التأثيرات الوثنية :
فى إطار مناقشة تطور العقيدة , خصوصا ما يتعلق بظهور الكاثوليكية الرومانية و الأرثوذكسية الشرقية , سيكون من النافع أن نفحص التأثيرات الوثنية . فى بادىء الأمر كان هناك نزاع حاد بين المسيحية و كل أشكال الوثنية . كان السبب الرئيسى فى هذا هو حصر المسيحية الحقيقة فى ذاتها فقط . لقد قال المسيحيون أنهم يخدمون الإله الحقيقى الوحيد . لقد نادوا بأن يسوع هو الإله الحقيقى الظاهر فى الجسد , و الرب الوحيد , و المخلص الوحيد , و أن الخلاص يأتى فقط من خلاله .
بالمقابل , كانت الأديان الأخرى الكبيرة فى الإمبراطورية الرومانية - الوثنية اليونانية و الوثنية الرومانية و الأديان الشرق أوسطية المتعددة – مؤسسة على تعددية الآلهة , أى الإيمان بآلهة كثيرة .
لقد سمح الرومان لكل أمة فى الإمبراطورية أن تعبد آلهتها الخاصة بها , طالما لم يتدخل أحد فى عبادة الآخرين . و من منطلق الواجب المدنى و الوفاء للإمبراطورية , كل على الجميع أن يشتركوا فى عبادة الآلهة الرومانية . فى ناهية المطاف روّج الرومان لعبادة الإمبراطور و اعتبروها طريقة تتعهد بها بأنك موال للإمبراطورية .
باستثناء اليهود و المسيحيين , لم يجد معظم الناس أى اشكال فى أن يضيفوا الآلهة الرومانية الى قائمة آلهتهم , لأنهم كانوا يؤمنون بالفعل بآلهة عديدة , و كانوا متقبلين أن للأمم الأخرى آلهة أخرى .
بسبب رفض المسيحيين أن يتعاونوا مع هذا النظام , لم يكن ينظر إليهم فقط على أنهم هراطقة دينيين , بل الأهم من ذلك أنهم اعتبروا عناصر هدم سياسية . لقد اعتبرهم المجتمع غير متسامحين لأنهم رفضوا أن يقبلوا صلاحية الدين الذى يعتنقه أى شخص آخر , و اعتبرتهم الدولة متمردين بسبب رفضهم الإشتراك فى الدين المدنى . لقد كان مطلوبا منهم أن يعتبروا بالقيصر كرب , و لكن المسيحيين قصروا هذا اللقب على المسيح فقط .
فى القرون الثلاثة الأولى , رفض المسيحيون أيضا الإشتراك فى الحرب , متمسكين بأن قتل الإنسان مضاد لتعاليم يسوع . لقد أكد ترتليان و أوريجين و هيبوليتوس و آخرون على أنهم وطنيون , و لكنهم قالوا أن ضميرهم لا يسمح بقتل الآخرين عندما تأمر الدولة بذلك .
و بالتالى كانت المسيحية معارضة للبناء الأساسى الدينى و الفلسفى و السياسى للإمبراطورية الرومانية و للعالم القديم . لقد اضطهدت الإمبراطورية المسيحيين لأنهم رفضوا أن يمارسوا دين الدولة , و بسبب اصرارهم على اتباع قانون أخلاقى أعلى من قوانين الدولة . لم يكن هدف المسيحيون الأوائل أن يطيحوا بالحكومة , و لكنهم اعتنقوا قيما مختلفة , و عاشوا بأسلوب حياة يختلف عن جيرانهم الوثنيين . لم تكن رؤى العالم مناسبة لهم .
تغير هذا الوضع برمته مع الملك قسطنطين . كما قلنا فى الفصل السادس , لقد أعلن هو و " ليسينوس " مرسوم التسامح الذى أنهى اضطهاد المسيحية . ثم قام هو نفسه بإعتناق الدين المسيحى علانية , و بدأ فى نشره باعتباره الدين المفضل . و قد رسخ خلفاؤه فى القرن الرابع المسيحية كدين رسمى للدولة و حظروا الوثنية .
و سريعا , شعر آلاف من الوثنيين الذى كانوا مواطنين مرموقين أن مكانتهم مهدده . لقد خسروا وظائفهم الحكومية و تأثيرهم و مكانتهم فى المجتمع , و عندما بدأت الحكومة تقاوم الوثنية بعنف تعرضت ثرواتهم و حرياتهم بل و حتى حياتهم للخطر الشديد .
بالنسبة لمعظم الوثنيين , كان الحل بسيطا , لقد غيروا دينهم . لم ير معظمهم أن فى الأمر شىء يمثل كارثة للضمير أن يغيروا دينهم السابق , لأنهم أبدا لم يعتقدوا أن دينهم السابق هو الطريق الوحيد و لا أن آلهتهم هى الآلهة فقط . بالنسبة للكثيرين , كان النصر المؤزر للمسيحية دليلا كافيا على أن إله المسيحيين أعلى مقاما من آلهتهم السابقة .
كانت المشكله هو أنه فى معظم الحالات لم يحدث تغير روحى جوهرى فى هؤلاء الناس . فبدلا من الإعتراف بخطأ الطرق التى سلكوها و تخليهم عن اعتقاداتهم و نمط معيشتهم القديمة , قاموا فقط بإضافة المسيحية الى قائمة معتقداتهم , أو قاموا بنقل أفكارهم و ممارساتهم الوثنية الى الإطار المسيحى الجديد .
فى القرن الرابع , تحولت جموع كثيرة الى المسيحية , و فى القرون التاليه تحولت القبائل البربرية بشكل جماعى . معظم هؤلاء المتحولين لم يتوبوا حقيقة عن الخطية , و قليل منهم هو من نال الروح القدس . كان أسلوب تحويل الشخص الى المسيحية هو أن تجعله يغير رأيه , و يعترف بهذا بفمه , و أن يتعمد فى الماء .
لم يتحول الناس فقط بشكل جماعى , بل تحولت أيضا المعابد و التماثيل و الكهنة الى مجتمع مسيحى . قامت الحكومة بهدم معظم المعابد الوثنية , و لكن فى القليل منها قامت بطقوس تطهيرية لها و كرستها ككنائس مسيحية ( البانثيون الرومانى مثال شهير على ذلك ) . أخذت تماثيل الآلهة الوثنية أسماء القديسين المسيحيين , و كرست فى الكنيسة . تحول العديد من الكهنة الوثنيين و دخلوا فورا فى الخدمة ككهنة مسيحيين . بطرق متعدده و فى أماكن كثيره , غمر هذا الفيضان من الوثنية هيكل الكنيسة .
قبل ذلك الوقت , عانت الكنيسة من عدة انشقاقات , و بدأت تنحرف عقائديا , و لكن جوهر الكنيسة كان مؤلفا من أناس مخلصين للقيم المسيحية . لقد استمدت سمات و ثبات و قوة روحية لتتجاوز أوقات الإضطهاد . فجأة , غمر هذا الجوهر المؤلف من المؤمنين فيضان من الوثنيين , الذين أتوا بسبب دوافع شخصية . ربما آمن العديد منهم بأن المسيحية حق , و لكن قليل منهم اختبروا تجديدا و تحويلا بواسطة قوة الروح القدس . لقد تحولت الإمبراطورية الى إمبراطورية مسيحية , و لكن بالإسم فقط .
و بالتالى , فعلى الرغم أن المسيحية بدت كما لو أنها قد انتصرت , إلا أنها فى حقيقة الأمر عانت هزيمة نكراء للغاية . و كما عبر عن هذا المؤرخ العلمانى " ويل ديورانت " ( فى ذات الوقت الذى حولت فيه المسيحية العالم , قام العالم بتحويل المسيحية , و أظهر الوثنية الطبيعية للبشرية ) . و يتفق معه فى الرأى المؤرخ الكنسى Walter Nigg ( فور أن فتح الإمبراطور قسطنطين الأبواب و بدأت جموع الناس تنهمر الى الكنيسة بدافع الإنتهازية المطلقة , قتلت أخلاقيات المسيحية النبيلة ) . و بشكل مشابة قال العالم " فيليب شاف " ( بدخول كل المجتمع الرومانى , صارت الكنيسة بشكل يزيد أو ينقص كنيسة العالم , و تسللت العديد من العادات و الأعراف الوثنية الى طقوس العبادة ) .
و بالتالى فقد أثرت الوثنية بشكل دراماتيكى على المسيحية , خصوصا من القرن الرابع و ما يليه , دعونا ننظر الى بعض المناطق المهمة التى أثرت فيها الوثنية .
تعدد الآلهة :
بعد أن صارت الكنيسة أممية بشكل بارز , بدأت الأفكار الوثنية القادمة من البيئات الوثنية تؤثر على الفكر المسيحى عن الله . إننا نرى أثر الفلسفة اليونانية و تعدد الآلهة فى عقيدة الآباء المدافعين عن اللوجوس ( منتصف القرن الثانى ) و فى العقيدة التثليثية لترتليان و أوريجين ( بدايات القرن الثالث ) , و فى وجهة نظر آريوس , و فى عقيدة التثليث لآثناسيوس و الآباء الكبادوكيين ( القرن الرابع ) . لا يمكن أن نفهم أن مثل هذه الأفكار التى تتحدث عن التعددية فى الله يمكن أن تنشأ بشكل مباشر من بيئة التوحيد اليهودى , بل اليهود حتى يومنا هذا ينكصون عن أى مقترح يقول بأن الله متعدد الأشخاص .
