الإسلام و الغرب > عداء الغرب للإسلام والمسلمين ليس وهماً >
"لقد عادت روسيا بوجهها القبيح مرة أخرى... إنها تنفض الغبار عن تاريخها الأسود مع مسلمي البلقان.. فماذا نحن فاعلون؟" بهذه العبارة ختم الكاتب المتميّز الدكتور عبد الواحد الحميد مقالته في صحيفة عكاظ يوم السبت الموافق 15 رجب 1415هـ (العدد10358)
أثارت هذه المقالة الأستاذ عبد الله أبو السمح فكتب بعد أربعة أيام في زاويته(رأي آخر) بعنوان "غارة وهمية" (عكاظ عدد10362) صبّ فيه جام غضبه على الكتاّب لتوهمهم بأن هناك "غارة" على العالم الإسلامي من دول "الكفر" لإخراجهم من ديارهم أو من دينهم أو من الاثنين معا، ولا شك أن ذلك وهم كبير وخطأ فادح، فلا أحد يعادي المسلمين إلاّ المسلمون أنفسهم، وعـدو للمسلمين إلاّ جهلهم وتخلفهم ونزعاتهم الضيقة." وصرّح أبو السمح بأن سبب العداء "ليس لكـونهم مسلمين، ولكن بصفتهم السياسية ..دولة أو تشكيلا أو أقلية، لذلك إذا أردنا أن نتعاطف معهم فلا أقل من أن نعرف سبب المشكلة وأصلها لا أن نثير عواطف الناس بادعاءات وافتراضات تتعارض مع الحق والواجب."
فهل صحيح أن عداء الغرب للإسلام والمسلمين وهم وليس حقيقة؟ وهل صحيح أن عداء الغرب إنما هو لأهداف سياسية، وأن الحديث عن العداء للإسلام ما هو إلاّ ادّعاء وافتراض يتعارض مع الحق والواجب؟
أعتذر أولاً أنني لم أتشرف بمعرفة الأستاذ عبد الله أبو السمح وخلفيته الثقافية والعلمية، وإن كانت مقالته هذه ومقالته الأخرى التي انتقد فيها الفلسطينيين الذين يعترضون على مسيرة السلام في بلادهم تنبي عن خلفية معينة جعلته يقف هذا الموقف الذي لا يحسد عليه.
وأحب أن أؤكد ابتداءً أنني لا أنتصر للدكتور عبد الواحد الحميد أو الكتّاب الذين يتحدثون عن عداء الغرب للإسلام والمسلمين (وأنا واحد منهم)، فليس يجمعني بالدكتور عبد الواحد الحميد من صلة سوى مكالمة هاتفية رغبة في الإفادة من مصادر المعلومات التي يستخدمها في إعداد مقالاته. ولكني تخصصت في دراسة الاستشراق، وأمضيت من عمري سنين أبحث في مواقف الغرب من الإسلام والمسلمين ، لذلك أجد واجباً عليّ أن أتحدث في هذا الموضوع .
من أين نبدأ بالحديث عن عداء الغرب للإسلام والمسلمين؟ لنبدأ من عصورهم الوسطى، وعصور الازدهار الإسلامي، تلك العصور التي خرج فيها بطرس الناسك (وللنصارى بطرس معـاصر) يحرّض النصارى على حرب المسلمين واسترداد بيت المقدس من أيديهم، وكان هذا بتأييد البابا في الفاتيكان. وكانت الحروب الصليبية التي شغلت العالم الإسلامي قرابة قرنين من الزمان، عادت منها أوروبا بمعرفة أصول نهضة المسلمين، فأفادوا من ذلك وعاد المسلمون إلى النوم والسبات أو مداواة آثار تلك الحروب الطويلة. ومع ذلك فقد كان ظهور الدولة العثمانية نصراً للإسلام والمسلمين طوال حياة هذه الدولة.
