد والإغماء من شدة التأثر بصوته الفريد، وظلَّ يقرأ القرآن ويرتله في هذا المسجد قرابة الثلاثين عامًا؛ وفاءً منه للمسجد الذي بدأ فيه.
التكوين:
لم يكتفِ الشيخ محمد رفعت بموهبته الصوتية الفذَّة، ومشاعره المرهفة في قراءة القرآن، بل عمق هذا بدراسة علم القراءات وبعض التفاسير، واهتم بشراء الكتب، ودراسة الموسيقى الرقيقة والمقامات الموسيقية، فدرس موسيقى "بتهوفن"، و"موزارت"، و"فاجنر"، وكان يحتفظ بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية في مكتبته.
وامتاز محمد رفعت بأنه كان عفيف النفس زاهدًا في الحياة، وكأنه جاء من رحم الغيب لخدمة القرآن، فلم يكن طامعًا في المال لاهثًا خلفه، وإنما كان ذا مبدأ ونفس كريمة، فكانت مقولته: "إن سادن القرآن لا يمكن أبدًا أن يُهان أو يُدان"، ضابطة لمسار حياته، فقد عرضت عليه محطات الإذاعة الأهلية أن تذيع له بعض آيات الذكر الحكيم، فرفض وقال: "إن وقار القرآن لا يتماشى مع الأغاني الخليعة التي تذيعها إذاعتكم".
وعندما افتُتحت الإذاعة المصرية الخميس (31-5-1934) كان الشيخ أول من افتتحها بصوته العذب، وقرأ: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا"، وقد استفتى قبلها الأزهر وهيئة كبار العلماء عما إذا كانت إذاعة القرآن حلالا أم حراما؟ فجاءت فتواهم بأنها حلال حلال، وكان يخشى أن يستمع الناس إلى القرآن وهم في الحانات والملاهي.
وقد جاء صوت الشيخ رفعت من الإذاعة المصرية نديًّا خاشعًا، وكأنه يروي آذانًا وقلوبًا عطشى إلى سماع آيات القرآن، وكأنها تُقْرأ لأول مرة، فلَمَع اسم الشيخ، وعشقت الملايين صوته، بل أسلم البعض عندما سمع هذا الصوت الجميل، ففي ذات يوم التقى "علي خليل" شيخ الإذاعيين، وكان بصحبته ضابط طيَّار إنجليزي- بالشيخ رفعت، فأخبره "علي خليل" أن هذا الضابط سمع صوته في "كندا"، فجاء إلى القاهرة ليرى الشيخ رفعت، ثم أسلم هذا الضابط بعد ذلك.
وقد تنافست إذاعات العالم الكبرى، مثل: إذاعة برلين، ولندن، وباريس، أثناء الحرب العالمية الثانية؛ لتستهل افتتاحها وبرامجها العربية بصوت الشيخ محمد رفعت؛ لتكسب الكثير من المستمعين، إلا أنه لم يكن يعبأ بالمال والثراء، وأبى أن يتكسَّب بالقرآن، فقد عُرض عليه سنة 1935 أن يذهب للهند مقابل (15) ألف جنيه مصري، فاعتذر، فوسّط نظام حيدر آباد الخارجية المصرية، وضاعفوا المبلغ إلى (45) ألف جنيه، فأصرَّ الشيخ على اعتذاره، وصاح فيهم غاضبًا: "أنا لا أبحث عن المال أبدًا، فإن الدنيا كلها عَرَضٌ زائل".
وقد عرض عليه المطرب "محمد عبد الوهاب" أن يسجِّل له القرآن الكريم كاملاً مقابل أي أجر يطلبه، فاعتذر الشيخ خوفًا من أن يمسَّ أسطوانة القرآن سكران أو جُنُب.