على الرغم من ذلك , فمنذ القرن الثانى و ما يليه كان المتحولون الى المسيحية كلهم تقريبا قد أتوا من خلفية تؤمن بتعددية الآلهة , و كانوا بالفعل معتادين أن يفكروا فى وجود عدد من الآلهة . ساهم هذا الفكر الذى يؤمن بتعددية الآلهة فى ظهور عقيدة التثليث , و سهلت على من تحولوا الى المسيحية قبول العقيده التثليثية بعد أن صارت هى العقيدة القياسية , و أثرت على تفسيرها فى اتجاه ثلاثى الآلهة . حتى عندما حاول اللاهوتيون أن ينكصوا عن فكرة ثلاثية الآلهة الصريحة , إلا أنه كان الفكر الطبيعى عند الوثنى العادى أن يفكر فى الآب و الإبن و الروح القدس كثلاثة آلهة .
أسهمت أيضا الوثنية فى نشوء عبادة القديسين التى بدأت فى النمو . كان اليونانيون القدامى يصلون للموتى , و الآن صار العديد من المسيحيين يصلون للقديسين و الشهداء الذين رحلوا . كان الرومان مغرمين بتأليه الرجال , ثم يقومون بتقديم الصلوات و الذبائح لهم , لقد فعلوا هذا مع القياصرة الذين ماتوا , و بعد ذلك مع القياصرة الذين لا يزالون على قيد الحياة . لقد تبنت الكنيسة جوهريا نفس هذا الأمر من خلال تقنين القديسين و من ثم تقديم الصلوات لهم طلبا للمعونة . فى الواقع , الكنيسة الشرقية تمجد قسطنطين كقديس و تسميه Isapostolos التى تعنى " مساو للرسل " . كثير من الناس أيضا بدءوا يصلون للملائكة .
نظريا , كانت العبادة الحقيقية تقدم لله فقط , بينما الإحترام المجرد كان يقدم للقديسين و الشهداء و الملائكة , و لكن من الناحية العملية كان العوام يفرقون قليلا بين الأمرين أو لا يفرقون بينهما على الإطلاق .
الناس الذين اعتادوا أن يصلوا الى اله يونانى أو اله رومانى و الذى من المفترض أنه كان له السلطة على مدينتهم و وظيفتهم و نشاطهم , صاروا الآن يصلون للقديس الشفيع لهذه المدينة , أو الوظيفة أو النشاط . صارت الأساطير التى كانت تحكى عن الآلهة أو أنصاف الآلهة أساطيرا تحكى عن القديسين . و حتى الهالات التى كانت ترسم حول قديسى العصور الوسطى يعود أصلها الى عبادة الشمس .
بجوار عبادة القديسين و الشهداء ظهرت عبادة تماثيلهم و صورهم و آثارهم الباقية _ بقايا أجسادهم و عظامهم و ملابسهم , و بقية الأأشياء التى لها علاقة بالقديسين . بشكل جوهرى , لقد اعتنق الناس عبادة الأصنام الوثنية التى كانت فكرتها أن روح الإله تسكن تمثاله . إن الناس الذين كانوا قبلا يصلون لتمثال إله وثنى قد صاروا الآن ينحنون أمام نفس التمثال , الذى تحول فقط الى تمثال لقديس مسيحى . لقد نسبوا أيضا قوى سحرية للتماثيل و بشكل أخص لبقايا القديسين .
إن اللاهوتيين البارزين مثل الآباء الكبادوكيين و يوحنا ذهبى الفم و ثيودور و أمبروسيوس و جيروم و أغسطينوس و ليو صدّقوا على عبادة بقايا القديسين .
و يقولون أن أم قسطنطين الملكة هيلينا قد اكتشفت بطريقة معجزية صليب المسيح , و الذى صار يقدم له العبادة . و قد بنت كنيسة القيامة فى أورشليم فى المكان الذى اكتشفته فيه , و هو كما يزعمون مكان صلب المسيح و دفنه . افتخر كثيرون آخرون بشظايا من الصليب الحقيقى _ لقد كانوا كثيرين جدا لدرجة أن اللاهوتيين ادعوا أن للصيب القدرة على تكثير نفسه دون أن ينقص .
عبادة الإلاهة :
هناك تأثير وثنى آخر مهم هو عبادة آلهات الخصوبة , و التى كان لهن مكانة بارزه فى الأديان القديمة فى الشرق الأوسط . لقد شعرت المجتمعات الزراعية القديمة بالحاجة أن يتضرعوا طلبا للمعونة الإلهية ليضمنوا لأنفسهم محاصيل وفيرة , و قطعانا متنامية , و أولادا كثيرين يعملون فى الحقول . و كان الحل الذى رأوه هو أن يعبدوا آلهات الخصوبة .
لقد عبد البابليون القدماء عشتار , و اعتبروها الإلاهة الرئيسية عندهم . بالنسبة للفينيقيين و الفلسطينيين كانت تعرف باسم " أستارت " Astarte ( باليونانية ) أو أشتوريث Ashtoreth . و صيغة الجمع لهذا الإسم هى " أشتاروث " Ashtaroth , و الذى نجده فى العهد القديم يشير الى العديد من آلهات الخصوبة للكنعانيين ( انظر سفر القضاه 2 – 13 , صموئيل الأول 7 – 3 و 4 ) . بشكل مشابه كان لدى المصريين " إيزيس " , و كان لدى اليونانيين " أفروديت " , و كان لدى الرومان " فينوس " .
فى الأديان الشرق أوسطية , كان يصاحب إلاهة الخصوبة قرين أو حبيب , مما يؤكد على خصوبتها . فى الأساطير البابلية كان " تموز " قرين " عشتار " . لقد مات تموز و لكن عشتار قد أنقذته من العالم السفلى و قد عاد الى الحياة مرة أخرى . من المفترض أن هذه القصة تفسر تغير الفصول , فموت تموز يسبب الشتاء و إعادة مولده يجلب الربيع . كان البابليون كل عام يندبون موت تموز , ثم يحتفلون بقيامته . يصور سفر حزقيال 8 – 14 " نساء يبكين من أجل تموز " . هناك آلهة قرناء مشابهة , أوزوريس فى مصر , بعل فى كنعان , و أدونيس فى سوريا و اليونان .
كان يرافق الآلهات فى الغالب أيضا أبناء إلهيين . بعض الأساطير قالت أن تموز هو ابن عشتار و أيضا رفيقها . هناك أمثلة أخرى عن ( الأم و الإبن ) الإلهيين مثل ايزيس و حورس فى مصر , سيبيلى Cybele و آتيس Attis فى فريجية , و أفروديت و آدونيس فى اليونان . كان المحبون لهم يعبدون الصور و التماثيل للأم و هى تمسك ابنها أو ترضعه . عندما ذهب المبشرون النسطوريون و الكاثوليك أول مرة الى الصين أصابهم الإندهاش بسبب رؤيتهم الناس يعبدون تماثيلا لأم و ابنها .
كانت الإلاهة اليونانية " آرتيميس " Artemis و التى يعرفها الرومان باسم " ديانا " Diana فى الأصل الإلاهة العذراء للطبيعة , و مع ذلك كانت تساعد النساء فى الولادة . لقد عبدها أهل أفسس كإلاهة للأمومة و الخصوبة ( انظر أعمال 19 – 24 الى 35 ) . و قد كرموها كعذراء و كأم سويا .
كان يطلق على الإلاهات ألقابا مفرطة فى العبادة . على سبيل المثال , سمى المصريون ايزيس " الأم العظيمة , أم الله , ملكة السماء " , و قد سمى البابليون عشتار " العذراء المقدسة , الأم العذراء , أم الله , ملكة السماء " . و أيضا كانت " سيبيلى " Cybele تدعى " الأم العظيمة " و " سيدتنا " . بحسب الأساطير , كان لأولئك الإلاهات خلطة جنسية كبيرة . إن وصف " عذراء " كان يعنى بكل بساطة أنهن لم يكن متزوجات و أنهن كن يعتبرن مقدسات .
إن العهد القديم يشير الى عبادة " الإلاهة الأم " باعتبارها إلاهة السماء ( ارميا 7 – 18 , 44 – 18 و 19 , 25 ) .
فى عصر المجامع الجامعة , بدأ الكثير من الناس يعبدون مريم أم يسوع , تماما كما كانوا فى السابق يعبدون الإلاهات . لقد أطلقوا عليها كثيرا من الألقاب التى كانت تطلق على الإلاهات , مثل أم الله , و ملكة السماء , و سيدتنا . لقد صنعوا التماثيل و الصور تشبه كثيرا تلك التى كانت فى الأشكال الوثنية الأقدم . و كما سنناقش فى الفصل السادس عشر , لقد صارت عبادة مريم فى نهاية المطاف أحد المظاهر البارزة فى كنيسة العصور الوسطى .
الأعياد :
لقد أدمجت الكثير من الأعياد الوثنية أيضا فى المسيحية . لقد احتفل المسيحيون الأوائل بعيد الفصح كتذكار لقيامة المسيح , و لكن مع مضى السنين صار يصاحبه الطقوس الوثنية عن الخصوبة . صار البيض و الأرانب أمرا مصاحبا لعيد الفصح , لأنها رموز للخصوبة , فالبيضة تشير الى الحياة الجديدة , و الأرنب يشير الى الخصوبة الشديدة . إن الإسم الإنجليزى لعيد الفصح مشتق من اسم الإلاهة الجرمانية للربيع و الفجر .
كان الإحتفال بأول مايو احتفالا آخر مأخوذا من طقوس الخصوبة . كان عمود مايو رمزا للخصوبة , و كان الوثنيون يرقصون حوله فى يوم مايو ليؤمنوا لأنفسهم الخصوبة . بحلول القرن السادس , تحول عيد حصاد أغسطس الخاص ب " آرتميس " الى عيد صعود مريم .
