الإستغراب أو التغريب

تقليص

عن الكاتب

تقليص

سيف الكلمة مسلم اكتشف المزيد حول سيف الكلمة
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سيف الكلمة
    إدارة المنتدى

    • 13 يون, 2006
    • 6036
    • مسلم

    الإستغراب أو التغريب

    الاستغراب
    ظهر هذا المصطلح قبل عقود من الزمان ليشير إلى مجموعة من أبناء الأمة العربية الإسلامية الذين تأثروا بالغرب في سلوكهم وأخلاقهم وأفكارهم. ولكن هذا المصطلح جاء بعده مصطلح آخر هو التغريب فأصبح يعرف هؤلاء بالمتغربين أما الاستغراب فقد تحول معناه إلى محاولة معرفة الغرب من الداخل معرفة علمية موضوعية موثقة. ونادى العديد من علماء الأمة بدراسة الغرب. ومعرفة الآخر أمر أساسي في تربية المسلم حيث إن القرآن الكريم قد قسم الناس إلى ثلاثة أقسام في سورة البقرة فهم إما مؤمنون أو كافرون أو منافقون. ثم وضح صفات كل فئة في سور القرآن الكريم، كما جاءت السنّة النبوية المطهرة توضح هوية المسلم ليستطيع بعد ذلك أن يعرف الآخرين معرفة صحيحة متمسكاً بهويته ومستعلياً بإيمانه.
    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:46 ص.
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره
  • سيف الكلمة
    إدارة المنتدى

    • 13 يون, 2006
    • 6036
    • مسلم

    #2
    الاستغراب
    معرفة الآخر >
    معرفة الآخر في ضوء الكتاب والسنة

    الآخر في القرآن الكريم والسنّة الشريفة

    إن المعرفة الحقيقية بالنسبة للمسلم هي التي تبدأ من القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهرة لذلك بحثت في هذه المسألة فوجدت أن القرآن الكريم قد أولاها عناية خاصة، فقد قسمت سورة البقرة البشـر إلى ثلاثة أصناف: المؤمنين، والكافرين، والمنافقين. وبعد ذلك تحدث القرآن عن نماذج من هذه الأصناف وصفاتهم

    والآخر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا كفار قريش، واليهود، والنصارى، والمنافقون. وقد قدمت الآيات الكريم صـوراً واضحة لكل فئة من هؤلاء، وأوضحت كيفية التعامل معهـم ، فبالإضافة إلى توضيح صورة الآخـر عقديا فقد اهتم أيضا بالجوانب الأخرى، فها هي صورة العربي الجاهلـي وموقفه من المرأة {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتـوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسـه في التراب، ألا ساء ما يحكمون}([1]). وأوضح القرآن الكريم انحرافات قـوم لوط وانحرافات قوم شعيب، وقد روى البخـاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها صور النكاح في الجاهلية مقارنة إياها بالصورة التي ارتضاها الإسلام. ([2]) وورد في السيرة النبوية الشريفة وصف جعفر بن أبي طالب للإسلام وكان من هذا الوصف بعض الأمور الاجتماعية.([3])

    ويسبق معرفة الآخر معرفة الذات أو النفس، ليؤكد أمرين، أولهما: تثبيت الهوية الخاصة بالمؤمنـين بتوضيح صفاتهم، وأخلاقهم، وعـلاقاتهم بالكون والحياة، فقد وردت كلمة الإيمان بمشتقـاتها المختـلفة، آمن، آمنوا، يؤمنون، مؤمنون، مؤمنين، مؤمنات .. أكثر من سبعمائة مرة، ولو أضفنا الصفات الأخـرى المرادفة مثل: الصادقين والقانتين، والمتصدقين، والخاشعين، لكان أكثر من ذلك.فمن الآيات التي توضح خصائص المؤمنين قول الله تعالى في وصفهم في مقدمة سورة البقـرة : {الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخـرة هم يوقنون،أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} ([4])ومن ذلك قول الله عز وجل{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ، والله رؤوف العباد} ([5])وقد وردت أحاديث كثيرة توضح صورة المسلم ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ( المسـلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)([6])وقوله صلى الله عليه وسلم ( المسلم من سلم المسلمون مـن لسـانه ويده )([7])وقوله صلى الله عليه وسلم في وصف المؤمنين (مثل المؤمنين في توادهـم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.)([8])

    ثانيا: معرفة الآخر بصفاته، فقد وردت لفظة الكفر أيضا بمشتقاتها المختلفة ، كفر، كفروا، كافرون، كافرين، يكفرون حوالي خمسمائة مرة، وكذلك الأمر بالنسبة لصفات الكافرين والمشركين مثل الكذب، والظلم والفساد، والخداع، والجحود. ومن ذلك وصف الكافرين في سورة البقرة {إنّ الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون،ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم}([9]) وقد جاءت أوصاف المنافقين في مقدمة سورة البقرة في ثلاث عشرة آية ومنها قولـه تعالى { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنـين ، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلاّ أنفسهم وما يشعرون ، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون}([10])ومن أوصاف الكفّار في القرآن الكريم قـوله الله تعالى { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام ، وإذا تولى سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ، وإذا قيـل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}([11]) وبالنسبة للمنافقين فقد جـاءت سورة باسمهم (المنافقون) وجاءت سورة أخرى تفضحهم بأعمالهم وهي سورة (التوبة) حـتى إنها سميت سورة الفاضحة لكثرة ما ورد فيها من صفات المنافقين. ومن الأحاديث الشريفة التي توضح صفات المنافقين قولـه صلى الله عليه وسلم (آية المنافق ثلاث: إذا حدّث كذب وإذا وعد اخلف وإذا أؤتمن خان)([12])

    وهكذا فالحدود الفاصلة بين "نحن" و "الآخر" واضحة جداً لدى المسلم، وقد يتساءل المرء : ما سر هذا الأمر، وما أسبابه؟ إن أسباب هذا الوضوح هو أننا أمة الدعوة، وأمة الشهادة، والأمة الوسط ؟ ونحن مكلفون بالدعوة إلى هذا الدين {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن}([13]).

    ويرى محمد عمارة أن " الحديث عن "الذات" و "الآخر" ثقافياً لابد أن يقود إلى تحديد المعالم المميزة للنموذج الثقافي الإسـلامي عن النموذج الغربي "([14])ويؤكد عمارة بأن " الإسلام هو المكون لذاتيتنا الثقافية والمحدد لمعالم نموذجنا الثقافي وتميزنا عن "الآخـر" الغربي قائم فقط حيث يكون التميز والاقـتران الأمر الذي يجعل علاقة نموذجنا الثقافي -الذات الثقافية- بالآخر هي علاقة التميز والتفاعل."([15])

    والآخر ليس هو فقط النصراني أو اليهودي أو المنافق بل الآخر أيضاً أناس من أبناء جلدتنا يتكلـمون بألسنتنا ويتسمون بأسمـائنا ولكنهم اختاروا نهجاً يجعلهم أقر ب إلى الآخر ، فهم ليسوا في الصف الإسلامي وإن زعموا أنهم حريصون على مصالح الأمة. وهؤلاء ليسوا المقصودين تماماً بهذا البحث ، ولكني سأعرج عليهـم لأصف بعض مواقفهم وأقدم نماذج من فكرهم .

    وعندما خرج المسلمون من الجزيرة العربية منطلقين من طيبة الطيبة، كانوا أولا يعرفون دينهم معرفة حقيقية، ويعرفون ما يدعون إليه، كما كانوا يعرفون الأمم الأخرى، دخل أحد رسل جيـش سعد ابن أبي وقاص رضي الله على القائد الفارسي، وأراد أن يجلس معه على سريره، فحاول الحرس منعه، فقال لهم: (كنا نظنكم أولي أحلام تتساوون فيما بينكم، فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضـا) ثم أضاف تلك المقولة البليغة: (إن قوما هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال)([16]) وكان المسلمون يعرفون الروم ونظام حياتهم، فلذلك نجحوا تماما في دعوتهم.

    واستمرت معرفتنا بالآخر قوية وواسعة ودقيقة. فبدأت الترجمة كما يصنفها حسن حنفي على عدة مراحل ودرجات منها ؛ الأولى الاهتمام بالنصوص وترجمتها حرفياً أي الاهتمام باللفظ ، ثم كانت المرحلة الثانية التي اهتمت بالمعنى ، ثم المرحلة الثالثة التي اهتمـت بالشرح والإضافة والنقد.([17])واستمرت معرفتنا بالأخر حتى عندما التقى المسلمون بالنصارى في الحروب الصليبية قدم لنا أسامة بن منقذ وصفاً دقيقاً لطباع الإفرنج، فهو يصف شجاعتهم وقوتهم وجلدهم، ولكنه يتعجـب من ضعف غيرتهم أو عدمها على الأعراض، ويتحدث عن هذه النقطة بتفاصيل دقيقة مثيرة للاهتمام([18]).

    وفي الوقت الذي توقفنا أو تراجعنا عن معرفة أنفسنا، وكذلك عن معرفة الآخر، انتبه الغرب إلى هذا الأمر، فبدأ نشاطه العلمي بدراسة الحضارة الإسلامية ومنجزاتها في شتى المجالات، وتأكد لديهم ضرورة معرفة الذات فعادوا إلى جذورهم اليونانية اللاتينية وكذلك اهتموا بتراثهم النصراني اليهودي، فلا يمكن للأديب الغربي أو المفكر الغربي أن يزعم أنه أديب أو مفكر لو لم يكن على دراية بهذا التراث. ويرى الدكتور حسن حنفي أن مصادر الفكر الغربي أربعة مصدران معلنان ومصدران غير معلنان ، فالمصدران المعلنان هما المصدر اليوناني- الروماني والمصدر اليهودي - المسيحي ، أما المصدران غير المعلنين فهما المصدر الشرقي القديم الذي يتضمن المصدر الإسلامي والرابع هو البيئة الأوروبيـة، ويرى أن " أحد أسبـاب مؤامرة الصمت على المصادر غير المعلنة هي العنصرية الدفينة في الوعي الأوروبي التي جعلته لا يعترف إلاّ بذاته وينكر وجود كلَّ غَيْرٍ له ، فهو مركز العالم احتل صدارته وله مركز الريادة فيه." ([19])

    نعم كثفت أوربا جهودها في مجالين: معرفة الذات، ومعرفة الآخر، فبالإضافة إلى الجهود الضخمة في الترجمة والنقل عن اللغة العربية واللغات الإسلامية الأخرى بدأوا في إرسال الرحالة المستشكفين إلى عالمنا الإسلامي، تزيـا بعضهم بأزياء البلاد التي زارها، وأعلن بعضهم إسلامه ليعمقوا في مـعرفتنا ([20]). وساند هذا الجهد نشاط الاستشراق، ومن تتح له الفرصة لدراسة ترجمات المستشرقين يذهله ما بذله القوم من جهود مضنية في دراستنا.

    وتميز عمل القوم بالنظام الشديد الصارم، وهو ما تميزنا به يوم أن كنا متفوقين، فعقدوا المؤتمرات السنوية للجمعية الدولية للمستشرقين، وقد بدأ أول مؤتمر عام 1873 وما زالت هذه المؤتمرات تعقد حتى اليوم حيث سيعقد المؤتمر الخامس والثلاثون العام القادم في بودابست بالمجر(* ). كما أنهم إذا نبغ فيهم مستشرق أصبح قبلة لهم وقد حدث هذا عندما كان سلفستر دو ساسي Silvestre de Sacy يرأس مدرسة اللغات الشرقية الحية في باريس.

    وليست المؤتمرات هي النشاط الوحيد، فإنهم أسسوا مئات الأقسام العلمية للدراسات العربية والإسـلامية، وأنشأوا مراكز البحوث والمعاهد وعقدوا وما زالوا مئات الندوات والمؤتمرات، ونشروا ألوف أو عشرات الألوف من الكتب والدوريات، ولم يكتفوا بجهودهم وحدهم في معرفتنا، بل استقدموا أبناء الأمة الإسلامية للدراسة عندهم وبخاصة طلاب الدراسات العليا، فأصبـحت رسائل المـاجستير والدكتوراه تنقل إليهم أدق التفاصيل في حياتنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأدبيـة والثقافية، وكذلك بعض الندوات والمؤتمرات التي تعقد في بعض البلاد العربية الإسلامية بتمويل من بعض المؤسسات العلمية الغربية حيث يحضرها بعض المراقبين من الغربيين.

    واهتمام الغربيين بالذات ما زال قائماً فبالرغم مما يجمع الـدول الأوروبية من صلات في المعتقد والتـاريخ واللغات فإن هذه الـدول حريصة على هويتها القومية . وقد ذكرت الصحف أن شاباً عربياً أراد أن يضع صحناً هوائياً فوق منزله في ألمانيا فرفضـت السلطات المحلية بحجة " حماية الإنتاج الـوطني، والحفاظ على خصوصية الثقافة الألمانية." وأشار عاصم حمدان إلى أن الفرنسيين أصروا علـى استثناء القضايا الثقافية من معاهدة ( الجات) حرصاً منهم على مقاومة المد الإعلامي الأمريكي المتمثل في المسلسلات التي تنتجها هوليوود وتمثـل ثقافة مختلفة عن ثقافة المجتمـع الأوروبي. ([21]) .

    ويأتي إصرار فرنسا على استثناء الإنتاج السينمائي والتلفزيوني من مباحثات (الجات) هو أن الجـانب الأمريكي هو الجانب المتفوق حالياً في التبـادل السينمائي بين أوروبا وأمريكا ، ويصر المخرج الفرنسي روجيه بلانشـو على أن مشكلة أوروبا الثقـافية والفنية التي لم ينظر إليها رجال السياسة ولم يخطط لها أحد، وقال:" في حرب الصور التي بدأت اليوم حكم القوي على الضعيف هو المنتصر."([22])

    وقد نشرت جريدة التايمز تقريراً صحفياً يشير إلى أن دور عرض السينما البريطانية تلقت دعماً نقـدياً من الاتحاد الأوروبي لقيامها بعرض الأفلام المنتجة في أوروبا وذلك لمواجهة الأفلام الأمريكية، فقد تسلمت ثمانية دور سينما في بريطانيا عام 1993 (13,500 جنيه استرليني) - حوالي سبعين ألف ريال- لعرضها علـى الأقل خمسين في المئة من الأفلام الأوروبية، وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المساعدات النقدية هي جزء من برنامج أكبر وأشمل لتطوير صناعة السينما والوسائل المرئية-المسموعة ودعمها.([23])

    وقد تناولت الصحف القرارات التي أصدرتها الحكومة الفرنسية قبل عامين لحماية اللغة الفرنسـية وذلك بفرض عقوبات على كل من يستخدم أي لغة أجنبية في المعاملات الحكومية أو غير الحكوميـة أو في الإعلانات ، كما جعلت اللغة الفرنسية هي لغة المؤتمرات والندوات العلمية التي تعقد في فرنسا. وقد اتخذت فرنسا هذه الإجراءات لمقاومة الهجمة الشديدة من اللغة الإنجليزية بصفة خاصة.

    - الحواشي :
    [1] -سورة النحل آية 58

    [2] -صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلاّ بولي.

    [3] -انظر السيرة النبوية لابن هشام ، م1 ص349.

    [4] -سورة البقرة الآيات من 3-5.

    [5] -سورة البقرة آية 207.

    [6] -البخاري، كتاب المظالم، باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه.

    [7]-البخاري ، كتاب الإيمان ، باب المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

    [8] -أخرجه مسلم 8/20واحمد 4/70.

    [9] -سورة البقرة الآيتين 6-7.

    [10] -سورة البقرة الآيات من 8-10

    [11] -سورة البقرة الآيات 204-206.

    [12] -البخاري ، كتاب الإيمان باب علامة المنافق.

    [13] سورة يوسف آية 108.

    [14] -محمد عمارة " مكانة الإسلام في صياغة نموذجنا الثقافي."في الحياة،ع12224،3 ربيع الآخر 1417( 14أغسطس 1996م)

    [15] -عمارة المرجع نفسه.

    [16] -انظر تاريخ الطبري ج2، ص402-403.

    [17] -حسن حنفي. مقدمة في علم الاستغراب.( بيروت: الدار الجامعية للنشر والتوزيع، 1412-1992) ص44-45. لابد من الإشارة إلى العلماء المسلمين الذين اهتموا بعقائد الآخر وفكره وثقافته ومن هؤلاء ابن حزم في الفصل والبغدادي في الفرق والأشعري في مقالات الإسلاميين وابن تيميه في اقتضاء الصراط المستقيم والغزالي في تهافت الفلاسفة وفضائح الباطنية.

    [18] -أسامة بن منقذ: الاعتبار، تحقيق د. قاسم السامرائي (الرياض: دار العلوم، 1407)ص 152 تحدث فيها عن طب الإفرنج، وفي الصفحات التالية تحدث عن أخلاقهم ، وقد وردت عبارة لطيفة عنهم يقول فيها ابن منقذ:" فكل من هو قريب عهد بالبلاد الإفرنجية أجفى أخلاقاً من الذين تبلدوا وعاشروا المسلمين."

    [19] -حنفي ،مرجع سابق ،الصفحات من 81-104 والنص من صفحة 104.

    [20] أصف حسين: صراع الغرب مع الإسلام، فصل (الرّحالة والمنصرون) قمت بترجمة الكتاب وهو تحت الطبع.

    * عقد هذا المؤتمر في بودابست بالمجر في الفترة من 3-8ربيع الأول 1418 الموافق 7-12 يوليه 1997 وحضره حوالي ألف وخمسمئة عالم من جميع أنحاء العالم جلهم من الغرب ، وقدمت فيه أكثر من ألف محاضرة في أكثر من عشرة محاور. وقد قررت اللجنة الاستشارية وهم غالبية أعضائها أن يعقد المؤتمر القادم في مونتريال بكندا، وقد تم اختيار الرئيس القادم للمؤتمر ونواب الرئيس واختاروا أحد الباحثين العرب المتعاطفين مع الاستشراق أو على الأصح المرتمين في أحضان الاستشراق وهو الدكتور عبد الجليل التميمي.

    [21] - عاصم حمدان ." الأوروبيون والخصوصية الثقافية" في المدينة المنورة.عدد 9698، 24 جمادى الآخرة 1414، 7 ديسمبر 1993.

    [22] -رلى الزين." حملة فرنسية ضد الهيمنة الثقافية الأمريكية" في الحياة.ع 11178، 5ربيع الآخر 1414،(21سبتمبر1993)

    [23] - The Sunday Times. 31 July 1994.

    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:46 ص.
    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
    وينصر الله من ينصره

    تعليق

    • سيف الكلمة
      إدارة المنتدى

      • 13 يون, 2006
      • 6036
      • مسلم

      #3
      الاستغراب

      مصطلح الاستغراب

      كثيراً ما يسأل السائلون ما المقابل لدراسة الاستشراق، أليس هو الاستغراب؟ ربما يكون الجواب صحيحاً ولكن الأهم من ذلك هو أننا يجب أن نتساءل لماذا تأخرنا في دراسة الشعوب الأخرى؟ إن المسلمين حينما خرجوا من جزيرة العرب كانوا على معرفة بالشعوب والأمم الأخرى منها من حدثهم بها القرآن الكريم ومنها من كسبوا المعرفة به من خلال التجارة والرحلة. ثم انطلقوا لمعرفة تلك الشعوب عن طريق الاحتكاك المباشر وظهر رحالة مسلمون كتبوا عن مختلف شعوب العالم حتى أصبحت كتاباتهم مرجعاً عالمياً في دراسة الشعوب الأخرى.

      وقد بدأت أوروبا بإنشاء مراكز ومعاهد وأقسام علمية لدراسة العالم الإسلامي منذ عدة قرون بل إنها خصصت عدداً من أبنائها لدراسة الشعوب والأمم الأخرى جميعها فكما أن لديهم أقساماً لدراسة العالم الإسلامي فلديهم المتخصصين في الصينيات وفي دراسة اليابان بل إن كل دولة أوروبية تقوم بدراسة الدول الأوروبية الأخرى فمثلاً لدى بريطانيا (بجامعة لندن) معهد الدراسات الأمريكية الذي يمنح درجة الماجستير في دراسة الولايات المتحدة الأمريكية.

      ونظراً للسمعة العلمية التي حققتها هذه الدراسات توجه أبناء الدول المختلفة للدراسة في تلك البلاد حتى إنهم يتخصصون في الدراسات المتعلقة ببلادهم في أوروبا أو أمريكا من النواحي العقدية والتاريخية والاجتماعية والثقافية والسياسية والحضارية والثقافية.

      والمسلمون الذي جاء كتابهم الكريم يدعو إلى التعارف بين الشعوب في قوله تعالى )وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا( أهملوا هذا الجانب في العصر الحاضر فأصبحوا من قرون عديدة موضع الدرس لدى الأوروبيين والأمريكيين، وقد وصل الغربيون في معرفتهم لنا أن عرفوا التفاصيل الدقيقة عن الأمة الإسلامية في المجالات العقدية والتشريعية والتاريخية ومعرفة المجتمعات العربية الإسلامية في العصر الحاضر معرفة تفصيلية حتى أصبحوا كما ذكر أحد الباحثين يعرفون التفاصيل وتفاصيل التفاصيل.



      أهمية دراسة الغرب

      ولمّا كانت الحضارة الغربية بشقيها الأوروبي والأمريكي هي السائدة والمتوفقة اليوم فمن الواجب على المسلمين أن يعرفوها معرفة وثيقة وعلمية، فكما أن الغرب حينما بدأ نهضته العلمية والثقافية والفكرية توجه إلى دراسة العالم الإسلامي وأفاد من معطيات الحضارة الإسلامية ابتداءً من التفكير العلمي والمنهج العلمي إلى مختلف معطيات الحضارة الإسلامية فإن من الواجب على المسلمين أن ينطلقوا لدراسة الغرب من جميع جوانبه.

      وليكن معروفاً أن دراستنا للغرب يجب أن تتم وفق أسس معينه بحيث نفيد من معطيات الحضارة الغربية المعاصرة فيما لا يتعارض مع أسس الحضارة الإسلامية وثوابتها. هذا العلم الذي يمكننا من دراسة الغرب هو ما يمكن أن نطلق عليه " الاستغراب" الذي يمكن تعريفه باختصار بأنه العلم الذي يهتم بدراسة الغرب (أوروبا وأمريكا) من جميع النواحي العقدية، والتشريعية، والتاريخية، والجغرافية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية ..الخ. وهذا المجال لم يصبح بعد علماً مستقلاً، ولكن من المتوقع في ضوء النهضة العلمية التي تشهدها البلاد العربية والإسلامية أن تقوم مراكز البحث العلمي ووزارات التعليم العالي في العالم الإسلامي بشحذ الهمم وتسرع الخطى وتغذ السير لإنشاء أقسام علمية تدرس الغرب دراسة علمية ميدانية تخصصية في المجالات العقدية والفكرية والتاريخية والاقتصادية والسياسية.

      ولعل سائلاً يتساءل لماذا ندرس الغرب وكيف لنا أن ندرس هذا العالم الذي سبقنا بمراحل عديدة أو بعدة قرون؟ الأمر ليس صعباً أو مستحيلاً، فإننا إذا رجعنا إلى بداية الدعوة الإسلامية وجدنا أن المسلمين الأوائل حينما خرجوا لنشر الدعوة الإسلامية في العالم كانوا متسلحين بسلاح العلم بعقائد الأمم الأخرى وعاداتها وتقاليدها. كانوا يعرفون أرض الدعوة سياسياً واقتصادياً وجغرافياً. ولعلك تسأل من أين تحصلوا على هذه المعرفة. لقد كان رجال قريش تجاراً وكانت لهم رحلة الشتاء والصيف. لم يكونوا يحملون معهم التجارة ويذهبون للبيع والشراء فحسب، بل كانوا على اطلاع بأنظمة الدول الأخرى وأوضاعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. أما الناحية العقدية فقد عرفوا منها شيئاً من اتصالهم بهذه الشعوب وجاء القرآن ليوضح لهم حقيقة اعتقادات اليهود والنصارى وغيرهم.

      ولذلك فإن المسلمين الأوائل لم يجدوا صعوبة في التعرف على الشعوب الأخرى والتفاعل معها وأخذ ما يفيدهم مما لدى الأمم الأخرى من وسائل المدنيّة. حيث أخذوا الديوان والبريد وبعض الصناعات المهمة مثل صناعة الورق (الكاغد) التي طورّها المسلمون حتى أصبحت صناعات إسلامية.

      التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:45 ص.
      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
      وينصر الله من ينصره

      تعليق

      • سيف الكلمة
        إدارة المنتدى

        • 13 يون, 2006
        • 6036
        • مسلم

        #4
        الاستغراب

        دعوة لدراسة الغرب

        ظهرت في عالمنا الإسلامي منذ عدة سنوات دعوات لدراسة الغرب أو إخضاعه لدراستنا، ومن ذلك ما كتبه السيد محمد الشاهد حول أهداف هذه الدراسة فذكر منها :" طلب علوم الغـرب للإفادة من صـالحها وبيان فساد طالحهـا ، والخلفيــة الفكرية للفكر الغربي." ([1])،وأوضح من ضمن الموضوعات التي يمكن دراستها :

        (أ) دراسة عقيدة الغرب دراسة موضوعية بعيداً عن الحماسة والعاطفة.

        (ب) دراسة الشخصية الغربية من حيث مكوناتها وبنائها النفسي والاجتماعي .([2]) وأكد السيد الشاهد في مقالة أخرى على قضية مهـمة وهي " إن علينا أن نبحث عن مخرج من موقفنا الضعيف إلى موقع قوي مؤثر ،ولا يمكن ذلك إلاّ بدراسة علمية صادقة لما عليه أعداؤنا ولا حرج أن نتعلم من تجاربهم ومناهجهم ونأخذ منها ما ينفعنا ونترك منها ما عدا ذلك."([3])

        كما أصدر الدكتور حسن حنفي كتابا ضخما بعنوان: مقدمة في علم الاستغراب ، تناول فيه أهمية دراسة الغرب فأوضح أن مهمة علم "الاستغراب" هي :" فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر ، والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مـدروس ، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس. مهمته القضاء على الإحساس بالنقص أمام الغرب لغة وثقافة وعلماً ومذاهب ونظريات وآراء."([4])وأشار في مواضع أخرى إلى مهمات أخرى لعلم "الاستغراب" ومنها أنه يسعى إلى القضـاء على " المركزية الأوروبيـة Eurocentricity ،Eurocentrism ، بيان كيف أخذ الـوعي الأوروبي مركز الصدارة عبر التاريخ الحديث داخل بيئته الحضارية الخاصة، مهمة هذا العلم الجديد رد ثقافة الغرب إلى حدوده الطبيعية بعد أن انتشر خارج حدوده إبان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته على أجهزة الإعلام وهيمنته على وكالات الأنباء ودور النشر الكبرى ومراكز الأبحاث العملية والاستخبارات."([5]).

        ويرى حسن حنفي أنه ظهر في العالم العربي من اهتم بدراسة الغرب ولكنه أطلق على هذه الدراسات بالاستغراب " المقلوب" ويبرر هذه التسمية بأنها تؤدي إلى أنه " بدلاً من أن يرى المفكر والباحث صورة الآخر في ذهنه رأى صورته في ذهن الآخر ، بدل أن يرى الآخر في مرآة الأنا رأى الأنـا في مرآة الآخر. ولما كان الآخر متعدد المرايا ظهر الأنا متعدد الأوجه." وضرب حسن حنفي المثال لهذا بكتابات محمد عابد الجابري وهشام جعيط، ومحمد العروي وهشام شرابي وغيرهم.([6])

        وتأتي أهمية دراسة الغرب لمواجهة حالة الانبهار التي أصابت كثيراً من أبناء الأمة الإسلامية ، فيرى البعض أن النظام السياسي الأمثل هو الذي أوجدته الحضارة الغربية وقد دعوت إلى هذه الدراسـة في كتابي الغرب في مواجهة الإسلام فقد ورد في هذا الكتاب العبارة الآتية:" انظر كيـف يدرسوننا ، وكم يبذلون من الجهود والأموال لمعرفة ما يدور في بلادنا .وهل نحن ندرسهم بالمقابل؟ بل قبل ذلك هل عرفنا أنفسنا كما يعرفون عنّا ؟ إن هذا الأمر يحتاج من مفكـرينا وعلمائنا وقفة متأنية."([7]) وقد تأكدت لي ضرورة هذه الدراسة نتيجة لما تعرفت إليه من بعض الصور الحياتية التي تدل على عدم ثقة البريطانيين في حكومتهم رغم أنها أقدم ديموقراطية في أوربا.

        واستمرت مقالاتي تدعو لدراسة الغرب وكان منها مقالة بعنوان :" بل لابد من دراسة الغرب ونقده" جاءت رداً على مقالة عبد الرحـمن العرابي التي ينتقد فيها الاهتمام الزائد بالغرب والكتـابة عنه ، ومما بررت به ضرورة دراسة الغرب أنه ظهر من أبناء المسلمـين من درس في الغرب ورجع إلينا متشبعاً بالروح الغربية حريصـاً على تقليد الغرب في كل شيء فكان لابد من معرفة الغرب معرفة حقيقية ومما كتبته في حينها :" في مثل هذه الأجـواء يجب الاستمرار في دراسة الغـرب و الاطلاع على عوراته وعيوبه وتبصير الأمة بها ولا بد كذلك من دراسة إيجابيات الغـرب فإن للسلف أقوالاً في وصف أعدائهم لم يمنعهم الإسلام مـن ذكر محاسنهم وهذا ما جاء في قوله تعالى {ولا يجرمنّكم شنآن قـوم على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}([8])، وختمت المقالة بالقول:" إننا بحاجة لدراسة الغرب كيف نهض نهضته الصناعية المدنية ، وكيف بنى مؤسساته ثم كيف بدأ الانهيار حتى نأخذ بأسباب الانطلاق ونتجنب أسباب الانهيار."([9])

        وكانت كلية الآداب بالرباط بالتعاون مع مدرسة الملك فهد العليا للترجمة وجمعية الدراسات المشرقية في المغرب ومكتب تنسيق التعريب في العالم العربي قد عقدت ندوة حول الاستشـراق عام 1994 ، وجاء في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها أحمد شحلان دعوته إلى الاهتمام بالدراسات الاستشراقية مشيراً إلى أن الهدف من ذلك هو:" أن نعرف ونقوّم الدرس الاستشراقي تاريخاً وحضارة بمنظور مغربي(إسلامي) رزين يعيد النظر في تاريخ الاستشراق ويعرِّف بمعـاهده وأعلامه ويبرز أعمالهم كما هي." ([10]) وأضاف شحلان في تلك الكلمة إلى دراسة الغرب بقوله :" أليس من الجميل أن يصبح في جامعاتنا أقسام نسميها أقسام الاستغراب في مقابل الاستشراق؟ أليس من الجميل أن نعتبر الطرف الآخر هو أيضاً موضوع الدرس والتنقيب؟"([11]) وكتبـت في حينها أؤيد ما دعا إليه الدكتور شحلان في ثلاثة مقالات أوضحت فيها جهود جامعة الإمام محمد بن سعود الإسـلامية بالرياض في دراسة الاستشراق ومنابعه الفكرية من خلال إنشاء وحدة الاستشراق والتنصير بعمادة البحث العلمي في الرياض، ثم إنشاء قسم الاستشراق بكلية الدعوة بالمدينة المنورة. وأيـدت الدعوة التي نادى بها شحلان في المؤتمر المغربي وأضفت بأننا نحتاج بالفعل إلى إنشاء كلية للدراسات الأوروبية (والأمريكية) وختـمت تلك المقالات بالعبارة الآتية: " لهذا كله فلا بد من التفكـير الجاد في هذا الاقتراح بإنشاء كلية متخصصة لدراسة الغرب دراسة عميقة ، وهذه الدعوة موجهة إلى الجامعات الإسلامية بعامة وإلى الجامعات في بلادنا بخاصة. وإن جامعة الإمام التي كانت سبّاقة ورائدة في دراسة الاستشراق لقادرة بإذن الله على مثل هذه المشـروعات الكبرى بعد دراستها من قبل المتخصصين ."([12]) ونبهـت إلى أن الذي يدرس الغـرب ينبغي له أن يكون على معرفة عميقة وصحيحة بالإسلام، حتى يكون قادراً على فهم الغرب من منطلق إسلامي* .

