خطبة جمعة بتاريخ 22 / 06 / 2007 : الفتن " 1 " : أنواع الفتن : لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الخــطــبـة الأولــى :
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِ وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
تساؤلٌ في محلِّه !!!
أيها الإخوة الكرام ، ماذا أقول : إن تجاوَزْنا الموضوع الساخن فالموضوعات الأخرى لا يلتفت إليها المستمعون ، هناك موضوعات ضاغطة ، موضوعات ساخنة ، موضوعات تغلي ، هناك مفارقات حادة ، هناك تناقض مريع بين صفات المؤمنين في القرآن الكريم وواقع المسلمين ، كانوا دعاة سلام ، فأصبحوا مجرمين ، كانوا دعاة إحسان ، فأصبحوا دعاة إساءة ، على كلٍّ ، الذي حصل أن العالم كله انقسم إلى مؤمن وكافر ، محسن ومجرم ، متمسك بمنهج الله ، وطاعن في منهج الله ، ماذا أفعل ؟ وماذا أقول ؟ ومِن أيّ موضوع أبدأ ؟ وتحت أين عنوان تكون هذه الخطبة ؟
أحاديث في الفتن :
فتحت كتاب الفتن فاخترت من كتاب الفتن بعض هذه الأحاديث ، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام معنا .
الحديث الأول :
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ : أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ ؟ فَقَالَ قَوْمٌ : نَحْنُ سَمِعْنَاهُ ، فَقَالَ : لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ ؟ قَالُوا : أَجَلْ ، قَالَ : تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ : فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ ، فَقُلْتُ : أَنَا ، قَالَ : أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ ! قَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ـ الحصيرة كم عوداً فيها ؟ فيها ألوف ـ فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا ، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ... )) .
أقسام القلوب بالنظر إلى الفتن :
(( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا )) .
فتنة الشاشة ، فتنة الإنترنت ، فتنة المحمول ، فتنة الاختلاط ، فتنة المجلات ، فتنة السينما ، فتنة المرأة الكاسية العارية ، فتنة الربا .
(( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ )) .
كل عود له أثر في القلب نكتة سوداء .
(( وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ )) .
أي حتى ينقسم البشر إلى نموذجين .
(( عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ )) .
وما أقلَّهم .
(( مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا )) .
ما معنى ذلك ؟ المُرْبادشديد السواد ظلمة ما بعدها ظلمة ، سواد داكن ، سواد لا ترى فيه إلا السواد ، لا بصيص نور ، ولا خيطاً رمادياً ، كالكوز ، القلب وعاء ، لكن هذا الوعاء (( كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا )) ، مقلوب لا يمكن أن يأخذ شيئا ، ضع الكأس على عكس وضعه ، صب فيه الماء ، وقعره نحو الأعلى ، (( كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا )) أي منكوساً .
(( لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )) .
هذا واقع العالم اليوم ، قلب أبيض لا تضره فتنة ، لأنه أنكر هذه الفتن فتنةً فتنة ، فهي كالحصير ، فيه أعواد لا تعد ولا تحصى ، وكل عود فتنة ، وقلب آخر أسود داكن ، (( كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا )) ، أي مقلوباً ليس فيه خير إطلاقاً ، (( لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )) .
الآن العالم منقسم قسمين ، مؤمن وكافر ، محسن ومجرم ، صادق وكاذب ، منضبط ومتفلت ، وهكذا ، وهذا الانقسام في كل مكان ، وفي كل زمان ، وفي كل مجتمع ، إلا أن القسم الأقل هو القسم الأول .
أيها الإخوة الكرام ، تعوذوا بالله من أن نكون مع القسم الثاني ، مع القسم الذي يعم معظم الناس .
الحديث الثاني :
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ قَالَ :
(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، قَالَ : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : فُلَانٌ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ]لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [)) .
يبدو أن الله أطلعه على ما سيكون في آخر الزمان .
(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا )) .
في العصور الثلاثة الأولى كان فيها الإسلام متألقاً ، وكان فيه بطولات ، ووفاء ، وكرم ، وحياء ، ومروءة ، وجدة ، طبعاً امرأة قالت : وا معتصماه ، المعتصم لم يجلس حتى جهز جيشاً ، وغزا الروم ، وأنقذها .
(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، قَالَ : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ )) ، بكاء منخفض لهذا لا نسمعه .
