الأقلية الليبرالية
والصراع الداخلي المفتعل!
والصراع الداخلي المفتعل!
لا يزال المجتمع السعودي على وجه التحديد، هو المجتمع الذي يستعصي على العلمانية والليبرالية، ولا زال الصخرة التي تتحطم عنها آمالهم وتطلعاتهم.
المجتمع السعودي يثبت في كل لحظة -أعني في كل لحظة يكون فيها الخيار حراً- أن الناس تختار ربها ودينها وإسلامها، وأن كلمات الليبراليين لن تتجاوز قدرها المحصور في جريدة زرقاء أو خضراء.
لكن الملاحظ أن الأقلية العلمانية –ولا يوجد ليبرالية سعودية إلا جدلاً- استطاعت أن تفرض لها وجوداً عريضاً على الورق الصحفي، وتكتب وتجادل وتصارع، حتى يخيل لك أنهم نصف البلد أو أكثر. وهذا أمر لا يستغرب إذ الإعلام بيدهم وهم الذين يتصرفون فيه كما يشاءون، فيمنعون ويفسحون ما يشاءون.
هذا لا يهم.. بقدر انجرار بعض الأحبة الفضلاء في تضخيم هؤلاء وإعطائهم أكبر من حجمهم في أرض الواقع، وهم –أي الليبراليين- يريدون أن يوهموا المجتمع بأن حجم صراعهم الورقي هو نفس حجم وجودهم المجتمعي، وأظن أنهم لحد بسيط نجحوا حينما انجر بعض الفضلاء في جعل الليبرالية هي قضيته في برامجه وحواراته ومقالاته.
هذا ما يريده هؤلاء فعلاً، ولدي سؤال بسيط للأخوة الفضلاء: ما هو حجم العلمانية عندنا؟ وهل تتوقع أن تجد لهم همساً لو مُنعوا من الصحافة الوطنية؟
الكل سيؤكد أنهم أقلية قليلة تُعد على أصابع اليد، وإنما كبروا لأن الجرائد المحلية تُركت بأيديهم، وهكذا خُيَّلَ للناس أن لهم وجود يوازي وجود كيان كبير داخل المجتمع!
أتمنى من الأخوة الفضلاء أن يصرفوا وقتهم وجهدهم هذا –وبحكم مكانتهم- إلى ما هو أنفع، والذي يتمثل في المطالبة بإعطاء المجتمع الحقيقي دوره في الكتابة في جرائده الوطنية. وإذا كان هؤلاء المشايخ الفضلاء الذين نعرفهم محبين لوطنهم ولولاة أمورهم ولهم مكانة طيبة في المجتمع وعند ولاة الأمر، وفي نفس الوقت يقولون: "إن هؤلاء الليبراليين يكتبون في صحفنا المحلية ما يناقض الثوابت وأصول الدين أو يقولونه في نواديهم".
أليس الأولى -يا مشايخي الكرام- بدل أن نشارك في صراع الأقلية الضئيلة ونضخمهم، أن يُمنع هؤلاء الأقلية من الكتابة في صحف السعودية بلاد الحرمين، وأن يُبذل الجهد عند ولي الأمر لبيان حقيقة هؤلاء وخطرهم بالدلائل والبراهين والوثائق، فإن الله ينزع بالسلطان مالا ينزع بالقرآن.
وإن اعتبر أن هذا ديكتاتورية ومصادرة لحرية الرأي، فلماذا لا تعلن انتخابات حرة ونزيه يُختار بموجبها رؤساء التحرير وكتاب المقالات؟ أليس هذا من العدل، بل ومما يتماشى مع لعبة الليبرالية؟
القضية أبسط مما يتصور البعض إذا أريد حلاً حقيقياً يحل ذلك الصراع المفتعل، والذي –والله- سيؤدي لهزيمة الوطن، والتشكيك في كل شيء إذا تُرك هؤلاء يعبثون بأفكار الناس وفي صحفنا المحلية.