ونهضت أوروبا في جميع المجالات، وأفادت من تراث المسلمين، وكان رد الجميل أن امتلأت مكتبات أوروبا بمئات أو ألوف المؤلفات التي تقطر حقداً على الإسلام والمسلمين حتى أصبح الأوروبيون يتوارثون العداء لنا ليس من خلال تراثهم الفكري فقط بل أكاد أجزم أنه دخل في تركيب جيناتهم (مورثاتهم)، وعندما أراد الأوروبيون تغيير خطتهم في حرب الإسلام والمسلمين كتب بعضهم كتباً ينتقدون فيها أجدادهم أو الحقد الأوروبي الذي كانت الكنيسة رائدته ومن أمثلة هذه الكتب كتاب ريتشارد سوذرن صورة الإسلام في العصور الوسطى، وكتاب نورمان دانيال الإسلام والغرب:صناعة الصورة.
ولم تتناول هذه الكتابات إلاّ جانبا واحداً من علاقة المسلمين بالنصارى أو بالغرب ويقول في ذلك الدكتور رضوان السيد- الذي ترجم الكتاب الأول- :" لكن الوجوه الأخرى لعلاقة الحضـارة الإسلامية بالغرب على المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بقيت بمنأى عن المعالجة". ولو نجحت هذه الكتابات حقا لما ظل الحقد والعداء يسيطر على كتابات كثير من الغربيين حتى هذه الساعة.
وهذه فرنسا ما كادت تنجح ثورتها المشهورة (التي عدت من الثورات الكبرى في تاريخ البشرية) وأعلنت مبادئ حقوق الإنسان الذي يفتخر به الغرب حتى نقضت هذه الحقوق بالنسبة للمسلمين، ويقول في ذلك عصمت سيف الدولة في محاضرة له حول الإسلام وحقوق الإنسان (رضوان السيد ،الفكر الإسلامي المعاصر وحقوق الإنسان-الحياة 21ديسمبر1994):" حتى عرفنا من واقع تاريخنا كيف تتحول الكلمات الكبيرة النبيلة إلى كبائر، فنحن لا نستطيع أن ننسى أن أصحاب إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي هم الذين لم يلبثوا - قبل أن يجف حبر إعلانهم - أن أعدّوا العدة وأرسلوا قواتهم بقيادة فتاهم نابليون لاحتلال مصر." فهل هذا التاريخ وهم أو حقيقة؟
عجبت لتصور الأستاذ عبد الله أبو السمح أن الحديث عن عداء الغرب للإسلام والمسلمين إنما هو وهم أسماه أبو السمح (الغارة الوهمية)، لقد صحب نابليون معه في حملته على مصر جيشاً من المستشرقين والعلماء ليس حباً في مصر، ولكن لإحكام السيطرة عليها في جميع المجالات. ولما غادر نابليون مصر بعث إلى نائبه في مصر أن يبعـث إليه 500أو 600 شيخا من المماليك، والهدف من هذه البعثة كما يقول محمود شاكر في كتـابه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا نقلاً عن رسالة نابليون: "فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يحجـزون مدة سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة(الفرنسية)، ويعتادون على تقاليدنا ولغتنـا، ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حـزب يضم إلى غيرهم" .وقد كتب محمد المنوني في كتابه يقظة المغرب العربي أن المشرف الفرنسي على إحدى البعثات الطلابية المغربية طلب أن يبقى الطلاب المغاربة مدة أطول في فرنسا بعد انتهاء بعثتهم ليتشبعوا بعظمة فرنسا وحضارتها.
ونواصل مع محمود شاكر في حديثه عن محمد علي سرششمة أنه بعد أن استقر في الحكم "وازداد إطباق "القناصل" و "المستشرقين" على عقله وقلبه وخاصة الفرنسيين منهم، وكان من تخطيـط هؤلاء الاستيلاء على عقول بعض شباب البلاد من خلال الابتعاث إلى أوروبا بعامة وفرنسا بخاصة. ويقول محمود شاكر "وسنحت لجومار (أحد المستشرقين) أعظم فرصة باستجابة محمد علي لإرسال بعثات إلى أوروبه فبنى مشروعه ... على شباب غض يبقون في فرنسا سنوات تطول أو تقصر يكونون أشد استجابة على اعتياد لغة فرنسا وتقاليدها، فإذا عادوا إلى مصر كانوا حزبا لفرنسا، وعلى مر الأيام يكبرون ويتولون المناصب صغيرها وكبيرها، ويكون أثرهم أشد تأثيراً في بناء جماهير كثيرة تبث الأفكار التي يتلقونها في صميم شعب دار الإسلام في مصر."
