إقرأ كتاب ( الإنجيل و الصليب ) لعبد الأحد دواد الآشوري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ابنة ديدات مسلمة اكتشف المزيد حول ابنة ديدات
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابنة ديدات
    2- عضو مشارك
    • 27 أغس, 2010
    • 117
    • مدرسة و كاتبة
    • مسلمة

    إقرأ كتاب ( الإنجيل و الصليب ) لعبد الأحد دواد الآشوري

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تابع الفصل الأول من الكتاب

    الباب الثاني

    غرض الإنجيل وموضوعه (الإسلام) و (أحمد)
    - 10 -
    المبشر لوقا يبشر ( بالإسلام ) و ( بأحمد )
    لننظر الآن في التأويل والتفسير الحقيقي للفظ إنجيل الذي يبشر بالسعادة الحقيقية وماذا يحتمل أن يكون القصد من كلمة (أمل) أو (ملكوت الله ؟ ) فاذا انكشف هذا السر نكون قد فهمنا روح الإنجيل ولبه . اسأل الله تعالى أن يمن على هذا المؤلف الأحقر بان يجل له نصيب الفخر بكشف هذه الحقيقة التي تعدل الدنيا وما فيها بأهميتها العظمى وقيمتها التي لا يساويها شيء - مع أنها وياللأسف لم تزل حتى الآن مجهولة لدى كل من المسلمين والمسيحيين - وتمحيصها من التحريفات والتأويلات الفاسدة ، وابرازها بتمامها وصفائها بالأدلة القاطعة والبراهين المسكتة بصورة صريحة واضحة بحيث يفهمها كل أحد .
    وهاءنذا أتحدى بإعلان وإظهار هذه الحقيقة جميع العالم وكافة روحانيي النصارى واشهر أساتذة الألسنة والعلوم الدينية في دور الفنون الموجودة في العالم المسيحي ، تسلية لقلوب المسلمين ، وتثبيتاً لإيمان الموحدين ، الذين أصيبوا بأنواع المصائب ، وأمسوا هدفاً للتحقير والطعن في هذه الأيام الأخيرة . وهاءنذا افتتح كلامي بالحمد والشكر وتحياتي مع روحي وحياتي مشفوعة مع شهادة أن لا اله إلا الله ، تلك الكلمة الطيبة كاملة التوحيد والإيمان الصحيح تقرباً إلى الله الواحد الأحد ، مكون الكائنات ، وواهب العقول والإفهام ، المطلع على خفايا السرائر والنيات ، جل جلاله ، وخدمة لدين حبيبه ومصطفاه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فأني قد عاهدت الله عز اسمه بأن اقف نفسي على خدمة هذا الدين المبين وخدمة أمته المظلومة ، والدعاء لها ، والله ولي الإجابة والتوفيق . بعد هذا أقول :
    جاء في لوقا انه ظهر في الليلة التي ولد فيها المسيح عليه السلام جمهور من الجنود السماوية للرعاة الذين كانوا في البرية يترنمون بهذا النشيد : (لوقا 14:2) .
    (الحمدلله في الأعالي ، وعلى الأرض إسلام ! وللناس أحمد)(1)
    إن الذي فتح عيني هذا المحرر الفقير ، ووهب له مفتاح أبواب خزائن الإنجيل ، وكان له دليلاً في تتبع الأديان الأخرى ، وإمعان النظر في الإنجيل مرة أخرى ، هو هذه الآية آية الآيات الإلهية .
    اني مطمئن بان هذه الآية الجليلة ستبعث اليقظة مع الحيرة والدهشة في قلوب كثير من المسيحيين كما وقع ذلك لي لأني واثق بأنه يوجد في هذه الملة اليوم أناس كثيرون برءاة من التعصب والسفسطة ، وانهم لا يتأخرون عن الإذعان والتصديق للكلام الحق ولا يترددون في قبول الفكر الصحيح وقتاً ما (*)

    (1) في الترجمة العربية : وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ، والمؤلف يعلم هذا ونقله فيما يأتي ولكنه يقول هنا أن الأصل الصحيح هو ما قاله ثم شرحه في التفصيل الآتي أ هـ مصححه .