فأمريكا وهي أمريكا – بلد الحرية وقبلة الليبرالية- حاربت كل أستاذٍ وكاتب وفنان ومطرب يحمل توجهاتٍ شيوعية، وأقامت محاكمات لهؤلاء، وفصل الكثير منهم، في مرحلة شهيرة في التاريخ الأمريكي تسمى (المكارثية) نسبة لجوزيف مكارثي، الذي قاد حملة ثقافية عارمة ضد الخطر الثقافي الشيوعي وقد وقفت معه وأيدته –خاصة في البداية- أغلبية الشعب الأمريكي، وذلك لأن الخطر الشيوعي الثقافي أصبح واقعاً، ثم إن مكارثي نفسه اعتمد في حربه للشيوعية على فلسفة تتلخص في: (أن الشيوعية دين يريد القضاء على دين المسيحية).
وعلى أثر ذلك، قام وزير الخارجية الأمريكي (جيمس بيرنز) بفصل مائة شخص في وزارته، مع أنهم لم يكونوا من الشيوعيين جميعاً، بل كان أكثرهم ينتمون إلى اليسارية أو الليبرالية.
وقامت كذلك الحكومة الأمريكية على منع دخول كتب أكثر من أربعمائة كاتب وصحافي وأستاذ جامعي أوروبي. إلى غير ذلك من الأحداث المشهورة.
فإذا كان هذا يحدث في أمريكا –وهي بلد الليبرالية- في المكارثية القديمة، ويحصل الآن فيها في عصر (المكارثية الجديدة) أليس من باب أولى أن تُمنع الأقلية من العبث بفكر المجتمع؟ أليس من باب الأمانة أن يوقف هذا الهجوم الصارخ على كل مبادئ وثوابت وقيم المجتمع ومقدراته وقدراته؟
ومن أعجب الأمور –أيضاً- التي أراها؛ أن المثقفين والنخب الاجتماعية في أكثر البلدان مع اختلافهم الكبير وتباينهم الشاسع يتحدون معاً متناسين تلك الخلافات حينما يحدق أو تنـزل بأمتهم أو بلدهم أي نازلة.
ولا يشك عاقل أن ما حل ببلدنا المبارك –حفظه الله من شر كل عابث- يُعد نازلة خطيرة، تداعت لها المُحدقات داخلياً وخارجياً.
وكان المنـتظر من النخب الثقافية أن تتولى دورها في توحيد الصف والكلمة. لكن الذي حصل في الواقع أن بعضاً من المثقفين في بلدي شرعت تفريقاً في الكلمة والصف، مستغلة مفهوم (الوطنية) كتكفيرٍ جديد يقابل تكفير الإرهابيين التكفيريين، فصار بعض أبناء الوطن يكفرون وطنياً من يخالفهم في مفاهيمهم الليبرالية أو العلمانية. وأصبحت ساحة المعارك هي إما الجرائد المُحتكرة وإما عالم الإنترنت.
ومما يحزنني أن أصبحت عورات المجتمع الصغيرة ا أو الكبيرة تُنشر في الآفاق الخارجية، ويفرح ويتندر بها أعداء البلد من الخارج، وإذا أحالوا في مصادرهم أحالوا إلى جرائد وطنية مُدعين لأنفسهم الموضوعية!
وأنا والله أسأل: إلى متى ستستمر هذه المذبحة الثقافية؟ ولحساب من تهدر الطاقات؟ وتهاجم الجهات الحكومية ذات الصبغة الدينية؟ وتزعزع مكانة المرأة السعودية؟ ويشكك في الثوابت، ويُتعدى على النصوص الشرعية من قبل من لا يمتلك الأهلية لذلك؟
لم نعد نحتاج إلى دليل لنثبت وجود هجوم خارجي غير مسبوق على بلادنا ، المملكة العربية السعودية ، وعلى رموزها وقياداتها من أعلى الهرم وإلى آخره في: افتتاحيات الصحف والمجلات ، الأخبار والتحليلات ، المقابلات المكتوبة والمشاهدة ، التصريحات، تسريب معلومات مغرضة من هنا وهناك!