وحل الاستعمار الإنجليزي بمصر وبغير مصر فظهر عداء الغرب للإسلام والمسلمين، ولو اقتصر الأمر على حرمان بلد مسلم من السيادة والاستقلال لهان الأمر لأن روح الجهاد إذا ما استيقظ لم يبـق للأجنبي وجود. ولكن الغرب يعرف هذا تماماً فكان حرصه على قتل هذه الروح. فما كان لهم من سبيل إلاّ العبث بالتعليم، فلما تولى اللورد كرومر منصب أول حاكم عام لمصر (1893-1907م)، وكان مسؤولاً عن حكم مصر مدة تصل إلى أربع عشرة سنة، وكان رأيه كما جاء في كتابه الذي نشره بعد مغادرته مصر(مصر الحديثة) :" إن الخلاف الشديد بين المسلمين والمستعمر الغربي في العقائد، وفي القيم، وفي التقاليد وفي اللغة وفي الفن، وفي الموسيقى.." ولا بد من التغلب على هذا الخلاف وثمة طريقان في رأيه: أحدهما هو تربية جيل من المصريين العصريين الذين ينشؤون تنشئة خاصة تقربهم من الأوروبيين ومن الانجليز على وجه الخصوص في طرائق السلوك والتفكير، ومن أجل ذلك أنشأ كرومر كلية فيكتوريا التي قصد بها تربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا من بعد هم أدوات المستعمر الغربي في إدارة شؤون المسلمين، وليكونوا في الوقت نفسه على مضي الوقت أدواته في التقريب بين المسلمين وبين المستعمر الأوروبي، وفي نشر الحضارة الغربية." وقد حدثني أحد الذين درسوا في هذه المدرسة انهم كان محرما عليهم التحدث باللغة العربية في المدرسة، ويعاقب من يضبط متلبسا بالحديث باللغة العربية. أما الصلاة والدين فلم يكن لهما مكانا في هذه المدرسة.
وكان التعليم في عهد كرومر قد أنيط بالقسيس دنلوب الذي يقول عنه محمود شاكر:" فأسند التعليم إلى قسّيس مبشر عاتٍ خبيث هو "دنلوب"" ويضيف: "وجاء الاستشراق الإنجليزي ليحدث في ثقافة الأمة المصرية صدعا متفاقما أخبث وأعتى من الصدع الذي أحدثه الاستشراق الفرنسي." وهذا الصدع هو ربط ثقافة المصريين بالفرعونية.
وكان موقف الاحتلال الإنجليزي في الأردن شبيها بما حدث في مصر فحدد المندوب (السامي) مثلا الحصص المخصصة للدين ، ويذكر أن أحد المسؤولين الإنجليز زار مدرسة فسأل عن الجدول فوجد أن حصص الدين أكثر مما هو مسموح به فاستشاط غضباً. وأما المنهج الدراسي فكان ضعيفا حيث لم تزد عدد السور المطلوب حفظها عن بضعة سور في المرحلة الابتدائية، ولم يكن ثمة مكان لحفـظ أي عدد من الأحاديث النبوية الشريفة. أليس هذا التدخل في المناهج الدراسية يعد من العداء للإسلام والمسلمين، فإذا لم يكن عداءً فما العداء إذن؟
ومما يؤكد هذه العداوة ما جاء في الآية الكريمة {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}التي يقول القرطبي في تفسيرها: "يعني ظهرت العداوة والتكذيب لكم من أفواههم. والبغضاء: البغض، وهو ضد الحب ... وخص تعالى الأفواه بالذكر دون الألسنة إشارة إلى تشدقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه، فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه. وتتمة الآية (وما تخفي صدورهم أكبر) يقول القرطبي أن معناها:"إخبار وإعلام بأنهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم .
والآيات التي توضح حقيقة موقف النصارى واليهود من المسلمين كثيرة وأترك الحديث عن تفسيرها، لأتناول هنا الحقائق التاريخية والواقعية لهذه العداء. فقد أصدر آصف حسين الباحث المسلم الذي يعيش في بريطانيا منذ عدة سنوات، ويدير كلية إسلامية في مدينة ليستر كتابا بعنوان صراع الغرب مع الإسلام: استعراض للعداء التقليدي للاسلام في الغرب )عام1990م جاء في مقدمته:" غالباً ما يتهم الغرب بأنه معاد للإسلام وللعالم الإسلامي، وتهدف هذه الدراسة إلى البحث في مدة صحة هذه الفكرة أو هل هي من صنع الخيال [ كما يرى أبو السمح] ." وتحدث المؤلف عن معاداة السامية في الغرب وسبب ظهورها، كما تناول النزعة العنصرية لدى الأوروبيين، وقد بدأت اللاسامية بالاختفاء بسبب من قوة اليهود في الغرب فبقيت إذن النزعة العنصرية، وقد استشهد آصف حسين بمقولتين اختارهما عشوائيا للدلالة على هذه العداء. فالمقولة الأولى ليهودي فرنسي هو نائب رئيس لجنة اليهود الفرنسيين :" ليس في فرنسا مشكلة عنصرية، إن المشكلة تجد طرقاً للاستمرار بظهور الإسلام." (الجارديان 26 أبريل 1988م)، والمقولة الثانية هي لوزير ينتمي لحزب المحافظين يقول فيها: "يجب إعادة فتح بريطانيا للانجليز، ويجب طرد المسلمين إلى ديارهم إذا كانوا لا يستطيعون أن يعيشوا في بلد يسمح فيه لسلمان رشدي بحرية التعبير عن آرائه."(الجارديان 29 أغسطس 1988م). وقد حاولت هذه الدراسة تناول هذا العداء في مختلف المجالات، وعلى مر العصور ولذلك جاءت في سبعة فصول من أبرزها :" النصرانية والصليبيون، والرحالة والتجسس، والاستعمار والمستشرقون، والمنصّرون والحضارة، والعرقية والصور الجامدة، وعلم الاجتماع ونظريات التطور وأخيراً الإعلام وفساده.
وليس من هدف هذه المقالة استعراض هذه الدراسة ( التي أرجو أن تظهر باللغة العربية قريبا)، ولكنه عرض نماذج من عداء الغرب للإسلام والمسلمين. فقد اشتركت هيئة الإذاعة البريطانية (القسم العربي) مع المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية لعقد عدة ندوات للحوار بين العالم العربي وأوروبا، وعقدت ندوة في البحرين وأخرى في القاهرة، وباستعراض أسماء الذين اشتركوا هي هذه الندوات تجد أن صوت الإسلام كان غائبا هن هذه الندوات، وكأن القائمين على هذه النشاطات لا يريدون سماع صوت يخالف توجهاً معيناً أو هم يسمعون صوتهم وصدى هذا الصوت .
ولننتقل إلى نموذج آخر من هذا العداء فقد كنت أراجع بعض النشاطات الاستشراقية في الهيئات والمؤسسات العلمية والثقافية البريطانية فوجدت عدداً من الذين رفضت أعمالهم في البلاد العربية الإسلامية هم الذين يتصدرون هذه الندوات والمحاضرات. فهؤلاء الذين تفتح لهم الأبواب على مصاريعها هم الذين يحاربون ثوابت الأمة الإسلامية، ويحتقرونها، وينتقدون الإسلام والمسلمين. وهذا هو الدليل لما أقول: قام معهد الفنون الحديثة باستضافة عدد من الكتاب والأدباء العرب لإلقاء محاضرات أو المشاركة في ندوات. والمعهد مؤسسة غير ربحية مسجلة في بريطانيا ولهذه المؤسسة أهداف تعليمية خيرية، ويحصل المعهد على مساعدة مالية من مجلس الفنون البريطاني ومعهد الفيلم البريطاني ومؤسسة راين Rayne، ومن أهداف المعهد أيضاً توفير المكان للتعبير عن وجهات النظر المتعددة. أما الذين استضافهم هذا المعهد فمنهم : محمد شكري صاحب كتاب "الخبز الحافي"، الرواية الممنوعة في معظم البلاد العربية وتسخر من الإسلام . ومنهم عبد الرحمن منيف صاحب رواية "مدن الملح "التي لا تختلف عن رواية الخبز الحافي. وقدم المعهد لقاءً مع نوال السعداوي وحنان الشيح وعائشة جبار وغيرهم . فهل هذا الاهتمام بكل المنحرفين والضاليين يعد عداءً حقيقياً أو وهميا؟
أثارت هذه المقالة الأستاذ عبد الله أبو السمح فكتب بعد أربعة أيام في زاويته(رأي آخر) بعنوان "غارة وهمية" (عكاظ عدد10362) صبّ فيه جام غضبه على الكتاّب لتوهمهم بأن هناك "غارة" على العالم الإسلامي من دول "الكفر" لإخراجهم من ديارهم أو من دينهم أو من الاثنين معا، ولا شك أن ذلك وهم كبير وخطأ فادح، فلا أحد يعادي المسلمين إلاّ المسلمون أنفسهم، وعـدو للمسلمين إلاّ جهلهم وتخلفهم ونزعاتهم الضيقة." وصرّح أبو السمح بأن سبب العداء "ليس لكـونهم مسلمين، ولكن بصفتهم السياسية ..دولة أو تشكيلا أو أقلية، لذلك إذا أردنا أن نتعاطف معهم فلا أقل من أن نعرف سبب المشكلة وأصلها لا أن نثير عواطف الناس بادعاءات وافتراضات تتعارض مع الحق والواجب."
