إلى أخي الكريم "متأمل" وفقه الله ..
بخصوص مثالك ، فالغافل عن علم الرياضيات لا يصح أن يوصف بأنه طالب علم فيه .. وطالب علم الرياضيات لا يصح أن يوصف بالغفلة عن علم الرياضيات.
وبخصوص الإقرار بوجود الله، فليس هذا - بمجرده - هو الإيمان الذي بُعثت الرسل تأمر الناس به، ولا هو - بمجرده - المنجي من نار الآخرة .. وهذا الإقرار كان عامة العرب عليه، لم يكن نبينا - عليه الصلاة والسلام - مختصـًا به.
وأما عن إقامة الحجة على المشركين بسيرة النبي - أي نبي - في قومه قبل المبعث ، فلا يشترط لهذا إيمان النبي - أي نبي - قبل مبعثه ، بل يكفي سيرته المحمودة بينهم واتصافه بالصدق والأمانة .. قال ابن تيمية في (تفسير آيات أشكلت) عند قوله تعالى {أو لتعودن في ملتنا} .. قال رحمه الله:
(( ومن نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه منهم نقص ولا بغض ولا غضاضة إذا كان على مثل دينهم إذا كان عندهم معروفًـــًا بالصدق والأمانة وفعل ما يعرفون وجوبه واجتناب ما يعرفون قبحه )) ..
قال : (( وفرق بين من يرتكب ما عُلم قبحه وبين من يفعل ما لم يعرف ، فإن الثاني لا يذمونه ولا يعيبونه عليه، ولا يكون ما فعله مما هم عليه منفرًا عنه بخلاف الأول ))
قال : (( وأما ما ذكره سبحانه في قصة شعيب والأنبياء، فليس في هذا ما ينفر أحدًا عن القبول منهم ))
قال : (( ولهذا لم يذكر أحد من المشركين هذا قادحــًا في نبوتهم، ولو كان يرونه عيبًا لعابوه، ولقالوا : أنتم كنتم معنا على الحالة المذمومة، ولو ذكروا للرسل هذا، قالوا: كنا كغيرنا لم نعرف ما أوحي به إلينا )).
وقال رحمه الله بعد أن ذكر طرفـًا من سيرة نبينا - عليه الصلاة والسلام - المحمودة قبل المبعث :
(( لكن هذا الذي جرى له لا يجب أن يكون مثله لكل نبي، فإنه أفضل الأنبياء وسيد ولد آدم ))
قال: (( فلا يلزم إذا كان نبي قبل النبة معصومًا من كبائر الإثم والفواحش صغيرها وكبيرها أن يكون كل نبي كذلك، ولا يلزم إذا كان الله قد بغَّض إليه شرك قومه قبل النبوة أن يكون كل نبي كذلك )).
على أية حال، لعلك تقصد أخي الكريم أن نبينا عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه كان يؤمن الإيمان المجمل، فهذا قول ظاهر لأكثر العلماء، لكني أردت إبعاد جملة (العلم بأركان الإيمان) لما فيها من العلم التفصيلي ، وهذا - كما لا يخفى عليك - كان بعد النبوة لا قبلها.
وأما عن مسألتنا نفسها ، فلعل جماع القول فيها ما قاله ابن تيمية رحمه الله :
سُئل رحمه الله : (( ما قول أئمة الدين في تعبد النبي صلى الله عليه وسلم ما هو ؟ وكيف كان قبل مبعثه ؟ أفتونا مأجورين. )).
فأجاب :
(( الحمد لله ، هذه المسألة مما لا يحتاج إليها في شريعتنا، فإنما علينا أن نطيع الرسول فيما أمرنا به ونقتدي به بعد إرساله إلينا، وأما ما كان قبل ذلك مثل تحنثه بغار حراء وأمثال ذلك، فهذا ليس سنة مسنونة للأمة، فلهذا لم يكن أحد من الصحابة بعد الإسلام يذهب إلى غار حراء ولا يتحرى مثل ذلك ... وقد كان صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يحج ويتصدق ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ولم يكن على دين قومه المشركين ؛ صلى الله عليه وعلى أصحابه وسلم تسليما كثيرا )).
(الفتاوى 27 / 500)
فائدة جميلة قالها ابن تيمية في (تفسير آيات أشكلت) عند الموضع الذي ذكرته آنفـًا :
(( والرسول الذي ينشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم، ثم يبعثه الله فيهم يكون أكمل وأعظم ممن كان من قوم يعرفون النبوة، فإنه يكون تأييد الله له أعظم من جهة تأييده بالعلم والهدى، ومن جهة تأييده بالنصر والقهر، كما كان نوح وإبراهيم، ولهذا يضيف الله الأمر إليهما في مثل قوله: { ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} وقوله : { إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } ..
وذلك أن نوحًا أول رسول بعث إلى المشركين، وكان مبدأ شرك قومه من تعظيم الموتى الصالحين ..
وقوم إبراهيم كان مبدأ شركهم من عبادة الكواكب ..
ذاك الشرك الأرضي .. وهذا الشرك السماوي ..
ولهذا سد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة هذاوهذا ..
فنهى عن اتخاذ القبور مساجد، وعن الصلاة إلى القبور، وأمر عليًا أن لا يدع قبرًا مشرفـًا إلا سواه، ولا تمثالاً إلا طمسه .. وكل هذه الأحاديث في الصحيحين ..
ونهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها .. لأجل الشرك السماوي ))
بخصوص مثالك ، فالغافل عن علم الرياضيات لا يصح أن يوصف بأنه طالب علم فيه .. وطالب علم الرياضيات لا يصح أن يوصف بالغفلة عن علم الرياضيات.
وبخصوص الإقرار بوجود الله، فليس هذا - بمجرده - هو الإيمان الذي بُعثت الرسل تأمر الناس به، ولا هو - بمجرده - المنجي من نار الآخرة .. وهذا الإقرار كان عامة العرب عليه، لم يكن نبينا - عليه الصلاة والسلام - مختصـًا به.
وأما عن إقامة الحجة على المشركين بسيرة النبي - أي نبي - في قومه قبل المبعث ، فلا يشترط لهذا إيمان النبي - أي نبي - قبل مبعثه ، بل يكفي سيرته المحمودة بينهم واتصافه بالصدق والأمانة .. قال ابن تيمية في (تفسير آيات أشكلت) عند قوله تعالى {أو لتعودن في ملتنا} .. قال رحمه الله:
(( ومن نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه منهم نقص ولا بغض ولا غضاضة إذا كان على مثل دينهم إذا كان عندهم معروفًـــًا بالصدق والأمانة وفعل ما يعرفون وجوبه واجتناب ما يعرفون قبحه )) ..
قال : (( وفرق بين من يرتكب ما عُلم قبحه وبين من يفعل ما لم يعرف ، فإن الثاني لا يذمونه ولا يعيبونه عليه، ولا يكون ما فعله مما هم عليه منفرًا عنه بخلاف الأول ))
قال : (( وأما ما ذكره سبحانه في قصة شعيب والأنبياء، فليس في هذا ما ينفر أحدًا عن القبول منهم ))
قال : (( ولهذا لم يذكر أحد من المشركين هذا قادحــًا في نبوتهم، ولو كان يرونه عيبًا لعابوه، ولقالوا : أنتم كنتم معنا على الحالة المذمومة، ولو ذكروا للرسل هذا، قالوا: كنا كغيرنا لم نعرف ما أوحي به إلينا )).
وقال رحمه الله بعد أن ذكر طرفـًا من سيرة نبينا - عليه الصلاة والسلام - المحمودة قبل المبعث :
(( لكن هذا الذي جرى له لا يجب أن يكون مثله لكل نبي، فإنه أفضل الأنبياء وسيد ولد آدم ))
قال: (( فلا يلزم إذا كان نبي قبل النبة معصومًا من كبائر الإثم والفواحش صغيرها وكبيرها أن يكون كل نبي كذلك، ولا يلزم إذا كان الله قد بغَّض إليه شرك قومه قبل النبوة أن يكون كل نبي كذلك )).
على أية حال، لعلك تقصد أخي الكريم أن نبينا عليه الصلاة والسلام قبل مبعثه كان يؤمن الإيمان المجمل، فهذا قول ظاهر لأكثر العلماء، لكني أردت إبعاد جملة (العلم بأركان الإيمان) لما فيها من العلم التفصيلي ، وهذا - كما لا يخفى عليك - كان بعد النبوة لا قبلها.
وأما عن مسألتنا نفسها ، فلعل جماع القول فيها ما قاله ابن تيمية رحمه الله :
سُئل رحمه الله : (( ما قول أئمة الدين في تعبد النبي صلى الله عليه وسلم ما هو ؟ وكيف كان قبل مبعثه ؟ أفتونا مأجورين. )).
فأجاب :
(( الحمد لله ، هذه المسألة مما لا يحتاج إليها في شريعتنا، فإنما علينا أن نطيع الرسول فيما أمرنا به ونقتدي به بعد إرساله إلينا، وأما ما كان قبل ذلك مثل تحنثه بغار حراء وأمثال ذلك، فهذا ليس سنة مسنونة للأمة، فلهذا لم يكن أحد من الصحابة بعد الإسلام يذهب إلى غار حراء ولا يتحرى مثل ذلك ... وقد كان صلى الله عليه وسلم قبل البعثة يحج ويتصدق ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق ولم يكن على دين قومه المشركين ؛ صلى الله عليه وعلى أصحابه وسلم تسليما كثيرا )).
(الفتاوى 27 / 500)
فائدة جميلة قالها ابن تيمية في (تفسير آيات أشكلت) عند الموضع الذي ذكرته آنفـًا :
(( والرسول الذي ينشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم، ثم يبعثه الله فيهم يكون أكمل وأعظم ممن كان من قوم يعرفون النبوة، فإنه يكون تأييد الله له أعظم من جهة تأييده بالعلم والهدى، ومن جهة تأييده بالنصر والقهر، كما كان نوح وإبراهيم، ولهذا يضيف الله الأمر إليهما في مثل قوله: { ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} وقوله : { إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين } ..
وذلك أن نوحًا أول رسول بعث إلى المشركين، وكان مبدأ شرك قومه من تعظيم الموتى الصالحين ..
وقوم إبراهيم كان مبدأ شركهم من عبادة الكواكب ..
ذاك الشرك الأرضي .. وهذا الشرك السماوي ..
ولهذا سد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذريعة هذاوهذا ..
فنهى عن اتخاذ القبور مساجد، وعن الصلاة إلى القبور، وأمر عليًا أن لا يدع قبرًا مشرفـًا إلا سواه، ولا تمثالاً إلا طمسه .. وكل هذه الأحاديث في الصحيحين ..
ونهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها .. لأجل الشرك السماوي ))
تعليق