ومع ذلك كان الداخل معزولاً بشكل كامل عما يجري في الخارج بل وكأنه امتداد لهذه الحملة الشرسة.. أمر مثير للدهشة!
وهؤلاء الليبرالية لا يُقدرون ما يمر به الوطن من مخاطر، بل قد يستغلون نقاط ضعفه لجره لمزيد من الضعف، وعلموا أو لم يعلموا أن ذلك يحقق مصالح أعداء الوطن.
وأنا هنا احذر كل مثقف غيور على وطنه، أن المسألة أخطر مما يتصور البعض، فهذا المفكر الغربي ( أرنولد هوتنغر) يقول موضحًا استراتيجية الغرب الخطيرة :
يقول: (نحن نتمسك دائما بسياسة "فرق تسد" وأن ُتصنع الدواعي والأسباب التي تدفع بهؤلاء إلى التحارب والتقاتل، بينما ننشغل نحن بتنسيق مصالحنا وسياساتنا، وسيكون بمقدورنا دوماً أن نبعث بقوات دولية لتلك المناطق بدعوى حفظ السلام والاستقرار ، ثم نبقيها هناك إلى أبد الأبدين)!!
وقد يتصور البعض أن مشكلة الغرب مع بعض المتطرفين والإرهابيين، وكنا نتمنى ذلك، لكنه مشكلته ليست مع هؤلاء، بل مع الإسلام ككل، فمهما حاول الإصلاحي أو الليبرالي أن يُظهر الإسلام بصورة متوافقة مع الغرب فلن ينال رضا الغرب، لأن مشكلة الغرب –كما يقولون هم وليس أنا- هي في الأساس مع الإسلام نفسه!
يقول ( صاموئيل هنتنغتون ) الخبير في وزارة الخارجية الأمريكية:
(إن المشكلة بالنسبة للغرب ليست الإسلاميين المتطرفين، وإنما الإسلام ككل، فالإسلام بكل طوائفه وفي مختلف دوله عبارة عن حضارة كاملة تشتمل الدين والدنيا ، وكل مظاهر الحياة اليومية، ولذا قلتُ إن الإسلام ونظام الدول الغربية لن يلتقيا ، إن المسلمين يعلنون في وجه كل غربي إن دينهم هو الأحسن وأن عاداتهم وتقاليدهم هي الأفضل، كلهم يقول ذلك المتطرف والمعتدل).
أما عن المراهقين الليبراليين فهم لا يفهمون هذا ولن يفهموه أبداً، لأن قضيتهم ليست قضية مبدأ، أو وطن، أو فلسفة مثالية، بل القضية كلها ( شهوة) وإلا فلماذا نسلك اليوم في صراعنا ما سلكته قبلنا المجتمعات العربية والتي لم تقدم لها العلمانية أو الليبرالية شيئاً يذكر، سوى الفقر والديكتاتورية والانحلال الأخلاقي. وهذا غير مستغرب، لأن الليبرالية العربية صورة من صور الهزيمة النفسية!
يقول الدكتور (زكي نجيب) وهو أحد ضحايا الهزيمة النفسية: (لقد لبثت أعواما لا أرى للحياة إلا صورة واحدة، وهي صورة الحياة كما يحياها أبناء أوروبا وأمريكا، هكذا كان الرأي عندي حتى أواسط الستينات ولقد بلغت فيه حد التطرف الذي لم يعرف لنفسه حيطه أو حذرا، وكان الأمر يبدو أمام ذهني وكأنه من البديهيات التي لا حاجة بها إلى مزيد بحث أو تأمل) .
ويقول المفكر المصري النصراني العلماني (رفيق حبيب) معلقاً على هؤلاء الضحايا:
(الانبهار بالغرب أدى إلى هزيمة عقل الأمة ومن العقول المهزومة ظهر فريق يحاول أن يتحد مع المنتصر ويتبنى حضارة الغرب، ولكن لدى وكلاء الغرب كانت الصدمة سببا في الالتحاق بالغرب ونقل قيمه وأفكاره ونموذج حياته وكانت الدعوة للحرية الغربية تجد طريقها لدى النخبة المثقفة).
