انزعوا السكين من يد هذا المجنون !
بقلم : سليم عزوز (كاتب وصحفي مصري ) ..أول مرة سمعت فيها عن اسم الأنبا بيشوي الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية بمصر كانت في بداية التسعينيات، فلم يكن الرجل معروفاً وقتها إعلامياً، وقد صار الآن ناراً على علم، بسبب آرائه الصادمة، والتي وصلت إلى حد جهره بالتشكيك في القرآن الكريم، وعلى نحو غير مسبوق، وبشكل استفز الموتى في الأزهر الشريف.
كان رئيس تحرير جريدة " الأحرار" أيامها قد اقترح علي الإشراف على صفحة دينية، قررت أن يكون عنوانها " الدين لله"، وهو ما كان سببا في اعتراض احد الزملاء الذين تخرجوا في الأزهر، والذي رأى أن صفحة كهذه لا يجوز أن يشرف عليها علماني، على حد تعبيره، وانه الأولى بحكم تخصصه بإعدادها، وأعلن أن عنوان الصفحة علماني صرف ومأخوذ من شعارات ثورة 1919 العلمانية " الدين لله والوطن للجميع".
وقد تولى الزميل الإشراف عليها لعدة أسابيع، وان كان قد حافظ على اسمها بعد أن نجحت في إقناعه، بأن شعارات هذه الثورة المصرية الخالدة لم تكن تتعارض مع القرآن الكريم، ففي الأولى قال تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله"، وفي الثانية قال تعالى: " والأرض خلقها للأنام".. كل الأنام.
بعد أسابيع ترك الزميل الصفحة نزولا على رغبة الزملاء واقتناعا بما قالوه من أنها كانت في " العهد العلماني" أفضل وأكثر مهنية، وفكرت وقتها في استدعاء احد رجال الدين المسيحي للكتابة فيها، وهداني تفكيري إلى القس إبراهيم عبد السيد الذي كان في بداية طريق المعارضة للبابا شنودة، فاستضفته، ولم تكن له أفكار تعارض ما استقر عليه المذهب الأرثوذكسي، فلا يمكن لأحد أن يتهمه بالهرطقة، أو بالاقتراب فكراً من مذاهب مسيحية أخرى تعاديها الكنيسة الأرثوذكسية، وتناصبها العداء، وتتهم أتباعها بالكفر وبالخروج على تعاليم السيد المسيح.
وقد ظل الرجل يكتب لأسابيع عدة، إلى أن تدخل وكيل حزب الأحرار مالك الجريدة، مدفوعا بطلب من البابا شنودة لمنع القس من الكتابة، دون أن يظهر قداسته في الصورة، وقد دار بيني وبين وكيل الحزب حوار، لم ينجح في الانتصار فيه وحسم الموضوع لصالحه، فقد قال لي: إن عبد السيد يكتب في أمور ضد المعتقد المسيحي، ورددت عليه، إنني كمسلم ليس لدي القدرة على التمييز بين ما يخالف الديانة المسيحية وما يتفق معها، لهذا فقد استدعيت رجل دين ليكتب.
لم يكن قد شاع عن القس إبراهيم عبد السيد خلافه مع البابا، والذي استحكم بسبب هذه الكتابات، ولم يكن في نية وكيل الحزب إعلانه، كان يلف ويدور وكذلك كنت أنا ، وكان قد ذكر أنني اجعل من وجوده في الحزب أشبه بدور " الطرطور"، عندما لا يتم الاحتكام إليه في أمر يخص عقيدته، وقلت انك رجل سياسة، وان الاحتكام في أمور العقائد هو لرجال الدين المتخصصين وليس لرجال السياسة. واستطردت إنني كنت انتظر منه أن يشكرني على خطوة استقدام كاهن ليكتب على صفحات الجريدة، وفي صفحة دينية، وقد عُرف عن هذه الصفحات في الصحف أنها تهتم بالدين الإسلامي فقط.
كان صاحبنا يخفي في نفسه ما الله مبديه، وكان رئيس الحزب الراحل مصطفى كامل مراد يستمع إلى الحوار مستمتعاً، وقد استقر في يقينه انه حوار مناورة، ولما وصل إلى طريق مسدود، اختلى الرجل برئيس الحزب وأفهمه أن منع القس عبد السيد من الكتابة هي رغبة البابا شخصيا. ولا احد يستهدف غضب البابا.