(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، قَالَ : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ )) يظهر النفاق .
موجة نفاق تجتاح العالم ، النفاق للأقوياء ، ولو كانوا مجرمين ، والنفاق للأغنياء ، ولو كانوا مبذرين .
يظهر النفاق ، وترفع الأمانة ، ويكثر الاحتيال والكذب ، والدجل وابتزاز أموال الناس ، وتقبض الرحمة ، ويتهم الأمين ، ويؤتمن غير الأمين .
أيها الإخوة الكرام ، من علامات قيام الساعة أن الحياء ينزع من وجوه النساء ، وأن النخوة تنزع من رؤوس الرجال ، وأن الرحمة تنزع من قلوب الأمراء ، فلا حياء في وجوه النساء ، ولا نخوة في رؤوس الرجال ، ولا رحمة في قلوب الأمراء .
الحديث الثالث :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ ، وَيَتَقَارَبَ الْأَسْوَاقُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ، قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَالَ : الْقَتْلُ )) .
تنتقل من طرف الدنيا إلى طرفها الآخر في ساعات ، وتتصل مع أقصى مكان في الدنيا في ثوان ، العلم وتظهر الفتن ويكثر الكذب ، ويتقارب الزمان ، وتتقارب الأسواق .
(( وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ، قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَالَ : الْقَتْلُ ))
قتل كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ، ولا المقتول فيم قتل ، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ، ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه .
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض ، وحتى يتطاول الناس في البنيان ، الأبراج خمسون طابقًا فما فوق ، تسعون طابقًافما فوق ، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول :يا ليتني مكانه .
الحديث الرابع :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ ، فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا ، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا )) .
الحديث الخامس :
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) .
أطلعه أن أمته من بعده سترجع كفاراً ، فما علامة كفرها ؟ (( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) .
قتل ، ذبح ، تمثيل ، تعذيب ، إبعاد ، تشريد .
الحديث السادس :
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((سيكون بعدي سلاطين الفتن ، على أبوابهم كمبارك الإبل ، لا يعطون أحداً شيئاً إلا أخذوا من دينه مثله )) .
العطاء مقابل أن تتنازل عن دينك ، لا يعطون أحداً شيئاً إلا أخذوا من دينه أضعافاً ، وهناك أناس فهموا الإسلام فهماً معكوساً ، فهموه تكفيراً ، فهموه تشريكاً ، فهموه قتلاً ، فهموه استعلاءً ، فهموه وصاية .
الحديث السابع :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ )) .
الحديث الثامن :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا ، وَيُمْسِي كَافِرًا ، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا ، وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا )) .
يبيع دينه من أجل منصب ، من أجل مبلغ .
بيعُ الدين بقليلٍ من الدنيا :
إذا جاء مبلغ فلكي مقابل أن تكتب عن الموت أنه كان طبيعياً ، والموت كان قتلاً ، باع دينه كله بهذا التقرير ، يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل ، كان مؤمناً فأصبح كافراً ، أمسى مؤمناً فأصبح كافراً ، أو أصبح مؤمناً فأمسى كافراً .
هذا من علامات آخر الزمان ، والمؤمن لا يباع ولا يشترى ، المؤمن رقم صعب ، لكن المنافق رقم سهل ، له ثمن محدود ، هناك إنسان يُشترَى بألف ليرة ، وإنسان بمليون ، و إنسان بخمسة ملايين يبيع دينه ، يبيع ورعه ، يبيع صلاته ، يبيع صيامه ، وحجه ، وزكاته .
الحديث التاسع :
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((سَتَكُونُ فِتَنٌ ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي ، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ )) .
أكبر وعيد توعد الله فيه الناس في القرآن أن تقتل مؤمناً متعمداً ، وهذا يقع كل يوم ، المؤمنون يقتلون من قبل مؤمنين ، القائم القاتل والمقتول في النار، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .
الحديث العاشر :
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمَّتَكَ سَتُفْتَتَنُ مِنْ بَعْدِكَ ، قَالَ : فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ سُئِلَ : مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا ؟ قَالَ :
(( الْكِتَابُ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، مَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ وَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ جَبَّارٍ فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ اللَّهُ ، هُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، فِيهِ خَبَرُ مَنْ قَبْلَكُمْ ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، وَهُوَ الَّذِي سَمِعَتْهُ الْجِنُّ فَلَمْ تَتَنَاهَ أَنْ قَالُوا : ]إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ )) .
