الصحافة الإسرائيلية أكدت أن عودة "الراشد" جاءت بضغط أمريكي ..خبير إعلامي سعودي يطالب بتشكيل جبهة شعبية ضد الإعلام المتصهين ورموزه وقادته ومموليه
كتب : أحمد سعد البحيري (المصريون) | 22-09-2010 02:03
شن خبير إعلامي سعودي حملة عنيفة ضد ما أسماه "الخطاب المتصهين" الذي تقدمه قناة العربية الإخبارية في ظل رئاسة الإعلامي السعودي المعروف "عبد الرحمن الراشد" ، وذلك في أعقاب الجدل الذي صاحب قرار عزل الراشد من قناة العربية والاستغناء عن كتاباته في صحيفة "الشرق الأوسط" ثم صدور قرارات أخرى غامضة بعودته إلى الصحيفة وإلى القناة خلال أقل من أسبوع ، وهو ما عزته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إلى ضغوط أمريكية وغضب شديد أبدته إدارة الرئيس أوباما من قرار إبعاد الراشد الذي اعتبرت أن المستهدف منه هو إبعاد الأصوات المؤيدة للتعاون مع الولايات المتحدة في حربها على "الإرهاب" ، وقال أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الرياض الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد في حوار تنفرد المصريون بنشره اليوم أن رسالة قناة "العربية" الأساسية هي التصدي لخطاب المقاومة وصناعة تغطية إعلامية عربية على السلوك العدواني الأمريكي والإسرائيلي ضد العالم الإسلامي ومصالحه ، مضيفا في حواره قائلا : "فلسفة (عبد الرحمن) الراشد ورؤيته. أنه يزدري المقاومة أصلاً ولا يؤمن بها، ويريد منا جميعاً الدخول في بيت الطاعة الإسرائيلي .. لا يرى الراشد في حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وغيرها إلا الشر المحض. تصفح أعمدته في (الشرق الأوسط) ستجد أن الهجوم على حركة حماس مثلاً يحتل مساحة كبيرة منها تماهياً مع المصالح الصهيونية، بل مع اليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة" ، كما يؤكد "بن راشد" في حواره أن الخطاب السوداوي الذي تقدمه قناة العربية عن الحالة العربية مقصود بها تقديم الذرائع للتدخلات الأجنبية في صياغة البنية الاجتماعية والتربوية والثقافية العربية قائلا : "عندما ينظر الراشد بعيون أميركية وإسرائيلية إلى السعودية والعالم العربي، فلا يكتب إلا عن التطرف والبؤس والإرهاب، فإن ذلك يمهد الطريق للتدخلات الثقافية والإيديولوجية، بل يبرر العدوان العسكري على المنطقة" ، كما وصف القناة بالديماجوجية الإعلامية في تعاملها مع الأحداث المتباينة وخاصة ما يتعلق بتقاطعات الأزمات بين العالم الإسلامي والكيان الصهيوني أو السياسة الأمريكية ، وبعدها التام عن الحيادية والمنطق وأبسط مبادئ الإعلام المسؤول ، ودلل على كلامه بنماذج كثيرة من تحليل خطاب القناة وتعبيراتها المتحاملة للغاية على أي سلوك عربي أو فلسطيني أو إسلامي بالمقابل يتسم خطابها بالتبرير والتواطؤ مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية حتى في استخدام المصطلحات المعبرة عن الوقائع ، كما رصد الخبير الإعلامي السعودي تكرار تعمد عبد الرحمن الراشد رئيس قناة العربية إهانة أي مسؤول عربي أو إسلامي يقف موقفا مدافعا عن القضية الفلسطينية ومن ذلك موقفه البالغ الغرابة من رئيس الوزراء التركي عندما ناصر الحق الفلسطيني في مؤتمر دافوس الشهير ، يقول "بن سعيد" : "لاحظ مثلاً تعريضه برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بسبب موقفه الشجاع من المجرم شيمون بيريز، وتأييده للقضية الفلسطينية، إذ كتب في عموده في (الشرق الأوسط) واصفاً انسحاب أردوغان من منتدى دافوس "بالمسرحي"، وأن موقفه المناصر للحق الفلسطيني قد لا يكون حقيقياً "أكثر من حقيقة وجود شخصية مهند بطل مسلسل نور" ، كما يتعمد عبد الرحمن الراشد إهانة المشاعر الإسلامية التي تتظاهر ضد الأمريكيين في أي واقعة ، وضرب على ذلك مثالا قوله : "عندما سار قرابة مليون متظاهر في شوارع الخرطوم احتجاجاً على الرسوم الدانماركية المسيئة سخر الراشد في عموده المنشور في 28 شباط (فبراير) 2008 مما وصفه "بالبشيرية" ودعايتها الرخيصة وغضبتها المضرية بحسب تعبيره، مضيفاً: "اعتدنا على المسرح السياسي الكوميدي في الخرطوم الذي يزودنا دائماً بالمضحك". وعندما نشرت مجلة (نيوزويك) تقريراً عن تدنيس المصحف الشريف في معتقل غوانتانامو، وسارت التظاهرات الاحتجاجية في أفغانستان منددة بالجريمة، سخر الراشد في عموده (18 أيار/مايو 2005) من التظاهرات مخاطباً القارىء بقوله: "ستكون مغفلاً كبيراً لو صدقت أن الافغان قرؤوا مجلة (نيوزويك) وأثارهم خبرها عن تدنيس القرآن، ثم أخذتهم الحمية على دينهم ونزلوا في الشوارع في مظاهرة عاطفية تلقائية" رغم أن الأمر لا يحتاج أن يقرأ كل مواطن النيوزيويك لكي يتأكد أن هناك إهانة حدثت لكتابه المقدس ، كما يشير "بن سعيد" إلى أن بعض مقالات الراشد كانت تعتبر علامات فارقة على التواطؤ مع المشروع المتصهين ضد العالم العربي والإسلامي وقضاياه المصيرية ، ضاربا المثل على ذلك بعنوان مقاله الشهير " "الحقيقة المؤلمة أن كل الإرهابيين مسلمون" والذي نشره في عموده بصحيفة الشرق الأوسط .
وفي ختام حواره قال الخبير الإعلامي السعودي "أعتقد أن مشروع قناة (العربية) برمته يمثل اختباراً لقدرتنا على المقاومة والاحتجاج. لا بد أن يتنادى المثقفون الناطقون بالعربية من إسلاميين وقوميين وليبراليين شرفاء لمواجهة هذا العبث والتطاول والنفاق الذي تنشره (العربية) على آفاقنا صباح مساء. أنا أطالب بتشكيل جبهة شعبية ضد الإعلام المتصهين ورموزه وقادته ومموليه تتولى مقاطعة هذا الإعلام والتحذير منه والدعوة إلى عدم التعامل معه ورصد ما يبث فيه وتحليله وتعريته. بل أطالب بتشكيل "محكمة جرائم حرب" فكرية/إعلامية تضع قوائم بأسماء الذين يتطاولون على ثوابت الدين أو مقدسات الأمة أو يثبت تخندقهم في صف العدو وتماهيهم مع أجنداته ومشاريعه، ومن ثم تحاكمهم وتصدر بحقهم الأحكام العادلة"
من جانب آخر ، دافعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن الإعلامي السعودي "عبد الرحمن الراشد" بقوة واعتبرته ـ حسب وصفها ـ رجل إعلام منتصب القامة ، منفتح ، ناجح ، صاحب رؤية تجديدية" كما أشارت إلى أنه حصل لقناته على لقب "قناة العبرية" لتماهيها مع الخطاب الأمريكي والإسرائيلي ، وأشار التقرير الإسرائيلي الذي نشر أول أمس الاثنين ، إلى أن ضغوطا أمريكية عاجلة وغاضبة للغاية أوقفت قرار طرد عبد الرحمن الراشد خارج قناة العربية وأعادته من جديد ، بعد أربعة أيام فقط من قرار إبعاده ، وتم إخطاره بالتوقف عن "حزم أمتعته" ـ على حسب تعبير الصحيفة ـ التي أكدت أن عودته من المؤكد أنها ستكون بجناح مكسور ، وأن المؤكد أن جهات سعودية تبحث من الآن عن "بديل" له .
لمتابعة نص الحوار كاملا راجع باب "ملفات" في هذا العدد .
================================================== =======
أحمد بن راشد بن سعيد : هذه هي قصة ارتباط قناة العربية بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية
أجرى الحوار : أحمد سعد البحيري (المصريون) | 22-09-2010 01:47
الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد ، أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية ، شخصية أكاديمية وإعلامية بارزة في الجدل الثقافي والإعلامي السعودي خلال السنوات العشر الأخيرة ، وهو صاحب خطاب جريء ، ولذلك يبدو في كثير من الأحيان قاسيا وجارحا ، غير أنه يحظى باحترام قطاع كبير من النخبة العربية ، وفي الخليج العربي بشكل خاص ، وبن راشد متابع جيد للنفوذ الإعلامي الأمريكي في الإعلام العربي بشكل عام ، والخليجي بشكل خاص ، وله دراسات عديدة منشورة في هذا الجانب ، بعضها أثار ضجة كبرى ، ويتميز بن راشد بتجاوزه للمكانة الأكاديمية ـ كأستاذ للإعلام ـ إلى الممارسة العملية ككاتب صحفي في أكثر من صحيفة دولية وإقليمية وسعودية إضافة لرئاسته تحرير عدد من المجلات ومشاركاته المتنوعة في حوارات علمية وإعلامية في قنوات فضائية عربية كثيرة .
المصريون التقت بالإعلام البارز "أحمد بن راشد بن سعيد" في أعقاب الجدل الواسع الذي صاحب أخبار إقالة رئيس قناة العربية "عبد الرحمن الراشد" من رئاسة القناة وإنهاء الاتفاق معه على الكتابة في صحيفة الشرق الأوسط ، ثم صدور قرارات غاضمة وعاجلة خلال أربعة أيام فقط بإعادته إلى الموقعين ، وهي سابقة لم تحدث من قبل في الإعلامي الخليجي ، بن راشد طوف في حواره مع المصريون حول الكثير من آثار ذلك الخطاب الذي وصفه "بالإعلام المتصهين" ومخاطره على المصالح العربية والإسلامية ، كما تحدث عن خلفيات الأزمة الأخيرة وأبعادها .
*دكتور أحمد، كيف تقرأ إيقاف الكاتب عبد الرحمن الراشد من الكتابة في (الشرق الأوسط) ثم استقالته من (العربية) ثم عودة الأمور إلى ما كانت عليه؟
- الراشد ظن أنه على كل شيء قدير، وأنه باستطاعته أن يصنع الرأي العام وفق رؤيته، ويفصل السياسات العربية على مقاسه، ويضغط حتى على الدولة السعودية ويبتزها للمشاركة في المشروع الأميركي في المنطقة وللرضوخ للسياسات الإسرائيلية. أعتقد أن الرجل ذهب بعيداً في هذه الطريق، ولأنه لم يجد من يعارضه معارضة حقيقية ويحاسبه على هذا التوجه، فقد استمرأ العبث بكل شيء، من أجل عيون صناع السياسة الأميركية والإسرائيلية، وكان لا بد في نهاية المطاف من أن يصطدم بخطوط حمراء لا يستطيع تجاوزها، فكان أن وقع في شر أعماله.
* لكن الرجل عاد إلى الكتابة في (الشرق الأوسط)، وعاد إلى منصبه في قيادة (العربية).
- نعم، ولكن هذا لن يرمم سمعته إطلاقاً. وكما يقولون بالإنكليزية (the damage was done). العرب شرقاً وغرباً يعرفون من هو عبد الرحمن الراشد وأي دور يتصدى له وأي أجندة يحملها، وما حدث أخيراً ينزع الأقنعة الأخيرة عن وجه هذا الرجل، ويجعله عارياً يحمل على ظهره مدينة كلها مخزيات. لقد سقطت آخر ورقة توت.
*ما هي طبيعة الدور الذي يؤديه الراشد؟
- دعني أوضح لك نقطة مهمة هنا. لقد كان الرجل يحظى بالمجاملة في الأوساط الرسمية السعودية بسبب ظهوره بمظهر المدافع عن المجتمع السعودي ضد ظاهرة العنف المتطرف، ولكن سرعان ما انكشف لكل ذي عينين أن الرجل بعيد كل البعد عن هم الوطن الذي يحمل جنسيته، إذ أخذ يهاجم الدين والثقافة والتاريخ وكل شيء ترمز إليه السعودية كياناً وشعباً وقيادة وأرضاً، باسم ما وصف "بالحرب على الإرهاب". لقد هاجم الراشد الجمعيات الخيرية والإنسانية والدعوية، واستغل مناسبات شهر رمضان ليحذر الدولة من صدقات المحسنين، واستغل الإجازات الصيفية ليتهم مراكز النشاط الصيفي بأنها "محاضن للإرهاب"، وصور الشعب السعودي بأسره بوصفه قطعاناً من الإرهابيين أو مشاريع إرهابيين، وهذا بالضبط ما يريده الأجنبي ليحقق أهدافه الإمبريالية في السعودية وفي المنطقة بأسرها.