    (*) لا يخفى على العاقل شأن هذا الباب الذي فتحه المؤلف من حيث أشغاله على أبحاث لغوية وبيان لمعاني بعض الألفاظ اليونانية الواردة في كتب العهد الجديد وذكر مترادفاتها ومشتقاتها في اللغات السريانية والكلدانية والعبرانية في كتب العهد القديم ، مما يجهله اكثر علماء الدين من المسلمين ومما لم يعقله أو ينتبه إليه أو كتمه بعد أن عقله بعض علماء النصارى , ومن هذا البحث اللغوي يتضح مفصلاً أن لقب (مشتهى الأمم) الوارد في (حجي 6:2) هو بمعنى (احمد أو محمد ) فان الإسرائيليين يطلقون على أنفسهم لقب (شعب الله المختار أو الخاص) وعلى كل من سواهم التعبير (بالأمم) . كما تطلق العرب على غيرها من الأمم لقب (العجم) . وقد ذكر هذه البشارة مجملاً العلامة (السيد محمد رشيد رضا) في تفسير المنار (تفسير القرآن الحكيم (المجلد التاسع صحيفة 289) .
    قال تعالى في سورة طه { وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه } وأجاب بقوله تعالى { اولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى } ومثله جاء في إنجيل يوحنا : 39:5 قول المسيح عليه السلام (فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهي التي تشهد لي) وليس من بينة ابلغ من البشارة المذكورة في الصحف الأولى ، لأنها دائمة وبرئيه من تهمة التزوير واحتمال السحر . خصوصاً إذا لم يمكن انطباقها على غير واحد . وان البشارات الدالة على حقية رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة . ومن أوضحها ما جاء في كتاب اشعيا بعد أن ذكر في أواخر الإصحاح 41 بعثة المسيح عليه السلام بقوله (لأورشليم جعلت مبشراً) شرع في الإصحاح 42 بذكر عبدالله ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وبعدد صفاته ، ولنذكر منها ما لا ينطبق إلا عليه صلى الله عليه وسلم (مع شيء من التصرف والشرح)
    1- انه (عبدالله ومختاره) أي لا ابن الله ولا مساو لله كما تدعيه النصارى في المسيح .
    2- (لا يرفع صوته في الشارع قصبة لا يقصف وفتيلة لا يطفئ) يعضده الله فلا يكل ولا ينكسر . وهذه حالته صلى الله عليه وسلم إلى ما بعد الهجرة . أما المسيح فيدعي النصارى انه قتل صلباً وبذلك يجعلونه قصبه مقصوفة وفتيلة مطفأة ويقولون انه قال حين الصلب (الهي الهي لماذا تركتني . متى 46:27) أي أن الله لم يعضده .
    3- (حتى يضع الحق في الأرض فيخرج الحق للأمم) وأما المسيح فلم يتمكن من وضع الحق في الأرض لان أتباعه تفرقوا عنه ولم يزل عالم النصرانية مغلوباً حتى زمن قسطنطين الوثني الذي فعل النصرانية واهلها ما هو معلوم من التاريخ وذكر المؤلف خلاصته .
    4- (تنتظر الجزائر شريعته) و(أن يغنوا للرب أغنية جديدة وتسبيح ..) وليس للمسيح شريعة جديدة فانه عليه السلام قال :(لا تظنوا أني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لانقض بل لأكمل (متى 17:5) فشريعة المسيح عليه السلام كانت شريعة موسى عينها . أما بولص فانه وان ابطل الشريعة الموسوية لم يثبت للمسيح شريعة غيرها بل عوض أتباعه بالنعمة فقط . وأما محمد صلى الله عليه وسلم فله اكمل الشرائع .
    5- (دعاه الرب بالبر (أو بالنصر) وامسك بيده وحفظه كالجبار أخرجه كرجل حروب لنهض غيرته . يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه) وهذه حالة محمد صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة . ولم يكن المسيح كالجبار ولا رجل حرب ولم يقوا على أعدائه . ولا يقول النصارى أن في مجيئه الثاني سيحارب كالجبار بل بصورة حمل غضبان .