        وكتبت في مناسبة أخرى أدعو إلى إخضاع الغرب إلى الدراسـة في شتى المجالات بالقول: "لا شك أن دراسة الغرب تتطلب تخصصاً كالقانون أو الاجتماع أو السياسة أو علم الإنسان أو التاريخ ...الخ .. وقبل أن يتساءل القارئ وما شأننا بكل هذا فنقول أليس الغرب أمة يجب أن نتوجه إليهم بالدعوة ونحـن مطالبون بالشهادة على الأمم فكيف للشاهد أن يشهد دون أن يعرف معرفة دقيقة موضوع شهادته."([13])

        ويرى محمد عثمان الخشت بأن فهم الغرب أمر ضروري لفهم موقفهم من الإسلام ويقول في ذلك: "ولذلك يتعين على المثقفين الإسـلاميين لا نقد الفهم الغربي للإسلام وحضارته فقط وإنما كذلك إقامة "علم الاستغراب." كعلم يدرس الحضارة الغربية لا لهدمها وبيان إفلاسها الروحي وأنها على وشك الانهيار بل لفهمها من الداخل واكتشاف هويتها بعقل مفتوح وقلب ملتزم. "([14]) ويضيـف الخشت قائلاً:" وإنما نحن نعاني مما يعاني منه الغرب في هذا الإطار فنحن لم نفهم الغرب بعـد فهماً موضوعياً ،والسبب ببساطه هو أنه لم يقم عندنا " علم الاستغراب" كعلم دقيق حتى الآن، وإنما مزاعم بهذا الشأن هي مجرد أهواء وسراب."([15])

        وقد ازدادت الأصوات المنادية بدارسة الغرب فقد كتب قسطنطين زريق يقول :" إن الحضور الأمريكي في الذهن العربي ليس في مجمله صحيحاً وكافياً لأنه ليس وليداً لدينا من معرفة صادقة وموثوق بها ومن علم حي متنام." ([16])

        وقد انتقد إدوارد سعيد عزوفنا في العالم العربي عن دراسة الغرب، فذكر أن العديد من المثقفين العرب المسلمين يذهبون إلى الغرب ليكتبوا عن العالم الإسلامي ومما قاله: " إن صادق جـلال العظم مثلا الذي يفترض أنه ناقد كبير قضى ثلاث سنوات في أمريكا وجل ما فعله هو تدريـس الشرق الأوسط إلى صغار أمريكا.." وأطلق سعيد على ذلك بأنه نوع من " النرجسية الـتي تدعو إلى الأسـى عند جزء من المثقفين العرب" وتساءل سعيد " لماذا لا تكون لدينا إسهامات عربية معاصرة أكثر أهمية في دراسة فرنسا وألمـانيا أو أمريكا" فالعرب أصبحوا في نظر سعيد " أسرى حالة من الـ (غيتو) لأنهم يكتبون عن العالم العربي بالفرنسية أو الإنجليزية أو الألمانية، وينظر إليهم كمخبرين محليين ."([17])

        ويؤكد سعيد هذه الفكرة حين التقى مجموعة من الشباب اللبناني يكتبون عن لبنان في أمريكا، فقال لهم:" لستم هنا لكي تكتبوا عن أنفسكم، تستطيعون الكتابة عن لبنان في لبنان، هنا يتوجب عليكم أن تكتبوا وتشاركوا في الجدالات الدائرة حول أمريكا في أمريكا."([18])

        ولعل إدوارد سعيد فاته أن هذا الأمر قد خطط له منذ عشرات السنين، فقد جاءت لجنة حكومية بريطانية برئاسة السير وليام هايترSir William Hayter للتعرف على الدراسات العربية الإسـلامية في أمريكا وكندا فوجدت أن معهد الدراسات الإسلامية في جامعة مقيل McGill قد وجه طلابه المسلمين ليكتبوا عن بلادهم، وأقنعهم بأن هذه الكتابة ستكون في مصلحتهم لأنهم سينظرون إلى مشكلاتهم من بعد (مسافة) وربما قيل لهم " إنكم ستحررون هناك من بعض القيود في بلادكم" ، فأعجبت الفكرة أعضاء اللجنة، وجعلوها ضمن توصياتهم([19]). ولكن الأمر من هذا حـين تتحول بعض الرسائل إلى نوع من التجسس على العالم العربي الإسلامي، بما تقدمه من معلومات يصعب على الغربيين الوصول إليها، كما أشار إلى ذلك أحمد غراب من توجيه بعض الأساتذة تلاميذهم من العرب والمسلمين دراسة قضايا معينة في بلادهم.([20])

        وأعود إلى إدوارد سعيد لأقتبس من مقالته التي نشرت في 17 صفر 1417 والتي أكد فيها ضرورة معرفة الآخر، فهو يقول: " ولا أعـتقد أن من الإجحاف القول إن العرب هم الأقل مساهمة في تغيير الحضارة والسياسة والمجتمع في الغرب، ونحن نتمتع في بلداننا بأحدث البضائع الاستهلاكية وكل وسائل الراحة المستوردة من الخارج وليس من يضارعنا فيم عرفة آخر طرازات سيارة مرسيدس أو البرامج التلفزيونية المفضلة، لكنني لا أعرف جهدا منظما في الجامعات العربية وفي مؤسساتنا الدينية لتعميق معرفتنا بالآخر، أي بالمجتمعات المختلفة واللغات والتواريخ التي تشكل عالمنا الحالي.."([21])

        وكنت أشرت من قبل إلى مقولة عبد الرحمن العرابي بعدم ضـرورة إشغال أنفسنا بدراسة الغرب والكتابة عنه فقد كتب هاشم صـالح -تلميذ محمد أركون- منتقداًً الدعوة إلى " علم الاستغراب" بدعوى أننا ما زلنا غير قادرين على الوصول إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم في العلوم ومناهج البحث ، بل إنه استهزأ بمشروع حسن حنفي في دراسة الغرب ( الاستغراب) بقولـه: " كيـف يمكن لهذا "العلم" الغريب الشكل أن ينهض على أسس قويمة إذا كنّا عاجزين حتى الآن عن استيعاب الثورات اللاهوتية والابستمولوجية والفلسفية للفكر الغربي ، وإذا كنّا عاجزين عن إحداث مثلها في ساحة الفكر العربي ؟ وكيف يمكن لنا أن نقف موقف الند من الغرب إذا كنّا لا نملك أبسط المقومات حتى مشروع الترجمة لم نقم به كما ينبغي. "([22])

        وما يمكن قوله لهذا المتعجب من دراسة المسلمين للغرب هو هل من الضروري أن يمر المسلمـون بالأدوار الفكرية والفلسفية التي مرّ بها الغرب حتى نفهم الغرب؟ وهل من الضروري أن ننقـد القرآن الكريم والسنة المطهرة وفقاً لنقد النص الذي قام به الغربيون لنصوصهم " المقدسة" حتى يمكننا أن ندرسهم ؟ ولكن ألا يعرف الكاتب أن الأمة الإسلامية مطمئنة إلى أن كتاب ربها قد نقل إليها بالتواتر فليس في الدنيا كتاب نال من العناية والاهتمام ما ناله القرآن الكريم .ومن ناحية أخرى يؤمن المسلمون بأن الله عز وجل قد تكفل بحفظ كتابه{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}([23]) فهذا هو المنطق المعكوس أن نتوقف عن التفكير في دراسة الغرب حتى نمر بجميع المراحل الفكرية التي مر بها الغرب، وأن نطعن في نصوصنا دون النظر إلى الجهود التي بذلها العلماء المسلمون في الحفاظ على الكتاب والسنة وهي جهود لم تقم بها أمة من الأمم لحفظ كتاب ربها وسنة نبيها .

        وجاءت ندوة " أصيلة " لتدعو إلى إنشاء مركز الدراسات الأمريكية فكانت المبررات التي نشرت تتلخص فيما يأتي:" فقد اتفق الحضـور على وجود بعض أشكال من عدم الفهم للعروبة والإسلام في أمريكا وهذا ما يصعب تقديم قضايا العرب والمسلمين بصفـة جيدة كذلك اتفقوا بالمقابل على عـدم التفهم العربي الكافي لأمريكا ومجتمعها وعمل إدارتها السياسية."([24]) ورأى المجتمعون أن من الأهداف التي من الممكن تحقيقها من إنشاء المعهد " تقريـب وجهات النظر وتقديم رؤية معتمدة على المعلومات المعـاصرة وليس على الحساسيات التاريخية التي تتحكم بالجانبين" أما الوسـائل التي سيستخدمها المعهد في تحقيق أهدافه فكما أشار الخبر :" تقوية الحوارات والاتصالات بين الأكاديميين والصحافيين والعلمـاء والاقتصاديين من كلا الطرفين، كما يطبع الأعمال الثقافية والفكرية التي تخدم كافة أشكال الحوار الحضاري بين الثقافتين العربية والأمريكية."([25])

        ومن الطريف أنني قبل ندوة " أصيلة " بأسبوعين تقريباً وفي المحـاضرة التي ألقيتها بدعوة من نادي أبهـا الأدبي وفي 8ربيع الأول 1417 ناديت بإنشاء كلية الدراسات الأوروبية والأمريكيـة و هذا ما قلته في تلك المحاضرة:"وأجدها فرصة مناسبة لأدعو من هذا المنبر * لإنشاء كلية للدراسات الأوربية أو مركز أبحاث الـدراسات الأوروبية في المدينة المنورة، تكريما لهذه المدينة العظيمة التي انطلقت منها الدعوة الإسلامية فعم نورها أرجاء الدنيا وما زال."

        وقد أثار هذا الاقتراح الكثير من ردود الأفعال المؤيدة ومنها ما كتبه عبد القادر طاش مشيراً إلىً أن الواقع يشهد نقصاً في " المعرفة العلمية الموضوعية ... لابد لمثل هذا المعهد أن يعنى عناية فـائقة بالدراسات الجادة التي تقدم لنا -نحن العرب والمسلمين- رؤية عميقة وموضوعية عن الفكر الأمريكي في تجلياته الإيجابية وفي قصوره السلبي وعن التيارات الثقافية التي يموج بها المجتمع الأمريكي وذلك لنعرف أمريكا على حقيقتها عوضاً عن الاعتماد على الانطباعات العجلى والرؤى القاصرة."([26])

        ولكن طاش توقف عند فكرة الحساسيات التاريخية* التي يريد مؤسسو المركز استبعادها من أن تكـون مصدراً للمعرفة فقال :" ولكننا -مع ذلك- لا ينبغي أن نقلل من أثر الدوافع التاريخية في توتير العلاقة بين الطرفين فكرياً وثقافياً. كما لا ينبغي إهمال النظر إلى العوامل الأيديولوجية والسياسية وحتى الاقتصادية التي تؤثر على تلك العلاقة سلباً أو إيجاباً .لذلك فإن الرؤية المتكاملة تفرض علينا دراسة ظاهرة العلاقة بين أمريكا والعرب في ضوء كل هذه العوامل مجتمعة ولا يمكن فصل الحاضر عن الماضي."([27])

        وتعجب عبد الرحمن الراشد أن لا توجد في العالم العربي دراسة " العلوم الأمريكية بتخصيص كلية أو مركز لها." وأشار إلى أن لدى الأمريكيين العشرات من المراكز والكليات المتخصصة في تدريس وإجراء بحوث عن منطقة الشرق الأوسط . وهناك مئات الجامعات الأمريكية التي تدرس العلوم الإسلامية وحضارتها ضمن برامج مكثفة في حين أننا لا نملك قسماً واحداً متخصصاً في العلوم الأمـريكية مع أننا نعيش في القرن الأمريكي."([28])وأكد الراشد على ضـرورة هذه الدراسات بقوله بأننا " لا يمكن أن نفهم ممارسـات النظام الأمريكي سياسة واقتصاداً وثقافة من خلال تفاسير بسيطة تنطلق من روح المؤامرة الدائمة أو اللوبي الصهيوني أو لوبي السلاح ، بل هناك دولة عظمى تتنازعها قوى داخلية كبرى وتؤثر على سياساتها طروحات حزبية أهم من إسرائيل وغيرها."([29])

        ولا بد هنا من التأكيد على أن أمريكا وإن كانت القوة العظمى في العصر الحاضر فإن هذا لا يمنع من دراستها ليس بالروح الانهزامية التخاذلية ، كما نؤكد ما قاله عبد القادر طاش بأننا لا ينبغـي أن نغفل العامل التاريخي أو الأيديولوجي أو السياسي أو حتى الاقتصادي في العلاقات بين العالم العربي الإسلامي وأمريكا والغرب عموماً.

        وقد علّق أحد القراء على هذه القضية وأضاف بعداً جديداً بأن دراسة الولايات المتحدة وحدها لا يكفي فلا بد أن تتسع هذه الدراسات لتشمل دول الاتحاد الأوروبي ونمور آسيا والصين والهند وروسيـا.([30])وهو ما ينطبق عليه تعريفنا للآخر وفقا للمفهوم القرآني كما أوضحناها في بداية هذا البحث.

        ولابد أن تنطلق رحلتنا لمعرفة الآخر من أسس شرعية، وقد كانت محاضرة الدكتور جعفر شيخ إدريس في مهرجان الجنادرية لهذا العام رائعة جدا في تحديد هذه المنطلقات، وأحب أن ألخصها هنا في النقاط الآتية:

        1 - كل جماعة من البشر ترى أن ما هي عليه من المعتقد والقيم والعمل أفضل مما عليه غيرها مهما كان ما هي عليه باطلا بمقياس الشرع، والدليل على هذا قوله تعالى: {كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبؤهم بما كانوا يعملون}([31]).

        2 - تتقارب الأمم مع من كان على شاكلتها، ألم تذهب جهود تركيا طوال عشرات السنين هباء للالتحاق بالسوق الأوروبية المشتركة، وهاهي ليتوانيا وأستونيا تدخلان السوق ولم يمض على استقلالهما سنتان أو ثلاثة.

        3 - عدم الرضا التام إّلاّّ من كان على شاكلتهم، {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم}([32]).

        4 - إن حرصهم على أن يكون غيرهم معهم يدفعهم للضغط على المخالف ولاسيما مخالفا يساكنهم بأنواع من الضغوط تصل أحيانا حد الضرب أو السجن أو النفي أو حتى القتل {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك}([33]). وقوله تعالى: {قال الملأ الذين استكـبروا من قومه لنخرجنّكَ يا شُعَيْبُ والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا، قال أولو كنا كارهين}([34]).

        5 - يرى أهل بعض الحضارات والأديان أن دينهم أو حضـارتهم من خصائصهم القومية التي لا يريد أحدا أن يشاركه فيها وحتى إنهم لا يروا أنفسهم ملزمين بالتعامل معهم بالقيم الأخلاقية {ومـن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك، ومنهم من إن تأمنه بدينار لايؤده إليك إلا مـادمت عليه قائما، ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون}([35]).

        6 - الرغبة الجامحة لدى بعض الحضارات في السيطرة والسيادة " تدفعهم لأن يعدوا العدة لبقاء حضارتهم والدفاع عنها في حال وجود خطر يهددها، والعمل لإخضاع الآخرين لها " وذكر الشيخ جعفر الرغبة الجامحة لدى الغرب في السيطرة، فمثلا في دولته الكبرى في الولايات المتحدة وهم لا يخفون ذلك، كما هو واقع لمن يتابع أحداث العالم بقلب واع وأفق واسع([36]).

        أما موقفنا من الآخر، فقد حدد الدكتور جعفر ذلك في عدة نقاط هي:

        1 - الدعوة إلى الحق عملا بقوله تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}([37]).

        2 - إعداد القوة الرادعة، فلابد أن يكون للمسلمين قوة حتى لا يظهر أحد تحدثه نفسه بالغزو، وحتى لا يكون المسلمون فتنة حيث نكون على الحق ونكون الأضعف فينفر الناس من الحق الذي معنها. (القوة من أجل السلام)* .

        3 - الجنوح للسلم.

        4 - تبادل المنافع.

        ويخلص الدكتور جعفر إلى القول بأن (الحضارة الغربية هي التي تدفع الآخرين لمعاداتها حيث تعمل في طريق التطور الطبيعي لغيرها، وتعد كل ماعداها خطر عليها، فتتحدث عن الغربي والآخر The West & The Rest تماما كما كان بعضهم ولا يزال يصف كل من ليس على دينه بالأميين (أو الأمميين) ولا يرى أنه ملزم في التعامل معهم بخلق أو دين)([38]).

        وقبل أن نختم هذه الفقرة نشير إلى أن الآخر الذي نقصده ليس هو فقط العدو الخارجي ولكن ثمة أناس من أبناء جلدتنا يمكن أن يكونوا أخطر من العدو الخارجي: هم أولئك الذين تأثروا بالفكر الغربي وأصبحت لهم مواقف مختلفة في النواحي الفكرية والثقافية والسيـاسية لا تتفق مع المنهج الإسلامي في التفكير ، فقد يبدي عـداءً للغـرب أو للآخر الحقيقي ولكنه في الوقت نفسه يتبنى كثيراً المواقف المنافية لمصالح الأمة الإسلامية والمنطلقة من المنهج الإسلامي وأضرب لذلك بأمثلة محدودة من هذه المواقف:

        لقد زعم هؤلاء بأنهم حزب التنوير الحديث في العالم الإسلامي ولكن أي تنوير هذا وهم يعاندون توجهات الأمة فقد أقر مجلس الأمة في الكويت في الشهور الأخيرة منع الاختلاط في المدارس والجامعات الكويتية ولكن ظهر أعداء الفصل بين الجنسين وشنوا حملة شعواء على هذا القرار وكان من الذين كتبوا عن هذا الموضوع محمد صلاح الدين حيث كتب يقول:" جندت (في الشهور التي تلت التصديق على قرار منع الاختلاط) القوى العلمانية قواها وأطلقت عقـال أحقادها وافتراءاتها لحث الحكومة على رد القانون الجديد إلى البرلمان والتحذير من آثاره على سمعة الكويت الدولية."([39]) وتحدث صلاح الدين في المقال نفسه عن تولي حزب الرفاه رئاسة الوزارة في تركيا بعـد صراع سياسي استمر عدة شهور تحالفت فيه كل الأحزاب العلمانية لحرمان الرفاه الإسلامي من ثمار نصره الانتخابي وحقه الديموقراطي."* ووصف محمد صلاح الدين الديموقراطية التي ينادي بها العلمانيون العرب والمسلمين بأنها " ديموقراطية صليبية تقوم على أساس استئصال الإسلام ودعاته من حيـاة العباد وتوجهات البلاد ، وأن التعددية التي يتخوفون عليها هي في حقيقتها دكتاتورية مقنّعة تعتمد على نفي الشريعة وأحكام الدين من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، والسماح لكل ما عدا ذلك من مذاهب وأيديولوجيات باعتبار الإسلام هو العدو الأول والوحيد."([40])

        وقد ظهرت مواقف هذا الآخر من الإسلام والمسلمين في مـواقف كثيرة منها أن إحدى الصحـف أجرت استطلاعاً عن أبرز الكتب التي أثرت في حياة المسلمين في القرن الماضي فتواطأت رؤية عدد من الذين استطلعت آراؤهم على الإشادة بكتاب علي عبد الرازق ( أصول الحكم الإسلامي) وكتاب طه حسين ( في الشعر الجاهلي ، وكتاب قاسم أمين (تحرير المرأة) و(المرأة الجديدة)وكتب أخرى على شاكلتهما. وليت الأمر اقتصر على الاستطـلاع الذي نشرته الصحيفة بل إن الهيئة المصرية العامة للكتاب قامت بإعادة نشر هذه الكتب في طبعة فاخرة وبأسعار زهيدة -كما أشار إلى ذلك عبد الله الجفري الذي تلقى هذه الكتب هدية من الهيئة-([41])

        ومن مواقف الآخر الداخلي استئثاره بالدعوات لبعض المؤتمرات والندوات واستبعاد من ليس على شاكلتهم . فقد كتب عبد العزيز عطية الزهراني حول الندوة التي نظمتها مؤسسة الأهرام بالقـاهرة تحت عنوان " مشروع حضاري عربي" فيقول الزهراني :" ليس مستغرباً من ندوة الأهرام أن تغيِّب الإسلام من محاورها وموضوعاتها فالغرب منذ عصر النهضة وحركة التنوير -في مفهومهم للنهضة والتنوير- وهـم يركضون ركض الإبل في القفار والصحارى الشاسعة دون أن يصلوا إلى نبع الماء وبقيت الحلقة الرئيسية في نهضتهم المزعومة مفقودة."([42])

        وأكد الزهراني في مقالته على أهمية دور العقيدة بقوله:" إن المشروعات الثقافية والفكرية التي لم تقدر على استيعاب العبر والدروس من التاريخ في ماضيه و حاضره لن يكون لها نصيب من النجاح... وسوف تذكر الأجيال القادمة أن حضارتهم لم تكن لتتعثر لو قام المخلصون ذوو القلوب الواعية بمزجها بهذا العنصر الأساس في مكوناتها ( العقيدة ) والتي لا تكتمل بدونه"([43])

        ومن مظاهر الآخر الداخلي تهجمه على التشريعات الربانية كالتهجم على مظاهر الحياة الإسلامية التي من ملامحها الحجاب حيث كتب أحدهم في جريدة الأهرام عن الملابس والاحتشام فأطلق على الحجاب بأنه غزو ثقافي بدوي قادم من الصحراء . ويعلق محمد صلاح الدين على ذلك بقوله:" وهكذا أصبحت الأحكام الشرعية مـرتعاً لعبث العابثين و المتزلفين وعدت الأوامر الإلهية حمى مستباحاً في ديار المسلمين للمنحرفين والمتحللين والعياذ بالله."([44])

        و ظهر هذا الآخر الداخلي أيضاً في مجال الأدب وفي الثقافة وفي التاريخ وفي علم الاجتماع وفي الفـكر السياسي والاقتصادي . ففي مجال الأدب تبنى بعض هؤلاء نظريات الحداثة الغربية التي تنادي بالقطيـعة مع التراث ، بل إنها تسعى إلى "تحطيم السائد والموروث ، وتفجـير اللغة " وأما ما يتذرعون به من التجديد في الأشكال الأدبية للشعر والنثر فإنما جزء من الخداع الذين أتقنوا فنه، وإلاّ فإن الحداثة تتضمن نظرة متكاملة إلى الحياة والكون بعيداً عن الدين وبخاصة الدين الإسلامي. ومن الأدلة على ذلك أنهم حين أصدروا مجلة "أبواب" كانت في أول أعدادها تعلن الحرب على ما أطلقوا عليه الأصولية حيث يقول في ذلك محمد نور الدين :" أبواب تفتح أبـواباً للتحديث والديموقراطية ( على النسق الغربي، وهل هناك نسق عالمي آخر ؟) وتحـمل عصا غليظة تهش بها الأصولية والأصوليين ." ([45])

        وفي المؤتمر العالمي الأول حول الإسلام والقرن الواحد والعشرين تحدث يوهانس يانسن Johannes Jansen تحت عنوان (فشل المشروع الليبرالي ) تناول فيه بالحديث فشل النخبة العلمانية في التأثير في المجتمع المصري بخاصة وفي العالم العربي بعامة ، وأرجع ذلك إلى أن هؤلاء يعيشـون في بروج عاجية وأن الحاجز كبير بينهم وبين عامة الشعب. وقد ذكر يانسن في ملخص موضوعه أن كتابات النخبة من أمثال حسن أحمد أمين ومصطفى أمين وفؤاد زكريا ونصر حـامد أبو زيد، ومحمد سعيد العشماوي التي تركز على الهجوم على "الأصولية" الحديثة تجد رواجاً ولهم قراء كثيرون لكنهم فشلوا في تحريك الجماهير.([46])وفي المؤتمر نفسه تحدث نبيل عبد الفتاح و هاله مصطفى -وهما من مؤسسة الأهرام- عن الحركات الإسلامية(الأصولية) وموقفها من الديموقراطية الحديثة فحشدا كثيراً من الاتهامات والدعاوى والزعومات ضد هذه الحركـات دون تمييز بين حركات تدعو إلى تحكيم شرع الله وتطبيق الشريعة الإسلامية في جميع ميادين الحياة، وبين تلك التي اتخذت خط العنف مهما كان حجمها صغيراً. وأصر المتحدثان على أن الحركـات الإسلامية لا يمكن أن يكون لديها القابلية للقبول بالتعددية أو القبول بمعطيات الحضارة الغربية .([47])ولاشك أن المـحاضرين ينطلقان من منطلق العداوة للحركات الإسلامية فلم يكن النقاش حول مواقف الحركات الإسلامية عقلانياً أو منطقياً . كما أن إدارة المؤتمر ربما تعمدت أن لا يكون في الحضور من يمثل وجهة نظر الحركات الإسلامية ليناقش مثل هذه المفتريات. ومن الأمثلة على هذه الآراء قول هالة مصطفى إن قبول الإسلاميين بالديموقراطية إنما هو قبول بإجراءات الديموقراطية أما الاتجاهات الفكرية والأيديولوجية لهذه الحركات فبعيدة جداً عن الجوهر التعددي للديموقراطية. كما زعمت الباحثة أن الإسلاميين يسعون إلى تأسيس الدولة الدينية التي لا يمكن أن تقبل بأي خيار آخر بعد أن يضفوا هالة من الشرعية لا تسمح بوجود خيار آخر. وكأن هالة مصطفى لم تقرأ التاريخ الإسلامي الذي يعد مضرب المثل في التسامح مع الأديان الأخرى منذ نشأة الدولة الإسلامية في المدينة المنورة حيث كـتب الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيفة بينه وبين يهود يضمن لهم فيها حرية الاعتقاد وحرية التصرف في ممتلكاتهم. كما لم يعرف التاريخ الإسلامي اضطهاد أصحاب الديانات الأخرى كما عرفتها أوروبا في حركة الإصلاح الديني وفي محاكم التفتيش في أسبانيا.

        الحواشي :
        [1] -السيد محمد الشاهد." الاستغراب " في مرآة الجامعة ، عدد 120 ، 20 جمادى الأولى 1410.

        [2] -المرجع نفسه.

        [3] -السيد محمد الشاهد." المواجهة حضارية.. والنقد لا يكفي"، في المسلمون. عدد 270، 11-17رمضان 1410، 6-12أبريل 1990.

        [4] -حنفي ، مرجع سابق ،ص 24.

        [5] - المرجع نفسه ،ص 28.

        [6] -المرجع نفسه ، ص 55-65. وأذكر أن أستاذ مادة (التاريخ العربي الحديث ) في الدراسات العليا في قسم التاريخ بجامعة الملك عبد العزيز كان يصرح بأن أي بحث تاريخي لا يمكن أن يكون مقبولاً ما لم يتضمن بعض المراجع الأجنبية.

        [7] مازن مطبقاني: الغرب في مواجهة الإسلام.( المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم، 1409.)ص 78.ظهرت قريباً طبعة ثانية من هذا الكتاب عن مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمدينة المنورة.

        [8] -سورة المائدة ، أية 8.

        [9] -مازن مطبقاني." بل لابد من دراسة الغرب ونقده." في المدينة المنورة، عدد 11256،13شعبان 1414(24يناير1994) ومن ذكر مزايا الآخر أو الاعتراف بما له من حسنات ما ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في وصف الروم بقوله:" إنّ فيهم لخصالاً أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، و أوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ، ويتيم ، وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك" رواه مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة.

        [10] -الشرق الأوسط ، عدد 5667، 25ذو الحجة 1414( 4يونيه 1994)

        [11] -المرجع نفسه.

        [12] - مازن مطبقاني ،"دراسة الاستشراق وريادة جامعة الإمام1" في المدينة المنورة،ع 11396، 4محرم 1415(13/6/1994) و"دراسة الاستشراق وريادة جامعة الإمام2، الرجع نفسه، عدد 11397، 11محرم 1415، و" الاستشراق وكلية الدراسات الأوروبية"،المرجع نفسه ، عدد 11410، 18محرم 1415(27يونيه 1994.

        * قررت ندوة أصيلة التي عقدت في شهر أغسطس 1997 إنشاء معهد الدراسات الأمريكية في أصيلة بالتعاون مع قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة هارفارد الأمريكية فكتبت مقالتين معلقاً على هذا الموضوع مشيراً إلى أنه بالإمكان أيضاً أن يتم التعاون مع المعاهد الأوروبية المتخصصة في دراسة الولايات المتحدة مثل معهد دراسات الولايات المتحدة في لندن والتابع لجامعة لندن، وكذلك معهد الولايات المتحدة في مونتريال بكندا.

        [13] -" متى نخضعهم لدراستنا ؟" في المدينة المنورة ،عدد 11534، 24جمادى الأولى 1415، (29أكتوبر 1994)

        [14] - محمد عثمان الخشت." الإسلام والغرب : من الصراع إلى الحوار." في الحياة ،عدد 12103 ، 26 ذو القعدة 1416، 14يناير 1996.

        [15] -المرجع نفسه.

        [16] - قسطنطين زريق." حضور أمريكا في الذهن العربي والحضور العربي في الذهن الأمريكي." في الحياة، عدد 12134، 28 ذو الحجة1416 (16 مايو 1996)

        [17] ادوارد سعيد: تعقيبات على الاستشراق، ترجمة صبحي حديدي، عمان: دار الفارس، 1996، ص 149-150.

        [18] المرجع نفسه.

        [19] -Sir William Hayter.

        [20] أحمد عبد الحميد غراب: رؤية إسلامية للاستشراق.ط2( بيرمنجهام : المنتدى الإسلامي) 1412هـ.

        [21] ادوارد سعيد: الحياة، العدد 12182، 17 صفر 1417هـ (3 يوليه 1996م).

        [22] -هاشم صالح." علم الاستغراب لا يضير الغرب بل يرتد علينا بأفدح الأخطار." في صحيفة الحياة،عدد 11740 ،13 ذو القعدة 1415(13 أبريل 1995).

