(موضوع منقول) موضوع خطير أبلغ به نفسى و الجميع

تقليص

عن الكاتب

تقليص

abdo74 مسلم اكتشف المزيد حول abdo74
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • abdo74
    1- عضو جديد
    • 30 سبت, 2010
    • 93
    • مهندس
    • مسلم

    (موضوع منقول) موضوع خطير أبلغ به نفسى و الجميع


    ملف كاميليا شحاتة: تعذيب وغسيل مخ

    مَلَفّ المُسْلِمَة الأسِيرَة كَامِيلْيَا
    كَامِيلْيَا؛ رِسَالَةٌ مِنَ الله إلَيْنَا: أنْ أفِيقُوا قَبْلَ يَوْمٍ لا يَنْفَعُ فِيهِ النَّدَم

    انْظُر كَيْفَ تُعَذَّب أُخْتِنَا كَامِيلْيَا المُسْلِمَة دَاخِل الدَّيْر؛ واسْتَنْبِط مَعَنَا قُوَّة إيِمَانهَا، ثُمَّ قَرِّر مَوْقِفكَ

    مَلَفَّات مُكَمِّلَة للمَوْضُوع؛ ضَرُورِيَّة وغَايَة في الأهَمِّيَّة

    تَفَاصِيل غَسِيل المُخّ للفَرْدِ والجُمْهُور
    http://www.4shared.com/document/PbuYKGvd/_2_online.html

    بالصُّوَر: وَسَائِل التَّعْذِيب دَاخِل الكَنِسيَة
    http://www.4shared.com/document/Unf038fi/___.html

    التَّقْرِير الرَّهِيب: مُخَطَّطَات الكَنِيسَة ضِدّ المُسْلِمِين
    http://sites.google.com/site/hedaiya/home-1/booklibrary-1/specialbooks#kazaef

    اقْرَأ أيْضَاً: كُتُب الدُّكْتُورَة زَيْنَب عَبْد العَزِيز في فَضْحِ مُخَطَّطَات النَّصَارَى ضِدّ الإسْلام
    http://sites.google.com/site/hedaiya/home-1/booklibrary-1/specialbooks


    بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيم


    الأحِبَّةُ في الله


    السَّلامُ عَلَيْكُم ورَحْمَةُ الله وبَرَكَاتُه

    بَعْضُ النَّاس قَدْ لا يَتَعَاطَف مَعْ مَوْقِفٍ مِثْل مَوْقِف أخْتنَا كَامِيلْيَا أو غَيْرهَا مِنَ النِّسَاءِ المُسْلِمَات الأسِيرَات لمُجَرَّدِ عَدَم مَعْرِفَته لِمَا يَحْدُث لَهُنّ دَاخِل الأدْيِرَة، ويَتَخَيَّل – أو رُبَّمَا يُصَدِّق – أنَّهُنَّ يُعَامَلْنَ مُعَامَلَة كَرِيمَة، ولا يَتَعَرَّضْنَ لأيِّ أذَى، وأنَّ الأمْرَ لا يَخْرُج عَنْ كَوْنِهِ احْتِجَاز لعَرْضِ النَّصْرَانِيَّة عَلَيْهِنّ ومُرَاجَعَتِهِنَّ في قَرَارِهِنّ، وهذا وَهْمٌ إنْ تَوَهَّمْتهُ مِنْ نَفْسِك، وكَذِب إنْ قَالَهُ أحَد لَكَ سَوَاء كَانَ مُسْلِمَاً أو مُنْتَسِبَاً إلى النَّصْرَانِيَّة، لأنَّ حَقِيقَة الأمْر غَيْر ذَلِكَ تَمَامَاً، وذَلِكَ باعْتِرَافِ القَسَاوِسَة والرُّهْبَان أنْفُسهم قَبْلَ أيّ شَيْء.
    إنَّ أُخْتَنَا كَامِيلْيَا – حَفِظَهَا الله وثَبَّتَهَا هي ومَثِيلاتِهَا؛ ورَزَقَهُنَّ الشَّهَادَة أو أعَادَهُنَّ إلَيْنَا سَالِمَات بإذْنِهِ؛ إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ والقَادِرُ عَلَيْهِ – تَتَعَرَّض الآن لعَمَلِيَّة (غَسِيل غَسِيل المُخّ)، وهذا لَفْظ مَا صَرَّحَ بِهِ الأنْبَا أغَابْيُوس، فَهُوَ يَدَّعِي كَذِبَاً أنَّ المُسْلِمِينَ قَدْ قَامُوا بعَمَلِيَّةِ (غَسِيل مُخّ) لكَامِيلْيَا كي تَتْرُكَ دِينهَا، وهُمْ الآن – أي في الكَنِيسَة – يَقُومُونَ بعَمَلِيَّةِ غَسِيلٍ مِنَ الغَسِيل، وحَسْبُنَا الله ونِعْمَ الوَكِيل، ولَقَدْ أرَدْنَا في هذا المَقَام أنْ نَتَنَاوَل القَضِيَّة مِنْ هذا المَنْظُور، لِذَا اخْتَرْنَا العُنْوَان (انْظُر) لأنَّنَا نُرِيد مَنْ يَقْرَأ وكَأنَّهُ يَنْظُر إلَيْهَا وهي تُعَذَّب ويَرَى ويَسْتَشْعِر ماذا يُفْعَل بِهَا، ليَسْتَفِيق مَنْ تَمْلَؤهُ أوْهَام المَحَبَّة والأُخُوَّة الزَّائِفَة؛ وليَعْرِف مَنْ لا يَعْرِف ماذا يَفْعَل مُدَّعُوا المُحَبَّة بنِسَاءِ المُسْلِمِين إذا وَقَعُوا في أيْدِيهِم، لَرُبَّمَا تَحَرَّكَت في أنْفُسِنَا غَيْرَة المُسْلِمِين لنُنْقِذ أخَوَاتنَا المُسْلِمَات.

    نَبْدَأ أوَّلاً بتَعْرِيفِ عَمَلِيَّة غَسِيل المُخ وكَيْفَ تَتِمّ

    عَمَلِيَّة غَسِيل المُخّ وإنْ كَانَت قَدِيمَة, فَإنَّ أُسُسَهَا العِلْمِيَّة لَمْ تَتَّضِح إلاَّ في أوَائِلِ الثَّلاثِينَات مِنَ القَرْنِ العِشْرِين، حَيْثُ بَدَأت الخُطْوَة الأُولَى عَلَى مُخِّ الحَيَوَانَات في مَعْمَلِ العَالِم الرُّوسِي الشَّهِير بافلوف (1849-1936).
    أمَّا بالنِّسْبَةِ للإنْسَان؛ فَقَدْ اسْتَنَدَت عَمَلِيَّة غَسِيل المُخّ عَلَى الحَقِيقَةِ العِلْمِيَّة التي تَقُول أنَّ الإنْسَان عِنْدَمَا يَتَعَرَّض إلى ظُرُوفٍ قَاهِرَة وصَعْبَة تُصْبِح خَلايَا مُخّه شِبْه مَشْلُولَة عَنْ العَمَلِ والمُقَاوَمَة، بَلْ قَدْ تُصْبِح عَاجِزَة عَنْ الاحْتِفَاظِ بِمَا اخْتَزَنَهُ مِنْ عَادَات، لدَرَجَةِ أنَّ مُقَاوَمَتهَا للأذَى والتَّهْدِيد الوَاقِع عَلَيْهَا قَدْ يَنْقَلِب إلى تَقَبُّلٍ أشَدّ واسْتِسْلامٍ أسْرَع للإيِحَاءِ ولعَادَاتٍ جَدِيدَةٍ أُخْرَى وانْعِكَاسَاتٍ غَرِيبَةٍ قَدْ يَتَصَادَف حُدُوثهَا في تِلْكَ اللَّحْظَة.
    وعَمَلِيَّة غَسِيل المُخّ عَادَةً تَبْدَأ بفِكْرَة إحْيَاء شَيء، وبالطَّبْع ليَتِمّ إحْيَاء هذا الشَّيْء يَجِب إقْنَاع المُسْتَمِع أوَّلاً أنَّهُ مَات، وأيّ دِرَاسَة لعِلْمِ غَسِيل المُخّ يَجِب أنْ تَبْدَأ بدِرَاسَةِ إحْيَاء المَسِيحِيَّة في أمْرِيكَا في القَرْنِ الثَّامِن عَشر، فهُنَاكَ شَخْص يُدْعَى جُونَاثاَن إدْوَارْدِز إكْتَشَفَ الطَّرِيقَة بالصُّدْفَةِ أثْنَاء قِيَامه بحَمْلَةٍ تَبْشِيرِيَّةٍ عَام 1735 بمَدِينَةِ نُورْثَامْبتُون بوِلايَةِ مَاسَاشُوسْتِس، فَقَدْ اكْتَشَفَ إدْوَارْدِز أنَّهُ يُمْكِنهُ فَرْض عُقْدَة الذَّنْب والخَوْف الشَّدِيد والتَّوَتُّر عَلَى مُسْتَمِعِيهِ عَنْ طَرِيقِ خُطَبِه، وأنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّى إلى انْهِيَارِ المُسْتَمِع – المُذْنِب - تَمَامَاً واسْتِسْلامِهِ لَهُ، وحَقِيقَةً مَا كَانَ يَعْمَلهُ (مِنَ النَّاحِيَةِ الفَنِّيَّة) أنَّهُ كَانَ يَخْلِق حَالَة تُؤَدِّى إلى مَسْحِ مَا في عُقُولِ مُسْتَمِعِيه، وبذَلِكَ تَكُون جَاهِزَة لإعَادَةِ بَرْمَجَتهَا، إلاَّ أنَّ الخَطَأ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ هُوَ أنَّ رِسَالَتَهُ كَانَت سَلْبِيَّة، فَقَدْ كَانَ يَقُول لَهُم (أنْتَ مُذْنِب؛ ومَصِيركَ إلى الجَحِيم)، فَكَانَت النَّتِيجَة أنَّ أحَدَ مُسْتَمِعِيه انْتَحَر وقَامَ آخَر بمُحَاوَلَةٍ للانْتِحَار، وقَدْ أدَّت الأبْحَاث بَعْدَ ذَلِكَ لنَتِيجَةٍ أنَّهُ بمُجَرَّدِ انْتِهَاء المُبَشِّر أو القَائِم بعَمَلِيَّةِ غَسِيل المُخّ مِنْ عَمَلِيَّةِ المَسْح أو تَنْظِيف المُخّ؛ فَإنَّ الضَّحِيَّة يُصْبِح جَاهِزَاً لتَقَبُّل أيّ اقْتِرَاحَات أو أفْكَار جَدِيدَة لتَحِلّ مَحَلّ الأفْكَار القَدِيمَة بدُونِ أي مُقَاوَمَة؛ حتى ولَوْ كَانَت مُنَافِيَة للمَنْطِقِ أو للمُعْتَقَدَاتِ الأصْلِيَّة للضَّحِيَّة.
    وقَدْ اسْتَخْدَمَ مُبَشِّر آخَر يُدْعَى تشَارْلِز فِينِي نَفْس الطَّرِيقَة بَعْدَ ذَلِكَ بأرْبَعِ سَنَوَات في نيُويُورْك، ومَا زَالَت الطَّرِيقَة مُسْتَخْدَمَة حتى يَوْمنَا هذا مِنَ المُبَشِّرِين والطَّوَائِف والجَمَاعَات الدِّينِيَّة وبَعْض مُسْتَقْطِبِي المُسْتَثْمِرِين وعِصَابَات الجَرِيمَة المُنَظَّمَة والقُوَّات المُسَلَّحَة في مُعْظَمِ دُوَل العَالَم بِمَا فِيهَا الوِلايَات المُتَّحِدَة، فَكُلّ مَا حَدَثَ هُوَ أنَّ إدْوَارْدِز اكْتَشَفَ الطَّرِيقَة ونَقَلَهَا مِنْهُ الآخَرِين، ثُمَّ تَمَّ تَطْوِيرهَا عَلَى مَدَى 200 سَنَة، وهذا يُفَسِّر الزِّيَادَة في التَّشَدُّدِ والتَّعَصُّب المَسِيحِي وخَاصَّةً المُوَجَّه عَنْ طَرِيقِ التِّلِيفِزْيُون، بَيْنَمَا تَرَاجَعَت مُعْظَم المَذَاهِب المُعْتَدِلَة والمَألُوفَة.
    وتَصِف المَوْسُوعَة البِرِيطَانِيَّة عَمَلِيَّة غَسِيل المُخّ بأنَّهَا [ تِقْنِيَة تَرْتَكِز عَلَى مَجْمُوعَةٍ مُرَكَّبَةٍ مِنَ المُؤَثِّرَاتِ النَّفْسِيَّة، تُسْتَخْدَم عَلَى المُسْتَوَى الفَرْدِي، وتُسَمَّى عِلْمِيَّاً (التَّفْكِيك النَّفْسِي) ]، وتَعْتَمِد أسَاسَاً عَلَى إنْهَاكِ القُوَى النَّفْسِيَّة والعَقْلِيَّة للشَّخْص، عَبْرَ عَمَلِيَّات تَتَضَمَّن الحِرْمَان مِنَ النَّوْمِ والعَزْل عَنْ المُؤَثِّرَات الحِسِّيَّة التي تُسَاعِد الإنْسَان عَلَى مُرَاقَبَةِ مُرُور الزَّمَن - مِثْل شُرُوق الشَّمْس وغُرُوبهَا - وتَمْيِيز الأشْخَاص والأمْكِنَة والهَوِيَّات وغَيْرهَا، ولَعَلَّ الصُّورَ المَأثُورَة عَنْ عَمَلِيَّاتِ التَّعْذِيب في الحَرْبِ العَالَمِيَّة الثَّانِيَة - وخُصُوصَاً أثْنَاء الحَرْب البَارِدَة التي تَلَتْهَا - تُشِير إلى المُسْتَوَى المَطْلُوب مِنَ الإنْهَاك، فَفِي تِلْكَ الصُّوَر هُنَاكَ الحَبْس الانْفِرَادِي في غُرَفٍ مَعْزُولَةٍ عَنْ العَالَمِ الخَارِجِي، فَلا تَصِلهَا الشَّمْس ولا الأصْوَات ولا الرَّوَائِح وغَيْرهَا، وهُنَاكَ أيْضَاً الصُّوَر الشَّهِيرَة للتَّعْذِيبِ بنِقَاطِ المَاء المُتَسَاقِطَة ببُطْءٍ وثَبَاتٍ مِنْ صُنْبُورٍ عَلَى رَأسِ المَسْجُون، بحَيْثُ تَخْتَلّ عِلاقَته مَعَ أحَاسِيسِهِ، إذْ يُصْبِح لقَطْرَةِ المَاء إيِقَاع مَطْرَقَة ثَقِيلَة، وبَعْدَ الضَّيَاع الحِسِّي تَأتِي عَمَلِيَّات الإقْنَاع والإرْغَام والتَّلاعُب بالأفْكَار والخَيَال والذِّكْرَيَات وغَيْرهَا بِمَا يُشْبِه إعَادَة بَرْمَجَة لدِمَاغِ المَرْء، بحَيْثُ تَنْتَفِي قُدْرَته عَلَى التَّفْكِيرِ الذَّاتِي المُسْتَقِلّ، وخُصُوصَاً قُدْرَته عَلَى الحُكْمِ عَلَى مَا يَصِل إلَيْهِ مِنْ أفْكَارٍ ونَقْدهَا، فَيُصْبِح مُتَلَقِّيَاً سَلْبِيَّاً بصُورَةٍ كُلِّيَّة، فَتُمْلَى عَلَيْهِ أفْكَار وتَصَوُّرَات بحَسْبِ إرَادَة مَنْ يَتَوَلَّى غَسْل دِمَاغه، وفي هذا السِّيَاق، أشَارَ الكَاتِب الدُّكْتُور أحْمَد خَالِد تَوْفِيق إلى أنَّ [ للمُصْطَلَح أُصُولاً في الثَّقَافَةِ الصِّينِيَّة والفَلْسَفَة المَاوِيَّة ويُطْلَق عَلَيْهِ (غَسِيل القَلْب)، ولذا، دَأبَ النِّظَام المَاوِي في الصِّين في خَمْسِينَاتِ القَرْن العِشْرِين وسِتِّينَاته عَلَى الإشاَرَةِ إلى تِلْكَ العَمَلِيَّة باسْمٍ أنِيق هُوَ (إعَادَة صَوْغ الأفْكَار) واسْتُعْمِلَ التَّعْبِير بكَثْرَةٍ أثْنَاءَ مَا سُمِّيَ بـ (الثَّوْرَة الثَّقَافِيَّة)، ويَتَحَتَّم عَلَى مَنْ يُرِيد أنْ يُخْضِع مُخّ أحدهم لـ (الغَسِيل) أنْ يَصِلَ بِهِ إلى حَالٍ مِنَ الإرْهَاقِ؛ مِنَ طَرِيقِ الخَوْف أو التَّعَب أو السَّهَر أو الجُوع؛ قَبْل بَدْء العَمَل ]، وأضَافَ [ خَيْر مِثَال عَلَى ذَلِكَ هُوَ مُمَارَسَة رَجُل المَبَاحِث (الشُّرْطَة) لكُلِّ أنْوَاع الضُّغُوط العَقْلِيَّة عَلَى رَجُلٍ بَرِيء إلى دَرَجَةٍ تَصِل بِهِ إلى الاعْتِرَافِ بارْتِكَابِ جَرِيمَة لَمْ يَرْتَكِبهَا ].

