وصف التخلق البشري مرحلة النطفة
صورة مجهرية لنطفة بشرية في اليوم السادس
أ. مارشال جونسون
الشيخ عبد المجيد الزندانـي
الأستاذ مصطفى أحمد
مقدمـة:
لقد كان اكتشاف المراحل المتنوعة والمتتابعة التي يمر بها الجنين من المسائل الصعبة والمعقدة في تاريخ علم الأجنة، ومرد تلك الصعوبة إلى الحجم المتناهي في الصغر لمراحل الجنين وخاصة في الأسابيع الأولى من الحمل، ولعدم تيسر مشاهدته أو فحصه في مستقره داخل الرحم دون تقنية خاصة، ناهيك عن عدم الإدراك الصحيح لقرون طويلة قبل اكتشاف الميكرسكوب في القرن السابع عشر لدور كل من الذكر والأنثى في تكوين الجنين.
إلا أن القرآن الكريم – الذي يرجع تاريخه إلى القرن السابع الميلادي – يمثل أو مرجع بين أيدينا يذكر أطوراً متميزة للجنين ويقدم مسميات ومصطلحات تصف المظهر الخارجي، وأهم العمليات والأحداث الداخلية لكل مرحلة، وقد استوفت هذه المصطلحات القرآنية بمثالية رائعة جميع الشروط التي يجب توفرها للمصطلحات العلمية الدقيقة.
يقول الله تعالى مبيناً مراحل التطور الجنيني: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)﴾ [المؤمنون:12-14].
والمرحلة الأولى التي ستكون موضوع بحثنا من هذه المراحل هي مرحلة النطفة.
تعريف المصطلح:
النطفة في اللغة العربية تطلق على عدة معان منها: القليل من الماء والذي يعدل قطرة.
قال ابن منظور في صغار اللؤلؤ: والواحد نطفة، ونطفة شبهت بقطرة الماء[1].
وقال الزبيدي: ونطفت آذان الماشية وتنطفت: ابتلت بالماء فقطرت[2].
وجاء في حديث شريف: (فلم نزل قياماً ننتظره حتى خرج إلينا وقد اغتسل ينطف رأسه ماء)[3].
ويشير إلى ذلك ما رواه أحمد عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث أصحابه فقالت قريش: يا يهودي إن هذا يزعم أنه نبي فقال لأسألنه عن شئ لا يعلمه إلا نبي، قال فجاء حتى جلس ثم قال: يا محمد مم يخلق الإنسان ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا يهودي من كلٍ يخلق من نطفة الرجل ومن نطفة المرأة"[4].
ويبدأ مصطلح النفطة من المنوي والبييضة وينتهي بطور الحرث (الانغراس)، وتمر النطفة خلال تكونها بالأطوار التالية:
1- الماء الدافق:
يخرج ماء الرجل متدفقاً ويشير إلى هذا التدفق قوله تعالى:﴿فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ(6)﴾ [الطارق:5-6]
ومما يلفت النظر أن القرآن يسند التدفق للماء نفسه مما يشير إلى أن للماء قوة دفق ذاتية[5].
وقد أثبت العلم في العصر الحديث أن المنويات التي يحتويها ماء الرجل لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة وهذا شرط للإخصاب (انظر شكل 3-1).
وقد أثبت العلم أيضاً أن ماء المرأة الذي يحمل البييضة يخرج متدفقاً إلى قناة الرحم (فالوب)، وأن البييضة لابد أن تكون حيوية متدفقة متحركة حتى يتم الإخصاب (انظر شكل:3-2).
شكل 2-1: المني أو ماء الذكر مكبراً (450) مرة كل حوين له رأس بيضوي بارز قليلا وجسم قصير وذيل متحرك يؤمن له القدرة على الحركة التي تساعده على الوصول إلى مكان الإخصاب.
Nilsson et al, A Child is Born, New York, Delacorte Press, 1982
ومن المعلوم أن ماء الرجل يحوي بالإضافة إلى المنويات عناصر أخرى تشارك وتساعد في عملية الإخصاب مثال ذلك مادة البرستاجلاندين، التي تحدث تقلصات في الرحم مما ساعد في نقل المنويات إلى موقع الإخصاب[6].