إن الإحتفال بعيد الميلاد يدين أيضا بالكثير الى الطقوس الوثنية . لا يوجد أى دليل فى الكتب المقدسة يشير الى أن يسوع قد ولد فى الخامس و العشرين من ديسمبر , و لكن بحسب التقويم اليوليوسى Julian calendar كان الخامس و العشرين من ديسمبر هو موعد الإنقلاب الشتائى winter solstice , و أقصر يوم فى العام . كان الناس يحتفلون بهذا الحدث باعتباره عيد ميلاد " ميثراس " الشمس التى لا تقهر , لأن الأيام تطول بعد هذه المرحلة . كان هذا اليوم أيضا يأتى بعد فترة قصيرة من عيد " الساتورناليا " Saturnalia , و هو عيد رومانى يمتد لمدة سبعة أيام تكريما للإله " ساتورن " الذى كان يوصف بالعهر الذى لا حدود له .
مع وجود مثل هذه الإحتفالات الوثنية , شعر " المسيحيون بالإسم " بإغراء قوى نحو العودة الى عاداتهم الوثنية القديمة و احتفالاتهم غير الأخلاقية . لقد قررت الكنيسة أن تصبغ هذا الإحتفال بصبغة مسيحية من خلال إزالة العناصر غير الأخلاقية و من خلال تكريم ميلاد المسيح .
أكل الإله :
فى العديد من المجتمعات الأمية , كان الناس يأكلون حيوانا ما رغبة فى أن يتصفوا بمميزاته , مثل القوة و الشجاعة . كانوا يعبدون حيوانا مقدسا و يصنعون حرما حوله حتى لا يلمسه أحد , إلا اذا كانوا سيأكلونه فى إطار احتفال مقدس . لقد آمنوا أن هذا الإحتفال " بأكل للإله " يجعل روح الإله يعمل داخلهم .
كانت العبادة المنتشرة للإله اليونانى " ديونيسيوس " تحتوى على عنصر مشابه . فلمدة يومين كان العابدون يشربون و يرقصون فى حالة من الهيجان .
كانت ذورة و مركز احتفالهم هى أن يمسكوا بعنزة أو بثور أو بإنسان ( يرون فيها تجسدات للإله ) و يمزقون هذه الضحية الحية الى أجزاء ..... ثم يشربون الدم و يأكلون اللحم فى اجتماع مقدس , حيث يظنون أن الإله سوف يدخل فيهم و يمتلك أرواحهم .
فى الشرق الأوسط القديم , كان هناك عدد من " الأديان السرية " كل منها مخصص لعبادة إله معين . كان المريدون يعتمدون على هذا الإله من أجل نيل الخلاص , و كانوا يشتركون فى طقوس مقدسة يسمح بها فقط للخبيرين . كانت تعرف باسم " أسرار " لأن الخارجين لا يمكنهم أن يشاركوا فيها , بل و لا يخبرون حتى بما جرى . بعض الأديان السرية كانت تتضمن ذبائح حيوانية , و أكل لحم و شرب دم الحيوانات المقدسة . كان هناك أمور متشابهة مع الإحتفالات المسيحية , و لكن ليس من الواضح من اقتبس منهما من الآخر . لقد اعترف " يوستينوس " أن عابدى " ميثراس " لديهم احتفال يشبه جدا طقس " الإفخارستيا " المسيحى , و لكن ادعى أنهم أخذوا هذه الفكرة من المسيحية .
مع خلفيتهم الوثنية , سيكون مفهوما أن الكثير من المتحولين الى المسيحية سعتبرون طقس " الإفخارستيا " يمثل أكلا للمسيح من أجل أن ينال الآكلون قوته . لقد تطورت هذه الفكرة حتى وصلت فى شكلها النهائى الى عقيدة " الوجود الفعلى " . على الرغم من ذلك , فالكتاب المقدس يعلم بأن عشاء الرب قد نبع من الإحتفال اليهودى بعيد الفصح , و أنه مجرد تذكار رمزى لتخليص الله لشعبه . من هذا المنظور , فإنه من المناسب أكثر أن نفهم عشاء الرب على أنه رمز .
الكهنوت :
إن نشوء الكهنوت يدين أيضا بالكثير الى التأثيرات الوثنية . لقد بدأ الناس ينظرون الى الكهنة المسيحيين بطريقة تشبه كثيرا نظرتهم للكهنة فى الأديان الوثنية . كما صارت العبادة طقسية , و كما أن ذبيحة القداس صارت هى المظهر المركزى فى كل خدمة , صار الكارزون كهنة .
إن العهد الجديد يصف كل المسيحيين بأنهم قديسون و ملوك و كهنة و خدام لله ( انظر رسالة كورنثوس الأولى 1 – 2 , رسالة بطرس الأولى 2 – 9 , 16 , سفر الرؤيا 1- 6 ) . إن كل شخص فى جسد المسيح له عطايا , و دور حيوى يقوم به ( انظر رسالة روميه 12 – 4 الى 8 , رسالة كورنثوس الأولى 12 – 12 الى 31 ) .
على الرغم من ذلك , صار هناك تمييز شديد فى عصر المجامع الجامعة بين رجال الدين و بين العوام . لقد اعتبر رجال الدين أكثر قداسة , و كانوا هم المسئولين عن أمور الكنيسة . مثل الكهنة الوثنيين , ميزوا أنفسهم من حيث المظهر برداء كهنوتى و حلاقة خاصة ( حلق الرأس جزئيا أو كليا ) .
البتولية :
ليميزوا أنفسهم أكثر بالقداسة , تعهد كثير من الكهنة بأن يظلوا بتوليين ( ممتنعين من العلاقات الجنسية و عن الزواج ) . كان هذا أمرا غريبا على نظام الكهنوت فى العهد القديم , و لكنه كان موجودا فى العديد من الأديان الوثنية . مثال على هذا , الفلاسفة الكلبيون Cynics فى اليونان . و أيضا , دفع العهر الشديد الموجود فى العالم الوثنى العديد من المسيحيين أن يذهبوا الى أقصى الطرف الآخر , مستنتجين أن البتولية أكثر قداسة من الحياة الزوجية .
إننا نجد احترام المسيحيين للبتولية أمرا موجودا منذ القديم . فى القرن الثانى , دافع المرقيونيون و فى نهاية المطاف المونتانيون عن ضرورة تبتل جميع المسيحيين . لقد احتج اللاهوتيون بدفاع بولس عن الحياة المنفردة فى رسالة كورنثوس الأولى اصحاح 7 . بينما قال بولس أن الشخص البتول مثله يمكن أن يخدم الله دون مشتتات كثيرة , إلا أنه قال بوضوح أن هذا هو رأيه الشخصى , و ليس أمرا من الرب . لقد اعترف أن الزواج هو الوضع الطبيعى ( رسالة كورنثوس الأولى 7 – 2 ) . و ايضا , لقد قال نصيحته تلك بسبب الضيق الذى كان فى عصره و لأن " الوقت قريب " ( كورنثوس الأولى 7 – 26 و 29 ) . إن نصيحته هذه يمكن أن يكون لها علاقة بأوقات الإضطهاد الشديد , و المنطق الذى يقف وراءها واضح فى حالة بولس , اذا أخذنا فى اعتبارنا أن خدمته كانت مليئة بالترحال و الحرمان و الصعوبات .
فى بادىء الأمر , كان ينظر للبتولية بعين الإحترام , و لكن بعد ذلك صارت هى الشىء المفضل بناء على أن الإنسان البتول أكثر قداسة . و فى النهاية , صارت أمرا إجباريا . فى الغرب , كان على كل الكهنة أن يلتزموا بنذر البتولية . لقد صدّق أمبروسيوس و أغسطينوس و جيروم على هذه القاعدة . فى الشرق , كان بوسع الكهنة أن يتزوجوا , بخلاف الأساقفة لم يمكنهم ذلك . فى مجمع نيقيه 325 م , اقترح بعض الأساقفة قانونا يمنع القساوسة من الزواج , و كان القرار حينها هو أن الرجال الذين كانوا متزوجين بالفعل قبل رسمهم فى منصبهم يمكنهم أن يعيشوا مع زوجاتهم , و لكن من كان مرسوما بالفعل فهذا لا يمكنه أن يتزوج .
كثير من الكهنة و الراهبات تمادوا فى الأمر كثيرا من أجل إثبات قوتهم فى الحفاظ على البتولية . لقد كانوا ينامون سويا , و على ما هو مفترض يحافظون على طهارتهم ليظهروا كيف أنه يمكنهم أن يتحملوا أقسى الإغراءات . للأسف , كثير منهم استسلم للإغراء , لأنها ليست مشيئة الله أن يخضع المسيحيون أنفسهم بإرادتهم الى الإغراء ليكون اختبارا للإيمان . لقد صار هذا الأمر مدعاة للتفاخر من الناحية الروحية , و لكن حدثت إخفاقات كثيرة بحيث أنه قد منع فى نهاية المطاف .
سعيا وراء قداسة أكثر , اتجه بعض المسيحيين الى الصحراء على هيئة رهبان أو ناسكين . أخرون عاشوا سويا فى إطار مجتمعات رهبانية بتولية , مثل الرهبان و الراهبات . لا يوجد فى العهد القديم أو العهد الجديد سابقة لمثل هذا التصرف , و لكن هذا الأمر – مجددا – كان سمة مميزه للأديان الوثنية . على سبيل المثال , كان لدى الرومان " عذراوات فيستا " Vestal Virgins , و منذ العصور القديمة و حتى الحاضر كان لدى الأديان القديمة مثل الهندوسية و البوذية كهنة و أديرة و نسّاكا .
