دكتور سعد فياض الخميس 29 يوليو 2010
أولاً: حقائق حول "رؤية شنودة" للطلاق والزواج الثاني
: تابعت تفاصيل قضية مجدي وليم وهاني وصفي، وكلما سلطت الأضواء على تفاصيلٍ أكثر زاد الشعور بالأسى على حال آلاف النصارى الذين يستبد بهم أفرادٌ لا يُراعون احتياجاتهم ولا يراعون حالاتهم الإنسانية المأساوية ولقد دفعني هذا إلى توجيه هذه الرسالة الصادقة أدعوهم فيها إلى وقفة تفكر مع أسباب هذه الأزمة الحقيقية فإنها حتماً ستسبب أزمات أخرى قد تكون أخطر، واللبيب من استدل بجزئيات الأمر على كلياته وانتبه إلى مكمن الخلل وتحركت نفسه إلى إصلاحه واتباع الحق.. وكل إنسان يحتاج إلى ضبط نوعين من العلاقات الأول: علاقته بمن خلقه ورزقه والذي ينبغي ألا تفصله عنه واسطة ، والثاني: علاقته مع من حوله من الناس وعلى رأسها علاقة الزوج بزوجته والتي ينبغي أن تقوم على الود والرحمة وتنتهي – إن كان ولابد - بالمعروف، والخلل في ضبط هذه العلاقات هو الفساد العظيم في الدنيا والآخرة؛ مما يستحيل أن يأتي به الدين الحق؛ الذي من خصائصه التي لا تنفك عنه مناسبته للنفوس وحاجاتها فلا يتجاهلها أو يُغفلها فضلاً أن يضادها، و كذلك مخاطبته العقول بما تستوعبه، وهو فوق ذلك متسقٌ مضطردٌ في أوامره ونواهيه فلا يحرم شيئاً ثم يسد على الناس كل السبل إلا سبيله, بل وأعسر من لا يقع فيه!!
وعلى ضوء ذلك أعرض هذه الحقائق للوقوف على مكمن الخلل في هذه القضية :
الحقيقة الأولى: أن المشكلة كلية وليست جزئية؛ فالعقيدة الأرثوذكسية تعتمد تفسير (الاتحاد الأقنومي) ومحصلته التوحد ( ) ، إذ يؤمنون أن الرب والروح القدس اتحدا (أقنومياً) مع الابن ( ) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، كما يعتبرون (الخبز) بعد المباركة (مقدساً) ، وأما الزواج فهو (سرٌ مقدسٌ) يستحيل الإفلات منه، يقول القمص تادرس ملطي (أمّا هو – يقصد المسيح - فاستغلّ الفرصة ليقدّم لهم "الحياة الزوجيّة" في مفهوم روحي عميق ومن منظار إلهي كحياة فردوسيّة، وليس عقدًا اجتماعيًا مجرّدًا، خلالها يختبر الزوجان اتّحاد النفس بالله).
وعلى هذا فمشكلة "الطلاق" هي مشكلة في أصل الأرثوذكسية، والسماح بالطلاق هو هدم للديانة من أساسها.. وهذه الحقيقة تثبت التناقض والفساد في هذا الدين لما يلي: -
أنها انتقاصٌ من قدر الرب الذي يتحد مع الخبز ومع البشر أكثر منها تقديساً ومباركةُ لهم.. - وهي تحميلٌ للبشر بما لا يطيقونه حتى يصير عنتاًَ ومشقة ووبالاً عليهم، ويصير مقصود الزواج الحفاظ على هذا "السر المقدس" بدلاً من الانتفاع من بركته المزعومة.. - وهي تخبطٌ غير متسق لا يمكنهم التمادي فيه حتى النهاية ، حيث تصير العلاقة الزوجية ثلاثية مع هذه (المباركة) المزعومة، وهذه الثالثة هي التي تمنع الطلاق ثم هي متحدة لا ترتفع، ومع ذلك تراهم يجيزون للطرف الذي مات زوجه أن يتزوج ثانيةً، وكذلك إذا غير الطرف الآخر (الملة أو الديانة) باعتباره قد كفر، وعلى الرغم أن المباركة المزعومة قد اتحدت مع الطرف الأول، فإنه يحتاج مباركة جديدة للزواج الثاني، وعلى هذا فمصير المباركة الأولى لن يعدو إحدى حالتين: الحالة الأولى: أن تبقى متحدة مع الطرف الأول، فتحل المباركة الجديدة على القديمة وتصيبه مباركتين، وهو ما يضاد منعهم تعدد الزوجات
الحالة الثانية:أن تنفك المباركة الأولى بهذه الأسباب وهو ما يبطل أصل (التوحد الأقنومي المزعوم) في عقيدتهم!
الحقيقة الثانية: عدم مراعاة الحاجات النفسية والشعورية والإنسانية: فالمشاعر تتبدل أو تتغير نسبتها أو أشكالها، ومع ذلك يتم التعامل مع مشاعر الناس وعواطفهم بحكم جائر ـ ينسب لدينهم ـ لا يراعي مصائرهم ولا يعطيهم حلولاً لمشكلاتهم المستعصية بل يزيدها تعقيداً ويدفعهم نحو الهاوية ؟!
إن هذا الإهمال لمشاعر البشر وغلق الباب أمام الخروج بالمعروف من علاقة – فشلت أو نضب الحب والود منها - باعثٌ في ذاته إلى الكراهية ومكرسٌ للإشكاليات مما يدفع الطرفين إلى نهايات غير محسوبة ، كما أن مجرد فتح الباب لإنهاء العلاقة قد يكون حلاً في بعض الأحيان، فالنفوس البشرية إذا شعرت أنها ستفقد ما بيدها قد تتحرك للحفاظ عليه.
ومن المعلوم أن المشاعر السلبية عند أيٍ من الزوجين إذا لم يتم تفريغها أو علاجها تتراكم وتتحول إلى طاقة سلبية لا تضر الطرف الآخر فقط بل تضره هو نفسه والمجتمع من حوله، وهو ما يحدث بالفعل تحت دعوى قداسة مزعومة صار الحفاظ عليها هو مقصود الزواج !!
كما لا يخفى القصور الشديد في هذا التشريع المتكلف عن تقديم حلولاً مناسبة للمشاكل الاجتماعية كالعنوسة والترمل والأمراض المقعدة كالشلل أو العمى والتي قد يكون الحل الوحيد لها في زواجٍ ثانٍ يُعف أصحابها وليس فرض الرهبنة عليهم دون اختيار منهم. وهو كذلك يحكم على من كان زوجه عقيماً بالعقم معه فيعاقبه بلا ذنب، فلا هو يسمح له بطلب الطلاق (لغياب علة الزنا) ولا يسمح له بالزواج من طرف آخر قادر على الإنجاب، فأي شريعة هذه التي لا تراعي أبسط مطالب البشر من حياة كريمة أو ذرية يسعد بها؟
ومن عجيب أو طريف ما يذكر هنا ما قصته الكاتبة "كريمة كمال" في كتابها"طلاق الأقباط" أن مطران في إحدى أبرشيات الصعيد توفى قريبا، تعرض لحالة رجل من الأعيان "أى ذو مال ونفوذ" كانت زوجته مشلولة وخشى الرجل إرتكاب الخطيئة، هنا فاتح الأنبا الزوجة المشلولة ووافقت وأتم الأنبا مراسم الزواج على الزوجة الجديدة رغم أنه لا يوجد تعدد زوجات في المسيحية! فكيف يكون مثل هذا التشريع سماوياً وهو لا يهتم بحل مشاكل البشر ولا يعتبر حاجاتهم أويُرشَّدها ؟!
ثم ماذا ننتظر من الناس بعد إهمال مشاعرهم وأوضاعهم التي لم تجنها أيديهم؟!
إن نظرة لأوضاع النصارى في العالم على مستوى رجال الدين وغيرهم من شيوعٍ للفواحش كالزنا والشذوذ؛ تكفي للحكم على هذه التشريعات بالفشل ومناقضة طبائع البشر، مما يستحيل معه أن تكون من عند الله.
الحقيقة الثالثة: مصادمة العقل السليم ومضادة الفطر السوية: ومن كثرة هذه المصادمة للعقل والفطرة يبدو الأمر كأنه الأصل في هذا الدين، ويظهر ذلك جلياً فيما يتعلق بتشريعات الزواج والطلاق ،ومنها ما يلي:
1- منع "شنودة" الكاهن الذي توفيت زوجته من الزواج ثانية لأنه يُعتبر أب للشعب كله، ولا يجوز أن يتزوج الكاهن ابنة من بناته بعد وفاة زوجته!!، فيا تُرى ما الفرق بين الزوجة الأولى والثانية؟!،وما هي حدود هذه الأبوة المزعومة للشعب؟!
2- يعتبر"شنودة" تغيير الملة "كفراً"،ثم يوافق على أن يباحث قانون الأحوال الشخصية مع بقية الطوائف المسيحية "الكافرة"!!
3- ومن ذلك ما يتفق العقلاء عليه أن أخت الزوجة (الخالة) هي أكثر الناس حناناً على أولاد أختها، ولكنك تجد "شنودة" يحرم على الأرمل أن يتزوج أخت زوجته المتوفاة !!
4- ومن ذلك ما يتعدى إلى التناقض والتضارب مثل ما ذكرته الكاتبة "كريمة كمال" (أنه في العهد القديم كان على الأخ أن يتزوج امرأة أخيه إذا ما توفى،وإذا لم يتزوجها يجتمع مجمع من الشيوخ ويخيرونه في الزواج منها فإن رفض تبصق الزوجة على وجهه وتخلع نعله ويعلق هذا النعل على باب منزله ويسمى " بيت مخلوع النعل"،لكن العهد الجديد نص على عدم جواز زواج الأخ من امرأة أخيه بعد وفاته، ومع هذا واجه أنبا حالة زوج مات ، وشقيقه أقام علاقة جنسية مع زوجته وأصبحت حاملا فقام بتزويجه)!
5- في حالة مجدي وليم قامت زوجته بتغيير ملتها لتتحاكم إلى الشريعة الإسلامية وقامت بخلعه أمام المحكمة ثم عادت للأرثوذكسية فزوجها شنودة، بالرغم من أن تغيير الملة – عنده - كفر، بينما رفض تزويج "مجدي" بدعوى أنه تزوج عرفياً فتجري عليه أحكام الزنا ، فهل تقبل التوبة من "الكفر" ولا تقبل من "الزنا" – عند شنودة - ؟!! ، أم أن الأمر مرجعه لكون الفرد "مثير للمشاكل" أم "مقرب " لشنودة؟!
6- ولقد علق"د.بباوي" على هذه المسألة وقال أن هذا تناقض صريح مع أدلة أخرى ،مثل توبة المرأة الزانية تحت أقدام المسيح، أم يا تُرى تقبل توبة الزانية إذا لم تكن متزوجة كأن الزواج هو الجريمة وليس الزنا!