    ثَانِيَاً: مَرَاحِل غَسِيل المُخّ

    بالرَّغْمِ مِنْ أنَّ المَسِيحِيِّين هُمْ أوَّل مَنْ اكْتَشَفُوا غَسِيل المُخّ؛ فَقَدْ قَامَ بتَفْسِيرِهِ عَالِم رُوسِي يُدْعَى بافلوف، وقَدْ بَدَأ عَمَلهُ في بِدَايَةِ القَرْن العِشْرِين بعَمَلِ تَجَارُبٍ عَلَى الحَيَوَانَات ثُمَّ قَامَ بعَمَلِ تَجَارُبٍ عَلَى الإنْسَان، وبَعْدَ الثَّوْرَة الرُّوسِيَّة أدْرَكَ لِينِين فَاعِلِيَّة هذه الطَّرِيقَة فَاسْتَخْدَمَهَا للوُصُولِ إلى أهْدَافِه، وقَدْ اكْتَشَفَ بافلوف أنَّ عَمَلِيَّة غَسِيل المُخّ تَتَقَدَّم عَلَى ثَلاثَةِ مَرَاحِل:
    - الأُولَى سَمَّاهَا مَرْحَلَة التَّكَافُؤ Equivalent Phase: وفِيهَا يَكُون رَدّ فِعْل العَقْل مُتَسَاوِي لكُلٍّ مِنَ الإثَارَةِ الضَّعِيفَة والإثَارَةِ الشَّدِيدَة، ويُطْلَق عَلَيْهَا مَرْحَلَة التَّذْوِيب: ويُقْصَد بِهَا تَفْرِيغ مَا لَدَى الفَرْد المُسْتَهْدَف مِنْ أفْكَارٍ ومُعْتَقَدَات، باسْتِخْدَامِ وَسَائِل وأسَالِيب تَصِل بِهِ إلى حَالَةٍ مِنَ الخَوْفِ والهَلَع، وبالتَّالِي وَضْعه في حَالَةٍ مِنَ (التَّمَزُّق أو التَّفْكِيك النَّفْسِي).
    - الثَّانِيَة هي مَرْحَلَة التَّنَاقُض الظَّاهِر Paradoxical Phase: وفِيهَا يَكُون رَدّ فِعْل العَقْل شَدِيد لأنْوَاعِ الإثَارَة الضَّعِيفَة، وضَعِيف لأنْوَاعِ الإثَارَة القَوِيَّة، ويُطْلَق عَلَيْهَا مَرْحَلَة التَّغْيِير: ويُقْصَد بِهَا تَغْذِيَة الفَرْد المُسْتَهْدَف بالأفْكَارِ والمَعْلُومَات والاتِّجَاهَات، مِنْ خِلالِ الدُّرُوس الفَرْدِيَّة والجَمَاعِيَّة، مِنْ أجْلِ إعَادَة تَشْكِيل فِكْره وسُلُوكه واتِّجَاهَاته.
    - الثَّالِثَة هي مَرْحَلَة مَا فَوْقَ التَّنَاقُض الظَّاهِر Ultra-paradoxical Phase: وفِيهَا يَتَقَلَّب سُلُوك ورَدّ فِعْل الشَّخْص مِنْ إيِجَابِي إلى سَلْبِي، أو مِنْ سَلْبِي إلى إيِجَابِي، ويُطْلَق عَلَيْهَا مَرْحَلَة التَّثْبِيت: ويُقْصَد بِهَا مُتَابَعَة جَمِيع الإجْرَاءَات الكَفِيلَة بالمُحَافَظَةِ عَلَى مُسْتَوَى التَّغْيِير الَّذِي حَصَل عِنْدَ الفَرْد المَعْنِيّ ومُسْتَوَى تَقَبُّله لهذا التَّغْيِير، وتَتَرَاوَح المُتَابَعَة بَيْنَ التَّرْهِيب والتَّرْغِيب أو بَيْنَ الثَّوَاب والعِقَاب، ويَجْرِي ذَلِكَ في ضَوْءِ مَدَى التَّقَدُّم الَّذِي يَحْصُل في مُسْتَوَى تَقَبُّل الفَرْد للأفْكَارِ والسُّلُوكِ والاتِّجَاهَاتِ الجَدِيدَة أو مُسْتَوَى رَفْضـه لَهَا وإصْرَاره للعَوْدَةِ إلى مَخْزُونِهِ المَاضِي.
    ومَعَ التَّطَوُّرِ مِنْ مَرْحَلَةٍ إلى أُخْرَى يَتِمّ اسْتِكْمَال عَمَلِيَّة التَّحَوُّل Conversion وتَتَأكَّد سَيْطَرَة المُبَشِّر أو المُعَذِّب عَلَى ضَحِيَّتِه.
    ويُوجَد طُرُق عَدِيدَة لتَحْقِيقِ التَّحَوُّل، ولكِنَّ الخُطْوَة الأُولَى لعَمَلِ غَسِيل المُخّ الدِّينِي أو السِّيَاسِي تَبْدَأ بالتَّأثِيرِ عَلَى عَاطِفَةِ الشَّخْص أو المَجْمُوعَة حتى يَصِلُوا إلى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ الغَضَبِ أو الخَوْف أو الاهْتِيَاج والإثَارَة أو التَّوَتُّر العَصَبِي، ونَتِيجَة هذه الحَالَة العَقْلِيَّة هي إضْعَاف قُدْرَة الشَّخْص عَلَى الحُكْمِ عَلَى الأُمُورِ وتَسْهِيل إمْكَانِيَّة الإيِحَاء لَهُ والتَّأثِير عَلَيْه، وكُلَّمَا طَالَت أو اشْتَدَّت حَالَة الغَضَب أو التَّهَيُّج أو الخَوْف ضَعُفَت قُدْرَتهُ عَلَى المُقَاوَمَةِ وسَهُلَ التَّأثِير عَلَيْهِ.
    وبمُجَرَّدِ أنْ يَتِمّ تَطْهِير المُخّ (أي الانْتِهَاء مِنَ المَرْحَلَةِ الأُولَى) يَصِير الاسْتِيلاء عَلَى العَقْلِ أمْر يَسِير، ويَكُون مِنَ المُمْكِن اسْتِبْدَال الأفْكَار القَدِيمَة ببَرْنَامَجٍ جَدِيدٍ مِنَ الأفْكَارِ والسُّلُوك.


    ثَالِثَاً: الوَسَائِل التي تُسْتَخْدَم في غَسِيلِ المُخّ

    إنَّ عَمَلِيَّة غَسِيل المُخّ لَيْسَت عَمَلِيَّة عَشْوَائِيَّة، بَلْ هي عَمَلِيَّة يَتِمّ التَّخْطِيط لَهَا مِنْ ذَوِي التَّخَصُّصَات والخِبْرَات في هذا المَجَال؛ كَالخُبَرَاء العَسْكَرِيِّين والعُلَمَاء في عِلْمِ النَّفْس وعِلْم الاجْتِمَاع وعِلْم الآنْثَرْبَيُولُوجِي وعِلْم الفِسْيُولُوجْيَ، إضَافَةً إلى مَا يَتَوَفَّر لَدَى القَائِمِينَ عَلَيْهَا مِنْ اسْتِعْدَادَاتٍ وقُدُرَاتٍ فَرْدِيَّة، ومِنَ الأسَالِيب المُسْتَخْدَمَة في عَمَلِيَّاتِ غَسِيل المُخّ الدِّينِي والسِّيَاسِي:

    العَزْل الجَسَدِي: ويَعْنِي عَزْل الفَرْد المُسْتَهْدَف بَعِيدَاً عَنْ أيّ اتِّصَالٍ مَعَ عَنَاصِرِ البِيئَة الطَّبِيعِيَّة والإنْسَانِيَّة، وذَلِكَ بوَضْعِهِ في حَبْسٍ إنْفِرَادِيّ يَنْقَطِع عَنْ الأصْوَاتِ والحَرَكَةِ والشَّمْسِ والهَوَاءِ والأهْلِ والأصْدِقَاءِ والكُتُب، حتى يَصِل إلى مَرْحَلَةٍ مِنَ الشُّعُورِ بالوِحْدَةِ والانْعِزَالِيَّة والحِرْمَان وفُقْدَان الحِسّ الإنْسَانِي.

    الصَّدَمَات النَّفْسِيَّة المُفَاجِئَة: كَانْتِهَاك الحُرُمَات، بِدْءَاً مِنَ التَّحَرُّشِ الجِنْسِي والعَبَث بمَنضاطِقِ العِفَّة وإدْخَال الأدَوَات والحَشَرَات بِهَا، وانْتِهَاءً بالاغْتِصَابِ مَرَّة ومَرَّات مِنَ البَشَرِ والحَيَوَانَات المُدَرَّبَة والمَاكِينَات الكَهْرَبِيَّة التي يُمْكِن أنْ تَعْمَل لأيَّامٍ بدُونِ تَوَقُّف، وفَوْقَ ذَلِكَ فَهُوَ يَتِمّ بأسَالِيبٍ وطُرُقٍ مُهِينَةٍ ومُذِلَّةٍ يَأنَف مِنْهَا مَنْ اعْتَادُوا الزِّنَا، ومِنْ أهَمِّ أعْرَاض الصَّدْمَة النَّفْسِيَّة: الشُّعُور بالحُزْنِ والإرْهَاق مَعَ عَدَمِ القُدْرَة عَلَى فِعْلِ شَيْء، ضَعْف النَّوَاحِي الإدْرَاكِيَّة وقِلَّة الاهْتِمَام أو عَدَم الاكْتِرَاث لِمَا يَدُور حَوْلَ الضَّحِيَّة، الإصَابَة أو الشُّعُور بالصُّدَاعِ المُتَوَاصِل وفُقْدَان الشَّهِيَّة والإحْسَاس بآلامٍ مُتَعَدِّدَةٍ في مُخْتَلَفِ أنْحَاء الجِسْم، تِكْرَار ذِكْرَيَات الحَادِثَة المُؤْلِمَة عَلَى شَكْلِ أفْكَارٍ أو صُوَرٍ أو أحَاسِيس، الشُّعُور بالقَلَقِ وعَدَم المَقْدِرَة عَلَى النَّوْمِ مَعَ وُجُود أحْلام مُزْعِجَة وكَوَابِيس، الشُّعُور والتَّصَرُّف وكَأنَّ الصَّدْمَة تَتَكَرَّر ثَانِيَةً.

    التَّهْدِيد المُسْتَمِرّ: إذْ يُوضَع الفَرْد في حَالَةٍ مِنَ التَّهْدِيدِ الدَّائِمِ وتَعْرِيضه للمَوَاقِفِ المُرْعِبَة؛ إضَافَةً إلى تكْرَارِ الإهَانَات بكُلِّ أنْوَاعِهَا، وتَهْدِيده بفِعْلِ الأفَاعِيل سَوَاء في النَّفْسِ أو في أقْرَبِ الأقَارِب، أو أيّ طَرِيقَة تُوصِلهُ إلى فُقْدَانِ الشُّعُور بالأمْنِ، وبالتَّالِي إحْسَاسه بالرَّغْبَةِ في التَّخَلُّص مِمَّا هُوَ فِيهِ.

    المَوَاقِف الشَّدِيدَة المُرْعِبَة: كالإجْبَار عَلَى سَمَاعِ صُرَاخ أو رُؤْيَة أُنَاس يُعَذَّبُون – سَوَاء كَانُوا مَعَهُ في نَفْسِ المَكَان أو عَنْ طَرِيقِ شَاشَة عَرْض -، أو تَعْرِيضهُ للحَيَوَانَاتِ أو الحَشَرَاتِ المُؤْذِيَة، وكَذَا تَعْرِيضهُ لدَرَجَاتِ الحَرَارَة والبُرُودَة العَالِيَة والتَّبْدِيل بَيْنَهُمَا فَجْأة.

    الإرْهَاق العَصَبِي المُسْتَمِرّ: كمَنْعِ النَّوْم لفَتَرَاتٍ طَوِيلَة، أو جَعْله مُتَقَطِّعَاً بكَثْرَةِ المُدَاهَمَات اللَّيْلِيَّة أثْنَاء النَّوْم، وكَثْرَةِ الضَّغْط بالسُّؤَالِ والتَّهْدِيدِ والتَّعْذِيب.

    الآلام الجَسَدِيَّة والنَّفْسِيَّة الشَّدِيدَة: وهُنَا لَكَ أنْ تَتَخَيَّل كَافَّةِ أنْوَاع التَّعْذِيب، والتي يَبْتَكِرُونَ فِيهَا يَوْمَاً بَعْدَ يَوْم لتَكُون أكْثَر إيِلامَاً وإذْلالاً. (رَاجِع مَلَفّ: صُوَر التَّعْذِيب دَاخِل الكَنِيسَة)

    الحِرْمَان مِنْ أهَمِّ الحَاجَات الأسَاسِيَّة الإنْسَانِيَّة: مِثْل: الأمْن النَّفْسِي والجُوُع والعَطَش والجِنْس والنَّوْم، فَالإنْسَان تَقِلّ مُقَاوَمَته إذا لَمْ يَتِمّ إشْبَاع حَاجَاته البَيْولُوجِيَّة والنَّفْسِيَّة، وأحْيَانَاً يَكُون التَّعْذِيب بالإفْرَاطِ فِيهَا ثُمَّ مَنْعهَا فَجْأة، فَيَكُون الشَّخْص كَالمُدْمِن الَّذِي اعْتَادَ الإدْمَان ثُمَّ تَوَقَّفَ عَنْهُ فَجْأة، ومِنْهَا أيْضَاً التَّغْذِيَة بكِمِّيَّاتٍ عَالِيَةٍ مِنَ السُّكَّر، أو خَفْض نِسْبَة السُّكَّر في الدَّمِّ عَنْ طَرِيق الحَقْن بالأنْسُولِين.