النساك :
ظهر أول نساك مسيحيين فى أواخر القرن الثالث فى مصر , حيث كان على ما يبدو مناخ و مزاج الناس هناك ملائما لهذا النمط من الحياة . كان قائد هذه الحركة هو " أنطونيوس " حوالى عام 270 م . و صارت النسكية _ أن يذهب الإنسان ليعيش وحيدا فى كهف فى الصحراء , فتحة فى الأرض أو قلاية _ أمرا شائعا خصوصا فى الشرق . فى بعض الحالات , كان الناسك ينصب لنفسه عمودا و يعيش فوقه لسنوات .
الرهبان و الراهبات :
ظهرت الرهبنة و انتشرت فى القرن الرابع و الخامس , خصيصا فى الغرب . كان جماعة من الناس يؤسسون مجتمعا رهبانيا يعيشون فيه بتوليين , يزرعون محاصيلهم الخاصة و يحققون لأنفسهم اكتفاء ذاتيا , يمارسون صلوات جماعية و يخضعون أنفسهم لأنظمة صارمة . و قد أسس باسيليوس ديرا فى عام 358 م و الذى صار أنموذجا لما حدث فى المستقبل .
كان جيروم من أشد المدافعين المتحمسين للرهبانية . لقد عاش حياة زاهدة و شجب الزواج بشكل عملى . لسوء الحظ , فإن كتاباته مليئة بالكلمات البغيضة القاسية ضد خصومه اللاهوتيين .
حوالى عام 540 م , أسس " بينيدكت " Benedict ديرا فى " مونت كازينو " Monte Cassino و أسس النظام " البينيديكتى " Benedictine order للرهبان . صار نظامه الخاص بالحياة الرهبانية هو المعيار فى الغرب . لقد وضع نذرا يتكون من ثلاثة أشياء : التمسك الدائم بالنظام الرهبانى , الفقر و العفة , و الطاعة المطلقة لرئيس الدير . من ضمن أشياء أخرى , فرض هذا النظام وجود سبع ساعات يوميا مخصصة للصلاة و الغناء و التأمل , و ساعتين أو ثلاثة للقراءات الدينية , و ست أو سبع ساعات للعمل اليدوى أو تعليم الأطفال .
الزهد :
نسب الناسكون و الرهبان و الراهبات بل و حتى بعض العلمانيين قيمة عظيمة لحياة الزهد _ نكران الذات بصرامة , و النظام الشديد أو إيقاع العقوبة على الجسد . كما هو الحال مع البتولية , لقد اعتقدوا أن مثل هذه النظم الصارمة ستجعلهم أكثر قداسة و ستضمن لهم غفران الخطايا و استحقاقات عند الله . إن العهد الجديد يتحدث عن إنكار الذات , و الرغبات الدنيوية , و يدافع عن أنظمة مثل الصلاة و الصوم , و لكن ليس الهدف من ذلك هو معاقبة الجسد أو نيل الإستحقاقات . إن العهد الجديد يعلم بأننا نخلص عن طريق الإيمان و ليس بالأعمال , و إنه يحذرنا من حياة الزهد ( انظر رومية 3 – 26 و 27 , كولوسى 2 – 16 الى 23 ) . إن رسالة تيموثاوس الأولى 4 – 1 الى 3 تدين بقوة أولئك الذين يصرون على حياة البتولية و الزهد .
لقد بالغ الزهاد المسيحيون فى معاقبة الجسد الى المنتهى , فلم يكونوا فقط يصلون صلوات متكررة لعدة ساعات و يصومون لمدد طويلة , بل كانوا أيضا يجلدون أنفسهم ( جلد ذاتى self-flagellation ) , و يجرحون أنفسهم ( تشويه للذات ) , و يرتدون قمصان الشعر المتعبة , الى آخره . البعض مثل أوريجين وصل به الحال أنه خصى نفسه ليضمن حياة البتولية .
كانت الأوضاع المعيشية فى الأديرة عادة بدائية جدا و قاسية . كانت الحياة الرهبانية تتكون من البتولية , و العمل الشاق , و الأصوام الكثيرة , و الصلوات العديدة خلال اليوم , و الحرمان من النوم , و الملابس الخشنة , و وجبات الطعام البسيطة . كان الرهبان يستيقظون باكرا جدا من أجل الصلاة , و بعض الأديرة كان يتم إيقاظهم فى منتصف الليل ليصلوا . كان لدى البعض أنظمة صارمة للصمت , فيمتنعون عن الكلام معظم اليوم .
كان الناسكون يعيشون عادة عن طريق التسول . كانت الأنظمة التالية شائعة بينهم : يعرضون أنفسهم للعوامل الجوية , و يلبسون قدرا ضئيلا من الملابس , و يأكلون فقط الخبز و يشربون الماء , و يعيشون مع الهوام ( يحضرون الفئران أو الحشرات الى كهوفهم , و يكشفون أجسادهم لها ) , و يمتنعون عن الكلام لسنوات , و يرفضون النظر الى وجه امرأة , و يمتنعون عن الإضطجاع للنوم لسنوات , و يقيدون أنفسهم الى صخور لا يمكن تحريكها , و يحملون أحمالا ثقيلة , و يقيدون أنفسهم بسلاسل كبيرة , و لا يستحمون مطلقا .
إن أشهر من يعرفون باسم " قديسى الأعمدة " هو سمعان العامودى Simeon Stylites , الذى عاش فوق عمود لمدة ستة و ثلاثين عاما دون أن ينزل عنه , و كان ارتفاع العمود ستين قدما و قطره أزيد قليلا من ثلاثة أقدام . كان هناك سور يمنع سقوطه أثناء نومه , و سلم يمكن أتباعه من أن يحضروا له الطعام و ياخذوا منه الفضلات . لقد كرز للجموع الذين كانوا يتجمعون لرؤيته , و قد قلده الناسكون لعديد من القرون .
على الرغم من هذه المجهودات , شهد العديد من الناسكين أنهم ظلوا على الدوام يتصارعون مع الأفكار الجنسية و الهجمات الشيطانية . و هناك عدد ليس بالقليل أصابهم الجنون الكامل .
حياة القداسة :
كان نتيجة هذه الممارسات أنها شوهت المعنى الحقيقى للقداسة الوارد فى الكتاب المقدس , و قوّضت عقيدة التبرير بالإيمان , و جعلت أعمال الإنسان تحل محل عمل الروح القدس . أيضا , هذه الطريقة من التفكير جعلت القداسة حكرا على النخبة , و جعلت أمل الإنسان العادى فيها ضعيفا , و بالتالى قل اهتمامه أن يعيش حياة مقدسة .
قليل من الكتاب مثل يوحنا ذهبى الفم و جيروم حذروا من الإتجاهات و السلوكات الدنيوية , من الملابس غير المحتشمة و المكياج و ما أشبه ذلك . عموما , و على الرغم من ذلك , فإن الكنيسة فى عصر المجامع الكاثوليكية قد ابتعدت عن معايير القداسة الكتابية الداخلية و الخارجية , فجعلت التقيد الحرفى و الخرافة بالنسبة للجماهير , و جعلت الزهد للنخبة الروحية .
الخلاصة :
تبنت الكنيسة فى عصر المجامع الجامعة حشدا من العناصر الوثنية الأخرى , بالإضافة الى تلك التى ذكرناها سابقا , بما فى ذلك الشموع و المياه المقدسة و الصلاة للموتى . إن الممارسات التى ذكرناها لها نظائر سابقة فى الأديان السابقة على المسيحية و أيضا فى الهندوسية و البوذية و الأديان الكبرى الأخرى فى الشرق . يبدو أن هذه العناصر قد نبعت من مصدر قديم مشترك , و الذى يقول بعض الكتاب أنه بابل . عندما حدث تدفق هائل من الوثنيين الى داخل الكنيسة , حملوا معهم الأفكار الوثنية . إن كثيرا من هذه العقائد و الممارسات هى التى تجعل الكاثوليكية الرومانية و الأرثوذكسية الشرقية مختلفة عن المسيحية القديمة .
بعض اللاهوتيين فسروا بعض النظائر المتشابهة , مثل تماثيل الأم و ابنها فى أراضى الوثنيين , و قالوا أن هذا إعداد إلهى لإثبات أن المسيحية حق . آخرون فسروه على أنه تزييفات و تقليدات شيطانية , مثل أكل الإله فى الطقوس الوثنية . بينما أن الشيطان بكل تأكيد يحدث انحرافا فى الحقيقة و يخترع أمورا مشابهة للأصل , إلا أن المواضع التى ذكرناها يبدو فيها بوضوح أن هذه الممارسات قد نبعت أصلا عند الوثنية , و ليس فى عقل الله , و أنه جرى لاحقا إدماجها فى المسيحية .
أحيانا , نجد أن الحقيقة التى أعطاها الله للبشرية جرى تشويهها فى الأديان الوثنية , و لكنها تنتقل بشكل صحيح فى يهودية العهد القديم و فى مسيحية العهد الجديد . على سبيل المثال تقديم الذبائح من أجل تكفير الخطايا , و توقع مجىء مخلص أو مسيا . لا بد أيضا أن نعترف أن بعض الممارسات التى نشأت فى الوثنية قد فرغت من مضمونها الأصلى أو حولها الفكر المسيحى , بحيث أن ممارستها تكون أمرا ليس محل اعتراض , أو على الأقل نوعا من الحرية المسيحية . على سبيل المثال , الإحتفال بعيد الميلاد , و أسماء الكواكب , و أسماء أيام الأسبوع .
