- الإسلام و الغرب > موقف المسلمين من الغرب >
الإسلام و الغرب > الاتجاهات الفكرية المعاصرة >
الإسلام و الغرب > الاتجاهات الفكرية المعاصرة >
الاتجاهات الفكرية المعاصرة
محاضرة الأستاذ محمد قطب- جامعة الملك سعود عام 1403هـ
نشأة هذه الاتجاهات
إن الحديث عن أسباب نشأة هذه الاتجاهات يقودنا إلى السؤال هل اعتنقت أوروبا النصرانية حقيقة؟ والجواب البدهي هو أن أوروبا لم تعرف دين الله و النصرانية التي تزعم اعتناقها إنما هي دين من صنع البشر ، فقد أفسد شاؤول أو بولس على الأوروبيين دينهم بإدخال التثليث إليه حيث جعل الإله الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً .ولم يكن هذا هو الإفساد الوحيد فكل دين أو رسالة سماوية تشتمل على جانبين هما العقيدة والشريعة ؛ حيث تهدف الشريعة إلى ضبط السلوك العملي بمقتضى الوحي الرباني، ولكن بولس أو النصرانية التي عرفتها أوروبا فصلت بين العقيدة والشريعة .وقدّم الدين على أنه عقيدة فقط.
وقد استندت النصرانية في فصلها بين الدين والحياة على عبارة وردت على لسان المسيح عليه السلام في أحد الأناجيل وهي: "أعط مالله لله وما لقيصر لقيصر." وهذه العبارة قسمت السلطان قسمين: قسم لله وقسم لقيصر وهو القسم الأكبر. ويثور تساؤل هنا: هل يمكن أن يعطي المسيح عليه السلام الشرعية لنظام وثني لا يحكم بما أنزل الله. فهذه العبارة لو صحت جدلاً فإنها يمكن أن تفسر بأحد أمرين وهو أن الوقت لم يحن بعد لمواجهة القيصر والمطالبة بتحكيم شرع الله، كما أمر المسلمون في العهد المكي بقوله تعالى {كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} أي لا تقاتلوا القيصر الآن. والأمر الآخر أن عيسى عليه السلام أراد التخلص من اليهود حيث عرف عنهم الحرص على الإيقاع به عند الحاكم الروماني الذي كان يرى أن عيسى كان مسالماً.وقد صرح لهم المسيح بذلك حسب رواية الإنجيل بقوله: يامراؤون جئتم لتمتحونني، وقال تلك العبارة التي فيها تخلص من إحراجهم.
والأمر المعروف عن رسالة المسيح عليه السلام كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة .وقد جاءت عبارة في الإنجيل تؤكد أن عيسى عليه السلام كان مبعوثاً لزمن محدد ولقوم محددين وهذه العبارة: (إنما بعثت لهداية خراف بني إسرائيل الضالة).
إن أوروبا لم تعرف الدين الحقيقي فلم يتوقف الأمر عند تحريف العقيدة في إدخال مسألة التثليث بل زاد الأمر سوءاً تصرفات رجال الكنيسة حيث ابتدع هؤلاء نظام رجال الدين وهو نظام مصطنع فليس في دين الله عز وجل شيء اسمه رجال دين. ولكن النصارى أوجدوا هذا النظام، وصار لهم لباس خاص ومسوح خاصة، وأصبحوا وحدهم المؤتمنين على تفسير كتاب الله، ويزعمون انه ورد في أناجيلهم على لسان عيسى عليه السلام: "إني أهب سلطاني لكنيستي: "فأصبح من حق الكنيسة أن تشرّع كما تشاء.
وقد مارست الكنيسة الطغيان والاستبداد في عدة مجالات، وأولها الطغيان العقلي حيث حرّمت على العقول التفكير حينما قدّمت لهم ألغازاً وخزعبلات على أنها العقيدة الصحيحة، ومن ذلك مسألة العشاء الأخير أو العشاء الرباني وهو أن يتناول النصارى الخمر والخبز ليتحول بزعمهم إلى دم المسيح وجسده. وكل من يفكر في هذه المسائل يعد مهرطقاً كافراً. أنشئت لذلك محاكم التفتيش حيث يكفي أن يشار إلى أي إنسان بأنه يفكر أو يخالف الكنيسة ليخضع لصنوف من العذاب والأهوال.
ومارست الكنيسة طغياناً آخر وهو الطغيان المالي حيث تضخمت أموال الكنيسة وممتلكاتها ففرض على الفلاحين العمل يوماً في الأسبوع سخرة لدى الكنيسة رغم أن هذا الفلاح لا يجد وقتاً للراحة. كما جمعت الكنيسة العشار بالإضافة إلى الإتاوات المختلفة وما تحصله الكنيسة من الوصايا.