هذا هو المخرج من الفتن :
ليس هناك حل ، مهما تعددت الحلول ، إلا أن نصطلح مع الله ، لأن الله أعزنا في الماضي بالإسلام ، ولن يعزنا بشيء آخر ، لا حل إلا أن نقيم الإسلام في بيوتنا ، والحل الذي أضعه بين أيديكم بإمكان كل واحد منا تطبيقه ، دعك من المجموع ، دعك من الأقوياء ، دعك من الطواغيت ، أقم الإسلام في بيتك ، وأقمه في عملك ، وانتظر من الله النصر ، قال تعالى :
الحل الأول والأخير القرآن الكريم أن نعود إليه ، وأن نعود إلى فهمه من السنة الصحيحة ، ومن فهم الأجيال الثلاثة من صحابة رسول الله ، فإذا عدنا إلى الله عاد الله لنصرنا ، واستعدنا دورنا القيادي ، وأصبحنا أعلاماً بين الأمم ، أما الآن فوالله نحن مضغة الأفواه بين الأمم ، ويسخر بقصصنا ، نتقاتل ، لسنا مؤهلين أن نحكم أنفسنا ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، ثَلَاثَ مِرَارٍ )) .
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ )) .
الزم الجماعة ، كن مع المؤمنين ، لا تنفرد برأي ، خذ رأي العلماء الأجلاء الربانيين الورعين ، لا تجتهد من عند نفسك ، لا تسبب للمسلمين متاعب لا تنتهي ، المسلمون سلمهم واحدة ، وحربهم واحدة .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : << يا أيها الناس ، عليكم بالطاعة والجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به ، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة >> .
الحديث الحادي عشر :
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ؟ واحدة في الجنة وسائرهن في النار ؟ قلت : ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء ، الأمر بيد النساء ، امرأة تزلزل أكبر رجل ، وقعدت الحملان على المنابر ، واتخذ القرآن مزامير ، وزخرفت المساجد ، ورفعت المنابر ، واتخذ الفيء دولاً ، والزكاة مغرماً ، والأمانة مغنماً ، وتفقه في الدين لغير الله ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه ، وأقصى أباه ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، الصحابة الكبار لُعنوا ، وساد القبيلة فاسقهم ، أفسق واحد سيدها ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل اتقاء شره ، فيومئذ يكون ذلك ، ويفزع الناس إلى الشام وإلى مدينة منها يقال لها : دمشق ، من خير مدن الشام ، فتحصنهم من عدوهم )) .
ونسأل الله أن تكون هذه البلدة على منهج الله ، وهناك علامات تؤكد ذلك .
الحديث ليس في الصحاح ، درجته أقل من الصحاح .
الحديث الثاني عشر :
عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَيَقُولُ :
(( بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ ، فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ )) .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
______________
المصدر :
http://www.nabulsi.com/text/01friday/adi/adi50-10.php
بسم الله الرحمن الرحيم
الخــطــبـة الأولــى :
الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِ وسلم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ، وعلى ذريته ومن والاه ، ومن تبعه إلى يوم الدين ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
تساؤلٌ في محلِّه !!!
أيها الإخوة الكرام ، ماذا أقول : إن تجاوَزْنا الموضوع الساخن فالموضوعات الأخرى لا يلتفت إليها المستمعون ، هناك موضوعات ضاغطة ، موضوعات ساخنة ، موضوعات تغلي ، هناك مفارقات حادة ، هناك تناقض مريع بين صفات المؤمنين في القرآن الكريم وواقع المسلمين ، كانوا دعاة سلام ، فأصبحوا مجرمين ، كانوا دعاة إحسان ، فأصبحوا دعاة إساءة ، على كلٍّ ، الذي حصل أن العالم كله انقسم إلى مؤمن وكافر ، محسن ومجرم ، متمسك بمنهج الله ، وطاعن في منهج الله ، ماذا أفعل ؟ وماذا أقول ؟ ومِن أيّ موضوع أبدأ ؟ وتحت أين عنوان تكون هذه الخطبة ؟
أحاديث في الفتن :
فتحت كتاب الفتن فاخترت من كتاب الفتن بعض هذه الأحاديث ، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام معنا .