        [23] -سورة الحجر آية 9.

        [24] - " أول معهد للدراسات الأمريكية ." في صحيفة الشرق الأوسط، العدد 6465، 26ربيع الأول 1417 (10أغسطس1996م)

        [25] -المرجع نفسه.

        * كان هذا في النادي الأدبي بأبها في يوم 8 ربيع الأول 1417 حيث ألقيت محاضرة بعنوان ( المعرفة بالآخر: ظواهر اجتماعية من الغرب)

        [26] -عبد القادر طاش،" الدراسات الأمريكية" في المدينة المنورة ، عدد 12180، 1ربيع الآخر 1417(15/8/1996م)

        * أشار الأمير الحسن بن طلال في كلمته التي ألقاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخامس والثلاثين للدراسات الأسيوية والشمال أفريقية الذي عقد في بودابست بالمجر على ضرورة الاهتمام بالتاريخ ذلك أن الماضي لا ينفصل عن الحاضر ويجب أن نتخذ من الماضي دروساً وعبراً، وليس من مصلحة الغرب أو الشرق نسيان الماضي.

        [27] -المرجع نفسه.

        [28] -عبد الرحمن الراشد. "أصيلة ومشروع المركز الأمريكي." في الشرق الأوسط، ع (6466) ،27ربيع الأول 1417(11/8/1996)

        [29] -المرجع نفسه ، ع ( 6467)، 28ربيع الأول 1417.

        [30] - عوض عباس أمين ،" آفاق مركز الدراسات الأمريكية في العالم العربي" في الشرق الأوسط .ع6479،10ربيع الآخر 1417 (24أغسطس1996م)

        [31]-سورة الأنعام آية 108.

        [32] - سورة البقرة آية 120.

        [33] - سورة الأنفال آية 30.

        [34]- سورة الأعراف آية 88.

        [35] -سورة آل عمران آية 75.

        [36] جعفر شيخ إدريس: موقفنا من الحضارات والأديان الأخرى، رؤية شرعية، في الشرق الأوسط، ع 6311، 9 مارس 1996م.

        [37]- سورة النحل آية 125.

        * أذكر حينما كنت أعمل في الخطوط السعودية قبل أكثر من عشرين سنة أن إحدى المجلات المتخصصة في الطيران نشرت على غلافها صورة إحدى الطيارات المقاتلة وكتبت تحتها (القوة من أجل السلام)Power For Peace . وبعد سنوات أجرت مجلة المجتمع الكويتية لقاءً مع البرفسور عبد القدير خان المسؤول عن البرنامج النووي الباكستاني ولم تهتم به الصحف الأخرى فكتبت مقالة في جريدة المسلمون بهذا العنوان مشيراً إلى أن الأمة الإسلامية يجب عليها أن تمتلك القوة التي تجعلها مهابة الجانب عملاً بقوله تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}.سورة الأنفال آية60.

        [38] جعفر شيخ إدريس، المرجع نفسه، الحلقة الثانيةـ عدد 6312، 10/3/1996م.

        [39] - محمد صلاح الدين ." الديموقراطية الصليبية." في المدينة المنورة ، ع 12140، 20صفر 1417(6يوليو1996م)

        * استطاع العسكر في تركيا بتأييد ظاهر وخفي من الغرب أن يفرضوا على نجم الدين أربكان رئيس الوزراء التركي ورئيس حزب الرفاه الاستقالة بعد حكم لم يدم أكثر من سنة، ثم جاء يلماظ ليحاول أن يتخذ عدداً من القرارات للحد من المدارس الدينية وتمديد التعليم العلماني وبالرغم من التكاليف المالية الضخمة لمثل هذا القرار فإن صندوق النقد الدولي الذي تسيطر عليه الدول الكبرى قد قرر تقديم القروض لتركيا. انظر سرعتهم في تأييد كل قرار ضد الإسلام والمسلمين مع تشدقهم بالديموقراطية وحرية التدين.

        [40] -المرجع نفسه.

        [41] -مازن مطبقاني ." (أتواصوا به )...التنوير المزعوم" في المدينة المنورة ، ع 9536، 8 محرم 1414.

        [42] -عبد العزيز عطية الزهراني." وجموا وهم جاهلون." في رسالة الجامعة،(صحيفة تصدر عن جامعة الملك سعود بالرياض) ع 547، 25جمادى الآخرة 1415.

        [43] -المرجع نفسه وانظر مقالتي " ما ذا لو تفسحوا في مجالسهم " في المدينة المنورة، ع 11592، 24رجب 1415 (26ديسمبر1994)

        [44] -محمد صلاح الدين." الحجاب..غزو ثقافي بدوي؟!" في المدينة المنورة.ع11467 16ربيع الأول 1415، (23أغسطس1994)

        [45] - محمد نور الدين." أبواب المجلة الجديدة تبالغ في التركيز على الديموقراطية ونفي الأصولية." في الحياة،عدد (11513)، 19ربيع الأول 1415، (26أغسطس 1994)

        [46] -Johannes Jansen. “ The Failure of the Liberal Alternative.” in The First International Conference on Islam and the 21st Century :Porogramme and Abstracts (Leiden: Leiden University,1996)p.51.لقد حضرت المؤتمر واستمعت لمحاضرة يانسن وناقشته في بعض الأفكار التي طرحها في محاضرته.

        [47] -Nabil Abdul Fattah and Halah Mustafa.” Western Democracy and Islamic Movements in The Middle East.” Two parts each presented a part. in The First International Conference on Islam and The 21st Century. Leiden ,June 4-7,1996.
        جميع الحقوق © محفوظة لـ مركز المدينة المنورة لدراسات وبحوث الاستشراق 2005
        التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:45 ص.
        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
        وينصر الله من ينصره

        تعليق

        • سيف الكلمة
          إدارة المنتدى

          • 13 يون, 2006
          • 6036
          • مسلم

          #5
          الاستغراب
          كيف ندرس الغرب؟

          كيف ندرس الغرب؟ لابد من التخطيط الفعّال في هذه القضية إن أردنا أن ننجح حقاً في التعرف إلى الغرب والإفادة من المعطيات الإيجابية للحضارة الغربية. ويحتاج هذا الأمر إلى عشرات اللجان في العديد من الجامعات العربية والإسلامية لوضع الخطط اللازمة لهذه الدراسات. ولكن حتى يتم ذلك لا بد من التفكير في الطريقة المثلى لهذه الدراسات. واذكر هنا أن الولايات المتحدة كانت قد بدأت فيها دراسة الاستشراق منذ بداية القرن التاسع عشر ولكنها بعد الحرب العالمية الثانية وجدت نفسها مضطرة لتحل محل بريطانيا في الشرق الأوسط أو في البلاد العربية الإسلامية،ووجدت نقصاً إن لم يكن عجزاً في الكوادر المؤهلة لفهم العالم العربي الإسلامي، فأصدرت الحكومة الأمريكية مرسوماً لتمويل عدد من المراكز لدراسة اللغة العربية والتركية والفارسية والأوردو ودراسات الأقاليم أو دراسة المناطق.

          وبعد البدء في برامج اللغات العربية استعانت الجامعات الأمريكية بعدد من أساتذة الجامعات البريطانيين بخاصة والأوروبيين بعامة لتدريس الاستشراق في الجامعات الأمريكية كما بدأت الاستعانة ببعض أبناء المنطقة لإنشاء أقسام دراسات الشرق الأدنى كما فعلت جامعة برنستون حينما كلّفت فيليب حِتّي لإنشاء القسم في الجامعة.ثم بدأ التعاون بين أقسام دراسات الشرق الأوسط والمؤسسات العلمية الأخرى مثل مؤسسة الدراسات الاجتماعية والإنسانية وغيرها من المؤسسات العلمية والأكاديمية. وما زالت أكثر من عشرين جامعة أمريكية تحصل على دعم الحكومة الفيدرالية في مجال الدراسات العربية الإسلامية لتمسكها ببرنامج يلبي احتياجات الحكومة الأمريكية.



          وفي العالم الإسلامي يكاد لا ينقصنا دراسة اللغات الأوروبية ولكننا بحاجة إلى من يتعلم هذه اللغات ليصل إلى مستوى رفيع في التمكن من هذه اللغات وبالتالي الدراسة في الجامعات الغربية والتركيز على قضايا الغرب وليس لدراسة موضوعات تخص العالم الإسلامي. فنحن بحاجة إلى من يعرف الأدب الغربي كما يعرفه مثلاً البروفيسور إدوارد سعيد الذي استطاع التعمق في فهم العقلية الغربية من خلال دراسة آدابهم. كما أننا بحاجة إلى من يتعمق في علم الاجتماع الغربي ليتعرف على مجتمعاتهم كأنه واحد منهم. ولم تعد هذه المسألة صعبة فإن في الغرب اليوم كثير من المسلمين من أصول أوروبية وأمريكية ويستطيعون التعرف على بيئاتهم معرفة حقيقية ولا يعوقهم شيء في التوصل إلى المعلومات التي يرغبون في الحصول عليها.

          ولا بد من التأكيد على أن دراستنا للغرب يجب أن تستفيد من البلاد التي سبقتنا في هذا المجال ومن ذلك أن عدداً من البلاد الأوروبية قد أنشأت معاهد للدراسات الأمريكية فهناك معهد الدراسات الأمريكية تابع لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن، كما أن جامعة مونتريال فيها معهد للدراسات الأمريكية وكذلك في ألمانيا. وقد أنشأت باكستان معهداً للدراسات الأمريكية.

          ودراستنا للغرب لا شك ستختلف عن دراسة الغرب لنا ذلك أن الغرب بدأ الاستشراق فيه منطلقاً من توجيهات وأوامر البابوات لمعرفة سر قوة المسلمين وانتشار الإسلام في البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية. وكان القصد ليس فقط معرفة الإسلام والمسلمين ولكن كانت أيضاً لهدفين آخرين أحدهما تنفير النصارى من الإسلام، والثاني إعداد بعض رجال الكنيسة للقيام بالتنصير في البلاد الإسلامية.

          وبعد هذه البداية ظهرت أوروبا الاستعمارية فكان لا بد أن يواكبها أو يسبقها معرفة باللابد التي يراد استعمارها فتكون لدى الغربيين أعداد من الخبراء بالعالم الإسلامي ساهموا في تثبيت دعائم الاستعمار. وانحسرت الموجة الاستعمارية ولكن الغرب مازال حريصاً على استمرار نفوذه في العالم الإسلامي ليسهّل عملية وصول المواد الخام للبلاد الغربية وإعادتها بضائع مصنعة لترويجها في العالم الإسلامي. فلا بد من تغيير أنماط الحياة الاجتماعية في هذه البلاد والمحافظة على أنماط معينة من السلوك لتظل بلادنا أسواقاً مفتوحة لبضائعهم ومنتجاتهم إلى ما شاء الله.

          أما نحن فحين نريد دراسة الغرب ومؤسساته وهيئاته فأولاً نحن بحاجة للأخذ بأسباب القوة المادية التي وصلوا إليها أليس في كتابنا الكريم ما يؤكد هذا (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) . فكما يسعى الأمريكيون مثلاً للتعرف على الإدارة اليابانية وسر قوة الإنتاج والتقدم السريع لليابان فإننا أيضاً بحاجة إلى أن نعرف أسباب القوة لديهم. كما انهم استطاعوا تطوير آليات تطبيق الأنظمة في حياتهم في مجال الإدارة والصناعة والاقتصاد وفي التعليم وفي الثقافة.

          والأمر الآخر أننا حين ندرس الغرب فليس لدينا تطلعات استعمارية فما كان المسلمون يوماً استعماريين وكم يعجبني رأي محمد جلال كشك في كتابه (ودخلت الخيل الأزهر) في الدفاع عن الدولة العثمانية بأنها لم تكن ولا يمكن أن توصف بأنها دولة استعمارية وأتي بالأدلة والشواهد على ذلك. ولكننا نريد أن نحمي مصالحنا ونفهم طريقة عملة الشركات المتعددة الجنسيات التي ابتدعها الغرب وأصبحت أقوى نفوذاً من كثير من الحكومات.

          والأمر الثالث وله أهميته الخاصة وهو أن هذه الأمة هي أمة الدعوة والشهادة فإن كان الأنبياء قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يُكَلّفون بدعوة أقوامهم فإن الدعوة الإسلامية موجهة إلى العالم أجمع وقد كلّف المسلمون جميعاً بحمل هذه الأمانة (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن) وجاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها فربّ مُبَلّغٍ أوعى من سامع أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) وهذه الرسالة الخاتمة ليست نظاماً عقدياً فحسب بين العبد وربه كما هو الأمر في النصرانية التي يزعم أتباعها أن عيسى عليه السلام قال (دعوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله) ولكنها نظام اجتماعي وسياسي واقتصادي وأخلاقي وفكري. ونحن أمة الشهادة فكيف لنا أن نشهد على الناس دون أن نعرفهم المعرفة الحقيقية.

          ولن يكون علم الاستغراب لتشويه صورة الغرب في نظر العالم ذلك أننا ننطلق من قوله تعالى (ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله) وقد جاء في الأمر بالعدل ولو كان أولى قربى أو الوالدين …ولنا أسوة في ذلك ما ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في وصف الروم بقوله :" إنّ فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرّة وخيرهم لمسكين ويتيم وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك".
          التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:44 ص.
          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
          وينصر الله من ينصره

          تعليق

          • سيف الكلمة
            إدارة المنتدى

            • 13 يون, 2006
            • 6036
            • مسلم

            #6
            الاستغراب

            نماذج من دراستنا للغرب


            ينبغي أن تنطلق دراستنا للغرب من خلال أقسام علمية ومعاهد ومراكز بحوث، وحتى الآن لم يتأسس أي مركز في العالم العربي الإسلامي يزعم لنفسه التخصص في دراسة الغرب، ولكننا في هذا الموقع سنقدم نماذج لبعض الأفكار التي لا بد من تطويرها والاستمرار فيها. ومن هذه النماذج ما يأتي:

            الاستغراب

            لمحات عامة عن دراسة الغرب

            يمكننا أن نجد إشارات إلى معرفة المسلمين بالشعوب الأخرى إذا عرفنا أن الجيوش الإسلامية التي انطلقت للفتوحات كانت على علم ودراية بالشعوب الأخرى فهذا رسول الجيش الإسلامي يدخل على رستم ويجلس معه على عرشه فيريد الحرس أن يقيموه فيقول لهم تلك القولة التي تدل على معرفة عميقة بهم "كنّا نظنكم أولي أحلام تتساوون فيما بينكم فإذ بكم يستعبد بعضكم بعضاً، إن قوماً هذا حالهم فمصيرهم إلى زوال" واستمر المسلمون في الحرص على معرفة الشعوب الأخرى وبخاصة في مجال العقيدة حتى إنه ظهرت كتب الفرق والملل والنحل في التراث الإسلامي منذ وقت مبكر .

            وهناك لمحات من دراسة الغرب في كتاب أسامة بن منقذ الاعتبار الذي تناول فيه جوانب من حياة الصليبيين فوصف طباعهم وأخلاقهم وتحدث عن مزاياهم وعيوبهم. ومن أطرف ما ذكره في هذا الكتاب مسألة العلاقة بين الرجل والمرأة وضعف الغَيْرة من الرجال على النساء بل لعلها تكون معدومة أحياناً. فلا يرى الرجل بأساً أن تتحدث زوجه مع رجل أجنبي وقد تختلي به بل هو الذي يتركها مع الرجل الأجنبي ويطلب إليها أن لا تتأخر مثلاً. وهذا ما يقوله أسامة بن منقد" وليس عندهم شي من النخوة والغيرة، يكون الرجل منهم يمشي هو وامرأته يلقاه رجل آخر يأخذ المرأة ويعتزل بها ويتحدث معها، والزوج واقف ناحية ينتظر فراغها من الحديث فإذا طولت عليه خلاها مع المتحدث ومضى" (ص 154)

            كما تناول صفاتهم الخُلُقية والخَلقِيّة وطرق تعاملهم فيما بينهم وبينهم وبين الشعوب الأخرى. وبين شدة بأسهم وقوة مراسهم في القتال. ومن ذلك قوله عنهم: "والإفرنج خذلهم الله، ما فيهم فضيلة من فضائل الناس سوى الشجاعة، ولا عندهم تقدمة ولا منزلة عالية إلاّ للفرسان ولا عندهم ناس إلا الفرسان- فهم أصحاب الرأي وهم أصحاب القضاء والحكم."(ص 87) ووصف أخلاقهم في موضع آخر بقوله " فكل من هو قريب العهد بالبلاد الفرنجية أجفى أخلاقاً من الذي تبلدوا وعاشروا المسلمين"(ص 153)

            ونحن اليوم في حاجة إلى معرفة الغرب. ولعل بداية دراسة الغرب كانت فيما نقله رفعت رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وغيرهما عن أوروبا وكان من أبرز ما اهتم الاثنان به النظام السياسي الغربي القائم على الانتخاب والحريات السياسية. كما اهتم الاثنان بجوانب من الحياة الاجتماعية في الغرب وعلاقة الرجل بالمرأة. وكانت تلك النظرة التي ظهرت في كتابات التونسي والطهطاوي في وقت كانت قوة الغرب في عنفوانها وكان العالم الإسلامي يقاسي من ويلات التخلف فلا بد أن يصاب هؤلاء بالانبهار بالنموذج الغربي وإن كانا قد حاولا أن يربطا المحاسن الغربية (في نظرهم) بما في الإسلام.

            وقد تجددت الدعوة لدراسة الغرب في منتصف هذا القرن في أحد مؤتمرات المستشرقين الدولية فقد أشار رودي بارت في كتابه المهم الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية (ص15) إلى أهمية أن يتوجه العالم الإسلامي لدراسة الغرب أسوة بما يفعله الغرب في دراساته للعالم الإسلامي. وقد تناول هذا الموضوع الدكتور السيد محمد الشاهد في خطة علمية قدمها لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1414ونشر موجزاً لها في صحيفة (مرآة الجامعة) ثم ظهر كتاب الدكتور حسن حنفي (مقدمة في علم الاستغراب) وإنني أحب أن أقتطف منه عبارة عن أهداف دراسة الغرب جاء فيها أن من أهداف دراسة الغرب:" فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر، والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر بتحويله إلى ذات دارس إلى موضوع مدروس، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس مهمته القضاء على الإحساس بالنقص أما الغرب لغة وثقافة وعلماً ومذاهب ونظريات وآراء…"

            ومن النماذج التي تبشر ببداية دراسة الغرب قيام محمد بن سعود البشر الأستاذ المتخصص في الإعلام بترجمة عدد من الكتب التي صدرت في الولايات المتحدة الأمريكية وتتحدث عن واقع تلك المجتمعات وهي (يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة) وكتاب (السقوط من الداخل) وغيرها. وقد صدر لكاتب هذه السطور كتاب بعنوان ( الغرب من الداخل :دراسة للظواهر الاجتماعية) حاولت فيه أن أرصد بعض الظواهر الاجتماعية مستنداً إلى الدراسات العلمية التي صدرت في الغرب وكذلك من خلال وسائل الإعلام الغربية ومن خلال الدراسات الوثائقية والإحصائية التي تصدر عن الحكومات الغربية ومنها مثلاً تقرير (العيش في بريطانيا) والذي كان يصدر من قبل بعنوان (الحياة المنزلية في بريطانيا) (Household Survey in Britain)

            ومما يؤكد على أهمية دراسة الغرب أن الغرب قد استطاع أن يبني حضارة ومدنية هي السائدة في أرجاء العالم اليوم وقد تردد منذ كتابات طه حسين (مستقبل الثقافة في مصر) ولطفي السيد وغيرهما أن المسلمين لكي ينهضوا كما نهض الغرب أن يتخلوا عن خصوصياتهم وهويتهم ويلتحقوا بالغرب ويأخذوا بالحياة الغربية خيرها وشرها. وإن كان طه حسين قد تراجع عن مثل هذه الأفكار حيث لم يُعد طباعة كتابه (مستقبل الثقافة..) وقد سئل ذات مرة فقال: ذاك كتاب قديم. فدراسة الغرب المنطلقة من التمسك بالهوية الإسلامية هي الطريقة الصحيحة لهذه الدراسة فهذه الأمة هي أمة الشهادة والأمة الوسط فعليها أن تكون منطلقاتها تختلف عن الأمم الأخرى في كل شأن من شؤونها.



            يتبع
            التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:44 ص.
            أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
            والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
            وينصر الله من ينصره

            تعليق

            • سيف الكلمة
              إدارة المنتدى

              • 13 يون, 2006
              • 6036
              • مسلم

              #7
              الاستغراب

              الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية

              تعريف الظواهر الاجتماعية:

              تقول الموسوعات انكارتا ENCARTA ، وجرويلر GROILER، وغيرهما أن الظواهر الاجتماعية هي أقدم فرع من فروع علم الاجتماع لم تتم دراستها في السابق تحت أي علم من العلوم الاجتماعية، وهي: الزواج، والأسرة، والظلم الاجتماعي، والعلاقات العرقية، والانحرافات السلوكية، والمجتمعات الحضرية، والمنظمات الرسمية أو المعقدة([1]).

              أولاً: الأسرة: الزواج والطلاق وعدد الأفراد:

              ولما كانت الأسرة هي اللبنة الأساس في المجتمع فلتكن أول ما نتناوله في الحديث بعض مظـاهر الأوضاع الأسرية في الغرب، وفقا للمصـادر الغربية، وأول هذه المصادر وأهمها مما اطلعت عليه، التقريـر السنوي الذي تصدره الحكومة البريطانية، وعنوانه :" التقرير المـنزلي العام لسنـة 1993 " General Household Survey "([2])

              يذكر التقرير أن حجم الأسرة البريطانية بدأ يتقلص بالنسبة للبريطانيين البيض، فقد كان حجم الأسرة البريطانية يتكون من 2.91 فرد عام 1971 ثم أصبح 2.44 فرد عام 1993. ويشـير التقرير إلى أن أسر البريطانيين من أصل هندي أو باكستاني أكبر حجما. أما عدد الأطفال في الأسرة فقد وصل إلى 1.8 فردا منذ بداية الثمانينات، وهذا العدد يتضمن الأطفال المتبنين وأطفال أحد الزوجـين، ومن المظاهر المهمة في تكوين الأسرة البريطانية أن الأسرة المكونة من والد واحد (أب أو أم) ارتفع من 8% عام 1971 إلى 22% عام 1993. وبالنسبة للأمهـات الوحيدات فقد ارتفع من 8% عام 1971 إلى 22% عام 1993. وبالنسبة للأمهـات الوحيدات فقد ارتفعت نسبتهن من 1% عام 1971 إلى 18% عام 1993.([3])

              وكتبت إيان موراي Ian Murray حول التقرير السنوي للسكان قائلة :" إن الأسرة البريطانية التقليدية المكونة من أبوين أصبحت أكثـر ندرة وفقاً لآخر تقرير سكاني حكومي ، فإن الترتيب الأكـثر شيوعاً للأسرة هو رجل وامرأة بلا أطفال ، ووفقاً للإحصائيات التي تم إعدادها من أبريل عام 1991 حتى مارس 1992 فإن زوجاً ( رجل وامرأة) من بين كل خمس أزواج لا يعيشـون تحت مظلة الزواج ، وأسرة واحدة من بين سبع أسر يعولها والد واحد (أب أو أم) وعائلة من بين كل ثنتي عشرة عائلة تتضمن طفلاً من زواج سابق لأحد الزوجين.([4])

              وقد كتبت ليزلي وايت Lesley White حول انخفاض معدل الزواج في بريطانيا فقالت: " إن مؤسسة الزواج تكاد تختفي في بلادنا، فقد أصبح الإقبال على الزواج أقل وفي سن متأخرة، وارتفعـت نسبة الطلاق حتى وصلت 40% وهي أعلى نسبة في أوربا. وبالنسبة لانخفاض الزواج فقد انخفض بنسبة الثلث عام 1992، وتصف الكاتبة موقف البريطانيين من الزواج فتقول " لقد أصبح الزواج مخيفا جدا، فمن الصعب جدا أن يقدم الناس على الزواج."

              ومن النتائج التي حدثت أن أصبح متوسط عمر المرأة عند إنجـاب أول طفل هو 28.6 سنة، وهناك عشرون في المئة من النساء لا يفكرن في الإنجاب مطلقا، ويفضلون إنفاق أموالهم على الترفيه والمتع الذاتية، أو هكذا يظنون([5]).

              ولو عدنا إلى التقرير الحكومي البريطاني لوجدنا أن عدد النساء اللاتي لم يتزوجن قد ارتفع من 18% عام 1979 إلى 28% عام 1993، أما العيش مع الرجل دون زواج فقد ارتفع من 9% عام 1981 إلى 23% عام 1993.([6])

              ويشير تقرير موراي إلى ارتفاع نسبة الزواجات التجريبية (يعيش الرجل مع المرأة كأزواج دون عقد رسمي) فثمة امرأة من كل أربعة نساء تعيش مع رجل بلا زواج ، بينما تتمنع الأخريات عن الإقدام على الزواج كليا.([7])

              أما التعليق على هذه الأرقام فكما يأتي:

              1 - انخفاض معدل الإنجاب في أوربا سيؤدي بعد حين إلى ارتفاع نسبة كبار السن وانخفاض الفئة القادرة على الإنتاج، وقد بـدأت نذر هذا حيث إن الإحصائيات الحالية تشير إلى أن عدد الذين تجاوزوا الستين من العمر وصلوا إلى سبع عشرة في المئة في الولايات المتحدة، وعشرين في المئة في أوربا، وسبع عشرة في المئة في اليابان، وذكر برنامج تلفازي في الولايات المتحدة أن من أسباب هذا انخفاض نسبة المواليد واقتصار العائلة الأمريكية على طفلين فقط.([8]) فقد أشارت دراسة أعدتها المفوضية الأوروبية في بروكسل إلى أن عدد الشباب والشابات في دول الاتحاد الأوروبي سوف يتقلص بحـلول عام 2025م ليصبح 9,5مليون ، أما الذين ستزيد أعمارهم عن الستـين فسوف تزيد على 113,5مليون بينما لا تزيد الآن عن 76,3 مليون عام 1995 ، كما أشارت الدراسة إلى أن عدد البالغين عشرين سنة من أعمارهم عام 2025سوف يتدنى إلى 4,2مليون من مجموع السكان بينما كان يساوي 5,1مليون عام 1995. وأكدت الدراسات أن عدد السكان في دول الاتحاد الأوروبي سوف يتراجع إجمالياً .([9])

              وقد علق المفوض الأوروبي بيدريج فلين المكلف بحقيبة العمل والشؤون الاجتماعية في الاتحاد الأوروبي إن الدراسة الديموغرافية لطبيعة سكان الاتحاد الأوروبي لعام 1995 قد أكدت التوجهات التي أشارت إليها الدراسة المماثلة التي أجريت عام 1994التي حذرت من شيخوخة مرتفعة المعدلات في أوروبا الغربية … وهو الأمر الذي سوف يتسبب في اختلال النظم الاجتماعية المعمول بها حالياً حيث لن يكون هناك أعداد كافية من العاملين لتأمين المنح الهائلة لكبار السن المتقاعدين الذين سيشكلون الغالبية العظمى عام 2025.([10])

              أما تأخر النساء في الزواج فإن ثمة دراسات تؤكد أن المرأة لا تنضج إلا بعد إنجاب الطفل الأول أو الثاني، فها هي المرأة الغربية تتأخر أكثر من عشرة سنوات عن الإنجاب، وقد لا تنجب مطلقا.

              وبالنسبة للعزوف عن الزواج بحجة إنفاق المال في المتع والترفيه فقد ذكر الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله في كتابه الحجاب، أن من أسباب انهيار الحضارات وسقوطها (الشح) وهذا هو الشح بعينه، حين يرغب الوالدان إشباع متعهم الذاتية ويمتنعون عن الإنجاب أو عن الزواج.([11])

              الأسرة في الولايات المتحدة

              كتب ديفيد بلانكنهورن David Blankenhorn يقول: (هذه الليلة سينام أربعون في المئة من أطفال أمريكا بعيدا عن المنازل التي يعيش فيها آباؤهم، ويضيف بأن فقدان الأب يعد من أكثر الاتجاهات الديموغرافية (السكانية) إيلاما لهذا الجيل، فهي السبب الأول لتراجع صحة الطفل في مجتمعنـا، وهي الدافع لكثير من المشكلات الاجتماعية من الجريمة إلى عمل الصغار إلى التحرش الجنسي بالأطفال، ويقدم المؤلف بعض الأرقام في هذا المجال وهي:

              أ - كانت نسبة الأطفال الذين يعيشون مع آبائهم عام 1960 هي 82.4% وتراجعت هذه النسبة حاليا إلى 61.7%.([12]).

              ب - كانت نسبة الذين يعيشون بعيدا عن آبائهم عام 1960 هي 17.5% وبلغت هذه النسبة عام 1990 36.3%.

              وقد أشار ريتشارد نيكسون إلى تضاعف حالات الطلاق أربع مرات وأصبح طفل واحد من كل ثمانية يعيش على حساب الرعـاية الاجتماعية أي أكثر بثلاثة أضعاف ما كان عليه الحال عام 1960.([13])





              ألمانيا

              وفي ألمانيا ينقل لنا نبيل شبيب بعض الإحصائيات منها أن ثلث الأطفال المولودين هناك ليـسوا شرعيين([14])، وهي نفس النسبة لكل من بريطانيا والولايات المتحدة كما نقل الدكتور عبد القادر طاش عن الكاتبة غريتوود هلمفار أستاذة التاريخ بجامعة سيتي بمدينة نيويوركCity University of New York ، وأضاف طاش بأن إيطاليـا تعاني من التناقص السكاني، وهي (ظاهرة توشك أن تتحول فعليـا إلى أزمة على أبواب القرن الحادي والعشرين على امتداد الأمة الإيطالية([15]).

              ويرى الرئيس علي عزت بيجوفتش أن الحضارة الغربية قد تسببـت في تحطيم الأسرة حيث بدأ ذلك بهجر الرجل للبيت ثم تبعته المرأة ثم تبعهم الأطفال. ومن مظاهر تحطم الأسرة انخفاض حـالات الزواج وارتفاع نسبة الطلاق وازدياد عدد النساء العاملات والازدياد الكبير في عدد المواليد غير الشرعيين وارتفاع عدد الأسر القائمة على والد واحد (الأم) ويضيف بيجوفتش أن عدد ربات البيوت من الأرامل صغار السن قد ازداد شيوعاً بسبب ارتفاع معدل الحوادث وارتفاع عدد ضحايا السكتة القلبية وأمراض السرطان وهذه الأمور شديدة الصلة بالحضارة. ([16])

              هذه الأوضاع الأسرية الصعبة جعلت المفكرين الأوروبيين يخشون على الجنس الأبيض من خطر الزوال ،فيذكر على عزت بيجوفيتش أن معدل المواليد في ألمانيا قد انخفض بحيث أن الألمان قد يتلاشون في القرن القادم ، ويضيف بان تقديرات السكان الذين يبلغ تعدادهم الآن ( في السبعينيات) 52مليوناً سوف ينخفض إلى 17 مليوناً في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين.