الشيخ الإنسان:
ومع تمتع الشيخ بحس مرهف ومشاعر فياضة، فقد كان - أيضًا - إنسانًا في أعماقه، يهتزّ وجدانه هزًّا عنيفًا في المواقف الإنسانية، وتفيض روحه بمشاعر جياشة لا تجد تعبيرًا عن نفسها إلا في دموع خاشعات تغسل ما بالنفس من أحزان؛ فقد حدث أن ذهب لزيارة أحد أصدقائه المرضى، وكان في لحظاته الأخيرة، وعند انصرافه أمسك صديقه بيده ووضعها على كتف طفلة صغيرة، وقال له: "تُرى، من سيتولى تربية هذه الصغيرة التي ستصبح غدًا يتيمة؟"، فلم يتكلم محمد رفعت، وفي اليوم التالي كان يتلو القرآن في أحد السرادقات، وعندما تلا سورة الضحى، ووصل إلى الآية الكريمة: "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَر"، ارتفع صوته بالبكاء وانهمرت الدموع من عينيه كأنها سيل؛ لأنه تذكر وصية صديقه، ثم خصص مبلغًا من المال لهذه الفتاة حتى كبرت وتزوجت.
وعُرف عنه العطف والرحمة، فكان يجالس الفقراء والبسطاء، وبلغت رحمته أنه كان لا ينام حتى يطمئن على فرسه، ويطعمه ويسقيه، ويوصي أولاده برعايته، وهو إحساس خرج من قلب مليء بالشفقة والشفافية والصفاء، فجاءت نغماته منسجمة مع نغمات الكون من حوله.
كان منزله منتدى ثقافيًّا وأدبيًّا وفنًّيا، حيث ربطته صداقة قوية بمحمد عبد الوهاب، الذي كان يحرص على قضاء أغلب سهراته في منزل الشيخ بالسيدة زينب، وكثيرًا ما كانت تضم هذه الجلسات أعلام الموسيقى والفن، وكان الشيخ يُغني لهم بصوته الرخيم الجميل قصائد كثيرة، منها: "أراك عصيّ الدمع"، أما عبد الوهاب فكان يجلس بالقرب منه في خشوع وتبتل، وتدور بينهما حوارات ومناقشات حول أعلام الموسيقى العالمية.
كان بكَّاءً بطبعه، يقرأ على الهواء مرتين أسبوعيًّا من خلال الإذاعة (يومي الثلاثاء والجمعة) مدة (45) دقيقة في كل مرة، والدموع تنهمر من عينيه.
االمرض:
شاء الله أن يُصاب الشيخ محمد رفعت بعدة أمراض لاحقته وجعلته يلزم الفراش، وعندما يُشفى يعاود القراءة، حتى أصيب بمرض الفُواق (الزغطة) الذي منعه من تلاوة القرآن، بل ومن الكلام أيضًا؛ حيث تعرَّض في السنوات الثمانية الأخيرة من عمره لورم في الأحبال الصوتية، منع الصوت الملائكي النقي من الخروج، ومنذ ذلك الوقت حُرم الناس من صوته، فيما عدا ثلاثة أشرطة، كانت الإذاعة المصرية سجلتها قبل اشتداد المرض عليه، ثم توالت الأمراض عليه، فأصيب بضغط الدم، والتهاب رئوي حاد، وكانت أزمة الفُواق (الزغطة) تستمر معه ساعات.
وقد حاول بعض أصدقائه ومحبيه والقادرين أن يجمعوا له بعض الأموال لتكاليف العلاج، فلم يقبل التبرعات التي جُمعت له، والتي بلغت نحو (20) ألف جنيه، وفضَّل بيع بيته الذي كان يسكن فيه في حي "البغالة" بالسيدة زينب، وقطعة أرض أخرى؛ لينفق على مرضه. عندئذ توسط الشيخ "أبو العنين شعيشع" لدى "الدسوقي أباظة" وزير الأوقاف آنذاك، فقرَّر له معاشًا شهريًّا.
وشاء الله أن تكون وفاة الشيخ محمد رفعت في يوم الإثنين 9 مايو 1950، نفس التاريخ الذي وُلد فيه، عن ثمانية وستين عامًا قضاها في رحاب القرآن الكريم.
قالوا عن الشيخ محمد رفعت:-
قال عنه الأديب "محمد السيد المويلحي" في مجلة الرسالة: "سيد قراء هذا الزمن، موسيقيّ بفطرته وطبيعته، إنه يزجي إلى نفوسنا أرفع أنواعها وأقدس وأزهى ألوانها، وإنه بصوته فقط يأسرنا ويسحرنا دون أن يحتاج إلى أوركسترا".