أخوتي المشايخ الفضلاء، نحن نعلم علماً يقينياً أن الدخول مع هؤلاء الأقلية في صراع، يظلم الأكثرية الساحقة، ويُظهر وكأن المجتمع في صراع متوازنٍ.
إن هؤلاء الأقلية المراهقة لا تعي مصلحتها ومن باب أولى لا تعي مصالح الوطن، ومن الأولى أن تُمنع كما يمنع الصائل، فإن لم يكن ذلك كذلك، فلا أقل من أن يفتح الباب حراً للجميع، حتى يظهر للجميع من سيختاره المجتمع.
الأمر الآخر، أننا إذا أصررنا على الدخول مع هؤلاء في حوار، وتركنا الخيار الأمثل، فليكن الحوار مع عقلائهم وكبارئهم، ولنـترك صغارهم. الأمر الثاني : أن الحوار يحتاج إلى علمية بحثية متخصصة، كما يحتاج إلى صراحة ووضوح وشجاعة، ويجب أن لا ننجر إلى تفريعاتهم التاريخية أو الجغرافية أو اللسانية، وليركز على القضية الأساس فقط، ولتكن هي المحور.
فلا يعقل أن يقال عن الليبراليين السعوديين –إن وجدوا أصلاً- : "هم جواسيس للسفارات الأجنبية. ثم في نفس الوقت يقال: لا نشك في وطنيتهم". أو يقال: "هم ينقضون أصول الإسلام وثوابته" ثم يقال عنهم" هم أخوتنا ويصلون معنا".. هل يُعقل مثل ذلك الارتباك والتشوش!
أخيراً همسة في أذن العلماني.. يقول المفكر الفرنسي المعروف (جاك بيرك) : (هل النموذج الغربي ضروري وحتمي لكافة الشعوب؟ لا ليس بضروري ولا حتمي، بل يؤدي في أحيان كثيرة إلى نوع من الفشل والقلق والتمرد)!
المجتمع السعودي يثبت في كل لحظة -أعني في كل لحظة يكون فيها الخيار حراً- أن الناس تختار ربها ودينها وإسلامها، وأن كلمات الليبراليين لن تتجاوز قدرها المحصور في جريدة زرقاء أو خضراء.
لكن الملاحظ أن الأقلية العلمانية –ولا يوجد ليبرالية سعودية إلا جدلاً- استطاعت أن تفرض لها وجوداً عريضاً على الورق الصحفي، وتكتب وتجادل وتصارع، حتى يخيل لك أنهم نصف البلد أو أكثر. وهذا أمر لا يستغرب إذ الإعلام بيدهم وهم الذين يتصرفون فيه كما يشاءون، فيمنعون ويفسحون ما يشاءون.
هذا لا يهم.. بقدر انجرار بعض الأحبة الفضلاء في تضخيم هؤلاء وإعطائهم أكبر من حجمهم في أرض الواقع، وهم –أي الليبراليين- يريدون أن يوهموا المجتمع بأن حجم صراعهم الورقي هو نفس حجم وجودهم المجتمعي، وأظن أنهم لحد بسيط نجحوا حينما انجر بعض الفضلاء في جعل الليبرالية هي قضيته في برامجه وحواراته ومقالاته.
هذا ما يريده هؤلاء فعلاً، ولدي سؤال بسيط للأخوة الفضلاء: ما هو حجم العلمانية عندنا؟ وهل تتوقع أن تجد لهم همساً لو مُنعوا من الصحافة الوطنية؟
الكل سيؤكد أنهم أقلية قليلة تُعد على أصابع اليد، وإنما كبروا لأن الجرائد المحلية تُركت بأيديهم، وهكذا خُيَّلَ للناس أن لهم وجود يوازي وجود كيان كبير داخل المجتمع!