وظهر طغيان الكنيسة في الجانب العلمي حيث قدّمت للناس بعض الأفكار على أنها حقائق علمية. فلما اكتشف العلماء أن هذه الحقائق المزعومة لا أساس لها من الصحة وأعلنوا هذه الآراء تعرضوا للحرق والتعذيب، ومن اشهر هؤلاء جاليليو وجوردن برونو وكوبرنيكس. ويعود السبب في محاربة الكنيسة للعلم أن عقائدها وسلطانها قائم على الخرافة، فالعلم يكشف زيف عقيدتها.
وأما سبب ظهور هؤلاء العلماء الذين خالفوا الكنيسة فالمصادر الغربية تهمل السبب الحقيقي بينما علينا نحن المسلمين أن نذكر ذلك فقد تأثر هؤلاء العلماء بما تلقوه عن المسلمين من علوم. ولذلك اهتمت الكنيسة بمحاربة الإسلام عن طريق تشويه صورة الإسلام في نظر الغربيين لتنفيرهم منه واستمرار سيطرتها عليهم. ولذلك عندما بدأ الأوروبيون نهضتهم رجعوا إلى أصولهم اليونانية الرومانية، فأنشأوا نهضتهم على أساس وثني.
وعندما بدأت النهضة في أوروبا ظهرت مصطلحات تخصهم ولكننا أخذناها منهم دون معرفة حقيقتها ومن هذه المصطلحات "المفكر الحر" ويعني الملحد لأن الحرية في نظرهم كانت تعني الإلحاد. ومن هذه المصطلحات كذلك العلوم الإنسانية وهي تعني العلوم التي لا تخضع لتوجيه الوحي أو الاستقاء من الوحي .وانتشر هذا المصطلح في العالم الإسلامي فتجد في كل مكان تقريباً :كلية الآداب والعلوم الإنسانية. فعلينا في العالم الإسلامي أن نبحث عن أسماء من تراثنا ونتجنب المسميات الغربية.وما تحويه من سموم.
وهكذا نشأ العلم في الغرب معانداً للدين فحتى ذكر كلمة (الله) يعد أمراً غير علمي.ومن الأمثلة على ذلك المفكر والعالم الفرنسي المتخصص في الأحياء كان عالماً بارزاً في مجاله فلمّا كتب كتابه (الإنسان ذلك المجهول) وتحدث فيه عن الدين أصبح ينظر إليه باحتقار.والعالم الفرنسي المتخصص في الجينات موريس بوكاي اقتنع بالإسلام ولكنه كان يخشى من إعلان إسلامه خوفاً أن يستهزأ به ولا يقبل كلامه. وقد أعلن إسلامه وأصدر كتابه (العلم الحديث بين التوراة والإنجيل والقرآن)
وجاءت الثورة الفرنسية لتحطم الإقطاع وما بقي للكنيسة من نفوذ في مجال السياسة، وقد حرّك هذه الثورة الحقد المكبوت في قلوب العبيد، ولكن اليهود سارعوا إلى الدخول في الثورة الفرنسية واستخدموا مؤسساتهم السرية حيث كانت الماسونية منتشرة كثيراً في فرنسا. فهم لم يصنعوا الثورة كما يزعمون ولكنهم أشعلوها كعود الثقاب فالبارود موجود وأسباب الثورة موجودة، وقد قام بها غيرهم. وهكذا حوّل اليهود الثورة من ثورة على رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه. فالثورة حررت عبيد الأرض ولكن اليهود دخلوا فيها لتشكيل الفكر الأوروبي منذ ذلك الحين وحتى الآن. فلليهود أصبع في كل هذه المذاهب. فمن أين جاء اليهود بالسيطرة على العقل الأوروبي الذي أصبح ضد الدين وضد الأخلاق وضد القيم؟
إن مخطط اليهود كما تشرحه التوراة والتلمود يفرض على اليهود أن يسيطروا على البشر جميعاً بزعم انهم "شعب الله المختار".فالشعوب الأخرى يطلق عليها عندهم "الأمميين" أي كل الأمم من غير اليهود.وأن الشعوب الأخرى هم حمير لليهود. فمن أين أتى مصطلح الحمير أو الاستحمار؟ إننا نجد ذلك في كتاب الله العزيز حينما وصف الأمة أو الفرد أو الجماعة التي ينزل عليها كتاب ولا تتبعه فهم كالحمير {مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً} وقوله تعالى {كأنهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة} وقوله تعالى {أولئك كالأنعام بل هم أضل}.