    6- (ترفع البرية ومدنيها . الديار التي سكنها قيدار . تترنم سكان سالع . يهتفون ويعطون مجداً للرب ويخبرون بتسبيحه في الجزائر) والبرية جزيرة العرب . ومدنها هي التي سكنها قيدار بن إسماعيل عليه السلام . (تكوين 13:25) .
    7- (جعله عهداً للشعب ونوراً للأمم . ليفتح عيون العمي ليخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة).
    وكان صلى الله عليه وسلم مصداق العهد الذي أعطاه لإبراهيم عليه السلام بقوله (أما أنا فهو ذا عهدي معك وتكون أبا لجمهور من الأمم . تكوين 4:17) وجعل علامة العهد الختان (فتختنون في لحم غرلتكم . فيكون علامة عهدي بيني وبينكم . تكوين 11:17) وختن إبراهيم وإسماعيل حين لم يكن اسحق قد ولد (إسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الوقت في السنة الآتية. فلما فرغ من الكلام . في ذلك اليوم عينه ختن إبراهيم وإسماعيل ابنه . تكوين 17 : 21-26) .
    وكرر هذا العهد لشعب بني إسرائيل على لسان موسى عليه السلام (سوف أقيم لهم نبيا مثلك من بين اخوتهم واجعل كلامي في فمه . تثنيه 18:18) . وقد فصل هذه البشارة العلامة السيد محمد رشيد رضا في الجزء التاسع من تفسيره صفحة 251 بما لا مزيد عليه .
    وأما كونه صلى الله عليه وسلم نور الأمم فهم سوى بني إسرائيل كما مر . وهم مشركوا العرب وغيرهم وكانوا عمياً وجالسين في الظلمة فأثارهم بالقرآن العظيم وفتح عيونهم . وكذلك اخرج المأسورين للأصنام وأهل الكتاب المأسورين للأحبار والرهبان قائــلاً لهم { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله } كما أخرجهم من ضيق العيش إلى الرغد ومن الجهل إلى العلم ومن التنازع إلى التحاب . وهكذا سيبقون ما لم ينكثوا عهد الله وميثاقه .
    ومن اغرب العجيب أن أهل الكتاب لا يقتنعون بهذه البشارة ويرضون بتعطيل كتاب الله الذي يعتقدون انه من الله تعالى . وقد فكرت طويلاً فلم أجد سبباً لعنادهم إلا ارثهم البغضاء عن أمهم سارة لأولاد ضرتها هاجر . والله يهدي من يشاء أ هـ (مترجم الكتاب) .
    - 11 -
    كيف ترجموا هذه الآية
    كلما تقدمت في هذا المؤلف الوجيز تزعجني هاتان الواهمتان . الأولى هل يوجد من يشعر باني راغب في اكتساب الشرف والعظمة بنقد المفسرين والمترجمين ؟ والثانية - هل أنا مصيب في ترجمتي وعلى حق في تفسيري ؟ إن في مكتبة هذا العاجز نسخة من الكتاب المقدس بالعبرانية ونسخة من ترجمته بالسريانية الجديدة ونسخه ثالثه بالتركية مع نسخة من الإنجيل والتوراة باليونانية ولم أجد ما احتاج إلى مراجعته من المؤلفات في مكتبة بايزيد العامة لإكمال هذا العمل النافع . فأنا مضطر إلى الاكتفاء بما عندي من هذه الكتب . على أنه ليس في المطبعة حروف عبرانية ولا يونانية .
    وهاءنذا اشرع في المقصود وقبل أن ادخل في بيان شرح الآية التي نحن في صدد الكلام عنها وأبسط تدقيقاتي فيما سأورده في إثباتها بصورة مفصلة في الفصل العاشر - أراني مضطراً إلى تقديم بعض المقدمات الإيضاحية بعبارة مختصرة فأقول :
    إن الرعاة السوريين الذين ذكروا في الآية لم يكونوا من خريجي أكاديمية اثينة وقد سمعوا جمهور الجنود السماوية يترنمون بتلك الأنشودة العجيبة فلا يمكن إذاً أن تكون الأنشودة باليونانية . هذا شيء لا يوجد من يعترض عليه ، ومن البديهي انهم كانوا يرتلون التسبيح باللغة السريانية . ولم يذكر أنشودتهم المهمة هذه متى ولا المبشرون الآخرون ، وان لوقا كتب موعظته باللغة اليونانية لأنه روماني أو لاتيني على ما هو معلوم من اسمه .