فهل صحيح أن عداء الغرب للإسلام والمسلمين وهم وليس حقيقة؟ وهل صحيح أن عداء الغرب إنما هو لأهداف سياسية، وأن الحديث عن العداء للإسلام ما هو إلاّ ادّعاء وافتراض يتعارض مع الحق والواجب؟
أعتذر أولاً أنني لم أتشرف بمعرفة الأستاذ عبد الله أبو السمح وخلفيته الثقافية والعلمية، وإن كانت مقالته هذه ومقالته الأخرى التي انتقد فيها الفلسطينيين الذين يعترضون على مسيرة السلام في بلادهم تنبي عن خلفية معينة جعلته يقف هذا الموقف الذي لا يحسد عليه.
وأحب أن أؤكد ابتداءً أنني لا أنتصر للدكتور عبد الواحد الحميد أو الكتّاب الذين يتحدثون عن عداء الغرب للإسلام والمسلمين (وأنا واحد منهم)، فليس يجمعني بالدكتور عبد الواحد الحميد من صلة سوى مكالمة هاتفية رغبة في الإفادة من مصادر المعلومات التي يستخدمها في إعداد مقالاته. ولكني تخصصت في دراسة الاستشراق، وأمضيت من عمري سنين أبحث في مواقف الغرب من الإسلام والمسلمين ، لذلك أجد واجباً عليّ أن أتحدث في هذا الموضوع .
من أين نبدأ بالحديث عن عداء الغرب للإسلام والمسلمين؟ لنبدأ من عصورهم الوسطى، وعصور الازدهار الإسلامي، تلك العصور التي خرج فيها بطرس الناسك (وللنصارى بطرس معـاصر) يحرّض النصارى على حرب المسلمين واسترداد بيت المقدس من أيديهم، وكان هذا بتأييد البابا في الفاتيكان. وكانت الحروب الصليبية التي شغلت العالم الإسلامي قرابة قرنين من الزمان، عادت منها أوروبا بمعرفة أصول نهضة المسلمين، فأفادوا من ذلك وعاد المسلمون إلى النوم والسبات أو مداواة آثار تلك الحروب الطويلة. ومع ذلك فقد كان ظهور الدولة العثمانية نصراً للإسلام والمسلمين طوال حياة هذه الدولة.
ونهضت أوروبا في جميع المجالات، وأفادت من تراث المسلمين، وكان رد الجميل أن امتلأت مكتبات أوروبا بمئات أو ألوف المؤلفات التي تقطر حقداً على الإسلام والمسلمين حتى أصبح الأوروبيون يتوارثون العداء لنا ليس من خلال تراثهم الفكري فقط بل أكاد أجزم أنه دخل في تركيب جيناتهم (مورثاتهم)، وعندما أراد الأوروبيون تغيير خطتهم في حرب الإسلام والمسلمين كتب بعضهم كتباً ينتقدون فيها أجدادهم أو الحقد الأوروبي الذي كانت الكنيسة رائدته ومن أمثلة هذه الكتب كتاب ريتشارد سوذرن صورة الإسلام في العصور الوسطى، وكتاب نورمان دانيال الإسلام والغرب:صناعة الصورة.