والأوروبيون هم الذين استحمروا أنفسهم فصاروا حميراً ذلولة ل "شعب الله المختار" لأن خروج الأوروبيين من الدين جعلهم حميراً جاهزة للركوب.. أما كيف توصل اليهود إلى السيطرة على الأوروبيين فكان من خلال طريقين أحدهما اقتصادي والثاني فكري. فالسيطرة الاقتصادية حصلت عندما بدأت الثورة الصناعية في أوروبا وكانت الصناعة في حاجة إلى المال، وكان اليهود وأمراء الإقطاع هم الذين يملكون المال. فأما أمراء الإقطاع فأصلهم فلاحون، والفلاح يخشى أن ينفق المال على أمر لا يعرف مردوده، وكانت الصناعة في بدايتها مغامرة كبرى(وما تزال) فتراجع رجال الإقطاع وتقدم اليهود الذين يعرفون كيف يقرضون المال ولا يخسرون شيئا، فهم يقدمون المال بأرباح ربوية، وتقدم لهم الضمانات.
ومع تمكن اليهود من السيطرة الاقتصادية دخلوا الميدان الفكري وذلك من خلال وسائل الإعلام التي استطاعوا من خلالها توجيه الفكر وصناعة الرأي العام. وثمة نظرية خاطئة وهي: أن الجمهور هو الذي يصنع الرأي العام بل الإعلام هو الذي يصنعه. ومن خلال نفوذهم الفكري روجوا لفكر ماركس وفرويد ودوركايم. كما اعتمدوا على نظرية داروين فبالرغم من انه ليس يهودياً لكنه استغلوا نظريته في نشر أفكارهم. وهذا ما يقوله أحد البروتوكولات: "نحن الذين رتبنا نجاح داروين لأننا نعرف تأثير أفكاره."
الأخلاق والحياة الاجتماعية
وانفلت الأوروبيون في مجال الأخلاق والحياة الاجتماعية، فحطموا كل ما بقي من قيم وأخلاق يتمسكون بها ،وكان للداروينية أبعد الأثر فهي التي أقنعتهم بحيوانيتهم ،وفي الحقيقة إن الإنسان إذا ما تخلى عن القيم فيصبح بالتالي أكثر حيوانية من الحيوانات أنفسها .وقد سمحت أوروبا لنفسها أن تبيح العلاقات المحرمة فليس في القانون ما يمنع من الممارسات الجنسية بين الأقارب (الأبناء والأخوات وغير ذلك). وهم في هذا أضل من الأنعام فالحصان لا يأتي أمه. وقد خدع حصان ليأتي أمه فما كان منه الاّ أن انتحر حينما أدرك ذلك. والجمل لا يمكن أن يأتي أنثاه بمرأى من أي إنسان ولو علم أن إنسانا شاهده لقتله ولو بعد حين.
أما ما بقي من أخلاق التعامل اليومي التي يخدع بها العرب والمسلمون من حيث الاهتمام بالمواعيد والابتعاد عن الغش التجاري، وعدم الكذب في الأمور العامة أو السير على الرصيف بأدب حتى أن هذه الأخلاقيات راعت الشيخ محمد عبده حينما زار أوروبا فعاد يقول: "رأيت إسلاماً ولم أر مسلمين". وهذه بالفعل أخلاق جميلة والمسلمون أولى بها. وإنما هي في الحقيقة أخلاقا نفعية، وليست أخلاقاً أخلاقية. والأخلاق النفعية هي أخلاق التاجر اليهودي فهو لا يتعجل في نهب الزبون بل يتودد إليه ويصدق وينضبط لكي يستجلب رضى الزبون. وهذا عكس التاجر في مكة هذه الأيام الذي يصر على أخذ ما جيب الزبون من أول مرة.
كيف وصلت إلينا هذه الاتجاهات؟
هذه هي أوروبا وهذه الظروف التي أنشأت الانحراف أما نحن فما بالنا ؟لماذا تشربنا هذه السموم؟ هل عندنا كنيسة تنفرنا من الدين ،هل في ديننا خزعبلات مثل التثليث، الصليب، التكفير، هل عندنا كهنوت، هل عندنا رجال دين ففرضوا علينا ما ليس من عند الله؟ ماذا أصابنا فتقبلنا هذه المذاهب الهدامة فاعتنقناها وصرنا ندعو إليها؟
لقد كان الإسلام في القمة وبدأنا في النزول من القمة في عهد الخلافة الراشدة إلى الحضيض حتى أصبحنا غثاء كغثاء السيل وهو ما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قلنا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله فقال بل أنتم كثير، ولكنكم كغثاء السيل. وظلت الأمة الإسلامية تهوي من الذروة العالية( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الاّ هالك) .ولم يكن الهبوط مستمراً في خط بياني بل كان متذبذباً بسبب الانحرافات وهي كثيرة ولكن أبرزها ما يأتي:
1- التفلت من التكاليف الربانية، وهو أمر بشري حيث قال الله عز وجل عن آدم عليه السلام (وعهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) ويقول جل وعلا ( وخلق الإنسان ضعيفاً) ولكن العلاج هو التذكير( فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين). ولكن الأمة الإسلامية ظلت تنسى وتغفل ولم يكن التذكير فعالاً.