    كلمتان وردتا في اللغة الأصلية للآية المذكورة لم يدرك أحد ما تحتويان عليه من المعاني تماماً ، فلم تترجم هاتان الكلمتان كما يجب في الترجمة القديمة من السريانية على وفق ما وقع في التراجم إلى اللغات الأخرى ، فبناء عليه يجب البحث عن نشيد الملائكة في اللغة الأصلية ، لان لوقا انما كتب كتابه متخذاً كثيراً من المؤلفات المتقدمة(1) مادة له ، ثم ان تلك المآخذ المتقدمة صارت عرضة لتنقيح وتصرف مراقب مجمع نيقية(2) الفاقد للمرأفة ، وبعد كل ما كان فان ترجمتها باليونانية وقعت على الوجه الآتي كما في (ترجمة بايبل سوسايتي) .
    (الحمد لله في الأعالي ، على الأرض سلامة ، في الناس حسن الرضا)
    ومن البديهي إن الملائكة لم ينشدوها باللغة اليونانية ، وإلا كانوا كمن يكلم الرعاة الأكراد في جبل هكاري باللغة اليابانية ، فلنبين الآن التفسير الصحيح الحقيقي للكلمتين (ايريني ، السلامة) و (أيودكيا ، حسن الرضا) فيا للعجب ! لكن انظروا أولاً إلى هذا التفسير الذي فسروه هم :
    أولاً ، كلمة (دوكسا) مشابهة لكلمة (الحمد) في العربية والعبرانية والسريانية . وهي من الألفاظ المشتركة بين جميع اللغات السامية ، و (دوكسا) مشتقة من (دوكو) أو (دوكئو) .
    وبناء على ذلك تكون التسبيحات ، بمعنى حمد وعقيدة وفكرة . والكلمة المستعملة في السريانية بمقابل (دوكسا) هي كلمة (تشبوحتا) وفي اللاتينية Gloria والفرنسيون والإنجليز والملل العربية تستعمل كلمات تشبهما .
    كثيراً ما نصادف في صحائف كتب العهد القديم كلمات بعين الكتابة مشابهة ككلمات (حمد) و (احمد) و (محمد) فما يشابه (محمد) ما جاء في ملوك أول 6:20 وهوشع 16:9 ويوئيل 5:3 ومرائي ارميا 1 : 7و11) ... الخ .
    فالأولى من الكلمتين اللتين هما موضوع بحثنا الآن هي (ايريني) فقد ترجمت بكلمات (سلامة) و(مسالمة) و (سلام) لكني لا افهم لماذا يترجم مترجموا (بايبل سوسايتي) اللفظ الواحد مرة (سلام) ومرة (سلامه) وأخرى (مسالمة) ؟
    أن كلمة (ايريني) بمعنى (سلم) و (سلام) وهي من الألفاظ المشتركة بين جميع اللغات السامية(1) كما أن كلمة (احمد) كذلك موجودة في جميع تلك اللغات ، ففي السريانية (شلم) وفي العبرانية (شالوم) التي يستعمل في مقابلتها الغربيون المنسوبون إلى اللغات اللاتينية Pace, Paix, Pax, Peace .
    من المعلوم أن لفظ (إسلام) يفيد معاني واسعة جداً ، ويشتمل على ما تشتمل عليه ألفاظ (السلم ، السلام) و (الصلح ، المسالمة) و (الأمن ، الراحة) أي ان من اسلم وجهه لله واجب الوجود يكون مسلماً ، وتزول من قلبه العداوة والخصومة التي يثيرها الكفر بالإيمان الذي يحل في قلب من اسلم مع الإقرار باللسان ، فهو للقلب راحة ، وفي الآخرة أمان ، ومن المسلمين المجاورين اطمئنان على العرض والنفس والمال . وهذا الإسلام يعطي راحة الفكر ، واطمئناناً للقلب ، وأماناً يوم القيامة .