ويقول عند الأستاذ "أنيس منصور": "ولا يزال المرحوم الشيخ رفعت أجمل الأصوات وأروعها، وسر جمال وجلال صوت الشيخ رفعت أنه فريد في معدنه، وأن هذا الصوت قادر على أن يرفعك إلى مستوى الآيات ومعانيها، ثم إنه ليس كمثل أي صوت آخر".
ويصف الموسيقار "محمد عبد الوهاب" صوت الشيخ محمد رفعت بأنه ملائكي يأتي من السماء لأول مرة، وسئل الكاتب الكبير "محمود السعدني" عن سر تفرد الشيخ محمد رفعت فقال: كان ممتلئًا تصديقًا وإيمانًا بما يقرأ.
أما الأستاذ "علي خليل" شيخ الإذاعيين فيقول عنه: "إنه كان هادئ النفس، تحس وأنت جالس معه أن الرجل مستمتع بحياته وكأنه في جنة الخلد، كان كيانًا ملائكيًّا، ترى في وجهه الصفاء والنقاء والطمأنينة والإيمان الخالص للخالق، وكأنه ليس من أهل الأرض".
ونعته الإذاعة المصرية عند وفاته إلى المستمعين بقولها: "أيها المسلمون، فقدنا اليوم عَلَمًا من أعلام الإسلام".
أما الإذاعة السورية فجاء النعي على لسان المفتي حيث قال: "لقد مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام
فضيلة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
[BIMG]http://forum.jsoftj.com/imgcache/3/25229jsoftjcom.jpg[/BIMG]
ولادته ونسبه : ولد القارىء الشيخ عبدالباسط محمد عبدالصمد عام 1927 بقرية المراعزة التابعة لمدينة أرمنت بمحافظة قنا بجنوب مصر .
حيث نشأ في بقعة طاهرة تهتم بالقرآن الكريم حفظاً وتجويدا ..فالجد الشيخ عبدالصمد كان من الأتقياء والحفظة المشهود لهم بالتمكن
من حفظ القرآن وتجويده بالأحكام , والوالد هو الشيخ محمد عبدالصمد , كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظا وتجويدأ
أما الشقيقان محمود وعبدالحميد فكانا يحفظان القرآن بالكتاب فلحق بهما أخوهما الأصغر سنا.
عبدالباسط , وهو في السادسة من عمره .. كان ميلاده بداية تاريخ حقيقي لقريته ولمدينة أرمنت التي دخلت التاريخ
من أوسع أبوابه. التحق الطفل الموهوب عبدالباسط بكتّاب الشيخ الأمير بأرمنت فاستقبله شيخه أحسن ما يكون
الإستقبال , لأنه توسم فيه كل المؤهلات القرآنية التي أصقلت من خلال سماعه القرآن يتلى بالبيت ليل نهار بكرة وأصيلا.
لاحظ الشيخ (( الأمير )) على تلميذه الموهوب أنه يتميز بجملة من المواهب والنبوغ تتمثل في سرعة استيعابه لما أخذه
من القرآن وشدة انتباهه وحرصه على متابعة شيخه بشغف وحب , ودقة التحكم في مخارج الألفاظ والوقف والابتداء
وعذوبة في الصوت تشنف الآذان بالسماع والاستماع .. وأثناء عودته إلى البيت كان يرتل ما سمعه من الشيخ رفعت
بصوته القوي الجميل متمتعاً بأداء طيب يستوقف كل ذي سمع حتى الملائكة الأبرار.
يقول الشيخ عبدالباسط في مذكراته : (( .. كان سني عشر سنوات أتممت خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على
لساني كالنهر الجاري وكان والدي موظفاً بوزارة المواصلات , وكان جدي من العلماء .. فطلبت منهما أن أتعلم القراءات
فأشارا علي أن أذهب إلى مدينة طنطا بالوجه البحري لأتلقى علوم القرآن والقراءات على يد الشيخ (( محمد سليم ))
ولكن المسافة بين أرمنت إحدى مدن جنوب مصر وبين طنطا إحدى مدن الوجه البحري كانت بعيدة جداً . ولكن الأمر
كان متعلقاً بصياغة مستقبلي ورسم معالمه مما جعلني أستعد للسفر , وقبل التوجه إلى طنطا بيوم واحد علمنا
بوصول الشيخ محمد سليم إلى (( أرمنت )) ليستقر بها مدرساً للقراءات بالمعهد الديني بأرمنت واستقبله أهل أرمنت
أحسن استقبال واحتفلوا به لأنهم يعلمون قدراته وإمكاناته لأنه من أهل العلم والقرآن , وكأن القدر ساق إلينا هذا الرجل
في الوقت المناسب .. وأقام له أهل البلاد جمعية للمحافظة على القرآن الكريم (( بأصفون المطاعنة )) فكان يحفظ
القرآن ويعلم علومه والقراءات . فذهبت إليه وراجعت عليه القرآن كله ثم حفظت الشاطبية التي هي المتن الخاص
بعلم القراءات السبع .