              كما أن التقرير الإحصائي السنوي للسويد يشير إلى أن كل واحـد من اثنين من أطفال السويـد هو الطفل الوحيد في الأسرة ، وينطبق الأمر نفسه على تشيكوسلوفاكيا التي يرى سكانها أن الأسرة التي تتكون من ثلاثة أطفال ترف غير معقول.وتشير الإحصائيات إلى أن السويد لن تكون قادرة في عام 1990 على الاحتفاظ بمعدل المواليد المعتاد.([17])

              وأما صاحب كتاب صدمة المستقبلFuture Shock فيذكر أن الأسرة في الغرب على وشك الاندثار الكلي وينقل عن الكاتب فيرديناند لندبيرج Ferdinand Lundberg أن الأسرة ميتة عدا في السنتين الأولى والثانية من حياة الطفل، ولعل هذه هي مهمتها الوحيدة.([18]) ويثير المؤلف قضية خطيرة تعرضـت وما زالت تتعرض لها مؤسسة الأسرة في الغرب وهي الزواج المؤقت أو الزواج التجريبي الذي بدأ يجد قبولاً لدى كثير من المفكرين وقادة الرأي ورجال الدين حتى أن القس جاك لازور Jacque Lazure أقترح ما أسماء " الزواج التجريبي " وأن يستمر ما بين ثلاثة إلى ثمانية عشر شهراً.([19])

              ومما يهدد وجود الأسرة ارتفاع عدد الشاذين جنسياً وإصـرارهم على الزواج وقد سنّت بعض الدول الأوروبية تشريعات تسمح بزواج هؤلاء مثل هولندا وبريطانيا بينما ما زالت القضـية تثير كثيراً من النقاش والجدال في دول أخرى. ويرى مؤلف كتاب ( صدمة المستقبل) بأن بعض الشاذين جنسياً يقوم بتبني أطفال مما يشكل صورة جديدة للأسرة ([20])




              ثانياً: الأطفال والجريمة

              إذا كانت هذه حال الأسرة في الغرب فكيف تصير حال أطفالهم؟ لاشك أنهم سيتأثرون بالفعل، وقد بلغ عدد الجرائم التي يرتكبها الأطفال ونوعها حداً جعلهم يلجأون إلى حظر التجول على الأطفال والشباب ليلا، وأصبحت قضية حظر التجول من القضايا السياسية التي تتنافس الأحزاب في مواقفها منها.

              حمل السلاح والعنف

              ذكر تقرير حكومي بريطاني أن ثلث تلاميذ بريطانيا في سن الخامسة عشرة استبدلوا الأسلحة بالكتب الدراسية، وتتنوع الأسلحة التي يحملونها في حقائبهم من سكاكين حادة إلى مشرشرة، ومدى وجنـازير وعصي بيسبول وسلاح ناري يمكن شراؤه بسهولة، تقول الإحصائيات إن واحداً من خمسين تلميذاً في المدارس البريطانية يحمل مسدسا، هذه الأوضاع جعلت ربع الطلاب يتخوفون من الـذهب إلى المدرسة، بينما ثلث الطالبات في المدارس الثانوية المختلفة يتخوفن من الاعتداءات الجسدية([21]).هذا بالإضافة إلى الإيذاء اللفظي الذي يتعرض له بصفة خاصة الطلاب المستجدون له في المدارس، ويتعرض للسخرية أيضاً الطلاب الذين يعانون من بعض الأمـراض الجسدية مثل حَب الشباب ، أو العيوب الخًلقية أو ممن لهم هوايات غريبة([22])

              وحمل السلاح هذا لم يكن للتسلية، فقد قام أحد الطلاب عمره خمس عشرة سنة بقتل ناظر مدرسة ثانوية في شمال لندن، ومن حوادث الجرائم التي هزت المجتمع البريطاني قتل طفل عمره سنتان من قبل طفلين في العاشرة. أما الإحصائيات فتقول إن جرائم الأطفال في سن 11-17 ازدادت بنسبة 50% من البيض، و 300% بين السود، وقد وقعت في نيويورك في العام الدراسي 1994/1995 (1914) جريمة قتل قام بها أطفال ينتظمون فيما يسمى بقبائل أو جماعات الذئاب، وفي لوس أنجلوس وحدها 40 جماعة ذئاب([23]).



              حظر التجول

              ومن أجل مواجهة جرائم الأطفال فقد بدأت العديد من المـدن الأمريكية فرص حظر التجول ليلا على الشباب في سن مادون الثامنة عشرة أو السابعة عشرة، وقد بدأ الحظر في مدينة نيو أولينز New Orleans منذ سنتين، وقد انخفضت حوادث القتل بنسبة 37% لنفس الفترة مـن العام الماضي، ولكن هذا الحظر وجد من يعارضه من جماعات الدفاع عن الحقول المدنية التي ترى أن الحظر مخالف لحقوق الوالدين في التربية، ومخالفة للحقول المدنية للشبـاب، ويرى بعض الباحثين أن وقت الجرائم سينتقل من الليل إلى النهـار، وإن الشغل الشاغل للشرطة قد أصبح فرض هذا الحظر، ومع ذلك فإن الكثير من المدن الأمريكية بدأت في تطبيق هذا الحظر الذي وجد الدعم من الرئيس الأمريكي الحالي بيل كلينتون([24]).

              وكتبت صحيفة الجارديان الأسبوعيةGuardian Weekly بأن حظـر التجول يضر بالأولاد الفقـراء الذين لا يـجدون من ينقلهم في الليل، فليس لديهم سائقون في بيوتهم، وتقول الصحيفة بـأن أقسى نقد جاء من اتحاد الحريات المدنية الأمريكي بأن ما تفعله هذه القوانين هو عقاب الناس العاديين المطيعين للقانون([25]).

              وقد انتقلت فكرة حظر التجول من أمريكا إلى بريطانيا وقد دعا لها كل من حزب العمال وحزب المحافظين جزءا من برنامجه السياسي، ولكن هناك من يعارض هذا الحظر، ومن هؤلاء أحد الـوزراء البريطانيين الذي يقول: (إن الحظر إهانة للغالبية من الشباب الحسني السلوك، وهذه السياسة تذكر بسياسة الأخ الأكبر في النظام الاشتراكي الذي يريد السيطرة على كل شيء([26]).

              وعلقت صحيفة الجارديان بأن أمريكا ليست النموذج المناسب لتقليده في تطبيق حظر التجول على الشباب والأطفال، فنسبة الجريمة في الولايات المتحدة أعلى من بريطانيا، كما أن الأوضاع الاجتماعية تختلف من بلد لآخر، وأضاف بأن هذه السياسة ستعاقب الأغلبية من الأبـرياء وبخاصة في مجتمعات السود، فهذه السياسة خاطئة في تأثيرها وفي مبدئها([27]).

              ولابد من كلمة حول هذا الأمر، فقد اقتنعنا مدة طويلة بتفوق الغرب في شتى المجالات ومنها التربية بلا شك، وأرسلنا أعداداً كبيرة من طلاب الدراسات العليا للحصول على درجتي المـاجستير والدكتوراه في التربية في الغرب، وهذا الواقع يؤكد فشل تربيتهم، أما التربية الإسلامية الصحيحة فهل فكرنا لماذا يتقدم شبابنا الذين لم يبلغوا الخامسة عشرة للدخول إلى المعارك، وكان هذا في أُحُد وفي الخنـدق وغيرها، ألم يكن أسامة بن زيد في السـابعة عشرة حينما ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم قيادة جيش للتوجه إلى الشام. وكم كان سن محمد بن القاسم الثقفي ومحمد الفاتح وغيرهما؟

              إن التكليف في الإسلام يبدأ بالبلوغ الذي لا يتجاوز الخامسة عشـرة، أليس في هذا دليل على أن تربيتنا أنجح من تربيتهم فمن يعيد الثقة إلينا؟



              الجرائم ضد الأطفال

              كثيرة هي الجرائم التي ترتكب ضد الأطفال ولكن بعضها ينـال اهتماماً خاصاً من الإعلام، ومن بينها قضية المرأة التي اشـتركت مع زوجها في جرائم اغتصاب وقتل عشر فتيات إحداهن ابنتها البالغة من العمر ست عشرة سنة، وابنة زوجها البالغة من العمر ثماني سنوات، وقد تكون هذه الجرائم أكثر بكثير من العشرة الذين وجدت جثثهم مدفونة في أنحاء المنزل([28]).

              وقد علقت صحيفة " الحياة " بالتساؤل: " هل سبب العنف والانتهاك الجنسي عائد لخلل في جينات الدماغ أم إلى تدهور أخلاقي ناجم عن اضطراب أو تحلل في المجتمع الذي يعيشان فيه، أم سببه انتشار أفلام الجنس والجريمة التي كانت تعرض باستمرار في منزل المجرمين."([29])

              وتساءلت صحيفة الحياة وكذلك مجلة " التايم " Time Magazine كيف تمت هذه الجرائم على مدى ثلاثين سنة دون أن تكتشفها شبكة الخدمات الجنائية والاجتماعية الكثيفة في المجتمع البريـطاني، والتي تضم إلى الشرطة البريطانية التي تتمتع بسمعة عالية مؤسسات الخدمة الاجتماعية المختلفة من المدارس والباحثين الاجتماعيين حتى الكنيسة؟ أم إن هذه الجرائم تؤيد وجهات النظر الراديكـالية التي تعتقد بأن المجتمع البريطاني يعاني من انحلال وتفكك اجتماعي وأخلاقي كبيرين."([30])



              جرائم الاستغلال الجنسي للأطفال

              رُوِّعت بلجيكا قبل أيام بأخبار المجرم الذي اختطف عدداً من الفتيات وتم اكتشاف جثثهن في حديقة منزله ، ثم قادت التحريات إلى أن المجرم إنما هو فرد من عصابة تقوم باختطاف الأطفال لاستغلالهم في الدعارة . وقد كتبت جريدة "الحياة" تقول :" لا تزال بلجيكا تعيش حالة ذهول بعد كشف التفاصيل المروِّعة لأعمال شبكة من الشاذين الذين يقيمون علاقات جنسية مع الأطفال. وهذه القضية تعد الأخيرة في سلسلة شبكات مماثلة كشف عن تورطها في ارتكاب جرائم جنسية ضد أطفال أوروبا وأمريكا الشمالية خلال السنوات الأخيرة."([31])

              وأوردت صحيفة أخرى بأن ما حدث في بلجيكا لم يكن حالة منعزلة حيث" تفيد الأوساط القضائية في بروكسل أن منطقة وسـط أوروبا وشرقها قد تحولت بعد انهيار الشيوعية إلى أهم المراكز العالمية للإتجار بأجساد الأطفال ومخزن كبير لتطعيم أسواق الدعارة التي تقوم عليها سياحة الجنس في تلك البلدان." ([32])

              وقد تداعت مئة وست وعشرون دولة لعقد مؤتمر دولي لمكافحة الاستغلال التجاري الجنسي للأطفال،-هل غير التجاري مسموح به؟_ وتتضمن الوفود المشاركة عدد من الأطباء وعلماء النفس ، وعلماء الاجتماع ورجال القانون. ويستمر المؤتمر من 27حتى 31 أغسطس 1996. وسوف يناقش المؤتمر تسعة موضوعات تتصل بنشاطات الشبكات الإجرامية وتعريف الاستغلال الجنسي وتعريف الأطفال ، والعقوبات التي ينبغي إنزالها بالشبكات التي تعمل في هذا المجال.([33])

              وقد أوردت صحيفة " الشرق الأوسط" أن عدد الأطفال( تحـت سن 18) الذين يعملون في الدعارة تجاوز المليون طفل في آسيا ، ومن مئة إلى ثلاثمئة ألف طفل في أمريكا الشمالية وفقاً لإحصائيـات اليونسيف والمركز الوطني للأطفال المشردين والمفقودين في واشنطن.وتشير الصحيفة إلى أن السياح الأوروبيين يعـدون من أبرز الأسباب في انتشار هذه التجارة نظراً لما يبذلونه من أموال في الدول الفقيرة مثل تايلند والفلبين وغيرهما .حيث تقول الصحيفة:" إن السياح الأجانب وبسبب المبالغ الطائلة التي ينفقونها على هذه الممارسات جعلوا سوق الدعارة أكثر نشاطاً ، كما إنهم أغرقوا العالم أيضاً بالأفلام الجنسية الخليعة وزادوا من انتشارها."([34])

              وقد أصبح المؤتمر فرصة لفضح كثير من الممارسات الأوروبية في مجال الدعارة والصور الفـاحشة سواء بالنسبة للأطفال أو الكبار فقـد أورد تقرير وكالة الأنباء الفرنسية أن تقريراً إيطالياً كشف عن" أرقام مثيرة للصدمة بالنسبة لممارسات دعارة الأطفال ولا سيما في جنوب إيطاليا، وذكر التقرير أن الفضيحة التي أثيرت منذ شهرين في مدينة باليرمو بجزيرة صقلية حول استغلال عدد من الأطفال الإيطاليين دون العاشرة في الدعارة المباشرة مع بالغين ليست هي حالات معزولة بحال."([35])

              والحقيقة أن استغلال الأطفال جنسياً ليس بالأمر الجديد فالغرب يعرف هذا ، وقد سنّت الحكومة الألمانية عدداً من التشريعات ضد مواطنيها الذين يسافرون إلى جنوب شرق آسيا لممارسة هذه الجرائم ، وقد نشرت الصحف الأوروبية أيضاً عن اكتشاف شركات دنماركية تتاجر في الصور الخليعة للأطفال. كما أن الولايات المتحدة تعاني من ظاهرة الأطفال الضائعين والهاربين و/أو المخطـوفين ، وقد خصصت محطة التلفاز الإخباري (سي إن إن CNN ) عدة برامج لبحث هذه المشكلة ، ومما ورد في هذه البرامج أن أمريكا تعاني من تفاقم مشكلة اختطاف البنات والأولاد دون سن العشرين ، وذكرت المحطة أن عدد المخطوفين يصل إلى عشرات الألوف ، وقد تكونت جمعيات تطوعية للبحث عن الأطفال المخطوفين وتستخدم هذه الجمعيات وسائل كثيرة من بينها الطائرات.([36])

              ولما اكتشفت بلجيكا عدداً من الجثث لأطفال بيض من ذوي العيـون الزرق ذهلت وثارت ولا كـان لا بد أن يتحرك العالم كله لإنقاذ الأطفال . والسؤال أين كانت أوروبا وأمريكا عندما كـان الصِرْبُ يمارسون كل أنواع الجرائم الوحشية ضد المسلمين في البوسنة والهرسك ، وعندما كانت روسيا تدك المدن الشيشانية على رؤوس الأطفال ، والشيوخ والنساء من المدنيين العزّل في الشيشان، وعندما قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف ملجأ الأمم المتحدة في قانا في لبنان على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ؟



              ظاهرة تشغيل الأطفال

              ليست ظاهرة تشغيل الأطفال بالأمر الغريب على العقلية الأوروبية فإن الروائي الإنجليزي المشهور تشارلز ديكنز قد سَخِرَ في العديد من رواياته من هذه الظاهرة المؤلمة ، وربما كانت المجتمعات الأوروبية تجد مبرراً لها لأنها كانت في ذروة نهضتها الصناعية ، وكانت في حاجة للأيدي العاملة ، كما كانت التشريعات لا تمنع ذلك . ولكن بعد أن وضعت التشريعات التي تمنع تشغيل الأطفال في الأعمال التي يقوم بها الكبار عادت أوروبا و أمريكا من جديد لتشغيل الأطفال ففي تقرير سنشر الذي نشرت إحدى الصحف مقتطفات منه قبل نشره رسمياً جاء فيه:" تفشت في الأعوام الأخيرة ظاهرة اشتغال الأطفال بشكل مثير إلى درجة أن حوالي ثلاثة أربعا الأطفال الذين تقل أعمارهم كثيراً عن ست عشرة سنة نجدهم يشتغلون أشغالاً لا يمكن أن يقوم بها إلاّ كبار السن، مثل أن يشتغلوا في المقاهي والمطاعم أو يشتغلوا كبستانيين أو في المحلات التجارية."([37])

              ويشير تقرير الصحيفة إلى أن مجموعة من الأساتذة الباحثين من جامعة بيزلي الإنجليزية Paisley قد قاموا بإجراء مقابلات مع أكثر من ألفي طفل موزعين على اثنتين وعشرين مدرسة تشمل اسكتلندا كشفت لهم عدة حقائق مدهشة أهمها أن هناك سبعين في المئة ممن يشتغلون أو سبق لهم الاشتغال في أعمال أو مهن شتى ،منهم من بدأ العمل وسنّه لا يزيد عن عشر سنوات مقابل أجر مادي لا يتجاوز بضعة جنيهات إسترلينية في الأسبوع مما يجعل من ظاهرة تشغيل الأطفال القاعدة وليس الاستثناء."([38])

              ولم تقتصر ظاهرة تشغيل الأطفال على أوروبا بل امتدت لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية، وفقا لما ورد في تقرير لمنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة. ويذكر التقرير أن من مبررات تشغيل الأطفال هو سعي أرباب العمل وراء " قوى العمل المرنة".([39])



              ثالثاً: الجريمة في المجتمعات الغربية

              لا تكاد تخلوا الصحف ووسائل الإعلام الأخرى طوال العام من الحديث عن الجريمة التي أخذت أبعادا أخرى حيث إن " فئة الشبـاب الذكور هم الفئة التي تنفذ جرائم القتل والموت في المجتمـع الأمريكي، وإن نسبة الانتحار بين الشباب تفوق عشرين ضعفا مثيلتها في أوروبا وأربعين ضعفا عن اليابان."([40])

              وكأن القتل في الغرب أصبح بديلا للحوار الحضاري، فقد كتبت صحيفة التايمز اللندنية مقالة بعنوان (أمريكا تفقد حريتها) تنـاولت حوادث القتل التي يقوم بها جماعة من المتطرفين الدينيين ضـد الأطباء والعاملين في عيادات الإجهاض، ويتعجب كاتب المقـال عن هذه الحضارة المزعومة التي يضطر فيها الطبيب أن يرتدي سترة ضد الرصاص وهو متوجه إلى عمله أو أن تضطر هذه العيادات للاستعانة بالشرطة.([41])

              الاغتصاب

              كما عانى الشباب والأطفال من توجه الجريمة ضدهم فقد نالت المرأة نصيبها من الجريمة ضدها، ولاسيما جريمة الاغتصاب، فقد نشر (مركز الضحايا الوطني) و (مركز الأبحاث ومعالجة ضحايا الاغتصـاب) أن ثمان وسبعين امرأة يتعرضن للاغتصاب كل سنة أي 683 ألف امرأة سنويا)([42]).

              أما التعرض للمضايقات الجسدية أو التحرش الجنسي فحدث ولا حرج، فإذا كان الاغتصاب يصعب تحديد حالاته بدقة لأن نسبة كبيرة من النساء لا يبلغن عن حدوثه وذلك لصعوبة إثباته أو للمضايقات التي يتعرض لها إذا ما أقدمن على الشكوى([43])، فإن تعرض المرأة للمضايقات الجنسية بلغ حداً كبيراً، ومما يلفت الانتباه أن ثلثي الشرطيات البريطانيات يتعرضن للمضايقات الجنسية من زملائهـن في العمل مما أدى إلى قيام إدارة الشرطة بتكليف عالمة نفس بدراسة الوضع واقتراح الحلول المناسبة([44]).

              ولكن هل ستقدم عالمة النفس من المقترحات ما يمنع التحرش الجنسي في إدارة الشرطة؟ أعتقد أن المجتمعات الغربية عموما بلغت ما يسمونه نقطة اللا رجوع إلا أن يكتب الله لهم الهداية، فقد بدأ الاختلاط بالزعم أنه " يخفف التوتر الجنسي لدى الطرفين، ويسمو بالعلاقة بينهما إلى مستوى إنساني فلا يعود أحدهما ينظر إلى الآخر من زاوية جنسية فحسب.. وهكذا فالمجتمعات التي تقر الاختلاط تشكو من تفاقم المشكلات الأخلاقية التي تنجم عن العلاقات بين الجنسين."([45])

              وقد خصصت مجلة النيوزويك الأمريكية Newsweek ملفاً للحـديث عن السلوك الجنسي للرجال مع النساء والنساء مع الرجـال وحرصت على تقديم تعريف للاغتصاب ، ونظراً للاختلاط الذي تعرفه المجتمعات الغربية منذ مئات السنين فمن الصعـب تحديد ما هو الاغتصاب . وقد أوردت المجلة تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي للاغتصاب ولكنها ترى أن هذا التعريف غير كاف. كما إن العقلية الغربية غريبة حقاً في هذه المسألة فإن المرأة تريد أن تكون مع الرجل في خلوة تامة وفي موعد تعرف مسبقاً أن عقلية الرجل الغربي لا تدفعه لدعوة امرأة لعشاء أو سهرة إلاّ وهو يتطلـع إلى الحصول على عائد ما ولكنها تستنكر لو أقدم الرجل على المطالبة بتعويض عمّا أنفقه.([46])

              ووصل الأمر بانتشار حالات الاغتصاب إلى أن امرأة تعمل شرطية في شرطة لندن تعرضت للاغتصاب في أحد القاطرات في لندن في وقت متأخر وهي في طريق عودتها إلى بيتها.([47]) وقد انزعجت الشرطة في لندن من ازدياد حوادث الاغتصاب لذلك قامت بإصدار بعض التعليمات لمواجهة هذه الحوادث ومن التعليمات:

              أ - الاحتشام في اللباس.

              ب - عدم وضع الأيدي في الجيوب حتى تكون المرأة مستعدة للدفاع إذا ما تعرضت للاعتداء.

              ج - عدم الجلوس في الحافلات في الطابق العلوي إذا كانت الحافلة خالية، والحرص على الركوب قريبا من السائق.

              ولكن أنى لهن أن يسمعن موعظة وقد ذكرني هذا بمحامية أمريكية عجوز استضافها التلفـزيون الأمريكي قبل أكثر من عشرين سنـة للتحدث في مشكلة الاغتصاب فذكرت أن النساء هن سبب ما يقع لهن من حوادث اغتصاب حيث الملابس الفاضحة والخروج وحيدات دون حماية من رجل، وأضافت أن الرجل مهما كان مكتفيا غريزيا فإن منظر عري النساء يثيره.

              كما أن الاختلاط الذي يعيشه الغرب يتسبب إلى حد ما فيما يعانيه الغرب ، حتى إن مجلة "المختار" Reader’s Digest قد نشرت تحقيقاً حول الاختلاط في العمل في مجالات الحياة المختلفة وما يتسبـب فيه من إثارة الغرائز هو أحد أسباب انتشار الجرائم الجنسـية. ومما أوردته المجلة في تحقيقها :" أينما يعمل الرجال والنساء معاً فإن "الافتتان" يأتي بوحي من واقع الميدان( العمل المختـلط) وليس هذا الانجذاب بسبب سيطرة إفرازات زائدة لهرمـون "الادريانين" فحسب، ولكن في أي مكان عمل (مختلط طبعاً ) من المعمل إلى المكتبة العامة."([48])

              هذه الفطرة التي فطر الخالق سبحانه وتعالى عليها وهي الانجذاب بين الجنسين يريد الغرب كبتها في العمل، وهو ليس بمستطيع وهذا ما يقوله أحد العاملين بمعهد العلاقات بين الجنسين في مدينة سانتا باربرا بكاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية :" لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل ، فهذه الميول جزء من شخصية الفرد لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل."([49])

              ولعل من أسباب هذه الأوضاع أن الحضارة الغربية كما يرى علي عزت بيجوفتش قد "أحالت المرأة إلى موضوع إعجاب أو استغـلال ، ولكنها حُرِمَت من شخصيتها وهو الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير والاحترام. وهذا الموضوع مشهود بشكل مضطـرد ، وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال أو في بعض مهن نسائية معينة مثل "الموديلات". وفي هذه الحالات لم تعد المرأة شخصية ولا حتى كائناً إنسانياً وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من "حيوان جميل."([50])



              اغتصاب الذكور

              ولم تقتصر جرائم الاغتصاب في الغرب على اغتصاب النساء بل إن الغرب بدأ يشهد أمراً عجباً وهو تعرض الرجال للاغتصاب، فقد ذكرت صحيفة التايمز اللندنية أن الرجال أصبحوا هم أيضا ضحايا الاغتصاب، وأن القانون قد يعترف بجريمة جديدة هي اغتصاب الرجال، فالقانون الذي وضع عام 1956 لا يعترف باغتصـاب الرجال، ولكن الاتجاه الآن إلى اعتبار الاغتصاب جـريمة بغض النظر على من وقعت رجلا أو امرأة، وقدمت الصحيـفة بعض الأرقام حول حوادث اغتصاب الرجال فقد وصلت إلى الشرطة 516 حالة عام 1982 ارتفعت إلى 1255 حالة عام 1992. أما حالات التحرش بالرجال فقد ارتفعت من 2082 حالة عام 1982 إلى 3119 عام 1992 وأشارت الصحيفة إلى أن مثل هذه الحالات تقع في السجون([51]).

              الرقيق الأبيض :

              انتشرت في أوروبا تجارة النساء فبعد أن كانت بضاعتها تأتي من الدول الأسيوية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أصبحت دول أوروبا الشرقية منبعاً لهذه التجارة. ويحكي تقرير جريدة التايمز اللندنية عن امـرأة بولندية كانت تبحث عن وظيفة لإعالة ولديها ، عرضت عليها وكالة عمـل وظيفة مقابل ثمانمئة دورلار شهرياً للعمل في مطعم في ألمانيا. ولكنها لم تعمل قط في مطعم حيـث أُخذت واغتصبت وأُجبرت على العمل بغياً. ثم نقلت بعد عدة أشهر إلى هولندا لتعمل في المنطـقة الحمراء من المدينة ،ولما حاولت الهرب أعيـدت واعتدي عليها بالضرب المبرح على رأسها وفي بطنها وكان يطلب منها دخلٌ معينٌ كل يوم.

              وتداعت أوروبا أيضاً بعقد مؤتمر للنظر في هذه التجارة المتزايدة في شهر يونيه عام 1996. وتقول أنيتا جاردين Anita Gardin المكلفة من قبل الاتحاد الأوروبي بتنظيم هذا المؤتمر بان القضية ليسـت قضية أمـن بحيث يمكنك إغلاق الحدود ، وحتى لو تم القبض على المجرمين المتهمـين بتهريـب الأشخاص فإن الأحكام في العادة لا تتجاوز سنة أو سنتين في السجن بينما عقوبة تهريـب المخدرات بين عشر إلى اثنتي عشرة سنة في السجن. وذكر التقرير أن القائمين على تجارة الرقـيق الأبيض غاية في التنظيم . فمن بين هؤلاء تم القبض على رجل بولندي مسؤول عن إرسال أكثر من مائتي امرأة إلى ألمانيا وهولندا منذ عام 1994 ، ومن بين هؤلاء النساء من لا تتجاوز أعمارهن السادسة عشرة.

              ومما يدفع النساء إلى العمل هو الحصول على المال ، ولكنهم بعد فترة من العمل الإجباري على البغاء ولو قررت إحداهن ترك العمـل فإنها في الغالب لا ترجع إلاّ بأقل المكاسب بينما يحقق الغنيمة الكبرى هم الذين يديرون شبكات استرقاق النساء.([52])





              محاولات القضاء على الجريمة

              قبل أن أتناول بعض الإجراءات التي اتخذتها الدول الغربية للقاء على الجريمة أو أن أروي هاتين القصتين اللتين رواهما لي صديق وأستـاذ فاضل يعيش في هولندا منذ أكثر من عشرين سنة. أما القصة الأولى فملخصها أن هذا الصديق ذهب إلى محطة وقود لملأ خـزان سيارته، فوجد العامل في المحـطة مهموماً مغموماً، فسأله ما به؟ فقال له: " لقد جاءني اثنان قبل قليل وقيداني وأخذا كل ما في الصندوق." فقال له الزبون:" وما يحزنك وشركة التأمين تتكفل بدفع ما سُرِق. قال: "ليس هذا ما يهمني، ولكن لو وجد نظام عقوبات كما في السعودية لما أقدم هذان على فعلتهما."

