إياكم ورطانة الأعاجم
( من أوامر عمر بن الخطاب رضى الله عنه لجنده )
بسم الله الرحمن الرحيم
الهوية والقيم .. موت اللغة العربية نموذجاً 1
مقدمة :
كما يُقال : اللغة وعاء الثقافات ، فاللغة تشكّل تركيباً سطحياً دالاًّ على معانٍ عميقة ، فأيُّ لغة قوم هي عبارة عن مفردات تعكس كمية من المعاني العميقة ، فعندما تُستبدل بترجمة وعبارات من لغة أخرى فإنها لا تعكس نفس المعاني العميقة حتى ولو كان المقابل اللفظي واحد والترجمة صحيحة .
ففي هذا المقابل اللفظي دلالات شعورية وأخيلة وظلال معنوية متنوعة وبالطبع هي تابعة لمصدر اللغة ، فهذه الألفاظ الأجنبية تعكس ظلالاً أخرى غير ثقافتنا المحلية ، ومسلماتنا الأصلية ، وغير الدوافع والقيم الشعورية المحرّكة للناس ، فمثلاً : لفظ أجنبي معيّن قد يعني : التحرّك نحو الحرية والانطلاق واللامبالاة ، فهي بهذا الحجم غير الحجم الموجود لدينا في ذات الدلالة اللفظية بالترجمة الحرفية في اللغة العربية ، فنحن نؤمن بالحرية في أطر غير أطرهم .
نحن نحتاج إلى حملة قيمية تتبني فكرة الاعتزاز بالهوية واللغة العربية كجزء من ذلك ، هنا تجربتين في التاريخ القريب تؤكد هذا المعنى ، وهما :
النموذج الفرنسي ، والنموذج اليهودي .
النموذج الفرنسي :
ففي فرنسا وفي عهد الرئيس \"ميتران\" كان لدى الفرنسيون شعور بأن اللغة الفرنسية قد أصبحت مهددة وتعاني من التراجع على الصعيد العالمي ، مع انحسار الاستعمار المباشر وبسبب ذلك فإن دولة فرنسا قد بدأت تصبح في مصاف الدول ذات المرتبة الثانية في العالم ، بعد أن كانت فرنسا على مرّ التاريخ من دول الصف الأول دائماً وبدأت تجاهد الحركة الفرانكفونية على بقاء نفوذ الثقافة الفرنسية في العالم بعد انحلال إمبراطوريتها ، فقامت عدة مراكز إستراتيجية بدراسة سبب هذه المشكلة ووصلت إلى أن أحد أسبابها هو ضعف اللغة الفرنسية ، وقلة انتشارها في العالم بعد هيمنة اللغة الانجليزية ، فقاموا بإنشاء مشاريع طويلة الأجل لتقوية اللغة الفرنسية ونشرها في العالم أجمع وبعد سنوات طويلة ، كانت تلك النتيجة المثمرة ، والتي لربما ترون ما الذي وصل إليه الكيان الفرنسي الآن ، وكيف اعتزاز الفرنسيون بلغتهم ، بل حتى إن النظام الفرنسي يمنع الكتابة على لوحات الشوارع والمحلات التجارية بأي لغة أخرى غير الفرنسية .
النموذج اليهودي :
النموذج الثاني : فكرته في الأساس كانت للمساعدة على قيام دولة إسرائيل ، وهنا أستعيد عبارة مفكّر يهودي قالها في نهاية القرن الـ19 على مشارف إعلان الدولة اليهودية ، قال ( إليعازر بن يهودا) : \" لا حياة لأمة دون لغة\" وبدأ تنفيذ مشروع استمر50 عاما تحولت العبرية خلاله من لغة دينية ميتة إلى لغة تدرس من الروضة حتى الدكتوراه في علوم الفضاء والطب وغيرهما ، فنجحت اللغة وتجسدت الأمة .