    الإكْثَار مِنْ ألْوَانِ الإذْلال والإهَانَة: سَوَاء بالأقْوَالِ أو الأفْعَال، كَعَدَمِ مُنَادَاته باسْمِهِ والإكْثَار مِنْ سَبِّهِ بألْفَاظٍ نَابِيَةٍ ووَصَفْه بصِفَاتٍ مَذْمُومَةٍ وقَبِيحَة، أو مُنَادَاته باسْمِ أُنْثَى إنْ كَانَ رَجُلاً، أو كَمَنْعِهِ مِنْ دُخُولِ الخَلاء لفَتَرَاتٍ طَوِيلَةٍ مَعَ إجْبَارِهِ عَلَى شُرْبِ كِمِّيَّاتٍ كَبِيرَةٍ مِنَ المِيَاهِ والمَحَالِيل الخَاصَّة حتى يَبُول عَلَى نَفْسِه، أو بأيِّ طَرِيقَةٍ أُخْرَى تُشْعِرهُ بالمَهَانَةِ والذُّلّ فَيَسْتَسْلِم لَهُم وتَخُور قُوَاه وتُسْحَق مُقَاوَمَته.

    التَّحَكُّم في التَّنَفُّس: بمَنْعِهِ لوَقْتٍ مُحَدَّد؛ كَوَضْعِ الرَّأس في المَاءِ لفَتْرَة، أو تَقْلِيل الأُكْسُجِين المَوْجُود بالغُرْفَة، أو بوَضْعِ كِمَامَاتٍ تُقَلِّل مِنْ وُصُولِه، ورُبَّمَا عَنْ طَرِيقِ بَعْض الأدْوِيَة أو الغَازَات والأبْخِرَة.

    الإيِحَاء النَّفْسِي: والتَّأثِير بالجَوَانِبِ النَّفْسِيَّة والعَقْلِيَّة والسُّلُوكِيَّة لَدَى الفَرْد وتَشْكِيل سُلُوكه بالشَّكْلِ المَطْلُوب، حَيْثُ تَتَحَرَّك الإيِحَاءَات في اتِّجَاهٍ وَاحِدٍ مُرَكَّز، حَيْثُ يَتَعَرَّض الفَرْد لضَغْطٍ جَسَدِيّ ونَفْسِيّ كَبِيرَيْن، مَعَ الإيِحَاءِ للأسِيرِ عَلَى تَكْوِينِ اعْتِرَافَاته التي يُرِيدُونَهَا، وخَاصَّةً بَعْدَ أنْ تَضْعُف لَدَيْهِ القُدْرَة عَلَى التَّمْيِيز العَقْلِي بَيْنَ أفْعَاله وأفْكَاره، وبَيْنَ مَا يُوحَى إلَيْهِ عَنْ طَرِيقِ مُعَذِّبِيه.

    تَرْدِيد كَلِمَة أو صَوْت وَاحِد لمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ يَوْمِيَّاً:
    لإحْدَاث هِيَاج عَصَبِي، كصُنْبُورِ المِيَاه الَّذِي يُنَقِّط برَتَابَةٍ واسْتِمْرَار. (رَاجِع مَلَفّ: غَسِيل المُخّ للفَرْدِ والجُمْهُور)

    اسْتِخْدَام المُؤَثِّرَات الصَّوْتِيَّة والضَّوْئِيَّة: كَالأصْوَات والإيِحَاءَات المُرْعِبَة التي تُوقِظ النَّائِم عَلَى حَالَةِ رُعْبٍ وتَحُول دُونَ نَوْم اليَقْظَان.

    اسْتِخْدَام البُخُور؛ والأدْوِيَة والنَّبَاتَات المُخَدِّرَة: كَاسْتِخْدَامِ عَقَار الهَلْوَسَة الـ LSD، حَيْثُ يَتِمّ اللُّجُوء إلى اسْتِخْدَامِهَا لإيِصَالِ الفَرْد إلى حَالَةٍ مِنَ الإدْمَان، لا يَسْتَطِيع بَعْدهَا الاسْتِمْرَار في المُقَاوَمَة؛ فَيَلْجَأ لطَلَبِ هذه الأدْوِيَة أو العَقَاقِير، ولا تُعْطَى لَهُ إلاَّ بشُرُوطٍ، فَيَسْتَسْلِم لتِلْكَ الشُّرُوط بِلا وَعْي.

    الصَّدَمَات الكَهْرَبِيَّة: في الرَّأسِ ومُخْتَلَفِ مَنَاطِق الجِسْم عُمُومَاً، والحَسَّاسَة مِنْهَا خُصُوصَاً، فَتَكُون تَعْذِيبَاً وإهَانَةً في نَفْسِ الوَقْت.
    هذه العَوَامِل تُحَفِّز أو تُخَدِّر أو تُرْهِق خَلايَا المُخّ وتُوصِلهَا إلى الحَافَّةِ الحَرِجَة، بحَيْثُ يَصْعُب عَلَيْهَا أنْ تَحْتَفِظ بِمَا تَعَلَّمَتْهُ، وبالتَّالِي يَتِمّ غَسْل المُخّ وغَرْس مَا يُرَاد فِيهِ.
    و أهَمُّ مَا يَجِب أنْ يَعْرِفهُ الجَمِيع هُوَ أنَّهُ مِنْ ضِمْن كُلّ مَنْ غُسِلَ مُخّهم بنَجَاحٍ لا يُوجَد شَخْص وَاحِد يَعْلَم أو يُصَدِّق أنَّهُ قَدْ تَمَّ غَسِيل مُخّه، بَلْ يُدَافِعُوا تِلْقَائِيَّاً بحَرَارَةٍ وإخْلاصٍ عَنْ الشَّخْص الَّذِي قَامَ بعَمَلِيَّةِ الغَسِيل.


    رَابِعَاً: وشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أهْلِهَا

    هذا ببَسَاطَة جِدَّاً واخْتِصَار تَعْرِيف عَمَلِيَّة غَسِيل المُخّ وكَيْفِيَّتهَا، وإذا تَوَقَّفْنَا قَلِيلاً مَعَ كَيْفِيَّتِهَا؛ يُمْكِن أن يَسْتَشْعِر كُلّ مِنَّا حَجْم العَذَاب الَّذِي تُعَانِيه أُخْتنَا المُسْلِمَة كَامِيلْيَا ومَثِيلاتهَا عَلَى أيْدِي هَؤُلاء السَّفَّاحِين المُجْرِمِين المُدَّعِين الضَّالِّين الكَفَرَة.
    وحتى لا تَتَعَالَى أصْوَاتهم بُكَاءً وادِّعَاءَاً أنَّنَا نَفْتَرِي عَلَيْهم، نَنْقِل إلَيْكُم شَهَادَاتهم عَلَى أنْفُسِهِم، فَنَحْنُ لا نَعْلَم ماذا يَحْدُث دَاخِل الأدْيرَة مِنْ أُمُورٍ خَاصَّة كَمَوْضُوعِ حَدِيثنَا، لكن لَمَّا يَأتِي الكَلام عَلَى لِسَانِ شَاهِدٍ مِنْ أهْلِهَا، يَكُون للمَوْقِفِ رُؤْيَة أُخْرَى.
    انْظُرُوا إلى مَا تَقُوله الكَاتِبَة هِيلِينَا هُوغُولُونْد التي دَخَلَت الكَنِيسَة لتَتَعَلَّم الدِّين، وكَانَ عُمْرهَا 12 عَامَاً، مُعْتَقِدَة بأنَّهَا المَلْجَأ الوَحِيد الَّذِي سَوْفَ تَحْتَمِي بِهِ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا ومَلَذَّاتهَا، وأنَّ رِجَال الكَنِيسَة التي كَانَت دَائِمَاً تكِنُّ لَهُم الاحْتِرَام والحُبّ سَوْفَ يَقُودُونَهَا إلى الأمْنِ والسَّلام في حَيَاتِهَا، ولَمْ تُدْرِك حَجْم المَخَاطِر التي تَنْتَظِرهَا وَرَاء جُدْرَان الكَنِيسَة المُغْلَقَة، 14 عَامَاً قَضَتْهَا خَلْفهَا ذَهَبَت أدْرَاج الرِّيَاح ولَمْ تَتَمَكَّن مِنَ الحَدِيثِ عَنْهَا إلاَّ اليَوْم لفَضْحِ رِجَال الكَنِيسَة واسْتِغْلال سُلْطَتهم الدِّينِيَّة في اغْتِصَابِ الأطْفَال، وأضَافَت أنَّهَا تَعَرَّضَت بنَفْسِهَا إلى عُقُوبَات جَسَدِيَّة هَمَجِيَّة ووَحْشِيَّة، وأنَّهَا تَعَرَّضَت لغَسْلِ الدِّمَاغ خلال وُجُودهَا في الكَنِيسَة، وأنَّهَا كَانَت شَاهِدَة عَلَى أفْظَعِ جَرِيمَة ارْتَكَبَهَا رِجَال الكَنِيسَة في الدَّنِمَارْك؛ عِنْدَمَا كَانَت صَدِيقَة رَاهِبَة تُعَانِي مِنْ أمْرَاضٍ نَفْسِيَّة نَتِيجَة وُجُودهَا في الكَنِيسَة، وكَانَ أنْ أُخْرِجَت إلى سَاحَةِ الكَنِيسَة في شِتَاءٍ قَارِسٍ وبَارِدٍ، وبَقِيَت وَحْدَهَا سَاعَات شِبْه عَارِيَة حتى قُتِلَت مِنْ شِدَّةِ البَرْد، ودُفِنَت دُونَ أنْ يُحَقِّق أحَد في سَبَبِ مَوْتهَا، وكَانَت هِيلِينَا خَائِفَة أنْ تَقُول لأحَدٍ عَمَّا شَاهَدَتْهُ لأنَّهَا كَانَت بنَفْسِهَا قَدْ غُسِلَ دِمَاغهَا، وأنَّهَا تَحْتَ سُلْطَة رِجَال الدِّين لأنَّهَا مَازَالَت صَغِيرَة، وأنَّ أكْثَر مَا يَتَعَرَّض لَهُ الأطْفَال هُوَ الضَّرْب وخَاصَّةً عَلَى الوَجْهِ والمُؤَخِّرَة وهُمْ عُرَاة لمُجَرَّدِِ الاخْتِلاف في الرَّأي، وذَلِكَ لاعْتِقَاد رِجَال الكَنِيسَة أنَّ الطِّفْل قَدْ تَعَرَّضَ لهَجْمَةٍ شَيْطَانِيَّةٍ وهُمْ يَتَلَذَّذُونَ بمُشَاهَدَتِهِم وهُمْ يُضْرَبُونَ عُرَاة وعَاجِزِينَ عَنْ الدِّفَاعِ عَنْ أنْفُسِهِم ويَنْتَظِرُونَ خُرُوج الشَّيْطَان مِنْ جَسَدِهِم ليَرْتَاحُوا مِنَ العِقَابِ المُؤْلِم.
    وتَحْكِي الرَّاهِبَة السَّابِقَة جَاسْمِي في كِتَابِهَا قِصَّة بالتَّفَاصِيل عَنْ العِلاقَاتِ غَيْر الشَّرْعِيَّة, والتَّحَرُّش الجِنْسِي والبَلْطَجَة دَاخِل الدَّيْر, حَيْثُ أنَّهَا قَضَت ثَلاثَة عُقُود بهذا الدَّيْر, وهذه القِصَّة قَدْ سَبَّبَت اضْطِرَابَاً في الكَنِيسَةِ الكَاثُولِكِيَّة في مَدِينَةِ جَنُوب الهِنْد لكيرالا، فَقَالَت أنَّهَا عِنْدَمَا أصْبَحَت رَاهِبَة اكْتَشَفَت أنَّ القَسَاوِسَة كَانُوا يُجْبِرُونَ المُتَرَهْبِنَات المُبْتَدِئَات عَلَى إقَامَةِ عِلاقَةٍ غَيْر شَرْعِيَّة مَعَهُم، كَمَا كَانَ يُوجَد أيْضَاً عِلاقَات سِحَاقِيَّة سِرِّيَّة بَيْنَ الرَّاهِبَات بَعْضهنَّ لبَعْض حَيْثُ قَالُوا أنَّهُنَّ يُفَضِّلْنَ هذه العِلاقَة لأنَّهَا تُعْتَبَر أأمَن طَرِيقَة لعَدَمِ حُدُوث حَمْل، وقَدْ أقَرَّت الرَّاهِبَة السَّابِقَة أنَّهَا لا تُرِيد أنْ تُثِير جَدَلاً بعَمَلِ هذا الكِتَاب، ولكِنَّهَا فَقَط تُرِيد أن تُعَبِّر عَنْ إحْسَاسِهَا جَرَّاء مَا حَدَثَ لَهَا في الدَّيْر ومَا عَانَتْهُ، وتَقُول أيْضَاً [ هُنَاكَ شَخْص مُسْتَقِلّ مُتَحَدِّثَاً مِنْ مَدِينَةِ كوريكود يَقُول أنَّ كُلَّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُرَام، لكن أنَا كُنْتُ بالدَّيْر وأُرِيد الجَمِيع أنْ يَعْلَمُوا مَا يَحْدُث بدَاخِلِهِ لأنِّي اهْتَمُّ بغَيْرِي مِنَ الأُخْرَيَات ]، وقَالَت جَاسْمِي التي اعْتَزَلَت العَام المَاضِي مِنْ مَنْصِبِهَا كَرَئِيسَة المَجْمَع الكَاثُولِيكِي في ثريسور؛ أنَّ الرَّاهِبَات الكِبَار حَاوَلْنَ تَسْلِيمهَا إلى مُؤَسَّسَةِ الرِّعَايَة العَقْلِيَّة بَعْدَ أنْ تَحَدَّثَت صَرَاحَةً ضِدّهم، وفي كِتَابِهَا قَالَت أنَّهُ أثْنَاء سَفَرهَا إلى بانجالور قَدْ تَمَّ تَوْجِيههَا إلى الإقَامَةِ عِنْدَ قِسِّيس تَقِيّ عَلَي نَحْوٍ مَزْعُوم، وقَدْ أخَذَهَا إلى الحَدِيقَةِ وجَعَلَهَا تُشَاهِد العَدِيد مِنَ الثُّنَائِيِّين يَحْتَضِنُوا بَعْض خَلْفَ الأشْجَار، كَمَا أعْطَاهَا عِظَة عَنْ ضَرُورَةِ وأهَمِّيَّةِ الحُبّ الجَسَدِي، ووَصَفَ لَهَا العِلاقَات غَيْر الشَّرْعِيَّة التي قَامَ بِهَا بَعْض الكَهَنَة والأسَاقِفَة، وأخَذَهَا لمَنْزِلِهِ وقَامَ بنَزْعِ ثِيَابه وأمَرَهَا أنْ تَفْعَل مِثْله، وقَالَت أيْضَاً أنَّهُ بَيْنَمَا كَانَ يَتَعَامَى كِبَار المَوْظَّفِين عَنْ هذه الأحْدَاث الكُبْرَى للرَّاهِبَات, كَانَت المُتَرَهْبِنَات المُبْتَدِئَات هُمْ مَنْ يَتَعَرَّضْنَ للعُقُوبَةِ الشَّدِيدَة حتى عَلَى أبْسَطِ التَّجَاوُزَات، وأضَافَت أنَّهَا عِنْدَمَا اسْتَقَالَت مِنْ مَنْصِبِهَا كَرَئِيسَة المَجْمَع, كَانَت الأدْيِرَة قَدْ أصْبَحَت (بُيُوت تَعْذِيب),كَمَا أضَافَت أنَّ التَّعْذِيب النَّفْسِي كَانَ لا يُطَاق، [ وعِنْدَمَا سَاوَرَنِي الشَّكّ أنَّ الكَنِيسَةتَعْمَل عَلَى التَّمْوِيلِ الذَّاتِي للمُجَمَّعَات وبَعْض القَضَايَا الأُخْرَى, اتَّهَمُونِي بأنِّي أُعَانِي مِنْ مَشَاكِل عَقْلِيَّة وذِهْنِيَّة, وأرْسَلُونِي إلى طَبِيب نَفْسَانِي، وهُنَاكَ العَدِيد مِنَ الرَّاهِبَات يُعَانِينَ مِنْ سُوءِ المُعَامَلَة مِنَ النِّظَام ولكِنَّهُنَّ خَائِفَات مِنْ مُوَاجَهَتِهَا وتَحَدِّيهَا، حَيْتُ أنَّ الكَنِيسَة تُعْتَبَر حِصْن هَائِل ]، ولَقَدْ قَالَ مُتَحَدِّث باسْمِ نِظَام السيرو مالابارا للكَنِيسَةِ الكَاثُولِكِيَّة أنَّهُ تَمَّ رَفْض ادِّعَاءَات جَاسْمِي واعْتِبَاره (كِتَاب تَفَاهَات)، وقَدْ سُئِلَ إذا كَانَت الكَنِيسَة قَدْ صُدِمَت بهذه الادِّعَاءَات, فَأجَابَ بأنَّ الكَنِيسَة تَعْلَم بهذه الأُمُور!!!!.