2- الصوفية والفكر الإرجائي: لقد دخل الحياة الإسلامية تياران متضادان :الأول الصوفية وعيبها الأساس هو أنها تطمع العبد برضى مولاه دون التكاليف ومن ذلك أن الورد الذي يقال عشر مرات أو مئة مرة أو غير ذلك كفيل بحصول الإنسان على مرضاة الله عز وجل. أما الفكر الارجائي فهو الذي يرى أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار دون العمل. وكما يقول العامة (ربّك رب قلوب ما دام قلبك عمران فلا يهمك ما تفعل)0
3- الاستبداد السياسي: وقد بدأ الاستبداد السياسي منذ الدولة الأموية وتظهر خطورة الاستبداد السياسي في أنه حوّل الإسلام تدريجيا من ممارسة جماعية إلى ممارسة فردية .وصار الناس يتمسكون بالإسلام في حياتهم الخاصة خوفاً من السلطان. وهكذا ظل الإسلام ينحسر في نفوس المسلمين بدءاً بمفهوم لا إله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بمقتضاها في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيره ،فقد وقر في أنفس المسلمين أن مجرد التلفظ بالشهادتين يضمن لهم الجنة. ومن المهم أن ندرك أن مفهوم العبادة أيضا تعرض للتحريف فحياة المسلم كلها عبادة وهذا ما جاء في قوله سبحانه وتعالى {وما خلقت الإنس والجن إلاّ ليعبدون} فالتكليف بالجهاد والصلاة والحج وغيرها عبادة {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} فالعبادة ليست هي الشعائر التعبدية. فقد جاء قوله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم} فمعناها يذكرون الله سبحانه وتعالى في كل لحظة،ما ذا يريد الله منّا في هذه اللحظة، هل نحن في الحلال أو في الحرام؟ فذكر الله عمل سلوكي وليس فقط باللسان.
وهكذا فقد حدث تخلف عقدي نشأ عنه تخلف حضاري وسياسي واقتصادي. فالتخلف الحضاري الذي تعاني منه الأمة الإسلامية في العصر الحاضر إنما هو عرض لمرض سابق وهو التخلف العقدي. وفي هذه الأثناء جاء الغرب الصليبي بجيوشه فهزم العامل الإسلامي وانبهر المسلمون أمام أعدائهم ،ولم يكن الانبهار بسبب الهزيمة العسكرية ففي المرة الأوروبية التي وقعت فيها الحروب الصليبية تمسك المسلمون بعقيدتهم ولم يحنوا أرواحهم كما فعلوا في المرة الأخيرة. ذلك أنهم كانوا في المرة الأولى يدركون قوله تعالى {ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}
ولما جاءت الصليبية في المرة الثانية في الحملات الاستعمارية فإن المسلمين ذلوا لأن الإيمان لم يكن صادقاً. أما القول بأن السبب هو الفارق الحضاري فليس صحيحاً ذلك أن المسلمين واجهوا حينما خرجوا في الفتوحات الإسلامية حضارات أرقى مما عرفوا ولكنهم كانوا ينتقون منها انتقاء السيد الحر المال لأمره. فتعلم المسلمون الإغريقية ليترجموا العلوم، ولم يترجموا الأساطير.وفي حركة الأخذ الثانية أصبح يقال من لم يعرف الأساطير اليونانية فلا يستطيع أن يكون أديباً ولن يكون في المرة الأولى كان المسلمون يحتقرون الصليبيين لدياثتهم وانهم لا أعراض لهم وكانوا يقولون عنهم أنهم عبّاد الصليب.أما في المرة الثانية فقد كتبت مجلة روز اليوسف "إلى متى نظل رجعيين يكون الواحد مع زوجته وتلقى صديقها فيصر الزوج على البقاء مع زوجته ولا يسمح لها بالتحدث بحرية؟".
إننا لمّا تخلفنا وانبهرنا أقبلنا على الفكر الممسوخ وتركنا ما يخرج بنا من وهدتنا ويرتفع بنا إلى الرقي تركنا ما عندهم من علم، وتركنا جلدهم على العمل، وتركنا ما عندهم من تنظيم عبقري. ما ذا أخذنا منهم؟ يخرجون نساءهم عرايا فقلنا هذا هو التقدم، وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم بأننا سنتبعهم حذو القذة بالقذة، وحتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه. وجدناهم يرقصون فشجعنا الرقص، وجدناهم يشربون الخمر فشربناها مثلهم، وجدناهم يلعنون دينهم وينسلخون منه فقلدناهم في ذلك.