استخدام اللغة الأجنبية في العلامات التجارية :
يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي في كتاب وحي القلم المجلد الثاني : \" ما ذلّت لغة شعب إلا ذل ، ولا انحطّت إلا كان أمرها في ذهاب وإدبار ، ومن هنا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضاً على الأمة التي يستعمرها ، ويركبهم بها ، ويشعرهم عظمته فيها \"
فالأمم في سلّم الحضارات منها من هي في الأعلى ، وأخرى هي دون ، فالتي بالأسفل تتلقى منتجات الأمم المتحضرة بشيء من التسليم والقبول ، بدون قياس أو اختبار وإنما تلقي المنبهر المعجب والراضي بها تماماً ، وبناء على ذلك يعتمد بعض التجّار إلى استثمار هذه الظاهرة بوضع مسميات تجارية بلغة الحضارة المتفوقة ، فإنهم يُسوقون أنفسهم تحت عنوان هذه الحضارة المتقدمة .
قد نتفهم نوعا ما انتشار تلك الشركات في عدد من دول العالم فتتخذ هذه الاختصارات الغربية ، ولكن أيضاً نحن العرب والمسلمون لنا اعتزازنا بلغتنا ، فكم نتمنى من هذه الشركات تقديم شيء من الاحترام للشعوب العربية بأن تكون أسماءها عربية ، وفي المقابل هل تستطيع تلك الشركات أن تضع مسمياتها بلغة عربية في بلاد الغرب ؟
ومن جهة أخرى فهناك بعض الشركات ليس لها أي امتداد خارج البلاد العربية أصلاً فهل من المعقول أن تضع اسما تجارياً ( انجليزياً ) .
ولعل هذا المعنى المهم لللغة العربية ، وتأثيرها على هوية الأمة هو الذي دفع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليوجه المسلمين حين انفتحت الأمة المسلمة على ثقافات الأمم الأخرى بعد الفتوحات الإسلامية حيث قال لهم: \" إياكم ورطانة الأعاجم\" وهذا المعنى أيضاً للتأثير اللُّغوي هو الذي دفع المسلمين في الزمن الأول نحو ترجمة العلوم الأجنبية التي احتاجوا إليها من لغاتها الأصلية إلى اللغة العربية، فكانت العربية هي لغة المنهج ولسان التعامل بين المسلمين .
الإعجاب بالهوية :
المسميات تعكس الهوية ، فالدافع هو إعجاب بالهوية ، فإعجاب الفرد بالفرد أو الشعوب بالشعوب هو في أصله إعجاب بالهوية ، وذلك يدفع إلى أن يجعل القائمين على هذه المؤسسات بإظهار الإعجاب بتلك المسميات على المؤسسة أو هذه الشركة ، لأنه من الصعوبة بمكان يُشبع إعجابه بما يُخالف عرف المجتمع العام فمن الصعب أن يسمي ابنه ( جون ) أو ( توم ) أو ( روبرت ) إجتماعياً لا يستطيع أن يُعبّر عن هويته الغربية بشكل مباشر فيختار وسائل غير مباشرة مثل لباسه أو شركته ...
وقد تظن بعض الشركات أن المسمى الإنجليزي لها سيكسبها ثقةً أكبر لدى المجتمع وأنها ذات رقي وهذا حقيقة دلالة عقدة نقص داخلية وعدم ثقة في ما تطرحه هذه الجهات .
التفوق الثقافي :
إحدى الدراسات أكدت أن الدول التي سُجّل فيها عدد براءات اختراع أكثر هي الدول التي تدرس العلوم بلغتها .
التعليم في كل بلدان العالم بلغتهم الرسمية الصين بالصينية ، روسيا بالروسية ، اليابان باليابانية ، المحتل الإسرائيلي يُعلّم بالعبرية وهم لا يتجاوزن خمسة ملايين نسمة ، حتى أن الطلبة الفلسطينيين في تل أبيب يدرسون في جامعات إسرائيل بالعبرية !!
من المفارقات أنه في حين تتعرض اللغة العربية وحرفها للإهانة والازدراء في أغلب أقطار العالم العربي ، فإن بعض الدول غير العربية لا تزال تتمسك بالحرف العربي في لغتها ( إيران ، باكستان ، أفغانستان ) ، ويسمونه هناك «الحرف الشريف» ، لأن لغة القرآن كُتبت به .