___________________________
المصدر :
A History of Christian Doctrine,
Volume One
The Post-Apostolic Age to the Middle Ages,
A.D.100-1500
by David K. Bernard
صفحة 215 الى 232
فى إطار مناقشة تطور العقيدة , خصوصا ما يتعلق بظهور الكاثوليكية الرومانية و الأرثوذكسية الشرقية , سيكون من النافع أن نفحص التأثيرات الوثنية . فى بادىء الأمر كان هناك نزاع حاد بين المسيحية و كل أشكال الوثنية . كان السبب الرئيسى فى هذا هو حصر المسيحية الحقيقة فى ذاتها فقط . لقد قال المسيحيون أنهم يخدمون الإله الحقيقى الوحيد . لقد نادوا بأن يسوع هو الإله الحقيقى الظاهر فى الجسد , و الرب الوحيد , و المخلص الوحيد , و أن الخلاص يأتى فقط من خلاله .
بالمقابل , كانت الأديان الأخرى الكبيرة فى الإمبراطورية الرومانية - الوثنية اليونانية و الوثنية الرومانية و الأديان الشرق أوسطية المتعددة – مؤسسة على تعددية الآلهة , أى الإيمان بآلهة كثيرة .
لقد سمح الرومان لكل أمة فى الإمبراطورية أن تعبد آلهتها الخاصة بها , طالما لم يتدخل أحد فى عبادة الآخرين . و من منطلق الواجب المدنى و الوفاء للإمبراطورية , كل على الجميع أن يشتركوا فى عبادة الآلهة الرومانية . فى ناهية المطاف روّج الرومان لعبادة الإمبراطور و اعتبروها طريقة تتعهد بها بأنك موال للإمبراطورية .
باستثناء اليهود و المسيحيين , لم يجد معظم الناس أى اشكال فى أن يضيفوا الآلهة الرومانية الى قائمة آلهتهم , لأنهم كانوا يؤمنون بالفعل بآلهة عديدة , و كانوا متقبلين أن للأمم الأخرى آلهة أخرى .
بسبب رفض المسيحيين أن يتعاونوا مع هذا النظام , لم يكن ينظر إليهم فقط على أنهم هراطقة دينيين , بل الأهم من ذلك أنهم اعتبروا عناصر هدم سياسية . لقد اعتبرهم المجتمع غير متسامحين لأنهم رفضوا أن يقبلوا صلاحية الدين الذى يعتنقه أى شخص آخر , و اعتبرتهم الدولة متمردين بسبب رفضهم الإشتراك فى الدين المدنى . لقد كان مطلوبا منهم أن يعتبروا بالقيصر كرب , و لكن المسيحيين قصروا هذا اللقب على المسيح فقط .
فى القرون الثلاثة الأولى , رفض المسيحيون أيضا الإشتراك فى الحرب , متمسكين بأن قتل الإنسان مضاد لتعاليم يسوع . لقد أكد ترتليان و أوريجين و هيبوليتوس و آخرون على أنهم وطنيون , و لكنهم قالوا أن ضميرهم لا يسمح بقتل الآخرين عندما تأمر الدولة بذلك .
و بالتالى كانت المسيحية معارضة للبناء الأساسى الدينى و الفلسفى و السياسى للإمبراطورية الرومانية و للعالم القديم . لقد اضطهدت الإمبراطورية المسيحيين لأنهم رفضوا أن يمارسوا دين الدولة , و بسبب اصرارهم على اتباع قانون أخلاقى أعلى من قوانين الدولة . لم يكن هدف المسيحيون الأوائل أن يطيحوا بالحكومة , و لكنهم اعتنقوا قيما مختلفة , و عاشوا بأسلوب حياة يختلف عن جيرانهم الوثنيين . لم تكن رؤى العالم مناسبة لهم .
تغير هذا الوضع برمته مع الملك قسطنطين . كما قلنا فى الفصل السادس , لقد أعلن هو و " ليسينوس " مرسوم التسامح الذى أنهى اضطهاد المسيحية . ثم قام هو نفسه بإعتناق الدين المسيحى علانية , و بدأ فى نشره باعتباره الدين المفضل . و قد رسخ خلفاؤه فى القرن الرابع المسيحية كدين رسمى للدولة و حظروا الوثنية .
و سريعا , شعر آلاف من الوثنيين الذى كانوا مواطنين مرموقين أن مكانتهم مهدده . لقد خسروا وظائفهم الحكومية و تأثيرهم و مكانتهم فى المجتمع , و عندما بدأت الحكومة تقاوم الوثنية بعنف تعرضت ثرواتهم و حرياتهم بل و حتى حياتهم للخطر الشديد .
بالنسبة لمعظم الوثنيين , كان الحل بسيطا , لقد غيروا دينهم . لم ير معظمهم أن فى الأمر شىء يمثل كارثة للضمير أن يغيروا دينهم السابق , لأنهم أبدا لم يعتقدوا أن دينهم السابق هو الطريق الوحيد و لا أن آلهتهم هى الآلهة فقط . بالنسبة للكثيرين , كان النصر المؤزر للمسيحية دليلا كافيا على أن إله المسيحيين أعلى مقاما من آلهتهم السابقة .
كانت المشكله هو أنه فى معظم الحالات لم يحدث تغير روحى جوهرى فى هؤلاء الناس . فبدلا من الإعتراف بخطأ الطرق التى سلكوها و تخليهم عن اعتقاداتهم و نمط معيشتهم القديمة , قاموا فقط بإضافة المسيحية الى قائمة معتقداتهم , أو قاموا بنقل أفكارهم و ممارساتهم الوثنية الى الإطار المسيحى الجديد .
فى القرن الرابع , تحولت جموع كثيرة الى المسيحية , و فى القرون التاليه تحولت القبائل البربرية بشكل جماعى . معظم هؤلاء المتحولين لم يتوبوا حقيقة عن الخطية , و قليل منهم هو من نال الروح القدس . كان أسلوب تحويل الشخص الى المسيحية هو أن تجعله يغير رأيه , و يعترف بهذا بفمه , و أن يتعمد فى الماء .
لم يتحول الناس فقط بشكل جماعى , بل تحولت أيضا المعابد و التماثيل و الكهنة الى مجتمع مسيحى . قامت الحكومة بهدم معظم المعابد الوثنية , و لكن فى القليل منها قامت بطقوس تطهيرية لها و كرستها ككنائس مسيحية ( البانثيون الرومانى مثال شهير على ذلك ) . أخذت تماثيل الآلهة الوثنية أسماء القديسين المسيحيين , و كرست فى الكنيسة . تحول العديد من الكهنة الوثنيين و دخلوا فورا فى الخدمة ككهنة مسيحيين . بطرق متعدده و فى أماكن كثيره , غمر هذا الفيضان من الوثنية هيكل الكنيسة .
قبل ذلك الوقت , عانت الكنيسة من عدة انشقاقات , و بدأت تنحرف عقائديا , و لكن جوهر الكنيسة كان مؤلفا من أناس مخلصين للقيم المسيحية . لقد استمدت سمات و ثبات و قوة روحية لتتجاوز أوقات الإضطهاد . فجأة , غمر هذا الجوهر المؤلف من المؤمنين فيضان من الوثنيين , الذين أتوا بسبب دوافع شخصية . ربما آمن العديد منهم بأن المسيحية حق , و لكن قليل منهم اختبروا تجديدا و تحويلا بواسطة قوة الروح القدس . لقد تحولت الإمبراطورية الى إمبراطورية مسيحية , و لكن بالإسم فقط .
و بالتالى , فعلى الرغم أن المسيحية بدت كما لو أنها قد انتصرت , إلا أنها فى حقيقة الأمر عانت هزيمة نكراء للغاية . و كما عبر عن هذا المؤرخ العلمانى " ويل ديورانت " ( فى ذات الوقت الذى حولت فيه المسيحية العالم , قام العالم بتحويل المسيحية , و أظهر الوثنية الطبيعية للبشرية ) . و يتفق معه فى الرأى المؤرخ الكنسى Walter Nigg ( فور أن فتح الإمبراطور قسطنطين الأبواب و بدأت جموع الناس تنهمر الى الكنيسة بدافع الإنتهازية المطلقة , قتلت أخلاقيات المسيحية النبيلة ) . و بشكل مشابة قال العالم " فيليب شاف " ( بدخول كل المجتمع الرومانى , صارت الكنيسة بشكل يزيد أو ينقص كنيسة العالم , و تسللت العديد من العادات و الأعراف الوثنية الى طقوس العبادة ) .
و بالتالى فقد أثرت الوثنية بشكل دراماتيكى على المسيحية , خصوصا من القرن الرابع و ما يليه , دعونا ننظر الى بعض المناطق المهمة التى أثرت فيها الوثنية .
تعدد الآلهة :
بعد أن صارت الكنيسة أممية بشكل بارز , بدأت الأفكار الوثنية القادمة من البيئات الوثنية تؤثر على الفكر المسيحى عن الله . إننا نرى أثر الفلسفة اليونانية و تعدد الآلهة فى عقيدة الآباء المدافعين عن اللوجوس ( منتصف القرن الثانى ) و فى العقيدة التثليثية لترتليان و أوريجين ( بدايات القرن الثالث ) , و فى وجهة نظر آريوس , و فى عقيدة التثليث لآثناسيوس و الآباء الكبادوكيين ( القرن الرابع ) . لا يمكن أن نفهم أن مثل هذه الأفكار التى تتحدث عن التعددية فى الله يمكن أن تنشأ بشكل مباشر من بيئة التوحيد اليهودى , بل اليهود حتى يومنا هذا ينكصون عن أى مقترح يقول بأن الله متعدد الأشخاص .