محاضرة الأستاذ محمد قطب- جامعة الملك سعود عام 1403هـ
نشأة هذه الاتجاهات
إن الحديث عن أسباب نشأة هذه الاتجاهات يقودنا إلى السؤال هل اعتنقت أوروبا النصرانية حقيقة؟ والجواب البدهي هو أن أوروبا لم تعرف دين الله و النصرانية التي تزعم اعتناقها إنما هي دين من صنع البشر ، فقد أفسد شاؤول أو بولس على الأوروبيين دينهم بإدخال التثليث إليه حيث جعل الإله الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً .ولم يكن هذا هو الإفساد الوحيد فكل دين أو رسالة سماوية تشتمل على جانبين هما العقيدة والشريعة ؛ حيث تهدف الشريعة إلى ضبط السلوك العملي بمقتضى الوحي الرباني، ولكن بولس أو النصرانية التي عرفتها أوروبا فصلت بين العقيدة والشريعة .وقدّم الدين على أنه عقيدة فقط.
وقد استندت النصرانية في فصلها بين الدين والحياة على عبارة وردت على لسان المسيح عليه السلام في أحد الأناجيل وهي: "أعط مالله لله وما لقيصر لقيصر." وهذه العبارة قسمت السلطان قسمين: قسم لله وقسم لقيصر وهو القسم الأكبر. ويثور تساؤل هنا: هل يمكن أن يعطي المسيح عليه السلام الشرعية لنظام وثني لا يحكم بما أنزل الله. فهذه العبارة لو صحت جدلاً فإنها يمكن أن تفسر بأحد أمرين وهو أن الوقت لم يحن بعد لمواجهة القيصر والمطالبة بتحكيم شرع الله، كما أمر المسلمون في العهد المكي بقوله تعالى {كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} أي لا تقاتلوا القيصر الآن. والأمر الآخر أن عيسى عليه السلام أراد التخلص من اليهود حيث عرف عنهم الحرص على الإيقاع به عند الحاكم الروماني الذي كان يرى أن عيسى كان مسالماً.وقد صرح لهم المسيح بذلك حسب رواية الإنجيل بقوله: يامراؤون جئتم لتمتحونني، وقال تلك العبارة التي فيها تخلص من إحراجهم.
والأمر المعروف عن رسالة المسيح عليه السلام كما ورد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء كانوا يبعثون إلى أقوامهم خاصة .وقد جاءت عبارة في الإنجيل تؤكد أن عيسى عليه السلام كان مبعوثاً لزمن محدد ولقوم محددين وهذه العبارة: (إنما بعثت لهداية خراف بني إسرائيل الضالة).
إن أوروبا لم تعرف الدين الحقيقي فلم يتوقف الأمر عند تحريف العقيدة في إدخال مسألة التثليث بل زاد الأمر سوءاً تصرفات رجال الكنيسة حيث ابتدع هؤلاء نظام رجال الدين وهو نظام مصطنع فليس في دين الله عز وجل شيء اسمه رجال دين. ولكن النصارى أوجدوا هذا النظام، وصار لهم لباس خاص ومسوح خاصة، وأصبحوا وحدهم المؤتمنين على تفسير كتاب الله، ويزعمون انه ورد في أناجيلهم على لسان عيسى عليه السلام: "إني أهب سلطاني لكنيستي: "فأصبح من حق الكنيسة أن تشرّع كما تشاء.
وقد مارست الكنيسة الطغيان والاستبداد في عدة مجالات، وأولها الطغيان العقلي حيث حرّمت على العقول التفكير حينما قدّمت لهم ألغازاً وخزعبلات على أنها العقيدة الصحيحة، ومن ذلك مسألة العشاء الأخير أو العشاء الرباني وهو أن يتناول النصارى الخمر والخبز ليتحول بزعمهم إلى دم المسيح وجسده. وكل من يفكر في هذه المسائل يعد مهرطقاً كافراً. أنشئت لذلك محاكم التفتيش حيث يكفي أن يشار إلى أي إنسان بأنه يفكر أو يخالف الكنيسة ليخضع لصنوف من العذاب والأهوال.
ومارست الكنيسة طغياناً آخر وهو الطغيان المالي حيث تضخمت أموال الكنيسة وممتلكاتها ففرض على الفلاحين العمل يوماً في الأسبوع سخرة لدى الكنيسة رغم أن هذا الفلاح لا يجد وقتاً للراحة. كما جمعت الكنيسة العشار بالإضافة إلى الإتاوات المختلفة وما تحصله الكنيسة من الوصايا.