من خلال القس إبراهيم عبد السيد، الذي خضع لمحاكمات الكنسية وكتب عن استبدادها، تعرفت على عدد من القساوسة الذين خضعوا للتحقيق وعندها سمعت عن جبروت رئيس هذه المحاكمات الأنبا بيشوي، ورسمت له صورة سلبية في ذهني، وعلى الرغم من المطالب المتكررة لعزله من هذا المنصب إلا انه بدا رجل البابا شنودة المقرب، ويده التي يبطش بها.
بيشوي راهب، ولان البابا شنودة راهب أيضا، فهو يحتفي بالرهبان، ويستعين بهم في المناصب القيادية بالكنيسة، مع انه لا يجوز الإسراف في هذا الأمر، لسبب بسيط وهو أن الأديرة هي المكان الطبيعي للرهبان، واحتكاكهم بالناس ينبغي أن يكون للضرورة التي تقدر بقدرها.
الأنبا بيشوي رجل متشدد، وهو " مفلوت العيار"، وهذه كارثة، لأنه فضلا عن انه الرجل الثاني في الكنيسة، فانه يسعى لان يكون الرجل الأول، وهو يتقرب لأهل الحكم بالنوافل، مثل تأييده للرئيس مبارك، ولنجله من بعده، ويبالغ في إظهار الحب العذري للقوم، إلى حد انه قال ان عصر الرئيس مبارك هو العصر الذهبي للأقباط. ومع ذلك فهم لا يملون من الشكوى من الاضطهاد، وبأنهم لا يحصلون على حقوقهم.
في الأيام الأخيرة بدا الأنبا بيشوي كمن تتخبطه الشياطين من المس، إذ هاجم نيافته المسلمين، الذين هم ضيوف على حضرته، منذ 1400 سنة، وقد فرضوا عليهم الجزية ويريدون الآن التدخل في شؤون كنائسهم.
لم يطلب احد بالتدخل في شؤون الكنائس، فمن المستقر عليه انه هم وما يدينون به، وليست الجزية تمثل " بطحة" على الرأس يمكن للمرء أن يتحسسها عندما يسمع هذا الكلام، فالجزية فُرضت على القوم مقابل عدم مشاركتهم في جيش الدولة الذي تتناقض أهدافه مع عقائد غير المسلمين، فضلا عن أن دور الدولة الإسلامية مقابل ذلك أن تحمي هؤلاء وتصون أعراضهم.
الفتح الإسلامي لمصر، هو الذي حمى المسيحية المصرية من الاندثار، وقد كان بابا القبط في رحلة هروب امتدت عشرين عاما من الخطر البيزنطي، فلما جاء عمرو العاص أسبغ عليه حمايته، وحمى له كنيسته، وجعله يعيش في كنف الدولة الإسلامية، التي ليس لها أن تتدخل في شأن من شؤون كنيسته.
المثل يقول " يا بخت من زار وخفف" ويبدو أن وجودنا ضيوفا على نيافة الأنبا بيشوي أكثر من أربعة عشر قرنا قد أزعجه، إلى حد ضجره، وإعلان هذا الضجر عبر الصحف السيارة. وخطورة ذلك أن من يردده هو الرجل الثاني في الكنيسة، وكان من قبل يقوله بعض العوام، فنتعامل معه على انه مزحة.
لا اعرف على أي أساس تاريخي قرر بيشوي ان المسلمين هم ضيوف وانه صاحب البلد، ذلك بأنه ليس كل المسلمين نزحوا من شبه الجزيرة العربية، فهناك مسيحيون أسلموا وإذا كان تحديد الموقف مرده إلى الديانة، فالديانة المسيحية " وافدة" على مصر شأن الدين الإسلامي.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فلا يوجد جنس نقي، وباستخدام أدوات البحث المعتمدة في الأنثروبولوجيا الفيزيقية، يمكن لنا وباستخدام الملاحظة الوقوف على ان المسيحيين هم من بقايا الرومان، الذين وفدوا على مصر.. انظر إلى " سحنة" بيشوي نفسه ( بكسر السين) وسوف تكتشف انه بيزنطي خالص.
فلا هو ولا البابا شنودة يمكن أن يكونوا من السلالة الفرعونية النقية، وان أجدادهم من الذين اعتنقوا الديانة المصرية القديمة.. انظر إلى صورة المصري القديم في الحفريات والمومياوات، وانظر إلى سحنة الراهبين، وسوف تقف على أنهما من سلالة وافدة على مصر.