              أما القصة الثانية ففي متجر لبيع الساعات كان هذا الصديق يقف في مكان من المتجر فسمع حواراً بين صاحب المحل وصديق له، وكان صاحب المحل يروي حادثة دخول بعض اللصوص وسـرقة عدة ساعات ثمينة جداً، وتمنى لو طبق نظام العقوبات الذي يطبق في السعودية لوضع حد لهذه السرقات.([53])

              وهكذا فهم يتوقون إلى الفطرة، يريدون أن يعيشوا في أمان، لكن من يهديهم إليه لقد ارتفعت الأصوات في بريطانيا وأمريكا بتشديد العقوبات على المجرمين، فهذه نائبة بريطانية تطالب بجلد المجرمين، وعرض ذلك خلال برنامج اليانصيب الذي يشاهده أكبر عدد من الجمهور، وهناك مطالبات بإعادة تطبيق حد القتل في المجرمين، وقد عادت بالفعل في بعض الولايات الأمريكية، ولكن بعض الأصوات مازالت تعارض معاقبة المجرمين بما يستحقون.([54])

              ولابد من كلمة هنا إن نظام العقوبات أو الحدود ليس هو وحده الرادع في المجتمع الإسلامي، فالحدود هي آخر طابق في بناء الإسلام، فالأساس هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ثم الأخلاق،ويأتي بعد الأخلاق العبادات والشعائر التي تقوي الرابطة بين البشر والخالق التي تجعل صلة الفرد مع خالقه وازعاً قوياً ضد ارتكاب الجريمة ثم تـأتي المعاملات ومن هذه التشريعات الحدود. وفي ذلك يقول علي جريشة في كتابه القيم " شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحـدها:" ليس بالحدود تقام الشريعة.. لأن الحدود جزء من أحكام المعاملات ، والمعاملات تمثل الطابق الثالث أو الرابع في بناء الشريعة... وإقامة الحدود وحدها أو حتى المعاملات كلها يعني أننا نقيم طابقاً رابعاً أو ثالثاً من غير طابق أول أو ثان ،ومن غير أساس فأنى له أن يقوم!! " ([55])

              ومن أساليب مواجهة الجريمة عودة الأخذ بالثأر، أو كما يقال أخذ القانون بأيديهم، حيث إن معظم الناس لم يعد يثق في العدالة، فهذا أحدهم يصرح: " إنني لا أؤمن بالعدالة البريطانية ، ولذلك قـررت أن آخذ حقي بيدي." وقد تظاهر رجل اعتُدي على ابنته بـأنه محام، ودخل إلى السجن حيث يوجد المتهم وانهال عليه ضربا. وأجرت مؤسسة جالوب استطلاعا للرأي عن العدالة فأجاب 76% من الإنجليز أنهم يعتقدون بأن الأفراد محقون أحيانا في تطبيق القانون بأنفسهم، وتألفت فرق خاصة من أفراد الشعب للمحافظة على الأمن، وقد بلغ عدد أفراد هذه المجموعات عام 1985 ألف وثلاثمائة شخص ووصلوا الآن أكثر من مئة ألف.([56])

              وقد نشرت جريدة التايمز تحقيقا صحافيا عن جهود المسلمين وغيرهم في منطقة بالسال بمدينة بيرمنجهام في تنظيف منطقتهم من البغـايا وتجار المخدرات والمجرمين، ويروي كاتب التحقيق كيف بدأ هذا العمل بأن كانت امرأتان من البغايا تقفان على الرصيف قريبا من المسجد، وخرج بعض المصلين من المسجد ووقفوا بجوارهما، مما اضطرهما للانسحاب، ففكر المسلمون أنهم إذا استمروا في هذا العمل فلن يبق في منطقتهم نساء بغايا، وبالفعل نجحوا فيما بدأوا به.وكذلك فعلوا مع بقية أصناف المجرمين. ويقول أحد المشاركين:" لقد نجحنا في ثلاثة أسابيع بتحقيق ما لم تستطع الشرطة عمله في ثـلاثـين سنة." ومع أن الخبر أشار إلى مشاركة غير المسلمين، لكن الصورة المصاحبة للتقرير تؤكد أن المسلمين هم الأساس في هذا العمل.([57])

              وأود أن أتوقف هنا لأروي صورة إسلامية يجب أن يتعلم منها الغرب ؛ ففي أحد مؤتمرات (جمعية مسلمي شمال أمريكا) استأجر المؤتمرون فندقاً بكامله مما جعل صاحب الفندق يشدد الإجراءات الأمنية ، ولكن بعد انتهاء المؤتمر وجد أنه لم تُرَق قطرة خمر واحدة ، ولم تحدث مشاجرة واحدة، كما كان سلوك الحاضرين غاية في الانضبـاط والاحترام.وهذا ما جعل صاحب الفندق يتساءل أ هؤلاء بشر أم ملائكة ؟ فهل يتعلم الغرب؟




              رابعاً: العلاقات الاجتماعية

              ترتبط العلاقات الاجتماعية ارتباطاً وثيقاً بالمبادىء والقيم والعقائد التي يتبناها المجتمع. فبالرغم من مزاعم الغرب أن أحد مصادر ثقافته وفكره هو المصدر الديني اليهودي -المسيحي لكن حسن حنفي يرى أن " نوعية المعطى الديني في المصدر اليهودي المسيـحي واحدة وهي اللاعقـلانية."([58]) ففي اليهودية يزعم اليهود أنهم شعب الله المختار دونما سبب معين لهذا الاختيار ومهما كانت أعمال هذا الشعب من عصيان أوامر الله عز وجل ، وقتل الأنبياء أو الجحود بنعم الله، فالله يعطي الشعب كل شيء دون مقابل من الشعب.

              أما اللاعقلانية في المعطى الديني المسيحي فهي على نحو فردي شخصي فالإيمان سر لا يمكن إدراك كنهه بالعقل، والمسيح ثالث ثلاثة ، ولا يمكن فهم علاقة الأقانيم داخل الثالوث بالعقل، والكنيسة سلطة متوسطة بين الله والإنسان تفسر الكتاب ، ويعترف الفرد المذنب أمامها وتهبه الغفـران. ثم تمرد النصارى على هذه اللاعقلانية لتظهر العلمانية التي تركز على الصلة المباشرة بين الإنسان والله ـ وحريـة تفسير الكتاب" المقدس" وبراءة الإنسان من خطيئة آدم عليـه السلام ، وضرورة تأسيس الدولة وأنها مستقبل الإنسان في هذا العالم.([59])

              ولقد تناول القرآن الكريم معتقدات أهل الكتاب وسلوكهم ، فأوضح ما أدخلوه على كتبهم من تحريفات وتبديلات وتغييرات ، كما أوضح أن سلوكهم قائم على العداوة للغير والعصيان. وهذا ما يمكـن أن نصفه بمصطلحات عصرنا " عنصريتهم وأنانيتهم وتمركزهم حول ذواتهم ، ويضيف حنفي " فوصف أهل الكتاب في القرآن الكريم هو وصف ضمني لحال الغربيين اليوم وصلتهم بغيرهم."([60])

              وكانت الكنيسة تؤيد النظام الإقطاعي ، وكانت هي من أكبر الملاك في العصور الوسطى (الأوروبية) وكان العلاقات الاجتماعية قائمة في هذا النظام على أن للإقطاعي حقاً مقدساً يطلب بموجبه خدمات وأشياء أخرى من أتباعه ، ولكنه في الوقت نفسه كـان مرتبطاً تقليديا أن يكون مسؤولاً عن حمايتهم ويكفل لهم على الأقل الحد الأدنى من المستوى المعيشي.([61])

              وظلت السلوكيات الاجتماعية والاقتصادية في القرنين السابع عشر والثامن عشر متأثرة بسلوكيات القرون الوسطى، فكان يعدُّ قيام أي شخص بمحاولة كسب الزبائن بتخفيض الأسعار إلى أدنى من السعر السائد يعد سلوكاً غير نصراني ، وكانت التشريعات تنص على هذا. وكما يقول إريك فروم Erich Fromm " كأنّ الاقتصاد والمجتمـع وجدا من أجل الإنسان وليس العكس ، وما كان أي تطور اقتصادي يعد صحياً لو أدى إلى إيذاء الإنسان."([62])

              وما أن حلّ القرن التاسع عشر حتى تغيرت الأحوال فلم يعد الإنسان مقياس الأشياء في دائرة الاقتصاد . وكان من أبرز خصائص الرأسمالية في هذا القرن الاستغلال القاسي للعمال ، وكان من المعتقد أنـه من الطبيعي وهو القانون الاجتماعي أن يعيش مئات الألوف من العمال في حد المجاعة.([63]) وأصبحت الرأسمالية تقوم على أن العمل هو " منتج يشتريه مالك المال، ولا يختلف جوهرياً عن أي سلعة في السوق. واستخدمه المشتري إلى أقصى حد. ومادام قد اشتراه في السوق فليس هناك إلزام على مالك المال فيما عدا دفع الأجور ، فلو هلك مئات الألوف من العمال جوعاً فهذا حظهم العاثر بسبب مواهبهم المتدنية ، أو ببساطة إنّه القانون الاجتماعي والطبيـعي الذي لا يمكن تغييره.([64])

              وهكذا أصبح المجتمع الغربي يتكون من طبقات يمتلك بعضها القوة فتستأثر بأفضل المنتجات الاجتماعية لنفسها وتترك الأعمال الأشق والأقذر لغيرها من الطبقات ، وقدراً أقل من الناتج الاجتمـاعي . وكان هذا التقسيم يتم عن طريق التقاليد الاجتماعية والدينية التي احتوت على قوة نفسيه في الناس مما يجعل تهديد القوة المادية غير ضروري.([65])

              ويستنتج فروم أن المشكلة بين رأس المال والعمال أكبر بكثير من المشكلة بين طبقتين وأكبر من صراعهم من أجل نصيب أكبر من الناتج الاجتماعي ؛ إنها مشكلة بين مجموعتين من القيم؛ إنها بين عالم الأشياء وتثمينها ، وعالم الحياة و إنتاجيتها.([66]) ونتيجة لهذه التطورات " أصبحت الطبقة العمالية نموذجاً لجماعة مُسْتَغَلّة يُتلاعب بها ، ويمكن مداهنتها والإشادة بها ، ولكن يندر استشـارتها أو ابتاع رأيها ، إن أكبر طبقتين عماليتين في العالم تلك التي في الولايات المتحـدة والتي في الاتحاد السوفيتي ، ليس لهما تأثير حقيقي على البناء السياسي في دولتيهما وعلى القرارات التي تتخذ فيهما."([67])

              وقد وصل الأمر بالرأسمالية أن لا يبالي الرأسماليون في تدمير المنتجـات الزراعية ، بل كما يقول فروم إننا بدل أن نفرح بالمحصول الجيد نقوم بإحراقه أو رميه في البحر في الوقت الذي يوجد ملايـين من البشر لا يجدون لقمة العيش ، ويبررون ذلك " من أجل استقرار السوق".([68])

              وليت الأمر توقف عند تدمير المنتجات بل وصل الأمر بالرأسمالية أن تدمر حياة العمال حرصاً على استمرار مستوى الأرباح أو تخفيض تكاليف الإنتاج . وقد أعدت مجلة نيوزويك Newsweek ملفاً خاصاً أطلقت عليه ( الرأسماليون القتلة) أوردت فيه أعداد العمال الذين قامت بعـض كبريات الشركات الأمريكية بفصلهم عن العمل . فشركة آي تي أند تيAT&T قام رئيسهـا بفصل أربعين ألف عامل ، وقام مدير شركة إي بي إم IBM بفصل ستين ألف موظف في يولـيو عام 1993، وقام مدير شركة جنرال موتورز General Motors بفصل أربعة وسبعين ألف موظف. وتقول المجلة أن هؤلاء العمال وإن وجدوا تعويضاً لدى مصلحة العاطلين عن العمل ، لكن ما قيمة الإنسان بلا عمل. ومما يدل على فداحة المصيبة أن شركات أخرى تقوم باستثمار مبالغ كبيرة في توفير فرص الدراسة لموظفيها حتى يكتسبوا مهارات جديدة ودرجات علمية حتى إذا اضـطرت لفصلهم وجدوا العمل المناسب. كما أن إحدى الشركات قامت بتخفيض رواتب كبار الموظفين-مؤقتاً- بنسبة خمس وعشرين في المئة حتى لا تضطر لفصل أي من موظفيها. ([69])

              كل هذا يقودنا إلى مؤتمر رابطة علماء السياسة الأمريكية الذي عقد في أوائل سبتمبر 1995 وتحدث فيه روبرت د. باتنام Robert D. Putnam أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد قائلاً بأن الثقة بين الأمريكيين قد ضعفت، وكذلك المشاركة الاجتماعية، وقد قدم وثائق تؤكد تراجع المشاركة الاجتماعية في العقود الماضية، وأن النسيج الاجتماعي قد أصبح أقل متانة من ذي قبل. ويمكن إرجاع هذه الظاهرة إلى عدد من العوامل بما فيها ارتفاع نسبة الطلاق، ودخول المرأة قوة العمل، وتغيير مكان الإقامة، وتوسيع الرعاية الاجتماعية، والتراجع الاقتصادي بعد عام 1973 ونمو ضواحي المدن. ولعل أبرز الأسباب التي ذكرها البرفسور روبرت باتنام هي التلفزيون الذي بدأ بقوة في الخمسينيات من هذا القرن فأولئك الذين لم يدمنوا التلفاز مازالت لديهم روح المشاركة والثقة.([70])

              ويرى بعض الباحثين الاجتماعيين أن للتلفزيون آثاراً سيئة في القيم الأخلاقية في المجتمعات الغربية ومن هؤلاء إريك فروم الذي يقول:" يملأ الإعلام عقول الناس بأرخص النفايات التي لا صلـة لها بالواقع وفيها الكثير من الخيالات السادية مما لا يقبله الشخص العـامي. وفي الوقت نفسه تتعرض فيه العقول صغاراً وكباراً للتسمم فإننا نواصل سعينا أن لا يعرض على الشاشة ما هو مناف للأخلاق، وأي اقتراح بأن تقوم الحكومة بتمويل إنتاج أفلام أو برامج تنوّر العقول وتحسنّها ستجد من يعترض عليها باسم الحرية والمثالية."([71])

              ولعل من أقوى ما قيل في تأثير التلفزيون ما كتبه بيجوفتش :" لقد أثبت علم نفس الجماهير، كما أكدت الخبرة أنه من الممكن التـأثير على الناس من خلال التكرار الملح لإقناعهم بخرافات لا عـلاقة لها بالواقع ، وتنظر سيكولوجية وسائل الإعلام الجماهيرية إلى التلفزيون على الأخص باعتباره وسيلة ليس لإخضاع الجانب الواعي فحسب ، بل الجوانب الغريزية والعاطفية بحيث تخلق فيه الشعور بأن الآراء المعروضة عليه هي آراؤه الخاصة."([72])

              ويؤكد ريتشارد نيكسون على تأثير التلفاز في الصغار وقيمهم وأن هذا التأثير -كما كشفت دراسة أجريت عام 1991-أكثر من تأثير الوالدين والمعلمين والمرشدين الدينيين مجتمعين.([73])



              التفرقة العنصرية

              ومن مظاهر ضعف العلاقات الاجتماعية ازدياد التفرقة العنصـرية ضد السود والملونين حتى إن أندرو شـايير مؤلف كتاب (نحن القوة الأولى) يقول عن السود: " إنهم هنا في أمريكا يعيشون كـأفراد غرباء وأجانب على أرض ولدوا وترعرعوا فيها، ولا يعرفون سواها.. يمكننا النظر إلى أمريكا على أنها دولة تتكون من شعبين: البيض وهم الأغلبية المسيطرة، والسود وهم الأقلية المضطهدة."([74])

              وتظهر معاناة السود من أصل أفريقي في الأرقام الآتية: فهم يشكلون 45% بين المساجين في الولايات المتحدة، ومن النواحي الاجتماعية فالأسر ذات الوالد الواحد ارتفعت بين السود لتبلغ 56% من عدد الأسر، أما حالات الولادات خارج الزواج فهي بين السود 63%.([75])

              وقد نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"Wall Street Journal تقريراً عن وضع السود في مجال الشرطة ذكرت فيه أن شرطيا من أصل أفريقي وصل إلى رتبة كابتن في مدينة سنسناتي -وهـذه هي المرة الرابعة التي يصل فيها أسود لهذه الرتبة- ولكن بعض البيض اعترض على هذه الترقية، مما جعل السلطات القضائية تتـدخل للنظر في القضية. أما في المدن الأخرى فالحال ليست أفضـل، ففي ولاية نيويورك حيث يبلغ الأمريكيين الأفارقة 28.7% من عدد سكان الولاية، ولكنهم لا يؤلفون أكثر من 11.4% من قوة الشرطة، أما الذين وصلوا إلى رتبة قيادية فلم يتجـاوز 6.6%. ويقول التقرير إن السود بالرغم مما بلغوه في العصر الحاضر فأنهم لا يزالون يعـانون من العقبات في التوظيف والترقيات والمضايقات من زملائهم البيض الذين يعترضون على ترقية زملائهم السود، حتى إن بعضهم يرفض إطاعة أوامر رئيس أسود.([76])

              وقد انفجرت الأوضاع الأمنية في مدينة لوس أنجلوس حيث اندلعت أعمال عنف وشغب قيـام محطات التلفاز بعرض شريط لبعض رجال الشرطة من البيض وهم يضربون أحد السود وهـو رودني كينج بعنف ووحشية . وكانت نتائج هذه الاضطرابات أن قتل ثمانية وخمسون منهم عشرون شرطياً، وبلغ عدد الجرحى 2382، منهم 220 جريحاً في حالة خطرة. واعتقل 13505شخصاً، ودمرت الحرائق 5537 محلاً تجارياً ، وقدرت الخسائر المالية ب785 مليونا ، وساهم من رجال الشرطة والحرس القومي وجنود البحرية واحد وعشرون ألفاً.([77])

              وذكر كارل بيل - مدير مجلس الصحة العقلية بشيكاغو - إن المواطنين السود لا يزالون يتعرضون يومياً للإهانة والعنف بحيث أصبح ذلك جزءاً من لا شعورهم المحبط.([78])

              ويعترف نيكسون بأن المحاكم الأمريكية حاولت فرض حصص تميزية على أساس العرق في القَبول في الجامعات والتوظيف والترقية ، وتغاضت عن التمييز في إشغال الوظائف العامة والقطاع الخاص وإبـرام العقود مع الحكومة مما جعل الجامعات وبعض الوظائف تقبل بالأقل كفاءة لتغطية الحصص الخاصة بالأعراق.([79])

              وقد ظهرت في السنوات الأخيرة جماعات متطرفة في المجتمعات الغربية ومن هذه الجماعات جماعة تطلق على نفسها "الأحرار" والتي تتزعم حرباً عرقية ودينية ضد السود وبقية الملونين الذين لا ينحدرون من أصول شمال أوروبية، ويزعم هؤلاء أنهم -البيض- شعب الله المختار ، وأن الولايـات المتحدة الأمريكية هي أرض الميعاد وليست أرض فلسطين (إسرائيل) .ويبلغ تعداد هذه الجماعة من عشرة آلاف إلى أربعين ألفاً.([80])

              ويشبه هذه الجماعة أيضاً حركة أخرى تطلق على نفسها (حليقي الروس)Skin Heads وهي جماعة مسلحة متطرفة تنطلق من منطلقـات عنصرية حاقدة على كل الأجناس غير البيض، وقد قدمت محطة التلفزيون H.B.O. برنامجاً خاصاً عن هؤلاء في صيف عام 1995.

              وقد أوردت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً من لوس أنجلوس مفاده أن جرائم الكراهية ضد الأسيويين قد ارتفعت بنسبة ثمانين بالمئـة في العام الماضي في ولاية كاليفورنيا عن العام الذي سبقه. وقد نقلت الوكالة عن التقرير السنوي الثاني للتجمع القانوني لأسيويي المحيط الهادى الأمريكيين بـأن هناك أربعمئة وثمان وخمسين حالة اتهام مثبتة لحوادث ضد الأسيويين مع وجود حالات كثيرة لا تصـل إلى الشرطة بسبب اللغة والحاجز الثقافي وعدم وجود سجـلات كاملة لدى الشرطة. ومن الطريف أن التجمع يوجه اللوم للخطاب السياسي المعادي للمهاجرين الذي يتسبب في إثـارة العواطـف وأعمال العنف ضد الأسيويين. ومن الأمثلة على ذلك أن حاكم ولاية أريزونا استخدم حق النقض ضد قانون يحارب الكراهية بسبب العرق بالرغم من ارتفاع هذه الجرائم في ولايته بأكثر من خمسمئة في المئة في الخمس سنين الماضية. ([81])

              وتشهد فرنسا تطرفاً عرقيا حيث ارتفعت الطوائف المتطرفة بنسبـة خمسين في المئة في الفترة من 1983 حتى 1995، فهناك مئة واثنتـين وسبعين مجموعة ترتبط بها ثمانمئة فرقه تابعة لها بينها خمس عشرة طائفة تتميز بخطورتها الشديدة على الأوضاع العامة. وقد أشارت مجلة لو بوينت Le Point إلى أن الحكومة الفرنسية تتغاضى عن هذه المجموعات المتطرفة ، كما أشار السيد ولد أباه إلى أن الأصوليين في أمريكا كان لهم تأثير كبير في انتخاب الرئيس ريجان Regan وأن هؤلاء قد بلغوا درجة عالية من التنظيم حيث إن لهم جامعات، وكليات طب ، ومدارس وإذاعات ومحطات تلفاز.([82])

              ويحاول مأمون فندي- الأستاذ بجامعة جورجتاون Georgtown - تفسير أصول هذه العنصرية بقوله :" إن الرجل الأبيض ينظر باحتقار للإنسان الأسود ويبرر عنفه تجاهه من خلال منظومـة ثقافية والتي معها كان يقتل البيض إخوانهم السود ويعلقـونهم في الأشجار في حفل عنف جماعي ، وكانوا يبررون ذلك لأنفسهم من خلال كتابهم المقدس فاللون الأسود بالنسبة للمسيحي الجنوبي هو لون الشيطان."([83])

              ويرى أحد الباحثين الأمريكيين أن جذور العنصرية ضد الأعراق الأخرى بدأت في الغرب ليس من نتاج اللاعقلانية ولكن كمشروع عقلاني وعلمي لفهم العالم .فقد أوحى بفكرة العنصرية الرحالون الأوروبيون والتي أنتجت مشروعاً لتصنيف نباتات العالم وحيوانـاته وشعوبه. فبالنسبة للرحالة الأوروبيين و المنصّرين وعلماء الأجناس قدمت النظرية العنصرية بياناً متناسقاً حول الاختلافات الحضارية يمكن إرجاعه إلى المناخ أو البيئة وبالتالي اعتبرت أموراً جوهرية.([84])

              ومن مظاهر التفرقة الاجتماعية التفرقة ضد النساء المصابات بأمراض القلب حيث يحصلن علـى عناية أقل من الرجال من حيث الأدوية، وفي الغالب يواجهن الموت أكثر من الرجال، كما أكدت ذلك ثلاث دراسات مختلفة، وهناك أدلة على أن الأطباء يميزون الرجال المصابين بالقلب على النساء، فقد فحص الباحثون ثمانمائة حالـة على مدى خمس سنوات فوجدوا أن ثلث النساء قد توفين بعد ست أشهر من الإصابة بأول أزمة قلبية.([85])




              خامساً:الأخلاق

              لو زعمنا أن الأخلاق في الغرب في تراجع لقال المنبهرون بالغرب: أنتم تتجنون على الغرب وتتحاملون عليه، ولكن ماذا يقولون إذا كانت هذه المزاعم بأقلام الغربيين أنفسهم؟

              يقول مؤلفا كتاب (مواجهة أزمة أمريكا الأخلاقية): "لقد أصبح من المؤلم بوضوح أن القيم الأخلاقية ليست كما يجب، قد تكـون متطورة من بعض النواحي، لكن هذه الأخلاق تواجه الانهيار عموما، وما زالت منذ مدة طويلة." ويضيفان:" إن مجتمعنا مصـاب بالفساد والفوضى، كثـير من الأمريكيين يتجاهلون مسألة الصح والخطأ (الحق والباطل) إنهم يهتمون بمنافعهم الذاتية، ويبررون سلوكهم غير الأخلاقي."([86])

              ومن أبرز الانحرافات الخلقية في المجتمع الأمريكي انتشار الكذب، هذه الخصلة الذميمة التي تورع عنها رجل عربي في جاهليته حيث قال حين سأله هرقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم: " خشـيت أن تؤثر عني كذبة"، أما جاهلية أمريكا فتستحل الكذب كما يقول بذلك مؤلفا كتاب (يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة) :"إن عادة الكذب أصبحت سمة من سمات المجتمع الأمريكي، إن الكذب تجسد في شخصيتنا الوظيفية لكن هذا لم يتضح بعد للشعوب الأخرى". ويقول المؤلفان : " الأمريكيون يكذبـون في كل صغيرة وكبيرة."([87]) ويوردان إحصائية عن الكذب بأن عشرين في المئة من العينة أفادوا بأنهم لا يصبرون عن الكذب ولو يوما واحداً.([88])

              ومن مظاهر تراجع الأخلاق ما كتبه هاملتون هوز عن ظاهرة تحـول الرجال إلى نساء والنساء إلى رجال، والأفراد في ممارسة الحرية في المجتمع الأمريكي قد تجاوزت كل الحدود، ويضيف هوز قائلا: " ومن الظواهر التي لم تكن مألوفة في مجتمعنا ثم تحولت إلى سلوك طبيعي بدعـوى "الحرية الشخصية" ظاهرة الإقبال على اقتناء أو مشاهدة الصور والمجلات الخليعة بين كل طبقات المجتمع الأمريكي وفئاته وعلى وجه الخصوص بين موظفي الكونجرس وموظفي المحكمة العليا."([89])

              ويرى بيجوفتش أن الدول الغربية تتعرض لغزو بشع من الأدب الإبـاحي، وتحتل فرنسا و الـدنمارك وألمانيا الغربية المركز الأول في هذا المجال. ويرى أحد خبراء الطب النفسي في تحليله لهذه الظاهرة أن أسبابها تعود إلى نمط الحياة الغربي الشديد الرتابة( نوم- قطار- عمل) "وهي خطة تمنح مستوى معيناً من المعيشة لكنها تحرم الإنسان من الخبرة والإثارة الحقيقية ..ولهذا يحتاج معظـم الناس غريزياً إلى الهرب من أنفسهم ليجربوا أنواعاً من الإثارة الرخيصة ، وتجد هذه الحاجة إشباعها في الأفلام الإباحية."([90])



              الأخلاق والسياسة:

              بالرغم مما كتبه كاتب --يتم تلميعه- بأن السياسة لا علاقة لها بالأخلاق، لكني لا أجد أجمـل من عبارة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حينما سأله النجاشي عن الإسلام فقال: "كنا قومـا أهل جاهلية نعبد الأصنام ونسيء الجوار ونأكل الميتة، و يأكل القوي منا الضعيف، فجاءنا من نعرف صدقه وأمانته فدعانا إلى عبادة الله وترك عبادة الأوثان، ودعانا إلى مكارم الأخلاق.."([91])

              وقد تزامن البناء الأخلاقي مع البناء الإيماني، حتى إذا تكونت الدولة الإسلامية في المدينة وكان بذورها قد بذرت في دار الأرقم بن أبي الأرقم وفي بيعتي العقبة لم تنفصل الأخلاق عن السياسة مطلقا، وما كان لها في الدولة الإسلامية.

              وقد عانت السياسة في الغرب من تراجع الأخلاق، فقد كتبت ليبي بيرفيز Lippy Purves تحت عنوان (عندما تتحول حمرة الخجل إلى خد بليد أو وقح) وأشارت إلى المرشحة لرئاسة بلدية مدينـة ليفربول بأنها أدينت ثلاث مرات بممارسة البغاء على مدى خمس سنوات حتى عام 1978، وأطلق سراحها بشروط في أربع عشرة حالة تزوير في الثمانينات، وغرمت خمسمئة جنيه عام 1990 لحصـولها على ممتلكات بطريق الخداع، وتناولت الكاتبة حالات أخرى تدل على تدهـور الأخلاق في المجتمع الإنجليزي حتى إن الشخص يرتكب الجرم ثم يصبح شخصية عامة تنال الاحترام والتقدير.

              وقبل سنة من الآن اضطر السناتور (النائب) الأمريكي بوب باكوود Bob Packwood (جمهوري من ولاية أوريجن) رئيس اللجنة المالية إلى الاستقالة بعد أن قررت (لجنة الأخلاق) في الكونجرس طرده بالإجماع، وحاول أن يدافع عن نفسه لكن تحقيقات اللجنة ومذكرات النائب التي بلغت عشرة آلاف صفحة أثبتت إدانته. وتتلخص التهم الموجهة إلى النائب باكوود في سوء سلوكه وأخلاقه جنسياً ومالياً ، ودار الحديث في وسائل الإعلام الأمريكية في تلك الأيام عن الفساد والسلطة هل هما متلازمان ، وما موقف الشـعب الأمريكي من مؤسساته السياسية ،وهل تستحق الثقة أو إن هذه الثقة قد تزعزعت ؟([92])

              ولا بد أن البعض ما زال يذكر فضيحة واتر جيت التي أخرجت الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون من البيت الأبيض بسبب تجسسه على مقر الحزب المنافس. ولدى الأمريكان جيت جديدة باسم وايت ووتر جيت وكان هناك إيران جيت وغيرها.

              وفي فرنسا وقبل ستة أشهر من انتخابات الرئاسة الأخيرة التي أتـت بالرئيس جاك شيراك إلى رئاسة الجمهورية ظهرت مجموعة من الفضائح التي تسببت في استقالة وسجن بعض الوزراء ، كما كان لدى القضاء الفرنسي ملفات فضائح مالية حول عدد من الوزراء منهم وزير الصناعة والبريد والهاتف ، ورئيس الحزب الجمـهوري ، و وزيرة التعاون، و وزيرة الشباب والرياضة.([93])

              وظهرت فضائح في شرطة نيويورك بسبب سوء استخدام السلطة لإشباع الغرائز والإثراء الفاحش بالتعاون مع تجار المخدرات إما بالتستر عليهم أو مشاركتهم ، وقد طالت هذه الفضائح رتباً عليا.([94])وكذلك في هولندا أكدت لجنة برلمانية استشراء الفساد في إدارة الشرطة والأمن حيـث كشفت التحقيقات أن هذا الجهاز يعد أكبر مصدر لتهريب المخدرات والتعامل مع تجارها وغسل أموالها في هولندا وخارجها.([95])



              تطلعات إلى الخير:

              يتنازع الغرب تياران أحدهما يدفعه إلى مزيد من الانحراف والانحلال والضلال، وآخر يدعوه إلى العودة إلى القيم الخلقية الرفيعة وإلى العودة إلى الدين، ويتزعم تيار الفساد المؤسسات الإعلامية وبخـاصة هوليوود بكثافة ما تنتجه من أفلام، وكذلك الآلة الإعلامية الضخمة التي تضفي عـلى هذا الإنتاج وعلى نجوم السينما هالة من الاحترام والتقديس بل تجعلهم القدوة التي يجب أن يجتذبها العالم أجمع، فقد كتب الناقد السينمائي مايكال ميدفيد Michael Medved (يهودي) كتابا بعنوان (هوليوود وأمريكا) ذكر في مقدمته" أن تأثير هوليود في المجتمع هادىء ومتدرج، إنه ليس تأثيرا ضخما أو فجائيا أو فوري)([96]).

              ويشير ميدفيد إلى أن الدراسات أثبتت التذمر العميق لدى الجمهور الأمريكي من إنتاج هوليوود، ففي عام 1989 أجرت دراسة على عينة علمية مختارة بعناية فأثبتت أن 80% موجودا أن أفلام هوليوود تحتوي على بذاءة، و 82% يشعرون أن الأفلام تحتوي على كمية زائدة من العنف، واشتكى 72% من العري الزائد، وأكد ثلاثة إلى واحد من العينة أن نوعية الأفلام في هبوط.([97])

              والعجيب أن القائمين على هوليوود لا يهتمون بالدين حيث إن الملتزمين منهم لا يزيدون على 7% ، ويقول أحد المختلطين بهؤلاء :" لا اعرف أحداً سواءً كان منتجاً أو ممثلاً أو كاتباً تحت سن الخامسة والأربعين يذهب إلى الكنيسة أو البيعة.([98])

              ومن التطلع إلى الخير ما ذكره جيمس بترسون وبيتر كيم من أن 80 % مـن الأمريكيين يؤيدون تدريس المبادىء والقيم الأخلاقية في المـدارس الأمريكية، ويعتقد الكثيرون أن الانحطاط الأخلاقي هو المشكلة التي تعاني منها البلاد.([99])

              وفي كتاب دعونا نصلي يقول مؤلفه: " الصلاة في المدارس علاقة ثقافية تدل على قضيـة أكبر أن كل مواطن يدفع الثمن لإلغاء الصلاة في المدارس والروحانية من الحياة العامة.. إن الصـلاة ظاهرة إنسانية كونية وهي دافع لا يمكن أن ينتهي في وقت الحاجة إليه وجزء أساسي من كل دين .."([100])

              وكتبت صحيفة الجارديان الأسبوعية قبل شهرين تقريبا تتناول مسألة الحرب التي أعلنت على الكحول، وقد قدم المقال بعض الأرقام المفيدة ومنها أن استهلاك الخمور قد انخفض إلى أدنى حد منذ عام 1964 ووصلت مبيعات الخمور إلى أدنى حد خلال الخمسين سنة الماضية، وهناك جهات تسعى إلى أن يصدر الكونجرس الأمريكي قوانين ضد الكحول([101]).