* كيف؟
- عندما ينظر الراشد بعيون أميركية وإسرائيلية إلى السعودية والعالم العربي، فلا يكتب إلا عن التطرف والبؤس والإرهاب، فإن ذلك يمهد الطريق للتدخلات الثقافية والإيديولوجية، بل يبرر العدوان العسكري على المنطقة. انظر مثلاً إلى ما زعمه في عموده في (الشرق الأوسط) عن وجود "أدلة كثيرة على سوء استخدام العمل الخيري لتمويل جرائم خطيرة"، وعن أن "كثيرين لا يدرون كيف تصرف أموالهم, بل يزين لهم بإعلانات تدمع العين على حال المسلمين، ولا يدرون أن بعضها ينفق على المواقع الإلكترونية التي تكفر الناس، وتصنع الأشرطة التكفيرية، وتمول إعلاناتها في الصحف السعودية، وتبذل بسخاء للمحاضرين وتنظيم المعسكرات ".
بل اقرأ ما كتبه الراشد محرضاً الأميركيين على الدولة السعودية عندما اتهم فرق الإغاثة الإنسانية التابعة للهلال الأحمر السعودي في إندونيسيا التي ذهبت إلى هناك إثر طوفان تسونامي بأنها قامت "بتسييس معوناتها" من خلال توزيع "الأحجبة النسائية على أناس كانوا واقفين يبحثون عن ما يسد رمقهم"، وسخر من هذه الجهود زاعماً أن هناك من تساءل عن أهداف الإغاثة السعودية التي جاءت "لتحجيب النساء" لا لإنقاذهم من الموت على حد تعبيره. ثم دعا في لغة تحريضية واستقوائية بالأجنبي إلى تشديد الرقابة على العمل الخيري، و"ألا يسمح لأحد بتسييس الجمعيات". وأذكر أن عبد الرحمن السويلم رئيس الهلال الأحمر السعودي سابقاً رد على اتهامات الراشد في رسالة بعث بها إلى رئيس التحرير، طارق الحميد، ولأن السويلم مسؤول كبير ولا يسع الجريدة (الديموقراطية جداً) أن تتجاهله، فقد نشرت رده بعد اختصار وتنقيح في (بريد القراء) في الجريدة. وأذكر أن عنوان الرد كان: "كنا هناك فلم نلاحظ أحجبة نسائية". لقد أرعب الراشد وزملاؤه في (الشرق الأوسط) و(العربية) حتى النخبة من الشعب السعودي ليتبرؤوا من مجرد توزيع مناديل تغطي بها الفتاة الإندونيسية رأسها امتثالاً لتعاليم دينها. ليوزع الهلال الأحمر والندوة العالمية وغيرهما من المنظمات الإنسانية أحجبة على النساء، ما الذي يغيظ الراشد في ذلك؟
* لكن أليس تقييد العمل الخيري ضرورياً لتفادي تمويل النشاطات غير القانونية؟
- إن الرقابة لا تعني ابداً تجفيف منابع الصدقات والتبرعات، فالتصدق نزعة فطرية إنسانية لا بد من إشباعها وتوفير القنوات التي تصب من خلالها. ثم إننا نحن المسلمين لا يمكن أن نكف عن الصدقات والزكوات لارتباط ذلك بديننا وثقافتنا. ونحن نعلم أن العمل الخيري في كل بلاد العالم يحظى بالتشجيع الرسمي؛ لأنه ركن من أركان الدولة الحديثة ورادف حيوي لها. في الولايات المتحدة مثلاً يعفى من دفع الضرائب من يتبرع بقيمتها إلى الكنائس والمساجد وجمعيات النفع العام تشجيعاً لثقافة التطوع والصدقة. القطاع الخيري في الولايات المتحدة هو القطاع الثالث (بعد قطاع الدولة والقطاع الخاص)، ويضم في إطاره أكثر من 1.6 مليون منظمة، يعمل فيها قرابة 11مليون فرد، وتناهز إيراداته 300 بليون دولار سنوياً. الراشد كان بيدقاً للسياسة الأميركية التي استغلت أحداث سبتمبر لضرب العمل الخيري في العالم العربي، وفي السعودية خصوصاً، وقد خسرت المملكة بسبب التضيق على التبرعات والصدقات ميادين كثيرة للتأثير ونشر رسالة الإسلام السمحة، ما وفر الفرصة لإيران لتستولي على مساحات شاسعة، وتهيمن على مساجد ومراكز ثقافية إسلامية بنتها المملكة، أو أشرفت عليها سنوات عدة، أو ساهمت في بنائها، أو مولها محسنون من السعودية والخليج. لقد سقطت مساجد سنية في أيدي أنصار النظام الإيراني في أميركا الشمالية وأوروبا وإفريقيا وأستراليا وسنغافورة والفلبين وإندونيسيا وتايلاند، وفي العراق بالطبع. ولو كان الراشد صادقاً في وطنيته أو حتى في عدائه للمشروع الإيراني كما يزعم لكتب محذراً من تمدد الثقافة الإيرانية وإيديولوجيتها المعادية للسنة وللدولة السعودية، ولكن الرجل لا يعادي إيران إلا بالقدر الذي تهدد به المصالح الأميركية أو الإسرائيلية، ولا شأن للسعودية بذلك. الراشد يهاجم سوريا والمقاومة الفلسطينية بضراوة، ويتهم حماس باستمرار بأنها مجرد أداة إيرانية وهو يعلم أنه يكذب، وهو منطق نتينياهو نفسه. لنتذكر أن موجة التشيع العارمة التي عمت العالم العربي وإفريقيا وأسفرت عن تشييع الملايين (بلغ عدد المتشيعين في إفريقيا بحسب بعض التقارير سبعة ملايين) نجمت عن أسباب منها انحسار الدور السعودي الثقافي والإنساني بعد 9/11، ولكن ذلك لم يحرك قلم الراشد للدفاع عن السعودية وأمنها القومي، بل أنشب أظفاره في أديم الجهود الإغاثية والدعوية متهماً إياها بتفريخ الإرهاب ونشر التطرف.
* هل تقول إن الراشد يقف في الصف المعادي لوطنه؟
- الراشد رجل شديد الوضوح، وربما ينطبق عليه قول الرافعي في وصف طه حسين: "رجل جريء يقع في الأشخاص وفي المعاني، ويستوحل في كل وحل..جهله أوفى من علمه، ولسانه أوفى من عقله، وقد لبسه عقله الناقص الأهوج فلا يتثبت ولا يتحرج، ولا تسوؤة السيئة من نفسه، ولا تسره الحسنة من أحد.. رجل كشبكة الصائد: كلها عيون وخروق، وبين كل خرق وخرق عقدة". انظر مثلاً إلى تناول قناته للاعتداء على حياة ستة سعوديين كانوا يؤدون صلاة الفجر في صحراء النيجر. كان الوصف الذي اختارته القناة للجريمة هو "الحادث"...وتزامن ذلك مع قيام الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب بمحاولة تفجير طائرة ركاب أميركية متجهة إلى ديترويت خلال يوم الاحتفال بعيد الميلاد عام 2009، وهي المحاولة التي وصفتها (العربية) "بالاعتداء" رغم أنها لم تحصل.
لاحظ مثلاً كيف تقدم القناة السعوديين في تناولها الإخباري. خلال شهر رمضان 1430 بثت القناة سلسلة تقارير يومية في نشراتها الإخبارية بعنوان "عين على مكة والمدينة" تكرس صورة غير لائقة بأهل هاتين المدينتين المقدستين ومكانتهما الروحية والحضارية. من هذه التقارير الغريبة: "الموسيقار طارق عبد الحكيم، السينما في منطقة مكة، محمد النشار وموسيقى الأطفال، الثلوثية المكاوية (لقاء في مكة يضم مجموعة من الشباب في يوم الثلاثاء، يتناولون فيه الطعام ويلعبون الورق "البيلوت")، الإنشاد المكي والموسيقى المكية، والذي قالت فيه مقدمة التقرير: "قم لا تنم وصلح الأوتار، النوم يمكن تأجيله، أما تصليح الأوتار للعزف والإنشاد فأمر لا ينتظر... فبالعود المعتق، والكمان الجهير، والطبل المشدود على آخره، والقانون مخرج النغمات مثل خيوط الحرير يتجلى المكاوي، فتجره الأنغام حيث يشاء، ويجرها ساعة يريد". تقرير آخر يتحدث عن المطرب الراحل طلال مداح، وينقل إلى المشاهد بعض أزقة مكة معلقاً بالقول: هنا كان يتمشى طلال مداح. تقارير أخرى تتحدث عن خبز اسمه "خبز الملا"، وعن بيع المسابح، وأشياء تريد القناة أن تقول من خلالها: هذه مكة والمدينة، وتلك رسالتهما إلى العالم، وهؤلاء هم السعوديون، وذلك مبلغهم من العلم. يحدث هذا في شهر رمضان، ولكن متى كان الإناء ينضح بغير ما فيه؟ الأنكى من ذلك كله برنامج "صناعة الموت" الذي يتحدث عن ثقافة العنف والكراهية المنسوبة إلينا نحن معشر السعوديين والعرب والمسلمين بعامة، وكأنها مصكوكة باسمنا وحدنا، ولك أن تتخيل تأثير مثل هذا الطرح على تشويه صورتنا في العالم، والإساءة إلى بلد بحجم المملكة العربية السعودية يغص بالعلماء والشعراء والمثقفين، ثم لا ينتج إلا صناعة الموت.
* نشرت دراسة قبل سنوات عن ما وصفته بلغة (الخطاب المتصهين) للراشد في (الشرق الأوسط) و (العربية)..هل تغير شيء من ذلك الحين في مفردات هذا الخطاب؟
- لم يزدد الرجل إلا تماهياً مع السياسة الأميركية الإسرائيلية سواء في عموده أم في السياسة التحريرية لقناته. لاحظ مثلاً تعريضه برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بسبب موقفه الشجاع من المجرم شيمون بيريز، وتأييده للقضية الفلسطينية، إذ كتب في عموده في (الشرق الأوسط) واصفاً انسحاب أردوغان من منتدى دافوس "بالمسرحي"، وأن موقفه المناصر للحق الفلسطيني قد لا يكون حقيقياً "أكثر من حقيقة وجود شخصية مهند بطل مسلسل نور"، مشيراً إلى أن أردوغان لا يسعى إلى أكثر من "صداقة كلامية" مع العرب، وربما كان "موقفاً انتهازياً...أعان الله العرب على كثرة الانتهازيين". ويحذر في مقال آخر من صعود تركيا زاعماً أنها "ستكون في المستقبل قوة مقلقة لجيرانها". هذه هي طريقة عبد الرحمن الراشد في دعم العدو الإسرائيلي. إنه يتألم من أي موقف يؤذي مشاعر هذا العدو. وموقفه من أردوغان يعيد إلى الذاكرة موقفه من الرئيس الماليزي مهاتير محمد الذي انتقد في مؤتمر القمة الإسلامي في ماليزيا عام 2003 انحياز الغرب إلى عدوان اليهود في فلسطين، وتسلط اليهود وعداءهم للمسلمين، فما كان من الراشد إلا أن جرد قلمه ليكتب مقالاً بعنوان "مسلمون هادئون ومهاتير غاضب"، يزعم فيه أن مهاتير ناقض "تاريخه الطويل بالتعاون مع الغرب" وأنه أخفق في "انتقاء العبارات الدقيقة...فعمم النقد لليهود، في حين ربما كان يعني الإسرائيليين".