أتمنى من الأخوة الفضلاء أن يصرفوا وقتهم وجهدهم هذا –وبحكم مكانتهم- إلى ما هو أنفع، والذي يتمثل في المطالبة بإعطاء المجتمع الحقيقي دوره في الكتابة في جرائده الوطنية. وإذا كان هؤلاء المشايخ الفضلاء الذين نعرفهم محبين لوطنهم ولولاة أمورهم ولهم مكانة طيبة في المجتمع وعند ولاة الأمر، وفي نفس الوقت يقولون: "إن هؤلاء الليبراليين يكتبون في صحفنا المحلية ما يناقض الثوابت وأصول الدين أو يقولونه في نواديهم".
أليس الأولى -يا مشايخي الكرام- بدل أن نشارك في صراع الأقلية الضئيلة ونضخمهم، أن يُمنع هؤلاء الأقلية من الكتابة في صحف السعودية بلاد الحرمين، وأن يُبذل الجهد عند ولي الأمر لبيان حقيقة هؤلاء وخطرهم بالدلائل والبراهين والوثائق، فإن الله ينزع بالسلطان مالا ينزع بالقرآن.
وإن اعتبر أن هذا ديكتاتورية ومصادرة لحرية الرأي، فلماذا لا تعلن انتخابات حرة ونزيه يُختار بموجبها رؤساء التحرير وكتاب المقالات؟ أليس هذا من العدل، بل ومما يتماشى مع لعبة الليبرالية؟
القضية أبسط مما يتصور البعض إذا أريد حلاً حقيقياً يحل ذلك الصراع المفتعل، والذي –والله- سيؤدي لهزيمة الوطن، والتشكيك في كل شيء إذا تُرك هؤلاء يعبثون بأفكار الناس وفي صحفنا المحلية.
فأمريكا وهي أمريكا – بلد الحرية وقبلة الليبرالية- حاربت كل أستاذٍ وكاتب وفنان ومطرب يحمل توجهاتٍ شيوعية، وأقامت محاكمات لهؤلاء، وفصل الكثير منهم، في مرحلة شهيرة في التاريخ الأمريكي تسمى (المكارثية) نسبة لجوزيف مكارثي، الذي قاد حملة ثقافية عارمة ضد الخطر الثقافي الشيوعي وقد وقفت معه وأيدته –خاصة في البداية- أغلبية الشعب الأمريكي، وذلك لأن الخطر الشيوعي الثقافي أصبح واقعاً، ثم إن مكارثي نفسه اعتمد في حربه للشيوعية على فلسفة تتلخص في: (أن الشيوعية دين يريد القضاء على دين المسيحية).
وعلى أثر ذلك، قام وزير الخارجية الأمريكي (جيمس بيرنز) بفصل مائة شخص في وزارته، مع أنهم لم يكونوا من الشيوعيين جميعاً، بل كان أكثرهم ينتمون إلى اليسارية أو الليبرالية.
وقامت كذلك الحكومة الأمريكية على منع دخول كتب أكثر من أربعمائة كاتب وصحافي وأستاذ جامعي أوروبي. إلى غير ذلك من الأحداث المشهورة.
فإذا كان هذا يحدث في أمريكا –وهي بلد الليبرالية- في المكارثية القديمة، ويحصل الآن فيها في عصر (المكارثية الجديدة) أليس من باب أولى أن تُمنع الأقلية من العبث بفكر المجتمع؟ أليس من باب الأمانة أن يوقف هذا الهجوم الصارخ على كل مبادئ وثوابت وقيم المجتمع ومقدراته وقدراته؟
ومن أعجب الأمور –أيضاً- التي أراها؛ أن المثقفين والنخب الاجتماعية في أكثر البلدان مع اختلافهم الكبير وتباينهم الشاسع يتحدون معاً متناسين تلك الخلافات حينما يحدق أو تنـزل بأمتهم أو بلدهم أي نازلة.
ولا يشك عاقل أن ما حل ببلدنا المبارك –حفظه الله من شر كل عابث- يُعد نازلة خطيرة، تداعت لها المُحدقات داخلياً وخارجياً.