7- والعجيب أن الكهنة المتلبسين بقضايا الزنا والشذوذ يسمح لهم بالرجوع لعملهم كرجال دين في أماكن أخرى- وأحياناً يرجعون لنفس الأماكن- ،فهل من العقل أنه إذا جمع المرء مع الزنا سوء استخدام مكانته كرجل دين يغفر له بينما لا يسمح للزاني أن يتوب ويتزوج؟!
ومن عجيب ما يبررون به ذلك أن علاقات الزنا والشذوذ الكنسية لم يجمعها الرب ولم تنل البركة فلا بأس بمغفرتها وتبريرها؛ فهل من عاقل يستوقفه هذا التناقض ويتساءل أيمكن أن يكون هذا الدين هو الحق؟!
7- ومن ذلك التعليل بأنه (ما جمَّعه الله لا يفرقه إنسان)، حتى صرح "أرميا" - سكرتير شنودة - برفض تنفيذ أحكام القضاء قائلاً:(لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تجبر الكنيسة على مخالفة تعاليم الكتاب المقدس والقوانين الكنسية،مشددا على أن ما جمَّعه الله لا يفرقه إنسان)، وهذا التعليل هو ما جاء في (متى:19) في سياق الإجابة على سؤال الفريسيين ،وهو تعليل متناقض وغير مستقيم :
- لأنه إذا كان الزواج (ما جمعه الله) فلا يوجد دور حقيقي للكنيسة، ولا توجد وظيفة للكاهن في إتمامه..
- أما إذا كان الكاهن وظيفته وسائطية في الزواج ، فلماذا لا تكون كذلك في الطلاق؟!
- والعجيب أنه رغم هذا التعليل فإن"شنودة" يشترط موافقة المجلس الإكليركي ولا يكتفي بمباركة الكهنة؟! - ثم كيف تكون مشيئة الله ممكنة في الجمع وليس لها صورة متاحة في التفريق، إن هذا– فضلاً عن مناقضته للعقل
– لهو إساءة لله عز وجل تعالى عما يقولون علواً كبيراً. الحقيقة الرابعة: أن هذا التشريع يؤدي للفاحشة بقدر ما يدّعي محاربتها: فالتشريع إذا كان سماوياً من عند الله الخالق العليم بمن خلق المتصف بالحكمة فيما شرع؛فيستحيل أن يضع تشريعاً لمحاربة فاحشة ثم يكون من بعض جوانبه دافعاً لمقارفتها وسبباً في انتشارها فضلاً أن يؤدي إلى ما هو أفحش منها كترك الملة أو القتل!
ويظهر هذا جلياً كنور الشمس في مفهوم الترهبن الذي يتعامل مع حاجات البشر على أنها رجس ينبغي التطهر منه مما أنتج انتهاكات جنسية زكم الأنوف شدة ما ذاع منها وما خفي أفحش وأعظم، وكذلك قصص أكل أموال وثروات الناس بالباطل، مما جعل صورة الكاهن عند النصارى كأسوأ ما يكون، حتى أن بعضهم يمنع زوجته من الذهاب للكنيسة "وحدها"!. والعجيب أن يترفع الرهبان عن الزواج "تطهراً" بالرغم من أنهم نتيجة هذه "النجاسة المزعومة" ، فلولا زواج أبيه من أمه ما جاء مثله، فهل يعقل "شنودة" هذا؟!
وكذلك القول بـ (عدم الطلاق إلا لعلة الزنا) هو مدعاة للوقوع في العديد من الموبقات خاصةً إذا تحولت الحياة الزوجية إلى جحيم .. ومن أول هذه الموبقات العدوان على الطرف الآخر بكل الصور لتفريغ شحنة الغضب والكراهية وللهروب من الشعور بالعجز،وهو ما تشتكي منه كثير من الزوجات بسبب شعور الزوج نحوها أنها"لعنة"أو"عقوبة" وليست "بركةً" ولا "سراً مقدساً"،مما أصاب بعضهن بأضرار بدنية ودفع بعضهن إلى الانهيار النفسي، بينما لم تجد آخريات إلا أحضان الكاهن لتبوح له ! ومن هذه الموبقات الكذب وشهادة الزور حتى وصل الأمر بسيدة أن تتهم نفسها بالزنى كذبا لكي تتخلص من علاقة زواج تحولت إلى عذاب يومي، وفي حالة آخرى لم يجد الزوج سبيلا إلا إتهام زوجته زورا بالزنا،وأتى بأربعة شهود "زور"أمام المحكمة شهدوا عليها بالزنا فسمحت له الكنيسة بالطلاق والزواج الثاني!
وفي قصة أخرى اتهمت الزوجة زوجها بالشذوذ الجنسي زوراً لتتخلص من الزواج، وفي قصة أخرى نصح المحامي الزوج بأن يعترف بأنه على علاقة بامرأة أخرى، وبعد أكثر من عشر سنوات أراد الزوج الزواج ثانيةً فرفضت الكنيسة لأنه الطرف الزاني وعندما حاول أن يشرح حقيقة ما حدث قالوا أنهم ملزمون بما هو مقيد في الأوراق القانونية للقضية ونصحوه وهو عالم في أحد المعاهد العلمية الكبرى بالولايات المتحدة أن يتفرغ لعلمه!،وهذه الصور المتواترة تعكس عدم قناعة النصارى بدينهم ومحاولتهم التحايل عليه بأي صورة ممكنة.. ومن هذه الموبقات الزنا نفسه ، كما صرح "د. بباوي" أن بعض الكهنة كان ينصح المتضررين بمواقعة الزنا لأنها خطيئة يمكن التوبة منها!!،وفي واقع متحرر كأمريكا وأوروبا صار الأصل في العلاقات الزنا وليس الزواج، مما دفع نصراني متعصب كـ"مفيد فوزي" أن يطالب بـ"تطوير المسيحية" لأنها لا تناسب الواقع، وقال: طلاق الأقباط يحتاج إلى إعادة النظر من جديد ويجب أن يدرك البابا شنودة أن من لا تطلق تكون لها علاقات جنسية جانبية من ثم تقول يارب اغفر لي!!
ومن هذه الموبقات قتل الطرف الآخر - الذي يمثل هو والزنا الحلين المتاحين الآن بعد التضييق على تغيير الملة ومنع التحاكم إلى الإسلام إذا اختلفت الملتين - والقصص في هذا معروفة وآخرها قتل (إيريني) وهروب زوجها القاتل لأمريكا (التي يبدو أنها صارت مأوى القتلة والسفلة مثله ومثل زكريا بطرس).
ومن هذه الموبقات تغيير الملة أو الدين"وهو كفرعند شنودة" الذي اضطر له الآلآف مما جعل من تزوير شهادة تغيير ملة مهنة مربحة؛ ولقد أكد مصدر قضائي - بإحدي محاكم الأسرة - أنه في حالة تزوير تلك الشهادات وتم الطلاق بناء عليها، فالزواج الثاني لكلا الطرفين يعتبر زنا حسب جميع الشرائع..!! وهذا بخلاف ما أشار إليه د.بباوي من أن:"الطلاق بسبب الارتداد عن الإيمان غير موجود في العهد الجديد، لكن فقهاء البابا شنودة اعتبروا المرتد (عن المسيحية) فى حكم الميت وهو تخريج غير موجود في الكتاب، وأقول لفقهاء البابا إذا سمحتم بهذا التفسير فإنكم تحرمون الخاطئ فرصة التوبة فكيف تقرأون التسبيحة القبطية بعد ذلك وهذا نصها: "مراحمك يا إلهي لا يحصى لها عدد، وتقول لأنه ليس عبد بلا خطية ولا خطية بلا غفران"، وعلى كلامه هذا يكون الزواج الثاني – بعد تغيير الملة وإن لم يكن خدعة – زنا ليس إلا.. ثم لنا أخيراً أن نقف مع سماح الكنيسة لمن زنى طرفه الآخر بالزواج الثاني، بينما يمنعون الطرف الزاني من الزواج مطلقاً،وهو ما يحول الزانية إلى عاهرة،ويغلق باب التوبة أمامها لتصبح بؤرة فساد تنخر في المجتمع.. هذه بعض الموبقات والفواحش التي يقوي هذا التشريع الدافع لها بدعوى محاربة الزنا ..!! فكيف يكون هذا التشريع سماوياً ؟! وكيف يكون هذا الدين هو الحق؟! الحقيقية الخامسة: علاقة مقدسة يحكمها البشر: فبينما يعتبر النصارى أن الزواج "سرٌ مقدسٌ" ويدعون أن أحكامه قد نص عليها "الإنجيل" وأنهم ملتزمون بما جاء فيه، نجدهم مختلفين في تحديد هذا التشريع حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تشكيك في النص وهو كما يقولون (عذرٌ أقبح من ذنب) ، فكيف لا يوجد نص تشريعي في قضية محورية في حياة البشر كقضية الزواج و الطلاق؟!
والمتتبع لتأريخ أحكام الطلاق والزواج عندهم سيجدها تتغير وتتبدل حسب أفهام البشر وآرائهم وليس لها تفسيرٌ موحدٌ حتى القرن الحادي والعشرين ، ويختلف الترجيح بينها حسب النفوذ والسيطرة في كل عصر.. ومن ذلك ما بينته الكاتبة النصرانية"كريمة كمال" في كتابها"طلاق الأقباط" أن الطلاق في العهد القديم كان مباحا لكل سبب ما عدا ثلاث حالات فقط لا يجوز فيهم الطلاق
: أولها انه إذا تزوج شخص من فتاة على أنها بكر ثم زعم أنه وجدها ثيبا،ثم ثبتت بكارتها بعد ذلك،كان عليه أن يدفع لولى أمرها مبلغا من المال على سبيل الغرامة وأن يتزوجها ولا يستطيع طلاقها!،
والحالة الثانية إذا عاشر رجل فتاة مخطوبة لرجل آخر فعليه أن يدفع لولى أمرها مبلغا من المال على سبيل الغرامة وأن يتزوجها ولا يستطيع طلاقها،
أما الثالثة فلا تجيز للكاهن أن يطلق زوجته وفى العهد الجديد لم يكن هناك طلاق في المسيحية لأن الطلاق يتم بالإرادة المنفردة،وما كان موجود هو التطليق، فتغيرت الأحوال وبدأ تقنين الأحوال الشخصية للمسيحيين على يد " صفى أبى الفضائل بن العسال"عام 1238 بوضعه عدة قوانين تضمنت أسباب أخرى للطلاق بجانب سبب الزنى، وطبقت هذه القوانين حتى عام 1938 (أى سبعة قرون) ثم تتحدث عن لائحة 1938 التى وضعها المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس والتى استمدت أسباب الطلاق من قوانين ابن العسال وأضافت بعض الأسباب بما يتماشى مع المجتمع!! بينما يقول الكاتب " جمال أسعد" بأن مصادر الأحوال الشخصية عند المسيحيين تبدأ بما ورد في الكتاب المقدس ثم بعد ذلك قرارات المجامع المقدسة ثم أوامر الرؤساء الدينيين بمعنى أن ما يراه رئيس الكنيسة يعتبر مصدراً من مصادر القانون، وقرارات المجامع لا تعتبر كلها مصدراً لشريعة الأقباط إذ لا تعترف الكنيسة المصرية إلا بالمجامع الثلاثة الأولى ، مجمع " نيقيا " سنة 325 ، و"القسطنطينية " سنة 381 ، و"افسوس الأولى " سنة 431، لذلك نجد أن المجموعة التي وضعتها لجنة في المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس سنة 1938 وجمعت القوانين في صورة عصرية , ومجموعة ثانية من القوانين تمت الموافقة عليها من الجمعية العمومية للمجلس الملي للأقباط الأرثوذكس سنة 1955 , تواجههم مشكلة أن المجلس الملي العام ليس له سلطة تشريعية! فهل الزواج حقاً "سرٌ مقدس" أم هي وسيلة لبسط النفوذ من رجال الدين الأرثوذكسين على أتباعهم بدعوى أنه من أسرار الكنيسة المقدسة؟!