أما العناوين والأخبار في قناة (العربية)، فربما كان مناسباً إضافة بعض الاقتباسات والشواهد الحديثة إلى الدراسة التي أشرت إليها. مثلاً، فيما يتعلق بالموقف التركي الجديد من القضية الفلسطينية، فقد خصصت القناة جزءاً من برنامجها "بانوراما" لمناقشة خلفيات هذا الموقف، وكانت العناوين البارزة على الشاشة ممالئة لإسرائيل ومنتقصة من الأتراك, مثل: "أردوغان رحل غاضباً من دافوس بعد أن أسمع بيريز كلاماً قاسياً"، "أردوغان كان قد وصف أولمرت بأنه مخادع"، "إسرائيل تطلب من تركيا إعادة النظر في علاقتها بإيران وحماس"، و "تركيا من وسيط إلى طرف". مثال آخر: نشرت القناة على صدر شاشتها في 25 آذار (مارس) 2010 خبراً يقول: "تأهب في محيط الحرم القدسي تحسباً لاقتحامه من قبل ناشطين يهود". لاحظ أن أكثر الوكالات وشبكات الأخبار العالمية تصف هؤلاء اليهود بأنهم "متطرفون" لا "ناشطون"، كما اختارت (العربية) أن تصفهم. وفي شهر رمضان المنصرم نشرت القناة خبراً عريضاً يقول: "إسرائيل تنشر ثلاثة آلاف شرطي حول الحرم القدسي تحسباً لمواجهات مع المصلين في الجمعة الأولى لرمضان". لاحظ أن جنود الاحتلال أصبحوا "شرطة"، والشرطة عادة يعملون في ظل دولة ذات سيادة على أرضها، والقدس مدينة محتلة حتى في لغة السياسة الأميركية الرسمية، وهؤلاء "الشرطة" مساكين "انتشروا" خوفاً من أن يقوم المصلون بمهاجمتهم، كما يوحي الخبر، وليس العكس. إنه فن صياغة الخبر الصهيوني كما تبدعه الخيالات الشيطانية لمحرري غرفة لأخبار في قناة (العربية). في الرابع من آب (أغسطس) 2010 أذاعت (العربية) خبراً يقول: "شنت إسرائيل غارات على منطقة عبسان بغزة ما أسفر عن قتلى وجرحى فلسطينيين. وقد ساد التوتر المنطقة بعد غارات إسرائيلية مكثفة رداً على إطلاق صواريخ من القطاع". المسألة هنا بالطبع ليست (اعتداءات)، كما يحصل عندما يكون الطرف (المهاجم) عربياً أو مسلماً، بل (غارات) و (عمليات)، والضحايا بالطبع ليسوا إلا "صرعى" لا أسماء لهم ولا كرامة. لكن (العربية) تذهب أبعد من ذلك فترسم مشهداً زائفاً أو ملفقاً عندما تصف العنف الصهيوني "بالتوتر"، موحية أن هذا التوتر مفهوم ومبرر؛ لأن أهل غزة هم المعتدون في حقيقة الأمر، وهم الذين أطلقوا الصواريخ على الضحايا الإسرائيليين. وقد تتبعت خلفيات القصة فوجدت أن المقاومة الفلسطينية في غزة لم تطلق في تلك الأيام أي صاروخ على الكيان الإسرائيلي، ولكن (العربية) كذبت من أجل عيون إسرائيل. والحقيقة أن (العربية) تحرص دائماً على أن تضع "التبرير" في ثنايا أي خبر يتضمن عنفاً صهيونياً ضد الفلسطينيين. في 25 شباط (فبراير) 2009 ساقت خبراً يقول: "غارة جوية إسرائيلية على أنفاق بعد إطلاق صاروخين فلسطينيين"، وفي اليوم التالي خبر آخر: "إسرائيل تقصف أنفاق غزة بعد هجمات صاروخية". وعندما يستشهد فتية فلسطينيون تحرص القناة عادة على عرض الرواية الإسرائيلية القاضية بأن الفتية كانوا أصلاً يعدون لهجوم صاروخي. في آخر شهر نيسان (أبريل) 2008 ارتكبت إسرائيل مجزرة بشعة في بيت حانون بقطاع غزة فقتلت السيدة ميسر أبو معتق وأطفالها الأربعة، وانشغلت قناة (العربية) بالتحدث في نشراتها الإخبارية المتتابعة عن "المسؤولية" عن الجريمة، مشيرة إلى نفي "الجيش الإسرائيلي" مسؤوليته، ومتحدثة عن "تضارب الأنباء بشأن مسؤولية مقتل أم وأطفالها الأربعة في غزة"، وعن أن "حماس وإسرائيل تتبادلان الاتهامات". ويسأل المذيع السعودي محمد الطميحي ضيفاً عبر الأقمار الاصطناعية: كيف لنا أن نصدق رواية حماس؟ القناة أيضاً بثت خبراً في الثالث من أيلول (سبتمبر) 2010 يقول: "حماس وثلاثة عشر فصيلاً يعلنون تشكيل تحالف لشن هجمات على إسرائيل"، ولك أن تقارن ذلك بصياغة الخبر نفسه في شبكة (الجزيرة) والذي كان نصه: "13 فصيلاً فلسطينياً يشكلون خلية عمل مشتركة من أجل تعزيز المقاومة ضد الاحتلال". وعندما اعتدت قوات اليونيفيل في جنوب لبنان على بعض المواطنين في بلدة خربة سلم في شهر تموز (يوليو) الماضي منتهكة حرمة منازلهم، وقام هؤلاء المواطنون بالدفاع عن أنفسهم، وقفت (العربية) مع اليونيفيل، واصفة ما قام به اللبنانيون "بالاعتداء"، وناشرة خبراً على صدر شاشتها يقول: "إسرائيل تحذر لبنان من العواقب إذا تكررت الحادثة"، من دون حتى وضع كلمة "العواقب" بين قوسي تنصيص. أما ترديد المصطلحات الصهيونية فهو أمر ذائع في لغة أخبار (العربية) كما يظهر مثلاً عندما تستخدم القناة اسم "حائط المبكى" للإشارة إلى حائط البراق.
*إذن اللغة أو مفردات التناول الإعلامي هي سلاح (العربية) الذي تلجأ إليه لتشويه الحقائق كما تقول؟
- مشكلة (العربية) أنها قناة مؤدلجة تقدم نفسها بوصفها قناة إخبارية، وهذا يمكن أن يكون أي شيء إلا الصحافة. إما أن تكون قناة إخبارية تحترم قواعد الممارسة الإعلامية القائمة على التوازن، وتنأى عن التلوين ولغة الدعاية، وإما أن تتحول إلى منبر للرأي تسجل من خلاله مواقفها وتصفي حساباتها مع من تشاء. أما ممارسة التلفيق والتهويش وإلباسه لباس العقلانية فهو أمر لا يمكن هضمه. خذ مثلاً حادثة وفاة مجدي البرغوثي، من حركة حماس، في سجن برام الله أثناء التعذيب على يد رجال أمن السلطة في أواخر شهر شباط (فبراير) 2008. روت (العربية) الخبر في شريطها كالتالي: "وفاة رجل دين من حماس في سجن برام الله"، بينما نشرت (الجزيرة) الخبر بطريقة مختلفة: "وفاة الشيخ مجدي البرغوثي أثناء التحقيق في سجن برام الله". لاحظ استخدام (العربية) عبارة "رجل دين"، والرجل إمام وخطيب مسجد، ولاحظ إسقاط اسمه، وإسقاط الاسم تأطير دعائي يهدف إلى نزع الشخصنة وتحويل الإنسان إلى نكرة، أو إلى مجرد رقم من دون اعتبار ولا هوية.
* لكن (العربية) تؤكد في كل مرة على لسان الراشد أنها موضوعية ومهنية، وفي تصريح أخير له وصف القناة بأنها تمثل العقلانية والاعتدال في العالم العربي، الأمر الذي جعلها هدفاً للذين يختلفون معها.
- ببساطة، هذا كذب. ومن الغريب أن بعض الإعلاميين السعوديين الذين يعبرون عن اختلافهم مع الراشد يستبقون أي نقد له بالتشديد على "مهنية" الرجل و"حرفيته". وأتساءل: ما هي المهنية والحرفية إن لم تكن السعي إلى تحقيق العدل، وتجنب التحامل، وعدم إبراز جانب واحد من القصة وإخفاء آخر، والحرص التام على عدم تلوين الأخبار وأدلجتها. من هذا المنظور فإن مأزق الراشد المهني والأخلاقي كبير، وكبير جداً. قد تستغرب كيف يمضي الرجل وموظفوه في قناة (العربية) إلى حدود ديماغوجية ومتهافتة في تناولهم للأحداث. دعني أضرب لك مثالاً على المهنية والعقلانية اللتين يتشدق بهما الراشد. في الثلاثين من كانون الأول (ديسمبر) 2009 قام الطبيب الأردني همام البلوي بتفجير نفسه في مجموعة من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ما أسفر عن مقتل سبعة منهم, وقبل هذا الهجوم بأيام اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس بالضفة الغربية وأعدموا بدم بارد ثلاثة من كتائب شهداء الأقصى في المدينة أمام زوجاتهم وأطفالهم، واغتالوا أيضاً ثلاثة فلسطينيين في غزة. قناة (العربية) قالت إن أرملة الأردني "تبدي فخرها بانتحاره". هل يعقل أن تفتخر امرأة "بانتحار" زوجها، لاسيما إن كانت مسلمة؟ استخدام لفظ "انتحار" هنا ليس فيه ذرة مهنية. القناة لم تستخدم على الأقل لفظ "مقتل"، ولم تصف ما جرى بأنه "عملية"؛ لأنها لا تحاول أن تبحث عن نقطة في الوسط. لا منطقة وسطى عندما يتعلق الأمر بدم الأميركيين، رغم أنهم في هذا السياق تحديداً ليسوا أكثر من محتلين وجواسيس. أما جريمة قتل الفلسطينيين في الضفة وغزة، فقد هونت (العربية) بشاعتها من خلال وصفها "بعملية" قتل فيها "الجيش الإسرائيلي" "مسلحين" فلسطينيين؛ "مسلحين" لا مقاومين ولا مناضلين، و"الجيش الإسرائيلي" كذا حاف، من دون وصف "الاحتلال". في مطلع أيلول (سبتمبر) الجاري شنت قوات السلطة في رام الله حملة اعتقالات واسعة في صفوف أبناء حركة حماس إثر قيام الحركة بعملية ناجحة لقي فيها أربعة مستوطنين في الخليل مصرعهم، وقد شملت الاعتقالات قرابة 400 شخص، ووجهت بانتقادات من منظمات حقوقية فلسطينية ودولية مثل منظمتي "الحق" و"العفو الدولية"، وبثت (العربية) الخبر من دون إشارة إلى هوية المعتقلين، وكان عنوان الشاشة "اعتقالات في الضفة"، ولم يشر التقرير المصاحب لانتماء المعتقلين. هذا تكتيك دعائي يقوم على "الحذف" من أجل خدمة أجندة الدعاية. (العربية) تحاول أيضاً تجميل الموقف الإسرائيلي عبر تخفيف اللوم عليه، أو التركيز على وجود "إسرائيليين" محبين "للسلام"، وهو ما يكشف عنه انتقاء أخبار مثل ذلك الذي بثته القناة في 29 آب (أغسطس) 2010 ويقول: "فنانون إسرائيليون يرفضون تقديم عروض في مستوطنة في الضفة الغربية"، وخبر ظهر في شريط القناة الإخباري في 8 آذار (مارس) 2009 يقول: "كتاب وباحثون إسرائيليون يصدرون مذكرة يطالبون فيها بوقف هدم بيوت عربية في القدس". وفي أواخر نيسان (أبريل) 2010 أذاعت القناة أن "الجيش الإسرائيلي يوبخ ضابطين لمقتل فلسطينيين"، وهو تكتيك دعائي آخر يقوم على "احتواء الضرر" (damage control), ويهدف إلى الإيحاء بأن الجهة المتورطة أو المتهمة بانتهاكات تقوم بجهود حقيقية لتحقيق العدالة.
* إذن أنت ترى أن القناة تقف في مواجهة ثقافة المقاومة أو الممانعة في العالم العربي؟
- بالتأكيد. وهي فلسفة الراشد ورؤيته. إنه يزدري المقاومة أصلاً ولا يؤمن بها، ويريد منا جميعاً الدخول في بيت الطاعة الإسرائيلي. انظر مثلاً كيف تركز (العربية) على حوادث شاذة مثل قيام أب فلسطيني في حزيران (يونيو) 2008 بالتبرع بأعضاء ابنه الذي قتله الاحتلال الإسرائيلي لستة مرضى إسرائيليين، وكيف علقت القناة على ذلك بالقول إن هذا العمل قد يجمع الفلسطينيين والإسرائيليين ويعزز ثقافة السلام. وانظر مثلاً إلى تناول القناة بعض المظاهر الهامشية في المجتمع الفلسطيني كالخبر الذي نقلته عن "حرب الحمص"، وتحطيم الفلسطينيين في قرية (أبو غوش) الرقم القياسي لأكبر طبق حمص في العالم، وتحدثها عن دخول الفلسطينيين موسوعة غينيس "بأكبر رغيف مسخن في العالم"، موردة تصريحاً لمدير "مشروع" الرغيف جمال العاروري يؤكد فيه أن الحدث ينسجم مع الجهود المبذولة لترسيخ هوية الأكلات الشعبية في مواجهة مساعي دولة الاحتلال التي تدعي أن بعض الأكلات الفلسطينية إسرائيلية الأصل، بحسب تعبيره. وانظر مثلاً إلى التركيز على الحفلات الفنية أو عروض الأزياء في الضفة الغربية، وأذكر أن القناة تناولت عرض أزياء لفتيات فلسطينيات برام الله في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، بتعليق على صدر الشاشة يشير إلى "المقاومة بالقدود والخصور". نقلت القناة صور فساتين حملت اسم "الجدار والحرية"، وصوراً لأربع عارضات يضعن مجسماً اسفنجياً على بطونهن يمثل الجدار، ثم يزحنه فتظهر ملابسهن الشفافة باللون الأزرق المعبر عن الحرية. هذا هو مبلغ علم الراشد من المقاومة والجهاد.
* لكن الراشد يخص الإسلاميين من بين قوى المقاومة والممانعة بالنصيب الأكبر من الهجوم.