ولم تتناول هذه الكتابات إلاّ جانبا واحداً من علاقة المسلمين بالنصارى أو بالغرب ويقول في ذلك الدكتور رضوان السيد- الذي ترجم الكتاب الأول- :" لكن الوجوه الأخرى لعلاقة الحضـارة الإسلامية بالغرب على المستويات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بقيت بمنأى عن المعالجة". ولو نجحت هذه الكتابات حقا لما ظل الحقد والعداء يسيطر على كتابات كثير من الغربيين حتى هذه الساعة.
وهذه فرنسا ما كادت تنجح ثورتها المشهورة (التي عدت من الثورات الكبرى في تاريخ البشرية) وأعلنت مبادئ حقوق الإنسان الذي يفتخر به الغرب حتى نقضت هذه الحقوق بالنسبة للمسلمين، ويقول في ذلك عصمت سيف الدولة في محاضرة له حول الإسلام وحقوق الإنسان (رضوان السيد ،الفكر الإسلامي المعاصر وحقوق الإنسان-الحياة 21ديسمبر1994):" حتى عرفنا من واقع تاريخنا كيف تتحول الكلمات الكبيرة النبيلة إلى كبائر، فنحن لا نستطيع أن ننسى أن أصحاب إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي هم الذين لم يلبثوا - قبل أن يجف حبر إعلانهم - أن أعدّوا العدة وأرسلوا قواتهم بقيادة فتاهم نابليون لاحتلال مصر." فهل هذا التاريخ وهم أو حقيقة؟
عجبت لتصور الأستاذ عبد الله أبو السمح أن الحديث عن عداء الغرب للإسلام والمسلمين إنما هو وهم أسماه أبو السمح (الغارة الوهمية)، لقد صحب نابليون معه في حملته على مصر جيشاً من المستشرقين والعلماء ليس حباً في مصر، ولكن لإحكام السيطرة عليها في جميع المجالات. ولما غادر نابليون مصر بعث إلى نائبه في مصر أن يبعـث إليه 500أو 600 شيخا من المماليك، والهدف من هذه البعثة كما يقول محمود شاكر في كتـابه رسالة في الطريق إلى ثقافتنا نقلاً عن رسالة نابليون: "فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يحجـزون مدة سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة(الفرنسية)، ويعتادون على تقاليدنا ولغتنـا، ولما يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حـزب يضم إلى غيرهم" .وقد كتب محمد المنوني في كتابه يقظة المغرب العربي أن المشرف الفرنسي على إحدى البعثات الطلابية المغربية طلب أن يبقى الطلاب المغاربة مدة أطول في فرنسا بعد انتهاء بعثتهم ليتشبعوا بعظمة فرنسا وحضارتها.
ونواصل مع محمود شاكر في حديثه عن محمد علي سرششمة أنه بعد أن استقر في الحكم "وازداد إطباق "القناصل" و "المستشرقين" على عقله وقلبه وخاصة الفرنسيين منهم، وكان من تخطيـط هؤلاء الاستيلاء على عقول بعض شباب البلاد من خلال الابتعاث إلى أوروبا بعامة وفرنسا بخاصة. ويقول محمود شاكر "وسنحت لجومار (أحد المستشرقين) أعظم فرصة باستجابة محمد علي لإرسال بعثات إلى أوروبه فبنى مشروعه ... على شباب غض يبقون في فرنسا سنوات تطول أو تقصر يكونون أشد استجابة على اعتياد لغة فرنسا وتقاليدها، فإذا عادوا إلى مصر كانوا حزبا لفرنسا، وعلى مر الأيام يكبرون ويتولون المناصب صغيرها وكبيرها، ويكون أثرهم أشد تأثيراً في بناء جماهير كثيرة تبث الأفكار التي يتلقونها في صميم شعب دار الإسلام في مصر."