العربية ودقة التعبير :
فاللغة العربية هي لغة حيّة وقادرة على التكيف مع المستجدات ، فهي بحر كبير – كما يقول شوقي – ولك أن تعلم اتساعها عندما جمع الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط ، عدداً من مترادفات الأسماء العربية في كتاب طريف أسماه: \"الروض المسلوف .. فيما له اسمان إلى ألوف\" وذكر فيه : خمسمائة اسم للأسد ، ومائتي اسم للحية ، وثمانين اسماً للعسل .
والمسألة ليست مجرد جمع ترادفات مكررة معظمها مما هجره العرب في الاستخدام ، وإنما هناك فروق لغوية دقيقة لا يعرفها إلا أهل اللغة والذوق. فمثلاً : \"قعد\" غير \"جلس\" والأفضل أن تستخدم قعد بعد قيام فتقول كان قائماً فقعد ، وأن تستخدم جلس بعد اضطجاع فتقول: كان مضطجعاً فجلس ، ولولا الإطالة لذكرنا لكم الفرق بين القلب واللب والفؤاد ، وبين راح ومضى وذهب وانطلق ، وغيرها من الألفاظ الكثيرة .
واللفظ العربي – بخلاف الألفاظ في اللغات الأخرى - معجز وهو يعبر بحروفه وطريقة نطقه عن أدق التفاصيل بما فيها المشاعر الإنسانية بما يجعلك متوحداً مع الكون في تناغم فريد ، فصوت الإنسان الخفيض أو الخفي قد يكون : همساً أو جرساً أو خشفة أو همشة أو وقشة ، ولكل منها استخدامه في موضعه الخاص… ومن أجمل ما قرأت عن صوت الماء: أنه إذا جرى فهو خرير، وإذا كان تحت ورق أو قماش فهو قسيب ، وإذا دخل في مضيق فهو فقيق ، وإذا تردد في الجرة أو الكوز فهو بقبقة ، وإذا استخرج شراباً من الآنية فهو قرقرة .
ماجد بن جعفر الغامدي
إعلامي سعودي
[email protected]
( من أوامر عمر بن الخطاب رضى الله عنه لجنده )
بسم الله الرحمن الرحيم
الهوية والقيم .. موت اللغة العربية نموذجاً 1
مقدمة :
كما يُقال : اللغة وعاء الثقافات ، فاللغة تشكّل تركيباً سطحياً دالاًّ على معانٍ عميقة ، فأيُّ لغة قوم هي عبارة عن مفردات تعكس كمية من المعاني العميقة ، فعندما تُستبدل بترجمة وعبارات من لغة أخرى فإنها لا تعكس نفس المعاني العميقة حتى ولو كان المقابل اللفظي واحد والترجمة صحيحة .
ففي هذا المقابل اللفظي دلالات شعورية وأخيلة وظلال معنوية متنوعة وبالطبع هي تابعة لمصدر اللغة ، فهذه الألفاظ الأجنبية تعكس ظلالاً أخرى غير ثقافتنا المحلية ، ومسلماتنا الأصلية ، وغير الدوافع والقيم الشعورية المحرّكة للناس ، فمثلاً : لفظ أجنبي معيّن قد يعني : التحرّك نحو الحرية والانطلاق واللامبالاة ، فهي بهذا الحجم غير الحجم الموجود لدينا في ذات الدلالة اللفظية بالترجمة الحرفية في اللغة العربية ، فنحن نؤمن بالحرية في أطر غير أطرهم .
نحن نحتاج إلى حملة قيمية تتبني فكرة الاعتزاز بالهوية واللغة العربية كجزء من ذلك ، هنا تجربتين في التاريخ القريب تؤكد هذا المعنى ، وهما :
النموذج الفرنسي ، والنموذج اليهودي .