الحديث الأول :
عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ : أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ ؟ فَقَالَ قَوْمٌ : نَحْنُ سَمِعْنَاهُ ، فَقَالَ : لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ ؟ قَالُوا : أَجَلْ ، قَالَ : تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ ، وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ ؟ قَالَ حُذَيْفَةُ : فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ ، فَقُلْتُ : أَنَا ، قَالَ : أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ ! قَالَ حُذَيْفَةُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ـ الحصيرة كم عوداً فيها ؟ فيها ألوف ـ فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ ؛ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا ، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا ، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ... )) .
[ أخرجه مسلم]
أقسام القلوب بالنظر إلى الفتن :
(( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا )) .
فتنة الشاشة ، فتنة الإنترنت ، فتنة المحمول ، فتنة الاختلاط ، فتنة المجلات ، فتنة السينما ، فتنة المرأة الكاسية العارية ، فتنة الربا .
(( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ )) .
كل عود له أثر في القلب نكتة سوداء .
(( وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ )) .
أي حتى ينقسم البشر إلى نموذجين .
(( عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ )) .
وما أقلَّهم .
(( مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ، وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا )) .
ما معنى ذلك ؟ المُرْبادشديد السواد ظلمة ما بعدها ظلمة ، سواد داكن ، سواد لا ترى فيه إلا السواد ، لا بصيص نور ، ولا خيطاً رمادياً ، كالكوز ، القلب وعاء ، لكن هذا الوعاء (( كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا )) ، مقلوب لا يمكن أن يأخذ شيئا ، ضع الكأس على عكس وضعه ، صب فيه الماء ، وقعره نحو الأعلى ، (( كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا )) أي منكوساً .
(( لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )) .
هذا واقع العالم اليوم ، قلب أبيض لا تضره فتنة ، لأنه أنكر هذه الفتن فتنةً فتنة ، فهي كالحصير ، فيه أعواد لا تعد ولا تحصى ، وكل عود فتنة ، وقلب آخر أسود داكن ، (( كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا )) ، أي مقلوباً ليس فيه خير إطلاقاً ، (( لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا ، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ )) .
الآن العالم منقسم قسمين ، مؤمن وكافر ، محسن ومجرم ، صادق وكاذب ، منضبط ومتفلت ، وهكذا ، وهذا الانقسام في كل مكان ، وفي كل زمان ، وفي كل مجتمع ، إلا أن القسم الأقل هو القسم الأول .
أيها الإخوة الكرام ، تعوذوا بالله من أن نكون مع القسم الثاني ، مع القسم الذي يعم معظم الناس .
الحديث الثاني :
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً مَا سَمِعْتُ مِثْلَهَا قَطُّ قَالَ :
(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، قَالَ : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ ، فَقَالَ رَجُلٌ : مَنْ أَبِي ؟ قَالَ : فُلَانٌ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ]لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [)) .
[أخرجه البخاري ، ومسلم . وأخرج الترمذي منه طَرفا يسيرا ]
يبدو أن الله أطلعه على ما سيكون في آخر الزمان .
(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا )) .
في العصور الثلاثة الأولى كان فيها الإسلام متألقاً ، وكان فيه بطولات ، ووفاء ، وكرم ، وحياء ، ومروءة ، وجدة ، طبعاً امرأة قالت : وا معتصماه ، المعتصم لم يجلس حتى جهز جيشاً ، وغزا الروم ، وأنقذها .
رُبّ وا معتصما انطلقت ملء أفواه البنات اليتــم
لامست أسماعهم لـكنها لم تلامس نخوة المعتصم
***
لامست أسماعهم لـكنها لم تلامس نخوة المعتصم
***
(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، قَالَ : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ )) ، بكاء منخفض لهذا لا نسمعه .
(( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا ، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، قَالَ : فَغَطَّى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُجُوهَهُمْ لَهُمْ خَنِينٌ )) يظهر النفاق .
موجة نفاق تجتاح العالم ، النفاق للأقوياء ، ولو كانوا مجرمين ، والنفاق للأغنياء ، ولو كانوا مبذرين .
يظهر النفاق ، وترفع الأمانة ، ويكثر الاحتيال والكذب ، والدجل وابتزاز أموال الناس ، وتقبض الرحمة ، ويتهم الأمين ، ويؤتمن غير الأمين .
أيها الإخوة الكرام ، من علامات قيام الساعة أن الحياء ينزع من وجوه النساء ، وأن النخوة تنزع من رؤوس الرجال ، وأن الرحمة تنزع من قلوب الأمراء ، فلا حياء في وجوه النساء ، ولا نخوة في رؤوس الرجال ، ولا رحمة في قلوب الأمراء .