    أن الكلمتين (ايريني) و(شلم) تفيدان هذا المعنى بعينه ، وأما كلمة (إسلام ، سلام) فهي مع ما تشتمل عليه من المعاني التي شرحناها آنفاً باختصار تتضمن معنى زائداً وتأويلاً آخر أكثر وأعم وأشمل وأقوى مادة ومعنى ، ولكن قول الملائكة (على الأرض سلام) لا يصح أن يكون بمعنى الصلح العام والمسالمة . لان جميع الكائنات وعلى الأخص الحية منها ولاسيما النوع البشري الموجود على كرة الأرض دارنا الصغيرة هي بمقتضى السنن الطبيعية والنواميس الاجتماعية خاضعة للوقائع والفجائع الوخيمة كالاختلافات والمحاربات والمنازعات . وذلك لكي يتمتعوا بالحياة والرقى ، ويعلو قسطهم من قانون الترقى والتكامل ، وهذه النزعة الفطرية الضرورية من غرائز البشر تحدث لهم ضروب الاختلاف والتنازع ، وتحملهم على الشقاق والجدال والجلاد .
    فمن المحال أن يعيش الناس على وجه الأرض بالصلح والمسالمة ، ولا يتمكن أي دين كان أن يضمن دوام السلم العام بين الأمم والأقوام حتى لو تعلقت إرادة الله عز وجل بذلك لاقتضى أن يبدل سننه الاجتماعية في طباع البشر ونظام معايشهم ويغير النواميس الطبيعية فيهم ويستبدل بها غيرها .
    إن الحكومات المستريحة الآمنة المسالمة إذا لم تكن على حذر دائم من عدوها تكون مقضياً عليها بالتدلي والسقوط ، ولا تزال تتقهقر حتى تصير إلى البداوة والانحطاط أو الاضمحلال ، وإذا كانت الأمم لا تخشى اعتداءاً على حياتها أو عرضها أو مالها ، والحكومات الحاضرة لا تسحب للدماء ولا للنار حساباً ، فلماذا نراها منهمكة في المسابقة إلى الاختراعات الحربية المرعبة التي نشاهدها ، خرقوا جبال الألب من أسفلها وهي التي تمردت على ذكاء (بونابرت) و (انيبال)(1) وهمتهما ، وعبدوا للطريق فيها حتى صارت تمر منها القطارات بالكهرباء ، وتساق فيها الجيوش ليقيم كبار العرب - الذين سافروا من حضرموت إلى الصين- وجاءوا من اجداثهم ولينظروا إلى تلك البحار التي مخروا فيها والأمواج التي تسنموا غواربها ماذا يرون ؟ أما البحار فهي هي بعينها ، ولكن أي السفن أنشئت ، وأي الآلات اخترعت لطي تلك المسافات بالسرعة العجيبة ؟ والى الرياح العاتية والعواصف القاصفة في جو السماء ! هي وإن كانت باقية على حالها منذ القدم ، ولكن ليبصروا كيف أن الفن انفذ فيها التلغراف اللاسلكي وسخرها كخادم له ، ثم لينظروا هذه المناطيد والطيارات ، والمدرعات والغواصات والدبابات ، من مخترعات العقل والفن ، ما أوجدتها إلا الضراوة بالحرب ، وعدم الثقة في معاهدات الصلح ، والأمان من الحرب ، وإذاً يكون (السلام) الذي هتفت به الملائكة ليس عبارة عن الاستراحة والمسالمة الدنيوية ، او أن يدخل جميع الناس الكنيسة فيصبحون آمنين مرتاحين تحت إدارة الأساقفة والرهبان خدام (الأسرار السبعة) بل إن كان في الدنيا شيء قد اكتسب اكبر شهرة في اقتراف المظالم وإيقاد نيران العداوة فلا شك أنها الكنيسة ، أقول لا شك ، لان تلك حقيقة تاريخية ثابتة بالفعل ويقول المسيح نفسه (ما جئت لألقي سلاماً على الأرض) وأما الذين يصدقون بأنه سيتأسس صلح عام ، فأولئك هم عبيد الوهم والخيال .
    الإســــــــلام
    الإسلام : دين أساس إدارته وحكمه العدل المطلق الذي لا هوادة فيه ، لان الجرائم والجنايات تعاقب عليها يد العدالة ، ولكن الأشرار والمنافقين من المسلمين لا يزالون يسعون في الأرض فساداً ، ولم يخل زمن الخلفاء الراشدين - مثال للعدل المطلق الكامل - من مثل هذه الاختلافات والشقاق من الحروب .
    أذن فماذا كانت تقصد الملائكة ؟ هل قصدت (سلام عليكم) (شلم لحن) كما يريد أن يحيي بعضنا بعضاً ، ويؤدي له رسوم المجاملة ؟ الناس يمكنهم أن يستعملوا ما يشاءون من الكلمات الرقيقة لأجل المجاملة ، ولكن لا حكمة ولا حاجة أبداً إلى ذلك في التبشير السماوي ، ولاسيما إذا كان من قبل جيش من الملائكة يترنمون في جو الأفلاك .

