سؤال في التثليث
لبعض الأفاضل
سؤال للمسيحيين أرجو إجابتهم عليه مع اليقين
هل التثليث في المولى قديم أم الأقنوم أُحدث بعد حين
وليس على الحدوث يقر قوم وعن قدم القديم تجاوبوني
أموسى كان يجهل أم بمين أتى أم غيروا أركان دين
وليس بجهله أحد مقرًّا ولا بالمين يرمى والمجون
فقولوا قومه نقصو وزادوا بذلك صح قرآن الأمين
وأما كون موسى قد دعاهم على قدر العقول فسامحوني
وإن الحق يغلب كل ظن دعوا تثليثكم أو جاوبوني
شرح السؤال
أرجو قبل كل شيء من المسيحيين عمومًا - وأخص ذوي العقول السامية
والأفكار الراقية خصوصًا - أن يجاوبوا بما يطمئن إليه فؤادهم وترتاح إليه
ضمائرهم، ويسكن إليه خاطرهم ، ولمنع سوء التفاهم أو التجاهل سأشرح السؤال
شرحًا كافيًا ، وهو :
هل التثليث في ذات الله سبحانه مع الأقانيم حادث أو قديم ؟ فإن كان حادثًا
لزم الغِيَر في ذات الله ، وهو مُحال باتفاق ، وإن كان قديمًا فمن المعلوم أن الله
أرسل قبل المسيح عليه السلام رسلاً أو آباء - كما تسمون - بشرائع مخصوصة ،
نخص من بينهم موسى عليه السلام ؛ لوجود بقية من أتباعه ، ولاعتراف المسيح
بناموسه وإقراره بأصل شريعته ، وأنه مكمل لها فقط ، ولو سألنا قومه عن
أصل شريعتهم وعن اعتقادهم في الله المبني على دعوة موسى - لأجابوا
بالتوحيد المطلق المجرد عن التثليث والأقانيم أحد من كتبهم. فهنا نقول : هل
هذه هي دعوة موسى ، وأنها كانت للتوحيد المطلق أو أن قومه غيروها وكانت
بالتثليث ؟ فإن قالوا بالأخير صدق القرآن في أنهم يغيرون ويبدلون ، ويحرفون
الكلم عن مواضعه ، وما صدق على أحد المثلين يصدق على الآخر ، فلا ثقة إذا في
الديانة المسيحية وكتبها ولا داعي لاعتقاد صحتها ، بل يجب أن تكون الثقة
في الموثوق به وهو القرآن المجيد . وإذا أجابوا بالأول وأن دعوة موسى كانت
للتوحيد قلنا : هل كان موسى يجهل ما يجب اعتقاده في مولاه الذي أرسله واصطفاه
من بني إسرائيل المصطفين على العالمين ؟ أو كان يكذب على قومه
فيدعوهم إلى أن الله واحد فقط وهو يعلم أنه ثلاثة في واحد أو واحد في ثلاثة أقانيم
؟ أو كان يستعمل التورية في أساس الرسالة ؛ إذ معرفة الله أصل كل دين وأساس
كل رسالة وشريعة سماوية ، سيقولون : إنه كان يعلم أنه واحد في ثلاثة ( أي يعلم
التثليث ) ولكن لم يؤمر بتبليغه ؛ لأن الشرائع تأتي علي قدر العقول .
ولكن نقول لهؤلاء: إن المعهود في تاريخ البشر هو ميلهم إلي الوثنية والتعدد
وهؤلاء قدماء المصريين ووارثوهم اليونان وبعدهم الرومانيون الذين بنيت دولتهم
بأنقاض دولة اليونان كان تعدد الآلهة فيها وقبلها آخذًا حده - ولعل سر التثليث جاء من
هنا - فلو أتي موسى قومه ودعاهم علي قدر العقول لكان الأليق به أن يدعوهم إلى
التثليث ويقلل تعدد الآلهة نوعًا ما خصوصًا وقد كان ظهوره في مدة مجد المصريين ،
وتعدد الآلهة عندهم أشهر من أن يذكر - فهذا قول لا يقوله عاقل .
وإن قالوا : إن قضية التثليث غير معقولة فيجب الإيمان بها اتباعًا للوحي
نقول : فلِمَ لَمْ يدعُ إليها موسى والأنبياء وهي لا يشترط فيها العقل ولا الاستعداد ؟ !
والنتيجة أن التثليث ليس بحادث ولا قديم وكل ما كان كذلك فهو باطل ، فالتثليث باطل
لأنه لو كان حادثًا للزم التغير في ذات الله وهو باطل ، فالتثليث ليس بحادث ولو كان
قديمًا لقال به موسى عليه السلام والأنبياء ولكنهم لم يقولوا به فهو ليس بقديم . ولا
يعقل أن موسى عليه السلام كان جاهلاً أو كاذبًا أو مورِّيًا في أصل الدعوة والمعقول
أنه لم يكن تثليث فثبت ما تقدم من نفيه .