    ويَقُول القِسّ إسْحَاق هِلال مِسِيحَة رَاوِيَاً قِصَّة إسْلامه [ وأثْنَاء رُكُوبِي في الحَافِلَة بمَلابِسِي الكَهَنُوتِيَّة؛ وصَلِيب يَزِن رُبْع كِيلُو مِنَ الذَّهَبِ الخَالِص؛ وعَصَاي الكرير؛ صَعَدَ صَبِيّ في الحَادِيَةِ عشر مِنْ عُمْرِهِ يَبِيع كُتَيِّبَات صَغِيرَة، فَوَزَّعَهَا عَلَى كُلِّ الرُّكَّاب مَا عَدَا أنَا، وهُنَا صَارَ في نَفْسِي هَاجِس: لِمَ كُلّ الرُّكَّاب إلاَّ أنَا؟ فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى انْتَهَى مِنَ التَّوْزِيعِ والجَمْعِ، فَبَاعَ مَا بَاعَ وجَمَعَ البَاقِي، قُلْتُ لَهُ: يَا بُنَيّ؛ لماذا أعْطَيْتَ الجَمِيع بالحَافِلَةِ إلاَّ أنَا؟ فَقَالَ: لا يَا أبُونَا؛ أنْتَ قِسِّيس، وهُنَا شَعَرْتُ وكَأنَّنِي لَسْتُ أهْلاً لحَمْلِ هذه الكُتَيِّبَات مَعَ صِغَرِ حَجْمهَا، ألْحَحْتُ عَلَيْهِ ليَبِيعَنِي مِنْهُم، فَقَالَ: لا؛ دِي كُتُب إسْلامِيَّة، ونَزَلَ، وبنُزُولِ هذا الصَّبِيّ مِنَ الحَافِلَةِ شَعَرْتُ وكَأنَّنِي جَوْعَان وفي هذه الكُتُب شَبَعِي، وكَأنَّنِي عَطْشَان وفِيهَا شُرْبِي، نَزَلْتُ خَلْفَهُ فَجَرَى خَائِفَاً مِنِّي، فَنَسِيتُ مَنْ أنَا وجَرَيْتُ وَرَاءه حَتَّى حَصَلُتُ عَلَى كِتَابيَنْ.
    عِنْدَمَا وَصَلْتُ إلى الكَنِيسَةِ الكُبْرَى بالعَبَّاسِيَّةِ (الكَاتِدْرَائِيَّة المُرْقُسِيَّة) ودَخَلْتُ إلى غُرْفَةِ النَّوْم المُخَصَّصَة بالمَدْعُوِّين رَسْمِيَّاً؛ كُنْتُ مُرْهَقَاً مِنَ السَّفَرِ، ولكن عِنْدَمَا أخْرَجْتُ أحَد الكِتَابَيْنِ وهُوَ (جُزْء عَمَّ) وفَتَحْتُهُ؛ وَقَعَ بَصَرِي عَلَى سُورَةِ الإخْلاص، فَأيْقَظَت عَقْلِي وهَزَّت كِيَانِي، بَدَأتُ أُرَدِّدُهَا حتى حَفِظْتُهَا، وكُنْتُ أجِد في قِرَاءَتِهَا رَاحَةً نَفْسِيَّةً واطْمِئْنَانَاً قَلْبِيَّاً وسَعَادَةً رَوْحِيَّةً، وبَيْنَا أنَا كَذَلِكَ إذْ دَخَلَ عَلَيَّ أحَد القَسَاوِسَة ونَادَانِي؛ فَخَرَجْتُ وأنَا أصِيحُ في وَجْهِهِ: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد) دُونَ شُعُور مِنِّي.
    بَعْدَ ذَلِكَ ذَهَبْتُ إلى الإسْكَنْدَرِيَّة لإحْيَاءِ أُسْبُوع مَوْلِد العَذْرَاء يَوْم الأحَد أثْنَاء صَلاة القُدَّاس المُعْتَاد، وفي فَتْرَةِ الرَّاحَة ذَهَبْتُ إلى كُرْسِي الاعْتِرَاف لكي أسْمَع اعْتِرَافَات الشَّعْب الجَاهِل الَّذِي يُؤْمِن بأنَّ القِسِّيس بيَدِهِ غُفْرَان الخَطَايَا، جَاءَتْنِي امْرَأة تَعُضّ أصَابِع النَّدَم، قَالَت (إنِّي انْحَرَفْتُ ثلاث مَرَّات، وأنَا أمَام قُدَّاسَتكَ الآن أعْتَرِفُ لَكَ رَجَاء أنْ تَغْفِرَ لِي، وأُعَاهِدُكَ ألاَّ أعُودَ لذَلِكَ أبَدَاً)، ومِنَ العَادَة المُتَّبَعَة أنْ يَقُوم الكَاهِن برَفْعِ الصَّلِيب في وَجْهِ المُعْتَرِف ويَغْفِر لَهُ خَطَايَاه، ومَا كِدْتُ أرْفَع الصَّلِيب لأغْفِر لَهَا حتى وَقَعَ ذِهْنِي عَلَى العِبَارَةِ القُرْآنِيَّة الجَمِيلَة (قُلْ هُوَ اللهُ أحَد)، فَعَجَزَ لِسَانِي عَنْ النُّطْق وبَكَيْتُ بُكَاءً حَارَّاً وقُلْتُ: هذه جَاءَت لتَنَال غُفْرَان خَطَايَاهَا مِنِّي، فَمَنْ يَغْفِر لِي خَطَايَايَ يَوْمَ الحِسَاب والعِقَاب؟ هُنَا أدْرَكْتُ أنَّ هُنَاكَ كَبِيرٌ أكْبَر مِنْ كُلِّ كَبِير، إلَهٌ وَاحِدٌ لا مَعْبُودَ سِوَاه، فَذَهَبْتُ عَلَى الفَوْرِ للِقَاءِ الأسْقُف وقُلْتُ لَهُ (أنَا أغْفِر الخَطَايَا لعَامَّةِ النَّاس؛ فَمَنْ يَغْفِر لِي خَطَايَايَ؟ فَأجَابَ دُونَ اكْتِرَاث: البَابَا، فَسَألْتُهُ: ومَنْ يَغْفِر للبَابَا؟ فَانْتَفَضَ جِسْمهُ ووَقَفَ صَارِخَاً وقَالَ: أنْتَ قِسِّيس مَجْنُون، واللي أمَر بتَنْصِيبِكَ مَجْنُون حَتَّى وإنْ كَانَ البَابَا؛ لأنَّنَا قُلْنَا لَهُ لا تُنَصِّبهُ لَئلاَّ يُفْسِد الشَّعْب بإسْلامِيَّاتِهِ وفِكْرِهِ المُنْحَلّ)، بَعْدَ ذَلِكَ صَدَرَ قَرَار البَابَا بحَبْسِي في دَيْرِ (مَارِي مِينَا بوَادِي النَّطْرُون).
    أخَذُونِي مَعْصُوب العَيْنَيْن، وهُنَاكَ اسْتَقْبَلَنِي الرُّهْبَان اسْتِقْبَالاً عَجِيبَاً كَادُوا لِي فِيهِ صُنُوف العَذَاب، عِلْمَاً بأنَّنِي حَتَّى تِلْكَ اللَّحْظَة لَمْ أُسْلِم، كُلّ مِنْهُم يَحْمِل عَصَا يَضْرِبنِي بِهَا وهُوَ يَقُول (هذا مَا يُصْنَع ببَائِعِ دِينه وكَنِيسَته)، واسْتَعْمَلُوا مَعِي كُلّ أسَالِيب التَّعْذِيب الَّذِي لا تَزَال آثَاره مَوْجُودَةً عَلَى جَسَدِي، وهي خَيْر شَاهِدٍ عَلَى صِحَّةِ كَلامِي، حَتَّى أنَّهُ وَصَلَت بِهِم أخلاقهم اللاَّإنْسَانِيَّة أنَّهُم كَانُوا يُدْخِلُونَ عَصَا المقَشَّة في دُبُرِي يَوْمِيَّاً سَبْع مَرَّات في مَوَاقِيتِ صَلاة الرُّهْبَان لمُدَّةِ سَبْعَة وتِسْعِين يَوْمَاً، وأمَرُونِي بأنْ أرْعَى الخَنَازِير.
    وبَعْدَ ثَلاثَة أشْهُر أخَذُونِي إلى كَبِيرِ الرُّهْبَان لتَأدِيبِي دِينِيَّاً وتَقْدِيم النَّصِيحَة لِي فَقَالَ (يَا بُنَيَّ؛ إنَّ الله لا يُضِيع أجْرَ مَنْ أحْسَنَ عَمَلاً، اصْبِر واحْتَسِب، ومَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَل لَهُ مَخْرَجَاً ويَرْزُقهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب)، قُلْتُ في نَفْسِي لَيْسَ هذا الكَلام مِنَ الكِتَابِ المُقَدَّس ولا مِنْ أقْوَالِ القِدِّيسِين، ومَا زِلْتُ في ذُهُولِي بسَبَبِ هذا الكَلام حَتَّى رَأيْتُهُ يَزِيدُنِي ذُهُولاً عَلَى ذُهُولٍ بقَوْلِهِ (يَا بُنَيَّ؛ نَصِيحَتِي لَكَ السِّرّ والكِتْمَان إلى أنْ يُعْلَن الحَقّ مَهْمَا طَالَ الزَّمَان)، تُرَى ماذا يَعْنِي بهذا الكَلام وهُوَ كَبِير الرُّهْبَان، ولَمْ يَطُل بِيَ الوَقْت حَتَّى فَهِمْتُ تَفْسِير هذا الكَلام المُحَيِّر، فَقَدْ دَخَلْتُ عَلَيْهِ ذَاتَ صَبَاح لأُوقِظُهُ فَتَأخَّرَ في فَتْحِ البَاب، فَدَفَعْتُهُ ودَخَلْتُ وكَانَت المُفَاجَأة الكُبْرَى التي كَانَت نُورَاً لهِدَايَتِي لهذا الدِّين الحَقّ، دِين الوَحْدَانِيَّة، عِنْدَمَا شَاهَدْتُ رَجُلاً كَبِيرَاً في السِّنِّ ذَا لِحْيَة بَيْضَاء وكَانَ في عَامِهِ الخَامِس والسِّتِّين، وإذا بِهِ قَائِمَاً يُصَلِّي صَلاة المُسْلِمِين؛ صَلاة الفَجْر، تَسَمَّرْتُ في مَكَانِي أمَامَ هذا المَشْهَد الَّذِي أرَاهُ، ولكِنِّي انْتَبَهْتُ بسُرْعَةٍ عِنْدَمَا خَشِيتُ أنْ يَرَاهُ أحَد مِنَ الرُّهْبَان، فَأغْلَقْتُ البَاب، جَاءَنِي بَعْدَ ذَلِكَ وهُوَ يَقُول (يَا بُنَيَّ اسْتُر عَلَيَّ رَبِّنَا يُسْتُر عَلَيْك، أنَا مُنْذُ 23 سَنَة عَلَى هذا الحَال، غِذَائِي القُرْآن، وأنِيس وحْدَتِي تَوْحِيد الرَّحْمَن، ومُؤْنِس وَحْشَتِي عِبَادَة الوَاحِد القَهَّار، الحَقُّ أحَقّ أنْ يُتَّبَع يَا بُنَيّ).
    بَعْدَ أيَّامٍ صَدَرَ أمْر البَابَا برُجُوعِي لكَنِيسَتِي بَعْدَ نَقْلِي مِنْ سُوهَاج إلى أسْيُوط، لكِنَّ الأشْيَاء التي حَدَثَت مَعَ سُورَةِ الإخْلاص وكُرْسِي الاعْتِرَاف والرَّاهِب المُتَمَسِّك بإسْلامِهِ جَعَلَت في نَفْسِي أثَرَاً كَبِيرَاً، لكن ماذا أفْعَل وأنَا مُحَاصَر مِنَ الأهْلِ والأقَارِب والزَّوْجَة ومَمْنُوع مِنَ الخُرُوجِ مِنَ الكَنِيسَةِ بأمْرِ شُنُودَة ]، ثُمَّ يَسْتَطْرِد فَيَقُول [ بَعْدَ هذه الأحْدَاث التي أنَارَت لِي طَرِيق الإيِمَان وهَدَتْنِي لأعْتَنِق الدِّين الإسْلامِي، وَجَدْتُ صُعُوبَات كَثِيرَة في إشْهَارِ إسْلامِي نَظَرَاً لأنَّنِي قِسّ كَبِير ورَئِيس لَجْنَة التَّنْصِير في أفْرِيقْيَا، وقَدْ حَاوَلُوا مَنْع ذَلِكَ بكُلِّ الطُّرُق لأنَّهُ فَضِيحَة كَبِيرَة لَهُم، ذَهَبْتُ لأكْثَر مِنْ مُدِيرِيَّة أمْن لأُشْهِر إسْلامِي وخَوْفَاً عَلَى الوِحْدَةِ الوَطَنِيَّة، أحْضَرَتْ لِي مُدِيرِيَّة الشَّرْقِيَّة فَرِيقَاً مِنَ القَسَاوِسَة والمَطَارِنَة للجُلُوسِ مَعِي، وهُوَ المُتَّبَع بمِصْر لكُلِّ مَنْ يُرِيد اعْتِنَاق الإسْلام، هَدَّدَتْنِي اللَّجْنَة المُكَلَّفَة مِنْ 4 قَسَاوِسَة و 3 مَطَارِنَة بأنَّهَا سَتَأخُذ كُلّ أمْوَالِي ومُمْتَلَكَاتِي المَنْقُولَة والمَحْمُولَة والمَوْجُودَة في البَنْك والتي كَانَت تُقَدَّر بحَوَالِي 4 مِلْيُون جُنَيْه مِصْرِي، وثَلاثَة مَحَلاَّت ذَهَبـ ووَرْشَة لتَصْنِيعِ الذَّهَب، وعِمَارَة مُكَوَّنَة مِنْ أحَد عَشر طَابِقَاً، فَتَنَازَلْتُ لَهُم عَنْهَا كُلّهَا، فَلا شَيْء يَعْدُل لَحْظَة النَّدَم التي شَعَرْتُ بِهَا وأنَا عَلَى كُرْسِي الاعْتِرَاف.
    بَعْدهَا كَادَت لِي الكَنِيسَة العَدَاء، وأهْدَرَت دَمِي، فَتَعَرَّضْتُ لثَلاثِ مُحَاوَلات اغْتِيَال مِنْ أخِي وأوْلاد عَمِّي، فَقَامَا بإطْلاقِ النَّار عَلَيَّ في القَاهِرَة، وأصَابُونِي في كُلْيَتِي اليُسْرَى والَّتِي تَمَّ اسْتِئْصَالهَا في مُسْتَشْفَى القَصْر العِينِي، أصْبَحْتُ بكُلْيَةٍ وَاحِدَةٍ وهي اليُمْنَى ويُوجَد بِهَا ضِيق الحَالِب بَعْدَ التَّضَخُّم الَّذِي حَصَلَ لَهَا بقُدْرَةِ الخَالِق الَّذِي جَعَلَهَا عِوَضَاً عَنْ كُلْيَتَيْن، ولكن للظُّرُوفِ الصَّعْبَة الَّتِي أمُرُّ بِهَا بَعْدَ أنْ جَرَّدَتْنِي الكَنِيسَة مِنْ كُلِّ شَيْءٍ والتَّقَارِير الطِّبِّيَّة الَّتِي تُفِيد احْتِيَاجِي لعَمَلِيَّة تَجْمِيل لحَوْضِ الكُلْيَة وتَوْسِيع للحَالِب، ولأنِّي لا أمْلكُ تَكَالِيفهَا الكَبِيرَة أُجْرِيَت لِي أكْثَر مِنْ خَمْسِ عَشرَة عَمَلِيَّة جِرَاحِيَّة مِنْ بَيْنِهَا البُرُوسْتَاتَا، ولَمْ تَنْجَح وَاحِدَة مِنْهَا لأنَّهَا لَيْسَت العَمَلِيَّة المَطْلُوب إجْرَاؤُهَا حسب التَّقَارِير، ولَمَّا عَلِمَ أبَوَاي بإسْلامِي أقْدَمَا عَلَى الانْتِحَارِ فَأحْرَقَا نَفْسَيْهمَا، والله المُسْتَعَان ].
    فهذه هِيلِينَا مِنَ الدَّنِمَارْك، وهذه جَاسْمِي مِنَ الهِنْد، وهذا إسْحَاق مِنْ مِصْر، يَرْوِي كُلّ مِنْهُم نَفْسَ الوَقَائِع، لنَفْسِ الفِكْر ونَفْسِ السِّيَاسَة المَرْسُومَة لتُطَبِّقهَا جَمِيع الكَنَائِس في كُلِّ البِلاد.
    فإذا كَانَ هذا يَحْدُث لِمَنْ يَكْشِف لَهُم سِرَّاً، فَكَيْفَ بمَنْ خَرَجَت عَلَيْهم كُلِّيَّةً وهي تَعْرِف الكَثِير مِنْ أسْرَارِهِم؟؟ إنْ كَانَ هذا يَحْدُث مَعَ المَرْضَى الَّذِينَ مَرِضُوا بسَبَبِ طُقُوسهم وتَنَاقُضَاتهم، فَكَيْفَ بالعَاقِلَة التي اخْتَارَت بكَامِلِ إرَادَتهَا؟ إذا كَانَ هذا يَحْدُث مَعَ الأطْفَالِ لمُجَرَّدِ اخْتِلاف الرَّأي، أو لاعْتِقَادٍ فَاسِدٍ ومُتْعَة سَادِيَّة في تَعْذِيبِهِم، فَكَيْفَ يَكُون الحَال مَعَ امْرَأةٍ بَالِغَةٍ خَرَجَت عَنْ دِيَانَتِهِم؟ امْرَأة زَوْجَة كَاهِن وتَعْرِف أسْرَارهم ومُخَطَّطَاتهم؟ امْرَأة لأهَمِّيَتِهَا عِنْدهُم تَحَدَّى كَبِيرهُم دَوْلَة كَامِلَةً؛ شَعْبَاً وقَانُونَاً وحُكُومَةً ورَئِيسَاً، بَلْ تَحَدَّى أُمَّة بأسْرِهَا؟ تُرَى ماذا يَفْعَلُونَ بِهَا الآن وأيّ صُنُوف عَذَاب يُذِيقُونَهَا؟ مَعَ مُلاحَظَة أنَّ ألْوَان العَذَاب التي يَتَّبِعُونَهَا لا يَتَحَمَّلهَا الرِّجَال، فَمَا بَالكُم بالنِّسَاء؟ فَإنْ فَعَلُوا بِهَا مِثْل المَرِيضَة فَهُمْ قَتَلَة يَجِب أنْ يُقْتَصّ مِنْهُم، وإنْ فَعَلُوا بِهَا مِثْل الأطْفَال فَهُمْ مُجْرِمُون يَجِب عِقَابهم ورَدْعهم، فَمَا بَالكَ وهُمْ يَفْعَلُونَ الأشَدّ؟؟؟!!!