وحل الاستعمار الإنجليزي بمصر وبغير مصر فظهر عداء الغرب للإسلام والمسلمين، ولو اقتصر الأمر على حرمان بلد مسلم من السيادة والاستقلال لهان الأمر لأن روح الجهاد إذا ما استيقظ لم يبـق للأجنبي وجود. ولكن الغرب يعرف هذا تماماً فكان حرصه على قتل هذه الروح. فما كان لهم من سبيل إلاّ العبث بالتعليم، فلما تولى اللورد كرومر منصب أول حاكم عام لمصر (1893-1907م)، وكان مسؤولاً عن حكم مصر مدة تصل إلى أربع عشرة سنة، وكان رأيه كما جاء في كتابه الذي نشره بعد مغادرته مصر(مصر الحديثة) :" إن الخلاف الشديد بين المسلمين والمستعمر الغربي في العقائد، وفي القيم، وفي التقاليد وفي اللغة وفي الفن، وفي الموسيقى.." ولا بد من التغلب على هذا الخلاف وثمة طريقان في رأيه: أحدهما هو تربية جيل من المصريين العصريين الذين ينشؤون تنشئة خاصة تقربهم من الأوروبيين ومن الانجليز على وجه الخصوص في طرائق السلوك والتفكير، ومن أجل ذلك أنشأ كرومر كلية فيكتوريا التي قصد بها تربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي ليكونوا من بعد هم أدوات المستعمر الغربي في إدارة شؤون المسلمين، وليكونوا في الوقت نفسه على مضي الوقت أدواته في التقريب بين المسلمين وبين المستعمر الأوروبي، وفي نشر الحضارة الغربية." وقد حدثني أحد الذين درسوا في هذه المدرسة انهم كان محرما عليهم التحدث باللغة العربية في المدرسة، ويعاقب من يضبط متلبسا بالحديث باللغة العربية. أما الصلاة والدين فلم يكن لهما مكانا في هذه المدرسة.
وكان التعليم في عهد كرومر قد أنيط بالقسيس دنلوب الذي يقول عنه محمود شاكر:" فأسند التعليم إلى قسّيس مبشر عاتٍ خبيث هو "دنلوب"" ويضيف: "وجاء الاستشراق الإنجليزي ليحدث في ثقافة الأمة المصرية صدعا متفاقما أخبث وأعتى من الصدع الذي أحدثه الاستشراق الفرنسي." وهذا الصدع هو ربط ثقافة المصريين بالفرعونية.
وكان موقف الاحتلال الإنجليزي في الأردن شبيها بما حدث في مصر فحدد المندوب (السامي) مثلا الحصص المخصصة للدين ، ويذكر أن أحد المسؤولين الإنجليز زار مدرسة فسأل عن الجدول فوجد أن حصص الدين أكثر مما هو مسموح به فاستشاط غضباً. وأما المنهج الدراسي فكان ضعيفا حيث لم تزد عدد السور المطلوب حفظها عن بضعة سور في المرحلة الابتدائية، ولم يكن ثمة مكان لحفـظ أي عدد من الأحاديث النبوية الشريفة. أليس هذا التدخل في المناهج الدراسية يعد من العداء للإسلام والمسلمين، فإذا لم يكن عداءً فما العداء إذن؟
ومما يؤكد هذه العداوة ما جاء في الآية الكريمة {قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر}التي يقول القرطبي في تفسيرها: "يعني ظهرت العداوة والتكذيب لكم من أفواههم. والبغضاء: البغض، وهو ضد الحب ... وخص تعالى الأفواه بالذكر دون الألسنة إشارة إلى تشدقهم وثرثرتهم في أقوالهم هذه، فهم فوق المتستر الذي تبدو البغضاء في عينيه. وتتمة الآية (وما تخفي صدورهم أكبر) يقول القرطبي أن معناها:"إخبار وإعلام بأنهم يبطنون من البغضاء أكثر مما يظهرون بأفواههم .
