لا سيما معنىً واستعمالا
لا سيما معنىً واستعمالا
حظي تركيب (لا سيما) بعناية من الدراسة والتحليل كالتي حظي بها غيره من تراكيب العربية وألفاظها، وظهرت هذه العناية في دراسات الأقدمين بدءا من كتاب سيبويه وانتهاء بالدراسات اللغوية العربية في العصر الحديث.
ويكاد الاضطراب يكون ديدن جمهرة من الناطقين بالعربية والكاتبين بها في استخدام تركيب (ولا سيما) فمنهم من يستعمل (لا سيما) بدون الواو، وآخرون (سيّما) بحذف (الواو) و(لا) منها، وبعض منهم قد لا يعلم أي الاستخدامات أفصح، ونحن في هذه السطور نحاول أن نلقي إلماعًا على هذا التركيب.
فلا وجود لهذا التركيب في القرآن الكريم، وندر وجوده في الحديث الشريف، وفي دواوين الشعراء من صدر الإسلام والعصر الأموي، ولا وجود له في المجاميع الشعرية المشهورة كحماسة أبي تمام والبحتري والزوزني وغيرها من المجاميع التي سارت على نهجها واقتفت أثرها (1)
وبدا لبعض الباحثين أن استخدام امرئ القيس (ولا سيّما) في قوله:
ألا ربَّ يومٍ لك منهن صالح ولاسيّما يومٍ بدارة جلجل
أنه تعبير لغوي تفتق عنه ذهن الرجل وصاغته شاعريته فاستعمله ثم لم يعد إليه، وجاء الناس من بعده فحذوا حذوه وقلّدوه. (2)
وقد دفع بيت الشعر هذا العالم اللغوي يحيى ثعلب (ت 219هـ) إلى القول بأن من استعمل هذا التركيب على خلاف ما جاء في قول امرئ القيس فهو مخطئ (3) وقد جوّز آخرون حذف الواو منه . (4)
و(سِيّ) اسم بمعنى (مثل) يقال هو سُيّك أي مِثلك، وهو ليس لك بسِيّ، أي هو ليس لك نظير، ويقولون: ( لاسِيّ لمن فعل ذلك ) (5)
وتركيب (ولا سِيّما) تعبير معناه (مثل) فقولك أحب أصدقائي ولاسِيّما محمدا معناه: (ولا مثل محمدٍ ) أي أن محبتك له تفوق محبتك لأصدقائك الآخرين .
وقال سيبويه: " وسألتُ الخليل عن قول العرب: (ولا سيّمازيدٍ) فزعم أنه مثلَ زيدٍ و(ما) لغو " (6)
ومهما اشتجر الخلاف بين اللغويين في معنى ( لاسيّما) فإنه تعبير يراد به أن ما بعده منبّه على أولويته بالحكم، فقولك: (أحبُّ العلماء ولاسيما العاملين) معناه أن العاملين من العلماء أولى بمحبتك فيكون " المذكور بعد (لاسيما) منبه على أولويته بالحكم " (7) ويكاد هذا الرأي أن يكون إجماعا بين النحاة وهو الرأي الفيصل فيما شجر بين النحاة واللغويين .
ومما وضُح عندي أنه لا يستقيم أن يقال في نحو: ( أحب الشعر ولا سيما إن كان رقيقًا أن المعنى (ولا مثل إن كان رقيقا) فإن معناه: وخصوصا إن كان رقيقا؛ وذلك لوقوع الشرط بعد (لاسيما) وكذلك إن وقع بعدها الظرف كأن يقال: (تستحب الصدقة في رمضان ولاسيما في العشر الأواخر).
وقد ذهب الأستاذ عباس حسن من المحدثين إلى أن من لغات (ولاسيما) الاستغناء عن الواو فقط والاستغناء عنها وعن (لا) معًا، ومنها تخفيف الياء في كل لغاتها. (8)
وصفوة القول إن من استعمل (ولا سيّما) فقد تحرّى اللغة الأدبية الأولى، ومن استعمل (لا سيّما) وحذف الواو أو خفف (لا سيَما) فهو غير مخطئ، ولكنه استعمل اللفظ الأقل فصاحة،
ويمكن الاستئناس هنا بمقولتي أبي عمرو بن العلاء وأبي الفتح عثمان ابن جنّي في المفاضلة بما ثبت مجيئه عن العرب من أنماط اللغة المختلفة، قال الأول "أعمل في الأكثر، وأسمي ما خالفني لغات" (9) وقال الآخر:" الإنسان إن استعملها على أي الأوجه القليلة، لم يكن مخطئًا بكلام العرب لكنه مخطئ لأجود اللغتين." (10)
الهوامش
(1) بيد ولاسيما بين ثبات المصطلح وتمرد الاستعمال ، ( بحث ) حنّا حداد ، مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ، 1992 ، ص 292-293
(2) المرجع السابق ،291
(3) انظر : الصاحبي لابن فارس ، 231، ومغني اللبيب لابن هشام ، 1/139 ،وخزانة الأدب للبغدادي ،2/64
(4) انظر : همع الهوامع للسيوطي ، 3/294، وحاشية الصبان ، 2/165
(5) لسان العرب ، ( سيّ)
(6) الكتاب ، 2/286
(7) تسهيل الفوائد ، 170
(8) انظر : النحو الوافي ، 1/364
(9) طبقات النحويين للزبيدي ، 34
(10) الخصائص ، ابن جني ، 2/12
منقول للأفادة
حظي تركيب (لا سيما) بعناية من الدراسة والتحليل كالتي حظي بها غيره من تراكيب العربية وألفاظها، وظهرت هذه العناية في دراسات الأقدمين بدءا من كتاب سيبويه وانتهاء بالدراسات اللغوية العربية في العصر الحديث.