    وأخِيرَاً ولَيْسَ آخِرَاً: رِسَالَتنَا إلَيْكَ أخِي المُسْلِم

    تَرَدَّدَت شَائِعَة تَقُول:يَصِل البَابَا شُنُودَة الثَّالِث بَابَا الإسْكَنْدَرِيَّة وبطريرك الكرازة المُرْقُسِيَّة – غَدَاً الأحَد إلى القَاهِرَة قَادِمَاً مِنْ رِحْلَةٍ عِلاجِيَّةٍ اسْتَغْرَقَت 3 أسَابِيع أجْرَى فِيهَا فُحُوصَات عَلَى جِسْمِهِ بالكَامِل خُصُوصَاً الكُلَى والكَبِد، حَيْثُ تَنْتَظِرهُ العَدِيد مِنَ المَلَفَّات الهَامَّة لحَسْمِهَا وعَلَى رَأسِهَا قَضِيَّة كَامِيلْيَا شِحَاتَة زَاخِر، زَوْجَة القسّ تَادْرُس سَمْعَان رَاعِي كَنِيسَة مَارِ جِرْجِس، التي وَصَلَت حَالَتهَا – بحَسْبِ مَصْدَر كَنَسِيّ مُطَّلِع – إلى حَالَةٍ لا تُرْجَى شِفَاؤُهَا بَعْدَ تَعَرُّضهَا لـ 5 عَمَلِيَّات غَسِيل دِمَاغ، ظَنَّاً مِنَ الكَنِيسَة أنَّهَا تَعَرَّضَت لغَسِيل مُخّ لتَتَحَوَّل للإسْلامِ في مَبْنَي الجَمْعِيَّة الشَّرْعِيَّة بالمِنْيَا أو عَنْ طَرِيقِ ابْن خَالهَا الَّذِي أشْهَرَ إسْلامهُ، ومِنْ ثَمَّ فَهُمْ (يَغْسِلُونَ لَهَا المَغْسُول) حسب قَوْل المَصْدَر الَّذِي أكَدَّ لصَحِيفَة المِصْرِيُّون عَلَى أنَّ كَامِيلْيَا تُعَانِي مِنْ نَوْبَاتٍ هِسْتِيرِيَّةٍ شَدِيدَةٍ بَعْدَ تَعَرُّضهَا لصَدَمَاتٍ كَهْرُبَائِيَّة شَدِيدَة مُتَتَالِيَة فَضْلاً عَنْ تَنَاوُلِهَا لبَعْضِ حُبُوب (الهَلْوَسَة) لتَبْدُو وكَأنَّهَا جُنَّت، بِمَا يُبَرِّر نَقْلهَا للدَّيْرِ، وهُوَ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ الأنْبَا مُوسَى أسْقُف الشَّبَاب رَافِضَاً طَرِيقَة العِلاج التي بَارَكَهَا البَابَا شُنُودَة بَعْدَ فَشَل الكَنِيسَة في الصَّلاةِ لَهَا لتَشْفَى مِمَّا وَصَلَت إلَيْهِ، وبمُجَرَّدِ عَوْدَته سَوْفَ يَقُوم البَابَا بزِيَارَةِ السَّيِّدَة كَامِيلْيَا (لآخِرِ مَرَّة) قَبْلَ نَقْلهَا للدَّيْر، وكَأنَّ التَّارِيخ يُعِيد نَفْسه، حَيْثُ تَتَكَرَّر فُصُول قِصَّة وَفَاء قُسْطَنْطِين زَوْجَة كَاهِن كَنِيسَة أبُو المَطَامِير مِنْ جَدِيد مَعَ السَّيِّدَة كَامِيلْيَا شِحَاتَة زَاخِر، التي تَتَمَنَّي الكَنِيسَة أنْ تَجْعَلهَا تَظْهَر في وَسَائِلِ الإعْلام لتَنْفِي كُلّ مَا تَنْشُرهُ وَسَائِل الإعْلام عَنْهَا وتُؤَكِّد أنَّهَا مَسِيحِيَّة وأنَّهَا فَضَّلَت أو اخْتَارَت قَسْرَاً حَيَاة الرَّهْبَنَة ولذا فهي سَتَذْهَب للدَّيْرِ بكَامِلِ رَغْبَتهَا، إلاَّ أنَّ حَالَتهَا الصِّحِّيَّة لا تَسْمَح بذَلِك.
    وسَوَاء كَانَت الإشَاعَة صَحِيحَة أو غَيْر صَحِيحَة: فَقَدْ عَلِمْتُم أيُّهَا المُسْلِمُون ماذا يُفْعَل في نِسَائِكُم دَاخِل الأدْيِرَة، ولَوْ كَانَ كُلّ مُسْلِمٍ يَمْلكُ ذَرَّة غَيْرَة عَلَى عِرْضِهِ وسَاعَدَ بِهَا، لَهَبَّت رِيَاح النَّجْدَة لَهُنّ عَاصِفَة، ولَوْ طَارَت رِقَاب ألْف مُسْلِم، فَلَقَدْ قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم[ ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ فَهُوَ شَهِيد]، ولَيْسَ الأمْر أمْر كَامِيلْيَا فَحَسْب، ولكِنَّهُ أمْر كَرَامَة الإسْلام التي يَتَطَاوَل عَلَيْهَا الأنْجَاس بِلا رَادِع يَرْدَعهُم مِنْ دِينٍ أو قَانُونٍ أو حتى احْتِرَام حُرِّيَّات.
    وسَوَاء كَانَت الإشَاعَة صَحِيحَة أو غَيْر صَحِيحَة: فَعَدَم ظُهُور الأُخْت المُسْلِمَة كَامِيلْيَا إلى الآن، وتَضَارُب الأقْوَال حَوْلهَا، وحَالَة الرُّعْب التي بَدَأت تَنْتَاب مَنْ اخْتَطَفُوهَا لدَرَجَةِ مُطَالَبَتهم الجِهَات الأمْنِيَّة العُلْيَا بإسْكَاتِ النَّبْضَة الشَّعْبِيَّة ضِدّهُم، كُلّ ذَلِكَ يُثْبِت شَيْئَاً وَاحِدَاً: أنَّ إيِمَانهَا أقْوَى مِنْ كُلِّ مَا فَعَلُوه ويَفْعَلُوه بِهَا، وهُوَ أصْدَق دَلِيل عَلَى إسْلامِهَا الَّذِي يُنْكِرُوه تَارَّة ويُثْبِتُوه تَارَّة، فَلَوْ أنَّهَا لَمْ تُسْلِم كَمَا زَعِمُوا لَمَا عَذَّبُوهَا!! لَوْ أنَّهَا اسْتَجَابَت لَهُم لَظَهَرَت وعَاشَت حَيَاتهَا عَلَى أنَّهَا مِنْهُم!! لَوْ أنَّ عَزِيمَتهَا ضَعِيفَة لَمَا اعْتَرَفُوا أنَّهُم يُعَذِّبُونَهَا ويُزِيدُونَ التَّعْذِيب كُلَّمَا فَشَلَت مُحَاوَلَة مَعَهَا!! أيّ أدِلَّة أكْثَر مِنْ ذَلِكَ عَلَى إسْلامِهَا وقُوَّة إيِمَانهَا وثَبَاتهَا؟ أيّ أدِلَّة أكْبَر مِنْ ذَلِكَ عَلَى كَذِبِهِم وافْتِرَائِهِم وإجْرَامِهِم؟
    وأخْتمُ مَقَالَتِي بأنْ أقُول: والله مَا اسْتَشْعَرْتُ عِزَّة الإسْلام في عَصْرِ الفَارُوق عُمَر بْن الخَطَّاب واحْتِيَاجنَا لَهُ كَمَا اسْتَشْعَرْتهَا اليَوْم.
    ووالله إنِّي لأخْجَل أنْ أُقَابِل الأُخْت كَامِيلْيَا وأخَوَاتهَا في الدُّنْيَا أو الآخِرَة فَتَسْألنِي: ماذا فَعَلْتَ مِنْ أجْلِي يَا أخِي؟ يَا مُسْلِم؟ أيْنَ كَانَ الرِّجَال بوَصْفِهِم وأفْعَالِهِم لا المَخْدُوعِين بذُكُورِيَّتِهِم؟ولا أدْرِي بماذا أُجِيبُهَا؟
    كَمَا لا أدْرِي مَتَى سَيَفْهَم النَّاس قَوْل الله تَعَالَى [ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ]، وقَوْل النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم [ يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ؛ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ]، وقَدْ فَسَّرَ حُبّ الدُّنْيَا بقَوْلِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّم [ فَوَاللَّهِ لاَ الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ ].