إن مصر تعرضت في طول تاريخها لـ " 52" غزوة حربية، ولثلاث هجرات جماعية، الأمر الذي من شأنه ألا يجعل هناك عرقاً نقياً، هذا فضلا عن أن الوجود العربي في مصر سابق على الفتح الإسلامي، فهناك قبائل عربية استقرت في الصحراء المصرية، ولشهامتها ونبل أخلاقها كانت عاملا مساعدا في استقبال الفتح بقبول حسن.
لقد وفدت إلى مصر شعوب وقبائل ومن كل بلدان الكون، وميزة مصر هي في قدرتها على أن تصهر من يعيشون فيها، فيصيرون بمرور الأيام مصريين خالصين. فإما أن نقر بأنهم جميعا هكذا، وإما أن نقر بأنهم ضيوف، لا فرق بين المسلمين والنصارى، إلا في عدد القرون التي قضوها ضيوفا على هذه الأرض الطيبة.. هذا ناهيك عن أن الحدود المصرية القديمة، تجعل من كل سكان الجزيرة مصريين.
لكن المشكلة في ان بيشوي رجل فتنة، وهو ليس واحداً من أحاد الناس لكنه الرجل الثاني في الكنيسة الأرثوذكسية، وهو لا يتوقف عن إشاعة الفتن، فلم تمر أيام على هذا التصريح الصادم إلا وصدمنا بتصريحه الذي يشكك فيه في القرآن الكريم، ويوحي بأن تزييفا قد اعتراه وان آياتٍ أدخلت فيه لأنه تم جمعه في عصر عثمان بن عفان، في دلالة إلا أنه وضع فيه ما ليس فيه.
المفكر القبطي الوطني جمال اسعد عبد الملاك قال فيما يختص بالحديث عن الضيوف وأصحاب البلد ان هذا طرح صهيوني في المقام الأول، ولفت الانتباه إلى ان أسقف القوصية قال هذا الكلام في سنة 2008 في الولايات المتحدة الأمريكية وفي مؤتمر رعته منظمات معروفة بانتمائها للصهيونية.
إن سؤالاً يطرح نفسه ماذا لو شكك رجل دين إسلامي في مصرية الأقباط، أو شكك في عقيدتهم؟.. من المؤكد أننا كنا سنشاهد احتشاداً في مواجهة من يسعى للفتنة، لكن لا أحد من هؤلاء المستنيرين أدان تصريحات بيشوي، الذي ينبغي أن يدان وان يقدم للمحاكمة، لولا أن الأنظمة الرخوة تعرف الخيار والفاقوس.
لقد أقام المسيحيون في مصر الدنيا وأقعدوها، لان الدكتور محمد سليم العوا ذكر في برنامج " بلا حدود" على قناة " الجزيرة" ان الكنائس والأديرة مليئة بالأسلحة والذخيرة.
والمدهش أن الرجل لم يقل هذا، فقد كان يتحدث عن واقعة محددة هي الخاصة بقيام نجل وكيل مطرانية بور سعيد باستيراد شاحنة أسلحة من " إسرائيل".. انظر إلى الجهة المصدرة، وقد نشرت الصحف خبر القبض على المستورد وخضوعه للتحقيق أمام النيابة، ثم لاحس بعد هذا ولا خبر، وهو ما تطرق له العوا، لكن القوم خرجوا يشوشرون على هذه الواقعة، بادعاء أن العوا يثير الفتنة الطائفية.
كما أنهم بكل ما يفعله بيشوي يهدفون إلى صرف الأنظار عن الموضوع الأهم وهو قيام الكنيسة باحتجاز عدد من النساء اسلمن مثل "وفاء قسطنطين وماري عبد الله وكاميليا شحاتة"، وبتواطؤ الدولة المصرية التي قامت بعملية التسليم، وبشكل بات ينذر بالفتنة، لكن لا يهم أهل الحكم إلا أن يحصلوا على أصوات المسيحيين في أي انتخابات ولو عمت الفتنة ربوع البلاد.
إن الأنبا بيشوي يحتاج الي من ينزع منه سكين الفتنة، التي خرج بها على الناس طاعنا كل من يقابله، ومحاكمته هو الأسلوب الصريح وليس تطييب الخواطر على النحو الذي فعله البابا في حواره مع التلفزيون المصري.
وقبل هذا وبعده من حقنا ان نطرح هذا السؤال: بأي صفة يحتجز البابا شنودة كاميليا وأخواتها؟
http://www.raya.com/site/topics/arti...4&parent_id=23
تعليق