ويكاد الاضطراب يكون ديدن جمهرة من الناطقين بالعربية والكاتبين بها في استخدام تركيب (ولا سيما) فمنهم من يستعمل (لا سيما) بدون الواو، وآخرون (سيّما) بحذف (الواو) و(لا) منها، وبعض منهم قد لا يعلم أي الاستخدامات أفصح، ونحن في هذه السطور نحاول أن نلقي إلماعًا على هذا التركيب.
فلا وجود لهذا التركيب في القرآن الكريم، وندر وجوده في الحديث الشريف، وفي دواوين الشعراء من صدر الإسلام والعصر الأموي، ولا وجود له في المجاميع الشعرية المشهورة كحماسة أبي تمام والبحتري والزوزني وغيرها من المجاميع التي سارت على نهجها واقتفت أثرها (1)
وبدا لبعض الباحثين أن استخدام امرئ القيس (ولا سيّما) في قوله:
ألا ربَّ يومٍ لك منهن صالح ولاسيّما يومٍ بدارة جلجل
أنه تعبير لغوي تفتق عنه ذهن الرجل وصاغته شاعريته فاستعمله ثم لم يعد إليه، وجاء الناس من بعده فحذوا حذوه وقلّدوه. (2)
وقد دفع بيت الشعر هذا العالم اللغوي يحيى ثعلب (ت 219هـ) إلى القول بأن من استعمل هذا التركيب على خلاف ما جاء في قول امرئ القيس فهو مخطئ (3) وقد جوّز آخرون حذف الواو منه . (4)
و(سِيّ) اسم بمعنى (مثل) يقال هو سُيّك أي مِثلك، وهو ليس لك بسِيّ، أي هو ليس لك نظير، ويقولون: ( لاسِيّ لمن فعل ذلك ) (5)
وتركيب (ولا سِيّما) تعبير معناه (مثل) فقولك أحب أصدقائي ولاسِيّما محمدا معناه: (ولا مثل محمدٍ ) أي أن محبتك له تفوق محبتك لأصدقائك الآخرين .
وقال سيبويه: " وسألتُ الخليل عن قول العرب: (ولا سيّمازيدٍ) فزعم أنه مثلَ زيدٍ و(ما) لغو " (6)
ومهما اشتجر الخلاف بين اللغويين في معنى ( لاسيّما) فإنه تعبير يراد به أن ما بعده منبّه على أولويته بالحكم، فقولك: (أحبُّ العلماء ولاسيما العاملين) معناه أن العاملين من العلماء أولى بمحبتك فيكون " المذكور بعد (لاسيما) منبه على أولويته بالحكم " (7) ويكاد هذا الرأي أن يكون إجماعا بين النحاة وهو الرأي الفيصل فيما شجر بين النحاة واللغويين .
ومما وضُح عندي أنه لا يستقيم أن يقال في نحو: ( أحب الشعر ولا سيما إن كان رقيقًا أن المعنى (ولا مثل إن كان رقيقا) فإن معناه: وخصوصا إن كان رقيقا؛ وذلك لوقوع الشرط بعد (لاسيما) وكذلك إن وقع بعدها الظرف كأن يقال: (تستحب الصدقة في رمضان ولاسيما في العشر الأواخر).
وقد ذهب الأستاذ عباس حسن من المحدثين إلى أن من لغات (ولاسيما) الاستغناء عن الواو فقط والاستغناء عنها وعن (لا) معًا، ومنها تخفيف الياء في كل لغاتها. (8)
وصفوة القول إن من استعمل (ولا سيّما) فقد تحرّى اللغة الأدبية الأولى، ومن استعمل (لا سيّما) وحذف الواو أو خفف (لا سيَما) فهو غير مخطئ، ولكنه استعمل اللفظ الأقل فصاحة،
ويمكن الاستئناس هنا بمقولتي أبي عمرو بن العلاء وأبي الفتح عثمان ابن جنّي في المفاضلة بما ثبت مجيئه عن العرب من أنماط اللغة المختلفة، قال الأول "أعمل في الأكثر، وأسمي ما خالفني لغات" (9) وقال الآخر:" الإنسان إن استعملها على أي الأوجه القليلة، لم يكن مخطئًا بكلام العرب لكنه مخطئ لأجود اللغتين." (10)
الهوامش
(1) بيد ولاسيما بين ثبات المصطلح وتمرد الاستعمال ، ( بحث ) حنّا حداد ، مجلة مجمع اللغة العربية الأردني ، 1992 ، ص 292-293
(2) المرجع السابق ،291
(3) انظر : الصاحبي لابن فارس ، 231، ومغني اللبيب لابن هشام ، 1/139 ،وخزانة الأدب للبغدادي ،2/64
(4) انظر : همع الهوامع للسيوطي ، 3/294، وحاشية الصبان ، 2/165
(5) لسان العرب ، ( سيّ)
(6) الكتاب ، 2/286
(7) تسهيل الفوائد ، 170
(8) انظر : النحو الوافي ، 1/364
(9) طبقات النحويين للزبيدي ، 34
(10) الخصائص ، ابن جني ، 2/12
منقول للأفادة
تعليق