- إنه يهاجم كل قوى المقاومة والممانعة بما فيها بعض الفصائل الفلسطينية القومية واليسارية الرافضة للسير في ركب التسوية، لكن لأن الإسلاميين هم رأس الحربة في مشروع التصدي للعربدة الإسرائيلية، فإن الراشد يصب جام غضبه عليهم. انظر مثلاً كيف تتناول (العربية) مواقف النواب الإسلاميين في الكويت، معرضة بهم في كل مرة، وموحية بأنهم يستغلون حقاً دستورياً هو "المحاسبة" ليثيروا الشغب ويعطلوا مصالح البلاد. وانظر كيف يمكن للقناة أن تنقل مؤتمراً صحافياً لنتنياهو أو أوباما أو عباس، وعندما يتعلق الأمر بخطاب لمشعل أو هنية أو حسن نصر الله نجد القناة تضيق ذرعاً فتنقل جزءاً منه، ثم تقطعه بحجة مناقشة ما جاء فيه مستضيفة ضيفاً يكيل النقد للمتحدث. القناة تعيش مأزقاً وتتخبط في حيص بيص؛ لأنها مؤدلجة حتى النخاع، ولا تستطيع التحرر من صورها النمطية وأحكامها المسبقة. تابعت مرة تقريراً نشرته القناة في 29 آذار (مارس) 2009 عن مطالبة النائب الكويتي محمد هايف المطيري بفتح تحقيق في ظهور رجل عارٍ تماماً على القناة الثالثة للتلفزيون الكويتي، موردة تصريحاً للأكاديمي شملان العيسي يشجب فيه "تدخل الإسلاميين في كل شيء"، وهو ما أصبح "قضية مملة" كما قال. اللافت في التقرير نشر اسم النائب بطريقة مبتورة، من دون اسم القبيلة (المطيري)، وتصدر الشاشة بخط كبير الاسمان الأولان فقط: "محمد هايف". وقد يصعب على المشاهد أن يجزم بمراد المحرر من ذلك، وربما يلتمس له العذر، ولكن العارف بالعقلية التي تدار بها سياسة التحرير في (العربية)، والمراقب لنمط الاختيار والصياغة فيها، لا يستبعد أن يكون المقصود باسم (هايف) بمعزل عن اسم القبيلة هو التعريض واللمز لا التسمية والتعريف. لا يرى الراشد في حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وغيرها إلا الشر المحض. تصفح أعمدته في (الشرق الأوسط) ستجد أن الهجوم على حركة حماس مثلاً يحتل مساحة كبيرة منها تماهياً مع المصالح الصهيونية، بل مع اليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة. وهو على هذا يستخدم لغة مشحونة بالفوقية والازدراء. اقرأ مثلاً عموده الذي حمل عنوان "بيطري رئيساً للإخوان المسلمين"، ووصف فيه محمد بديع، وهو واحد من أهم 100 شخصية علمية في العالم العربي، بأنه "نكرة". السؤال هو: حتى لو افترضنا أن هذا العالم الذي ذرَّف على السبعين "نكرة"، فإن هذا لا يعيبه، فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، ولا يمكن مقارنة شهرته بشهرة الراشد الذي هو "علم" بحق، لكن أهي منزلة العلماء والمبدعين التي بوأته هذا المكان؟ هل توارى عن الأنظار وقدم للناس ما ينفعهم، أم شاع ذكره في الآفاق مسخراً قلمه وجهده لخدمة مشاريع وأجندات معادية لشعبه وأمته؟ لكن ما يضر البديع أن يكون بيطرياً يداوي الكلب الذي إن تحمله يلهث أو تتركه يلهث؟
* وماذا عن تناول القناة للشأن الإيراني؟
تلك مشكلة أخرى، فالاختلاف السياسي للقناة مع إيران دفعها إلى تشويه ما يجري داخل الساحة الإيرانية بشكل يدعو إلى القرف أحياناً، وليس له صلة ألبتة بأخلاقيات الصحافة. منذ تفجر الخلاف حول نتيجة الانتخابات قالت (العربية) إن "موسوي يعلن احتجاجه على المخالفات الواضحة في الانتخابات"، بينما قالت (الجزيرة) إن "موسوي يعلن احتجاجه على ما يقول إنها مخالفات واضحة..". في مطلع أيلول (سبتمبر) صرح الرئيس نجاد خلال زيارته قطر أن أي "هجوم إسرائيلي على إيران يعني محو الكيان الصهيوني من خريطة العالم"، فالتقطت (العربية) التصريح وحولته في شريطها الإخباري إلى: "الرئيس الإيراني يجدد التهديد بإزالة إسرائيل والدول التي تدعمها من الخارطة"، وهي كذبة حقيرة وصادمة، لم يقلها نجاد، ولا يمكن بالطبع أن يقولها.
* دعنا ننتقل إلى سبب استقالة الرجل أو إقالته.
- يبدو أن القشة التي قصمت ظهر البعير هي حلقة بثتها القناة من برنامج (الغرب والإسلام) في الثاني من أيلول (سبتمبر) الجاري، وهاجمت ما يعرف بالحركة ال*****ة، بقيادة محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، اللذين نعتهما البرنامج بأنهما متزمتان متعصبان أثارا الفتن في شبه الجزيرة العربية، وسرقا ممتلكات القبر النبوي وهدما الآثار الإسلامية. هذا الكلام يتماهى مع الخطاب الاستشراقي الإمبريالي، ومفردات التشيع الصفوي، ويتناغم مع الهجمة التي تشنها بعض دوائر الإعلام والسياسة في الولايات المتحدة ضد ما صار يعرف بالمدرسة ال*****ة المسؤولة في نظر هذه الدوائر عن التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم. الراشد يعتقد أن الحركة السلفية مناهضة للحداثة، وتحمل في بنيتها جذور العنف والكراهية. وهو ليس وحده، فزميله تركي الحمد كان قد هاجم في مجلة تايم الأميركية في 15 أيلول (سبتمبر) 2003 ثقافة المملكة العربية السعودية التي "تنتمي إلى عصر غابر" ولا تناسب عصر العولمة كما قال، زاعماً أن عقول السعوديين محشوة "بمفاهيم سيئة"، وأن "علينا أن نغير عقول الناس". وبعد ذلك المقال بأسبوع، أي في 21 أيلول (سبتمبر) 2003 كتب الحمد في (الشرق الأوسط) مقالاً يزعم فيه أن الصلة بين "ال*****ة" و"الإرهاب" غير مستبعدة، وأن الاتهام القاضي بأن "السلوك الإرهابي كامن في ثنايا الفكرة ال*****ة" هو اتهام قائم بالفعل، ويجعل السعودية موضع شك على مستوى العالم، مشيراً إلى أن هذا الربط مما "قد تختلف فيه الآراء". ويجادل الحمد بالقول إن ال*****ة وإن كانت "تشكل في النهاية إيديولوجية الدولة وأساس شرعيتها" إلا أنها نظام مأزوم وعاجز وغير قابل للتطور، ولذا فإن الوصفة الناجعة هي التخلي عن هذه الإيديولوجية ، إذ ليس للسعوديين إلا أحد خيارين؛ إما الإبقاء على الإنسان والكيان، وإما الإبقاء على المذهب والإيديولوجية. ثم يختار الحمد بالإنابة عن الشعب السعودي قائلاً: "الكيان هو المهم، والإنسان هو الأهم".
هذا الرأي الذي يقوض فيه الحمد شرعية الكيان السعودي على صفحات جريدة سعودية رسمية لا يختلف في التحليل الأخير عما بثته (عربية) الراشد بشأن "ال*****ة". إن الرجلين جزء من فريق واحد ينخرط فيما يمكن وصفه "بالليبرالية الجديدة"، وهي إيديولوجية متطرفة كارهة للدين وللكيان السعودي وتتربص بهما الدوائر. لنكن صرحاء، الراشد يحمل في نفسه غلاً على الإسلاميين وتعاطفاً عميقاً مع أعداء الإسلام. دعني أضرب أمثلة هنا. عندما سار قرابة مليون متظاهر في شوارع الخرطوم احتجاجاً على الرسوم الدانماركية المسيئة سخر الراشد في عموده المنشور في 28 شباط (فبراير) 2008 مما وصفه "بالبشيرية" ودعايتها الرخيصة وغضبتها المضرية بحسب تعبيره، مضيفاً: "اعتدنا على المسرح السياسي الكوميدي في الخرطوم الذي يزودنا دائماً بالمضحك". وعندما نشرت مجلة (نيوزويك) تقريراً عن تدنيس المصحف الشريف في معتقل غوانتانامو، وسارت التظاهرات الاحتجاجية في أفغانستان منددة بالجريمة، سخر الراشد في عموده (18 أيار/مايو 2005) من التظاهرات مخاطباً القارىء بقوله: "ستكون مغفلاً كبيراً لو صدقت أن الافغان قرؤوا مجلة (نيوزويك) وأثارهم خبرها عن تدنيس القرآن، ثم أخذتهم الحمية على دينهم ونزلوا في الشوارع في مظاهرة عاطفية تلقائية، فمجلة (النيوزويك) لا تباع أصلاً في أفغانستان"، مضيفاً أن القضية برمتها لا تعدو أن تكون اختلاقات تهدف إلى "تهييج مشاعر العداء...وهذا ما حدث في أفغانستان حيث حاولت جماعات مهزومة تأليب الناس". ولما احتدم الجدل حول مسجد قرطبة في (غراوند زيرو) كتب الراشد مقالاً باللغة الإنكليزية هاجم فيه بناء المسجد الذي سيكون رمزاً للدمار، ويخلد جريمة ارتكبت باسم الإسلام بحسب زعمه، منتقداً الرئيس الأميركي أوباما لدعمه بناء المسجد، مع أن أوباما لم يفعل إلا ما يمليه عليه دستور بلاده من الانحياز إلى الحرية الدينية. وذهب الراشد أبعد من ذلك منتقداً قرار أوباما إغلاق معتقل غوانتانامو ومحاكمة المعتقلين فيه أمام محاكم مدنية، مبرراً ذلك بأن عشرات الآلاف من المسلمين المتهمين بالتطرف مسجونون في ظروف أسوأ في بلدانهم الأصلية. هكذا يربط الراشد بين الإسلام والإرهاب صراحة، مع أن القاعدة وقادتها لا يمكن أن يمثلوا الإسلام. ولا عجب أن يصدر هذا الموقف من الراشد، فهو قد كتب مرة في عموده في (الشرق الأوسط) مقالاً بعنوان: "الحقيقة المؤلمة أن كل الإرهابيين مسلمون".
* ليكن للراشد ولقناته بعض المواقف المتشددة من التيارات الإسلامية، لكن ألا ترى أن قناة (العربية) تقدم في شهر رمضان بالذات برامج دينية تتناغم مع روحية الشهر الكريم؟
- عن أي برامج دينية تتحدث؟ في 11 رمضان المنصرم بثت (العربية) برنامجاً أو فيلماً "دينياً" احتوى على كثير من الإساءة إلى الدين والأنبياء والتاريخ الإسلامي. لا أذكر اسم البرنامج لكني سجلت بعض النقاط التي وردت فيه، مثل قول المعلق إن النبي إبراهيم "عاقب هاجر فنقلها إلى مكة، وهذا ما يقوله الكتاب المقدس، أما القرآن فله رأي آخر إذ إن إبراهيم لم يقصد معاقبة هاجر". ويضيف المعلق: "بالنسبة للمسلمين، محمد ليس براوٍ، بل هو نبي يبلغ رسالة ربه..كتب القرآن بعد وفاة محمد، ومن ذلك الوقت لم يتغير القرآن..جاء محمد بكتاب يدعو إلى المساواة.. أخضع محمد معارضيه بالقوة.. عاد محمد إلى مكة غازياً، وكان هدفه توحيد القبائل البدوية, وبحنكة محمد السياسية استطاع خلق أمة تبوأت المركز الثالث في المنطقة..". وفي البرنامج عبارات أخرى مشابهة مثل: "خرج العرب بعد وفاة النبي مقاتلين في سبيل العقيدة ...لكن هذه وجهة نظر..فهناك رأي يقول إنهم كانوا يقاتلون من أجل الماء والخضرة (وهنا ظهر ضيف أوروبي اسمه جيرنت روتير يؤكد هذا الزعم)..استولى العرب الغزاة على دمشق..رأى بحيرا الصبي محمداً وتفرس في وجهه، فعرف أنه النبي, وهو ما يدل على تقارب الديانتين: الإسلام والمسيحية...بنى العرب قبة الصخرة بمساعدة مهندسين بيزنطيين... أراد العرب من بناء الصخرة أن تكون قبراً للمسيح... يختلف القرآن مع الإنجيل في قضية صلب المسيح إذ يقول إن الله رفعه إليه...بدأ الصراع على السلطة بعد وفاة النبي..لم تعرف هوية قاتل علي بن أبي طالب حتى اليوم، لكن مؤيدي علي اتهموا بني أمية، وجهز الحسين جيشاً للانتقام من معارضي علي وسار إلى كربلاء.. أصبح 15% من المسلمين شيعة.. قادت أسرة بني أمية المسلمين السنة.. أدان المؤرخون بني أمية بوصفهم الشجرة الفاسدة في الإسلام". الفيلم ذكر أيضاً أن أهل الشام رحبوا "بالغزاة" العرب؛ لأن دينهم لم يأت بجديد، بل كان قريباً جداً من المسيحية، بحسب زعمه. واللافت أن خريطة العالم العربي ظهرت كثيراً أثناء الفيلم وفيها اسم "أورشليم" مكتوباً باللغة العربية بدلاً من القدس.
* كيف تقرأ بث القناة هذا البرنامج؟
إنه في نظري أسوأ من البرنامج الذي انتقد "ال*****ة"، واللافت أنه مزيج من نمطيات استشراقية وموروثات شيعية، وهو جدير بغضب أكبر واستجابة تتناسب مع ما عرضه من تجنٍ وتلفيق.
* ما الذي تقصده؟ ما هي الاستجابة أو رد الفعل المناسب؟
- أعتقد أن مشروع قناة (العربية) برمته يمثل اختباراً لقدرتنا على المقاومة والاحتجاج. لا بد أن يتنادى المثقفون الناطقون بالعربية من إسلاميين وقوميين وليبراليين شرفاء لمواجهة هذا العبث والتطاول والنفاق الذي تنشره (العربية) على آفاقنا صباح مساء. أنا أطالب بتشكيل جبهة شعبية ضد الإعلام المتصهين ورموزه وقادته ومموليه تتولى مقاطعة هذا الإعلام والتحذير منه والدعوة إلى عدم التعامل معه ورصد ما يبث فيه وتحليله وتعريته. بل أطالب بتشكيل "محكمة جرائم حرب" فكرية/إعلامية تضع قوائم بأسماء الذين يتطاولون على ثوابت الدين أو مقدسات الأمة أو يثبت تخندقهم في صف العدو وتماهيهم مع أجنداته ومشاريعه، ومن ثم تحاكمهم وتصدر بحقهم الأحكام العادلة. ثم يجب أن ترتفع أصوات السعوديين نخباً ومتعلمين ومشاهدين عاديين بالاحتجاج على الإعلام السعودي في الخارج والذي يسيء إلينا ويؤذينا ولا يمثلنا من قريب أو بعيد. يجب أن يكون شعارنا: "لا ليس باسمنا" (Not In our Name).