    (1) لوقا : 24:1.

    (2) نيقية هي بلدة ازنيق من توابع خداوندكار .

    (1) سام أحد أولاد نوح عليه السلام وهو جد الأقوام السامية .

    (1) انيبال - من الفنيقيين وحاكم قرطاجنة اشتهر في التاريخ باسم انيبال وإنما اسمه الحقيقي (حانبحل) أي لطف الله .
    - 13 -
    (ايريني) أي (الإسلام) هو الدين المبين ، وحبل الله المتين ، المكمل للإنسان جميع وسائل ترقيه المادية والمعنوية ، والكافل له سعادة الحياة والعيش الرغيد إلى الأبد .
    مهما أكن حريصاً على التزام الاعتدال ، وعلى سوق القلم فيما لا يجرح عواطف المسيحيين ، فلا بد أن أكون معذوراً إذا ما تجاوزت أحياناً هذه الخطة .
    رحماك ربي ! ما اكثر ما ينحي به أحرار الفكر(1) والموحدون في أوروبا وأمريكا على النصرانية من التحقير الشفهي ، والاعتداء التحريري ! ومن المعلوم بالضرورة أن مثل تلك المطاعن لا تقع في بلاد المسلمين كتركيا .
    ما كان اجدر الكنائس بخدمة الإنسانية لو صرفت عنايتها في مجامعها الكبرى من مجمع نيقية إلى آخر مجمع للفاتيكان(2) عن فحص الأسرار والأشياء السحرية ووجهت همتها إلى المعاني العميقة للآية التي نحن بصدد التدقيق في معناها : كم كان للمسيح من طبيعة وإرادة ؟ هل كانت أمه مريم إذ كان في رحمها برئيه من الذنب المغروس أم لا ؟ عندما يتحول الخبز والخمر إلى لحم المسيح ودمه في القربان المقدس هل يفقدان جوهرهما أم أعراضهما فقط ؟ إذا كان عقد النكاح كارتباط المسيح بعروسه للكنيسة أبدياً فيكون افتراق الزوجين وانفصال أحدهما عن الآخر محالاً حتى الموت أم لا ؟ هل ينبثق الروح القدس من الآب وحده ، أم من الآب والابن معاً ؟ وأسفا على الكنيسة التي تشتغل بمثل هذه المسائل ؟
    أذن فالملائكة أرادت أن تقول (سيؤسس دين الإسلام على الأرض)
    أقول إلى رهبان البروتستانت وواعظيهم الذين يدعون المسيح جاء بالسلام أن مدعاكم غلط محض ، وان المسيح قد قال صريحاً وتكراراً انه لم يأت بالسلام بل بالسيف والنار ، والاختلاف والتفريق بين الناس ، فلا مناسبة للسلام بالمسيح ولا بالمسيحية ، ودونكم هذه النصوص .
    (لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً (ايريني) على الأرض . ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً) (متى 34:10) وفي موعظة أخرى للمسيح (جئت لألقي ناراً على الأرض ، أتظنون أني جئت اعطي سلاماً على الأرض ، كلا أقول لكم ، بل انقساماً) (لوقا 12 : 49-53)
    أن تدقيقاتنا ومطالعاتنا العميقة في هذا الموضوع مندرجة في الفصل العاشر ولكن اضطررت هاهنا عند تحقيق معنى الأنجيل إلى تدقيق في المعاني المهمة التي تتضمنها الآية المذكورة لا غير ، فأن الملائكة في هذه الآية تخبر وتعلن صريحاً بأنه سيظهر دين بأسم (الإسلام) و (السلم) .
    فإذا كانت هذه الفكرة التي بيناها باطلة ، فالآية المذكورة ليست إلا نغمة لا معنى لها (حاشا) فما دامت النصرانية تعتقد أن الآية المذكورة وحي والهام من قبل الملائكة حقيقة ، فيجب علينا أن نقبلها مثلهم ، ونضطر إلى الاعتقاد بأنها أهم واعظم شأناً من أية آية في الكتب السماوية ، لان هذا الإلهام ليس من قبل نبي أو رسول أو ملك واحد بل هو الهام من قبل جمهور من الجنود السماوية يهللون ويترنمون بالذات ، فنحن على هذا مضطرون إلى قبول أن محتوياتها أيضاً عبارة عن تظاهرات كبيرة وتجليات مهمة جداً تتعلق بمنافع البشر وبنجاتهم في المستقبل .
    ولنبين أن أنبياء الله قد استعملوا من قبل في أسفار التوراة (العهد العتيق) هذا المعنى اللغوي لكلمة (إسلام) بمادة هذا المصدر نفسه ومشتقاته وهي (سلم ، تسليم ، إسلام) العربية و (شلم ، شلوم) العبرانية ، و (شلم) السريانية ، على الوجه آلاتي :
    (اشعيا 44 : 26 و 28) إتمام ، إكمال ، إكمال النقص ، الذهاب به إلى مكانه .
    (اشعيا 12:38) الإنهاء ، الإيصال إلى المنتهى .
    (أمثال سليمان 7:16) المصالحة ، الصلح مع .
    (يشوع 10 : 1 : 4) عقد الصلح والمصالحة ، التسليم والضبط .
    فالإسلام عبارة عن الدين المتمم والمكمل للأديان السابقة والحاكم في الاختلافات الكائنة بين اليهودية والمسيحية والمصلح بينهما ، ومدخلهما في ضمن دينه المكامل المتمم ليكون الجميع سوية مسلمين لله ، مسلمين ومؤمنين .
    أليس لهذه الآية رابطة بصورة بليغة بآية القرآن المجيد التي نزلت على حضرة خاتم الأنبياء في حجة الوداع ؟ وبلغها لأكبر مجتمع في عصره { اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }(*)