وظهر طغيان الكنيسة في الجانب العلمي حيث قدّمت للناس بعض الأفكار على أنها حقائق علمية. فلما اكتشف العلماء أن هذه الحقائق المزعومة لا أساس لها من الصحة وأعلنوا هذه الآراء تعرضوا للحرق والتعذيب، ومن اشهر هؤلاء جاليليو وجوردن برونو وكوبرنيكس. ويعود السبب في محاربة الكنيسة للعلم أن عقائدها وسلطانها قائم على الخرافة، فالعلم يكشف زيف عقيدتها.
وأما سبب ظهور هؤلاء العلماء الذين خالفوا الكنيسة فالمصادر الغربية تهمل السبب الحقيقي بينما علينا نحن المسلمين أن نذكر ذلك فقد تأثر هؤلاء العلماء بما تلقوه عن المسلمين من علوم. ولذلك اهتمت الكنيسة بمحاربة الإسلام عن طريق تشويه صورة الإسلام في نظر الغربيين لتنفيرهم منه واستمرار سيطرتها عليهم. ولذلك عندما بدأ الأوروبيون نهضتهم رجعوا إلى أصولهم اليونانية الرومانية، فأنشأوا نهضتهم على أساس وثني.
وعندما بدأت النهضة في أوروبا ظهرت مصطلحات تخصهم ولكننا أخذناها منهم دون معرفة حقيقتها ومن هذه المصطلحات "المفكر الحر" ويعني الملحد لأن الحرية في نظرهم كانت تعني الإلحاد. ومن هذه المصطلحات كذلك العلوم الإنسانية وهي تعني العلوم التي لا تخضع لتوجيه الوحي أو الاستقاء من الوحي .وانتشر هذا المصطلح في العالم الإسلامي فتجد في كل مكان تقريباً :كلية الآداب والعلوم الإنسانية. فعلينا في العالم الإسلامي أن نبحث عن أسماء من تراثنا ونتجنب المسميات الغربية.وما تحويه من سموم.
وهكذا نشأ العلم في الغرب معانداً للدين فحتى ذكر كلمة (الله) يعد أمراً غير علمي.ومن الأمثلة على ذلك المفكر والعالم الفرنسي المتخصص في الأحياء كان عالماً بارزاً في مجاله فلمّا كتب كتابه (الإنسان ذلك المجهول) وتحدث فيه عن الدين أصبح ينظر إليه باحتقار.والعالم الفرنسي المتخصص في الجينات موريس بوكاي اقتنع بالإسلام ولكنه كان يخشى من إعلان إسلامه خوفاً أن يستهزأ به ولا يقبل كلامه. وقد أعلن إسلامه وأصدر كتابه (العلم الحديث بين التوراة والإنجيل والقرآن)
وجاءت الثورة الفرنسية لتحطم الإقطاع وما بقي للكنيسة من نفوذ في مجال السياسة، وقد حرّك هذه الثورة الحقد المكبوت في قلوب العبيد، ولكن اليهود سارعوا إلى الدخول في الثورة الفرنسية واستخدموا مؤسساتهم السرية حيث كانت الماسونية منتشرة كثيراً في فرنسا. فهم لم يصنعوا الثورة كما يزعمون ولكنهم أشعلوها كعود الثقاب فالبارود موجود وأسباب الثورة موجودة، وقد قام بها غيرهم. وهكذا حوّل اليهود الثورة من ثورة على رجال الدين إلى ثورة على الدين نفسه. فالثورة حررت عبيد الأرض ولكن اليهود دخلوا فيها لتشكيل الفكر الأوروبي منذ ذلك الحين وحتى الآن. فلليهود أصبع في كل هذه المذاهب. فمن أين جاء اليهود بالسيطرة على العقل الأوروبي الذي أصبح ضد الدين وضد الأخلاق وضد القيم؟
إن مخطط اليهود كما تشرحه التوراة والتلمود يفرض على اليهود أن يسيطروا على البشر جميعاً بزعم انهم "شعب الله المختار".فالشعوب الأخرى يطلق عليها عندهم "الأمميين" أي كل الأمم من غير اليهود.وأن الشعوب الأخرى هم حمير لليهود. فمن أين أتى مصطلح الحمير أو الاستحمار؟ إننا نجد ذلك في كتاب الله العزيز حينما وصف الأمة أو الفرد أو الجماعة التي ينزل عليها كتاب ولا تتبعه فهم كالحمير {مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً} وقوله تعالى {كأنهم حمر مستنفرة فرّت من قسورة} وقوله تعالى {أولئك كالأنعام بل هم أضل}.