على الرغم من ذلك , فمنذ القرن الثانى و ما يليه كان المتحولون الى المسيحية كلهم تقريبا قد أتوا من خلفية تؤمن بتعددية الآلهة , و كانوا بالفعل معتادين أن يفكروا فى وجود عدد من الآلهة . ساهم هذا الفكر الذى يؤمن بتعددية الآلهة فى ظهور عقيدة التثليث , و سهلت على من تحولوا الى المسيحية قبول العقيده التثليثية بعد أن صارت هى العقيدة القياسية , و أثرت على تفسيرها فى اتجاه ثلاثى الآلهة . حتى عندما حاول اللاهوتيون أن ينكصوا عن فكرة ثلاثية الآلهة الصريحة , إلا أنه كان الفكر الطبيعى عند الوثنى العادى أن يفكر فى الآب و الإبن و الروح القدس كثلاثة آلهة .
أسهمت أيضا الوثنية فى نشوء عبادة القديسين التى بدأت فى النمو . كان اليونانيون القدامى يصلون للموتى , و الآن صار العديد من المسيحيين يصلون للقديسين و الشهداء الذين رحلوا . كان الرومان مغرمين بتأليه الرجال , ثم يقومون بتقديم الصلوات و الذبائح لهم , لقد فعلوا هذا مع القياصرة الذين ماتوا , و بعد ذلك مع القياصرة الذين لا يزالون على قيد الحياة . لقد تبنت الكنيسة جوهريا نفس هذا الأمر من خلال تقنين القديسين و من ثم تقديم الصلوات لهم طلبا للمعونة . فى الواقع , الكنيسة الشرقية تمجد قسطنطين كقديس و تسميه Isapostolos التى تعنى " مساو للرسل " . كثير من الناس أيضا بدءوا يصلون للملائكة .
نظريا , كانت العبادة الحقيقية تقدم لله فقط , بينما الإحترام المجرد كان يقدم للقديسين و الشهداء و الملائكة , و لكن من الناحية العملية كان العوام يفرقون قليلا بين الأمرين أو لا يفرقون بينهما على الإطلاق .
الناس الذين اعتادوا أن يصلوا الى اله يونانى أو اله رومانى و الذى من المفترض أنه كان له السلطة على مدينتهم و وظيفتهم و نشاطهم , صاروا الآن يصلون للقديس الشفيع لهذه المدينة , أو الوظيفة أو النشاط . صارت الأساطير التى كانت تحكى عن الآلهة أو أنصاف الآلهة أساطيرا تحكى عن القديسين . و حتى الهالات التى كانت ترسم حول قديسى العصور الوسطى يعود أصلها الى عبادة الشمس .
بجوار عبادة القديسين و الشهداء ظهرت عبادة تماثيلهم و صورهم و آثارهم الباقية _ بقايا أجسادهم و عظامهم و ملابسهم , و بقية الأأشياء التى لها علاقة بالقديسين . بشكل جوهرى , لقد اعتنق الناس عبادة الأصنام الوثنية التى كانت فكرتها أن روح الإله تسكن تمثاله . إن الناس الذين كانوا قبلا يصلون لتمثال إله وثنى قد صاروا الآن ينحنون أمام نفس التمثال , الذى تحول فقط الى تمثال لقديس مسيحى . لقد نسبوا أيضا قوى سحرية للتماثيل و بشكل أخص لبقايا القديسين .
إن اللاهوتيين البارزين مثل الآباء الكبادوكيين و يوحنا ذهبى الفم و ثيودور و أمبروسيوس و جيروم و أغسطينوس و ليو صدّقوا على عبادة بقايا القديسين .
و يقولون أن أم قسطنطين الملكة هيلينا قد اكتشفت بطريقة معجزية صليب المسيح , و الذى صار يقدم له العبادة . و قد بنت كنيسة القيامة فى أورشليم فى المكان الذى اكتشفته فيه , و هو كما يزعمون مكان صلب المسيح و دفنه . افتخر كثيرون آخرون بشظايا من الصليب الحقيقى _ لقد كانوا كثيرين جدا لدرجة أن اللاهوتيين ادعوا أن للصيب القدرة على تكثير نفسه دون أن ينقص .
عبادة الإلاهة :
هناك تأثير وثنى آخر مهم هو عبادة آلهات الخصوبة , و التى كان لهن مكانة بارزه فى الأديان القديمة فى الشرق الأوسط . لقد شعرت المجتمعات الزراعية القديمة بالحاجة أن يتضرعوا طلبا للمعونة الإلهية ليضمنوا لأنفسهم محاصيل وفيرة , و قطعانا متنامية , و أولادا كثيرين يعملون فى الحقول . و كان الحل الذى رأوه هو أن يعبدوا آلهات الخصوبة .
لقد عبد البابليون القدماء عشتار , و اعتبروها الإلاهة الرئيسية عندهم . بالنسبة للفينيقيين و الفلسطينيين كانت تعرف باسم " أستارت " Astarte ( باليونانية ) أو أشتوريث Ashtoreth . و صيغة الجمع لهذا الإسم هى " أشتاروث " Ashtaroth , و الذى نجده فى العهد القديم يشير الى العديد من آلهات الخصوبة للكنعانيين ( انظر سفر القضاه 2 – 13 , صموئيل الأول 7 – 3 و 4 ) . بشكل مشابه كان لدى المصريين " إيزيس " , و كان لدى اليونانيين " أفروديت " , و كان لدى الرومان " فينوس " .
فى الأديان الشرق أوسطية , كان يصاحب إلاهة الخصوبة قرين أو حبيب , مما يؤكد على خصوبتها . فى الأساطير البابلية كان " تموز " قرين " عشتار " . لقد مات تموز و لكن عشتار قد أنقذته من العالم السفلى و قد عاد الى الحياة مرة أخرى . من المفترض أن هذه القصة تفسر تغير الفصول , فموت تموز يسبب الشتاء و إعادة مولده يجلب الربيع . كان البابليون كل عام يندبون موت تموز , ثم يحتفلون بقيامته . يصور سفر حزقيال 8 – 14 " نساء يبكين من أجل تموز " . هناك آلهة قرناء مشابهة , أوزوريس فى مصر , بعل فى كنعان , و أدونيس فى سوريا و اليونان .
كان يرافق الآلهات فى الغالب أيضا أبناء إلهيين . بعض الأساطير قالت أن تموز هو ابن عشتار و أيضا رفيقها . هناك أمثلة أخرى عن ( الأم و الإبن ) الإلهيين مثل ايزيس و حورس فى مصر , سيبيلى Cybele و آتيس Attis فى فريجية , و أفروديت و آدونيس فى اليونان . كان المحبون لهم يعبدون الصور و التماثيل للأم و هى تمسك ابنها أو ترضعه . عندما ذهب المبشرون النسطوريون و الكاثوليك أول مرة الى الصين أصابهم الإندهاش بسبب رؤيتهم الناس يعبدون تماثيلا لأم و ابنها .
كانت الإلاهة اليونانية " آرتيميس " Artemis و التى يعرفها الرومان باسم " ديانا " Diana فى الأصل الإلاهة العذراء للطبيعة , و مع ذلك كانت تساعد النساء فى الولادة . لقد عبدها أهل أفسس كإلاهة للأمومة و الخصوبة ( انظر أعمال 19 – 24 الى 35 ) . و قد كرموها كعذراء و كأم سويا .
كان يطلق على الإلاهات ألقابا مفرطة فى العبادة . على سبيل المثال , سمى المصريون ايزيس " الأم العظيمة , أم الله , ملكة السماء " , و قد سمى البابليون عشتار " العذراء المقدسة , الأم العذراء , أم الله , ملكة السماء " . و أيضا كانت " سيبيلى " Cybele تدعى " الأم العظيمة " و " سيدتنا " . بحسب الأساطير , كان لأولئك الإلاهات خلطة جنسية كبيرة . إن وصف " عذراء " كان يعنى بكل بساطة أنهن لم يكن متزوجات و أنهن كن يعتبرن مقدسات .
إن العهد القديم يشير الى عبادة " الإلاهة الأم " باعتبارها إلاهة السماء ( ارميا 7 – 18 , 44 – 18 و 19 , 25 ) .
فى عصر المجامع الجامعة , بدأ الكثير من الناس يعبدون مريم أم يسوع , تماما كما كانوا فى السابق يعبدون الإلاهات . لقد أطلقوا عليها كثيرا من الألقاب التى كانت تطلق على الإلاهات , مثل أم الله , و ملكة السماء , و سيدتنا . لقد صنعوا التماثيل و الصور تشبه كثيرا تلك التى كانت فى الأشكال الوثنية الأقدم . و كما سنناقش فى الفصل السادس عشر , لقد صارت عبادة مريم فى نهاية المطاف أحد المظاهر البارزة فى كنيسة العصور الوسطى .
الأعياد :
لقد أدمجت الكثير من الأعياد الوثنية أيضا فى المسيحية . لقد احتفل المسيحيون الأوائل بعيد الفصح كتذكار لقيامة المسيح , و لكن مع مضى السنين صار يصاحبه الطقوس الوثنية عن الخصوبة . صار البيض و الأرانب أمرا مصاحبا لعيد الفصح , لأنها رموز للخصوبة , فالبيضة تشير الى الحياة الجديدة , و الأرنب يشير الى الخصوبة الشديدة . إن الإسم الإنجليزى لعيد الفصح مشتق من اسم الإلاهة الجرمانية للربيع و الفجر .
كان الإحتفال بأول مايو احتفالا آخر مأخوذا من طقوس الخصوبة . كان عمود مايو رمزا للخصوبة , و كان الوثنيون يرقصون حوله فى يوم مايو ليؤمنوا لأنفسهم الخصوبة . بحلول القرن السادس , تحول عيد حصاد أغسطس الخاص ب " آرتميس " الى عيد صعود مريم .