كما أن ماء المرأة يحوي بالإضافة إلى الييضة عناصر أخرى تساعد وتشارك في عملية الإخصاب.
ومنها بعض الأنزيمات التي تفرزها بطانة الرحم وقناته، التي تجعل المنوي قادراً على الإخصاب وذلك بإزالة البروتين السكري من رأسه[7].
وتعمل هذه الأنزيمات بالإضافة إلى ذلك على إطلاق الخلايا المحيطة بالبييضة وكشف غشائها الواقي أمام المنوي[8].
وبما أن لفظ نطفة يأتي بمعنى الكمية القلية من المسائل، فإن هذا المصطلح يغطي ويصف تلك الكميات من السوائل التي تخرج متدفقة لدى كل من الذكر والأنثى انظر (شكل 2-1) و (وشكل 2-2).
2- السلالة:
شكل 2-2: بييضة مع طبقتها من الخلايا الجريبية وماء المرأة مكبرة (100) مرة. يتم سحب البييضة داخل سدائل قناة البيض بواسطة ملايين الأهداب الصغيرة تدفعها إلى داخل القناة. Nilsson et al, A Child is Born, New York, Delacorte Press, 1982 يأتي لفظ سلالة في اللغة بمعان منها:
انتزاع الشئ وإخراجه في رفق[9].
كما تعني أيضاً السمكة الطويلة[10].
أما الماء المهين: فالمراد به هنا (أي في طور السلالة ماء الرجل[11].
وإذا نظرنا إلى المنوي فسنجده: سلالة تستخلص من ماء الرجل وعلى شكل السمكة الطويلة، ويستخرج برفق من الماء المهين انظر شكل (2-3،2-4).
ويشير القرآن الكريم إلى ذلك كله في قوله تعالى:﴿ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8)﴾ [السجدة:8].
وخلال عملية الإخصاب يرحل ماء الرجل من المهبل ليقابل البييضة في ماء المرأة في قناة البييضات (قناة فالوب) ولا يصل من ماء الرجل إلا القليل ويخترق منوي واحد البييضة، ويحدث عقب ذلك مباشرة تغير سريع في غشائها يمنع دخول بقية المنويات (الشكل 2-4).
وبدخول المنوي في البييضة تتكون النطفة الأمشاج. أنظر (شكل 2-5) ويشير الحديث النبوي إلى أن الإخصاب لا يحدث من كل ماء الذكر، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من كل الماء يكون الولد)[20].
وهكذا فإن الخلق من الماء يتم من خلال اختيار خاص، والوصف النبوي يحدد بكل دقة كل هذه المعاني التي كشف عنها العلم اليوم.
شكل 2-3 ببيضة محاطة بالحوينات المنوية التي تندفع بنشاط نحوها. وعندما يفلح أحدها في إحداث الإخصاب يكون قد اختير وتبدأ بذلك مرحلة السلالة من النطفة.
Permission from Nilsson et al, A Child is Born, New York, Delacorte Press, 1982
Nilsson et al, A Child is Born, New York, Delacorte Press, 1982 شكل 2-4: صورتان أخذتا بالمجهر الاكتروني الصورة العليا تبين لحظة ملامسة الحوين المنوي سطح البييضة.
الصورة السفلى تبين دخول رأس الحوين البييضة ويقوم غشاء خلية البييضة عندئذ بمنع دخول الحوينات المنوية الأخرى. وتعرف هذه العملية في مراحل النطفة بالسلالة حيث يتم اختيار حوين واحد في وبييضة واحدة لبتحدا مبتدئين التخلق البشري. ويفقد الحوين المنوي بعد دخوله الخلية ذيله وغطاءه ليذوبا وتندمج المادة الوراثية بعدئذ.
شكل 2-5 بييضة غير ملقحة في ثنايا قناة البيض تحيط بها خلايا جرابية. يقوم الغشاء المخاطي ذو الثنايا بإفراز انزيمات تعمل بصورة تدريجية على فك الغلاف الخارجي للخلايا وتسمح للحوين المنوي بالوصول إلى الغشاء الواقي للبيضة. (PERMISSION FROM: NILSSON ET AL, A CHILD IS BORN, NEW YORK, DELACORTE PRESS, 1982)
تعليق