    والسُّؤَال


    إذا قَالُوا كَذِبَاً أو صِدْقَاً أنَّ كَامِيلْيَا قَدْ مَاتَت


    إذا قَالُوا كَذِبَاً أو صِدْقَاً أنَّهَا عَادَت لدِيَانَتِهَا وتَعِيش في الدَّيْرِ باخْتِيَارِهَا وتَرْفُض الظُّهُور


    إذا أظْهَرُوا لَنَا مَنْ تَلْبس (مَاسْك) لَوْجِه كَامِيلْيَا – كَمَا قَالَ البَابَا أنَّ هذا آخِر حَلّ لَوْ اسْتَمَرَّت حَالَتهَا بهذا السُّوء - لتَنْفِي إسْلامهَا وتُخَفِّف مِنْ حِدَّةِ المَوْقِف عَلَى حَدِّ زَعْمِهِ


    إذا نَجَحُوا في غَلْقِ القَضِيَّة بكُلِّ جَوَانِبهَا القَانُونِيَّة والشَّعْبِيَّة – كَمَا طَلَبُوا مِنَ الجِهَاتِ العُلْيَا وزَعَمُوا أنَّهُم أخَذُوا وُعُودَاً بذَلِك –

    فَهَلْ حَقَّاً سَتَنْتَهِي القَضِيَّة؟
    هَلْ حَقَّاً سَنَنْسَى كَمَا نَسِينَا وَفَاء ومَارْيَان وكِرِسْتِين وتِرِيزَا وعَبِير وغَيْرهنّ مِنْ قَبْل؟
    هَلْ صَدَقَ البَابَا حِينَ قَالَ: الشَّعْب المِصْرِي يَنْسَى بسُرْعَة؟
    هَلْ سَيَعُود الودّ والحُبّ والإخَاء لَهُم كَمَان كَانَ وكَأنَّ شَيْئَاً لَمْ يَكُن؟
    هَلْ سَنَظَلّ نُحَارِب الشُّيُوخ والعُلَمَاء الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ التَّشَبُّه بِهِم ومُشَارَكَتهم الأعْيَاد وتَهْنِئَتهم عَلَيْهَا، ونَتَّهِمهُم بالتَّشَدُّدِ ونَقُول: هُمْ يُعَامِلُونَنَا بالحُسْنَى فَلِمَاذَا لا نُعَامِلهُم بالمِثْل؟
    هَلْ سَنُنْكِر شَرْط مُعَامَلَتهم بالحُسْنَى الَّذِي اشْتَرَطَهُ الله بقَوْلِهِ تَعَالَى [ لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ 8 إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ 9 ]؟
    هَلْ سَنَظَلّ نَتَحَدَّى الله في شَرْعِهِ [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ]؟
    هَلْ سَنَظَلّ نَرْفُض تَطْبِيق أمْر الله تَعَالَى [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ]؟

    فَكَّر بصِدْقٍ مَعَ الله؛ ثُمَّ خُذْ قَرَاركَ بحَسْم، فَسَوْفَ تُسْأل وتُحَاسَب


    تَذَكَّر مُرَاجَعَة المَلَفَّات الثَّلاثَة المُشَار إلَيْهَا في بِدَايَةِ المَوْضُوع لأهَمِّيَّتِهَا


    اللَّهُمَّ إنِّي قَدْ بَلَّغْت .. اللَّهُمَّ فَاشْهَد






  • سمير ساهر
    2- عضو مشارك
    • 10 أكت, 2009
    • 270
    • باحث
    • مسلم

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة abdo74
    ثَانِيَاً: مَرَاحِل غَسِيل المُخّ
    بالرَّغْمِ مِنْ أنَّ المَسِيحِيِّين هُمْ أوَّل مَنْ اكْتَشَفُوا غَسِيل المُخّ؛ فَقَدْ قَامَ بتَفْسِيرِهِ عَالِم رُوسِي يُدْعَى بافلوف، وقَدْ بَدَأ عَمَلهُ في بِدَايَةِ القَرْن العِشْرِين بعَمَلِ تَجَارُبٍ عَلَى الحَيَوَانَات ثُمَّ قَامَ بعَمَلِ تَجَارُبٍ عَلَى الإنْسَان، وبَعْدَ الثَّوْرَة الرُّوسِيَّة أدْرَكَ لِينِين فَاعِلِيَّة هذه الطَّرِيقَة فَاسْتَخْدَمَهَا للوُصُولِ إلى أهْدَافِه، وقَدْ اكْتَشَفَ بافلوف أنَّ عَمَلِيَّة غَسِيل المُخّ تَتَقَدَّم عَلَى ثَلاثَةِ مَرَاحِل:
    - الأُولَى سَمَّاهَا مَرْحَلَة التَّكَافُؤ equivalent phase: وفِيهَا يَكُون رَدّ فِعْل العَقْل مُتَسَاوِي لكُلٍّ مِنَ الإثَارَةِ الضَّعِيفَة والإثَارَةِ الشَّدِيدَة، ويُطْلَق عَلَيْهَا مَرْحَلَة التَّذْوِيب: ويُقْصَد بِهَا تَفْرِيغ مَا لَدَى الفَرْد المُسْتَهْدَف مِنْ أفْكَارٍ ومُعْتَقَدَات، باسْتِخْدَامِ وَسَائِل وأسَالِيب تَصِل بِهِ إلى حَالَةٍ مِنَ الخَوْفِ والهَلَع، وبالتَّالِي وَضْعه في حَالَةٍ مِنَ (التَّمَزُّق أو التَّفْكِيك النَّفْسِي).
    - الثَّانِيَة هي مَرْحَلَة التَّنَاقُض الظَّاهِر paradoxical phase: وفِيهَا يَكُون رَدّ فِعْل العَقْل شَدِيد لأنْوَاعِ الإثَارَة الضَّعِيفَة، وضَعِيف لأنْوَاعِ الإثَارَة القَوِيَّة، ويُطْلَق عَلَيْهَا مَرْحَلَة التَّغْيِير: ويُقْصَد بِهَا تَغْذِيَة الفَرْد المُسْتَهْدَف بالأفْكَارِ والمَعْلُومَات والاتِّجَاهَات، مِنْ خِلالِ الدُّرُوس الفَرْدِيَّة والجَمَاعِيَّة، مِنْ أجْلِ إعَادَة تَشْكِيل فِكْره وسُلُوكه واتِّجَاهَاته.
    - الثَّالِثَة هي مَرْحَلَة مَا فَوْقَ التَّنَاقُض الظَّاهِر ultra-paradoxical phase: وفِيهَا يَتَقَلَّب سُلُوك ورَدّ فِعْل الشَّخْص مِنْ إيِجَابِي إلى سَلْبِي، أو مِنْ سَلْبِي إلى إيِجَابِي، ويُطْلَق عَلَيْهَا مَرْحَلَة التَّثْبِيت: ويُقْصَد بِهَا مُتَابَعَة جَمِيع الإجْرَاءَات الكَفِيلَة بالمُحَافَظَةِ عَلَى مُسْتَوَى التَّغْيِير الَّذِي حَصَل عِنْدَ الفَرْد المَعْنِيّ ومُسْتَوَى تَقَبُّله لهذا التَّغْيِير، وتَتَرَاوَح المُتَابَعَة بَيْنَ التَّرْهِيب والتَّرْغِيب أو بَيْنَ الثَّوَاب والعِقَاب، ويَجْرِي ذَلِكَ في ضَوْءِ مَدَى التَّقَدُّم الَّذِي يَحْصُل في مُسْتَوَى تَقَبُّل الفَرْد للأفْكَارِ والسُّلُوكِ والاتِّجَاهَاتِ الجَدِيدَة أو مُسْتَوَى رَفْضـه لَهَا وإصْرَاره للعَوْدَةِ إلى مَخْزُونِهِ المَاضِي.
    ومَعَ التَّطَوُّرِ مِنْ مَرْحَلَةٍ إلى أُخْرَى يَتِمّ اسْتِكْمَال عَمَلِيَّة التَّحَوُّل conversion وتَتَأكَّد سَيْطَرَة المُبَشِّر أو المُعَذِّب عَلَى ضَحِيَّتِه.
    ويُوجَد طُرُق عَدِيدَة لتَحْقِيقِ التَّحَوُّل، ولكِنَّ الخُطْوَة الأُولَى لعَمَلِ غَسِيل المُخّ الدِّينِي أو السِّيَاسِي تَبْدَأ بالتَّأثِيرِ عَلَى عَاطِفَةِ الشَّخْص أو المَجْمُوعَة حتى يَصِلُوا إلى دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ مِنَ الغَضَبِ أو الخَوْف أو الاهْتِيَاج والإثَارَة أو التَّوَتُّر العَصَبِي، ونَتِيجَة هذه الحَالَة العَقْلِيَّة هي إضْعَاف قُدْرَة الشَّخْص عَلَى الحُكْمِ عَلَى الأُمُورِ وتَسْهِيل إمْكَانِيَّة الإيِحَاء لَهُ والتَّأثِير عَلَيْه، وكُلَّمَا طَالَت أو اشْتَدَّت حَالَة الغَضَب أو التَّهَيُّج أو الخَوْف ضَعُفَت قُدْرَتهُ عَلَى المُقَاوَمَةِ وسَهُلَ التَّأثِير عَلَيْهِ.
    وبمُجَرَّدِ أنْ يَتِمّ تَطْهِير المُخّ (أي الانْتِهَاء مِنَ المَرْحَلَةِ الأُولَى) يَصِير الاسْتِيلاء عَلَى العَقْلِ أمْر يَسِير، ويَكُون مِنَ المُمْكِن اسْتِبْدَال الأفْكَار القَدِيمَة ببَرْنَامَجٍ جَدِيدٍ مِنَ الأفْكَارِ والسُّلُوك.

    بالرَّغْمِ مِنْ أنَّ المَسِيحِيِّين هُمْ أوَّل مَنْ اكْتَشَفُوا غَسِيل المُخّ
    الأخ الكريم
    كثيرًا ما أرى نسبة هذا الاكتشاف لبافلوف، وهذا خطأ، فهذا الاكتشاف كما يقول الدكتور محمد عثمان نجاتي لابن سينا، بعد أنْ قال بعضهم: أنَّ هذا الاكتشاف للإمام الغزالي"، وقد استشهد بنصوص من كتاب "المستصفى في أصول الفقه"، ولكن على التحقيق الاكتشاف للمعتزلة وليس لابن سينا، ولا للغزالي، ولا لبافلوف.

    أولًا: ننقل كلام ابن سينا في هذا الشأن:
    الوهم هو الحاكم اﻷكبر في الحيوان، ويحكم على سبيل انبعاث تخيلي من غير أنْ يكون ذلك محققا وهذا مثل ما يعرض للإنسان من استقذار العسل لمشابهته المرار، فإنَّ الوهم يحكم بإنَّه في حُكْم ذلك، وتتبع النفس ذلك الوهم، وإنْ كان العقل يُكَذِّبه، والحيوانات وأشباهها من الناس إنما يتبعون في أفعالهم هذا الحكم من الوهم الذي لا تفصيل منطقيا له، بل على سبيل انبعاث ما فقط، وإنْ كان اﻹنسان قد يعرض لحواسه وقواه لسبب مجاراة النطق ما يكاد أنْ يصير نطقية مخالفة للبهائم، فلذلك يصيب من فوائد اﻷصوات المؤلفة واﻷلوان والروائح والطعوم المؤلفة ومن الرجاء والتمني أمورا لا تصيبها الحيوانات اﻵخرى ﻷنَّ نور النطق كان فائض سائح على هذه القوى وهذا التخيل أيضا الذي للإنسان قد صار موضوعا للنطق بعدما أنَّه موضوع للوهم في الحيونات حتى أنَّه ينتفع به في العلوم وصار ذكره أيضا نافعا في العلوم كالتجارب التي يحفظها بالذكر واﻹرصاد والجزئية وغير ذلك ونرجع إلى حديث الوهم فنقول: أنَّ من الواجب أنْ يبحث الباحث ويتأمل أنَّ الوهم لم يصحبه العقل حال توهمه كيف ينال المعاني التي هي في المحسوسات عندما ينال الحس صورتها من غير أنْ يكون شيء من تلك المعاني يحس ومن غير أنْ يكون كثير منهما ينفع ويضر في تلك الحال فنقول: إنَّ ذلك للوهم من وجوه من ذلك اﻹلهامات الفائضة على الكل من الرحمة اﻹلاهية مثل حال الطفل ساعة يولد في تعلقه بالثدى ومثل حال الطفل إذا أقل وأقيم فكاد يسقط من مبادرته إلى أنَّ يتعلق بمستمسك لغريزة في النفس جعلها في اﻹلهام اﻹلاهي وإذا تعرض لحدقته بالقذى بادر فأطبق جفنيه قبل فهم ما يعرض له وما ينبغي أنْ يفعل بحسبه كانه غريزة لنفسه لا اختيار معه وكذلك للحيوانات اﻹلهامات غريزية والسبب في ذلك مناسبات موجودة بين اﻷنفس ومبادئها هي دائمة لا تقطع غير المناسبات التي يتفق أنْ تكون مرة وأنْ لا تكون كاستكمال العقل وكخاطر الصواب فإنَّ اﻷمور كلها من هناك وهذه الإلهامات يقذف بها الوهم على المعاني المخالطة للمحسوسات فيما يضر وينفع فيكون الذئب تحذره كل شاه وإنْ لم تره قط ولا أصابتها منه نكبة وتحذر اﻷسد حيوانات كثيرة وجوارح الطير تحذرها سائر الطير وتشنع عليها الطير الضعاف من غير تجربة فهذا قسم وقسم آخر يكون لشيء كالتجربة وذلك أنَّ الحيوان إذا أصابه ألم أو لذة أو وصل إليه نافع حسي أو ضار حسي مقارنا لصورة حسية فارتسم في المصورة صورة الشيء وصورة ما يقارنه وارتسم في الذكر معنى النسبة بينهما والحكم فيهما؛ فإنَّ الذكر لذاته وبجبلته ينال ذلك، فإذا لاح للمخيلة تلك الصورة من خارج تحركت في المصورة وتحركت معها ما قارنها من المعاني النافعة أو الضارة، وبالجملة المعنى الذي في الذكر على سبيل الانتقال والاستعراض الذي في طبيعة القوة المتخيلة فاحس الوهم بجميع ذلك معا فرأى المعنى مع تلك الصورة، وهذا على سبيل تقارن التجربة ولهذا تخاف الكلاب المدر والخشب وغيرها وقد تقع للوهم أحكام أخرى بسبيل التشبيه بأنْ تكون للشيء صورة تقارن معنى وهميا في بعض المحسوسات وليس تقارن ذلك دائما وفي جميعها فيلتفت مع وجود تلك الصورة إلى معناها وقد يختلف فالوهم حاكم في الحيوان يحتاج في أفعاله إلى طاعة هذه القوى له وأكثر ما يحتاج إليه هو الذكر والحس وأما المصورة فيحتاج إليها بسبب الذكر والتذكر، والذكر قد يوجد في سائر الحيوانات، وأما التذكر وهو الاحتيال لاستعادة ما اندرس فلا يوجد على ما أظن إلا في اﻹنسان، وذلك أنَّ الاستدلال على أنَّ شيئا كان فغاب إنما يكون للقوة النطقية وإنْ كان لغير النطقية فعسى أنْ يكون للوهم المزين بالنطق فسائر الحيوانات إنْ ذكرت ذكرت، وإنْ لم تذكر لم تشتق إلى تذكر ولم يخطر لها ذلك بالبال بل إنَّ هذا الشوق والطلب هو للإنسان والتذكر هو مضاف إلى أمر كان موجودا في النفس في الزمان الماضي ويشاكل التعلم من جهة ويخالفه من جهة، أما مشاكلته للتعلم فلأنَّ التذكر انتقال من أمور تدرك ظاهرا أو باطنا إلى أمور غيرها وكذلك التعلم، فإنَّه أيضا انتقال من معلوم إلى مجهول ليعلم، لكن التذكر هو طلب أنْ يحصل في المستقبل مثل ما كان يحصل في الماضي والتعلم ليس إلا أنْ يحصل في المستقبل شيء آخر وأيضا فإنَّ التذكر ليس يصار إلى الغرض فيه أشياء توجب ضرورة الغرض بل على سبيل علامات إذا حصل أقربها من الغرض انتقل النفس إلى الغرض في مثل تلك الحال ولو كانت الحال غير ذلك لم يجب، وإنْ خطر صورة اﻷقرب أو معناه أنْ ينتقل كمن يخطر بباله كتاب بعينه فتذكر منه معلمه الذي قرأ عليه ذلك الكتاب وليس يجب من أخطاره صورة ذلك الكتاب بالبال وأخطاره معناه أنْ يخطر ذلك المعلم بالبال لكل إنسان، واما التعلم فإنَّ السبيل الموصلة إليه ضرورية النقل إليه وهو القياس والحد ومن الناس من يكون التعلم أسهل عليه من التذكر ﻷنَّه يكون مطبوعا على ضروريات النقل ومن الناس من يكون بالعكس ومن الناس من يكون شديد الذكر ضعبف التذكر وذلك ﻷنَّه يكون يابس المزاج فيحفظ ما يأخذه ولا تكون حركة النفس تطاوع المادة ﻷفعال التخيل واستعراضاته ومن الناس من يكون بالعكس وأسرع الناس تذكرا أفطنهم للإشارات فإنَّ اﻹشارات تفعل نقلا عن المحسوسات وإلى معان غيرها فمن كان فطنا في اﻹشارات كان سريع التذكر ومن الناس من يكون قوي الفهم ولكن يكون ضعيف الذكر ويكاد أنْ يكون اﻷمر في الفهم والذكر بالتضاد فإنَّ الفهم يحتاج إلى عنصر للصور الباطنة شديدة الانطباع، وإنما يعين عليه الرطوبة وأما الذكر فيحتاج إلى مادة تعسر انفسا ما يتصور فيها ويتمثل وذلك يحتاج مادة يابسة فلذلك يصعب اجتماع اﻷمرين فأكثر من يكون حافظا هو الذي لا تكثر حركاته ولا تتفنن هممه ومن كان كثير الهمم كثيير الحركات لم يذكر جيدا فيحتاج الذكر مع المادة المانسبة أنْ تكون النفس مقبلة على الصورة وعلى المعنى المستثبتين اقبالا بالحرص غير مأخوذ منهما باشتغال آخر ولذلك كان الصبيان مع رطوبتهم يحفظون جيدا ﻷنَّ نفوسهم غير مشغولة بما بما تشتغل به نفوس البالغين فلا تذهل عما هي مقبلة عليه بغيره وأما لشبان فلحرارتهم واضطراب حركاتهم مع يبس مزاجهم لا يكون ذكرهم كذكر الصبيان والمترعرعين والمشايخ أيضا يعرض لهم الرطوبة الغالبة أنْ لا يذكروا ما يشاهدون وقد يعرض مع الذكر من الغضب والحزن والغم وغير ذلك من يشاكل حال وقوع الشيء وذلك أنَّه لم يكن سبب الغم والحزن والغضب فيما مضى إلا انطباع هذه الصورة في باطن الحواس فإذا عادت فعلت ذلك أو قريبا منه واﻷماني والرجاء يفعل ذلك والرجاء غير اﻷمنية فإنَّ الرجاء تخيل أمر ما مع حكم أو ظن بأنَّه في اﻷكثر كائن وأما اﻷمنية فهو تخيل أمر وشهوته والحكم بالتذاذ يكون إنْ كان، والخوف مقابل الرجاء على سبيل التضاد والياس وعدمه وهذه كلها تكون أحكاما للوهم فلنقتصر اﻵن على ما قلناه
    انظر إلى كلام ابن سينا الملوَّن باللون الأصفر، فهو مهم جدًا، فكثير منه منقول عن المعتزلة، وهم أساس هذا الاكتشاف.