              وقد أجرت مجلة (أخبار الولايات المتحدة والعالم)U.S. News & World Report استطلاعاً في شهر ديسمبر 1991 أكد فيه أكثر من 56% مـن الأمريكيين بأن أعلى هدف لهم في الحياة هو تحقيق صلة أفضل بالله .([102])

              ويعلق ميدفيد على ذلك بقوله :" وعلى ضوء هذه الأرقام فإن إصرار هوليوود في عدائها للقيم الدينية ليس غريباً ، إنه فعلاً حالة مرضية .فبدلاً من تعديل هوليوود رؤيتها للواقع حتى تتصالح مع الصحوة الدينية في أمريكا والصحوة الواسعة في الذهاب إلى الكنيسة والارتباط بها، فإن معظم الناس في عاصمة السينما اختاروا ببساطة أن يهملوا ما تقوله الاستطلاعات."([103])

              وقد تناول نيكسون موقف هوليوود هذا بقوله:" تزعم هوليوود أنهم يعكسون أحوال أمريكا، وأنها مريضة وأرى إنهم إنما ينظرون في المرآة ، لأن هوليوود هي المريضة وقيمها ليست قيـم الاتجاه العام .والعنف والجنس الإباحي سلعتان رائجتان وهوليوود بصدد جمع الأموال عملت على تعجيل انهيار تلك المعايير ،فحُقّ للأمريكان الغضب من وسائل جني الأرباح هذه ، وإن فشلت هوليوود في مراقبة نفسها علينا إخضاعها لرقابة الحكومة.([104])

              هذه الآراء الجريئة ضد هوليوود هل يمكن أن تصل إلى نتيجة ؟ هذا ما يرجوه أي محب للفضيلة والعفة والحياء، ولكن هل ينجح الأمريكيون في الحد من غلواء هوليوود أو تستمر هوليوود في طريقها فـي إفساد العالم. وهذا يقودنا إلى الكتابين اللذين صدرا في الـولايات المتحدة حول الشعب الأمريكي حيث كتب أحدهم كتاباً بعنوان أمة من الغنم فكتب الآخر أمة من الأسود لكن مكبّلة . والحقيقة أن هوليوود قد تكون أقوى من كل هذه التوجهات الأمريكية إلاّ أن يشـاء الله لفساد هوليوود أن يهزم ليس فـي الولايات المتحدة فقط بل على دول العالم كلها أن تقف في وجه فساد هوليوود وأختها بولي ود ( الهندية).

              ومما يدل على قوة هوليوود أن شركة ورنر إخوان ( Warner Brothers )انتجت فيلما بعنوان قتلة بالفطرة Born Killers ، وكان سببـاً مباشراً في ارتكاب مجموعة من الشباب جرائم قتل. ولما أرادت الشـركة أن تعرض الفيلم في بريطانيا قام مجلس مراقبة الأفلام بالامتناع عن السماح للفيلم بالعرض في صالات السينما البريطانية ،ولكن أكدت وسائل الإعلام( الإذاعة) أن الفيلم سوف يعـرض في بريطانيا ذلك أن المنتج للفيلم شركة ورونر لديها الوسائل التي تستطيع أن تضغط بها على الحكومة البريطانية.([105])




              الخاتمة

              تناول هذا البحث مسألة معرفة الآخر وعرض لبعض الظواهر الاجتماعية في الغرب. وكانت نقطة الانطلاق هي تحديد هوية " الذات" أو " الأنا" و " الآخر" من خلال الرجوع إلى آيات القرآن الكـريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. وأوضحنا كيف أن الحضـارة الإسـلامية قد شُيِّدت بعقول وسواعد وإبداع شعوب أدركت موقعها من العالم . أدرك المسلمـون أنهم أمة " الشهادة" وأمة "الدعوة" والشاهد لا بد أن يعلم موضوع شهادته. والداعية لا بد أن يعرف البيئة التي سيدعو فيها. لذلك درس المسلمون الحضارات الأخرى وفهموها فسهل عليهم التعامل معها.

              ونحن نعيش في عصر تهيمن فيه الحضارة الغربية فلا بد لنا أن نعرفها معرفة حقيقية ، وقد توصـل بعض المثقفين المسلمين إلى معرفة الحضارة الغربية معرفة عميقة ومن هؤلاء طارق البشري الذي يقول :" إن الحضارة الأوروبية الأمريكية لا تعترف بغيرها ،و لا تتيح بالتالي إمكانية الحوار الذي يسهم بهضم و استيعاب قيم وخبرات مستمدة من حضارات أخرى."([106])

              ولئن كان هذا صحيحاً لا ينبغي أن يثبط همتنا في الحرص على عرض ما لدينا من علم وهداية ونور عملاً بقول الله عز وجل{ ادع إلى سبيل ربط بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن. ([107]) هذا الأمر للوجوب وكما يقول علماء التفسير إذا أطلق الأمـر هو للوجوب ما لم يصرفه صارف ، أو تأتيه قرينة تصرفه عن حالة الوجوب إلى الندب.، والحكمة تقتضي الاعتدال في الخطاب فلا ننزلق إلى -كما فعل دعاة الشيوعية والاشتراكية أو اليسار العربي- استعداء الغرب بأساليب فجة ، واستخدام وسائل الإعلام للعنتريات الفارغة . وقد كانت قواميس شتائم اليساريين تحتشد بربط الغرب بالامبريالية والاستعمار واستغلال الشعوب واستعبادها. وكأني بهؤلاء مثل الأعرابي الذي سرقت منه إبله فعاد يقول:" أوسعتهم شتماً ، وذهبوا بالإبل" وفي هذا يقول عبد القادر طاش:" إن الحاجة ماسّة الآن لإعادة النظر في الخطاب الإسلامي المعادي للغرب وترشيده وإعادة التوازن لكيلا نفاجأ يوماً بانزلاق الطرفين إلى صدام مدمر يقودنا إليه ذلك الشحن الأيديولوجي الأعمى من قبل الغلاة هنا وهناك."([108])

              والمعرفة اليوم لا تبنى من زيارة عاجلة أو قراءة عدة كتب عن الغرب أو المكوث في الغرب عدة سنوات للتحصيل العلمي للدراسات العليا وبخاصة إذا اختار الباحث أطروحة تخص البلد الذي ينتمـي إليها. لقد تطورت أساليب المعرفة ووسائلها ولا يمكن تحقيقها إلاّ من خلال الدرس العميق والبحث الجاد الرصين ، ودراسة الظواهر الاجتماعية والفكرية للعالم الغربي. ولا بد أن تكـون أهدافنا واضحة لا نبحث عن طريقة لاستعمار أراضيهم واستغلال خيراتها وكما قال أحد الخلفاء حينما أراد أن يبقي الجزية على من أسلم من أهل الذمة: " إنما بعث محمد صلى الله عليه وسلم هادياً ولم يبعث جابياً"([109])

              وانتقالنا من ذات موضع الدرس إلى ذات دارس إنما هي خطوة في الطريق لنأخذ مكاننا الصحيح في هذا العالم ، وذلك من أجل الوصـول إلى حوار هادف وبنّاء مع الغرب لا بد أن نتفق فيه على " المصطلحـات والمفاهيم والدلالات وذلك لتحرير الغرب من خطر مزعـوم."([110]) وهذا ينتقل بنا إلى ما قاله فؤاد صادق مفتي عن دور " المدافع" وممارسة "رد الفعل" على كل فعل يـصدر عن الآخر دون أن يكون لنا استراتيجية واضحة للتفاعل مع هذه التطورات المحتملة والتأثير فيها قبل أن ترغمنا على التأثر بها أو "الإذعان " لنتائجها بكل سلبياتها."([111])

              يجب أن ننظر إلى الآخر (الغرب) على أنه أفاد من معطيات الحضارة الإسلامية والحضارات السابقة وبنى مؤسسات فاعلة في شتى المجالات الفكرية والثقافية والسياسية والعسكرية والعلمية وباستطاعتنا أن نفيد من تنظيمه لهذه المؤسسات فائدة عظيمة إذا ما قمنا بدراستها دراسة واعية .

              أما الظواهر الاجتماعية التي قدمتها في الصفحات السابقة فقد غلب عليها الطابع السلبي وهـو ليس مقصوداً وذلك أن الغرب كما ذكر مؤرخوه وفلاسفته يمر بطور التراجع والانحدار فلا بـد للسلبيـات أن تطغى وأن تكون أظهر من الإيجابيات. ومع ذلك فثمـة إيجابيات يعرفها من عاش في الغرب ويدركها من يرى استمرار هيمنة الغرب في المجالات السياسية والعسكرية والثقافية. ومن هذه الإيجابيات أن العلم مازال يحتل مكانة بارزة لديهم فهذه الجامعات الغربية تحتـل مكان القمة في الجامعات العالمية ولديهم مراكـز البحوث والمعاهد العلمية التي ما تزال تغري أبناء العالم النامي (الثالث) بالسعي للالتحاق بها والدراسة فيها والعمل فيها تاركين أوطانهم التي أنفقت الكثير عليهم مضحين بالسكنى في الوطن قريباً من الأهل والأحباب.

              بينما نحن في العالم الثالث( النامي) لدينا الكثير من حوافز لاحترام العلم والعلماء وتقدير دور العلماء كما توضح ذلك النصوص المقدسة ومنها قول الله عز وجل:{ يرفع الله الذين آمنـوا منكم والذين أوتوا العلم درجات }([112])ويعطي الإسلام العلم مكانة رفيعة حتى في الحرب ومن ذلك قول الله تعالى{ فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم}([113])

              والحضارة الغربية مهما كانت إيجابياتها وتفوقها لكنها كغيرها من الحضارات والغرب كغيره من الشعوب والأقوام يخضع لسنن الله عز وجـل . فمهما زعم الزاعمون أن الغرب يمارس النقد الذاتي وهو الذي يعطى لهذه الحضارة حيويتها و" ديناميتها" وكما يقول أحدهـم :" وأن هذا يكذب سلفاً كل النبوءات حول وشكان موتهـا ."([114]) فإن هذا الزعم لا سند له من الواقع والتاريخ . فإن سنة الله ماضية فإذا بلغ انحرافهم وفسادهم وضلالهم الدرجة التي توجب غضب الله والتـدمير فلن يرد بأسه سبحانه وتعالى مهما ملك الغرب من قوة * ، فهؤلاء الفراعنة الذين بنوا الأهرامات التي ما زال العلم الحديث يتعجب كيف استطاعوا نقل تلك الأحجار الضخمة ولم يكـن لديهم الرافعات الهيدروليكية أو غيرها من التقنية الحديث، وهذه مدائن صالح ذات القصـور في الجبال، بأي وسيلة نحتوا تلك الجبال ؟ ونحن نؤمن بقول الله عز وجل { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد بطشاً}([115]) وقول الله سبحانه وتعالى{ فأهلكنـا أشد منهم بطشاً ومضى مثل الأولين}([116]) وقول الله تعالى: {أو لم يسـيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذيـن من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}([117])

              تناولت فيما سبق تعريف الأخر، وأوضحت الموقف الإسلامي من الآخر من خلال آيات القرآن الكريم واهتمامه أولا بمعرفة الذات وتحقيـق الذات ثم الانطلاق لمعرفة الآخر على أسس شرعية، وأفدت في ذلك كثيراً من محاضرة الدكتور جعفر شيخ إدريس التي ألقاها في الرياض في شهر شوال من هذا العام.

              وأوضحت حرص الغرب على معرفة الذات وانطلاقه لمعرفة الأخـر، ومن هذا الآخر العالم العربي الإسلامي، وأشرت إلى تأخرنا في الوقت في معرفة الذات بله معرفة الأخر.

              وفي القسم الثاني اخترت بعض الظواهر الاجتماعية وحرصت أن تكون مراجعي ما صدر عن الغرب بنفسه، وكم كان يهمني أن أنقل إيجابيات من هذه الظواهر لولا أن المصادر التي بين يدي تركز على السلبيات، ومع ذلك فقد قدمت بعض الإيجابيات.

              وهذا الموضوع في حقيقته يحتاج إلى جهد أكبر ووقت أوسع، فقد تركت كثيرا من المادة العلمية التي توفرت لدي حيث لم أجد متسعا لذكرها كما أن هذا الموضوع يستحق أن يكون موضوع عدد من الرسائل العلمية. والحمد لله رب العالمين.




              المصادر والمراجع

              أولاً: العربية

              المصادر

              1- القرآن الكريم

              2- كتب السنة المطهرة.

              المراجع : كتب ومقالات

              1- أحمد، محمد سيد." الحضارة الغربية لا تعترف بغيرها ، ولا تتيح الحوار معها." في صحيفة الرياض.ع(10032)21رجب 1416(21/12/1995).

              2- إدريس ، جعفر شيخ." موقفنا من الحضارات والأديان الأخرى:رؤية شرعية." في الشرق الأوسط.ع( 6311و6312)في 9و10 مارس 1996. ونشرت المحاضرة ضمن مطبوعات الحرس الوطني.

              3- أمين،عوض عباس. "آفاق مركز الدراسات الأمريكية في العالم العربي." في الشرق الأوسط.ع( 6479)،10 ربيع الآخر 1417، (24أغسطس 1996م) (بريد القراء)

              4- باترسون، جيمس ،وبيتر كيم. يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة. ترجمة سعود بن محمد البشر.(الرياض،1414).

              5-بار، كاميرون ."الاستغلال الجنسي للصغار." في الشرق الأوسط.ع(6482)،13 ربيع الآخر 1417(27 أغسطس1996م)

              6- البشر، سعود بن محمد.السقوط من الداخل:ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي.(الرياض:دار العاصمة 1414)

              7-بيجوفيتش، علي عزت .الإسلام بين الشرق والغرب.ترجمة محمد يوسف عدس(الكويت وأمانيا: مجلة النور ومؤسسة بافاريا)1414هـ

              8-تقي الدين، رندة،" فرنسا قبل ستة أشهر من انتخابات الرئاسة: فضائح وفوضى." في الحياة .ع(11976)32جمادى الأولى 1415(28 أكتوبر 1994م)

              9- جريشة، على محمد .شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها.( القاهرة: مكتبة وهبة 1977)

              10-حسين، آصف.صراع الغرب مع الإسلام:استعراض للعداء التقليدي للإسلام في الغرب.ترجمة مازن مطبقاني ( تحت الطبع)

              11-حمدان، عاصم." الأوروبيون والخصوصية الثقافية ." في المدينة المنورة.ع (9698)24جمادى الآخرة1414(27 ديسمبر 1993م)

              12- حـنفي،حسن .مقدمة في علم الاستغراب.(بيروت: الدار الجامعية للنشر ، 1412-1992)

              13- الحياة.ع(11975)13رجب 1416(15ديسمبر 1995)

              14- ==.ع(11729)2ذو القعدة 1415(2أبريل1995م)

              15 -==.ع(11198)15ربيع الآخر 1415،(11أكتوبر 1993)

              16-==،ع(12145)10 محرم 1417(27مايو 1996م)

              17-==،ع(11579)31أكتوبر 1994م.

              18- الخشت، محمد عثمان." الإسلام والغرب:من الصراع إلى الحوار." في الحياة، ع( 12103)26ذو القعدة1416(14يناير1996م)

              19- الراشد، عبد الرحمن." أصيلة ومشروع المركز الأمريكي." في الشرق الأوسط.ع( 6466)27ربيع الأول1417(11أغسطس1996).

              20- زريق، قسطنطين،" حضور أمريكا في الذهن العرب، والحضور العربي في الذهن الأمريكي."في الحياة،ع(12134)28ذو الحجة1416(16مايو1996)

              21- الزهراني،عبد العزيز عطية." وجموا وهم جاهلون." في رسالة الجامعة.(جريدة تصدر عن جامعة الملك سعود)ع (547)25 جمادى الآخرة 1415

              22-الزين ، رلى." حملة فرنسية ضد الهيمنة الثقافية الأمريكية." في الحياة،ع(1178)5 ربيع الآخر 1414، (21سبتمبر 1993م)

              23- سحاب ، سالم،" الرأسماليون القتلة والأثرياء البررة" في صحيفة المدينة المنورة.ع (12039)،8ذو القعدة 1416،(27مارس 1996م)

              24- سعيد، إدوارد. تعقيبات على الاستشراق.ترجمة صبحي حديدي.(عمان:دار الفارس، 1996)

              25- ==. مقالة في الحياة ،ع( 12182)17صفر 1417(3يوليه1996)

              26- شارن، لوري وبوب منزيسهايمر." البيض شعب الله المختار." في الشرق الأوسط.ع( 6343)2ذو القعدة 1416(10أبريل 1996) عن جريدة لوس أنجلوس تايمز.

              27-الشافعي، محمد " حمل الأسلحة في المدارس البريطانية." في الشرق الأوسط.ع(6379)28 ذو الحجة 1415(16مايو 1996م)

              28-الشاهد، السيد محمد،" الاستغراب "في مرآة الجامعة(صحيفة تصدرها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية)ع( 120)20جمادى الأولى 1410.

              29 - ==." المواجهة حضارية.. والنقد لايكفي." في المسلمون.ع (270) 11-17رمضان1410(6-12أبريل 1990).

              30-شبيب، نبيل،" الحضارة في غياب القيم :التقدم إلى الخلف." في المسلمون ،ع(374)1شوال 1410م.

              31-شفيق، مدحت- ميلانو والوكالة الفرنسية من استكهولم." مؤتمر استكهولم يناقش أبشع الجزائم وأكثرها وحشية." في الشرق الأوسط.ع(6483)،14ربيع الآخر 1417(28أغسطس1996)

              32- الشرق الأوسط.ع(5667) 25ذو الحجة 1414(4يونيه 1994)

              33-==." أول معهد للدراسات الأمريكية."ع( 6465)26ربيع الأول 1417(10أغسطس1996م)

              34==،" 26دولة تشارك في مؤتمر مكافحة استغلال الأطفال جنسياً."ع(6482)13ربيع الآخر1417(27أغسطس1996م)

              35- ==، عدد(6406)26محرم 1417(12يونيه1996م).

              36-==.ع(6473)4ربيع الآخر 1417(18أغسطس1996م)

              37-صالح، هاشم ." علم الاستغراب لا يضير الغرب بل يرتد علينا بأفدح الأخطار." في الحياة،ع(11740)13ذو القعدة 1415(13 أبريل 1995م).

              387- صلاح الدين، محمد. " الديموقراطية الصليبية." في صحيفة المدينة المنورة.ع(12140)20صفر 1417(6يوليو 1996م).

              39-==، الحجاب غزو ثقافي بدوي؟!" في المدينة المنورة ع(11467)16ربيع الأول 1415(23أغسطس 1994)

              40- ==."جرائم ضد النساء." في صحيفة المدينة المنورة.ع(9717)12ربيع الأول 1412.

              41-طاش، عبد القادر." الدراسات الأمريكية" في صحيفة المدينة المنورة.ع(12180)1ربيع الآخر 1417(15أغسطس1996م)

              42-==." مصادمة الفطرة." في صحيفة المدينة المنورة.ع(11711)29ذو القعدة 1415(29أبريل 1995)

              43-==." مزاعم ينقضها الواقع." في صحيفة المدينة المنورة.ع(11933)15رجب 1416،(7ديسمبر 1995م)

              44-==." المغالاة في عداوة الغرب." في صحيفة المدينة المنورة.ع(12135،15صفر 1417(1يوليه 1996م.)

              45-طرابيشي، جورج." الغرب ينهار أم أن الحديث عن انهياره قوة له؟" في الحياة ،ع(12130)7رمضان 1416(4فبراير 1996م)

              46-طربوش، سوزانا." بلجيكا في حالة ذهول." في الحياة.ع (12230)6ربيع الآخر 1417(20 أغسطس1996م)

              47-علكيم، حسن حمدان." العرب وأمريكا والنظام العالمي الجديد." في المجلة العربية للدراسات الدولية ،عدد 3/4، السنة الرابعة ،صيف /خريف 1993،ص 5-27.

              48- عمارة، محمد. مكانة الإسلام في صياغة نموذجنا الثقافي." في الحياة.ع (12224)3 ربيع الآخر 1417(4 أغسطس1996م).

              49-فندي، مأمون." الجذور الثقافية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين ." في مجلة المجتمع(الكويت) ع(12139) 5ربيع الآخر 1417(20 أغسطس1996) ص31-32.

              51- مدير، عصام وانس فودة." مجلة أمريكية تفضح أجواء العمل المختلط." في المسلمون.ع(601)25ربيع الآخر 1417(9أغسطس 1996م)

              52-مفتي، صادق."نعم للحوار…لا للمواجهة." في الشرق الأوسط.ع 5454، 3نوفمبر 1993.

              53-المودودي، أبو الأعلى. الحجاب. (جدة: الدار السعودية للنشر 1405-1985)

              54-مطبقاني ،مازن ." موازيننا وموازينهم في سقوط الحضارات" مقالتان، في المدينة المنورة ع (8943و8950)في 3و10 جمادى الأولى 1412.

              55- ==.جامعة الإمام سبقت ندوة أصيلة." في صحيفة المدينة المنورة ،ع (12189)10 ربع الآخر 1417(24أغسطس1996م)

              56-==.الغرب في مواجهة الإسلام.( المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم ، 1409) صدرت طبعة ثانية عن مكتب الندوة العالمية للشباب الإسلامي بالمدينة المنورة 1418.

              57-==." بل لابد من دراسة الغرب ونقده." في صحيفة المدينة المنورة.ع(11256)13شعبان 1414(24يناير 1994)

              58-==." دراسة الاستشراق وريادة جامعة الإمام1."في المدينة المنورة.ع(11396)4محرم 1415(13يوينه 1994م)

              59- ==." دراسة الاستشراق و ريادة جامعة الإمام 2" في المدينة المنورة،ع (11403)11محرم 1415.

              60-==." كلية الدراسات الأوروبية" في المدينة المنورة.ع(11410)18محرم 1415(27يونيه1994 )

              61-==" متى نخضعهم لدراستنا؟" في المدينة المنورة.ع(11534)24جمادى الأولى1415( 29 أكتوبر 1994)

              62-==." أ تواصوا به (التنوير المزعوم)" في المدينة المنورة.ع(9536)8محرم 1414.

              63-==" ماذا لو تفسحوا في مجالسهم؟" في المدينة المنورة،ع(11592)24رجب 1415(26ديسمبر 1994م)

              64- ==" أيام في واشنطن ،"ست حلقات .في المدينة المنورة.الأولى في عدد (11872)13جمادى الأولى 1416(7 أكتوبر




              الحواشي :
              [1] -Encarta, Social Phenomenon.

              [2] - General House Hold Survey 1993. فقد حصلت عليه مباشرة من الإدارة الحكومية المختصة في الحكومة البريطانية مباشرة من الإدارة المختصة التي تطلب ممن يستخدم التقرير في مقالة أو محاضرة أن يعرض عليها ما كتبه قبل نشره أو إلقائه حتى يتسنى لهم التعليق عليه.

              [3] -General House Hold Survey 1993.

              [4] -Ian Murray. “ Marriage rate slumps as more choose single life..” in The Times , April 29,1993.

              [5] Lesley White, The Times , 9 July 1996.

              [6] -G.H.H S. Op Cit.,

              [7] -Murray. Op. cit.,

              [8] - مازن مطبقاني " أيام في واشنطن (1)" في المدينة المنورة،ع11872، 13جمادى الأولى 1416( 7أكتوبر 1995)

              [9] - عبد الحميد اليحياوي: تقلص أعداد الشبان والشابات دون العشرين في أوربا، في الشرق الأوسط، ع 6307، 15 شوال 1416هـ (5/3/1995م). وانظر مقالي (أيام في واشنطن (1) في المدينة المنورة عدد 11872، 13/5/1416هـ (7 أكتوبر 1995). وأذكر أنني كنت أدرس في جامعة اورجين بمدينة يوجين في صيف عام 1969 مادة (مختبر أحياء) فكتبت في أحد الواجبات عن تحديد النسل بأنه يؤدي إلى تقلص القوة الإنتاجية بزيادة عدد كبار السن وانخفاض عدد الشباب، ولم أكن حينها قد اطلعت على دراسات من هذا النوع.

              [10] - المرجع نفسه

              [11] - أبو الأعلى المودودي، الحجاب.(جدة: الدار السعودية للنشر ،1405-1985)

              وفي أثناء دراستي في الولايات المتحدة في عام 1389(1969) ذكرت لي مسؤولة مبنى النشـاط الطلاب في جامعة أريزونا الحكومية بأنه في إحدى المدن كان ثمة أربعة مستشفيات يستقبلن حالات الولادة ، ونظراً لنقص حالات الولادة فتوقفت ثلاث منها عن استقبال حالات الولادة.

              [12] -David Blankenhorn, Fatherless America.(New York: Basic Books, 1995)p.1&18.

              == وقد أشارت جريدة الحياة في عددها 11534 في 14/5/1415هـ (19/10/1994) إلى أن عدد الأطفال الذين يعشون في أسرة تقليدية بلغ 25% فقط، وانظر تعليق محمد صلاح الدين في جريدة المدينة المنورة عدد(11500 )،20 ربيع الآخر 1415هـ.

              [13] -ريتشارد نيكسون .ما وراء السلام. ترجمة مالك عبّاس.( عمّان -الأردن: الأهلية للنشر، 1995)ص 186.

              [14] - نبيل شبيب." الحضارة في غياب القيم: التقدم إلى الخلف"، في المسلمون، ع 374، 1/10/1410هـ.

              [15] عبد القادر طاش." مصادمة الفطرة" ، في المدينة المنورة، عدد 11711 ، 29ذو القعدة1415ـ (29/4/1995م).

              [16] -علي عزت بيجوفتش. الإسلام بين الشرق والغرب. ترجمة محمد يوسف عدس ( الكويت وألمانيا: مجلة النور ومؤسسة بافاريا ،1414) ص 118.

              [17] -المرجع نفسه ، ص 263-264

              [18] - Alvin Toffler. Future Shock.(New York: Batnam Books 1971) p238

              [19] -Ibid. p. 254.

              [20] -Ibid. p 247.

              [21] محمد الشافعي." حمل الأسلحة في المدارس البريطانية"، في الشرق الأوسط، عدد 6379، 28/12/1415هـ (16/5/1996م.

              [22] -Cathy Scott-Clark. “ Scourge of the bullies brings fear to schools.” in The Sunday Times.9 June 1996.

              [23] فهمي هويدي: الطفولة المفترسة، في مجلة المجلة، عدد 835، 17/2/1996م.

              [24] - The Economist, June 8th, 1996.

              [25] -The Guardian Weekly , Vol. 154, No 23 June 8th, 1996.

              [26] -Noel Rogers “ Zero Tolerance and Britain proposal for youth curfew.” in Saudi Gazette.No.6925, June 17,1996.

              [27] -The Guardian Weekly, Op. cit.,

              [28] Helen Gibson . ” The Banality of an Evil woman.” in The Time. December 4th, 1995.

              [29] الحياة، العدد (11975 )، 13 رجب 1416 (5/12/1995)

              [30] المرجع نفسه.

              [31] -سوزانا طربوش." بلجيكا في حالة ذهول." في الحياة،ع 12230،6ربيع الآخر 1417هـ( 20أغسطس1996م)

              [32] -عبد الحميد اليحياوي." بلجيكا تودع ضحيتي الاعتداء الجنسي." في الشرق الأوسط، ع6478، 9ربيع الآخر 1417هـ( 23أغسطس 1996م)

              [33] -"126دولة تشارك في مؤتمر مكافحة استغلال الأطفال جنسياً" في الشرق الأوسط.ع6482،13ربيع الآخر 1417هـ(27 أغسطس 1996م)

              [34] -كاميرون بار."الاستغلال الجنسي للصغار." في الشرق الأوسط،ع 6482،13ربيع الآخر 1417هـ(27 أغسطس 1996م) نقلاً عن لوس أنجلوس تايمز.وانظر أيضاً:Susan H. Greenberg. “Children for Sale.” in Arab News, August 27,1996.

              [35] -مدحت شفيق-ميلانو والوكالة الفرنسية من استكهولم ." مؤتمر استكهولم يناقش أبشع الجرائم وأكثرها وحشية." في الشرق الأوسط،ع 6483،14 ربيع الآخر 1417( 28أغسطس1996)

              [36] - مازن مطبقاني ." يومان مع الصحن الهوائي " في المدينة المنورة،ع 9704،30 جمادى الآخرة 1414( 13ديسمبر 1993)

              [37] -" اشتغال الأطفال القاعدة وليس الاستثناء." في الشرق الأوسط،ع6377،29ذو الحجة 1416( 14مايو 1996)

              [38] -المرجع نفسه.

              [39] - الشرق الأوسط، عدد 6406،26 محرم 1417هـ( 12يونيه 1996م)

              [40] جيمس باترسون، وبيتر كيم. يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة. ترجمة محمد بن سعود البشر، الرياض 1414، ص 88.

              [41] -Bennard Levin. “ America Loses its Liberty ” in The Times, 12 Aug. 1994.

              مازلت أذكر واعظا أمريكيا كان يتحدث إلى المشاهدين قبل أكثر من عشرين سنة يقول: أيها الأمريكيون إنكم تقتلون أنفسكم، فالقتل أصبح السبب الأول للموت بين الشباب في سن من 18-24. والذي يقتل لا يفعل ذلك لخصومة أو شجار ولكنه يقتل أي شخص يعرفه أو لا يعرفه.

              [42]- محمد صلاح الدين. "جرائم ضد النساء"، في صحيفة المدينة المنورة عدد 9717، 12/13/1412هـ.

              [43] -Richard Ford. “ Women Fail to Report Sex Attacks.” in The Times. 25 August 1994.

              [44]-The Times, July 9th, 1994.

              [45] عبد القادر طاش. "مزاعم ينقضها الواقع". في المدينة المنورة، عدد 11933، 15 رجب 1416هـ (7/12/1995).

              [46] -Sara Crichton. “ Sexual Correctness Has it gone too far? in Newsweek. October 25,1993

              [47] - الشرق الأوسط.عدد 6473 ، 4ربيع الآخر 1417، (18 أغسطس 1996م)

              [48] -عصام مدير وأنس فودة. " مجلة أمريكية تفضح أجواء العمل المختلط." في المسلمون.ع 601،25 ربيع الآخر 1417(9 أغسطس1996) نقلاً عن الريدرز دايجست Reader’s Digest عدد فبراير 1996.

              [49] - المرجع نفسه.

              [50] -بيجوفتش ، مرجع سابق، ص 264.

              [51] -The Times, July 12, 1991.

              [52] -Mark Frenchetti and Peter Conradi. “ Europe’s roaring trade in sex slaves.” in The Sunday Times, 9June 1996.

              [53] - هذا الصديق هو أستاذي الدكتور قاسم السامرائي.الذي يعمل في جامعة لايدن منذ أكثر من عشرين سنة ، وعمل فترات مختلفة في جامعة الأمام محمد بن سعود الإسلامية في قسم الثقافة الإسلامية وفي قسم المكتبات وفي المكتبة.

              [54] -الحياة عدد 11729، 2 ذو القعدة 1415هـ (2 ابريل 1995م).