كتب : أحمد سعد البحيري (المصريون) | 22-09-2010 02:03
شن خبير إعلامي سعودي حملة عنيفة ضد ما أسماه "الخطاب المتصهين" الذي تقدمه قناة العربية الإخبارية في ظل رئاسة الإعلامي السعودي المعروف "عبد الرحمن الراشد" ، وذلك في أعقاب الجدل الذي صاحب قرار عزل الراشد من قناة العربية والاستغناء عن كتاباته في صحيفة "الشرق الأوسط" ثم صدور قرارات أخرى غامضة بعودته إلى الصحيفة وإلى القناة خلال أقل من أسبوع ، وهو ما عزته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية إلى ضغوط أمريكية وغضب شديد أبدته إدارة الرئيس أوباما من قرار إبعاد الراشد الذي اعتبرت أن المستهدف منه هو إبعاد الأصوات المؤيدة للتعاون مع الولايات المتحدة في حربها على "الإرهاب" ، وقال أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الرياض الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد في حوار تنفرد المصريون بنشره اليوم أن رسالة قناة "العربية" الأساسية هي التصدي لخطاب المقاومة وصناعة تغطية إعلامية عربية على السلوك العدواني الأمريكي والإسرائيلي ضد العالم الإسلامي ومصالحه ، مضيفا في حواره قائلا : "فلسفة (عبد الرحمن) الراشد ورؤيته. أنه يزدري المقاومة أصلاً ولا يؤمن بها، ويريد منا جميعاً الدخول في بيت الطاعة الإسرائيلي .. لا يرى الراشد في حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وغيرها إلا الشر المحض. تصفح أعمدته في (الشرق الأوسط) ستجد أن الهجوم على حركة حماس مثلاً يحتل مساحة كبيرة منها تماهياً مع المصالح الصهيونية، بل مع اليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة" ، كما يؤكد "بن راشد" في حواره أن الخطاب السوداوي الذي تقدمه قناة العربية عن الحالة العربية مقصود بها تقديم الذرائع للتدخلات الأجنبية في صياغة البنية الاجتماعية والتربوية والثقافية العربية قائلا : "عندما ينظر الراشد بعيون أميركية وإسرائيلية إلى السعودية والعالم العربي، فلا يكتب إلا عن التطرف والبؤس والإرهاب، فإن ذلك يمهد الطريق للتدخلات الثقافية والإيديولوجية، بل يبرر العدوان العسكري على المنطقة" ، كما وصف القناة بالديماجوجية الإعلامية في تعاملها مع الأحداث المتباينة وخاصة ما يتعلق بتقاطعات الأزمات بين العالم الإسلامي والكيان الصهيوني أو السياسة الأمريكية ، وبعدها التام عن الحيادية والمنطق وأبسط مبادئ الإعلام المسؤول ، ودلل على كلامه بنماذج كثيرة من تحليل خطاب القناة وتعبيراتها المتحاملة للغاية على أي سلوك عربي أو فلسطيني أو إسلامي بالمقابل يتسم خطابها بالتبرير والتواطؤ مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية حتى في استخدام المصطلحات المعبرة عن الوقائع ، كما رصد الخبير الإعلامي السعودي تكرار تعمد عبد الرحمن الراشد رئيس قناة العربية إهانة أي مسؤول عربي أو إسلامي يقف موقفا مدافعا عن القضية الفلسطينية ومن ذلك موقفه البالغ الغرابة من رئيس الوزراء التركي عندما ناصر الحق الفلسطيني في مؤتمر دافوس الشهير ، يقول "بن سعيد" : "لاحظ مثلاً تعريضه برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بسبب موقفه الشجاع من المجرم شيمون بيريز، وتأييده للقضية الفلسطينية، إذ كتب في عموده في (الشرق الأوسط) واصفاً انسحاب أردوغان من منتدى دافوس "بالمسرحي"، وأن موقفه المناصر للحق الفلسطيني قد لا يكون حقيقياً "أكثر من حقيقة وجود شخصية مهند بطل مسلسل نور" ، كما يتعمد عبد الرحمن الراشد إهانة المشاعر الإسلامية التي تتظاهر ضد الأمريكيين في أي واقعة ، وضرب على ذلك مثالا قوله : "عندما سار قرابة مليون متظاهر في شوارع الخرطوم احتجاجاً على الرسوم الدانماركية المسيئة سخر الراشد في عموده المنشور في 28 شباط (فبراير) 2008 مما وصفه "بالبشيرية" ودعايتها الرخيصة وغضبتها المضرية بحسب تعبيره، مضيفاً: "اعتدنا على المسرح السياسي الكوميدي في الخرطوم الذي يزودنا دائماً بالمضحك". وعندما نشرت مجلة (نيوزويك) تقريراً عن تدنيس المصحف الشريف في معتقل غوانتانامو، وسارت التظاهرات الاحتجاجية في أفغانستان منددة بالجريمة، سخر الراشد في عموده (18 أيار/مايو 2005) من التظاهرات مخاطباً القارىء بقوله: "ستكون مغفلاً كبيراً لو صدقت أن الافغان قرؤوا مجلة (نيوزويك) وأثارهم خبرها عن تدنيس القرآن، ثم أخذتهم الحمية على دينهم ونزلوا في الشوارع في مظاهرة عاطفية تلقائية" رغم أن الأمر لا يحتاج أن يقرأ كل مواطن النيوزيويك لكي يتأكد أن هناك إهانة حدثت لكتابه المقدس ، كما يشير "بن سعيد" إلى أن بعض مقالات الراشد كانت تعتبر علامات فارقة على التواطؤ مع المشروع المتصهين ضد العالم العربي والإسلامي وقضاياه المصيرية ، ضاربا المثل على ذلك بعنوان مقاله الشهير " "الحقيقة المؤلمة أن كل الإرهابيين مسلمون" والذي نشره في عموده بصحيفة الشرق الأوسط .
وفي ختام حواره قال الخبير الإعلامي السعودي "أعتقد أن مشروع قناة (العربية) برمته يمثل اختباراً لقدرتنا على المقاومة والاحتجاج. لا بد أن يتنادى المثقفون الناطقون بالعربية من إسلاميين وقوميين وليبراليين شرفاء لمواجهة هذا العبث والتطاول والنفاق الذي تنشره (العربية) على آفاقنا صباح مساء. أنا أطالب بتشكيل جبهة شعبية ضد الإعلام المتصهين ورموزه وقادته ومموليه تتولى مقاطعة هذا الإعلام والتحذير منه والدعوة إلى عدم التعامل معه ورصد ما يبث فيه وتحليله وتعريته. بل أطالب بتشكيل "محكمة جرائم حرب" فكرية/إعلامية تضع قوائم بأسماء الذين يتطاولون على ثوابت الدين أو مقدسات الأمة أو يثبت تخندقهم في صف العدو وتماهيهم مع أجنداته ومشاريعه، ومن ثم تحاكمهم وتصدر بحقهم الأحكام العادلة"
من جانب آخر ، دافعت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية عن الإعلامي السعودي "عبد الرحمن الراشد" بقوة واعتبرته ـ حسب وصفها ـ رجل إعلام منتصب القامة ، منفتح ، ناجح ، صاحب رؤية تجديدية" كما أشارت إلى أنه حصل لقناته على لقب "قناة العبرية" لتماهيها مع الخطاب الأمريكي والإسرائيلي ، وأشار التقرير الإسرائيلي الذي نشر أول أمس الاثنين ، إلى أن ضغوطا أمريكية عاجلة وغاضبة للغاية أوقفت قرار طرد عبد الرحمن الراشد خارج قناة العربية وأعادته من جديد ، بعد أربعة أيام فقط من قرار إبعاده ، وتم إخطاره بالتوقف عن "حزم أمتعته" ـ على حسب تعبير الصحيفة ـ التي أكدت أن عودته من المؤكد أنها ستكون بجناح مكسور ، وأن المؤكد أن جهات سعودية تبحث من الآن عن "بديل" له .
لمتابعة نص الحوار كاملا راجع باب "ملفات" في هذا العدد .
================================================== =======
أحمد بن راشد بن سعيد : هذه هي قصة ارتباط قناة العربية بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية
أجرى الحوار : أحمد سعد البحيري (المصريون) | 22-09-2010 01:47
الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد ، أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية ، شخصية أكاديمية وإعلامية بارزة في الجدل الثقافي والإعلامي السعودي خلال السنوات العشر الأخيرة ، وهو صاحب خطاب جريء ، ولذلك يبدو في كثير من الأحيان قاسيا وجارحا ، غير أنه يحظى باحترام قطاع كبير من النخبة العربية ، وفي الخليج العربي بشكل خاص ، وبن راشد متابع جيد للنفوذ الإعلامي الأمريكي في الإعلام العربي بشكل عام ، والخليجي بشكل خاص ، وله دراسات عديدة منشورة في هذا الجانب ، بعضها أثار ضجة كبرى ، ويتميز بن راشد بتجاوزه للمكانة الأكاديمية ـ كأستاذ للإعلام ـ إلى الممارسة العملية ككاتب صحفي في أكثر من صحيفة دولية وإقليمية وسعودية إضافة لرئاسته تحرير عدد من المجلات ومشاركاته المتنوعة في حوارات علمية وإعلامية في قنوات فضائية عربية كثيرة .
المصريون التقت بالإعلام البارز "أحمد بن راشد بن سعيد" في أعقاب الجدل الواسع الذي صاحب أخبار إقالة رئيس قناة العربية "عبد الرحمن الراشد" من رئاسة القناة وإنهاء الاتفاق معه على الكتابة في صحيفة الشرق الأوسط ، ثم صدور قرارات غاضمة وعاجلة خلال أربعة أيام فقط بإعادته إلى الموقعين ، وهي سابقة لم تحدث من قبل في الإعلامي الخليجي ، بن راشد طوف في حواره مع المصريون حول الكثير من آثار ذلك الخطاب الذي وصفه "بالإعلام المتصهين" ومخاطره على المصالح العربية والإسلامية ، كما تحدث عن خلفيات الأزمة الأخيرة وأبعادها .
*دكتور أحمد، كيف تقرأ إيقاف الكاتب عبد الرحمن الراشد من الكتابة في (الشرق الأوسط) ثم استقالته من (العربية) ثم عودة الأمور إلى ما كانت عليه؟
- الراشد ظن أنه على كل شيء قدير، وأنه باستطاعته أن يصنع الرأي العام وفق رؤيته، ويفصل السياسات العربية على مقاسه، ويضغط حتى على الدولة السعودية ويبتزها للمشاركة في المشروع الأميركي في المنطقة وللرضوخ للسياسات الإسرائيلية. أعتقد أن الرجل ذهب بعيداً في هذه الطريق، ولأنه لم يجد من يعارضه معارضة حقيقية ويحاسبه على هذا التوجه، فقد استمرأ العبث بكل شيء، من أجل عيون صناع السياسة الأميركية والإسرائيلية، وكان لا بد في نهاية المطاف من أن يصطدم بخطوط حمراء لا يستطيع تجاوزها، فكان أن وقع في شر أعماله.
* لكن الرجل عاد إلى الكتابة في (الشرق الأوسط)، وعاد إلى منصبه في قيادة (العربية).
- نعم، ولكن هذا لن يرمم سمعته إطلاقاً. وكما يقولون بالإنكليزية (the damage was done). العرب شرقاً وغرباً يعرفون من هو عبد الرحمن الراشد وأي دور يتصدى له وأي أجندة يحملها، وما حدث أخيراً ينزع الأقنعة الأخيرة عن وجه هذا الرجل، ويجعله عارياً يحمل على ظهره مدينة كلها مخزيات. لقد سقطت آخر ورقة توت.
*ما هي طبيعة الدور الذي يؤديه الراشد؟
- دعني أوضح لك نقطة مهمة هنا. لقد كان الرجل يحظى بالمجاملة في الأوساط الرسمية السعودية بسبب ظهوره بمظهر المدافع عن المجتمع السعودي ضد ظاهرة العنف المتطرف، ولكن سرعان ما انكشف لكل ذي عينين أن الرجل بعيد كل البعد عن هم الوطن الذي يحمل جنسيته، إذ أخذ يهاجم الدين والثقافة والتاريخ وكل شيء ترمز إليه السعودية كياناً وشعباً وقيادة وأرضاً، باسم ما وصف "بالحرب على الإرهاب". لقد هاجم الراشد الجمعيات الخيرية والإنسانية والدعوية، واستغل مناسبات شهر رمضان ليحذر الدولة من صدقات المحسنين، واستغل الإجازات الصيفية ليتهم مراكز النشاط الصيفي بأنها "محاضن للإرهاب"، وصور الشعب السعودي بأسره بوصفه قطعاناً من الإرهابيين أو مشاريع إرهابيين، وهذا بالضبط ما يريده الأجنبي ليحقق أهدافه الإمبريالية في السعودية وفي المنطقة بأسرها.
* كيف؟
- عندما ينظر الراشد بعيون أميركية وإسرائيلية إلى السعودية والعالم العربي، فلا يكتب إلا عن التطرف والبؤس والإرهاب، فإن ذلك يمهد الطريق للتدخلات الثقافية والإيديولوجية، بل يبرر العدوان العسكري على المنطقة. انظر مثلاً إلى ما زعمه في عموده في (الشرق الأوسط) عن وجود "أدلة كثيرة على سوء استخدام العمل الخيري لتمويل جرائم خطيرة"، وعن أن "كثيرين لا يدرون كيف تصرف أموالهم, بل يزين لهم بإعلانات تدمع العين على حال المسلمين، ولا يدرون أن بعضها ينفق على المواقع الإلكترونية التي تكفر الناس، وتصنع الأشرطة التكفيرية، وتمول إعلاناتها في الصحف السعودية، وتبذل بسخاء للمحاضرين وتنظيم المعسكرات ".