ولنا أن نتساءل عن مدى سلطة البشر في هذا التشريع،هل هو حقاً (يجمعه الله ولا يفرقه إنسان)أم أن الإنسان هو مصدر التشريع الوحيد له؟! ولا تتعجب إذا أعقب موت "شنودة"تغيير قوانين الطلاق والتي كانت قضية لا تقبل المساومة في حياته ، مع بقاء الزواج "سراً مقدساً" ..!! ويبقى السؤال هل أزمة الطلاق والزواج الثاني أزمة دينية حقيقية أم هي صراع قوى وإثبات نفوذ وسيطرة؟
ثانياً: حقائق حول رؤية المخالفين لشنودة لأزمة الطلاق والزواج الثاني " د.جورج بباوي مثالاً":
في كلمته المتلفزة أقر "د.بباوي" بأبعاد المشكلة وبصور الفساد المترتبة وتعجب من فهم بعض الكهنة الذي وصل إلى النصيحة بالزنا لأنه خطيئة تغفر،وهو ما يدل أن هذا المفهوم ليس محصوراً في "شنودة ورجاله"كما حاول أن يُظهره.. كما أنه اعتبر عصر"شنودة" أسوأ من عصور الاستبداد الكنسي وأقر أن مشكلة الطلاق والزواج الثاني قديمة ومأساوية ووصلت بكثير من النساء إلى حالة نفسية وجسدية ومالية مأساوية، ولكننا لم نجد "د.بباوي" أو غيره يطالبون بحقوق هؤلاء المستضعفين عبر عشرات السنين! و"د.بباوي" يعلق على "شنودة وجماعته" فيقول أنهم:(ماشيين في طريق انتحاري مصدره العقلية الرهبانية التي لا تعرف الأسرة ولا تفكر في مصلحة الناس، وماشيين في طريق العقلية المتأسلمة التي تضع الشريعة فوق رقاب الناس) بينما رأيه أن "السبت خلق للناس والناس لم تخلق للسبت"،وعلى عبارته هذه ثلاثة ملحوظات هامة: - انتقاده العقلية الرهبانية بالرغم من قيام النصرانية عليها، وفي تعليق التلاميذ مع المسيح على سؤال الفريسيين في (متى:19) تأكيد ذلك .. - النظرة الجائرة والعدائية ضد الإسلام في اتهامه بوضع الشريعة فوق رقاب الناس.. - الأصل العجيب الذي وضعه والذي يقتضي خرم الشريعة وإهمالها والتحايل عليها إذا لم تناسب الناس!!
إن كلمة "د.بباوي" قد تعطي بعض الأمل للنصارى "المضطهدين"،وقد ترفع أسهمه بينهم، ولكنه تفرز لكل عاقل منصف يبحث عن الحق العديد من الأسئلة وتؤكد على مجموعة من الحقائق يستحيل معها أن يكون هذا الدين هو الدين الحق الذي جاء به المسيح عيسى "عليه السلام"..
الحقيقة الأولى : التحايل على نصوص الكتاب إرضاءً لمطالب الناس : ولتوضيح هذه الحقيقة نبدأ بنص (متى:19) بخصوص الطلاق وهو:(وجاء إليه الفريسيون ليجربوه قائلين له هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب .4 فأجاب وقال لهم أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى . 5 وقال .من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا . 6 اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد .فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان . 7 قالوا له فلماذا اوصى موسى ان يعطى كتاب طلاق فتطّلق . 8 قال لهم ان موسى من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم ان تطلّقوا نساءكم .ولكن من البدء لم يكن هكذا . 9 واقول لكم ان من طلّق امرأته الا بسبب الزنى وتزوج باخرى يزني .والذي يتزوج بمطلّقة يزني . 10 قال له تلاميذه ان كان هكذا امر الرجل مع المرأة فلا يوافق ان يتزوج . 11 فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطي لهم . 12 لانه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون امهاتهم .ويوجد خصيان خصاهم الناس .ويوجد خصيان خصوا انفسهم لاجل ملكوت السموات .من استطاع ان يقبل فليقبل)، فالنص كما نرى يعلل منع الطلاق بما يلي:
1- قوله: (أما قرأتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وانثى)،وهو ما شرحه "انطونيوس فكري" بقوله: (الرب هنا يقرر شريعة الزوجة الواحدة، فالله خلق إمرأة واحدة لآدم، بالرغم من حاجته لزيادة النسل فى الأرض ولأن الله خلق إمرأة واحدة لآدم، فكيف يطلقها أو يختار غيرها) ،وهذا التعليل كما يرى كل عاقل ليس له علاقة باختلاف الأزمان والأوضاع الاجتماعية،كما يشمل الطلاق بإرادة منفردة والتطليق باتفاق الزوجين..
2- قوله:(من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا.6اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد)، ينقل القمص تادرس ملطي في شرحها قول الآب يوحنا من كرونستادت: [لنفهم العبارة يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته إمّا بالمعنى الحرفي للكلمات أو المعنى الرمزي،إذ يلتصق الإنسان بالمسيح حيث الحب الأسمى والأقدس، الذي هو أعظم من الحب للزوجة]) ، وكما ترى فالنص يعتبر العلاقة الزوجية سبباً ليصبح "الاثنين جسداً واحداً"، وعلى ضوء هذه النتيجة (العجيبة) يستحيل الطلاق لأنه كقطع الجسد إلى نصفين ، وهذا التعليل يشمل الطلاق بإرادة منفردة والتطليق باتفاق الزوجين ، وهو تعليل متعلق بأصل العلاقة الزوجية ولا يخص زمان معين أو أوضاع إجتماعية خاصة..
3- قوله:(جمعه الله لا يفرقه انسان)، فكيف لا يجوز أن يفرق إنسان "ما جمعه الله" بإرادة منفردة ويصح باتفاق إرادتين "الزوج والزوجة" على قول "د.بباوي"؟!! أما "د.بباوي" فاعتمد في كلامه على كتب القانون المسيحي ،وأن جواب المسيح كان لخصوصيات اجتماعية بزمنه خوفاً من امتهان المرأة المطلقة للدعارة ،وحشد مجموعة من القصص تؤيد كلامه منها أن الأنبا كرلوس السادس جاءه رجل يريد الطلاق فأمره أن ينتظر سنة وبعدها سمح له أن يرفع قضية وطلقه وزوجه ،وقال: (انا هاجوزك حتى ولو ما حدش جوزك) !، ومنها أن جميع الكنائس الأرثوذكسية في العالم تعمل بالتطليق "بإرادة الزوجين"، وأن"لا طلاق إلا بعلة الزنا" ليست نصاً كتابياً!، وأن هذه القاعدة إنما هي تأثر بقاعدة إسلامية وهي "لا اجتهاد مع النص" ، ثم ختم بالتأكيد على أن الشريعة ينبغي أن تكون لمصلحة الناس.. وكل هذا ليس فيه محاولة لتفسير النص وإنما هو تحايل عليه محصلته الاعتراف بعدم صلاحية شريعتهم للناس..
ومن تحايلات "د.بباوي"العجيبة قوله أن النص ذكر إرادة الرجل ولم يذكر المرأة، ويحكي قصة إمرأة تزوجت من دباغ فاشتكت من رائحته فقام أحد كبار القانويين الكنسيين بتطليقها!!
وهذا عجيب فالقمص تادرس ملطي يقول :(لقد تلقَّفت الكنيسة هذا الفكر عن الرسول بولس أثناء حديثه عن العلاقات الأسريّة، إذ يقول: "أيها النساء اِخضعْن لرجالكُن كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة وهو مخلّص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء. أيها الرجال أحبُّوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها") فهل تطليق هذه المرأة من الدباغ يتماشى مع هذه الوصية "المزعومة" لبولس ؟! .. كيف نجمع بين السماح للمرأة بتطليق "الرجل" وأمرها بالخضوع له مثل خضوعها للرب؟!! .. أليست إرادة المرأة منفردة ؟! .. كيف تستطيع المرأة أن تفرق ما جمعه الله؟!.. أسئلة كثيرة لم يجب عليها "د.بباوي" ولم يحاول الإجابة عليها..