والآيات التي توضح حقيقة موقف النصارى واليهود من المسلمين كثيرة وأترك الحديث عن تفسيرها، لأتناول هنا الحقائق التاريخية والواقعية لهذه العداء. فقد أصدر آصف حسين الباحث المسلم الذي يعيش في بريطانيا منذ عدة سنوات، ويدير كلية إسلامية في مدينة ليستر كتابا بعنوان صراع الغرب مع الإسلام: استعراض للعداء التقليدي للاسلام في الغرب )عام1990م جاء في مقدمته:" غالباً ما يتهم الغرب بأنه معاد للإسلام وللعالم الإسلامي، وتهدف هذه الدراسة إلى البحث في مدة صحة هذه الفكرة أو هل هي من صنع الخيال [ كما يرى أبو السمح] ." وتحدث المؤلف عن معاداة السامية في الغرب وسبب ظهورها، كما تناول النزعة العنصرية لدى الأوروبيين، وقد بدأت اللاسامية بالاختفاء بسبب من قوة اليهود في الغرب فبقيت إذن النزعة العنصرية، وقد استشهد آصف حسين بمقولتين اختارهما عشوائيا للدلالة على هذه العداء. فالمقولة الأولى ليهودي فرنسي هو نائب رئيس لجنة اليهود الفرنسيين :" ليس في فرنسا مشكلة عنصرية، إن المشكلة تجد طرقاً للاستمرار بظهور الإسلام." (الجارديان 26 أبريل 1988م)، والمقولة الثانية هي لوزير ينتمي لحزب المحافظين يقول فيها: "يجب إعادة فتح بريطانيا للانجليز، ويجب طرد المسلمين إلى ديارهم إذا كانوا لا يستطيعون أن يعيشوا في بلد يسمح فيه لسلمان رشدي بحرية التعبير عن آرائه."(الجارديان 29 أغسطس 1988م). وقد حاولت هذه الدراسة تناول هذا العداء في مختلف المجالات، وعلى مر العصور ولذلك جاءت في سبعة فصول من أبرزها :" النصرانية والصليبيون، والرحالة والتجسس، والاستعمار والمستشرقون، والمنصّرون والحضارة، والعرقية والصور الجامدة، وعلم الاجتماع ونظريات التطور وأخيراً الإعلام وفساده.
وليس من هدف هذه المقالة استعراض هذه الدراسة ( التي أرجو أن تظهر باللغة العربية قريبا)، ولكنه عرض نماذج من عداء الغرب للإسلام والمسلمين. فقد اشتركت هيئة الإذاعة البريطانية (القسم العربي) مع المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية لعقد عدة ندوات للحوار بين العالم العربي وأوروبا، وعقدت ندوة في البحرين وأخرى في القاهرة، وباستعراض أسماء الذين اشتركوا هي هذه الندوات تجد أن صوت الإسلام كان غائبا هن هذه الندوات، وكأن القائمين على هذه النشاطات لا يريدون سماع صوت يخالف توجهاً معيناً أو هم يسمعون صوتهم وصدى هذا الصوت .
ولننتقل إلى نموذج آخر من هذا العداء فقد كنت أراجع بعض النشاطات الاستشراقية في الهيئات والمؤسسات العلمية والثقافية البريطانية فوجدت عدداً من الذين رفضت أعمالهم في البلاد العربية الإسلامية هم الذين يتصدرون هذه الندوات والمحاضرات. فهؤلاء الذين تفتح لهم الأبواب على مصاريعها هم الذين يحاربون ثوابت الأمة الإسلامية، ويحتقرونها، وينتقدون الإسلام والمسلمين. وهذا هو الدليل لما أقول: قام معهد الفنون الحديثة باستضافة عدد من الكتاب والأدباء العرب لإلقاء محاضرات أو المشاركة في ندوات. والمعهد مؤسسة غير ربحية مسجلة في بريطانيا ولهذه المؤسسة أهداف تعليمية خيرية، ويحصل المعهد على مساعدة مالية من مجلس الفنون البريطاني ومعهد الفيلم البريطاني ومؤسسة راين Rayne، ومن أهداف المعهد أيضاً توفير المكان للتعبير عن وجهات النظر المتعددة. أما الذين استضافهم هذا المعهد فمنهم : محمد شكري صاحب كتاب "الخبز الحافي"، الرواية الممنوعة في معظم البلاد العربية وتسخر من الإسلام . ومنهم عبد الرحمن منيف صاحب رواية "مدن الملح "التي لا تختلف عن رواية الخبز الحافي. وقدم المعهد لقاءً مع نوال السعداوي وحنان الشيح وعائشة جبار وغيرهم . فهل هذا الاهتمام بكل المنحرفين والضاليين يعد عداءً حقيقياً أو وهميا؟
تعليق