    (1) أحرار الفكر - هم الذين ينتقدون كل الأديان كما يشاءون . والفرنسيون يسمون هؤلاء (ليبر بانسور) .

    (2) مجمع الفاتيكان ، معطل الآن ، وكان قد دعي من قبل (بيونونو) .

    (*) يزيد المعنى الذي أراده المؤلف إيضاحاً قوله تعالى { وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه } من سورة المائدة . وقوله تعالى { وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه } من سورة النحل . وقوله عز وجل { إن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل اكثر الذي هم فيه يختلفون } من سورة النمل .



    المرة القادمة بإذن الله سنواصل معاً قراءة الفصل الأول من هذا الكتاب الخطير

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة كريم العيني, 6 يول, 2024, 04:23 م
ردود 0
79 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة كريم العيني
بواسطة كريم العيني
ابتدأ بواسطة أمين القسنطيني, 24 أبر, 2018, 04:12 م
رد 1
428 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة جلال27
بواسطة جلال27
ابتدأ بواسطة ابن الشيشان, 11 فبر, 2018, 05:59 ص
ردود 2
607 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة ابن الشيشان
بواسطة ابن الشيشان
ابتدأ بواسطة ابو انس ربيع, 21 يول, 2016, 07:40 م
ردود 0
1,086 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة ابو انس ربيع
بواسطة ابو انس ربيع
ابتدأ بواسطة أبو محمدٍ المصريُّ الأثريُّ, 21 ماي, 2016, 12:24 ص
ردود 10
1,752 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة أبو محمدٍ المصريُّ الأثريُّ
يعمل...