ومن العجيب كذلك اعتباره أن قاعدة "لا طلاق إلا بعلة الزنا" ليست نصاً كتابياً!،بل محض تأثر بالقاعدة الإسلامية "لا اجتهاد مع النص"، مع أننا نجد القمص تادرس ملطي ينقل عن القدّيس أغسطينوس : [يؤكّد رب المجد هذا المبدأ، وهو عدم طلاق الزوجة باستهتار جعل الاِستثناء الوحيد هو علّة الزنا. فقد أمر بضرورة احتمال جميع المتاعب الأخرى (غير الزنا) بثبات، من أجل المحبّة الزوجيّة ولأجل العفّة. وقد أكّد رب المجد نفس المبدأ بدعوته من يتزوّج بمطلَّقة زانيًا] والقديس أغسطينيوس اسم كبير ومعروف في التاريخ الكنسي.. أما محاولته اتهام شنودة أنه يريد أن "يمشي كلام أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد" على الأرثوذكس وأنه بهذا "عقلية متأسلمة"، فهي تهمة تعطي ظلالاً على الروح العدائية والمستنفرة ضد الإسلام وكل ما يُنسب إليه فيحاول كل فريق اتهام الآخر بها، ونقل "أغسطينوس" كافٍ لرد كلام"د.بباوي"،وإن كانت هذه التهمة لها دلائل أقوى في مسائل أخرى حيث يقوم شنودة بمحاولة استنساخ أفكار وهيكليات وشعارات بعض الجماعات الإسلامية المعروفة في الساحة،ويحاول التدخل في السياسة والتأثير على الدولة والكلام عن شريعة نصرانية وهو ما يناقض قيام النصرانية على الترهبن والتبتل والقصور الشديد في تشريعاتها ومن أمثلة ذلك غياب أي تشريع للمواريث.. وأما استدلال "د.بباوي" أن السبت خلق للناس ولم يخلق الناس للسبت ، وأن الشريعة ليست فوق رقاب الناس ولكنها لمصلحة الناس،فهو مجرد محاولة للقفز فوق شريعته والتحايل على نصوص كتابه وليس دليلاً أو تنظيراً،أما شريعة المسلمين فليست كما ادعى –زوراً وبهتاناً- مسلطة فوق رقابهم، بل هي متسمة بالشمول والثبات والاتساق والصلاحية لكل زمان ومكان مع المناسبة والمراعاة لاحتياجات البشر مما يوجب التمسك بها.. ومما يذكر هنا أن روح التحليل والتحريف ليست قاصرة على الأرثوذكس، ففي قضية تحريم الجنس على القساوسة والرهبان الكاثوليك اقترح مستشار البابا وأسقف فيينا الكاردينال كريستوف شونبورن إن إلغاء التحريم يمكن أن يحد من الاعتداءات الجنسية التي يرتكبها القساوسة، ثم سارع إلى التراجع عن اقتراحه بعد حديث البابا عن مبدأ تحريم الجنس والعفة "المقدسة"! فهل يعقل أن يكون هذا هو الدين الحق؟! وهل يمكن أن يترك الله للبشر سلطة التحليل والتحريم ؟! إن هذا لدلالة كافية أن هذه التشريعات غير مناسبة للبشر ولولا ذلك لما احتاجوا للتحايل عليها، مما يستحيل معه أن يكون قد جاء من خالق البشر العليم بهم الحكيم فيما يأمر به..
الحقيقة الثانية:أن محصلة كلامه هدم النصرانية وتناقضها مع العقل ومتطلبات الناس: ويظهر ذلك فيما يلي:
1- إقراره باستحالة أن يعيش الرجل بأقماص أكتاف وأنه إذا لم يوجد حل للأزمات الأسرية فإن ذلك يدفع إما للجريمة وإما للجنون،وحديثه عن سيدات كانت تأتي في حالة صحية ونفسية ومالية مأساوية جراء هذا ، وما ذكره ثابت ومتكرر،ولقد وصل الأمر بإحدى الزوجات أن تحتمي بالكنيسة من ظلم زوجها فأرجعتها الكنيسة لزوجها فقام بقتلها.. 2- كلامه على أن الطرف الزاني يحتاج فرصة للتوبة والزواج لعدم وجود "خطية بلا غفران" (بتقوله لأ لا تتزوج علشان أنت أخطأت ده تساوي التجديف على الرروح القدس) ،ويستدل أن المسيح غفر للمرأة الزانية!،ويستدل كذلك بزنا الرهبان وأنهم كانوا يتوبون ويكملون في سلك الرهبنة! ،والمشكلة أنهم إذا سمحوا له بذلك لم يعد هناك قيمة لحصر الطلاق على علة الزنا! ومما يذكر هنا التفسير اللاهوتي للرهبنة أنها (زواج أبدي) بين الراهب وكنيسته،ومع ذلك يكتفون بنقل الراهب (الطرف الزاني) إلى كنيسة أخرى (وهو أشبه بالزواج الثاني)، بالرغم من أنه في (متى:19) أنه ليس كل واحد يصلح لحياة البتولية لأنه لا يقدر عليها أي أحد، وبالرغم من أن ذلك مساعد للراهب الزاني أن يكرر فواحشه في بيئة جديدة، ثم بعد ذلك يمنعون الطرف الزاني (الغير مترهبن) من التوبة والزواج الثاني !
2- اعتراضه على تحكم العقلية المترهبنة والتي لا تهتم بأمر الأسرة،مع أنه في (متى:19) وبعد الإجابة على سؤال الفريسيين نجد أن "التلاميذ" فهموا تفضيل الرهبانية ولم ينكر عليهم،حيث يقول النص: (قال له تلاميذه ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق ان يتزوج.11 فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطي لهم) ، فالنص يقول أنهم رأوا أن الأنسب ألا يتزوج الرجل خوفاً أن يتزوج امرأة تكدر عليه معيشته، ولم ينكر المسيح – في النص – كلامهم ولكنه رأى أن الناس لن تقدر كلها على ذلك ، فلا أعلم هل يتكلم "د.بباوي" عن الأرثوذكسية أم ينتقدها؟!!
وخلاصة كلام الفريقين يعكس حجم المشكلة ويؤكد أن هذا التشريع يستحيل أن يكون ربانياً.. ثالثاً: التطليق ليس حلاً: فالحل الذي طرحه "د.بباوي" وقال أنه معمولٌ به في الكنائس الأرثوذكسية وأنه موجود في كتب القانون الكنسي هو التطليق الذي فسره أنه برضا الطرفين (والذي يقيده قانون"شنودة" الجديد للأحوال الشخصية بالزنا أيضاً) والتفريق بين الطلاق والتطليق كاف لبيان التناقض الواضح ،فالطلاق إنما مُنع حتى لا ترفع الإرادة المنفردة ما جمعه الله ، فكيف ترفع الإرادة الثنائية ما جمعه الله(بزعمهم)؟!
ولو تصورنا أن "الروح القدس" كما يزعمون تبارك هذه العلاقة ، فإن الأمر يشبه اتفاق إرادة البشر على رفض "التقديس الرباني" - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – وبالإضافة إلى ذلك كله ؛ فالتطليق – كذلك - ليس حلاً ! فماذا تصنع امرأة يظلمها زوجها ويأخذ مالها ويستغل جاهها ولا يريد أن يطلقها ؟! وكيف يحل التطليق حالات ينعدم فيه التفاهم ويتسلط فيها طرفٌ على آخر؟!
إن صورة "التطليق"تفتح باب المقايضة وتدفع الطرف الراغب في الطلاق إلى شراء حريته بأي ثمن،أو تدفعه إلى الضغط والإساءة لإجبار الطرف الآخر على الموافقة فيتحول بيت الزوجية إلى ساحة حربية .. ثم إن التطليق يعتمد على أساس البتر كعلاج،ولكنه يتناسى أن هناك حلول أخرى كالتعدد قد تكون أفضل وأكثر حرصاً على مصلحة الأسرة في بعض الحالات .. فهل يمكن السماح بالتعدد إذا كان لمصلحة الأسرة؛وخاصة أن "د.بباوي"ذكر أن مصلحة الناس فوق الشريعة؟!
رابعاً: الاستبداد الكنسي وعدم قبول الخلاف والرأي الآخر: إن الأصل في البشر التنوع والاختلاف مما يجعل جمع الناس على قول واحدة ضربٌ من الاستبداد والقهر.. وفي مسألة الطلاق نجد اختلافاً واضحاً بين رجال القانون الكنسي ورجال الكنيسة وعلماء اللاهوت والطوائف المختلفة،فما قيمة هذا الاختلاف،وما مدى القبول بالآراء واحترام عقلية الإنسان أو درجته العلمية؟!
هل نرى في النهاية صاحب النفوذ والقوة يفرض رأيه بالقهر والاستبداد،أم نشاهد بعض صور صراع القوى دون اعتبار لنصوص دينية أو اختلافات قانونية؟!
إن الحقيقة - التي يستحيل انكارها- أن الاستبداد والقهر الكنسي سمة لازمة نظراً للسلطات التي يتمتع بها الكاهن والتي تجعله نصف إله أو ممثلاً لإرادة الرب.. ومن أمثلة ذلك التقارير الأمريكية عن الانتهاكات الجنسية للراهبات على أيدي القساوسة في أفريقيا التي حصل عليها المركز الصحافي الكاثوليكي الدولي (NCR) وتضمنت أحداثا بعضها كان متداولا خلال السبع سنوات المنصرمة, ففي تقرير ماكدونالد تقول إن«التحرش الجنسي بالأخوات وحتى اغتصابهن على يد القساوسة والأساقفة هو أمر شائع»، ومما ورد في أسباب هذه الظاهرة «تتعلم الأخت أن تنظر إلى نفسها باعتبارها مخلوقا أدنى منزلة،أو تكون خاضعة وأن تطيع» و«من المفهوم إذن أن أختا تجد أنه من المستحيل أن ترفض كاهنا يطلب منها خدمات جنسية. هؤلاء الرجال يُنظر إليهم باعتبارهم "شخصيات صاحبة نفوذ" تجب طاعتها». فلا عجب – إذاً- من تسلط الكنيسة الأرثوذكسية على أتباعها واعتبارها مخالفيه "كفاراً"،ولقد تعدى هذا التسلط إلى محاولة إلزام الكنائس الأخرى بمذهبها لا لشيء إلا للانتقام من المتزوجين الذين تسول لهم أنفسهم الآثمة "تغيير الملة" هروباً من تسلطها !! فكيف يكون هذا الدين هو الحق وهو يعطي البشر سلطاتٍ إلهية ؟!
وما قيمة العقول ورجال القانون وعلماء اللاهوت إذا كان كلامهم بلا وزن ولا قيمة "يحتفظوا به لأنفسهم"؟!
لقد ماج الاستبداد الكنسي – من قبل – بمصر قبل الفتح الإسلامي لها وهو ما جعل أهالي مصر يسلمون مدنهم طواعيةً ويدخلون في الإسلام أفواجاً لما رأوا من عدل الإسلام وأخلاق أهله.. ولقد ماج الاستبداد الكنسي من قبل بأوروبا في القرون الوسطى فأدى إلى الثورة العلمانية واعتبار الكنيسة سبب التخلف.. إن المشكلة ليست – فقط - في الاستبداد الكنسي ذاته، بل المشكلة الأخطر أن أصل دينهم قائمٌ عليه .. فأين أصحاب العقول السليمة والفطر السوية ليتفكروا مثنى وثلاث ورباع.. كيف يجعل الله الزواج "سراً مقدساً" ثم يوكله للبشر ومجامعهم يتحكمون فيه حسب آرائهم؟! .. إننا أمام كلام للمسيح في الكتاب المقدس يصير إلزام الناس بها مدمراً للأسر ومعنتاً للبشر، ولا يوجد أي حل إلا التحايل عليها وعدم تنفيذه .. وهو ما يستحيل أن يكون في الدين الحق .. إن الرب الذي خلق والذي رزق لا بد أن يكون عليماً بمن خلق وبما يصلحه ، وحكيماً في أحكامه وأقداره ، وغفوراً رحيماً بمن يذنب ويُخطيء لا يغلق أمامه باب التوبة ، وهو ما لا يوجد في هذه التشريع.. أيها العقلاء .. أيها الباحثون عن الحق .. أيها المتطلعون إلى حل .. الكتاب المقدس ليس هو الحل .. الإسلام هو الحل
======
منقول
أولاً: حقائق حول "رؤية شنودة" للطلاق والزواج الثاني
: تابعت تفاصيل قضية مجدي وليم وهاني وصفي، وكلما سلطت الأضواء على تفاصيلٍ أكثر زاد الشعور بالأسى على حال آلاف النصارى الذين يستبد بهم أفرادٌ لا يُراعون احتياجاتهم ولا يراعون حالاتهم الإنسانية المأساوية ولقد دفعني هذا إلى توجيه هذه الرسالة الصادقة أدعوهم فيها إلى وقفة تفكر مع أسباب هذه الأزمة الحقيقية فإنها حتماً ستسبب أزمات أخرى قد تكون أخطر، واللبيب من استدل بجزئيات الأمر على كلياته وانتبه إلى مكمن الخلل وتحركت نفسه إلى إصلاحه واتباع الحق.. وكل إنسان يحتاج إلى ضبط نوعين من العلاقات الأول: علاقته بمن خلقه ورزقه والذي ينبغي ألا تفصله عنه واسطة ، والثاني: علاقته مع من حوله من الناس وعلى رأسها علاقة الزوج بزوجته والتي ينبغي أن تقوم على الود والرحمة وتنتهي – إن كان ولابد - بالمعروف، والخلل في ضبط هذه العلاقات هو الفساد العظيم في الدنيا والآخرة؛ مما يستحيل أن يأتي به الدين الحق؛ الذي من خصائصه التي لا تنفك عنه مناسبته للنفوس وحاجاتها فلا يتجاهلها أو يُغفلها فضلاً أن يضادها، و كذلك مخاطبته العقول بما تستوعبه، وهو فوق ذلك متسقٌ مضطردٌ في أوامره ونواهيه فلا يحرم شيئاً ثم يسد على الناس كل السبل إلا سبيله, بل وأعسر من لا يقع فيه!!