بل اقرأ ما كتبه الراشد محرضاً الأميركيين على الدولة السعودية عندما اتهم فرق الإغاثة الإنسانية التابعة للهلال الأحمر السعودي في إندونيسيا التي ذهبت إلى هناك إثر طوفان تسونامي بأنها قامت "بتسييس معوناتها" من خلال توزيع "الأحجبة النسائية على أناس كانوا واقفين يبحثون عن ما يسد رمقهم"، وسخر من هذه الجهود زاعماً أن هناك من تساءل عن أهداف الإغاثة السعودية التي جاءت "لتحجيب النساء" لا لإنقاذهم من الموت على حد تعبيره. ثم دعا في لغة تحريضية واستقوائية بالأجنبي إلى تشديد الرقابة على العمل الخيري، و"ألا يسمح لأحد بتسييس الجمعيات". وأذكر أن عبد الرحمن السويلم رئيس الهلال الأحمر السعودي سابقاً رد على اتهامات الراشد في رسالة بعث بها إلى رئيس التحرير، طارق الحميد، ولأن السويلم مسؤول كبير ولا يسع الجريدة (الديموقراطية جداً) أن تتجاهله، فقد نشرت رده بعد اختصار وتنقيح في (بريد القراء) في الجريدة. وأذكر أن عنوان الرد كان: "كنا هناك فلم نلاحظ أحجبة نسائية". لقد أرعب الراشد وزملاؤه في (الشرق الأوسط) و(العربية) حتى النخبة من الشعب السعودي ليتبرؤوا من مجرد توزيع مناديل تغطي بها الفتاة الإندونيسية رأسها امتثالاً لتعاليم دينها. ليوزع الهلال الأحمر والندوة العالمية وغيرهما من المنظمات الإنسانية أحجبة على النساء، ما الذي يغيظ الراشد في ذلك؟
* لكن أليس تقييد العمل الخيري ضرورياً لتفادي تمويل النشاطات غير القانونية؟
- إن الرقابة لا تعني ابداً تجفيف منابع الصدقات والتبرعات، فالتصدق نزعة فطرية إنسانية لا بد من إشباعها وتوفير القنوات التي تصب من خلالها. ثم إننا نحن المسلمين لا يمكن أن نكف عن الصدقات والزكوات لارتباط ذلك بديننا وثقافتنا. ونحن نعلم أن العمل الخيري في كل بلاد العالم يحظى بالتشجيع الرسمي؛ لأنه ركن من أركان الدولة الحديثة ورادف حيوي لها. في الولايات المتحدة مثلاً يعفى من دفع الضرائب من يتبرع بقيمتها إلى الكنائس والمساجد وجمعيات النفع العام تشجيعاً لثقافة التطوع والصدقة. القطاع الخيري في الولايات المتحدة هو القطاع الثالث (بعد قطاع الدولة والقطاع الخاص)، ويضم في إطاره أكثر من 1.6 مليون منظمة، يعمل فيها قرابة 11مليون فرد، وتناهز إيراداته 300 بليون دولار سنوياً. الراشد كان بيدقاً للسياسة الأميركية التي استغلت أحداث سبتمبر لضرب العمل الخيري في العالم العربي، وفي السعودية خصوصاً، وقد خسرت المملكة بسبب التضيق على التبرعات والصدقات ميادين كثيرة للتأثير ونشر رسالة الإسلام السمحة، ما وفر الفرصة لإيران لتستولي على مساحات شاسعة، وتهيمن على مساجد ومراكز ثقافية إسلامية بنتها المملكة، أو أشرفت عليها سنوات عدة، أو ساهمت في بنائها، أو مولها محسنون من السعودية والخليج. لقد سقطت مساجد سنية في أيدي أنصار النظام الإيراني في أميركا الشمالية وأوروبا وإفريقيا وأستراليا وسنغافورة والفلبين وإندونيسيا وتايلاند، وفي العراق بالطبع. ولو كان الراشد صادقاً في وطنيته أو حتى في عدائه للمشروع الإيراني كما يزعم لكتب محذراً من تمدد الثقافة الإيرانية وإيديولوجيتها المعادية للسنة وللدولة السعودية، ولكن الرجل لا يعادي إيران إلا بالقدر الذي تهدد به المصالح الأميركية أو الإسرائيلية، ولا شأن للسعودية بذلك. الراشد يهاجم سوريا والمقاومة الفلسطينية بضراوة، ويتهم حماس باستمرار بأنها مجرد أداة إيرانية وهو يعلم أنه يكذب، وهو منطق نتينياهو نفسه. لنتذكر أن موجة التشيع العارمة التي عمت العالم العربي وإفريقيا وأسفرت عن تشييع الملايين (بلغ عدد المتشيعين في إفريقيا بحسب بعض التقارير سبعة ملايين) نجمت عن أسباب منها انحسار الدور السعودي الثقافي والإنساني بعد 9/11، ولكن ذلك لم يحرك قلم الراشد للدفاع عن السعودية وأمنها القومي، بل أنشب أظفاره في أديم الجهود الإغاثية والدعوية متهماً إياها بتفريخ الإرهاب ونشر التطرف.
* هل تقول إن الراشد يقف في الصف المعادي لوطنه؟
- الراشد رجل شديد الوضوح، وربما ينطبق عليه قول الرافعي في وصف طه حسين: "رجل جريء يقع في الأشخاص وفي المعاني، ويستوحل في كل وحل..جهله أوفى من علمه، ولسانه أوفى من عقله، وقد لبسه عقله الناقص الأهوج فلا يتثبت ولا يتحرج، ولا تسوؤة السيئة من نفسه، ولا تسره الحسنة من أحد.. رجل كشبكة الصائد: كلها عيون وخروق، وبين كل خرق وخرق عقدة". انظر مثلاً إلى تناول قناته للاعتداء على حياة ستة سعوديين كانوا يؤدون صلاة الفجر في صحراء النيجر. كان الوصف الذي اختارته القناة للجريمة هو "الحادث"...وتزامن ذلك مع قيام الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب بمحاولة تفجير طائرة ركاب أميركية متجهة إلى ديترويت خلال يوم الاحتفال بعيد الميلاد عام 2009، وهي المحاولة التي وصفتها (العربية) "بالاعتداء" رغم أنها لم تحصل.
لاحظ مثلاً كيف تقدم القناة السعوديين في تناولها الإخباري. خلال شهر رمضان 1430 بثت القناة سلسلة تقارير يومية في نشراتها الإخبارية بعنوان "عين على مكة والمدينة" تكرس صورة غير لائقة بأهل هاتين المدينتين المقدستين ومكانتهما الروحية والحضارية. من هذه التقارير الغريبة: "الموسيقار طارق عبد الحكيم، السينما في منطقة مكة، محمد النشار وموسيقى الأطفال، الثلوثية المكاوية (لقاء في مكة يضم مجموعة من الشباب في يوم الثلاثاء، يتناولون فيه الطعام ويلعبون الورق "البيلوت")، الإنشاد المكي والموسيقى المكية، والذي قالت فيه مقدمة التقرير: "قم لا تنم وصلح الأوتار، النوم يمكن تأجيله، أما تصليح الأوتار للعزف والإنشاد فأمر لا ينتظر... فبالعود المعتق، والكمان الجهير، والطبل المشدود على آخره، والقانون مخرج النغمات مثل خيوط الحرير يتجلى المكاوي، فتجره الأنغام حيث يشاء، ويجرها ساعة يريد". تقرير آخر يتحدث عن المطرب الراحل طلال مداح، وينقل إلى المشاهد بعض أزقة مكة معلقاً بالقول: هنا كان يتمشى طلال مداح. تقارير أخرى تتحدث عن خبز اسمه "خبز الملا"، وعن بيع المسابح، وأشياء تريد القناة أن تقول من خلالها: هذه مكة والمدينة، وتلك رسالتهما إلى العالم، وهؤلاء هم السعوديون، وذلك مبلغهم من العلم. يحدث هذا في شهر رمضان، ولكن متى كان الإناء ينضح بغير ما فيه؟ الأنكى من ذلك كله برنامج "صناعة الموت" الذي يتحدث عن ثقافة العنف والكراهية المنسوبة إلينا نحن معشر السعوديين والعرب والمسلمين بعامة، وكأنها مصكوكة باسمنا وحدنا، ولك أن تتخيل تأثير مثل هذا الطرح على تشويه صورتنا في العالم، والإساءة إلى بلد بحجم المملكة العربية السعودية يغص بالعلماء والشعراء والمثقفين، ثم لا ينتج إلا صناعة الموت.
* نشرت دراسة قبل سنوات عن ما وصفته بلغة (الخطاب المتصهين) للراشد في (الشرق الأوسط) و (العربية)..هل تغير شيء من ذلك الحين في مفردات هذا الخطاب؟
- لم يزدد الرجل إلا تماهياً مع السياسة الأميركية الإسرائيلية سواء في عموده أم في السياسة التحريرية لقناته. لاحظ مثلاً تعريضه برئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بسبب موقفه الشجاع من المجرم شيمون بيريز، وتأييده للقضية الفلسطينية، إذ كتب في عموده في (الشرق الأوسط) واصفاً انسحاب أردوغان من منتدى دافوس "بالمسرحي"، وأن موقفه المناصر للحق الفلسطيني قد لا يكون حقيقياً "أكثر من حقيقة وجود شخصية مهند بطل مسلسل نور"، مشيراً إلى أن أردوغان لا يسعى إلى أكثر من "صداقة كلامية" مع العرب، وربما كان "موقفاً انتهازياً...أعان الله العرب على كثرة الانتهازيين". ويحذر في مقال آخر من صعود تركيا زاعماً أنها "ستكون في المستقبل قوة مقلقة لجيرانها". هذه هي طريقة عبد الرحمن الراشد في دعم العدو الإسرائيلي. إنه يتألم من أي موقف يؤذي مشاعر هذا العدو. وموقفه من أردوغان يعيد إلى الذاكرة موقفه من الرئيس الماليزي مهاتير محمد الذي انتقد في مؤتمر القمة الإسلامي في ماليزيا عام 2003 انحياز الغرب إلى عدوان اليهود في فلسطين، وتسلط اليهود وعداءهم للمسلمين، فما كان من الراشد إلا أن جرد قلمه ليكتب مقالاً بعنوان "مسلمون هادئون ومهاتير غاضب"، يزعم فيه أن مهاتير ناقض "تاريخه الطويل بالتعاون مع الغرب" وأنه أخفق في "انتقاء العبارات الدقيقة...فعمم النقد لليهود، في حين ربما كان يعني الإسرائيليين".