وكان المنـتظر من النخب الثقافية أن تتولى دورها في توحيد الصف والكلمة. لكن الذي حصل في الواقع أن بعضاً من المثقفين في بلدي شرعت تفريقاً في الكلمة والصف، مستغلة مفهوم (الوطنية) كتكفيرٍ جديد يقابل تكفير الإرهابيين التكفيريين، فصار بعض أبناء الوطن يكفرون وطنياً من يخالفهم في مفاهيمهم الليبرالية أو العلمانية. وأصبحت ساحة المعارك هي إما الجرائد المُحتكرة وإما عالم الإنترنت.
ومما يحزنني أن أصبحت عورات المجتمع الصغيرة ا أو الكبيرة تُنشر في الآفاق الخارجية، ويفرح ويتندر بها أعداء البلد من الخارج، وإذا أحالوا في مصادرهم أحالوا إلى جرائد وطنية مُدعين لأنفسهم الموضوعية!
وأنا والله أسأل: إلى متى ستستمر هذه المذبحة الثقافية؟ ولحساب من تهدر الطاقات؟ وتهاجم الجهات الحكومية ذات الصبغة الدينية؟ وتزعزع مكانة المرأة السعودية؟ ويشكك في الثوابت، ويُتعدى على النصوص الشرعية من قبل من لا يمتلك الأهلية لذلك؟
لم نعد نحتاج إلى دليل لنثبت وجود هجوم خارجي غير مسبوق على بلادنا ، المملكة العربية السعودية ، وعلى رموزها وقياداتها من أعلى الهرم وإلى آخره في: افتتاحيات الصحف والمجلات ، الأخبار والتحليلات ، المقابلات المكتوبة والمشاهدة ، التصريحات، تسريب معلومات مغرضة من هنا وهناك!
ومع ذلك كان الداخل معزولاً بشكل كامل عما يجري في الخارج بل وكأنه امتداد لهذه الحملة الشرسة.. أمر مثير للدهشة!
وهؤلاء الليبرالية لا يُقدرون ما يمر به الوطن من مخاطر، بل قد يستغلون نقاط ضعفه لجره لمزيد من الضعف، وعلموا أو لم يعلموا أن ذلك يحقق مصالح أعداء الوطن.
وأنا هنا احذر كل مثقف غيور على وطنه، أن المسألة أخطر مما يتصور البعض، فهذا المفكر الغربي ( أرنولد هوتنغر) يقول موضحًا استراتيجية الغرب الخطيرة :
يقول: (نحن نتمسك دائما بسياسة "فرق تسد" وأن ُتصنع الدواعي والأسباب التي تدفع بهؤلاء إلى التحارب والتقاتل، بينما ننشغل نحن بتنسيق مصالحنا وسياساتنا، وسيكون بمقدورنا دوماً أن نبعث بقوات دولية لتلك المناطق بدعوى حفظ السلام والاستقرار ، ثم نبقيها هناك إلى أبد الأبدين)!!
وقد يتصور البعض أن مشكلة الغرب مع بعض المتطرفين والإرهابيين، وكنا نتمنى ذلك، لكنه مشكلته ليست مع هؤلاء، بل مع الإسلام ككل، فمهما حاول الإصلاحي أو الليبرالي أن يُظهر الإسلام بصورة متوافقة مع الغرب فلن ينال رضا الغرب، لأن مشكلة الغرب –كما يقولون هم وليس أنا- هي في الأساس مع الإسلام نفسه!
يقول ( صاموئيل هنتنغتون ) الخبير في وزارة الخارجية الأمريكية:
(إن المشكلة بالنسبة للغرب ليست الإسلاميين المتطرفين، وإنما الإسلام ككل، فالإسلام بكل طوائفه وفي مختلف دوله عبارة عن حضارة كاملة تشتمل الدين والدنيا ، وكل مظاهر الحياة اليومية، ولذا قلتُ إن الإسلام ونظام الدول الغربية لن يلتقيا ، إن المسلمين يعلنون في وجه كل غربي إن دينهم هو الأحسن وأن عاداتهم وتقاليدهم هي الأفضل، كلهم يقول ذلك المتطرف والمعتدل).