              [55] علي محمد جريشة، شريعة الله حاكمة ليس بالحدود وحدها،( القاهرة: مكتبة وهبة،1397،1977)ص26..

              [56] -Newsweek, September 20, 1993.

              انظر مقالتي في جريدة عكاظ،" الأخذ بالثأر على الطريقة الإنجليزية"، عدد 9956، 21/5/1414هـ (5 نوفمبر 1993م).

              [57] - The Times, July 21, 1994.

              [58] -حنفي ، مرجع سابق، ص 96.

              [59] -المرجع نفسه ،ص 97.

              [60] - المرجع نفسه.

              [61] -Erich Fromm. The Sane Society. (New York: Henry Holt &Co. 1990) p. 92.

              [62] -Ibid. p.84-85.

              [63] -Fromm. Op. cit. p.85.

              [64] -Ibid.P.92.

              [65] -Ibid. P. 87-88.

              [66] -Ibid. P. 95.

              [67] - بيجوفتش ، مرجع سابق ،ص 112 نقلاً عن Herbert Marcus. A Critique of Pure Tolerance.( Boston: Beacon Press, 1969)

              [68] -Fromm. Op. Cit. P. 5.

              [69] - سالم سحاب. الرأسماليون القتلة والأثرياء البررة." في المدينة المنورة، ع12039، 8ذو القعدة 1416،(27 مارس 1996) نقلاً عن Newsweek العدد الثامن من عام 1996.

              [70]-Washington Post, Sunday September 3 , 1995.

              [71] -Fromm, Op.,Cit.P.5.

              [72] -بيجوفتش، مرجع سابق،ص 108.

              [73] -نيكسون ، مرجع سابق ص186.

              [74] سعود البشر،السقوط من الداخل :ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي. (الرياض:دار العاصمة،1415)نص 62-63 نقلاً عن اندروشبير، نحن القوة الأولى: أين تقف أمريكا، وأين تسقط في النظام العالمي الجديد، 1992.

              [75] حسن حمدان العلكيم. "العرب وأمريكا والنظام العالمي الجديد"، في المجلة العربية للدراسات الدولية، عدد 3/4، السنة الرابعة، صيف/ خريف 1993. ص 5-27.

              [76] - The Wall Street Journal, September 7, 1995.

              [77] -محمد وقيع الله ." اضطرابات لوس أنجلوس ." في مجلة الإصلاح(الإمارات) ع178،14مايو 1992

              [78] - المرجع نفسه.

              [79] -نيكسون ، مرجع سابق، ص99.

              [80] -لوري شارن وبوب منزيسهايمر ." البيض شعب الله المختار" في الشرق الأوسط.ع 6343، 2ذو القعدة 1416( 10 أبريل 1996)عن صحيفة لوس أنجلوس تايمز.

              [81] -Arab News , 4 August 1996.

              [82] -السيد ولد أباه." التظرف ظاهرة موجودة في الغرب أيضاً" في الشرق الأوسط ،ع6312،20شوال 1416هـ( 10مارس 1996.)

              [83] -مأمون فندي." الجذور الثقافية للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه العرب والمسلمين." في المجتمع (الكويت) ع1213، 5ربيع الآخر 1417(20 أغسطس1996م) ص 31-32.وقد ظهرت العنصرية الغربية بوضوح في الصومال حيث مارست القوات الإيطالية و الدنماركية وغيرها من القوات الأوروبية ألواناً من التعذيب ضد الصوماليين العزل ومن العجيب أن هؤلاء كانوا ضمن قوات دولية أُطلق عليها ( إعادة الأمل ) فأي أمل كان!!؟؟

              [84] - Dinesh D’Souza.“ Is Racism a Western Idea?” in The American Scholar. Autumn 1995. .P.P. 517-524

              -[85] The Times, September, 2 1994.

              [86] -Thomas Hansen and Frank Macchiarola, Confronting America’s Moral Crisis (New York: Hasting House, 1995), P3-4.

              [87]- جيمس باترسون وبيتر كيم .يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة.ترجمة سعود محمد البشر (الرياض: المؤلف، 1414-1994) ص58.

              [88] المرجع نفسه.

              [89] -سعود بن محمد البشر.السقوط من الداخل: ترجمات ودراسات في المجتمع الأمريكي.(الرياض:دار العاصمة،1414هـ)ص 85 نقلاً عن هاملتون هوز .السقوط التراجيدي: أمريكا عام 2020.

              [90] -بيجوفتش، مرجع سابق،ص119-120، نقلاً عن Keneth H. Blanchard and Paul Hersey. Management of Organisational Behaviour :Utilizing Human Resurces.2ed Edition( Englewood Cliffs, N. J.: Prentice Hall,1972

              [91] سيرة ابن هشام.

              [92] -Washington Post, 8 September 1995.

              [93] -رندة تقي الدين ." فرنسا قبل ستة أشهر من انتخابات الرئاسة :فضائح وفوضى." في الحياة، ع11576، 23جمادى الأولى 1415( 28 أكتوبر 1994م)

              [94] -الحياة،ع 11198، 15 ربيع الآخر 1415(11 أكتوبر 1993) وانظر تعليقي بعنوان " شرطة نيويورك تحتاج إلى شرطة" في المدينة المنورة ،ع 9688، 14جمادى الآخرة 1414هـ( 27 نوفمبر 1993م)

              [95] -الحياة،ع 12145، 10 محرم 1417(27 مايو 1996م)

              -[96] Michael Medved. Holly Wood Vs America, (New York: Harper Perennial, 1993) p. xx1v.

              -[97] Ibid. P. 38.

              [98] -Medved, Op. Cit. P. 72.

              [99] جيمس باترسون، مرجع سابق، ص 197.

              -[100] William J. Murray, Let Us Pray: A Plea for prayer in our schools,( New York, Willion Marrow, 1995), P3.

              [101] -Janatan Freedland, “Battle of The Bottle Breaks Out”, in The Guardian Weekly, June9,1996

              [102] -Medved. OP., cit. P.71.

              [103] -Ibid.

              [104] -نيكسون ، مرجع سابق ، ص 246.

              [105] - مازن مطبقاني." العنف رغم أنوفهم " في المدينة المنورة ،ع11597،29 رجب 1415(31 ديسمبر 1994) وقد أشارت صحيفة الحياة (اللندنية ) في عددها 11579 ،31أكتوبر 1994 إلى أن الحكومة البريطانية سرعان ما تخضع للضغوط من الشركة المنتجة لأنها من الشركات الكبرى، وقد يكون هذا المنع المؤقت نوعاً من الدعاية للفيلم.

              [106] -محمد سيد أحمد." الحضارة الغربية لا تعترف بغيرها ، ولا تتيح الحوار معها." في الرياض، ع 10032، 21 رجب 1416،(21ديسمبر 1995) تقرير عن ندوة فكرية عقدت في القاهرة بعنوان ( صراع الحضارات :نظرة جديدة للشرق.) وقد كتب الدكتور يوسف نور عوض في صحيفة المدينة المنورة ، عدد( 12548) في 19ربيع الآخر 1418(22أغسطس1997م. يشير إلى ما ظهر في الغرب مؤخراً من الاهتمام بالمغني المشهور إلفس برسلي الذي هلك منذ اكثر من عشرين سنة وعرف بالإدمان على المخدرات وغيرها من الآثام بأن الغرب يروج لهذه الصرعة باعتبار إلفيس قديساً . ويرى الدكتور عوض أن في الغرب قوى تحاول تشويه ثقافات العالم ومعتقداته الدينية من اجل إحكام السيطرة على العقل الإنساني.

              [107] -سورة النحل آية 125

              [108] -عبد القادر طاش، " المغالاة في عداوة الغرب"، في المدينة المنورة ،عدد 12135،15 صفر 1417هـ( 1يوليه 1996م)

              [109] - هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى .

              [110] - السيد ولد أباه، " الإسلام والغرب واجب الحوار وحق الاختلاف." في الشرق الأوسط ،ع5989،24 ذو القعدة 1415هـ ( 24أبريل 1995م).

              [111] -فؤاد صادق مفتي." نعم للحوار ..لا للمواجهة." في الشرق الأوسط ،ع 5454،3نوفمبر 1993م.

              [112] -سورة المجادلة آية 11 .

              [113] -سورة التوبة ، آية 122.

              [114] - جورج طرابيشي." الغرب ينهار، أم أن الحديث عن انهياره قوة له؟" في الحياة ،ع 1203، 7رمضان 1416(4فبراير 1996) وقد كتب كاتب سعودي قبل عدة أعوام بعنوان (هل إن الغرب يسقط) قدم المزاعم نفسها وهي أن الغرب يمارس النقد الذاتي ، وشاء الله أن أرد عليه بمقالتين بعنوان" موازيننا وموازينهم في سقوط الحضارات " في المدينة المنورة ،ع8943،3جمادى الأولى 1412،و عدد 8950 في 10 جمادى الأولى1412.

              * تضرب الغرب أحياناً الأعاصير فتقتل الألوف منهم ، كما تصيبهم موجات من الحر الشديد أو البرد الشديد ، أو يطهر فيهم فيروس جديد لم يسبق لهم معرفة به مثل فيروس الإيدز( نقص المناعة المكتسبة) ويصاب الغرب أحياناً بالزلازل أو الفيضانات. فهل يعتبرون، وهل نعتبر نحن؟

              [115] -سورة ق آية 36.

              [116] -سورة الزخرف آية 8.

              [117] - سورة آية.


              يتبع
              التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:44 ص.
              أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
              والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
              وينصر الله من ينصره

              تعليق

              • سيف الكلمة
                إدارة المنتدى

                • 13 يون, 2006
                • 6036
                • مسلم

                #8
                الاستغراب

                المجتمع الغربي والحرية الشخصية

                المجتمع الغربي والحرية الشخصية-التجسس




                عاش أستاذي الدكتور علي الغمراوي رحمه الله دهراً طويلاً في أوروبا أتقن خلالها أكثر من عشر لغات أوروبية وتعرف خلال تلك المدة على حياة الغربيين وتاريخهم وثقافتهم، فكان يقول رحمه الله إن العيش في بلادنا العربية الإسلامية أفضل ألف مرة من العيش في الغرب ويشير بصفة خاصة إلى العيش في المملكة العربية السعودية التي فضّل العيش فيها أكثر من عشرة أعوام.

                وأشار ذات مرة إلى أن المواطن الغربي تحول إلى رقم يعرف به في سجلات دولته وأن حركاته مرصودة منذ أن يخرج من بيته صباحاً وحتى يعود إلى منزله مساءً وهو مراقب بين ذلك. وكان هذا الحديث قد دار بيني وبينه قبل أكثر من خمس سنوات. وتأكد لي هذا الأمر عندما قرأت في الصحف عن انتشار الكاميرات في الشوارع الغربية ترصد حركة الناس لدرجة أنه لم يعد يملك الإنسان هناك إلى حياة خاصة.

                والحقيقة أن موضوع مراقبة المواطن في الغرب بدأت منذ أن نشر جورج أورويل كتابه (1984)وأشار فيه إلى أنه في عام 1984 سيكون المواطنون في الغرب خاضعين إلى المراقبة المستمرة والاستبداد السياسي. وقد أعيد الحديث عن هذا الكتاب في بداية السبعينيات عندما أعلنت وكالة التحقيقات الفدرالية (FBI) أنها تحتفظ بملفات لعدد كبير من المواطنين الأمريكيين العاديين، وتساءل الأمريكان حينها لماذا تهتم هذه الوكالة بالاحتفاظ بكل هذا العدد من الملفات؟ وقد عرض برنامج في إحدى القنوات الثقافية الجادة أن الحكومة الأمريكية تقوم بمراقبة المظاهرات السلمية وتلتقط الصور لهذه المظاهرات وتستطيع بوسائل إلكترونية أن تتعرف إلى كل فرد في تلك المظاهرات وربما رُفض طلبه للعمل في الحكومة الفدرالية لهذا السبب مع أن المادة الأولى من الدستور الأمريكي تبيح هذا الأمر.

                وعوداً للمراقبة فقد نشرت ( الشرق الأوسط) في 16ذي القعدة 1413هـ أن الأجهزة الإلكترونية أصبحت تساعد على القبض على المجرمين من خلال الكاميرات المنصوبة في الشوارع في المدن البريطانية. ويبدو أن الأمر قد راق الذين بدأوا في نشر هذه الكاميرات في الشوارع فازدادت عدداً وفي الوقت الذي تطورت فيه هذه الآلات أصبح الإنسان يعيش في فزع من أن يكون هناك من يتجسس عليه في كل لحظة من حياته. ومن الأمور التي تساعد في الغرب على التجسس أن الشقق المبنية من الخشب لا يفصل بين الجار والجار إلاّ جداراً رقيقاً وقد اخترعوا آلات عجيبة في التصنت وفي التصوير دون أن يشعر المواطن أنه يخضع لذلك.

                وعادت (الشرق الأوسط،17ذو القعدة 1419) فنشرت تقرير نقلاً عن جريدة لوس أنجلوس تايمز عنونته ب ( خصوصية الأفراد وحرياتهم تختفي في القرن المقبل أمام التطور التكنولوجي) وأوردت فيه مختلف الأقوال والتحليلات عن أوضاع مواطني دول الغرب من حيث ضياع خصوصياتهم الشخصية. ومن الأقوال المهمة في هذا التقرير ما قاله جون فالنتاين- رئيس شركة انفوجيلد – "انتهت أيام الحرية الشخصية ، ولا تستطيع في هذه الأيام حتى تغيير اسمك بسرية تامة." وقال جيمس ديمبسي –أحد نشطاء مركز الديموقراطية والتكنولوجيا في واشنطن:" قبل خمسة وعشرين عاماً كان الخوف من الملف الكبير والسجل الكبير وقاعدة المعلومات الكبيرة ، أما الآن فقد أصبحت أجهزة الكمبيوتر متصلة بعضها ببعض الأمر الذي يساعد على خزن المعلومات بسرعة فائقة وبدون عناء"

                وقد عرضت محطة السي إن إن CNN يوم الأحد 19ذو القعدة برنامجاً خاصاً عن هذا الأمر استضافت أحد رجال الشرطة الداعين إلى التجسس ونشر الكاميرات في الأماكن العامة وبين مناضل عن الحريات الشخصية فظهر الاختلاف واضحاً فرجل الشرطة يريد لهذه الكاميرات أن تقوم بدور مساعد للحد من الجريمة والتعرف على سلوكيات رجال الشرطة بينما يخشى الآخر من طغيان هذه الكاميرات التي ستحد من الحريات الشخصية وأن القانون مازال عاجزاً عن مواجهة هذه التطورات المتسارعة في مجال المراقبة.

                وإن حمّى نشر الكاميرات في الشوارع العامة وفي الميادين قد أصابت بعض العقلاء هناك بالفزع فأخذوا ينادون بأن الحرية الفردية الشخصية أصبحت مهددة. وتساءل البعض عن النواحي القانونية في هذا المجال. وربما كان هذا من أهم ما يميز حياة الغرب أن التكنولوجيا تتطور تطوراً أسرع مما يتطور التشريع لديهم ذلك أنه تشريع بشري خاضع لأهواء البشر.

                أما الإسلام فله تشريعاته السامية في هذا المجال والتي أرجو أن تتيح لنا العولمة لنقول لهم إن لدينا من التشريعات- والحمد لله- ما يمكنهم تطبيقه مهما تطورت الوسائل التكنولوجية وهذا من خصائص هذه الشريعة التي تتسم بالشمول والعموم.

                وأول هذه التشريعات ما جاء في قوله تعالى )يا أيها الذين آمنوا اجتنوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم( (الحجرات 12). فلم يقع الابتداء بالنهي عن التجسس ولكن سبقه الحديث عن الظن السيء الذي يقود إلى التجسس فذكر القرطبي رحمه الله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في الصحيحين ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) فقال القرطبي بعد ذلك: "قال علماؤنا: فالظن هنا وفي الآية هو التُّهمة. ومحل التحذير والنهي إنما هو تُهمة لا سبب لها يوجبها، كما يتهم بالفاحشة أو بشرب الخمر مثلاً ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك …والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة وسبب ظاهر كان حراماً واجب الاجتناب."

                أما في قوله تعالى (و لا تجسسوا) فقال بعد أن بحث في الفرق بين التحسس والتجسس فالأول أن التجسس هو البحث عما يكتم عنك والتحسس طلب الأخبار والبحث عنها ويمكن أن يكون الفرق أيضاً أن التحسس ما أدركه الإنسان ببعض حواسه أو طلبه لنفسه أما التجسس أن يكون رسولاً لغيره. ومعنى الآية :" خذوا ما ظهر ولا تتبعوا عورات المسلمين ، أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلّع عليه بعد أن ستره الله. وأورد بعد ذلك الحديث الذي رواه أبو داود عن معاوية وفيه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم) فقال أبو الدرداء :كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها .ووردت أحاديث أخرى تنهى عن التجسس واتباع أخبار الناس ومن ذلك ما رواه المقدام بن معدي كرب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)

                ولعل من أبلغ النهي عن التجسس حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام: (من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم حَلّ لهم أن يفقئوا عينه.)رواه البخاري ومسلم وقد أورد أبو داود ( ففقئوا عينه فقد هّدِرت) وجاء في صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم (ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون صّبّ في أُذنيه الآنُك (الرصاص المذاب) يوم القيامة.)

                وقد تحدث الشيخ حسن أيوب في هذا الموضوع في كتابه القيم (السلوك الاجتماعي في الإسلام) بقوله :" وهكذا يجب أن يفهم الملمون دينهم وأن يدركوا أن للمسلم ولكل إنسان مسالم حرمته وأن حرمة المسلم في مسكنه وفي أقواله وأفعاله وآرائه وأفكاره يحب أن تصان وتحترم.

                فهل يتعلم الغرب من تشريعات الإسلام العظيمة. وكم كنت أتمنى لو أن محرر الصحيفة التي نقلت تقرير الصحيفة الأجنبية (لوس أنجلوس تايمز) ذكر التشريعات الإسلامية في هذا الباب لكنّا أفدنا من سعة انتشار هذه الجريدة وما يمكن أن تؤديه من خدمة للدعوة الإسلامية.

                التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:42 ص.
                أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                وينصر الله من ينصره

                تعليق

                • سيف الكلمة
                  إدارة المنتدى

                  • 13 يون, 2006
                  • 6036
                  • مسلم

                  #9
                  الاستغراب

                  المرأة الغربية ومعاناتها

                  المرأة الغربية تعود إلى البيت …!





                  هل أسلم الغرب قياده للمرأة؟ أو هل انتزعت المرأة القيادة في الغرب؟ هل أحسنت المرأة القيام بدورها في أثناء قيادتها أو هل أدت هذه القيادة إلى كوارث في الحياة الاجتماعية في الغرب؟ لدينا إجابتان إحداهما من امرأة عرفت النجاح في منصب قيادي وأدركت بفطرتها أو أن ظروفها أجبرتها على إدراك أن ما كانت تقوم به مخالف لمهمتها الأساسية: أن تكون أمّاً وزوجا. أما الإجابة الثانية وإن تعددت صورها فهي كتابات قدمها رجال حور دور المرأة، وهل تجاوزت حقيقة هذا الدور ( الأم والزوجة) أو لا ، ومن الذي سمح لها بتجاوز هذا الدور؟

                  تقول المرأة التي وصلت إلى أعلى المناصب القيادية في شركة ببسي كولا ( رئيسة عمليات الشركة لأمريكا الشمالية) إنها عملت مدة اثنتين وعشرين سنة ووصلت إلى الحصول على راتب يقدر بمليوني دولار سنوياً ولكن كان عليها أن تختار بين الاستمرار في العمل أو العودة إلى البيت. وسبب عودتها إلى البيت أنها أم لثلاثة أولاد ( في العاشرة والثامنة والسابعة) وقد قال لها أحد أبنائها ذات مرة " لا يهمني أن تكوني امرأة عاملة إذا كنت ستحضرين المناسبات العائلية ( أعياد ميلادنا).

                  وتضيف السيدة بارنز Barnes :" لقد كنت أحترق من جهتين ، لقد قمت بجهود كبيرة جداً من أجل شركة ببسي كولا، لقد كان لدي جدولاً مزعجاً ومتعباً وكنت أحضر موائد العمل من غداء وعشاء، وتضيف إن ترك العمل سيكون مؤلماً ولكني أحتاج أسرتي أكثر."

                  ولأن ببسي كولا تعرف قدرات هذه المرأة فقد حاولت إقناعها بالبقاء رئيسة لقسم حقق أرباحاً تقدر بأكثر من بليون دولار العالم الماضي ( 1996) وعرضت عليها وظيفة أقل مسؤوليات ، ويقول رئيس شركة ببسي كولا:" لقد تقدمنا بكل اقتراح ممكن لإثنائها عن قرارها ولكن دون فائدة. إن برندا بارنز Brenda Barnes واحدة من أكثر الموظفين التنفيذيين موهبة واحتراماً في صناعتنا، لقد كنّا نعدها لمناصب قيادية أكبر."

                  ومن النساء اللاتي رفضن المنصب الكبير من أجل الأمومة رئيسة شركة كوكا كولا في بريطانيا السيدة بني هقيز Penny Hugies (35 سنة) وهي أول امرأة ترأس فرع الشركة في بريطانيا تقدمت باستقالتها من أجل أن تضع أول مولود لها. وفي الأسبوع نفسه الذي أصدرت فيه السيدة بارنز قرارها ظهر كتاب: هل يمكن أن تكوني الرابحة دوماً؟ تحدثت فيه كاتبته التي كانت أماً لخمسة أطفال ومديرة تصف معاناتها بمحاولة التوفيق بين ضغوط العمل وأسرتها.

                  وفي العدد نفسه من جريدة التلقراف البريطانية Daily Telegraph كتبت مينيت مارينMinette Marrin حول وضع المرأة في المجتمعات الغربية وكان مما قالته في معرض تعليقها على كتاب جديد صدر للمؤلف الأمريكي الياباني الأصل ميشال فوكوياما : " قد لا يكون فوكوياما أول من قال بهذه الآراء عن المرأة ولكنه بالتأكيد من أكثر الرجال صراحة، ففي كتابه المثير للجدل المسمي ( نهاية العالم) تناول فيه دور المرأة في انهيار النظام الاجتماعي الغربي بسبب الحرية المدمرة التي حصلت عليها المرأة." ويتحدث فوكوياما عن الفرق بين النظام الاجتماعي الغربي والنظام الاجتماعي في دول آسيا وبخاصة اليابان فيقول إن من أسباب عدم حصول المشكلات الاجتماعية في دول آسيا " أنها حدت بقوة من مساواة المرأة." ويضيف بأن الدول الغربية إذا ما أرادت أن تستحدث قوانين تبعد المرأة عن أسواق العمل ، ولم تسمح بإعطاء المرأة أجوراً مساوية للرجل، فإن ذلك سيؤدي إلى اعتماد المرأة على الرجل وبالتالي يساعد في إعادة الأسرة المكونة من أبوين."

                  أما السبب الذي قاد فوكوياما إلى هذه النظرة فهو أنه نظر إلى الأمراض الاجتماعية التي أصابت المجتمعات الغربية في الثلاثين سنة الماضية فوجد أنها ترجع إلى حصول المرأة على قدر كبير من الحرية. ويربط فوكوياما بين التطور الاقتصادي والبناء الأسري فيرى أن الزواج والأسرة يبنيان الرأسمال الاجتماعي وهو الذي تعتمد عليه المجتمعات وإن التراجع في الرأسمال الاجتماعي تبعه بلا شك تراجع في الأسرة.

                  ويشارك فوكوياما هذه الآراء عدد من المفكرين الغربيين فهذا فيليب لاركن Philip Larkin يرى أنه منذ عام 1963 بدأت التدهور الاجتماعي في الغرب بظهور التحكم في النسل والمساواة في الأجور بين الرجال والنساء. فحيث إن النساء يستطعن أن يسيطرن على خصوبتهن ويعلن أنفسهن وأولادهن . ومن هنا أصبح الطلاق وغياب الأب ممكناً بل أصبحت أمراً مرغوباً، وبالتالي تم التقليل من شأن الأبوة. وهكذا فالأطفال الذين عاشوا بلا آباء انجبوا فيما بعد أطفالاً بلا آباء.

                  ومن الأفكار التي تؤكدها طروحات فوكوياما وغيره أن الأطفال في الأسر التقليدية ( أم وأب) يمكن أن ينجحوا في المدرسة ، ويتعلموا المهارات المختلفة التي تساعدهم على العمل التعاوني في مجتمع معقد تكنولوجياً – مجتمع ما بعد الصناعة- ويقترح فوكوياما أن يتم تشجيع مجتمع الثقافات المتعددة ليستفيد الغرب من الثقافات الأخرى . ولكن الكاتبة لا توافقه على ذلك ربما بسبب انتمائها للحضارة الغربية ونزعتها لسيطرة هذه الثقافة.

                  هل المرأة الغربية حصلت بالفعل على حرية أكثر مما يجب أو هل الغرب سلمّ قياده للمرأة ؟ إن الإحصائيات عن النسيج الاجتماعي الغربي تؤكد أن أوضاع المرأة ليست بالصورة الزاهية التي يراها البعض من الحصول على حقوق أو حرية أكثر مما يجب. وقد تكون الحرية الزائدة –في نظر البعض – إنما هي قيود. ولذلك عقدت رئيسة البرلمان الاتحادي الأوروبي ريتا زوسموت اجتماعاً مع عدد من ممثلات الأحزاب والمنظمات الأخرى مؤتمراً صحفياً دعت فيه إلى ضرورة إيصال صوت المرأة إلى داخل الدولة والمجتمع وطالبت بسن قوانين تحمي المرأة من العداء عليها وعلى كرامتها من خلال العنف الجنسي وغيره من أنواع العداء ضد المرأة ، كما طالبت وسائل الإعلام أن تمارس رقابة ذاتية أقوى على برامجها التي تعرض للمرأة بشكل يمتهنها .

                  وفي الوقت الذي تعلن نساء الغرب أنهن عائدات إلى البيت للحرص على عدم انهيار الأسرة أو الحرص على استمرار بناء الأسرة قوياً تتحدث الدكتورة عائشة راتب –أستاذة قانون ووزيرة سابقة- بأنها تتعجب من وجود دعاوي في نهاية القرن العشرين تطالب بعودة المرأة إلى البيت ، فعودة المرأة إلى البيت- في نظرها-" إنما تؤدي إلى أن " يعود المجتمع إلى التخلف ويفقد نصف قوته الضاربة العاملة التي حققت عشرات النجاحات." بل تواصل هجومها على هذه الدعوة حتى تقول:" فالدعاوي التي تطالب بعودة المرأة إلى البيت دعاوي هدفها هدم المجتمع بالكامل." ( مجلة المجلة 3-9مايو1998).وكأن الدكتورة لا تقرا ما يحدث في العالم من اضطرابات ففي المكسيك قام الرجال بإضرابات ومظاهرات يشكون فيها من أوضاعهم الاقتصادية وأنهم لا يجدون العمل مع أن فرص العمل متوفرة وتعطى للنساء. فقد ضاق الرجال ذرعاً بتشغيل نسائهم ومنعهم من الحصول على فرص للعمل. وقد حدثني أحد الإخوة في بلد عربي مسلم أنه تقدم إلى العديد من الجهات إلى العمل باسمه وكان معظم الردود تأتي بالرفض فقرر أن يكتب إلى الجهات نفسها مستخدماً اسم فتاة فجاءت معظم الردود ترحب به. فأين المساواة بين الرجل والمرأة يبدو أنها انقلبت ضد الرجل في كثير من الأحيان.

                  فهل نعي الدروس التي يمكن أن نفيدها من تجربة الغرب الذي أصر على إخراج المرأة للعمل في كل الميادين ثم امتهنها في شتى المجالات، بينما كرّمها الإسلام وجعل مسؤولية النفقة عليها من أهم واجبات الرجل ثم أمره بإكرامها واحترامها، كما خصص لها نصيباً من الميراث يفوق في حالات كثيرة ما يحصل عليه الرجال مع عدم تكليفها بالإنفاق على أحد.

                  التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:42 ص.
                  أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                  والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                  وينصر الله من ينصره

                  تعليق

                  • سيف الكلمة
                    إدارة المنتدى

                    • 13 يون, 2006
                    • 6036
                    • مسلم

                    #10
                    الاستغراب

                    الرئيس بيل كلينتون والثورة الجنسية في أمريكا


                    لا تكاد تتناول أي صحيفة يومية أو أسبوعية حتى تجد أن من أبرز موضوعاتها أو أبرزها التهم بالفضائح الجنسية التي تلاحق الرئيس الأمريكي بيل كلينتون. وإنني قد جمعت قصاصات منها تساوي عشرات الصفحات. وتساءلت – ليس دفاعاً عن كلينتون- لماذا توجه كل هذه التهم إلى الرئيس الأمريكي هذه الأيام؟ هل ارتكب جرماً حقيقياً يستحق كل هذه الضجة؟ وهل هذه القضية من صنع وسائل الإعلام أو على الأصح إمبراطوريات الإعلام التي أصبحت تملك قوة مخيفة شبهها الرئيس عزة بيجوفيتش في كتابه القيم ( الإسلام بين الشرق والغرب- بأنها أخطر من الدكتاتوريات التي عرفها التاريخ البشري. وهـل هي قضية أخرى من قضايا الإثارة في الإعلام تشبه قضية المرأة الأمريكية التي قطعت العضو الذكوري لزوجها؟

                    كيلنتون بلغ الخمسين من عمره وهذا يعني أنه كان شاباً عندما كانت الثورة الجنسية في ذروتها في الولايات المتحدة وفي أوروبا. هذه الثورة قدست الجنس وأباحته في آن واحد. قدسته بحيث جعلته المطلب الأول والأسمى والأهم في حياة الشاب رجلاً كان أو كهلاً أو حتى عجوزاً.

                    وكلينتون هذا عاش شباباً –لا أقصد بيل شخصياً- في مرحلة انتجت جيلاً لا يهمه بعد أداء مهماته العلمية والحياتية سوى أن يغرق في حمى الجنس.. وفي الفترة نفسها كانت المخدرات ابتداءً من الماروانا إلى الإل إس ديLSD والبيوتي، والهاواي وغيرها كثير جزء من حياة الشباب حتى لقد قيل إن آمن مكان لتعاطي المخدرات هو الحرم الجامعي.

                    وفي هذه الأيام انتشرت الدعوات والكتابات والأفلام تدعو إلى الإباحية والجنس ولم يكتف الدعاة بالكتب المؤلفة باللغة الإنجليزية بل قاموا بترجمة العديد من الروايات العالمية التي كتبت باللغات الأخرى ومن هذه على سبيل المثال كتب الروائي الألماني اليهودي هرمن هسّه Hermann Hesse جولدمن ونارساسيس وديميان وستيبن ولف . وظهرت كتابات المؤلف اليوناني كازانتزاكي مؤلف كتاب زوربا اليوناني وكتاب الإغراء الأخير للمسيح وكلاهما أصبح فيلماً.