النموذج الفرنسي :
ففي فرنسا وفي عهد الرئيس \"ميتران\" كان لدى الفرنسيون شعور بأن اللغة الفرنسية قد أصبحت مهددة وتعاني من التراجع على الصعيد العالمي ، مع انحسار الاستعمار المباشر وبسبب ذلك فإن دولة فرنسا قد بدأت تصبح في مصاف الدول ذات المرتبة الثانية في العالم ، بعد أن كانت فرنسا على مرّ التاريخ من دول الصف الأول دائماً وبدأت تجاهد الحركة الفرانكفونية على بقاء نفوذ الثقافة الفرنسية في العالم بعد انحلال إمبراطوريتها ، فقامت عدة مراكز إستراتيجية بدراسة سبب هذه المشكلة ووصلت إلى أن أحد أسبابها هو ضعف اللغة الفرنسية ، وقلة انتشارها في العالم بعد هيمنة اللغة الانجليزية ، فقاموا بإنشاء مشاريع طويلة الأجل لتقوية اللغة الفرنسية ونشرها في العالم أجمع وبعد سنوات طويلة ، كانت تلك النتيجة المثمرة ، والتي لربما ترون ما الذي وصل إليه الكيان الفرنسي الآن ، وكيف اعتزاز الفرنسيون بلغتهم ، بل حتى إن النظام الفرنسي يمنع الكتابة على لوحات الشوارع والمحلات التجارية بأي لغة أخرى غير الفرنسية .
النموذج اليهودي :
النموذج الثاني : فكرته في الأساس كانت للمساعدة على قيام دولة إسرائيل ، وهنا أستعيد عبارة مفكّر يهودي قالها في نهاية القرن الـ19 على مشارف إعلان الدولة اليهودية ، قال ( إليعازر بن يهودا) : \" لا حياة لأمة دون لغة\" وبدأ تنفيذ مشروع استمر50 عاما تحولت العبرية خلاله من لغة دينية ميتة إلى لغة تدرس من الروضة حتى الدكتوراه في علوم الفضاء والطب وغيرهما ، فنجحت اللغة وتجسدت الأمة .
استخدام اللغة الأجنبية في العلامات التجارية :
يقول الأديب مصطفى صادق الرافعي في كتاب وحي القلم المجلد الثاني : \" ما ذلّت لغة شعب إلا ذل ، ولا انحطّت إلا كان أمرها في ذهاب وإدبار ، ومن هنا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضاً على الأمة التي يستعمرها ، ويركبهم بها ، ويشعرهم عظمته فيها \"
فالأمم في سلّم الحضارات منها من هي في الأعلى ، وأخرى هي دون ، فالتي بالأسفل تتلقى منتجات الأمم المتحضرة بشيء من التسليم والقبول ، بدون قياس أو اختبار وإنما تلقي المنبهر المعجب والراضي بها تماماً ، وبناء على ذلك يعتمد بعض التجّار إلى استثمار هذه الظاهرة بوضع مسميات تجارية بلغة الحضارة المتفوقة ، فإنهم يُسوقون أنفسهم تحت عنوان هذه الحضارة المتقدمة .
قد نتفهم نوعا ما انتشار تلك الشركات في عدد من دول العالم فتتخذ هذه الاختصارات الغربية ، ولكن أيضاً نحن العرب والمسلمون لنا اعتزازنا بلغتنا ، فكم نتمنى من هذه الشركات تقديم شيء من الاحترام للشعوب العربية بأن تكون أسماءها عربية ، وفي المقابل هل تستطيع تلك الشركات أن تضع مسمياتها بلغة عربية في بلاد الغرب ؟
ومن جهة أخرى فهناك بعض الشركات ليس لها أي امتداد خارج البلاد العربية أصلاً فهل من المعقول أن تضع اسما تجارياً ( انجليزياً ) .
ولعل هذا المعنى المهم لللغة العربية ، وتأثيرها على هوية الأمة هو الذي دفع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليوجه المسلمين حين انفتحت الأمة المسلمة على ثقافات الأمم الأخرى بعد الفتوحات الإسلامية حيث قال لهم: \" إياكم ورطانة الأعاجم\" وهذا المعنى أيضاً للتأثير اللُّغوي هو الذي دفع المسلمين في الزمن الأول نحو ترجمة العلوم الأجنبية التي احتاجوا إليها من لغاتها الأصلية إلى اللغة العربية، فكانت العربية هي لغة المنهج ولسان التعامل بين المسلمين .