والأوروبيون هم الذين استحمروا أنفسهم فصاروا حميراً ذلولة ل "شعب الله المختار" لأن خروج الأوروبيين من الدين جعلهم حميراً جاهزة للركوب.. أما كيف توصل اليهود إلى السيطرة على الأوروبيين فكان من خلال طريقين أحدهما اقتصادي والثاني فكري. فالسيطرة الاقتصادية حصلت عندما بدأت الثورة الصناعية في أوروبا وكانت الصناعة في حاجة إلى المال، وكان اليهود وأمراء الإقطاع هم الذين يملكون المال. فأما أمراء الإقطاع فأصلهم فلاحون، والفلاح يخشى أن ينفق المال على أمر لا يعرف مردوده، وكانت الصناعة في بدايتها مغامرة كبرى(وما تزال) فتراجع رجال الإقطاع وتقدم اليهود الذين يعرفون كيف يقرضون المال ولا يخسرون شيئا، فهم يقدمون المال بأرباح ربوية، وتقدم لهم الضمانات.
ومع تمكن اليهود من السيطرة الاقتصادية دخلوا الميدان الفكري وذلك من خلال وسائل الإعلام التي استطاعوا من خلالها توجيه الفكر وصناعة الرأي العام. وثمة نظرية خاطئة وهي: أن الجمهور هو الذي يصنع الرأي العام بل الإعلام هو الذي يصنعه. ومن خلال نفوذهم الفكري روجوا لفكر ماركس وفرويد ودوركايم. كما اعتمدوا على نظرية داروين فبالرغم من انه ليس يهودياً لكنه استغلوا نظريته في نشر أفكارهم. وهذا ما يقوله أحد البروتوكولات: "نحن الذين رتبنا نجاح داروين لأننا نعرف تأثير أفكاره."
الأخلاق والحياة الاجتماعية
وانفلت الأوروبيون في مجال الأخلاق والحياة الاجتماعية، فحطموا كل ما بقي من قيم وأخلاق يتمسكون بها ،وكان للداروينية أبعد الأثر فهي التي أقنعتهم بحيوانيتهم ،وفي الحقيقة إن الإنسان إذا ما تخلى عن القيم فيصبح بالتالي أكثر حيوانية من الحيوانات أنفسها .وقد سمحت أوروبا لنفسها أن تبيح العلاقات المحرمة فليس في القانون ما يمنع من الممارسات الجنسية بين الأقارب (الأبناء والأخوات وغير ذلك). وهم في هذا أضل من الأنعام فالحصان لا يأتي أمه. وقد خدع حصان ليأتي أمه فما كان منه الاّ أن انتحر حينما أدرك ذلك. والجمل لا يمكن أن يأتي أنثاه بمرأى من أي إنسان ولو علم أن إنسانا شاهده لقتله ولو بعد حين.
أما ما بقي من أخلاق التعامل اليومي التي يخدع بها العرب والمسلمون من حيث الاهتمام بالمواعيد والابتعاد عن الغش التجاري، وعدم الكذب في الأمور العامة أو السير على الرصيف بأدب حتى أن هذه الأخلاقيات راعت الشيخ محمد عبده حينما زار أوروبا فعاد يقول: "رأيت إسلاماً ولم أر مسلمين". وهذه بالفعل أخلاق جميلة والمسلمون أولى بها. وإنما هي في الحقيقة أخلاقا نفعية، وليست أخلاقاً أخلاقية. والأخلاق النفعية هي أخلاق التاجر اليهودي فهو لا يتعجل في نهب الزبون بل يتودد إليه ويصدق وينضبط لكي يستجلب رضى الزبون. وهذا عكس التاجر في مكة هذه الأيام الذي يصر على أخذ ما جيب الزبون من أول مرة.
كيف وصلت إلينا هذه الاتجاهات؟
هذه هي أوروبا وهذه الظروف التي أنشأت الانحراف أما نحن فما بالنا ؟لماذا تشربنا هذه السموم؟ هل عندنا كنيسة تنفرنا من الدين ،هل في ديننا خزعبلات مثل التثليث، الصليب، التكفير، هل عندنا كهنوت، هل عندنا رجال دين ففرضوا علينا ما ليس من عند الله؟ ماذا أصابنا فتقبلنا هذه المذاهب الهدامة فاعتنقناها وصرنا ندعو إليها؟
لقد كان الإسلام في القمة وبدأنا في النزول من القمة في عهد الخلافة الراشدة إلى الحضيض حتى أصبحنا غثاء كغثاء السيل وهو ما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قلنا أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله فقال بل أنتم كثير، ولكنكم كغثاء السيل. وظلت الأمة الإسلامية تهوي من الذروة العالية( تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الاّ هالك) .ولم يكن الهبوط مستمراً في خط بياني بل كان متذبذباً بسبب الانحرافات وهي كثيرة ولكن أبرزها ما يأتي:
1- التفلت من التكاليف الربانية، وهو أمر بشري حيث قال الله عز وجل عن آدم عليه السلام (وعهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما) ويقول جل وعلا ( وخلق الإنسان ضعيفاً) ولكن العلاج هو التذكير( فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين). ولكن الأمة الإسلامية ظلت تنسى وتغفل ولم يكن التذكير فعالاً.