    ثانيًا: إليك كلام الغزالي عن هذا الموضوع:
    عَنْ الْمَبِيتِ فِي بَيْتٍ فِيهِ مَيِّتٌ مَعَ قَطْعِهِ بِأَنَّهُ لَا يَتَحَرَّكُ وَلَكِنَّهُ كَأَنَّهُ يَتَوَهَّمُ فِي كُلِّ سَاعَةٍ حَرَكَتَهُ وَنُطْقَهُ فَإِذَا تَنَبَّهْتَ لِهَذِهِ الْمُثَارَاتِ فَنَرْجِعُ وَنَقُولُ : إنَّمَا يَتَرَجَّحُ الْإِنْقَاذُ عَلَى الْإِهْمَالِ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ الشَّرَائِعَ لِدَفْعِ الْأَذَى الَّذِي يَلْحَقُ الْإِنْسَانَ مِنْ رِقَّةِ الْجِنْسِيَّةِ وَهُوَ طَبْعٌ يَسْتَحِيلُ الِانْفِكَاكُ عَنْهُ ، وَسَبَبُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُقَدِّرُ نَفْسَهُ فِي تِلْكَ الْبَلِيَّةِ وَيُقَدِّرُ غَيْرَهُ مُعْرِضًا عَنْهُ وَعَنْ إنْقَاذِهِ فَيَسْتَقْبِحُهُ مِنْهُ بِمُخَالَفَةِ غَرَضِهِ ، فَيَعُودُ وَيُقَدِّرُ ذَلِكَ الِاسْتِقْبَاحَ مِنْ الْمُشْرِفِ عَلَى الْهَلَاكِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ الْقُبْحَ الْمُتَوَهَّمَ .
    فَإِنْ فَرَضَ فِي بَهِيمَةٍ أَوْ فِي شَخْصٍ لَا رِقَّةَ فِيهِ فَهُوَ بَعِيدٌ تَصَوُّرُهُ ، وَلَوْ تُصُوِّرَ فَيَبْقَى أَمْرٌ آخَرُ وَهُوَ طَلَبُ الثَّنَاءِ عَلَى إحْسَانِهِ ، فَإِنْ فُرِضَ حَيْثُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ الْمُنْقِذُ فَيُتَوَقَّعُ أَنْ يُعْلَمَ فَيَكُونُ ذَلِكَ التَّوَقُّعُ بَاعِثًا ، فَإِنْ فَرَضَ فِي مَوْضِعٍ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُعْلَمَ فَيَبْقَى مَيْلُ النَّفْسِ وَتَرَجُّحٌ يُضَاهِي نُفْرَةَ طَبْعِ السَّلِيمِ عَنْ الْحَبْلِ الْمُبَرْقَشِ ؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ رَأَى هَذِهِ الصُّورَةَ مَقْرُونَةً بِالثَّنَاءِ فَظَنَّ أَنَّ الثَّنَاءَ مَقْرُونٌ بِهَا بِكُلِّ حَالٍ ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا رَأَى الْأَذَى مَقْرُونًا بِصُورَةِ الْحَبْلِ وَطَبْعُهُ يَنْفِرُ عَنْ الْأَذَى فَنَفَرَ عَنْ الْمَقْرُونِ بِالْأَذَى فَالْمَقْرُونُ بِاللَّذِيذِ لَذِيذٌ وَالْمَقْرُونُ بِالْمَكْرُوهِ مَكْرُوهٌ ، بَلْ الْإِنْسَانُ إذَا جَالَسَ مَنْ عَشِقَهُ فِي مَكَان فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ أَحَسَّ فِي نَفْسه تَفْرِقَةً بَيْنَ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَغَيْرِهِ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ :
    أَمُرُّ عَلَى الدِّيَارِ دِيَارِ لَيْلَى أُقَبِّلُ ذَا الْجِدَارَ وَذَا الْجِدَارَا
    وَمَا تِلْكَ الدِّيَارُ شَغَفْنَ قَلْبِي وَلَكِنْ حُبُّ مَنْ سَكَنَ الدِّيَارَا






    وَكَذَلِكَ إخْفَاءُ السِّرِّ وَحِفْظُ الْعَهْدِ إنَّمَا تَوَاصَى النَّاسُ بِهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْمَصَالِحِ وَأَكْثَرُوا الثَّنَاءَ عَلَيْهِمَا ، فَمَنْ يَحْتَمِلُ الضَّرَرَ فِيهِ فَإِنَّمَا يَحْتَمِلُهُ لِأَجْلِ الثَّنَاءِ ، فَإِنْ فَرَضَ حَيْثُ لَا ثَنَاءَ فَقَدْ وُجِدَ مَقْرُونًا بِالثَّنَاءِ فَيَبْقَى مَيْلُ الْوَهْمِ إلَى الْمَقْرُونِ بِاللَّذِيذِ وَإِنْ كَانَ خَالِيًا عَنْهُ فَإِنْ فُرِضَ مَنْ لَا يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ هَذَا الْوَهْمُ وَلَا يَنْتَظِرُ الثَّوَابَ وَالثَّنَاءَ فَهُوَ مُسْتَقْبَحٌ لِلسَّعْيِ فِي هَلَاكِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ وَيُسْتَحْمَقُ مَنْ يَفْعَلُ ذَاكَ قَطْعًا ، فَمَنْ يُسَلِّمُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يُؤْثِرُ الْهَلَاكَ عَلَى الْحَيَاةِ وَعَلَى هَذَا يَجْرِي الْجَوَابُ عَنْ الْكَذِبِ وَعَنْ جَمِيعِ مَا يَفْرِضُونَهُ .
    ثُمَّ نَقُولُ : نَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ أَهْلَ الْعَادَةِ يَسْتَقْبِحُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ الظُّلْمَ وَالْكَذِبَ ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْقُبْحِ وَالْحُسْنِ بِالْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَنْ قَضَى بِهِ فَمُسْتَنَدُهُ قِيَاسُ الْغَائِبِ عَلَى الشَّاهِدِ وَكَيْفَ يَقِيسُ وَالسَّيِّدُ لَوْ تَرَكَ عَبِيدَهُ وَإِمَاءَهُ وَبَعْضُهُمْ يَمُوج فِي بَعْضٍ وَيَرْتَكِبُونَ الْفَوَاحِشَ.


    المستصفى، الجزء 1، الباب الفن الأول في حقيقة الحكم، الصفحة 112
    ثالثًا: إليك بعضًا من الذي قالته المعتزلة:
    ولو كان مختلفًا لم يلتبس بعضه ببعض والحالة هذه؛ فصارت هذه الدلالة في أنَّها تقتضي كونه جنسًا واحدًا بمنزلة الدلالة على أنَّ الحرارة جنس واحد. ولكن الحرارة اسم يبين جنسه من غيره، وليس للألم اسم يفيد ذلك فيه لـ"أنَّه" يسمى مَّرة ألما إذا حصل المدرِك به نافر الطبع، ومرة لذة إذا أدركه مع الشهوة؛ وإنَّما يخص باسم يبين به من غيره لأنَّ أقوى الطريقة في معرفة حاله / هو ما يجده الإنسان من كونه آلما به وملتذًا، وصار ذلك في أنَّه يوجب التفرقة عند المدرَك بمنزلة التفرقة بين الحرارة والبرودة؛ وإنما يضع أهل اللغة العبارات للمعاني بحسب ما يظهر من أحوالها لهم فيسيقون إلى الأظهر فالأظهر من ذلك.
    ولذلك وضعوا للأكوان المختلفة عبارات ولم يضعوا للأكوان المختلفة ذلك، وإنما وضعوا لها ما كان أظهر عندهم من كونها حركة وسكونًا واجتماعًا وافتراقًا. فلمَّا ثبت من حال الألِم أنَّه يجد – لكونه ألمِا – من التفرقة أظهر مما يجده لإدراك نفس الألم، صارت هذه التفرقة أغلب عليه وأقوى عنده، فوضع له من العبارات ما يفيدها، ولم يضع له ما يفيد جنسه.”
    اللطف والآلام ص 255 – 256.


    تابع للسابق:
    "وقد علمنا أنَّ ما يختص به الجنس لا يختلف حاله بأنْ يُدْرَك أو لا يُدْرَك في أنَّه لا بد من أنْ يصح أنْ يعلم، وإنْ كان طريق العلم بها في المُدْرَكَات هو الإدْرَاك؛ وفيما ليس بمُدْرََك، هو الدليل.
    فإذا صح في المعلوم بالدليل ما ذكرناه، فغير ممتنع في المعلوم بالإدراك، فكأنا عند الإدراك نعلمه على الحال التي لكونه عليها نُدْرِك بنفس المحل في المحل؛ ثم إنْ كنا مشتهين له التذذنا به، وإنْ كنا نافري الطبع عنه ألمنا به، وإنْ خلونا من الحالتين أدركناه على الوجه الذي ذكرناه، وعلمناه على الجملة، وإنْ كنا لم نلتذ به ولم نألم به.”
    اللطف والآلام ص 257.
    كلام ابن سينا عن القرين اللذيذ والقرين المؤلم موجود في الفقرات السابقة من كلام المعتزلة، وإليك نصوص أُخرى للمعتزلة:
    "ووصفهم للخلقة بأنَّها قبيحة، لا يؤثر في ذلك، لأنَّ الاسم الواحد لا يمتنع كونه حقيقة في معنيين مختلفين، وإنْ كان الأغلب أنَّ هذا الاسم حقيقة فيما يصح عقلًا. وإنَّما يجري على الخِلقة القبيحة من حيث كان نفور النفس عن النظر إليها في أنَّه يَنْفِر عن ذلك بمنزلة العلم بقبح القبيح، فتشبه به. وإنْ كان شيخنا أبو هاشم رحمه الله قد قال في بعض النصوص: إنَّ غَرَضَ مَنْ وصف القرد بأنَّه قبيح هو أنَّ العين ترتد عنه ولا تستحلي النطر إليه؛ وذكر فيه وفي بعض الأبواب ما يدل على أنَّ استعمال ذلك فيه محال، من حيث يُتَكَرَّه ويُسْتَشْنَع كما يتكره القبيح لما فيه من الذم والضرر" مجلد "التعديل والتجوير"، ص 25.
    وإليك الكلام التالي، فهو في غاية الأهمية:
    "إنَّما يقال في الصورة أنَّها قبيحة من حيث تَنْفُر النفس من النظر إليها. ولذلك تَرى العقلاء مع تساويهم في معرفة الصورة يستحسنها البعض، وغيره يستقبحها، من حيث اختلفا في حصول نفور النفس في أحدهما، والشهوة في الآخر. وقد يستحسنها في الوقت الثاني من استقبحها أولًا، وإنْ كانت معرفته بها لا تتغير.” مجلد "التعديل والتجوير"، ص 20.
    "إنَّ ما له يُسْتَقْبَح النظر هو نفور الطبع عن ذلك، وذلك مما لا يوجب قُبْحه، لأنَّه لا يمتنع حسنه مع ذلك" مجلد "التعديل والتجوير"، ص 21.

    الاقتباس السابق في غاية الأهمية، ويلقى ضوءًا كثيرًا على موضوع ما يُسَمَّى غسيل المخ.. قلتُ "ما يُسَمَّى" لأنَّني لا أرى هذه التسمية صحيحة، ولكن لا بأس من استعمال هذا المصطلح، مع العلم أنَّني لا أعني بغسيل المخ زوال المعلومات من المخ، بل الأمر ليس أكثر من إزاحة، بحيث إذا كان الإنسان يؤمن بشيء، فيُجْعَل الشيء الذي يؤمن به الإنسان يقترن بألم، فلا يتحمله الإنسان؛ فيكفر به، هذا إنْ تعلق الأمر بالدين، ونكتفي بهذه الجزئية، فهي المهمة في هذا الموضوع.

    كلام أبو هاشم يعني أنَّ النفور ليس بالضرورة أنْ يكون من شيء قبيح في ذاته، بل التقبيح يعود لأمر يتعلق بالمُقَبِّح، وهذا كلام مهم، فهذا يعني في موضوعنا هذا أنَّ الذي ينفر من دين معين فليس بالضرورة أنْ يكون سبب النفور هو قُبْح الدين المنفور منه، فهو يعود لأمر في المُقَبِّح.
    وقد يكون الشيء قبيحًا مَرَّة، ويكون نفس الشيء حسن مَرَّة أُخرى.
    الذين يعملون ما يُسَمَّى بغسيل المخ للإنسان إذا تعلق الأمر بدين، فهدفهم أنْ ينفر الإنسان من الدين عبر التعريض لأشياء مؤلمة، ففي هذا الحال يكون الإنسان المؤمن بالدين مستحضرًا دينه في ذهنه من اتجاه، ويتعرض للآلام من اتجاه آخر، وهذا الحال يجعل الدين يقترن بألم في جسد الإنسان، فإمَّا أنْ يستجيب الإنسان لأوامر الألم، أو يعرضها على العقل، فإنْ كانت صائبة وتقبلها العقل، فحتى لو اقترنت بألم؛ فإنَّه لا يكفر بها.