وعلى ضوء ذلك أعرض هذه الحقائق للوقوف على مكمن الخلل في هذه القضية :
الحقيقة الأولى: أن المشكلة كلية وليست جزئية؛ فالعقيدة الأرثوذكسية تعتمد تفسير (الاتحاد الأقنومي) ومحصلته التوحد ( ) ، إذ يؤمنون أن الرب والروح القدس اتحدا (أقنومياً) مع الابن ( ) تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، كما يعتبرون (الخبز) بعد المباركة (مقدساً) ، وأما الزواج فهو (سرٌ مقدسٌ) يستحيل الإفلات منه، يقول القمص تادرس ملطي (أمّا هو – يقصد المسيح - فاستغلّ الفرصة ليقدّم لهم "الحياة الزوجيّة" في مفهوم روحي عميق ومن منظار إلهي كحياة فردوسيّة، وليس عقدًا اجتماعيًا مجرّدًا، خلالها يختبر الزوجان اتّحاد النفس بالله).
وعلى هذا فمشكلة "الطلاق" هي مشكلة في أصل الأرثوذكسية، والسماح بالطلاق هو هدم للديانة من أساسها.. وهذه الحقيقة تثبت التناقض والفساد في هذا الدين لما يلي: -
أنها انتقاصٌ من قدر الرب الذي يتحد مع الخبز ومع البشر أكثر منها تقديساً ومباركةُ لهم.. - وهي تحميلٌ للبشر بما لا يطيقونه حتى يصير عنتاًَ ومشقة ووبالاً عليهم، ويصير مقصود الزواج الحفاظ على هذا "السر المقدس" بدلاً من الانتفاع من بركته المزعومة.. - وهي تخبطٌ غير متسق لا يمكنهم التمادي فيه حتى النهاية ، حيث تصير العلاقة الزوجية ثلاثية مع هذه (المباركة) المزعومة، وهذه الثالثة هي التي تمنع الطلاق ثم هي متحدة لا ترتفع، ومع ذلك تراهم يجيزون للطرف الذي مات زوجه أن يتزوج ثانيةً، وكذلك إذا غير الطرف الآخر (الملة أو الديانة) باعتباره قد كفر، وعلى الرغم أن المباركة المزعومة قد اتحدت مع الطرف الأول، فإنه يحتاج مباركة جديدة للزواج الثاني، وعلى هذا فمصير المباركة الأولى لن يعدو إحدى حالتين: الحالة الأولى: أن تبقى متحدة مع الطرف الأول، فتحل المباركة الجديدة على القديمة وتصيبه مباركتين، وهو ما يضاد منعهم تعدد الزوجات
الحالة الثانية:أن تنفك المباركة الأولى بهذه الأسباب وهو ما يبطل أصل (التوحد الأقنومي المزعوم) في عقيدتهم!
الحقيقة الثانية: عدم مراعاة الحاجات النفسية والشعورية والإنسانية: فالمشاعر تتبدل أو تتغير نسبتها أو أشكالها، ومع ذلك يتم التعامل مع مشاعر الناس وعواطفهم بحكم جائر ـ ينسب لدينهم ـ لا يراعي مصائرهم ولا يعطيهم حلولاً لمشكلاتهم المستعصية بل يزيدها تعقيداً ويدفعهم نحو الهاوية ؟!
إن هذا الإهمال لمشاعر البشر وغلق الباب أمام الخروج بالمعروف من علاقة – فشلت أو نضب الحب والود منها - باعثٌ في ذاته إلى الكراهية ومكرسٌ للإشكاليات مما يدفع الطرفين إلى نهايات غير محسوبة ، كما أن مجرد فتح الباب لإنهاء العلاقة قد يكون حلاً في بعض الأحيان، فالنفوس البشرية إذا شعرت أنها ستفقد ما بيدها قد تتحرك للحفاظ عليه.
ومن المعلوم أن المشاعر السلبية عند أيٍ من الزوجين إذا لم يتم تفريغها أو علاجها تتراكم وتتحول إلى طاقة سلبية لا تضر الطرف الآخر فقط بل تضره هو نفسه والمجتمع من حوله، وهو ما يحدث بالفعل تحت دعوى قداسة مزعومة صار الحفاظ عليها هو مقصود الزواج !!
كما لا يخفى القصور الشديد في هذا التشريع المتكلف عن تقديم حلولاً مناسبة للمشاكل الاجتماعية كالعنوسة والترمل والأمراض المقعدة كالشلل أو العمى والتي قد يكون الحل الوحيد لها في زواجٍ ثانٍ يُعف أصحابها وليس فرض الرهبنة عليهم دون اختيار منهم. وهو كذلك يحكم على من كان زوجه عقيماً بالعقم معه فيعاقبه بلا ذنب، فلا هو يسمح له بطلب الطلاق (لغياب علة الزنا) ولا يسمح له بالزواج من طرف آخر قادر على الإنجاب، فأي شريعة هذه التي لا تراعي أبسط مطالب البشر من حياة كريمة أو ذرية يسعد بها؟
ومن عجيب أو طريف ما يذكر هنا ما قصته الكاتبة "كريمة كمال" في كتابها"طلاق الأقباط" أن مطران في إحدى أبرشيات الصعيد توفى قريبا، تعرض لحالة رجل من الأعيان "أى ذو مال ونفوذ" كانت زوجته مشلولة وخشى الرجل إرتكاب الخطيئة، هنا فاتح الأنبا الزوجة المشلولة ووافقت وأتم الأنبا مراسم الزواج على الزوجة الجديدة رغم أنه لا يوجد تعدد زوجات في المسيحية! فكيف يكون مثل هذا التشريع سماوياً وهو لا يهتم بحل مشاكل البشر ولا يعتبر حاجاتهم أويُرشَّدها ؟!
ثم ماذا ننتظر من الناس بعد إهمال مشاعرهم وأوضاعهم التي لم تجنها أيديهم؟!
إن نظرة لأوضاع النصارى في العالم على مستوى رجال الدين وغيرهم من شيوعٍ للفواحش كالزنا والشذوذ؛ تكفي للحكم على هذه التشريعات بالفشل ومناقضة طبائع البشر، مما يستحيل معه أن تكون من عند الله.
الحقيقة الثالثة: مصادمة العقل السليم ومضادة الفطر السوية: ومن كثرة هذه المصادمة للعقل والفطرة يبدو الأمر كأنه الأصل في هذا الدين، ويظهر ذلك جلياً فيما يتعلق بتشريعات الزواج والطلاق ،ومنها ما يلي:
1- منع "شنودة" الكاهن الذي توفيت زوجته من الزواج ثانية لأنه يُعتبر أب للشعب كله، ولا يجوز أن يتزوج الكاهن ابنة من بناته بعد وفاة زوجته!!، فيا تُرى ما الفرق بين الزوجة الأولى والثانية؟!،وما هي حدود هذه الأبوة المزعومة للشعب؟!
2- يعتبر"شنودة" تغيير الملة "كفراً"،ثم يوافق على أن يباحث قانون الأحوال الشخصية مع بقية الطوائف المسيحية "الكافرة"!!
3- ومن ذلك ما يتفق العقلاء عليه أن أخت الزوجة (الخالة) هي أكثر الناس حناناً على أولاد أختها، ولكنك تجد "شنودة" يحرم على الأرمل أن يتزوج أخت زوجته المتوفاة !!
4- ومن ذلك ما يتعدى إلى التناقض والتضارب مثل ما ذكرته الكاتبة "كريمة كمال" (أنه في العهد القديم كان على الأخ أن يتزوج امرأة أخيه إذا ما توفى،وإذا لم يتزوجها يجتمع مجمع من الشيوخ ويخيرونه في الزواج منها فإن رفض تبصق الزوجة على وجهه وتخلع نعله ويعلق هذا النعل على باب منزله ويسمى " بيت مخلوع النعل"،لكن العهد الجديد نص على عدم جواز زواج الأخ من امرأة أخيه بعد وفاته، ومع هذا واجه أنبا حالة زوج مات ، وشقيقه أقام علاقة جنسية مع زوجته وأصبحت حاملا فقام بتزويجه)!
5- في حالة مجدي وليم قامت زوجته بتغيير ملتها لتتحاكم إلى الشريعة الإسلامية وقامت بخلعه أمام المحكمة ثم عادت للأرثوذكسية فزوجها شنودة، بالرغم من أن تغيير الملة – عنده - كفر، بينما رفض تزويج "مجدي" بدعوى أنه تزوج عرفياً فتجري عليه أحكام الزنا ، فهل تقبل التوبة من "الكفر" ولا تقبل من "الزنا" – عند شنودة - ؟!! ، أم أن الأمر مرجعه لكون الفرد "مثير للمشاكل" أم "مقرب " لشنودة؟!
6- ولقد علق"د.بباوي" على هذه المسألة وقال أن هذا تناقض صريح مع أدلة أخرى ،مثل توبة المرأة الزانية تحت أقدام المسيح، أم يا تُرى تقبل توبة الزانية إذا لم تكن متزوجة كأن الزواج هو الجريمة وليس الزنا!