بعد أن وصل الشيخ عبدالباسط الثانية عشرة من العمر إنهالت عليه الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا وخاصة أصفون
المطاعنة بمساعدة الشيخ محمد سليم الذي زكّى الشيخ عبدالباسط في كل مكان يذهب إليه .. وشهادة الشيخ سليم
كانت محل ثقة الناس جميعاً .
زيارته للسيدة زينب في ذكرى مولدها: في عام 1950م ذهب ليزور آل بيت رسول الله (ص) وعترته الطاهرين وكانت
المناسبة التي قدم من أجلها مع أحد أقربائه الصعايدة هي الإحتفال بمولد السيدة زينب .. والذي كان يحييه عمالقة
القراء المشاهير كالشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبدالعظيم زاهر والشيخ أبوالعينين
شعيشع وغيرهم من كوكبة قراء الرعيل الأول بالإذاعة. بعد منتصف الليل والمسجد الزينبي يموج بأوفاج من المحبين
لآل البيت القادمين من كل مكان من أرجاء مصر كلها .. إستأذن أحد أقارب الشيخ عبدالباسط القائمين على الحفل أن
يقدم لهم هذا الفتى الموهوب ليقرأ عشر دقائق فأذن له وبدأ في التلاوة وسط جموع غفيرة وكانت التلاوة من
سورة الأحزاب .. عم الصمت أرجاء المسجد واتجهت الأنظار إلى القارىء الصغير الذي تجرأ وجلس مكان كبار القراء ..
ولكن ما هي إلا لحظات وانتقل السكون إلى ضجيج وصيحات رجت المسجد (( الله أكبر )) , (( ربنا يفتح عليك )) إلى
آخره من العبارات التي تصدر من القلوب مباشرة من غير مونتاج.. وبدلاً من القراءة عشر دقائق امتدت إلى أكثر من ساعة
ونصف خيل للحاضرين أن أعمدة المسجد وجدرانه وثرياته انفعلت مع الحاضرين وكأنهم يسمعون أصوات الصخور تهتز
وتسبح بحمد ربها مع كل آية تتلى بصوت شجي ملائكي يحمل النور ويهز الوجدان بهيبة ورهبة وجلال.
الشيخ الضباع يقدم الشيخ عبدالباسط للإذاعة: مع نهاية عام 1951 طلب الشيخ الضباع من الشيخ عبدالباسط أن
يتقدم إلى الإذاعة كقارىء بها ولكن الشيخ عبدالباسط أراد أن يؤجل هذا الموضوع نظراً لارتباطه بالصعيد وأهله ولأن
الإذاعة تحتاج إلى ترتيب خاص . ولكن ترتيب الله وإرادته فوق كل ترتيب وإرادة . كان الشيخ الضباع قد حصل على تسجيل
لتلاوة الشيخ عبدالباسط بالمولد الزينبي والذي به خطف الأضواء من المشاهير وتملك الألباب وقدم هذا التسجيل للجنة
الإذاعة فانبهر الجميع بالأداء القوي العالي الرفيع المحكم المتمكن وتم اعتماد الشيخ عبدالباسط بالإذاعة عام 1951 ليكون
أحد النجوم اللامعة والكواكب النيرة المضيئة بقوة في سماء التلاوة.