أما العناوين والأخبار في قناة (العربية)، فربما كان مناسباً إضافة بعض الاقتباسات والشواهد الحديثة إلى الدراسة التي أشرت إليها. مثلاً، فيما يتعلق بالموقف التركي الجديد من القضية الفلسطينية، فقد خصصت القناة جزءاً من برنامجها "بانوراما" لمناقشة خلفيات هذا الموقف، وكانت العناوين البارزة على الشاشة ممالئة لإسرائيل ومنتقصة من الأتراك, مثل: "أردوغان رحل غاضباً من دافوس بعد أن أسمع بيريز كلاماً قاسياً"، "أردوغان كان قد وصف أولمرت بأنه مخادع"، "إسرائيل تطلب من تركيا إعادة النظر في علاقتها بإيران وحماس"، و "تركيا من وسيط إلى طرف". مثال آخر: نشرت القناة على صدر شاشتها في 25 آذار (مارس) 2010 خبراً يقول: "تأهب في محيط الحرم القدسي تحسباً لاقتحامه من قبل ناشطين يهود". لاحظ أن أكثر الوكالات وشبكات الأخبار العالمية تصف هؤلاء اليهود بأنهم "متطرفون" لا "ناشطون"، كما اختارت (العربية) أن تصفهم. وفي شهر رمضان المنصرم نشرت القناة خبراً عريضاً يقول: "إسرائيل تنشر ثلاثة آلاف شرطي حول الحرم القدسي تحسباً لمواجهات مع المصلين في الجمعة الأولى لرمضان". لاحظ أن جنود الاحتلال أصبحوا "شرطة"، والشرطة عادة يعملون في ظل دولة ذات سيادة على أرضها، والقدس مدينة محتلة حتى في لغة السياسة الأميركية الرسمية، وهؤلاء "الشرطة" مساكين "انتشروا" خوفاً من أن يقوم المصلون بمهاجمتهم، كما يوحي الخبر، وليس العكس. إنه فن صياغة الخبر الصهيوني كما تبدعه الخيالات الشيطانية لمحرري غرفة لأخبار في قناة (العربية). في الرابع من آب (أغسطس) 2010 أذاعت (العربية) خبراً يقول: "شنت إسرائيل غارات على منطقة عبسان بغزة ما أسفر عن قتلى وجرحى فلسطينيين. وقد ساد التوتر المنطقة بعد غارات إسرائيلية مكثفة رداً على إطلاق صواريخ من القطاع". المسألة هنا بالطبع ليست (اعتداءات)، كما يحصل عندما يكون الطرف (المهاجم) عربياً أو مسلماً، بل (غارات) و (عمليات)، والضحايا بالطبع ليسوا إلا "صرعى" لا أسماء لهم ولا كرامة. لكن (العربية) تذهب أبعد من ذلك فترسم مشهداً زائفاً أو ملفقاً عندما تصف العنف الصهيوني "بالتوتر"، موحية أن هذا التوتر مفهوم ومبرر؛ لأن أهل غزة هم المعتدون في حقيقة الأمر، وهم الذين أطلقوا الصواريخ على الضحايا الإسرائيليين. وقد تتبعت خلفيات القصة فوجدت أن المقاومة الفلسطينية في غزة لم تطلق في تلك الأيام أي صاروخ على الكيان الإسرائيلي، ولكن (العربية) كذبت من أجل عيون إسرائيل. والحقيقة أن (العربية) تحرص دائماً على أن تضع "التبرير" في ثنايا أي خبر يتضمن عنفاً صهيونياً ضد الفلسطينيين. في 25 شباط (فبراير) 2009 ساقت خبراً يقول: "غارة جوية إسرائيلية على أنفاق بعد إطلاق صاروخين فلسطينيين"، وفي اليوم التالي خبر آخر: "إسرائيل تقصف أنفاق غزة بعد هجمات صاروخية". وعندما يستشهد فتية فلسطينيون تحرص القناة عادة على عرض الرواية الإسرائيلية القاضية بأن الفتية كانوا أصلاً يعدون لهجوم صاروخي. في آخر شهر نيسان (أبريل) 2008 ارتكبت إسرائيل مجزرة بشعة في بيت حانون بقطاع غزة فقتلت السيدة ميسر أبو معتق وأطفالها الأربعة، وانشغلت قناة (العربية) بالتحدث في نشراتها الإخبارية المتتابعة عن "المسؤولية" عن الجريمة، مشيرة إلى نفي "الجيش الإسرائيلي" مسؤوليته، ومتحدثة عن "تضارب الأنباء بشأن مسؤولية مقتل أم وأطفالها الأربعة في غزة"، وعن أن "حماس وإسرائيل تتبادلان الاتهامات". ويسأل المذيع السعودي محمد الطميحي ضيفاً عبر الأقمار الاصطناعية: كيف لنا أن نصدق رواية حماس؟ القناة أيضاً بثت خبراً في الثالث من أيلول (سبتمبر) 2010 يقول: "حماس وثلاثة عشر فصيلاً يعلنون تشكيل تحالف لشن هجمات على إسرائيل"، ولك أن تقارن ذلك بصياغة الخبر نفسه في شبكة (الجزيرة) والذي كان نصه: "13 فصيلاً فلسطينياً يشكلون خلية عمل مشتركة من أجل تعزيز المقاومة ضد الاحتلال". وعندما اعتدت قوات اليونيفيل في جنوب لبنان على بعض المواطنين في بلدة خربة سلم في شهر تموز (يوليو) الماضي منتهكة حرمة منازلهم، وقام هؤلاء المواطنون بالدفاع عن أنفسهم، وقفت (العربية) مع اليونيفيل، واصفة ما قام به اللبنانيون "بالاعتداء"، وناشرة خبراً على صدر شاشتها يقول: "إسرائيل تحذر لبنان من العواقب إذا تكررت الحادثة"، من دون حتى وضع كلمة "العواقب" بين قوسي تنصيص. أما ترديد المصطلحات الصهيونية فهو أمر ذائع في لغة أخبار (العربية) كما يظهر مثلاً عندما تستخدم القناة اسم "حائط المبكى" للإشارة إلى حائط البراق.
*إذن اللغة أو مفردات التناول الإعلامي هي سلاح (العربية) الذي تلجأ إليه لتشويه الحقائق كما تقول؟
- مشكلة (العربية) أنها قناة مؤدلجة تقدم نفسها بوصفها قناة إخبارية، وهذا يمكن أن يكون أي شيء إلا الصحافة. إما أن تكون قناة إخبارية تحترم قواعد الممارسة الإعلامية القائمة على التوازن، وتنأى عن التلوين ولغة الدعاية، وإما أن تتحول إلى منبر للرأي تسجل من خلاله مواقفها وتصفي حساباتها مع من تشاء. أما ممارسة التلفيق والتهويش وإلباسه لباس العقلانية فهو أمر لا يمكن هضمه. خذ مثلاً حادثة وفاة مجدي البرغوثي، من حركة حماس، في سجن برام الله أثناء التعذيب على يد رجال أمن السلطة في أواخر شهر شباط (فبراير) 2008. روت (العربية) الخبر في شريطها كالتالي: "وفاة رجل دين من حماس في سجن برام الله"، بينما نشرت (الجزيرة) الخبر بطريقة مختلفة: "وفاة الشيخ مجدي البرغوثي أثناء التحقيق في سجن برام الله". لاحظ استخدام (العربية) عبارة "رجل دين"، والرجل إمام وخطيب مسجد، ولاحظ إسقاط اسمه، وإسقاط الاسم تأطير دعائي يهدف إلى نزع الشخصنة وتحويل الإنسان إلى نكرة، أو إلى مجرد رقم من دون اعتبار ولا هوية.
* لكن (العربية) تؤكد في كل مرة على لسان الراشد أنها موضوعية ومهنية، وفي تصريح أخير له وصف القناة بأنها تمثل العقلانية والاعتدال في العالم العربي، الأمر الذي جعلها هدفاً للذين يختلفون معها.
- ببساطة، هذا كذب. ومن الغريب أن بعض الإعلاميين السعوديين الذين يعبرون عن اختلافهم مع الراشد يستبقون أي نقد له بالتشديد على "مهنية" الرجل و"حرفيته". وأتساءل: ما هي المهنية والحرفية إن لم تكن السعي إلى تحقيق العدل، وتجنب التحامل، وعدم إبراز جانب واحد من القصة وإخفاء آخر، والحرص التام على عدم تلوين الأخبار وأدلجتها. من هذا المنظور فإن مأزق الراشد المهني والأخلاقي كبير، وكبير جداً. قد تستغرب كيف يمضي الرجل وموظفوه في قناة (العربية) إلى حدود ديماغوجية ومتهافتة في تناولهم للأحداث. دعني أضرب لك مثالاً على المهنية والعقلانية اللتين يتشدق بهما الراشد. في الثلاثين من كانون الأول (ديسمبر) 2009 قام الطبيب الأردني همام البلوي بتفجير نفسه في مجموعة من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ما أسفر عن مقتل سبعة منهم, وقبل هذا الهجوم بأيام اقتحم جنود الاحتلال الإسرائيلي مدينة نابلس بالضفة الغربية وأعدموا بدم بارد ثلاثة من كتائب شهداء الأقصى في المدينة أمام زوجاتهم وأطفالهم، واغتالوا أيضاً ثلاثة فلسطينيين في غزة. قناة (العربية) قالت إن أرملة الأردني "تبدي فخرها بانتحاره". هل يعقل أن تفتخر امرأة "بانتحار" زوجها، لاسيما إن كانت مسلمة؟ استخدام لفظ "انتحار" هنا ليس فيه ذرة مهنية. القناة لم تستخدم على الأقل لفظ "مقتل"، ولم تصف ما جرى بأنه "عملية"؛ لأنها لا تحاول أن تبحث عن نقطة في الوسط. لا منطقة وسطى عندما يتعلق الأمر بدم الأميركيين، رغم أنهم في هذا السياق تحديداً ليسوا أكثر من محتلين وجواسيس. أما جريمة قتل الفلسطينيين في الضفة وغزة، فقد هونت (العربية) بشاعتها من خلال وصفها "بعملية" قتل فيها "الجيش الإسرائيلي" "مسلحين" فلسطينيين؛ "مسلحين" لا مقاومين ولا مناضلين، و"الجيش الإسرائيلي" كذا حاف، من دون وصف "الاحتلال". في مطلع أيلول (سبتمبر) الجاري شنت قوات السلطة في رام الله حملة اعتقالات واسعة في صفوف أبناء حركة حماس إثر قيام الحركة بعملية ناجحة لقي فيها أربعة مستوطنين في الخليل مصرعهم، وقد شملت الاعتقالات قرابة 400 شخص، ووجهت بانتقادات من منظمات حقوقية فلسطينية ودولية مثل منظمتي "الحق" و"العفو الدولية"، وبثت (العربية) الخبر من دون إشارة إلى هوية المعتقلين، وكان عنوان الشاشة "اعتقالات في الضفة"، ولم يشر التقرير المصاحب لانتماء المعتقلين. هذا تكتيك دعائي يقوم على "الحذف" من أجل خدمة أجندة الدعاية. (العربية) تحاول أيضاً تجميل الموقف الإسرائيلي عبر تخفيف اللوم عليه، أو التركيز على وجود "إسرائيليين" محبين "للسلام"، وهو ما يكشف عنه انتقاء أخبار مثل ذلك الذي بثته القناة في 29 آب (أغسطس) 2010 ويقول: "فنانون إسرائيليون يرفضون تقديم عروض في مستوطنة في الضفة الغربية"، وخبر ظهر في شريط القناة الإخباري في 8 آذار (مارس) 2009 يقول: "كتاب وباحثون إسرائيليون يصدرون مذكرة يطالبون فيها بوقف هدم بيوت عربية في القدس". وفي أواخر نيسان (أبريل) 2010 أذاعت القناة أن "الجيش الإسرائيلي يوبخ ضابطين لمقتل فلسطينيين"، وهو تكتيك دعائي آخر يقوم على "احتواء الضرر" (damage control), ويهدف إلى الإيحاء بأن الجهة المتورطة أو المتهمة بانتهاكات تقوم بجهود حقيقية لتحقيق العدالة.
* إذن أنت ترى أن القناة تقف في مواجهة ثقافة المقاومة أو الممانعة في العالم العربي؟
- بالتأكيد. وهي فلسفة الراشد ورؤيته. إنه يزدري المقاومة أصلاً ولا يؤمن بها، ويريد منا جميعاً الدخول في بيت الطاعة الإسرائيلي. انظر مثلاً كيف تركز (العربية) على حوادث شاذة مثل قيام أب فلسطيني في حزيران (يونيو) 2008 بالتبرع بأعضاء ابنه الذي قتله الاحتلال الإسرائيلي لستة مرضى إسرائيليين، وكيف علقت القناة على ذلك بالقول إن هذا العمل قد يجمع الفلسطينيين والإسرائيليين ويعزز ثقافة السلام. وانظر مثلاً إلى تناول القناة بعض المظاهر الهامشية في المجتمع الفلسطيني كالخبر الذي نقلته عن "حرب الحمص"، وتحطيم الفلسطينيين في قرية (أبو غوش) الرقم القياسي لأكبر طبق حمص في العالم، وتحدثها عن دخول الفلسطينيين موسوعة غينيس "بأكبر رغيف مسخن في العالم"، موردة تصريحاً لمدير "مشروع" الرغيف جمال العاروري يؤكد فيه أن الحدث ينسجم مع الجهود المبذولة لترسيخ هوية الأكلات الشعبية في مواجهة مساعي دولة الاحتلال التي تدعي أن بعض الأكلات الفلسطينية إسرائيلية الأصل، بحسب تعبيره. وانظر مثلاً إلى التركيز على الحفلات الفنية أو عروض الأزياء في الضفة الغربية، وأذكر أن القناة تناولت عرض أزياء لفتيات فلسطينيات برام الله في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، بتعليق على صدر الشاشة يشير إلى "المقاومة بالقدود والخصور". نقلت القناة صور فساتين حملت اسم "الجدار والحرية"، وصوراً لأربع عارضات يضعن مجسماً اسفنجياً على بطونهن يمثل الجدار، ثم يزحنه فتظهر ملابسهن الشفافة باللون الأزرق المعبر عن الحرية. هذا هو مبلغ علم الراشد من المقاومة والجهاد.
* لكن الراشد يخص الإسلاميين من بين قوى المقاومة والممانعة بالنصيب الأكبر من الهجوم.