7- والعجيب أن الكهنة المتلبسين بقضايا الزنا والشذوذ يسمح لهم بالرجوع لعملهم كرجال دين في أماكن أخرى- وأحياناً يرجعون لنفس الأماكن- ،فهل من العقل أنه إذا جمع المرء مع الزنا سوء استخدام مكانته كرجل دين يغفر له بينما لا يسمح للزاني أن يتوب ويتزوج؟!
ومن عجيب ما يبررون به ذلك أن علاقات الزنا والشذوذ الكنسية لم يجمعها الرب ولم تنل البركة فلا بأس بمغفرتها وتبريرها؛ فهل من عاقل يستوقفه هذا التناقض ويتساءل أيمكن أن يكون هذا الدين هو الحق؟!
7- ومن ذلك التعليل بأنه (ما جمَّعه الله لا يفرقه إنسان)، حتى صرح "أرميا" - سكرتير شنودة - برفض تنفيذ أحكام القضاء قائلاً:(لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تجبر الكنيسة على مخالفة تعاليم الكتاب المقدس والقوانين الكنسية،مشددا على أن ما جمَّعه الله لا يفرقه إنسان)، وهذا التعليل هو ما جاء في (متى:19) في سياق الإجابة على سؤال الفريسيين ،وهو تعليل متناقض وغير مستقيم :
- لأنه إذا كان الزواج (ما جمعه الله) فلا يوجد دور حقيقي للكنيسة، ولا توجد وظيفة للكاهن في إتمامه..
- أما إذا كان الكاهن وظيفته وسائطية في الزواج ، فلماذا لا تكون كذلك في الطلاق؟!
- والعجيب أنه رغم هذا التعليل فإن"شنودة" يشترط موافقة المجلس الإكليركي ولا يكتفي بمباركة الكهنة؟! - ثم كيف تكون مشيئة الله ممكنة في الجمع وليس لها صورة متاحة في التفريق، إن هذا– فضلاً عن مناقضته للعقل
– لهو إساءة لله عز وجل تعالى عما يقولون علواً كبيراً. الحقيقة الرابعة: أن هذا التشريع يؤدي للفاحشة بقدر ما يدّعي محاربتها: فالتشريع إذا كان سماوياً من عند الله الخالق العليم بمن خلق المتصف بالحكمة فيما شرع؛فيستحيل أن يضع تشريعاً لمحاربة فاحشة ثم يكون من بعض جوانبه دافعاً لمقارفتها وسبباً في انتشارها فضلاً أن يؤدي إلى ما هو أفحش منها كترك الملة أو القتل!
ويظهر هذا جلياً كنور الشمس في مفهوم الترهبن الذي يتعامل مع حاجات البشر على أنها رجس ينبغي التطهر منه مما أنتج انتهاكات جنسية زكم الأنوف شدة ما ذاع منها وما خفي أفحش وأعظم، وكذلك قصص أكل أموال وثروات الناس بالباطل، مما جعل صورة الكاهن عند النصارى كأسوأ ما يكون، حتى أن بعضهم يمنع زوجته من الذهاب للكنيسة "وحدها"!. والعجيب أن يترفع الرهبان عن الزواج "تطهراً" بالرغم من أنهم نتيجة هذه "النجاسة المزعومة" ، فلولا زواج أبيه من أمه ما جاء مثله، فهل يعقل "شنودة" هذا؟!
وكذلك القول بـ (عدم الطلاق إلا لعلة الزنا) هو مدعاة للوقوع في العديد من الموبقات خاصةً إذا تحولت الحياة الزوجية إلى جحيم .. ومن أول هذه الموبقات العدوان على الطرف الآخر بكل الصور لتفريغ شحنة الغضب والكراهية وللهروب من الشعور بالعجز،وهو ما تشتكي منه كثير من الزوجات بسبب شعور الزوج نحوها أنها"لعنة"أو"عقوبة" وليست "بركةً" ولا "سراً مقدساً"،مما أصاب بعضهن بأضرار بدنية ودفع بعضهن إلى الانهيار النفسي، بينما لم تجد آخريات إلا أحضان الكاهن لتبوح له ! ومن هذه الموبقات الكذب وشهادة الزور حتى وصل الأمر بسيدة أن تتهم نفسها بالزنى كذبا لكي تتخلص من علاقة زواج تحولت إلى عذاب يومي، وفي حالة آخرى لم يجد الزوج سبيلا إلا إتهام زوجته زورا بالزنا،وأتى بأربعة شهود "زور"أمام المحكمة شهدوا عليها بالزنا فسمحت له الكنيسة بالطلاق والزواج الثاني!
وفي قصة أخرى اتهمت الزوجة زوجها بالشذوذ الجنسي زوراً لتتخلص من الزواج، وفي قصة أخرى نصح المحامي الزوج بأن يعترف بأنه على علاقة بامرأة أخرى، وبعد أكثر من عشر سنوات أراد الزوج الزواج ثانيةً فرفضت الكنيسة لأنه الطرف الزاني وعندما حاول أن يشرح حقيقة ما حدث قالوا أنهم ملزمون بما هو مقيد في الأوراق القانونية للقضية ونصحوه وهو عالم في أحد المعاهد العلمية الكبرى بالولايات المتحدة أن يتفرغ لعلمه!،وهذه الصور المتواترة تعكس عدم قناعة النصارى بدينهم ومحاولتهم التحايل عليه بأي صورة ممكنة.. ومن هذه الموبقات الزنا نفسه ، كما صرح "د. بباوي" أن بعض الكهنة كان ينصح المتضررين بمواقعة الزنا لأنها خطيئة يمكن التوبة منها!!،وفي واقع متحرر كأمريكا وأوروبا صار الأصل في العلاقات الزنا وليس الزواج، مما دفع نصراني متعصب كـ"مفيد فوزي" أن يطالب بـ"تطوير المسيحية" لأنها لا تناسب الواقع، وقال: طلاق الأقباط يحتاج إلى إعادة النظر من جديد ويجب أن يدرك البابا شنودة أن من لا تطلق تكون لها علاقات جنسية جانبية من ثم تقول يارب اغفر لي!!
ومن هذه الموبقات قتل الطرف الآخر - الذي يمثل هو والزنا الحلين المتاحين الآن بعد التضييق على تغيير الملة ومنع التحاكم إلى الإسلام إذا اختلفت الملتين - والقصص في هذا معروفة وآخرها قتل (إيريني) وهروب زوجها القاتل لأمريكا (التي يبدو أنها صارت مأوى القتلة والسفلة مثله ومثل زكريا بطرس).
ومن هذه الموبقات تغيير الملة أو الدين"وهو كفرعند شنودة" الذي اضطر له الآلآف مما جعل من تزوير شهادة تغيير ملة مهنة مربحة؛ ولقد أكد مصدر قضائي - بإحدي محاكم الأسرة - أنه في حالة تزوير تلك الشهادات وتم الطلاق بناء عليها، فالزواج الثاني لكلا الطرفين يعتبر زنا حسب جميع الشرائع..!! وهذا بخلاف ما أشار إليه د.بباوي من أن:"الطلاق بسبب الارتداد عن الإيمان غير موجود في العهد الجديد، لكن فقهاء البابا شنودة اعتبروا المرتد (عن المسيحية) فى حكم الميت وهو تخريج غير موجود في الكتاب، وأقول لفقهاء البابا إذا سمحتم بهذا التفسير فإنكم تحرمون الخاطئ فرصة التوبة فكيف تقرأون التسبيحة القبطية بعد ذلك وهذا نصها: "مراحمك يا إلهي لا يحصى لها عدد، وتقول لأنه ليس عبد بلا خطية ولا خطية بلا غفران"، وعلى كلامه هذا يكون الزواج الثاني – بعد تغيير الملة وإن لم يكن خدعة – زنا ليس إلا.. ثم لنا أخيراً أن نقف مع سماح الكنيسة لمن زنى طرفه الآخر بالزواج الثاني، بينما يمنعون الطرف الزاني من الزواج مطلقاً،وهو ما يحول الزانية إلى عاهرة،ويغلق باب التوبة أمامها لتصبح بؤرة فساد تنخر في المجتمع.. هذه بعض الموبقات والفواحش التي يقوي هذا التشريع الدافع لها بدعوى محاربة الزنا ..!! فكيف يكون هذا التشريع سماوياً ؟! وكيف يكون هذا الدين هو الحق؟! الحقيقية الخامسة: علاقة مقدسة يحكمها البشر: فبينما يعتبر النصارى أن الزواج "سرٌ مقدسٌ" ويدعون أن أحكامه قد نص عليها "الإنجيل" وأنهم ملتزمون بما جاء فيه، نجدهم مختلفين في تحديد هذا التشريع حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تشكيك في النص وهو كما يقولون (عذرٌ أقبح من ذنب) ، فكيف لا يوجد نص تشريعي في قضية محورية في حياة البشر كقضية الزواج و الطلاق؟!
والمتتبع لتأريخ أحكام الطلاق والزواج عندهم سيجدها تتغير وتتبدل حسب أفهام البشر وآرائهم وليس لها تفسيرٌ موحدٌ حتى القرن الحادي والعشرين ، ويختلف الترجيح بينها حسب النفوذ والسيطرة في كل عصر.. ومن ذلك ما بينته الكاتبة النصرانية"كريمة كمال" في كتابها"طلاق الأقباط" أن الطلاق في العهد القديم كان مباحا لكل سبب ما عدا ثلاث حالات فقط لا يجوز فيهم الطلاق
: أولها انه إذا تزوج شخص من فتاة على أنها بكر ثم زعم أنه وجدها ثيبا،ثم ثبتت بكارتها بعد ذلك،كان عليه أن يدفع لولى أمرها مبلغا من المال على سبيل الغرامة وأن يتزوجها ولا يستطيع طلاقها!،
والحالة الثانية إذا عاشر رجل فتاة مخطوبة لرجل آخر فعليه أن يدفع لولى أمرها مبلغا من المال على سبيل الغرامة وأن يتزوجها ولا يستطيع طلاقها،
أما الثالثة فلا تجيز للكاهن أن يطلق زوجته وفى العهد الجديد لم يكن هناك طلاق في المسيحية لأن الطلاق يتم بالإرادة المنفردة،وما كان موجود هو التطليق، فتغيرت الأحوال وبدأ تقنين الأحوال الشخصية للمسيحيين على يد " صفى أبى الفضائل بن العسال"عام 1238 بوضعه عدة قوانين تضمنت أسباب أخرى للطلاق بجانب سبب الزنى، وطبقت هذه القوانين حتى عام 1938 (أى سبعة قرون) ثم تتحدث عن لائحة 1938 التى وضعها المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس والتى استمدت أسباب الطلاق من قوانين ابن العسال وأضافت بعض الأسباب بما يتماشى مع المجتمع!! بينما يقول الكاتب " جمال أسعد" بأن مصادر الأحوال الشخصية عند المسيحيين تبدأ بما ورد في الكتاب المقدس ثم بعد ذلك قرارات المجامع المقدسة ثم أوامر الرؤساء الدينيين بمعنى أن ما يراه رئيس الكنيسة يعتبر مصدراً من مصادر القانون، وقرارات المجامع لا تعتبر كلها مصدراً لشريعة الأقباط إذ لا تعترف الكنيسة المصرية إلا بالمجامع الثلاثة الأولى ، مجمع " نيقيا " سنة 325 ، و"القسطنطينية " سنة 381 ، و"افسوس الأولى " سنة 431، لذلك نجد أن المجموعة التي وضعتها لجنة في المجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس سنة 1938 وجمعت القوانين في صورة عصرية , ومجموعة ثانية من القوانين تمت الموافقة عليها من الجمعية العمومية للمجلس الملي للأقباط الأرثوذكس سنة 1955 , تواجههم مشكلة أن المجلس الملي العام ليس له سلطة تشريعية! فهل الزواج حقاً "سرٌ مقدس" أم هي وسيلة لبسط النفوذ من رجال الدين الأرثوذكسين على أتباعهم بدعوى أنه من أسرار الكنيسة المقدسة؟!