إن الإحتفال بعيد الميلاد يدين أيضا بالكثير الى الطقوس الوثنية . لا يوجد أى دليل فى الكتب المقدسة يشير الى أن يسوع قد ولد فى الخامس و العشرين من ديسمبر , و لكن بحسب التقويم اليوليوسى Julian calendar كان الخامس و العشرين من ديسمبر هو موعد الإنقلاب الشتائى winter solstice , و أقصر يوم فى العام . كان الناس يحتفلون بهذا الحدث باعتباره عيد ميلاد " ميثراس " الشمس التى لا تقهر , لأن الأيام تطول بعد هذه المرحلة . كان هذا اليوم أيضا يأتى بعد فترة قصيرة من عيد " الساتورناليا " Saturnalia , و هو عيد رومانى يمتد لمدة سبعة أيام تكريما للإله " ساتورن " الذى كان يوصف بالعهر الذى لا حدود له .
مع وجود مثل هذه الإحتفالات الوثنية , شعر " المسيحيون بالإسم " بإغراء قوى نحو العودة الى عاداتهم الوثنية القديمة و احتفالاتهم غير الأخلاقية . لقد قررت الكنيسة أن تصبغ هذا الإحتفال بصبغة مسيحية من خلال إزالة العناصر غير الأخلاقية و من خلال تكريم ميلاد المسيح .
أكل الإله :
فى العديد من المجتمعات الأمية , كان الناس يأكلون حيوانا ما رغبة فى أن يتصفوا بمميزاته , مثل القوة و الشجاعة . كانوا يعبدون حيوانا مقدسا و يصنعون حرما حوله حتى لا يلمسه أحد , إلا اذا كانوا سيأكلونه فى إطار احتفال مقدس . لقد آمنوا أن هذا الإحتفال " بأكل للإله " يجعل روح الإله يعمل داخلهم .
كانت العبادة المنتشرة للإله اليونانى " ديونيسيوس " تحتوى على عنصر مشابه . فلمدة يومين كان العابدون يشربون و يرقصون فى حالة من الهيجان .
كانت ذورة و مركز احتفالهم هى أن يمسكوا بعنزة أو بثور أو بإنسان ( يرون فيها تجسدات للإله ) و يمزقون هذه الضحية الحية الى أجزاء ..... ثم يشربون الدم و يأكلون اللحم فى اجتماع مقدس , حيث يظنون أن الإله سوف يدخل فيهم و يمتلك أرواحهم .
فى الشرق الأوسط القديم , كان هناك عدد من " الأديان السرية " كل منها مخصص لعبادة إله معين . كان المريدون يعتمدون على هذا الإله من أجل نيل الخلاص , و كانوا يشتركون فى طقوس مقدسة يسمح بها فقط للخبيرين . كانت تعرف باسم " أسرار " لأن الخارجين لا يمكنهم أن يشاركوا فيها , بل و لا يخبرون حتى بما جرى . بعض الأديان السرية كانت تتضمن ذبائح حيوانية , و أكل لحم و شرب دم الحيوانات المقدسة . كان هناك أمور متشابهة مع الإحتفالات المسيحية , و لكن ليس من الواضح من اقتبس منهما من الآخر . لقد اعترف " يوستينوس " أن عابدى " ميثراس " لديهم احتفال يشبه جدا طقس " الإفخارستيا " المسيحى , و لكن ادعى أنهم أخذوا هذه الفكرة من المسيحية .
مع خلفيتهم الوثنية , سيكون مفهوما أن الكثير من المتحولين الى المسيحية سعتبرون طقس " الإفخارستيا " يمثل أكلا للمسيح من أجل أن ينال الآكلون قوته . لقد تطورت هذه الفكرة حتى وصلت فى شكلها النهائى الى عقيدة " الوجود الفعلى " . على الرغم من ذلك , فالكتاب المقدس يعلم بأن عشاء الرب قد نبع من الإحتفال اليهودى بعيد الفصح , و أنه مجرد تذكار رمزى لتخليص الله لشعبه . من هذا المنظور , فإنه من المناسب أكثر أن نفهم عشاء الرب على أنه رمز .
الكهنوت :
إن نشوء الكهنوت يدين أيضا بالكثير الى التأثيرات الوثنية . لقد بدأ الناس ينظرون الى الكهنة المسيحيين بطريقة تشبه كثيرا نظرتهم للكهنة فى الأديان الوثنية . كما صارت العبادة طقسية , و كما أن ذبيحة القداس صارت هى المظهر المركزى فى كل خدمة , صار الكارزون كهنة .
إن العهد الجديد يصف كل المسيحيين بأنهم قديسون و ملوك و كهنة و خدام لله ( انظر رسالة كورنثوس الأولى 1 – 2 , رسالة بطرس الأولى 2 – 9 , 16 , سفر الرؤيا 1- 6 ) . إن كل شخص فى جسد المسيح له عطايا , و دور حيوى يقوم به ( انظر رسالة روميه 12 – 4 الى 8 , رسالة كورنثوس الأولى 12 – 12 الى 31 ) .
على الرغم من ذلك , صار هناك تمييز شديد فى عصر المجامع الجامعة بين رجال الدين و بين العوام . لقد اعتبر رجال الدين أكثر قداسة , و كانوا هم المسئولين عن أمور الكنيسة . مثل الكهنة الوثنيين , ميزوا أنفسهم من حيث المظهر برداء كهنوتى و حلاقة خاصة ( حلق الرأس جزئيا أو كليا ) .
البتولية :
ليميزوا أنفسهم أكثر بالقداسة , تعهد كثير من الكهنة بأن يظلوا بتوليين ( ممتنعين من العلاقات الجنسية و عن الزواج ) . كان هذا أمرا غريبا على نظام الكهنوت فى العهد القديم , و لكنه كان موجودا فى العديد من الأديان الوثنية . مثال على هذا , الفلاسفة الكلبيون Cynics فى اليونان . و أيضا , دفع العهر الشديد الموجود فى العالم الوثنى العديد من المسيحيين أن يذهبوا الى أقصى الطرف الآخر , مستنتجين أن البتولية أكثر قداسة من الحياة الزوجية .
إننا نجد احترام المسيحيين للبتولية أمرا موجودا منذ القديم . فى القرن الثانى , دافع المرقيونيون و فى نهاية المطاف المونتانيون عن ضرورة تبتل جميع المسيحيين . لقد احتج اللاهوتيون بدفاع بولس عن الحياة المنفردة فى رسالة كورنثوس الأولى اصحاح 7 . بينما قال بولس أن الشخص البتول مثله يمكن أن يخدم الله دون مشتتات كثيرة , إلا أنه قال بوضوح أن هذا هو رأيه الشخصى , و ليس أمرا من الرب . لقد اعترف أن الزواج هو الوضع الطبيعى ( رسالة كورنثوس الأولى 7 – 2 ) . و ايضا , لقد قال نصيحته تلك بسبب الضيق الذى كان فى عصره و لأن " الوقت قريب " ( كورنثوس الأولى 7 – 26 و 29 ) . إن نصيحته هذه يمكن أن يكون لها علاقة بأوقات الإضطهاد الشديد , و المنطق الذى يقف وراءها واضح فى حالة بولس , اذا أخذنا فى اعتبارنا أن خدمته كانت مليئة بالترحال و الحرمان و الصعوبات .
فى بادىء الأمر , كان ينظر للبتولية بعين الإحترام , و لكن بعد ذلك صارت هى الشىء المفضل بناء على أن الإنسان البتول أكثر قداسة . و فى النهاية , صارت أمرا إجباريا . فى الغرب , كان على كل الكهنة أن يلتزموا بنذر البتولية . لقد صدّق أمبروسيوس و أغسطينوس و جيروم على هذه القاعدة . فى الشرق , كان بوسع الكهنة أن يتزوجوا , بخلاف الأساقفة لم يمكنهم ذلك . فى مجمع نيقيه 325 م , اقترح بعض الأساقفة قانونا يمنع القساوسة من الزواج , و كان القرار حينها هو أن الرجال الذين كانوا متزوجين بالفعل قبل رسمهم فى منصبهم يمكنهم أن يعيشوا مع زوجاتهم , و لكن من كان مرسوما بالفعل فهذا لا يمكنه أن يتزوج .
كثير من الكهنة و الراهبات تمادوا فى الأمر كثيرا من أجل إثبات قوتهم فى الحفاظ على البتولية . لقد كانوا ينامون سويا , و على ما هو مفترض يحافظون على طهارتهم ليظهروا كيف أنه يمكنهم أن يتحملوا أقسى الإغراءات . للأسف , كثير منهم استسلم للإغراء , لأنها ليست مشيئة الله أن يخضع المسيحيون أنفسهم بإرادتهم الى الإغراء ليكون اختبارا للإيمان . لقد صار هذا الأمر مدعاة للتفاخر من الناحية الروحية , و لكن حدثت إخفاقات كثيرة بحيث أنه قد منع فى نهاية المطاف .
سعيا وراء قداسة أكثر , اتجه بعض المسيحيين الى الصحراء على هيئة رهبان أو ناسكين . أخرون عاشوا سويا فى إطار مجتمعات رهبانية بتولية , مثل الرهبان و الراهبات . لا يوجد فى العهد القديم أو العهد الجديد سابقة لمثل هذا التصرف , و لكن هذا الأمر – مجددا – كان سمة مميزه للأديان الوثنية . على سبيل المثال , كان لدى الرومان " عذراوات فيستا " Vestal Virgins , و منذ العصور القديمة و حتى الحاضر كان لدى الأديان القديمة مثل الهندوسية و البوذية كهنة و أديرة و نسّاكا .