(( مجلة المنار ـ المجلد [ 6 ] الجزء [ 6 ] صــ 225 16 ربيع الأول 1321 ـ يونيو 1903 ))
لبعض الأفاضل
سؤال للمسيحيين أرجو إجابتهم عليه مع اليقين
هل التثليث في المولى قديم أم الأقنوم أُحدث بعد حين
وليس على الحدوث يقر قوم وعن قدم القديم تجاوبوني
أموسى كان يجهل أم بمين أتى أم غيروا أركان دين
وليس بجهله أحد مقرًّا ولا بالمين يرمى والمجون
فقولوا قومه نقصو وزادوا بذلك صح قرآن الأمين
وأما كون موسى قد دعاهم على قدر العقول فسامحوني
وإن الحق يغلب كل ظن دعوا تثليثكم أو جاوبوني
شرح السؤال
أرجو قبل كل شيء من المسيحيين عمومًا - وأخص ذوي العقول السامية
والأفكار الراقية خصوصًا - أن يجاوبوا بما يطمئن إليه فؤادهم وترتاح إليه
ضمائرهم، ويسكن إليه خاطرهم ، ولمنع سوء التفاهم أو التجاهل سأشرح السؤال
شرحًا كافيًا ، وهو :
هل التثليث في ذات الله سبحانه مع الأقانيم حادث أو قديم ؟ فإن كان حادثًا
لزم الغِيَر في ذات الله ، وهو مُحال باتفاق ، وإن كان قديمًا فمن المعلوم أن الله
أرسل قبل المسيح عليه السلام رسلاً أو آباء - كما تسمون - بشرائع مخصوصة ،
نخص من بينهم موسى عليه السلام ؛ لوجود بقية من أتباعه ، ولاعتراف المسيح
بناموسه وإقراره بأصل شريعته ، وأنه مكمل لها فقط ، ولو سألنا قومه عن
أصل شريعتهم وعن اعتقادهم في الله المبني على دعوة موسى - لأجابوا
بالتوحيد المطلق المجرد عن التثليث والأقانيم أحد من كتبهم. فهنا نقول : هل
هذه هي دعوة موسى ، وأنها كانت للتوحيد المطلق أو أن قومه غيروها وكانت
بالتثليث ؟ فإن قالوا بالأخير صدق القرآن في أنهم يغيرون ويبدلون ، ويحرفون
الكلم عن مواضعه ، وما صدق على أحد المثلين يصدق على الآخر ، فلا ثقة إذا في
الديانة المسيحية وكتبها ولا داعي لاعتقاد صحتها ، بل يجب أن تكون الثقة
في الموثوق به وهو القرآن المجيد . وإذا أجابوا بالأول وأن دعوة موسى كانت
للتوحيد قلنا : هل كان موسى يجهل ما يجب اعتقاده في مولاه الذي أرسله واصطفاه
من بني إسرائيل المصطفين على العالمين ؟ أو كان يكذب على قومه
فيدعوهم إلى أن الله واحد فقط وهو يعلم أنه ثلاثة في واحد أو واحد في ثلاثة أقانيم
؟ أو كان يستعمل التورية في أساس الرسالة ؛ إذ معرفة الله أصل كل دين وأساس
كل رسالة وشريعة سماوية ، سيقولون : إنه كان يعلم أنه واحد في ثلاثة ( أي يعلم
التثليث ) ولكن لم يؤمر بتبليغه ؛ لأن الشرائع تأتي علي قدر العقول .
ولكن نقول لهؤلاء: إن المعهود في تاريخ البشر هو ميلهم إلي الوثنية والتعدد
وهؤلاء قدماء المصريين ووارثوهم اليونان وبعدهم الرومانيون الذين بنيت دولتهم
بأنقاض دولة اليونان كان تعدد الآلهة فيها وقبلها آخذًا حده - ولعل سر التثليث جاء من
هنا - فلو أتي موسى قومه ودعاهم علي قدر العقول لكان الأليق به أن يدعوهم إلى
التثليث ويقلل تعدد الآلهة نوعًا ما خصوصًا وقد كان ظهوره في مدة مجد المصريين ،
وتعدد الآلهة عندهم أشهر من أن يذكر - فهذا قول لا يقوله عاقل .
وإن قالوا : إن قضية التثليث غير معقولة فيجب الإيمان بها اتباعًا للوحي
نقول : فلِمَ لَمْ يدعُ إليها موسى والأنبياء وهي لا يشترط فيها العقل ولا الاستعداد ؟ !
والنتيجة أن التثليث ليس بحادث ولا قديم وكل ما كان كذلك فهو باطل ، فالتثليث باطل
لأنه لو كان حادثًا للزم التغير في ذات الله وهو باطل ، فالتثليث ليس بحادث ولو كان
قديمًا لقال به موسى عليه السلام والأنبياء ولكنهم لم يقولوا به فهو ليس بقديم . ولا
يعقل أن موسى عليه السلام كان جاهلاً أو كاذبًا أو مورِّيًا في أصل الدعوة والمعقول
أنه لم يكن تثليث فثبت ما تقدم من نفيه .
(( مجلة المنار ـ المجلد [ 6 ] الجزء [ 6 ] صــ 225 16 ربيع الأول 1321 ـ يونيو 1903 ))
تعليق