ولنا أن نتساءل عن مدى سلطة البشر في هذا التشريع،هل هو حقاً (يجمعه الله ولا يفرقه إنسان)أم أن الإنسان هو مصدر التشريع الوحيد له؟! ولا تتعجب إذا أعقب موت "شنودة"تغيير قوانين الطلاق والتي كانت قضية لا تقبل المساومة في حياته ، مع بقاء الزواج "سراً مقدساً" ..!! ويبقى السؤال هل أزمة الطلاق والزواج الثاني أزمة دينية حقيقية أم هي صراع قوى وإثبات نفوذ وسيطرة؟
ثانياً: حقائق حول رؤية المخالفين لشنودة لأزمة الطلاق والزواج الثاني " د.جورج بباوي مثالاً":
في كلمته المتلفزة أقر "د.بباوي" بأبعاد المشكلة وبصور الفساد المترتبة وتعجب من فهم بعض الكهنة الذي وصل إلى النصيحة بالزنا لأنه خطيئة تغفر،وهو ما يدل أن هذا المفهوم ليس محصوراً في "شنودة ورجاله"كما حاول أن يُظهره.. كما أنه اعتبر عصر"شنودة" أسوأ من عصور الاستبداد الكنسي وأقر أن مشكلة الطلاق والزواج الثاني قديمة ومأساوية ووصلت بكثير من النساء إلى حالة نفسية وجسدية ومالية مأساوية، ولكننا لم نجد "د.بباوي" أو غيره يطالبون بحقوق هؤلاء المستضعفين عبر عشرات السنين! و"د.بباوي" يعلق على "شنودة وجماعته" فيقول أنهم:(ماشيين في طريق انتحاري مصدره العقلية الرهبانية التي لا تعرف الأسرة ولا تفكر في مصلحة الناس، وماشيين في طريق العقلية المتأسلمة التي تضع الشريعة فوق رقاب الناس) بينما رأيه أن "السبت خلق للناس والناس لم تخلق للسبت"،وعلى عبارته هذه ثلاثة ملحوظات هامة: - انتقاده العقلية الرهبانية بالرغم من قيام النصرانية عليها، وفي تعليق التلاميذ مع المسيح على سؤال الفريسيين في (متى:19) تأكيد ذلك .. - النظرة الجائرة والعدائية ضد الإسلام في اتهامه بوضع الشريعة فوق رقاب الناس.. - الأصل العجيب الذي وضعه والذي يقتضي خرم الشريعة وإهمالها والتحايل عليها إذا لم تناسب الناس!!
إن كلمة "د.بباوي" قد تعطي بعض الأمل للنصارى "المضطهدين"،وقد ترفع أسهمه بينهم، ولكنه تفرز لكل عاقل منصف يبحث عن الحق العديد من الأسئلة وتؤكد على مجموعة من الحقائق يستحيل معها أن يكون هذا الدين هو الدين الحق الذي جاء به المسيح عيسى "عليه السلام"..
الحقيقة الأولى : التحايل على نصوص الكتاب إرضاءً لمطالب الناس : ولتوضيح هذه الحقيقة نبدأ بنص (متى:19) بخصوص الطلاق وهو:(وجاء إليه الفريسيون ليجربوه قائلين له هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل سبب .4 فأجاب وقال لهم أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وأنثى . 5 وقال .من اجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا . 6 اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد .فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان . 7 قالوا له فلماذا اوصى موسى ان يعطى كتاب طلاق فتطّلق . 8 قال لهم ان موسى من اجل قساوة قلوبكم أذن لكم ان تطلّقوا نساءكم .ولكن من البدء لم يكن هكذا . 9 واقول لكم ان من طلّق امرأته الا بسبب الزنى وتزوج باخرى يزني .والذي يتزوج بمطلّقة يزني . 10 قال له تلاميذه ان كان هكذا امر الرجل مع المرأة فلا يوافق ان يتزوج . 11 فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطي لهم . 12 لانه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون امهاتهم .ويوجد خصيان خصاهم الناس .ويوجد خصيان خصوا انفسهم لاجل ملكوت السموات .من استطاع ان يقبل فليقبل)، فالنص كما نرى يعلل منع الطلاق بما يلي:
1- قوله: (أما قرأتم ان الذي خلق من البدء خلقهما ذكرا وانثى)،وهو ما شرحه "انطونيوس فكري" بقوله: (الرب هنا يقرر شريعة الزوجة الواحدة، فالله خلق إمرأة واحدة لآدم، بالرغم من حاجته لزيادة النسل فى الأرض ولأن الله خلق إمرأة واحدة لآدم، فكيف يطلقها أو يختار غيرها) ،وهذا التعليل كما يرى كل عاقل ليس له علاقة باختلاف الأزمان والأوضاع الاجتماعية،كما يشمل الطلاق بإرادة منفردة والتطليق باتفاق الزوجين..
2- قوله:(من اجل هذا يترك الرجل اباه وامه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا.6اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد)، ينقل القمص تادرس ملطي في شرحها قول الآب يوحنا من كرونستادت: [لنفهم العبارة يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته إمّا بالمعنى الحرفي للكلمات أو المعنى الرمزي،إذ يلتصق الإنسان بالمسيح حيث الحب الأسمى والأقدس، الذي هو أعظم من الحب للزوجة]) ، وكما ترى فالنص يعتبر العلاقة الزوجية سبباً ليصبح "الاثنين جسداً واحداً"، وعلى ضوء هذه النتيجة (العجيبة) يستحيل الطلاق لأنه كقطع الجسد إلى نصفين ، وهذا التعليل يشمل الطلاق بإرادة منفردة والتطليق باتفاق الزوجين ، وهو تعليل متعلق بأصل العلاقة الزوجية ولا يخص زمان معين أو أوضاع إجتماعية خاصة..
3- قوله:(جمعه الله لا يفرقه انسان)، فكيف لا يجوز أن يفرق إنسان "ما جمعه الله" بإرادة منفردة ويصح باتفاق إرادتين "الزوج والزوجة" على قول "د.بباوي"؟!! أما "د.بباوي" فاعتمد في كلامه على كتب القانون المسيحي ،وأن جواب المسيح كان لخصوصيات اجتماعية بزمنه خوفاً من امتهان المرأة المطلقة للدعارة ،وحشد مجموعة من القصص تؤيد كلامه منها أن الأنبا كرلوس السادس جاءه رجل يريد الطلاق فأمره أن ينتظر سنة وبعدها سمح له أن يرفع قضية وطلقه وزوجه ،وقال: (انا هاجوزك حتى ولو ما حدش جوزك) !، ومنها أن جميع الكنائس الأرثوذكسية في العالم تعمل بالتطليق "بإرادة الزوجين"، وأن"لا طلاق إلا بعلة الزنا" ليست نصاً كتابياً!، وأن هذه القاعدة إنما هي تأثر بقاعدة إسلامية وهي "لا اجتهاد مع النص" ، ثم ختم بالتأكيد على أن الشريعة ينبغي أن تكون لمصلحة الناس.. وكل هذا ليس فيه محاولة لتفسير النص وإنما هو تحايل عليه محصلته الاعتراف بعدم صلاحية شريعتهم للناس..
ومن تحايلات "د.بباوي"العجيبة قوله أن النص ذكر إرادة الرجل ولم يذكر المرأة، ويحكي قصة إمرأة تزوجت من دباغ فاشتكت من رائحته فقام أحد كبار القانويين الكنسيين بتطليقها!!
وهذا عجيب فالقمص تادرس ملطي يقول :(لقد تلقَّفت الكنيسة هذا الفكر عن الرسول بولس أثناء حديثه عن العلاقات الأسريّة، إذ يقول: "أيها النساء اِخضعْن لرجالكُن كما للرب، لأن الرجل هو رأس المرأة، كما أن المسيح هو رأس الكنيسة وهو مخلّص الجسد. ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء. أيها الرجال أحبُّوا نساءكم كما أحب المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها") فهل تطليق هذه المرأة من الدباغ يتماشى مع هذه الوصية "المزعومة" لبولس ؟! .. كيف نجمع بين السماح للمرأة بتطليق "الرجل" وأمرها بالخضوع له مثل خضوعها للرب؟!! .. أليست إرادة المرأة منفردة ؟! .. كيف تستطيع المرأة أن تفرق ما جمعه الله؟!.. أسئلة كثيرة لم يجب عليها "د.بباوي" ولم يحاول الإجابة عليها..