الحديث الثالث :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ ، وَيَتَقَارَبَ الْأَسْوَاقُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ، قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَالَ : الْقَتْلُ )) .
[ أحمد ]
تنتقل من طرف الدنيا إلى طرفها الآخر في ساعات ، وتتصل مع أقصى مكان في الدنيا في ثوان ، العلم وتظهر الفتن ويكثر الكذب ، ويتقارب الزمان ، وتتقارب الأسواق .
(( وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ ، قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَالَ : الْقَتْلُ ))
قتل كعقاص الغنم ، لا يدري القاتل لمَ يقتل ، ولا المقتول فيم قتل ، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ، ولا يستطيع أن يغير ، إن تكلم قتلوه ، وإن سكت استباحوه .
وحتى يكثر فيكم المال فيفيض ، وحتى يتطاول الناس في البنيان ، الأبراج خمسون طابقًا فما فوق ، تسعون طابقًافما فوق ، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول :يا ليتني مكانه .
الحديث الرابع :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ خِيَارَكُمْ ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ ، وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ ، فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا ، وَإِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ شِرَارَكُمْ ، وَأَغْنِيَاؤُكُمْ بُخَلَاءَكُمْ ، وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ ، فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا )) .
[ الترمذي ]
الحديث الخامس :
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) .
[ متفق عليه ]
أطلعه أن أمته من بعده سترجع كفاراً ، فما علامة كفرها ؟ (( لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ )) .
قتل ، ذبح ، تمثيل ، تعذيب ، إبعاد ، تشريد .
الحديث السادس :
ويقول عليه الصلاة والسلام :
((سيكون بعدي سلاطين الفتن ، على أبوابهم كمبارك الإبل ، لا يعطون أحداً شيئاً إلا أخذوا من دينه مثله )) .
[ الجامع الصغير بسند ضعيف ]
العطاء مقابل أن تتنازل عن دينك ، لا يعطون أحداً شيئاً إلا أخذوا من دينه أضعافاً ، وهناك أناس فهموا الإسلام فهماً معكوساً ، فهموه تكفيراً ، فهموه تشريكاً ، فهموه قتلاً ، فهموه استعلاءً ، فهموه وصاية .
الحديث السابع :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ )) .
[ الترمذي ]
الحديث الثامن :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا ، وَيُمْسِي كَافِرًا ، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا ، وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا )) .
يبيع دينه من أجل منصب ، من أجل مبلغ .
[ الترمذي ]
بيعُ الدين بقليلٍ من الدنيا :
إذا جاء مبلغ فلكي مقابل أن تكتب عن الموت أنه كان طبيعياً ، والموت كان قتلاً ، باع دينه كله بهذا التقرير ، يبيع أحدكم دينه بعرض من الدنيا قليل ، كان مؤمناً فأصبح كافراً ، أمسى مؤمناً فأصبح كافراً ، أو أصبح مؤمناً فأمسى كافراً .
هذا من علامات آخر الزمان ، والمؤمن لا يباع ولا يشترى ، المؤمن رقم صعب ، لكن المنافق رقم سهل ، له ثمن محدود ، هناك إنسان يُشترَى بألف ليرة ، وإنسان بمليون ، و إنسان بخمسة ملايين يبيع دينه ، يبيع ورعه ، يبيع صلاته ، يبيع صيامه ، وحجه ، وزكاته .
الحديث التاسع :
عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
((سَتَكُونُ فِتَنٌ ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي ، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ )) .
أكبر وعيد توعد الله فيه الناس في القرآن أن تقتل مؤمناً متعمداً ، وهذا يقع كل يوم ، المؤمنون يقتلون من قبل مؤمنين ، القائم القاتل والمقتول في النار، لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .
الحديث العاشر :
أيها الإخوة الكرام ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ أُمَّتَكَ سَتُفْتَتَنُ مِنْ بَعْدِكَ ، قَالَ : فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ سُئِلَ : مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا ؟ قَالَ :
(( الْكِتَابُ الْعَزِيزُ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ، مَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ وَلِيَ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ جَبَّارٍ فَحَكَمَ بِغَيْرِهِ قَصَمَهُ اللَّهُ ، هُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَالنُّورُ الْمُبِينُ ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، فِيهِ خَبَرُ مَنْ قَبْلَكُمْ ، وَنَبَأُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، وَهُوَ الَّذِي سَمِعَتْهُ الْجِنُّ فَلَمْ تَتَنَاهَ أَنْ قَالُوا : ]إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ ، وَلَا تَنْقَضِي عِبَرُهُ ، وَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ )) .