    وإليك مزيد من كلام المعتزلة في هذا الشأن:
    "معلوم من حال كل مدرِك أنَّه يصح أنْ يشتهي بدلًا من أنْ ينفر الطبع عنه. وأنْ ينفر الطبع عنه بدلًا من أنْ يشتهي. لأنَّ من حق الضدين أنْ يتعاقبا على المتعلق على هذا الحد حتى يجري ذلك فيهما مجرى الحقيقية التي لا يصح زوالها عن الضدين.
    ولذلك قلنا: إنَّ من علامة الضدين المتعلقين بغيرهما أنْ يتعلقا بالشيء الواحد على العكس.
    فإذا صح ذلك، فيجب في تقطيع الأوصال أنْ يصح أنْ يشتهي أو يشتهي ما يَحْدُث عنده، وذلك يوجب جواز أنْ لا يألم الحي منا بذلك، بل يوجب جواز أنْ يلتذ به؛ والمسألة قائمة بحالها على هذا المذهب.”
    وإنما نتخلص لأجل هذا الأصل من قول من يقول جوزوا أنْ لا يألم بتقطيع أوصاله ولا يلتذ، فيقول عند ذلك: إنما لا أجوز لك من حيث لا تخلو الحياة من هذين.”
    اللطف والآلام ص 247.
    الكلام الملوَّن باللون الأصفر مهم جدًا، فهو يشير بوضوح تام إلى مسألة الاقتران، فكما نرى فالذي يتعرض للألم الشديد (تقطيع الأوصال) ليس بالضرورة أنَّ يألم من المقرون بل قد لا يألم منه، بل قد يصل الحد إلى أنْ يلتذ به، وللقاضي عبد الجبار كلام بشأن هذا الحال في كتاب المعارف والنظر، وهو أنَّ هذا الحال قد يكون خبيصًا، ويعني بكلمة خبيص الشعور بالألم واللذة في أوقات متقاربة جدًا، بسبب اختلاط الذي يؤدي إلى الألم بالذي يؤدي إلى اللذة.

    وإليك كلام للمعتزلة يُذْكَر فيه الاقتران ليس بالمعنى فحسب، بل وباللفظ أيضًا:
    "وقد بينا في غير موضع أنَّ نفور الطبع لا يتعلق بالتقطيع، وإنما يتعلق بما يحدث عنده. فلا يمتنع في ذلك أنْ يشتهيه كما لا يمنع أنْ ينفر طبعه عنه، وإنْ استبعد في العادة ذلك من حيث علم كل أحد من نفسه متى قطع يده إربا إربا انَّه يؤلمه لا محالة، كما يعلم أنَّه متى أكل ما اعتاده أنََّه شبع ومتى شرب روي.
    وإذا جاز خلاف ذلك في الطعام والشراب، فما الذي يمنع من خلافه فيما ذكرناه، حتى تحدث في الإنسان الشهوة للمعنى الحادث عند تقطيع يده، ويكون ملتذا بذلك.
    وإنْ لحقته مضرة بالتقطيع من حيث يحتاج إلى صحة الآلة في التصرف، فمتى تغير عن حال الصحة لحقته مضرة.
    ولهذه الجملة نجد الحي منا البرد الشديد - عند الاصطلاء أو الغوص في الماء الفاتر – اللذة الشديدة، ويجد من به جرب اللذة المختلفة على حسب ما لحقاه من هذه العلة.
    ولا يجب من حيث جوزنا ذلك أنْ يشتهي الحي منا قطع أوصاله؛ لأنَّا قد نينا أنَّ ذلك مما لا يدرك، فلا يصح أنْ يشتهي ولا ينفر الطبع عنه.
    وإنما يصح ذلك في المعنى الحادث عنده. وقد يصح ذلك في المعنى أنْ يحدث والصحة قائمة فتخلص قائمة له اللذة، وقد يصح أنْ يخلص فيه الألم.
    فأما إذا حدث مع تقطيع العضو ما يشينه، فإنَّه وإنْ التذ فلا بد من أنْ يقترن الألم بذلك الغم الذي ربما غمر القلب وأثر فيما يجد من اللذة؛ لأنَّ العاقل لا بد من أنْ يغتم بفساد أعضائه لحاجته إليها ولكونها آلة له؛ ولأنَّ صحتها تقتضي العواقب ضروبا من اللذة والمنافع لا تحصل به؛ فلذلك لا تخلص له اللذة.
    اللطف والآلام ص 242-243.


    الدكتور محمد عثمان نجاتي ظن أنَّ الغزالي كان ينقل عن ابن سينا، فلو قرأ النص الذي في الاقتباس لَعَلِمَ أنَّ الغزالي كان ينقل عن المعتزلة خصوصًا عن اقتران حك الجرب بلذة، فالغزالي نقل كلامه بالحرف من المعتزلة في هذا الشأن.
    عبارة "الحادث عنده" تعني بوضوح الاقتران.
    نلاحظ من خلال كلام المعتزلة، والذي نستعمله في ما يتعلق بهذا الموضوع، أنَّ الذي يعمل له ما يُسَمَّى بغسيل المخ، وكان يجد لذة في دينه المراد جعله أنْ يقترن بألم، فإنَّه وإنْ التذ؛ فلا بد أنْ يقترن الألم بذلك الغم، والغم في حالنا هذا سببه ما يحدُث للمتألم من فساد في أعضائه من آدوات التعذيب؛ وهذا الغم ربما يغمر القلب فيؤثر فيما يجده من لذة.

    وإليك كلام من كتاب التذكرة في أحكام الجواهر والأعرض لمؤلف معتزلي جاء بعد ابن سينا، ولكنه لا يحتاج أنْ ينقل عن ابن سينا، فابن سينا على الرجح قد نقل كلامه من مؤلفات المتعزلة، فالمعتزلة نقلت عن بعضها، كما أنهم مجتهدون في هذا الشأن:
    "إنَّ المعنى الذي تعلق به الشهوة هو المعنى الحاصل عند القطع، لا نفس القطع. وهذا المعنى يصح تعلق الشهوة به والنفار به على حد سواء لا يختلف" التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض ص 312.
    "وربما قال: لو ثبت معنى – للألم - لم يصح إذا وُجد في بعض أحدنا أنْ يؤلم به، ولكان لا يتغيَّر حاله بالمَحال، كما نعلم في الحلاوة أنَّها إذا اشتبهت في موضع اشتبهت في غيره ولا تتغيَّر باختلاف مَحالها.
    وجوابنا: أنَّ اختلاف حاله هو بمقارنة الشهوة أو النفار. وليس يمتنع اختلاف الشهوة والنفار بحسب مواضع المدركات. فإنَّك تعلم أنَّ سواد العين والشعر وسواد الوجه لا يكاد يشتهى والجنس واحد. وبياض الشعر ربما لم يستحسن. ولو كان في البدن لأستحسن.
    التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض ص 313.


    "فصل في كيفية إدراك الألم.
    اعلم أنَّ الألم هو من المدرَكات. وكيفية إدراكه أنْ ندركه لمحل الحياة فيه، فيفارق الحرارة وضدها، وليس فيما يكفي في إدراكه مجرد محل الحياة إلَّا هذه الأمر الثلاثة، وإلَّا الجوهر إذا أُدْرِك لمسًا. وصار ما ذكرناه من الحكم هو الطريق إلى معرفة صفة ذات الألم. فأما تسميته ألمًا فهو لمقارنته النفار، كما أنَّ تسميته لذة هو لمقارنته الشهوة. وقد أوجب شيخانا حصول التألم عند التقطيع ووجود مقارنة النفار له وإنْ اختلفا في العلة. فقال الشيخ أبو علي إنما وجب ذلك لأنَّ الحي منا لا يخلو من شهوة ونفار على مثل طريقته في المحل. وجعل أبو هاشم الحياة مضمنه بهما على ما نذكره في باب الحياة.
    التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض ص 321.
    الكلام السابق الذي نقلتُه من كتاب التذكرة في أحكام الجواهر والعراض، قد نقلنا قريبًا منه من موسوعة "المغني في أبواب العدل والتوحيد" للقاضي عبد الجبار المعتزلي، ثم حتى لو لم أنقل من موسوعة "المغني في أبواب العدل والتوحيد"، فالكلام الذي في الاقتباس واضح، فالكاتب يقول "وقد أوجب شيخانا"، والشيخان هم أبو علي وابنه أبو هاشم، والقاضي عبد الجبار توفي قبل أنْ يُولد ابن سينا، والشيخان عاشا قبل القاضي عبد الجبار؛ وبذلك فلا مجال للقول:"بأنَّ صاحب كتاب التذكرة ينقل عن ابن سينا"، بل الصواب أنْ يقال:"أنَّ ابن سينا نقل كلامه من المعتزلة".. وإليك مزيد من الموسوعة المذكورة:
    "لا بد فيما يفعله – الإنسان – من كثير من الأفعال أنْ يؤثر في محل قدرته وفي آلاته، وتلحقه المشقة ولا بد من أنْ تلحقه الغموم بكثير من الأفعال. ولا بد في المكلَّف من أنْ يتردد بين الشهوة والنفار" اللطف والآلام ص 422.
    وهل الاقتران يَحْدُث بلا تردد بين الشهوة والنفار؟!


    "إنَّما يغتم الحي منا بما يعلم أنَّه يضره، أو يظن ذلك فيه، فإذا كان الحي ممَّن لا يلحقه المضار لفقد النفور عنده، فمن أين أنَّ ذلك واجب فيه؟!.”
    أليس الغم بما نعلم أنَّه يضرنا ناتج عن عملية اقتران؟!، وهذا واضح في الجملة السابقة، وهي من الوضوح بحيث تستغني عن مزيد من الوضوح.


    "وقد بينا في مواضع من هذا الكتاب أنَّ الألم إنَّما يجوز على الحي منا لكونه حيًا نافر الطبع عن المدرك، لا لكونه عاقلًا. وبينا أنَّ الألم نفسه لا يحتاج إلى كمال العقل ولا النفور – اي ولا النفور يحتاج لكمال العقل -. وكذلك القول في الشهوة واللذة، إذا صح ذلك فيجب القضاء بأنَّ العاقل كالعاقل في صحة الآلام عليه، وإذا ثبت ذلك لم يمكن القطع على أنَّ الطفل لا يألم.
    وبعد، فإنَّ لإدراك ما لم يألم به الحي أمارات يعلم بها من تحرز وتوق وتعمل لأسبابها. وقد علمنا أنَّ ذلك قائم في الصبي كقيامه في العاقل، ولا يفرق من أسباب الآلام ويتحرز منها كالحجامة ومس النار، وتناول المرارات إلى غير ذلك. وكما يجب من حيث علمنا في السوفسطائية أنَّ تصرفهم في المدركات على حد تصرف العالم أنَّهم عارفون بها، فكذلك أنْ يُحْكَم في الصبي على ما ذكرناه أنَّه كالبالغ في أنَّ الآلام تلحقه، ولذلك يفزع العقلاء إلى تأديبهم بالضرب وغيره، وإلى زجر البهائم وسوقها بالضرب. ولولا أنَّ الآلام تلحقها لما صح ذلك. على أنَّه لا فرق بين من قال في الطفل إنَّه لا يألم كالبالغ وبين من قال إنَّه لا يلتذ و(أنَّه) يفارق البالغ. فلما بطل ذلك في الملاذ، فكذلك في الآلام. يبين صحة ذلك أنَّ كونه ملتذًا يقتضي فيما يشتهيه الشهوة الشديدة.
    فمتى فقدها (يقتضي) أنَّه في حُكْم الآلم. فلو لم تلحقه الآلام لم يصح ذلك منه.
    وبعد، فقد عرفنا أنَّ الطفل قد يلحقه الجوع والعطش وهما يتضمنان ألمًا ومشقة، وإذا جاز ذلك عليه جاز عليه سائر الآلام.
    اللطف والآلام ص 383.
    الدكتور عثمان نجاتي قال أنَّ الغزالي انتقد المعتزلة في كتابه "المستصفى في أصول الفقه".
    أقول: الغزالي انتقدهم عندما تناول مسألة شكر المنعم.
    نفهم من هذا الكلام كأن المعتزلة لم تفهم هذا الكلام، ولكن المعتزلة على التحقيق فهموا هذا الكلام تمامًا، فنقد الغزالي ذهب جفاء، بل ويمكن أنْ نرى نقدًا للأشعرية في هذا الشأن في كتاب الرد على المنطقيين لابن تيمية.
    انظروا إلى كلام المعتزلة في أول الاقتباس السابق، فنفور الطبع لا يحتاج إلى كمال العقل، وهذا الكلام ينطبق على الشهوة أيضًا، وبهذا فالمعتزلة تعلم تمامًا حدود نفور الطبع والشهوة، وحدود العقل، فليس نفور الطبع والشهوة هما الذان يمليان يصرفان سلوك الإنسان فقط، بل كما أنَّما يمكن أنْ يصرفا سلوك الإنسان، فكذلك العقل، والعقل دوره أوسع بكثير، كما ورد بالمعنى في بداية الاقتباس.
    كلامي الأخير هذا له علاقة بما يُسَمَّى غسل المخ، فلم أَخْرُج عن الموضوع، بل ما زلتُ في صلب الموضوع.

    من كلام المعتزلة في هذا الشأن:

    فإنْ قال: فما الذي يفيده تصريحه ليصح أنْ يجعل كالعلة في حسنة؟


    قيل له: قد تقرر في العقول أنَّ من حق الذم أنْ يكون مقابلًا للقبح والإساءة على وجه يكون جزاء له. وأنَّ من حق المدح أنْ يكون مقابلًا للإحسان على هذا الحد. فلمَّا ثبت ذلك عبَّرنا عنه بأنَّه مستحق، وجعلنا ذلك كالعلة في أنَّه يحسن فعله إذا تقدم من المفعول به، والسبب الذي من حق الفعل أنْ يتعلق به الجزاء. وإذا كان ما ذكرناه مفهومًا لم يمتنع أنْ نجعله مقتضيًا لحسنه على ما نذكره في الشكر (في) أنَّه يجب لمكان النعمة، إلى غير ذلك.
    اللطف والآلام ص 346.
    "إنَّ الضرر كما قد يحسن للنفع، فقد يحسن للظن المساوي للنفع. وربما اقترن في بعض العقلاء إلى النفع (من) هذا الوجه دون بعضهم أو أُخْتُلِفَت أحوالهم فيما يختارون من المضرة لأجل المنفعة"
    اللطف والآلام ص 325.
    يتبيَّن ممَّا سبق أنَّ هذا الاكتشاف ليس لابن سينا، والأَوْلى ليس للغزالي ولا لبافلوف، بل للمعتزلة، فالمعتزلة عالجت هذا الموضوع بتفصيلات كثيرة جدًا، بمثوثة في موسوعة "المغني في أبواب العدل والتوحيد" للقاضي عبد الجبار، وقد نقلتُ بعضًا منها هنا.

    تعليق

    • abdo74
      1- عضو جديد
      • 30 سبت, 2010
      • 93
      • مهندس
      • مسلم

      #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      الأخ الكريم سمير
      شكرا على مرورك و المعلومات الغزيرة التى وضحتها لنا و كان مقصدى هو تخيل ما حدث مع أختنا كامليا شحاتة ثبتها الله و خذل من خذلها.

      تعليق

      مواضيع ذات صلة

      تقليص

      المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
      ابتدأ بواسطة كريم العيني, منذ 3 أسابيع
      ردود 0
      32 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة كريم العيني
      بواسطة كريم العيني
      ابتدأ بواسطة زين الراكعين, 5 مار, 2024, 10:20 ص
      ردود 3
      62 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة زين الراكعين
      ابتدأ بواسطة mohamedfaid, 10 ديس, 2023, 02:10 م
      ردود 0
      34 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة mohamedfaid
      بواسطة mohamedfaid
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 13 سبت, 2023, 02:49 ص
      ردود 0
      74 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 12 سبت, 2023, 02:02 ص
      رد 1
      71 مشاهدات
      0 معجبون
      آخر مشاركة *اسلامي عزي*
      بواسطة *اسلامي عزي*
      يعمل...