أما عن المراهقين الليبراليين فهم لا يفهمون هذا ولن يفهموه أبداً، لأن قضيتهم ليست قضية مبدأ، أو وطن، أو فلسفة مثالية، بل القضية كلها ( شهوة) وإلا فلماذا نسلك اليوم في صراعنا ما سلكته قبلنا المجتمعات العربية والتي لم تقدم لها العلمانية أو الليبرالية شيئاً يذكر، سوى الفقر والديكتاتورية والانحلال الأخلاقي. وهذا غير مستغرب، لأن الليبرالية العربية صورة من صور الهزيمة النفسية!
يقول الدكتور (زكي نجيب) وهو أحد ضحايا الهزيمة النفسية: (لقد لبثت أعواما لا أرى للحياة إلا صورة واحدة، وهي صورة الحياة كما يحياها أبناء أوروبا وأمريكا، هكذا كان الرأي عندي حتى أواسط الستينات ولقد بلغت فيه حد التطرف الذي لم يعرف لنفسه حيطه أو حذرا، وكان الأمر يبدو أمام ذهني وكأنه من البديهيات التي لا حاجة بها إلى مزيد بحث أو تأمل) .
ويقول المفكر المصري النصراني العلماني (رفيق حبيب) معلقاً على هؤلاء الضحايا:
(الانبهار بالغرب أدى إلى هزيمة عقل الأمة ومن العقول المهزومة ظهر فريق يحاول أن يتحد مع المنتصر ويتبنى حضارة الغرب، ولكن لدى وكلاء الغرب كانت الصدمة سببا في الالتحاق بالغرب ونقل قيمه وأفكاره ونموذج حياته وكانت الدعوة للحرية الغربية تجد طريقها لدى النخبة المثقفة).
أخوتي المشايخ الفضلاء، نحن نعلم علماً يقينياً أن الدخول مع هؤلاء الأقلية في صراع، يظلم الأكثرية الساحقة، ويُظهر وكأن المجتمع في صراع متوازنٍ.
إن هؤلاء الأقلية المراهقة لا تعي مصلحتها ومن باب أولى لا تعي مصالح الوطن، ومن الأولى أن تُمنع كما يمنع الصائل، فإن لم يكن ذلك كذلك، فلا أقل من أن يفتح الباب حراً للجميع، حتى يظهر للجميع من سيختاره المجتمع.
الأمر الآخر، أننا إذا أصررنا على الدخول مع هؤلاء في حوار، وتركنا الخيار الأمثل، فليكن الحوار مع عقلائهم وكبارئهم، ولنـترك صغارهم. الأمر الثاني : أن الحوار يحتاج إلى علمية بحثية متخصصة، كما يحتاج إلى صراحة ووضوح وشجاعة، ويجب أن لا ننجر إلى تفريعاتهم التاريخية أو الجغرافية أو اللسانية، وليركز على القضية الأساس فقط، ولتكن هي المحور.
فلا يعقل أن يقال عن الليبراليين السعوديين –إن وجدوا أصلاً- : "هم جواسيس للسفارات الأجنبية. ثم في نفس الوقت يقال: لا نشك في وطنيتهم". أو يقال: "هم ينقضون أصول الإسلام وثوابته" ثم يقال عنهم" هم أخوتنا ويصلون معنا".. هل يُعقل مثل ذلك الارتباك والتشوش!
أخيراً همسة في أذن العلماني.. يقول المفكر الفرنسي المعروف (جاك بيرك) : (هل النموذج الغربي ضروري وحتمي لكافة الشعوب؟ لا ليس بضروري ولا حتمي، بل يؤدي في أحيان كثيرة إلى نوع من الفشل والقلق والتمرد)!
الأقلية الليبرالية ..والصراع الداخلي المفتعل!
صخرة الخلاص
المصدر
موقع صيد الفوائد
http://saaid.net/mktarat/almani/62.htm