النساك :
ظهر أول نساك مسيحيين فى أواخر القرن الثالث فى مصر , حيث كان على ما يبدو مناخ و مزاج الناس هناك ملائما لهذا النمط من الحياة . كان قائد هذه الحركة هو " أنطونيوس " حوالى عام 270 م . و صارت النسكية _ أن يذهب الإنسان ليعيش وحيدا فى كهف فى الصحراء , فتحة فى الأرض أو قلاية _ أمرا شائعا خصوصا فى الشرق . فى بعض الحالات , كان الناسك ينصب لنفسه عمودا و يعيش فوقه لسنوات .
الرهبان و الراهبات :
ظهرت الرهبنة و انتشرت فى القرن الرابع و الخامس , خصيصا فى الغرب . كان جماعة من الناس يؤسسون مجتمعا رهبانيا يعيشون فيه بتوليين , يزرعون محاصيلهم الخاصة و يحققون لأنفسهم اكتفاء ذاتيا , يمارسون صلوات جماعية و يخضعون أنفسهم لأنظمة صارمة . و قد أسس باسيليوس ديرا فى عام 358 م و الذى صار أنموذجا لما حدث فى المستقبل .
كان جيروم من أشد المدافعين المتحمسين للرهبانية . لقد عاش حياة زاهدة و شجب الزواج بشكل عملى . لسوء الحظ , فإن كتاباته مليئة بالكلمات البغيضة القاسية ضد خصومه اللاهوتيين .
حوالى عام 540 م , أسس " بينيدكت " Benedict ديرا فى " مونت كازينو " Monte Cassino و أسس النظام " البينيديكتى " Benedictine order للرهبان . صار نظامه الخاص بالحياة الرهبانية هو المعيار فى الغرب . لقد وضع نذرا يتكون من ثلاثة أشياء : التمسك الدائم بالنظام الرهبانى , الفقر و العفة , و الطاعة المطلقة لرئيس الدير . من ضمن أشياء أخرى , فرض هذا النظام وجود سبع ساعات يوميا مخصصة للصلاة و الغناء و التأمل , و ساعتين أو ثلاثة للقراءات الدينية , و ست أو سبع ساعات للعمل اليدوى أو تعليم الأطفال .
الزهد :
نسب الناسكون و الرهبان و الراهبات بل و حتى بعض العلمانيين قيمة عظيمة لحياة الزهد _ نكران الذات بصرامة , و النظام الشديد أو إيقاع العقوبة على الجسد . كما هو الحال مع البتولية , لقد اعتقدوا أن مثل هذه النظم الصارمة ستجعلهم أكثر قداسة و ستضمن لهم غفران الخطايا و استحقاقات عند الله . إن العهد الجديد يتحدث عن إنكار الذات , و الرغبات الدنيوية , و يدافع عن أنظمة مثل الصلاة و الصوم , و لكن ليس الهدف من ذلك هو معاقبة الجسد أو نيل الإستحقاقات . إن العهد الجديد يعلم بأننا نخلص عن طريق الإيمان و ليس بالأعمال , و إنه يحذرنا من حياة الزهد ( انظر رومية 3 – 26 و 27 , كولوسى 2 – 16 الى 23 ) . إن رسالة تيموثاوس الأولى 4 – 1 الى 3 تدين بقوة أولئك الذين يصرون على حياة البتولية و الزهد .
لقد بالغ الزهاد المسيحيون فى معاقبة الجسد الى المنتهى , فلم يكونوا فقط يصلون صلوات متكررة لعدة ساعات و يصومون لمدد طويلة , بل كانوا أيضا يجلدون أنفسهم ( جلد ذاتى self-flagellation ) , و يجرحون أنفسهم ( تشويه للذات ) , و يرتدون قمصان الشعر المتعبة , الى آخره . البعض مثل أوريجين وصل به الحال أنه خصى نفسه ليضمن حياة البتولية .
كانت الأوضاع المعيشية فى الأديرة عادة بدائية جدا و قاسية . كانت الحياة الرهبانية تتكون من البتولية , و العمل الشاق , و الأصوام الكثيرة , و الصلوات العديدة خلال اليوم , و الحرمان من النوم , و الملابس الخشنة , و وجبات الطعام البسيطة . كان الرهبان يستيقظون باكرا جدا من أجل الصلاة , و بعض الأديرة كان يتم إيقاظهم فى منتصف الليل ليصلوا . كان لدى البعض أنظمة صارمة للصمت , فيمتنعون عن الكلام معظم اليوم .
كان الناسكون يعيشون عادة عن طريق التسول . كانت الأنظمة التالية شائعة بينهم : يعرضون أنفسهم للعوامل الجوية , و يلبسون قدرا ضئيلا من الملابس , و يأكلون فقط الخبز و يشربون الماء , و يعيشون مع الهوام ( يحضرون الفئران أو الحشرات الى كهوفهم , و يكشفون أجسادهم لها ) , و يمتنعون عن الكلام لسنوات , و يرفضون النظر الى وجه امرأة , و يمتنعون عن الإضطجاع للنوم لسنوات , و يقيدون أنفسهم الى صخور لا يمكن تحريكها , و يحملون أحمالا ثقيلة , و يقيدون أنفسهم بسلاسل كبيرة , و لا يستحمون مطلقا .
إن أشهر من يعرفون باسم " قديسى الأعمدة " هو سمعان العامودى Simeon Stylites , الذى عاش فوق عمود لمدة ستة و ثلاثين عاما دون أن ينزل عنه , و كان ارتفاع العمود ستين قدما و قطره أزيد قليلا من ثلاثة أقدام . كان هناك سور يمنع سقوطه أثناء نومه , و سلم يمكن أتباعه من أن يحضروا له الطعام و ياخذوا منه الفضلات . لقد كرز للجموع الذين كانوا يتجمعون لرؤيته , و قد قلده الناسكون لعديد من القرون .
على الرغم من هذه المجهودات , شهد العديد من الناسكين أنهم ظلوا على الدوام يتصارعون مع الأفكار الجنسية و الهجمات الشيطانية . و هناك عدد ليس بالقليل أصابهم الجنون الكامل .
حياة القداسة :
كان نتيجة هذه الممارسات أنها شوهت المعنى الحقيقى للقداسة الوارد فى الكتاب المقدس , و قوّضت عقيدة التبرير بالإيمان , و جعلت أعمال الإنسان تحل محل عمل الروح القدس . أيضا , هذه الطريقة من التفكير جعلت القداسة حكرا على النخبة , و جعلت أمل الإنسان العادى فيها ضعيفا , و بالتالى قل اهتمامه أن يعيش حياة مقدسة .
قليل من الكتاب مثل يوحنا ذهبى الفم و جيروم حذروا من الإتجاهات و السلوكات الدنيوية , من الملابس غير المحتشمة و المكياج و ما أشبه ذلك . عموما , و على الرغم من ذلك , فإن الكنيسة فى عصر المجامع الكاثوليكية قد ابتعدت عن معايير القداسة الكتابية الداخلية و الخارجية , فجعلت التقيد الحرفى و الخرافة بالنسبة للجماهير , و جعلت الزهد للنخبة الروحية .
الخلاصة :
تبنت الكنيسة فى عصر المجامع الجامعة حشدا من العناصر الوثنية الأخرى , بالإضافة الى تلك التى ذكرناها سابقا , بما فى ذلك الشموع و المياه المقدسة و الصلاة للموتى . إن الممارسات التى ذكرناها لها نظائر سابقة فى الأديان السابقة على المسيحية و أيضا فى الهندوسية و البوذية و الأديان الكبرى الأخرى فى الشرق . يبدو أن هذه العناصر قد نبعت من مصدر قديم مشترك , و الذى يقول بعض الكتاب أنه بابل . عندما حدث تدفق هائل من الوثنيين الى داخل الكنيسة , حملوا معهم الأفكار الوثنية . إن كثيرا من هذه العقائد و الممارسات هى التى تجعل الكاثوليكية الرومانية و الأرثوذكسية الشرقية مختلفة عن المسيحية القديمة .
بعض اللاهوتيين فسروا بعض النظائر المتشابهة , مثل تماثيل الأم و ابنها فى أراضى الوثنيين , و قالوا أن هذا إعداد إلهى لإثبات أن المسيحية حق . آخرون فسروه على أنه تزييفات و تقليدات شيطانية , مثل أكل الإله فى الطقوس الوثنية . بينما أن الشيطان بكل تأكيد يحدث انحرافا فى الحقيقة و يخترع أمورا مشابهة للأصل , إلا أن المواضع التى ذكرناها يبدو فيها بوضوح أن هذه الممارسات قد نبعت أصلا عند الوثنية , و ليس فى عقل الله , و أنه جرى لاحقا إدماجها فى المسيحية .
أحيانا , نجد أن الحقيقة التى أعطاها الله للبشرية جرى تشويهها فى الأديان الوثنية , و لكنها تنتقل بشكل صحيح فى يهودية العهد القديم و فى مسيحية العهد الجديد . على سبيل المثال تقديم الذبائح من أجل تكفير الخطايا , و توقع مجىء مخلص أو مسيا . لا بد أيضا أن نعترف أن بعض الممارسات التى نشأت فى الوثنية قد فرغت من مضمونها الأصلى أو حولها الفكر المسيحى , بحيث أن ممارستها تكون أمرا ليس محل اعتراض , أو على الأقل نوعا من الحرية المسيحية . على سبيل المثال , الإحتفال بعيد الميلاد , و أسماء الكواكب , و أسماء أيام الأسبوع .
___________________________
المصدر :
A History of Christian Doctrine,
Volume One
The Post-Apostolic Age to the Middle Ages,
A.D.100-1500
by David K. Bernard
صفحة 215 الى 232
تعليق