الإعجاب بالهوية :
المسميات تعكس الهوية ، فالدافع هو إعجاب بالهوية ، فإعجاب الفرد بالفرد أو الشعوب بالشعوب هو في أصله إعجاب بالهوية ، وذلك يدفع إلى أن يجعل القائمين على هذه المؤسسات بإظهار الإعجاب بتلك المسميات على المؤسسة أو هذه الشركة ، لأنه من الصعوبة بمكان يُشبع إعجابه بما يُخالف عرف المجتمع العام فمن الصعب أن يسمي ابنه ( جون ) أو ( توم ) أو ( روبرت ) إجتماعياً لا يستطيع أن يُعبّر عن هويته الغربية بشكل مباشر فيختار وسائل غير مباشرة مثل لباسه أو شركته ...
وقد تظن بعض الشركات أن المسمى الإنجليزي لها سيكسبها ثقةً أكبر لدى المجتمع وأنها ذات رقي وهذا حقيقة دلالة عقدة نقص داخلية وعدم ثقة في ما تطرحه هذه الجهات .
التفوق الثقافي :
إحدى الدراسات أكدت أن الدول التي سُجّل فيها عدد براءات اختراع أكثر هي الدول التي تدرس العلوم بلغتها .
التعليم في كل بلدان العالم بلغتهم الرسمية الصين بالصينية ، روسيا بالروسية ، اليابان باليابانية ، المحتل الإسرائيلي يُعلّم بالعبرية وهم لا يتجاوزن خمسة ملايين نسمة ، حتى أن الطلبة الفلسطينيين في تل أبيب يدرسون في جامعات إسرائيل بالعبرية !!
من المفارقات أنه في حين تتعرض اللغة العربية وحرفها للإهانة والازدراء في أغلب أقطار العالم العربي ، فإن بعض الدول غير العربية لا تزال تتمسك بالحرف العربي في لغتها ( إيران ، باكستان ، أفغانستان ) ، ويسمونه هناك «الحرف الشريف» ، لأن لغة القرآن كُتبت به .
العربية ودقة التعبير :
فاللغة العربية هي لغة حيّة وقادرة على التكيف مع المستجدات ، فهي بحر كبير – كما يقول شوقي – ولك أن تعلم اتساعها عندما جمع الفيروز آبادي صاحب القاموس المحيط ، عدداً من مترادفات الأسماء العربية في كتاب طريف أسماه: \"الروض المسلوف .. فيما له اسمان إلى ألوف\" وذكر فيه : خمسمائة اسم للأسد ، ومائتي اسم للحية ، وثمانين اسماً للعسل .
والمسألة ليست مجرد جمع ترادفات مكررة معظمها مما هجره العرب في الاستخدام ، وإنما هناك فروق لغوية دقيقة لا يعرفها إلا أهل اللغة والذوق. فمثلاً : \"قعد\" غير \"جلس\" والأفضل أن تستخدم قعد بعد قيام فتقول كان قائماً فقعد ، وأن تستخدم جلس بعد اضطجاع فتقول: كان مضطجعاً فجلس ، ولولا الإطالة لذكرنا لكم الفرق بين القلب واللب والفؤاد ، وبين راح ومضى وذهب وانطلق ، وغيرها من الألفاظ الكثيرة .
واللفظ العربي – بخلاف الألفاظ في اللغات الأخرى - معجز وهو يعبر بحروفه وطريقة نطقه عن أدق التفاصيل بما فيها المشاعر الإنسانية بما يجعلك متوحداً مع الكون في تناغم فريد ، فصوت الإنسان الخفيض أو الخفي قد يكون : همساً أو جرساً أو خشفة أو همشة أو وقشة ، ولكل منها استخدامه في موضعه الخاص… ومن أجمل ما قرأت عن صوت الماء: أنه إذا جرى فهو خرير، وإذا كان تحت ورق أو قماش فهو قسيب ، وإذا دخل في مضيق فهو فقيق ، وإذا تردد في الجرة أو الكوز فهو بقبقة ، وإذا استخرج شراباً من الآنية فهو قرقرة .
ماجد بن جعفر الغامدي
إعلامي سعودي
[email protected]
تعليق