2- الصوفية والفكر الإرجائي: لقد دخل الحياة الإسلامية تياران متضادان :الأول الصوفية وعيبها الأساس هو أنها تطمع العبد برضى مولاه دون التكاليف ومن ذلك أن الورد الذي يقال عشر مرات أو مئة مرة أو غير ذلك كفيل بحصول الإنسان على مرضاة الله عز وجل. أما الفكر الارجائي فهو الذي يرى أن الإيمان هو التصديق بالقلب والإقرار دون العمل. وكما يقول العامة (ربّك رب قلوب ما دام قلبك عمران فلا يهمك ما تفعل)0
3- الاستبداد السياسي: وقد بدأ الاستبداد السياسي منذ الدولة الأموية وتظهر خطورة الاستبداد السياسي في أنه حوّل الإسلام تدريجيا من ممارسة جماعية إلى ممارسة فردية .وصار الناس يتمسكون بالإسلام في حياتهم الخاصة خوفاً من السلطان. وهكذا ظل الإسلام ينحسر في نفوس المسلمين بدءاً بمفهوم لا إله الا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعمل بمقتضاها في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيره ،فقد وقر في أنفس المسلمين أن مجرد التلفظ بالشهادتين يضمن لهم الجنة. ومن المهم أن ندرك أن مفهوم العبادة أيضا تعرض للتحريف فحياة المسلم كلها عبادة وهذا ما جاء في قوله سبحانه وتعالى {وما خلقت الإنس والجن إلاّ ليعبدون} فالتكليف بالجهاد والصلاة والحج وغيرها عبادة {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} فالعبادة ليست هي الشعائر التعبدية. فقد جاء قوله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم} فمعناها يذكرون الله سبحانه وتعالى في كل لحظة،ما ذا يريد الله منّا في هذه اللحظة، هل نحن في الحلال أو في الحرام؟ فذكر الله عمل سلوكي وليس فقط باللسان.
وهكذا فقد حدث تخلف عقدي نشأ عنه تخلف حضاري وسياسي واقتصادي. فالتخلف الحضاري الذي تعاني منه الأمة الإسلامية في العصر الحاضر إنما هو عرض لمرض سابق وهو التخلف العقدي. وفي هذه الأثناء جاء الغرب الصليبي بجيوشه فهزم العامل الإسلامي وانبهر المسلمون أمام أعدائهم ،ولم يكن الانبهار بسبب الهزيمة العسكرية ففي المرة الأوروبية التي وقعت فيها الحروب الصليبية تمسك المسلمون بعقيدتهم ولم يحنوا أرواحهم كما فعلوا في المرة الأخيرة. ذلك أنهم كانوا في المرة الأولى يدركون قوله تعالى {ولا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}
ولما جاءت الصليبية في المرة الثانية في الحملات الاستعمارية فإن المسلمين ذلوا لأن الإيمان لم يكن صادقاً. أما القول بأن السبب هو الفارق الحضاري فليس صحيحاً ذلك أن المسلمين واجهوا حينما خرجوا في الفتوحات الإسلامية حضارات أرقى مما عرفوا ولكنهم كانوا ينتقون منها انتقاء السيد الحر المال لأمره. فتعلم المسلمون الإغريقية ليترجموا العلوم، ولم يترجموا الأساطير.وفي حركة الأخذ الثانية أصبح يقال من لم يعرف الأساطير اليونانية فلا يستطيع أن يكون أديباً ولن يكون في المرة الأولى كان المسلمون يحتقرون الصليبيين لدياثتهم وانهم لا أعراض لهم وكانوا يقولون عنهم أنهم عبّاد الصليب.أما في المرة الثانية فقد كتبت مجلة روز اليوسف "إلى متى نظل رجعيين يكون الواحد مع زوجته وتلقى صديقها فيصر الزوج على البقاء مع زوجته ولا يسمح لها بالتحدث بحرية؟".
إننا لمّا تخلفنا وانبهرنا أقبلنا على الفكر الممسوخ وتركنا ما يخرج بنا من وهدتنا ويرتفع بنا إلى الرقي تركنا ما عندهم من علم، وتركنا جلدهم على العمل، وتركنا ما عندهم من تنظيم عبقري. ما ذا أخذنا منهم؟ يخرجون نساءهم عرايا فقلنا هذا هو التقدم، وهذا مصداق لقوله صلى الله عليه وسلم بأننا سنتبعهم حذو القذة بالقذة، وحتى لو دخلوا جحر ضب لدخلناه. وجدناهم يرقصون فشجعنا الرقص، وجدناهم يشربون الخمر فشربناها مثلهم، وجدناهم يلعنون دينهم وينسلخون منه فقلدناهم في ذلك.
تعليق