[ رواه الدارمي ، وفي إسناده مقال ]
هذا هو المخرج من الفتن :
ليس هناك حل ، مهما تعددت الحلول ، إلا أن نصطلح مع الله ، لأن الله أعزنا في الماضي بالإسلام ، ولن يعزنا بشيء آخر ، لا حل إلا أن نقيم الإسلام في بيوتنا ، والحل الذي أضعه بين أيديكم بإمكان كل واحد منا تطبيقه ، دعك من المجموع ، دعك من الأقوياء ، دعك من الطواغيت ، أقم الإسلام في بيتك ، وأقمه في عملك ، وانتظر من الله النصر ، قال تعالى :
]بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [ .
( سورة الزمر : الآية 66 )
الحل الأول والأخير القرآن الكريم أن نعود إليه ، وأن نعود إلى فهمه من السنة الصحيحة ، ومن فهم الأجيال الثلاثة من صحابة رسول الله ، فإذا عدنا إلى الله عاد الله لنصرنا ، واستعدنا دورنا القيادي ، وأصبحنا أعلاماً بين الأمم ، أما الآن فوالله نحن مضغة الأفواه بين الأمم ، ويسخر بقصصنا ، نتقاتل ، لسنا مؤهلين أن نحكم أنفسنا ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :
(( أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ ، ثَلَاثَ مِرَارٍ )) .
[ أخرجه أحمد في مسنده والترمذي والحاكم عن عمر ] .
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ ، يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ ، وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَالْعَامَّةِ وَالْمَسْجِدِ )) .
[ أحمد ]
الزم الجماعة ، كن مع المؤمنين ، لا تنفرد برأي ، خذ رأي العلماء الأجلاء الربانيين الورعين ، لا تجتهد من عند نفسك ، لا تسبب للمسلمين متاعب لا تنتهي ، المسلمون سلمهم واحدة ، وحربهم واحدة .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : << يا أيها الناس ، عليكم بالطاعة والجماعة ، فإنها حبل الله الذي أمر به ، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة >> .
الحديث الحادي عشر :
عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( كيف أنت يا عوف إذا افترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ؟ واحدة في الجنة وسائرهن في النار ؟ قلت : ومتى ذلك يا رسول الله ؟ قال : إذا كثرت الشرط ، وملكت الإماء ، الأمر بيد النساء ، امرأة تزلزل أكبر رجل ، وقعدت الحملان على المنابر ، واتخذ القرآن مزامير ، وزخرفت المساجد ، ورفعت المنابر ، واتخذ الفيء دولاً ، والزكاة مغرماً ، والأمانة مغنماً ، وتفقه في الدين لغير الله ، وأطاع الرجل امرأته ، وعق أمه ، وأقصى أباه ، ولعن آخر هذه الأمة أولها ، الصحابة الكبار لُعنوا ، وساد القبيلة فاسقهم ، أفسق واحد سيدها ، وكان زعيم القوم أرذلهم ، وأكرم الرجل اتقاء شره ، فيومئذ يكون ذلك ، ويفزع الناس إلى الشام وإلى مدينة منها يقال لها : دمشق ، من خير مدن الشام ، فتحصنهم من عدوهم )) .
[ الجامع الصغير قريبا منه عن أبي هريرة بسند فيه ضعف ]
ونسأل الله أن تكون هذه البلدة على منهج الله ، وهناك علامات تؤكد ذلك .
الحديث ليس في الصحاح ، درجته أقل من الصحاح .
الحديث الثاني عشر :
عَنْ عَمْرو بْن الْعَاصِ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَيَقُولُ :
(( بَيْنَا أَنَا فِي مَنَامِي أَتَتْنِي الْمَلَائِكَةُ ، فَحَمَلَتْ عَمُودَ الْكِتَابِ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي ، فَعَمَدَتْ بِهِ إِلَى الشَّامِ ، أَلَا فَالْإِيمَانُ حَيْثُ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ )) .
[أحمد بإسناد صحيح ٍ
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن .
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .
______________
المصدر :
http://www.nabulsi.com/text/01friday/adi/adi50-10.php
تعليق