بعد الشهرة التي حققها الشيخ عبدالباسط في بضعة أشهر كان لابد من إقامة دائمة بالقاهرة مع أسرته التي نقلها
من الصعيد إلى حي السيدة زينب ليسعد بجوار حفيدة الرسول (ص) والتي تسببت في شهرته والتحاقه بالإذاعة
وتقديمه كهدية للعالم والمسلمين والإسلام على حد قول ملايين الناس . بسبب إلتحاقه بالإذاعة زاد الإقبال على
شراء أجهزة الراديو وتضاعف إنتاجها وانتشرت بمعظم البيوت للإستماع إلى صوت الشيخ عبدالباسط وكان الذي
يمتلك (( راديو )) في منطقة أو قرية من القرى كان يقوم برفع صوت الراديو لأعلى درجة حتى يتمكن الجيران
من سماع الشيخ عبدالباسط وهم بمنازلهم وخاصة كل يوم سبت على موجات البرنامج العام من الثامنة وحتى
الثامنة والنصف مساءً . بالإضافة إلى الحفلات الخارجية التي كانت تذاع على الهواء مباشرة من المساجد الكبرى .
زياراته المتعددة إلى دول العالم: بدأ الشيخ عبدالباسط رحلته الإذاعية في رحاب القرآن الكريم منذ عام 1952م
فانهالت عليه الدعوات من شتى بقاع الدنيا في شهر رمضان وغير شهر رمضان .. كانت بعض الدعوات توجه
إليه ليس للإحتفال بمناسبة معينة وإنما كانت الدعوة للحضور إلى الدولة التي أرسلت إليه لإقامة حفل بغير
مناسبة وإذا سألتهم عن المناسبة التي من أجلها حضر الشيخ عبدالباسط فكان ردهم
(( بأن المناسبة هو وجود الشيخ عبدالباسط )) فكان الإحتفال به ومن أجله لأنه كان يضفي جواً من البهجة
والفرحة على المكان الذي يحل به .. وهذا يظهر من خلال استقبال شعوب دول العالم له استقبالاً رسمياً
على المستوى القيادي والحكومي والشعبي .. حيث استقبله الرئيس الباكستاني في أرض المطار وصافحه
وهو ينزل من الطائرة .. وفي جاكرتا بدولة أندونيسيا قرأ القرآن الكريم بأكبر مساجدها فامتلأت جنبات
المسجد بالحاضرين وامتد المجلس خارج المسجد لمسافة كيلو متر مربع فامتلأ الميدان المقابل للمسجد بأكثر من
ربع مليون مسلم يستمعون إليه وقوفا على الأقدام حتى مطلع الفجر .
وفي جنوب أفريقيا عندما علم المسئولون بوصوله أرسلوا إليه فريق عمل إعلامي من رجال الصحافة
والإذاعة والتليفزيون لإجراء لقاءات معه ومعرفة رأيه عما إذا كانت هناك تفرقة عنصرية أم لا من وجهة نظره
فكان أذكى منهم وأسند كل شيء إلى زميله وابن بلده ورفيق رحلته القارىء الشيخ أحمد الرزيقي الذي رد عليهم
بكل لباقة وأنهى اللقاء بوعي ودبلوماسية أضافت إلى أهل القرآن مكاسب لا حد لها فرضت احترامهم على الجميع .
كانت أول زيارة للشيخ عبدالباسط خارج مصر بعد التحاقه بالإذاعة عام 1952 زار خلالها السعودية لأداء فريضة
الحج ومعه والده .. واعتبر السعوديون هذه الزيارة مهيأة من قبل الله فهي فرصة يجب أن تجنى منها الثمار , فطلبوا منه
أن يسجل عدة تسجيلات للمملكة لتذاع عبر موجات الإذاعة .. لم يتردد الشيخ عبدالباسط وقام بتسجيل عدة
تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التي سجلت بالحرم المكي والمسجد النبوي الشريف
(( لقب بعدها بصوت مكة )) .. ولم تكن هذه المرة الأخيرة التي زار فيها السعودية وإنما تعددت الزيارات ما بين
دعوات رسمية وبعثات وزيارات لحج بيت الله الحرام .