- إنه يهاجم كل قوى المقاومة والممانعة بما فيها بعض الفصائل الفلسطينية القومية واليسارية الرافضة للسير في ركب التسوية، لكن لأن الإسلاميين هم رأس الحربة في مشروع التصدي للعربدة الإسرائيلية، فإن الراشد يصب جام غضبه عليهم. انظر مثلاً كيف تتناول (العربية) مواقف النواب الإسلاميين في الكويت، معرضة بهم في كل مرة، وموحية بأنهم يستغلون حقاً دستورياً هو "المحاسبة" ليثيروا الشغب ويعطلوا مصالح البلاد. وانظر كيف يمكن للقناة أن تنقل مؤتمراً صحافياً لنتنياهو أو أوباما أو عباس، وعندما يتعلق الأمر بخطاب لمشعل أو هنية أو حسن نصر الله نجد القناة تضيق ذرعاً فتنقل جزءاً منه، ثم تقطعه بحجة مناقشة ما جاء فيه مستضيفة ضيفاً يكيل النقد للمتحدث. القناة تعيش مأزقاً وتتخبط في حيص بيص؛ لأنها مؤدلجة حتى النخاع، ولا تستطيع التحرر من صورها النمطية وأحكامها المسبقة. تابعت مرة تقريراً نشرته القناة في 29 آذار (مارس) 2009 عن مطالبة النائب الكويتي محمد هايف المطيري بفتح تحقيق في ظهور رجل عارٍ تماماً على القناة الثالثة للتلفزيون الكويتي، موردة تصريحاً للأكاديمي شملان العيسي يشجب فيه "تدخل الإسلاميين في كل شيء"، وهو ما أصبح "قضية مملة" كما قال. اللافت في التقرير نشر اسم النائب بطريقة مبتورة، من دون اسم القبيلة (المطيري)، وتصدر الشاشة بخط كبير الاسمان الأولان فقط: "محمد هايف". وقد يصعب على المشاهد أن يجزم بمراد المحرر من ذلك، وربما يلتمس له العذر، ولكن العارف بالعقلية التي تدار بها سياسة التحرير في (العربية)، والمراقب لنمط الاختيار والصياغة فيها، لا يستبعد أن يكون المقصود باسم (هايف) بمعزل عن اسم القبيلة هو التعريض واللمز لا التسمية والتعريف. لا يرى الراشد في حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين وغيرها إلا الشر المحض. تصفح أعمدته في (الشرق الأوسط) ستجد أن الهجوم على حركة حماس مثلاً يحتل مساحة كبيرة منها تماهياً مع المصالح الصهيونية، بل مع اليمين المسيحي المتطرف في الولايات المتحدة. وهو على هذا يستخدم لغة مشحونة بالفوقية والازدراء. اقرأ مثلاً عموده الذي حمل عنوان "بيطري رئيساً للإخوان المسلمين"، ووصف فيه محمد بديع، وهو واحد من أهم 100 شخصية علمية في العالم العربي، بأنه "نكرة". السؤال هو: حتى لو افترضنا أن هذا العالم الذي ذرَّف على السبعين "نكرة"، فإن هذا لا يعيبه، فرب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، ولا يمكن مقارنة شهرته بشهرة الراشد الذي هو "علم" بحق، لكن أهي منزلة العلماء والمبدعين التي بوأته هذا المكان؟ هل توارى عن الأنظار وقدم للناس ما ينفعهم، أم شاع ذكره في الآفاق مسخراً قلمه وجهده لخدمة مشاريع وأجندات معادية لشعبه وأمته؟ لكن ما يضر البديع أن يكون بيطرياً يداوي الكلب الذي إن تحمله يلهث أو تتركه يلهث؟
* وماذا عن تناول القناة للشأن الإيراني؟
تلك مشكلة أخرى، فالاختلاف السياسي للقناة مع إيران دفعها إلى تشويه ما يجري داخل الساحة الإيرانية بشكل يدعو إلى القرف أحياناً، وليس له صلة ألبتة بأخلاقيات الصحافة. منذ تفجر الخلاف حول نتيجة الانتخابات قالت (العربية) إن "موسوي يعلن احتجاجه على المخالفات الواضحة في الانتخابات"، بينما قالت (الجزيرة) إن "موسوي يعلن احتجاجه على ما يقول إنها مخالفات واضحة..". في مطلع أيلول (سبتمبر) صرح الرئيس نجاد خلال زيارته قطر أن أي "هجوم إسرائيلي على إيران يعني محو الكيان الصهيوني من خريطة العالم"، فالتقطت (العربية) التصريح وحولته في شريطها الإخباري إلى: "الرئيس الإيراني يجدد التهديد بإزالة إسرائيل والدول التي تدعمها من الخارطة"، وهي كذبة حقيرة وصادمة، لم يقلها نجاد، ولا يمكن بالطبع أن يقولها.
* دعنا ننتقل إلى سبب استقالة الرجل أو إقالته.
- يبدو أن القشة التي قصمت ظهر البعير هي حلقة بثتها القناة من برنامج (الغرب والإسلام) في الثاني من أيلول (سبتمبر) الجاري، وهاجمت ما يعرف بالحركة ال*****ة، بقيادة محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب، اللذين نعتهما البرنامج بأنهما متزمتان متعصبان أثارا الفتن في شبه الجزيرة العربية، وسرقا ممتلكات القبر النبوي وهدما الآثار الإسلامية. هذا الكلام يتماهى مع الخطاب الاستشراقي الإمبريالي، ومفردات التشيع الصفوي، ويتناغم مع الهجمة التي تشنها بعض دوائر الإعلام والسياسة في الولايات المتحدة ضد ما صار يعرف بالمدرسة ال*****ة المسؤولة في نظر هذه الدوائر عن التطرف والإرهاب في المنطقة والعالم. الراشد يعتقد أن الحركة السلفية مناهضة للحداثة، وتحمل في بنيتها جذور العنف والكراهية. وهو ليس وحده، فزميله تركي الحمد كان قد هاجم في مجلة تايم الأميركية في 15 أيلول (سبتمبر) 2003 ثقافة المملكة العربية السعودية التي "تنتمي إلى عصر غابر" ولا تناسب عصر العولمة كما قال، زاعماً أن عقول السعوديين محشوة "بمفاهيم سيئة"، وأن "علينا أن نغير عقول الناس". وبعد ذلك المقال بأسبوع، أي في 21 أيلول (سبتمبر) 2003 كتب الحمد في (الشرق الأوسط) مقالاً يزعم فيه أن الصلة بين "ال*****ة" و"الإرهاب" غير مستبعدة، وأن الاتهام القاضي بأن "السلوك الإرهابي كامن في ثنايا الفكرة ال*****ة" هو اتهام قائم بالفعل، ويجعل السعودية موضع شك على مستوى العالم، مشيراً إلى أن هذا الربط مما "قد تختلف فيه الآراء". ويجادل الحمد بالقول إن ال*****ة وإن كانت "تشكل في النهاية إيديولوجية الدولة وأساس شرعيتها" إلا أنها نظام مأزوم وعاجز وغير قابل للتطور، ولذا فإن الوصفة الناجعة هي التخلي عن هذه الإيديولوجية ، إذ ليس للسعوديين إلا أحد خيارين؛ إما الإبقاء على الإنسان والكيان، وإما الإبقاء على المذهب والإيديولوجية. ثم يختار الحمد بالإنابة عن الشعب السعودي قائلاً: "الكيان هو المهم، والإنسان هو الأهم".
هذا الرأي الذي يقوض فيه الحمد شرعية الكيان السعودي على صفحات جريدة سعودية رسمية لا يختلف في التحليل الأخير عما بثته (عربية) الراشد بشأن "ال*****ة". إن الرجلين جزء من فريق واحد ينخرط فيما يمكن وصفه "بالليبرالية الجديدة"، وهي إيديولوجية متطرفة كارهة للدين وللكيان السعودي وتتربص بهما الدوائر. لنكن صرحاء، الراشد يحمل في نفسه غلاً على الإسلاميين وتعاطفاً عميقاً مع أعداء الإسلام. دعني أضرب أمثلة هنا. عندما سار قرابة مليون متظاهر في شوارع الخرطوم احتجاجاً على الرسوم الدانماركية المسيئة سخر الراشد في عموده المنشور في 28 شباط (فبراير) 2008 مما وصفه "بالبشيرية" ودعايتها الرخيصة وغضبتها المضرية بحسب تعبيره، مضيفاً: "اعتدنا على المسرح السياسي الكوميدي في الخرطوم الذي يزودنا دائماً بالمضحك". وعندما نشرت مجلة (نيوزويك) تقريراً عن تدنيس المصحف الشريف في معتقل غوانتانامو، وسارت التظاهرات الاحتجاجية في أفغانستان منددة بالجريمة، سخر الراشد في عموده (18 أيار/مايو 2005) من التظاهرات مخاطباً القارىء بقوله: "ستكون مغفلاً كبيراً لو صدقت أن الافغان قرؤوا مجلة (نيوزويك) وأثارهم خبرها عن تدنيس القرآن، ثم أخذتهم الحمية على دينهم ونزلوا في الشوارع في مظاهرة عاطفية تلقائية، فمجلة (النيوزويك) لا تباع أصلاً في أفغانستان"، مضيفاً أن القضية برمتها لا تعدو أن تكون اختلاقات تهدف إلى "تهييج مشاعر العداء...وهذا ما حدث في أفغانستان حيث حاولت جماعات مهزومة تأليب الناس". ولما احتدم الجدل حول مسجد قرطبة في (غراوند زيرو) كتب الراشد مقالاً باللغة الإنكليزية هاجم فيه بناء المسجد الذي سيكون رمزاً للدمار، ويخلد جريمة ارتكبت باسم الإسلام بحسب زعمه، منتقداً الرئيس الأميركي أوباما لدعمه بناء المسجد، مع أن أوباما لم يفعل إلا ما يمليه عليه دستور بلاده من الانحياز إلى الحرية الدينية. وذهب الراشد أبعد من ذلك منتقداً قرار أوباما إغلاق معتقل غوانتانامو ومحاكمة المعتقلين فيه أمام محاكم مدنية، مبرراً ذلك بأن عشرات الآلاف من المسلمين المتهمين بالتطرف مسجونون في ظروف أسوأ في بلدانهم الأصلية. هكذا يربط الراشد بين الإسلام والإرهاب صراحة، مع أن القاعدة وقادتها لا يمكن أن يمثلوا الإسلام. ولا عجب أن يصدر هذا الموقف من الراشد، فهو قد كتب مرة في عموده في (الشرق الأوسط) مقالاً بعنوان: "الحقيقة المؤلمة أن كل الإرهابيين مسلمون".
* ليكن للراشد ولقناته بعض المواقف المتشددة من التيارات الإسلامية، لكن ألا ترى أن قناة (العربية) تقدم في شهر رمضان بالذات برامج دينية تتناغم مع روحية الشهر الكريم؟
- عن أي برامج دينية تتحدث؟ في 11 رمضان المنصرم بثت (العربية) برنامجاً أو فيلماً "دينياً" احتوى على كثير من الإساءة إلى الدين والأنبياء والتاريخ الإسلامي. لا أذكر اسم البرنامج لكني سجلت بعض النقاط التي وردت فيه، مثل قول المعلق إن النبي إبراهيم "عاقب هاجر فنقلها إلى مكة، وهذا ما يقوله الكتاب المقدس، أما القرآن فله رأي آخر إذ إن إبراهيم لم يقصد معاقبة هاجر". ويضيف المعلق: "بالنسبة للمسلمين، محمد ليس براوٍ، بل هو نبي يبلغ رسالة ربه..كتب القرآن بعد وفاة محمد، ومن ذلك الوقت لم يتغير القرآن..جاء محمد بكتاب يدعو إلى المساواة.. أخضع محمد معارضيه بالقوة.. عاد محمد إلى مكة غازياً، وكان هدفه توحيد القبائل البدوية, وبحنكة محمد السياسية استطاع خلق أمة تبوأت المركز الثالث في المنطقة..". وفي البرنامج عبارات أخرى مشابهة مثل: "خرج العرب بعد وفاة النبي مقاتلين في سبيل العقيدة ...لكن هذه وجهة نظر..فهناك رأي يقول إنهم كانوا يقاتلون من أجل الماء والخضرة (وهنا ظهر ضيف أوروبي اسمه جيرنت روتير يؤكد هذا الزعم)..استولى العرب الغزاة على دمشق..رأى بحيرا الصبي محمداً وتفرس في وجهه، فعرف أنه النبي, وهو ما يدل على تقارب الديانتين: الإسلام والمسيحية...بنى العرب قبة الصخرة بمساعدة مهندسين بيزنطيين... أراد العرب من بناء الصخرة أن تكون قبراً للمسيح... يختلف القرآن مع الإنجيل في قضية صلب المسيح إذ يقول إن الله رفعه إليه...بدأ الصراع على السلطة بعد وفاة النبي..لم تعرف هوية قاتل علي بن أبي طالب حتى اليوم، لكن مؤيدي علي اتهموا بني أمية، وجهز الحسين جيشاً للانتقام من معارضي علي وسار إلى كربلاء.. أصبح 15% من المسلمين شيعة.. قادت أسرة بني أمية المسلمين السنة.. أدان المؤرخون بني أمية بوصفهم الشجرة الفاسدة في الإسلام". الفيلم ذكر أيضاً أن أهل الشام رحبوا "بالغزاة" العرب؛ لأن دينهم لم يأت بجديد، بل كان قريباً جداً من المسيحية، بحسب زعمه. واللافت أن خريطة العالم العربي ظهرت كثيراً أثناء الفيلم وفيها اسم "أورشليم" مكتوباً باللغة العربية بدلاً من القدس.
* كيف تقرأ بث القناة هذا البرنامج؟
إنه في نظري أسوأ من البرنامج الذي انتقد "ال*****ة"، واللافت أنه مزيج من نمطيات استشراقية وموروثات شيعية، وهو جدير بغضب أكبر واستجابة تتناسب مع ما عرضه من تجنٍ وتلفيق.
* ما الذي تقصده؟ ما هي الاستجابة أو رد الفعل المناسب؟
- أعتقد أن مشروع قناة (العربية) برمته يمثل اختباراً لقدرتنا على المقاومة والاحتجاج. لا بد أن يتنادى المثقفون الناطقون بالعربية من إسلاميين وقوميين وليبراليين شرفاء لمواجهة هذا العبث والتطاول والنفاق الذي تنشره (العربية) على آفاقنا صباح مساء. أنا أطالب بتشكيل جبهة شعبية ضد الإعلام المتصهين ورموزه وقادته ومموليه تتولى مقاطعة هذا الإعلام والتحذير منه والدعوة إلى عدم التعامل معه ورصد ما يبث فيه وتحليله وتعريته. بل أطالب بتشكيل "محكمة جرائم حرب" فكرية/إعلامية تضع قوائم بأسماء الذين يتطاولون على ثوابت الدين أو مقدسات الأمة أو يثبت تخندقهم في صف العدو وتماهيهم مع أجنداته ومشاريعه، ومن ثم تحاكمهم وتصدر بحقهم الأحكام العادلة. ثم يجب أن ترتفع أصوات السعوديين نخباً ومتعلمين ومشاهدين عاديين بالاحتجاج على الإعلام السعودي في الخارج والذي يسيء إلينا ويؤذينا ولا يمثلنا من قريب أو بعيد. يجب أن يكون شعارنا: "لا ليس باسمنا" (Not In our Name).