                    وفي تلكم الفترة ظهرت أسماء أفلام خلاعية –زادت كثيراً منذ ذلك الحين- وأصبح شباب الجامعات يتسابقون إلى مشاهدتها. ولم يقف التلفزيون بعيداً عن هذه الحمى بل استضاف أبطال وبطلات الأفلام الخلاعية وأضفى عليهم المشروعية والنجومية والأهمية.

                    وكان هناك باب جديد للحديث عن الجنس وهم بعض أعضاء هيئة التدريس الذين راحوا يلقون المحاضرات عن الجنس بانفتاح، فهذا أستاذ في جامعة بورتلاند الحكومية يلقى محاضرة يجيب فيها عن كل استفسارات الشباب والشابات بدون حياء أو خجل. وقد تطور الأمر حتى كتب أحدهم – طبيباً يهودياً- كتاب (كل ما تريد أن تعرفه عن الجنس ولكن تخجل أن تسأل) ويستهزأ في كتابه بالطيّار الذي يعرف كيف يقود الطائرة الضخمة في الجو ولكن لا يعرف الأمور الجنسية.

                    وما أعظم الأدب النبوي في هذه المسائل فحينما اشتكت المرأة من زوجها بأن ما معه مثل هدبة الثوب فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلاّ أن أشار عليها بأن ترد عليه المهر وتطلق منه. ولعله أمره بالبحث عن علاج أو غير ذلك فالمرأة ليست مكلفة بالبقاء في زواج لا يوفر لها حاجاتها الأساسية.

                    ولم يكتف الغرب بالدعوة إلى اهتبال كل الفرص للغرق في الجنس بل انتشرت دعوات إلى أصناف عجيبة من الإباحية لم تعرفها ولن تعرفها العجماوات. فقد دعت المجلات المشهورة إلى الجنس الجماعي وإلى الجنس بين الأقارب وإلى تبادل الأزواج والزوجات. فهذا الشارع المعروف في فرنسا الذي يتم فيه هذه الرذيلة أو النادي الذي تأسس في إيطاليا إنما كان له أساس في دعوات استمرت سنوات طويلة تروج لهذا الأمر.

                    وكانت الدعوة إلى الهبيز والثقافة المضادة من الدعوات التي انتشرت في الفترة التي كان فيها كلينتون شاباً . والهبية والثقافة المضادة هو الانتفاض على كل القيم والأخلاق التي يتمسك بها المجتمع ويدعو إليها كالعفاف والزواج واحترام الكبير والعطف على الصغير وتكوين الأسرة وغير ذلك. بل ظهرت دعوة عجيبة في مجال التربية بدأت في بريطانيا وهي مدرسة سمر هل Summerhill التي تركز على إعطاء الطلاب والطالبات كامل الحرية في عمل مايشاؤون في المدرسة .وظهر كتاب يحكي تجربة هذه المدرسة وظهرت مدارس على شاكلتها في الولايات المتحدة .

                    وبعد ذلك وقبله إن الثقافة الغربية قائمة على إباحة اتصال الرجال بالنساء وقامت على تشغيل النساء في مجال أعمال السكرتاريا بخاصة، وليس ثمة وازع ديني يمنع الرجل من ارتكاب الزنا لأن ثقافته وعقيدته التي يتمسك بها إن كانت تمنعه من ارتكاب الزنا إن كان متزوجاً كما هو في الوصايا العشر، ولكن هل لديهم مثل حديث رسولنا صلى الله عليه وسلم (هل ترضاه لأمك، وكذلك الناس لا يرضونه لأمهاتهم، هل ترضاه لأختك، هل ترضاه عمتك، وكذلك الناس لا يرضونه لأخواتهم ولا لعماتهم ولا لخالاتهم) وفي ثقافتنا الإسلامية المثل الشعبي (لو زدت لزاد السقا) وليس في ثقافتهم (ما اختلى رجل بامرأة إلاّ كان الشيطان ثالثهما)

                    ومع غياب هذه القيم فإن كلينتون ليس الوحيد في هذا الميدان فقد كان وفد من إحدى الدول العربية في زيارة لرجل أعمال كبير في بلد غربي وتأخر الوفد قليلاً عن موعده ، ولما وصلوا بادروا إلى الاعتذار عن التأخير ولكن المسؤول الكبير سبقهم إلى شكرهم على تأخرهم لما أتاحوه له من وقت قضاه مع السكرتيرة ….

                    جميل أن يحرض الأمريكيون على العدالة، ولكن هل العدالة انحصرت في اعتراف امرأة أو إنكارها أنها ارتكبت الزنا مع الرئيس، كفى استهزاءً بالعالم فالعدالة انتهكت في البوسنة وهي تنتهك وتعرقل أعمالها في فلسطين وفي سيريلانكا وفي بورما وفي كشمير وفي روسيا ضد الشيشان. وفي هذه القضية لا أجد أفضل من القول الذي يزعمون أنه منسوب إلى المسيح عليه السلام (من كان منكم بلا خطئية فليرم الزانية بحجر) اللهم احفظنا


                    http://www.madinacenter.com/post.php...RPID=232&LID=9
                    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:41 ص.
                    أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                    والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                    وينصر الله من ينصره

                    تعليق

                    • سيف الكلمة
                      إدارة المنتدى

                      • 13 يون, 2006
                      • 6036
                      • مسلم

                      #11
                      الاستغراب

                      الرد على منتقدي دراسة الغرب


                      يصر البعض على استخدام صورة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال لوصف من يُتهمون بالغفلة؟ وأعتقد أن علماء الحيوان أشاروا إلى أن النعامة مظلومة بهذا الوصف. وليس مهماً أن تكون النعامة مظلومة أو ظالمة. ولكن كيف يمكن أن نصف من يزعمون أن الاستغراب أو دراسة الغرب ما هي إلا صورة كاريكاتورية تضع المفكرين الغربيين في زنازين محكمة وأن الاستشراق الذي نريد أن نواجهه قد انتهى أو قد ضعف و أنه أضعف الفروع المعرفية في الجامعات الغربية منذ بدأ؟

                      كتب علي حرب في جريدة عكاظ (4صفر 1419 ) ينتقد موقف حسن حنفي في كتابه (مقدمة في علم الاستغراب) مختصراً الكتاب كله الذي تتجاوز صفحاته السبعمائة إلى صورة كاريكاتورية كما يأتي: " أين تكمن مهمة المفكر العربي ؟ وما مهمته؟ …بسؤال آخر : هل المهمة أن نقوم بمحاصرة المفكرين الغربيين وأسرهم لتجميعهم في "طوابير" واستعراضهم ،ومن ثم فرزهم إلى مجموعات، ووضع كل مجموعة في "زنزانة" محكمة الإغلاق." ويؤكد الدكتور علي حرب أنه هذه هي الصورة التي خرج بها من قراءة كتاب حسن حنفي ( مقدمة في علم الاستغراب.)

                      فهل حقيقة هذه هي الصورة التي قصدها الدكتور حسن حنفي في كتابه الضخم (مقدمة في علم الاستغراب)؟ يبدو أن بعض المفكرين والكتاب العرب يزعجهم أن يأتي من يقول بقوة وإيمان أننا باستطاعتنا أن ندرس الأمم والشعوب الأخرى كما تدرسنا. لقد طالمنا أخضعَنا الغرب لدراساته في شتى المجالات العقدية والتاريخية واللغوية والأدبية والاجتماعية والثقافية ودُرست أراضينا جغرافياً وجيولوجياً وزراعياً حتى لم يعد صغيرة ولا كبيرة في العالم العربي الإسلامي لم تخضع للدراسة والفحص والتحليل من قبل الباحثين الغربيين. لقد أحصيت ثمانية عشر قسماً بجامعة كاليفورنيا في بيركلي تدرس العالم العربي الإسلامي. هذا بالإضافة إلى الدراسات التي نقوم نحن بها ويفيدون هم منها.

                      لقد طالب الدكتور حسن حنفي أن نأخذ المبادرة لدراسة الغرب ولمعرفته معرفة علمية موثقة ولا ننتظر أن يخبرنا الغرب عن نفسه فقط حتى لا نتحول إلى مجرد متلقين لما يقوله الغرب عن نفسه وعنّا. وقد قدّم حسن حنفي مبرراته لتحولنا من ذات مدروسة إلى ذات دارسة بقوله عن مهمة علم الاستغراب بأنها " فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر الغربي بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس ، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس، مهمته القضاء على الإحساس بالنقص أمام الغرب، لغة وثقافة وعلماً مذاهب ونظريات وآراء مما يخلق فيهم إحساساً بالدونية.."(ص24) ويقول في موضع آخر أن " مهمة علم الاستغراب هو القضاء على المركزية الأوروبية …مهمة هذا العلم الجديد رد ثقافة الغرب إلى حدوده الطبيعية بعد أن انتشر خارج حدوده أبان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته على أجهزة الإعلام وهيمنته على وكالات الأنباء ، ودور النشر الكبرى ، ومراكز الأبحاث العلمية ، والاستخبارات العامة …"

                      وقد تضمن الكتاب دراسات عميقة لتاريخ الفكر الأوروبي مبتدئاً بالحديث على مصادر الفكر الأوروبي وقسمها حنفي إلى مصادر معلنة ومصادر غير معلنة وتوسع حنفي في الحديث عن الإسلام باعتباره أحد مصادر الفكر الأوروبي التي حاول الغرب بإصرار رفض اعتباره أحد مصادر فكرهم حيث يتمسك الأوروبيون بأن مصادر فكرهم هي المصدر اليوناني الروماني والمصدر اليهودي المسيحي بينما هناك مصادر غير معلنة وهي المصدر الشرقي القديم ويقصد حنفي بهذا المصدر الإسلامي والمصادر الشرقية قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم .والمصدر الآخر غير المعلن هو البيئة الأوروبية نفسها.

                      ونقول : إن كان للدكتور حنفي مبرراته القوية في أهمية دراسة الغرب التي لا يمكن أن تكون كما جاءت في الصورة الكاريكاتورية التي وردت في مقالة على حرب العكاظية فإننا ننطلق في أهمية دراسة الغرب من القرآن الكريم الذي عرض لنا عقائد الأمم الأخرى وبخاصة أهل الكتاب من اليهود والنصارى وعقائد المشركين العرب وانعكاس هذه العقائد على السلوك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. إن المسلم من أجل أن يدرك عظمة العقيدة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعرف الانحرافات التي حدثت في عقائد الأمم الأخرى والانحرافات السلوكية المنبثقة عن هذه العقائد. وكيف يولد " ميتاً " علم ينطلق من هذا الأساس وتتبناه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من خلال قسم الاستشراق( القسم الوحيد في العالم الإسلامي) وتنادي به ندوة أصيلة في المغرب من خلال إنشاء معهد الدراسات الأمريكية؟

                      ولا بد من الرد على عبارة علي حرب التي جاء فيها ( أما علم الاستغراب فقد ولد ميتاً ، لأنه تأسس بعقلية نضالية لا ترمي إلى توسيع آفاق المعرفة أو إلى تحديث أدوات الفهم والتفسير) فهذه أحكام قاسية تحتاج إلى دليل وأعرف أن المساحة المتاحة لمقالة علي حرب لا تستوعب مثل هذا التوضيح ولكن هذه هي التعميمات الجزافية التي تعد من مثالب البحث العلمي أو التفكير المنطقي. كيف لعلي حرب أن يزعم أن هذا العلم ولد ميتاً. ألم يعلم أن المسلمين في عصور ازدهارهم اهتموا بعقائد الأمم الأخرى وأسسوا علم الملل والنحل. وكتب في ذلك ابن حزم والبغدادي وابن تيمية وابن قيم الجوزية وغيرهم كثير. ألم يقرأ ما كتبه أسامة بن منقذ في كتابة رسالة الاعتبار التي تعد نموذجاً رائعاً في دراسة الآخر.

                      ثم أين العقلية النضالية فيما كتبه الدكتور حسن حنفي؟ هل في إصراره أن نتحول من ذات مدروسة إلى ذات دارسة. ألم يحضر علي حرب المؤتمرات الغربية حول قضايا العالم الإسلامي التي نظهر فيها كأننا داخل معامل يدرسوننا كما يشاءون ؟ مع الاعتذار عن التعبير- ألم يأن الأوان أن نبدأ في دراستهم؟ ونسأل الدكتور علي حرب ما معنى توسيع آفاق المعرفة وتحديث أدوات الفهم؟ هل ننتظر من الغربيين أن يأذنوا لنا بدراستهم أو نستعير مناهجهم في دراسة الغرب؟

                      وننتقل الآن إلى النقطة الثانية وهي زعم الدكتور علي حرب أن الاستشراق " الذي كان أضعف فروع المعرفة في الغرب هو في طريقه إلى الانقراض..لقد استنفد دوره بقدر ما تأسس على بداهات تقوم على الحجب والاستقصاء ، أما علم الاستغراب فقد ولد عندنا ميتاً لأنه تأسس بعقلية نضالية لا ترمي إلى توسيع آفاق المعرفة أو إلى تحديث أدوات الفهم والتفسير."

                      وأبدأ في تناول موضوع أن الاستشراق كان أضعف فروع المعرفة في الغرب فإلى أي شيء استند علي حرب في هذه المقولة؟ هل زار أقسام الدراسات العربية والإسلامية في الغرب؟ هل اطلع على اللجان الحكومية التي تألفت في بريطانيا وأمريكا واقترحت تقديم الملايين لدعم هذه الدراسات وأنها ضرورية لمصالح الدول الغربية؟ هل زار مكتبات هذه الأقسام وهل اطلع على المؤتمرات والندوات التي عقدتها هذه الأقسام؟ هل اطلع على دائرة المعارف الإسلامية التي كتب فيها مئات المستشرقين واستغرقت ألوف الصفحات في طبعتيها الأولى والثانية؟ هل اطلع على مئات الدوريات والمقالات التي لا تزال تصدر عن أقسام الدراسات العربية والإسلامية؟

                      إن زعم الدكتور علي حرب أن الاستشراق ضعيف وفي طور الانقراض يناقضه ما نرى من نشاطات علمية وفكرية في الغرب حول العالم الإسلامي ومن ذلك أنّ الجمعية الدولية لدراسات آسيا وشمال أفريقيا قد عقدت مؤتمرها الخامس والثلاثين في بودابست بالمجر وحضره أكثر من ألف باحث من أنحاء العالم وقدموا مئات البحوث على مدى ستة أيام وقد تكلف عقد مثل هذا المؤتمر ملايين الدولارات وقد اشتركت مؤسسات مالية غربية وآسيوية في تمويل هذا المؤتمر.

                      وعقد قبل هذا المؤتمر مؤتمر آخر بعنوان ( الإسلام والقرن الواحد والعشرين ) في ليدن بهولندا حضره أكثر من مائتي عالم من أنحاء العالم . ولا بد أن علي حرب يعرف أن رابطة دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة تعقد مؤتمرها السنوي هناك ويحضره ما يزيد على ألف باحث. ولجمعية دراسات الشرق الأوسط في بريطانيا مؤتمر سنوي يحضره المئات من الباحثين من أنحاء العالم.

                      كيف يكون الاستشراق أو الدراسات العربية الإسلامية أو الدراسات الإقليمية أضعف فروع المعرفة وهذه وزارات الخارجية الأوروبية والأمريكية تستعين بالمختصين من هذه الأقسام ومراكز البحوث والمعاهد العلمية في التخطيط لسياساتها حتى كتب أحمد برصان ذات مرة مقالة بعنوان (كيف تصنع الجامعات الأمريكية قرارات وزارة الخارجية والحكومة الأمريكية؟) وهذه الرسائل العلمية تعد بالألوف التي تنجز في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا حول قضايا العالم العربي والإسلامي ويتم تقديم ملخصات علمية لها إلى المسؤولين في الحكومات الغربية ويتم الإفادة من البحوث التي تقدم معلومات استراتيجية مهمة حول قضايانا.

                      كيف يكون الاستشراق أضعف فروع المعرفة في الغرب وهذه مكتبة الكونجرس تحصل على كل مطبوعة تظهر في العالم العربي الإسلامي حيث ينتشر مندوبو المكتبة في أنحاء العالم. ويعرف علي حرب وغيره أن المندوب يحصل على بعض المطبوعات أحياناً من المطابع قبل أن تصل إلى أيدي القراء. وبعد الاطلاع على ثلاثة نسخ من كل كتاب أو دورية يقرر المختصون الحصول على عشرة نسخ أو أكثر من المطبوعة أو الكتاب. وأحياناً إذا لم يتوفر الكتاب في المكتبات اتصلوا بالمؤلف للحصول على النسخ التي يريدون.

                      وكيف يكون الاستشراق أضعف فروع المعرفة ومراكز البحوث الغربية تنتشر في العالم الإسلامي وأذكر منها مراكز الدراسات الأمريكية في القاهرة وفي المغرب وفي تونس وفي اليمن. وهناك مراكز بحوث ألمانية في مصر ومركز بحوث هولندي في مصر ومراكز بحوث فرنسية منتشرة في أنحاء العالم العربي الإسلامي. أليست هذه المراكز امتداداً للدراسات الاستشراقية أو هي فرع معرفي جديد؟ ويعرف الدكتور علي حرب أن الجامعة الأمريكية في بيروت وفي القاهرة وفي تركيا إنما هي مراكز استشراقية،وتقوم بجهود علمية كبيرة في استمرار الفكر الاستشراقي وفي التأثير في الاتجاهات الفكرية في البلاد التي توجد فيها وفيما حولها.

                      كيف يكون الاستشراق كما تقول وقد استضافت الجامعات الأمريكية والأوروبية العشرات أو المئات من الباحثين العرب والمسلمين وقدمت المناصب وفرص البحث لأمثال صادق جلال العظم ونصر حامد أبو زيد وعزيز العظمة، وفؤاد عجمي، وفضلو الرحمن، وغيرهم كثير، كما دعت البعض للعمل أساتذة زائرين في الجامعات الغربية؟

                      لقد دعي كاتب هذه السطور إلى زيارة العديد من الجامعات الأمريكية والمعاهد العلمية ومراكز البحوث التي تهتم بدراسة العالم الإسلامي فوجد أن هذه الجامعات ومراكز البحوث في ازدهار مستمر وأن الأساتذة يقومون بمئات أو آلاف البحوث وينشرون الكتب ويحضرون المؤتمرات وبينهم من التنسيق – بين أوروبا وأمريكا- أكثر مما بين الجامعات العربية الإسلامية وأحيانا الجامعات العربية في بلد واحد. إننا بحاجة إلى مزيد من الوعي لما يجري حولنا حتى لا نطلق الأحكام الجزافية على ما لا نعرف.

                      التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:41 ص.
                      أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                      والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                      وينصر الله من ينصره

                      تعليق

                      • سيف الكلمة
                        إدارة المنتدى

                        • 13 يون, 2006
                        • 6036
                        • مسلم

                        #12
                        الاستغراب

                        وَحدة دراسات العالم الغربي والدراسات الإقليمية


                        مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية
                        وَحْدة دراسات العالم الغربي والدراسات الإقليمية
                        بإشراف الدكتور مازن مطبقاني


                        العنوان البريدي: ص ب 51049، الرياض 11543.
                        هاتف 2255-465(1)966 وتحويلة 6323، فاكس 9993-465
                        البريد الإلكتروني [email protected]


                        قسم الاستغراب
                        تعريف:

                        أنشئ مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في عام 1403هـ/1983م، وهو أحد أجهزة مؤسسة الملك فيصل الخيرية بهدف خدمة الحضارة الإسلامية ودعم البحوث العلمية والنشاطات المختلفة وذلك عبر أنشطة أقسام المركز ووحداته المختلفة. وتمشياً مع أهدافه قام المركز في سنة 1426هـ/2005م بتأسيس وَحْدة دراسات العلام الغربي (يشمل أوروبا والأمريكيتين) إدراكاً منه بأهمية مثل هذه الوَحدة المتخصصة في ترقية وتنشيط العلاقات المتبادلة بين العالم العربي الإسلامي من جهة والعالم الغربي من جهة أخرى:
                        أهداف الوحدة:
                        - تأسيس قاعدة معلومات متخصصة عن العالم الغربي تغطي ما نشر عنه في وسائط المعلومات المختلفة في شتى المجالات: الحضارية والثقافية والفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
                        - إعداد البحوث والدراسات المتعلقة بالعالم الغربي
                        - تشجيع الباحثين والدارسين من العربي والمسلمين على التخصص في مجالات الدراسات الغربية.
                        - الإسهام في تنمية الوعي العربي الإسلامي وتنويره بما يدور في العالم الغربي من خلال فعاليات ونشاطات الوحدة المختلفة.
                        - تطوير أدوات الاتصال بالعالم الغربي وفتح مجالات الحوار الأكاديمي المباشر معه من خلال الندوات والمحاضرات وغيرها.
                        - استثمار الطاقات العلمية العربية المهتمة والمتخصصة في دراسات الغرب وعلومه وتوظيفها والعمل على تأسيس رابطة علمية تجمعهم لإثراء الجانب المعرفي بما يخدم الصالح العربي الإسلامي.
                        النشاطات
                        في سبيل تحقيق الوَحدة أهدافها تقوم بالنشاطات الآتية:
                        أولاً:البحوث والدراسات:
                        تقوم بإعداد البحوث والدراسات المتعلقة بالعالم الغربي.
                        ثانياً: النشر
                        تخطط الوَحدة لإصدار المطبوعات الآتية:
                        - سلسلة دراسات العالم الغربي: تهتم هذه السلسلة بنشر الكتب العلمية في الموضوعات ذات العلاقة بالعالم الغربي
                        - مجلة دراسات العالم الغربي: وهي مجلة علمية (فصلية) محكّمة، متخصصة في البحوث والدراسات المتعلقة بالعالم الغربي
                        - سلسلة الكتب المترجمة: تهتم هذه السلسلة بنشر الكتب العلمية المترجمة من اللغات الأخرى في الموضوعات ذات العلاقة بالعالم الغربي.
                        ثالثاً: المؤتمرات والندوات والمحاضرات
                        في إطار تقديم الموضوعات والقضايا المتعلقة بالعالم الغربي ومناقشتها فإن الوَحدة تقوم بتنظيم المؤتمرات والندوات والمحاضرات وإقامة المعارض ذات العلاقة.


                        التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:40 ص.
                        أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                        والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                        وينصر الله من ينصره

                        تعليق

                        • سيف الكلمة
                          إدارة المنتدى

                          • 13 يون, 2006
                          • 6036
                          • مسلم

                          #13
                          الاستغراب

                          متى ينشأ علم الاستغراب؟؟
                          متى ينشأ علم الاستغراب؟
                          بقلم د.مازن صلاح مطبقاني

                          وَحدة دراسات العالم الغربي
                          بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية





                          الاستغراب يمكن تعريفه باختصار أنه العلم الذي يهتم بدراسة الغرب (أوروبا وأمريكا) من جميع النواحي العقدية، والتشريعية، والتاريخية، والجغرافية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية ..الخ. وهذا المجال لم يصبح بعدُ علماً مستقلاً، ولكن لا بد أن نصل يوماً إلى المستوى الذي تنشأ فيه لدينا أقسام علمية تدرس الغرب دراسة علمية ميدانية تخصصية في المجالات العقدية والفكرية والتاريخية والاقتصادية والسياسية.

                          ولعل سائلاً يتساءل: لماذا ندرس الغرب؟ وكيف لنا أن ندرس هذا العالم الذي سبقنا بمراحل عديدة أو بعدة قرون؟ الأمر ليس صعباً أو مستحيلاً؛ فإننا إذا رجعنا إلى بداية الدعوة الإسلامية وجدنا أن المسلمين الأوائل حينما خرجوا لنشر الدعوة الإسلامية في العالم كانوا على معرفة بعقائد وعادات وتقاليد الأمم الأخرى، وكانوا يعرفونها سياسياً واقتصادياً وجغرافياً.
                          ولذلك فإن المسلمين الأوائل لم يجدوا صعوبة في تعرُّف على الشعوب الأخرى والتفاعل معها وأخذ ما يفيدهم مما لدى الأمم الأخرى من وسائل المدنيّة، إذ أخذوا الديوان والبريد وبعض الصناعات المهمة مثل صناعة الورق (الكاغد) التي طورّها المسلمون حتى أصبحت صناعة إسلامية.
                          وقد تجددت الدعوة لدراسة الغرب في منتصف هذا القرن في أحد مؤتمرات المستشرقين الدولية، فقد أشار رودي بارت في كتابه المهم (الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الألمانية) (ص15) إلى أهمية أن يتوجه العالم الإسلامي لدراسة الغرب أسوة بما يفعله الغرب في دراساته للعالم الإسلامي. وقد تناول هذا الموضوع الدكتور السيد محمد الشاهد، ثم ظهر كتاب الدكتور حسن حنفي (مقدمة في علم الاستغراب)، وإنني أحب أن أقتطف منه عبارة عن أهداف دراسة الغرب جـاء فيها أن من أهـداف دراسة الغرب: "فك عقدة النقص التاريخية في علاقة الأنا بالآخر، والقضاء على مركب العظمة لدى الآخر بتحويله من ذات دارس إلى موضوع مدروس، والقضاء على مركب النقص لدى الأنا بتحويله من موضوع مدروس إلى ذات دارس…"
                          كيف ندرس الغرب؟ لا بد من التخطيط الفعّال في هذه القضية إن أردنا أن ننجح حقاً في معرفة الغرب والإفادة من المعطيات الإيجابية للحضارة الغربية. ويحتاج هذا الأمر إلى عشرات اللجان في العديد من الجامعات العربية والإسلامية لوضع الخطط اللازمة لهذه الدراسات. ولكن حتى يتم ذلك لا بد من التفكير في الطريقة المثلى لهذه الدراسات.
                          وبعد البدء في برامج اللغات العربية استعانت الجامعات الأمريكية بعدد من أساتذة الجامعات البريطانيين بخاصة، والأوروبيين بعامة، لتدريس الاستشراق في الجامعات الأمريكية، كما بدأت الاستعانة ببعض أبناء المنطقة لإنشاء أقسام دراسات الشرق الأدنى، كما فعلت جامعة برنستون حينما كلّفت فيليب حِتّي لإنشاء القسم في الجامعة. ثم بدأ التعاون بين أقسام دراسات الشرق الأوسط والمؤسسات العلمية الأخرى مثل مؤسسة الدراسات الاجتماعية والإنسانية وغيرها من المؤسسات العلمية والأكاديمية.
                          وفي العالم الإسلامي يكاد لا ينقصنا دراسة اللغات الأوروبية، ولكننا بحاجة إلى من يتعلم هذه اللغات ليصل إلى مستوى رفيع في التمكن من هذه اللغات، وبالتالي الدراسة في الجامعات الغربية والتركيز في قضايا الغرب وليس دراسة موضوعات تخص العالم الإسلامي. كما أننا بحاجة إلى من يتعمق في علم الاجتماع الغربي ليعرف مجتمعاتهم كأنه واحد منهم. ولم تعد هذه المسألة صعبة؛ فإن في الغرب اليوم كثيراً من المسلمين من أصول أوروبية وأمريكية يستطيعون تعرف بيئاتهم معرفة حقيقية ولا يعوقهم شيء في التوصل إلى المعلومات التي يرغبون في الحصول عليها. ولا بد من التأكيد على أن دراستنا الغرب يجب أن تستفيد من البلاد التي سبقتنا في هذا المجال، ومن ذلك أن عدداً من البلاد الأوروبية قد أنشأت معاهد للدراسات الأمريكية، فهناك معهد الدراسات الأمريكية التابع لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن.

                          ودراستنا الغرب لا شك ستختلف عن دراسة الغرب لنا، ذلك أن الغرب بدأ الاستشراق فيه منطلقاً من توجيهات وأوامر البابوات لمعرفة سر قوة المسلمين وانتشار الإسلام في البلاد التي كانت خاضعة للنصرانية. وكان القصد ليس فقط معرفة الإسلام والمسلمين، ولكن كانت أيضاً لهدفين آخرين: أحدهما تنفير النصارى من الإسلام، والثاني إعداد بعض رجال الكنيسة للقيام بالتنصير في البلاد الإسلامية.
                          أما نحن فحين نريد دراسة الغرب ومؤسساته وهيئاته فأولاً نحن بحاجة للأخذ بأسباب القوة المادية التي وصلوا إليها، أليس في كتابنا الكريم ما يؤكد هذا{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}(الأنفال 60)

                          والأمر الآخر أننا حين ندرس الغرب فليس لدينا تطلعات استعمارية، فما كان المسلمون يوماً استعماريين. ولكننا نريد أن نحمي مصالحنا ونفهم طريقة عمل الشركات المتعددة الجنسيات التي ابتدعها الغرب وأصبحت أقوى نفوذاً من كثير من الحكومات.

                          والأمر الثالث وهو أمر له أهميته الخاصة، أن هذه الأمة هي أمة الدعوة والشهادة؛ فإن كان الأنبياء قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كانوا يُكَلّفون بدعوة أقوامهم بينما الدعوة الإسلامية موجهة إلى العالم أجمع، وقد كلّف المسلمون جميعاً بحمل هذه الأمانة قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعن، وجاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فبلغها إلى من لم يسمعها؛ فربّ مُبَلّغٍ أوعى من سامع أو رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). ونحن أمة الشهادة فكيف لنا أن نشهد على الناس دون أن نعرفهم المعرفة الحقيقية؟!

                          ولن يكون علم الاستغراب لتشويه صورة الغرب في نظر العالم، ذلك أننا ننطلق من قوله تعالى {ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله}، ولنا أسوة في ذلك بما ورد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه في وصف الروم بقوله: "إنّ فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك".

                          فمتى ينشأ علم الاستغراب؟!
                          التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:40 ص.
                          أصدق وعد الله وأكذب توازنات القوى
                          والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضـة
                          وينصر الله من ينصره

                          تعليق

                          • مازن الشامي
                            0- عضو حديث

                            • 6 ديس, 2014
                            • 6
                            • مدير
                            • مسلم

                            #14
                            رد: الإستغراب أو التغريب

                            شكرا لكم
                            التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 6 نوف, 2020, 05:39 ص.

                            تعليق

                            مواضيع ذات صلة

                            تقليص

                            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                            ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 4 أسابيع
                            ردود 7
                            23 مشاهدات
                            0 معجبون
                            آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                            بواسطة *اسلامي عزي*
                            ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 19 يول, 2024, 02:38 ص
                            ردود 7
                            33 مشاهدات
                            0 معجبون
                            آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                            بواسطة *اسلامي عزي*
                            ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 19 يول, 2024, 02:11 ص
                            ردود 4
                            18 مشاهدات
                            0 معجبون
                            آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                            بواسطة *اسلامي عزي*
                            ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 17 يول, 2024, 03:37 م
                            ردود 5
                            40 مشاهدات
                            0 معجبون
                            آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                            بواسطة *اسلامي عزي*
                            ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 3 يول, 2024, 10:36 م
                            ردود 5
                            41 مشاهدات
                            0 معجبون
                            آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                            بواسطة *اسلامي عزي*
                            يعمل...