ومن بين الدول التي زارها (( الهند )) لإحياء احتفال ديني كبير أقامه أحد الأغنياء المسلمين هناك .. فوجيء الشيخ
عبدالباسط بجميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنّوا رؤوسهم إلى أسفل ينظرون محل السجود
وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع تأثراً بهذا الموقف الخاشع . لم يقتصر
الشيخ عبدالباسط في سفره على الدول العربية والإسلامية فقط وإنما جاب العالم شرقاً وغرباً .. شمالاً وجنوباً
وصولاً إلى المسلمين في أي مكان من أرض الله الواسعة .. ومن أشهر المساجد التي قرأ بها القرآن هي
المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بالسعودية والمسجد الأقصى بالقدس وكذلك
المسجد الإبراهيمي بالخليل بفلسطين والمسجد الأموي بدمشق وأشهر المساجد بآسيا وإفريقيا والولايات
المتحدة وفرنسا ولندن والهند ومعظم دول العالم , فلم تخل جريدة رسمية أو غير رسمية من صورة وتعليقات
تظهر أنه أسطورة تستحق التقدير والإحترام .
تكريمه: يعتبر الشيخ عبدالباسط القارىء الوحيد الذي نال من التكريم حظاً لم يحصل عليه أحد بهذا القدر
من الشهرة والمنزلة التي تربع بها على عرش تلاوة القرآن الكريم لما يقرب من نصف قرن من الزمان نال
خلالها قدر من الحب الذي جعل منه أسطورة لن تتأثر بمرور السنين بل كلما مر عليها الزمان زادت قيمتها
وارتفع قدرها كالجواهر النفيسة ولم ينس حياً ولا ميتاً فكان تكريمه حياً عام 1956 عندما كرمته سوريا
بمنحه وسام الاستحقاق ووسام الأرز من لبنان والوسام الذهبي من ماليزيا ووسام من السنغال وآخر من المغرب
وآخر الأوسمة التي حصل عليها كان بعد رحيله من الرئيس محمد حسن مبارك في الاحتفال بليلة القدر عام 1990م.
رحلته مع المرض والوفاة : تمكن مرض السكر منه وكان يحاول مقاومته بالحرص الشديد والإلتزام في
تناول الطعام والمشروبات ولكن تاضمن الكسل الكبدي مع السكر فلم يستطع أن يقاوم هذين المرضين
الخطيرين فأصيب بالتهاب كبدي قبل رحيله بأقل من شهر فدخل مستشفى الدكتور بدران بالجيزة إلا أن صحته
تدهورت مما دفع أبناءه والأطباء إلى نصحه بالسفر إلى الخارج ليعالج بلندن حيث مكث بها أسبوعاً وكان بصحبته
ابنه طارق فطلب منه أن يعود به إلى مصر وكأنه أحسّ أن نهار العمر قد ذهب , وعيد اللقاء قد اقترب . فما الحياة
إلا ساعة ثم تنقضي , فالقرآن أعظم كرامة أكرم الله بها عبده وأجل عطية أعطاها إياه فهو الذي استمال القلوب
وقد شغفها طرباً وطار بها فسافرت إلى النعيم المقيم بجنات النعيم , وقد غمر القلوب حباً وسحبهم إلى الشجن
فحنت إلى الخير والإيمان وكان سبباً في هداية كثير من القلوب القاسية وكم اهتدى بتلاوته كثير من الحائرين فبلغ
الرسالة القرآنية بصوته العذب الجميل كما أمره ربه فاستجاب وأطاع كالملائكة يفعلون ما يؤمرون .
وكان رحيله ويوم وداعه بمثابة صاعقة وقعت بقلوب ملايين المسلمين في كل مكان من أرجاء الدنيا وشيّعه
عشرات الألاف من المحبين لصوته وأدائه وشخصه على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وكانت جنازته وطنية
ورسمية على المستويين المحلي والعالمي فحضر تشييع الجنازة جميع سفراء دول العالم نيابة عن شعوبهم
وملوك ورؤساء دولهم تقديراً لدوره . في مجال الدعوة بكافة أشكالها حيث كان سبباً في توطيد العلاقات
بين كثير من شعوب دول العالم ليصبح يوم 30 ديسمبر من كل عام يوم تكريم لهذا القارىء العظيم ليذكّر
المسلمين بيوم الأربعاء 30/11/1988م الذي توقف عنه وجود المرحوم الشيخ عبدالباسط بين أحياء الدنيا
ليفتح حياةً خالدةً مع أحياء الآخرة يرتل لهم القرآن الكريم كما كان يرتل في الدينا .
تابعو
تعليق