ومن العجيب كذلك اعتباره أن قاعدة "لا طلاق إلا بعلة الزنا" ليست نصاً كتابياً!،بل محض تأثر بالقاعدة الإسلامية "لا اجتهاد مع النص"، مع أننا نجد القمص تادرس ملطي ينقل عن القدّيس أغسطينوس : [يؤكّد رب المجد هذا المبدأ، وهو عدم طلاق الزوجة باستهتار جعل الاِستثناء الوحيد هو علّة الزنا. فقد أمر بضرورة احتمال جميع المتاعب الأخرى (غير الزنا) بثبات، من أجل المحبّة الزوجيّة ولأجل العفّة. وقد أكّد رب المجد نفس المبدأ بدعوته من يتزوّج بمطلَّقة زانيًا] والقديس أغسطينيوس اسم كبير ومعروف في التاريخ الكنسي.. أما محاولته اتهام شنودة أنه يريد أن "يمشي كلام أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد" على الأرثوذكس وأنه بهذا "عقلية متأسلمة"، فهي تهمة تعطي ظلالاً على الروح العدائية والمستنفرة ضد الإسلام وكل ما يُنسب إليه فيحاول كل فريق اتهام الآخر بها، ونقل "أغسطينوس" كافٍ لرد كلام"د.بباوي"،وإن كانت هذه التهمة لها دلائل أقوى في مسائل أخرى حيث يقوم شنودة بمحاولة استنساخ أفكار وهيكليات وشعارات بعض الجماعات الإسلامية المعروفة في الساحة،ويحاول التدخل في السياسة والتأثير على الدولة والكلام عن شريعة نصرانية وهو ما يناقض قيام النصرانية على الترهبن والتبتل والقصور الشديد في تشريعاتها ومن أمثلة ذلك غياب أي تشريع للمواريث.. وأما استدلال "د.بباوي" أن السبت خلق للناس ولم يخلق الناس للسبت ، وأن الشريعة ليست فوق رقاب الناس ولكنها لمصلحة الناس،فهو مجرد محاولة للقفز فوق شريعته والتحايل على نصوص كتابه وليس دليلاً أو تنظيراً،أما شريعة المسلمين فليست كما ادعى –زوراً وبهتاناً- مسلطة فوق رقابهم، بل هي متسمة بالشمول والثبات والاتساق والصلاحية لكل زمان ومكان مع المناسبة والمراعاة لاحتياجات البشر مما يوجب التمسك بها.. ومما يذكر هنا أن روح التحليل والتحريف ليست قاصرة على الأرثوذكس، ففي قضية تحريم الجنس على القساوسة والرهبان الكاثوليك اقترح مستشار البابا وأسقف فيينا الكاردينال كريستوف شونبورن إن إلغاء التحريم يمكن أن يحد من الاعتداءات الجنسية التي يرتكبها القساوسة، ثم سارع إلى التراجع عن اقتراحه بعد حديث البابا عن مبدأ تحريم الجنس والعفة "المقدسة"! فهل يعقل أن يكون هذا هو الدين الحق؟! وهل يمكن أن يترك الله للبشر سلطة التحليل والتحريم ؟! إن هذا لدلالة كافية أن هذه التشريعات غير مناسبة للبشر ولولا ذلك لما احتاجوا للتحايل عليها، مما يستحيل معه أن يكون قد جاء من خالق البشر العليم بهم الحكيم فيما يأمر به..
الحقيقة الثانية:أن محصلة كلامه هدم النصرانية وتناقضها مع العقل ومتطلبات الناس: ويظهر ذلك فيما يلي:
1- إقراره باستحالة أن يعيش الرجل بأقماص أكتاف وأنه إذا لم يوجد حل للأزمات الأسرية فإن ذلك يدفع إما للجريمة وإما للجنون،وحديثه عن سيدات كانت تأتي في حالة صحية ونفسية ومالية مأساوية جراء هذا ، وما ذكره ثابت ومتكرر،ولقد وصل الأمر بإحدى الزوجات أن تحتمي بالكنيسة من ظلم زوجها فأرجعتها الكنيسة لزوجها فقام بقتلها.. 2- كلامه على أن الطرف الزاني يحتاج فرصة للتوبة والزواج لعدم وجود "خطية بلا غفران" (بتقوله لأ لا تتزوج علشان أنت أخطأت ده تساوي التجديف على الرروح القدس) ،ويستدل أن المسيح غفر للمرأة الزانية!،ويستدل كذلك بزنا الرهبان وأنهم كانوا يتوبون ويكملون في سلك الرهبنة! ،والمشكلة أنهم إذا سمحوا له بذلك لم يعد هناك قيمة لحصر الطلاق على علة الزنا! ومما يذكر هنا التفسير اللاهوتي للرهبنة أنها (زواج أبدي) بين الراهب وكنيسته،ومع ذلك يكتفون بنقل الراهب (الطرف الزاني) إلى كنيسة أخرى (وهو أشبه بالزواج الثاني)، بالرغم من أنه في (متى:19) أنه ليس كل واحد يصلح لحياة البتولية لأنه لا يقدر عليها أي أحد، وبالرغم من أن ذلك مساعد للراهب الزاني أن يكرر فواحشه في بيئة جديدة، ثم بعد ذلك يمنعون الطرف الزاني (الغير مترهبن) من التوبة والزواج الثاني !
2- اعتراضه على تحكم العقلية المترهبنة والتي لا تهتم بأمر الأسرة،مع أنه في (متى:19) وبعد الإجابة على سؤال الفريسيين نجد أن "التلاميذ" فهموا تفضيل الرهبانية ولم ينكر عليهم،حيث يقول النص: (قال له تلاميذه ان كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق ان يتزوج.11 فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطي لهم) ، فالنص يقول أنهم رأوا أن الأنسب ألا يتزوج الرجل خوفاً أن يتزوج امرأة تكدر عليه معيشته، ولم ينكر المسيح – في النص – كلامهم ولكنه رأى أن الناس لن تقدر كلها على ذلك ، فلا أعلم هل يتكلم "د.بباوي" عن الأرثوذكسية أم ينتقدها؟!!
وخلاصة كلام الفريقين يعكس حجم المشكلة ويؤكد أن هذا التشريع يستحيل أن يكون ربانياً.. ثالثاً: التطليق ليس حلاً: فالحل الذي طرحه "د.بباوي" وقال أنه معمولٌ به في الكنائس الأرثوذكسية وأنه موجود في كتب القانون الكنسي هو التطليق الذي فسره أنه برضا الطرفين (والذي يقيده قانون"شنودة" الجديد للأحوال الشخصية بالزنا أيضاً) والتفريق بين الطلاق والتطليق كاف لبيان التناقض الواضح ،فالطلاق إنما مُنع حتى لا ترفع الإرادة المنفردة ما جمعه الله ، فكيف ترفع الإرادة الثنائية ما جمعه الله(بزعمهم)؟!
ولو تصورنا أن "الروح القدس" كما يزعمون تبارك هذه العلاقة ، فإن الأمر يشبه اتفاق إرادة البشر على رفض "التقديس الرباني" - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً – وبالإضافة إلى ذلك كله ؛ فالتطليق – كذلك - ليس حلاً ! فماذا تصنع امرأة يظلمها زوجها ويأخذ مالها ويستغل جاهها ولا يريد أن يطلقها ؟! وكيف يحل التطليق حالات ينعدم فيه التفاهم ويتسلط فيها طرفٌ على آخر؟!
إن صورة "التطليق"تفتح باب المقايضة وتدفع الطرف الراغب في الطلاق إلى شراء حريته بأي ثمن،أو تدفعه إلى الضغط والإساءة لإجبار الطرف الآخر على الموافقة فيتحول بيت الزوجية إلى ساحة حربية .. ثم إن التطليق يعتمد على أساس البتر كعلاج،ولكنه يتناسى أن هناك حلول أخرى كالتعدد قد تكون أفضل وأكثر حرصاً على مصلحة الأسرة في بعض الحالات .. فهل يمكن السماح بالتعدد إذا كان لمصلحة الأسرة؛وخاصة أن "د.بباوي"ذكر أن مصلحة الناس فوق الشريعة؟!
رابعاً: الاستبداد الكنسي وعدم قبول الخلاف والرأي الآخر: إن الأصل في البشر التنوع والاختلاف مما يجعل جمع الناس على قول واحدة ضربٌ من الاستبداد والقهر.. وفي مسألة الطلاق نجد اختلافاً واضحاً بين رجال القانون الكنسي ورجال الكنيسة وعلماء اللاهوت والطوائف المختلفة،فما قيمة هذا الاختلاف،وما مدى القبول بالآراء واحترام عقلية الإنسان أو درجته العلمية؟!
هل نرى في النهاية صاحب النفوذ والقوة يفرض رأيه بالقهر والاستبداد،أم نشاهد بعض صور صراع القوى دون اعتبار لنصوص دينية أو اختلافات قانونية؟!
إن الحقيقة - التي يستحيل انكارها- أن الاستبداد والقهر الكنسي سمة لازمة نظراً للسلطات التي يتمتع بها الكاهن والتي تجعله نصف إله أو ممثلاً لإرادة الرب.. ومن أمثلة ذلك التقارير الأمريكية عن الانتهاكات الجنسية للراهبات على أيدي القساوسة في أفريقيا التي حصل عليها المركز الصحافي الكاثوليكي الدولي (NCR) وتضمنت أحداثا بعضها كان متداولا خلال السبع سنوات المنصرمة, ففي تقرير ماكدونالد تقول إن«التحرش الجنسي بالأخوات وحتى اغتصابهن على يد القساوسة والأساقفة هو أمر شائع»، ومما ورد في أسباب هذه الظاهرة «تتعلم الأخت أن تنظر إلى نفسها باعتبارها مخلوقا أدنى منزلة،أو تكون خاضعة وأن تطيع» و«من المفهوم إذن أن أختا تجد أنه من المستحيل أن ترفض كاهنا يطلب منها خدمات جنسية. هؤلاء الرجال يُنظر إليهم باعتبارهم "شخصيات صاحبة نفوذ" تجب طاعتها». فلا عجب – إذاً- من تسلط الكنيسة الأرثوذكسية على أتباعها واعتبارها مخالفيه "كفاراً"،ولقد تعدى هذا التسلط إلى محاولة إلزام الكنائس الأخرى بمذهبها لا لشيء إلا للانتقام من المتزوجين الذين تسول لهم أنفسهم الآثمة "تغيير الملة" هروباً من تسلطها !! فكيف يكون هذا الدين هو الحق وهو يعطي البشر سلطاتٍ إلهية ؟!
وما قيمة العقول ورجال القانون وعلماء اللاهوت إذا كان كلامهم بلا وزن ولا قيمة "يحتفظوا به لأنفسهم"؟!
لقد ماج الاستبداد الكنسي – من قبل – بمصر قبل الفتح الإسلامي لها وهو ما جعل أهالي مصر يسلمون مدنهم طواعيةً ويدخلون في الإسلام أفواجاً لما رأوا من عدل الإسلام وأخلاق أهله.. ولقد ماج الاستبداد الكنسي من قبل بأوروبا في القرون الوسطى فأدى إلى الثورة العلمانية واعتبار الكنيسة سبب التخلف.. إن المشكلة ليست – فقط - في الاستبداد الكنسي ذاته، بل المشكلة الأخطر أن أصل دينهم قائمٌ عليه .. فأين أصحاب العقول السليمة والفطر السوية ليتفكروا مثنى وثلاث ورباع.. كيف يجعل الله الزواج "سراً مقدساً" ثم يوكله للبشر ومجامعهم يتحكمون فيه حسب آرائهم؟! .. إننا أمام كلام للمسيح في الكتاب المقدس يصير إلزام الناس بها مدمراً للأسر ومعنتاً للبشر، ولا يوجد أي حل إلا التحايل عليها وعدم تنفيذه .. وهو ما يستحيل أن يكون في الدين الحق .. إن الرب الذي خلق والذي رزق لا بد أن يكون عليماً بمن خلق وبما يصلحه ، وحكيماً في أحكامه وأقداره ، وغفوراً رحيماً بمن يذنب ويُخطيء لا يغلق أمامه باب التوبة ، وهو ما لا يوجد في هذه التشريع.. أيها العقلاء .. أيها الباحثون عن الحق .. أيها المتطلعون إلى حل .. الكتاب المقدس ليس هو الحل .. الإسلام هو الحل
======
منقول
تعليق