ضيوفنا الأعزاء.. الزيارة انتهت
كتب د. أكرام لمعى
العدد 1597 - الاثنين - 20 سبتمبر 2010
عندما يزور شخص ما شخصا آخر في المنزل أو المكتب ويصبح الحوار غير مجدٍ يقف صاحب المنزل أو المكتب ويقول بانفعال: الزيارة انتهت.
ويبدو أنه بعد 1500 سنة قام فيها المسلمون المصريون بزيارة المسيحيين المصريين وقف واحد يزعم أنه صاحب البلد قائلاً لهؤلاء الضيوف الزيارة انتهت، ولقد كان لهذه الكلمات وقع مضحك عند البعض ومبكٍ عند الآخر ومستفز عند الأخير، لكن لم تأخذ أي مجموعة من هذه المجموعات الثلاث هذه الكلمات علي أنها كلمات جادة ومسئولة وذلك لعدة أسباب:
الأول أن حكاية أصحاب البلد وضيوفها انتهت من التاريخ البشري منذ زمن بعيد، ذلك لأن الشعوب تأصلت في أماكنها ولم تعد هناك قبائل متحركة نحو العشب والأكل لأغنامها وبهائمها، ذلك العصر الذي كان يسمي بالعصر الرعوي والسابق للعصر الزراعي ولقد ضمت الهجرات الرعوية هجرة إبراهيم من العراق إلي فلسطين وهجرة يوسف الصديق وعائلته من فلسطين إلي مصر وطرد اليهود من مصر وعودتهم إلي فلسطين، واحتلال الهكسوس الرعاة مصر في الزمن القديم... إلخ.
وكانت آخر الهجرات في العصر الحديث هجرة الأوربيين إلي الأرض الجديدة (أمريكا) علي حساب الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين وذلك من 600 عام علي الأكثر لذلك أصبح الحديث اليوم في القرن الحادي والعشرين عن أصحاب الأرض الأصليين ضربا من الحياة في الوهم التاريخي، وكان أجدر بهذا الحديث الهنود الحمر الذين لم يمض علي زيارة الأوربيين لهم ثلث مدة زيارة المسلمين لمصر.
أما الأمر الثاني، فهو إذا كانت زيارة المسلمين لمصر عمرها 1500 عام فزيارة المسيحيين لمصر عمرها ألف عام، ففي عام 70 ميلادية دمر القائد الروماني بومباي أورشليم فتشتت أهلها من يهود ومسيحيين في كل العالم ولقد سار المسيحيون بعائلاتهم بموازاة البحر الأبيض المتوسط حتي وصلوا إلي الإسكندرية ونزلوا ضيوفا علي أهلها المصريين.
ومن هنا بدأ انتشار المسيحية، وبعد أن صارت روما مسيحية قويت شوكة المسيحيين فهدموا معابد اليهود والوثنيين وطردوا اليهود من الإسكندرية وقتلوا الفيلسوفة هيباتشيا في عصر البابا كيرلس الرابع عمود الدين وأثاروا الذعر في البلاد
وعندما انقسمت الكنيسة وأحرقت مكتبة الإسكندرية انتهي عصر اللاهوتيين العظماء واضطهدت الكنيسة البيزنطية الكنيسة المصرية. وانحدر التعليم الديني إلي الحضيض وكان هذا مقدمة لقبول الإسلام في مصر، حيث لم يكن هناك تعليم مسيحي كنسي قوي وواضح وحيث كانت الكنيسة مشتتة مضطهدة من الرومان،
وعندما جاء المسلمون إلي مصر، لم يأمن مستعمروا مصر أن يستعينوا بأبنائها في الدفاع عنها خوفًا من خيانتهم وتطلعهم للمسلمين القادمين لكي ينقذوهم وهكذا دخل المسلمون إلي مصر فإذا كان المسلمون ضيوف لمدة 1500 عام، فالمسيحيون ضيوفا لألفي عام، فمن هو أولي أن نقول له كمصريين أصليين بغض النظر عن ديانتنا: الزيارة انتهت.
أما الأمر الثالث فهو أن المسلمين الذين جاءوا من الجزيرة العربية ذابوا داخل الشعب المصري أي تمصروا، فمعظم المسلمين كانوا مسيحيين مصريين وأسلموا لسبب أو آخر وقد تعربت مصر بعد 400 عام من دخول الإسلام، في ذلك الوقت كان عدد المسيحيين أكثر من عدد المسلمين وهذا يعني أن الزيادة في عدد المسلمين كانت لها أسباب عدة مثل زواج المسلم بأكثر من زوجة وإنجابه الكثير من الأبناء، ومثل مشاكل الطلاق في المسيحية ومثل الاقتناع بالإسلام وأيضًا بسبب عصور الاضطهاد، لكن يري المؤرخون أن عصور الاضطهاد التي كانت علي فترات كانت هي العامل الأكبر لتمسك المسيحيين بمسحيتهم لأن اضطهاد أي شعب أو أتباع دين معين يدعوهم للتمسك بهويتهم ودينهم وإيمانهم وأكبر دليل علي صحة هذه النظرية هو الشعب اليهودي، وربما كانت هذه العصور هي التي حافظت علي الوجود المسيحي بمصر.
أما الأمر الأخير فهو أن لي صديقًا عزيزًا اسمه أحمد الجمال كلما التقينا أو تحدثنا تليفونيا يقول لي: أنا مسيحي أريوسي أو نسطوري
وأنا أقول له وأنا مسلم وأؤمن بالتوحيد والتثليث والتجسد، ونضحك معا ولم نفكر في المعني ولكن المعني واضح جدًا أننا مصريون إخوة قبل الأديان وبعد الأديان، ليس بيننا أصحاب بيت وضيوف، فعندما يكون لي أخ نعيش معه تحت سقف واحد لعشرات السنين ثم يعتنق الإسلام أو المسيحية يتحول فجأة إلي ضيف؟!
أعرف بيوتا مسيحية في مصر لها ابن مسلم يعيش بينها وأعرف العكس، ورأيت هذا بأكثر كثافة في تونس ولبنان وتركيا بلا أي حساسية.
في النهاية أقول ما الذي يمكن أن نجنيه من وراء تصريحات من هذا النوع؟ ما الفائدة وما الضرر؟ هل أصبحنا نعيش وهم أننا أصحاب البلد والباقي ضيوف ونعيش عليه إلي تلك الدرجة؟ وألا ندرك تأثير مثل هذه التصريحات علي معظم الشعب المصري البسيط من مسيحيين ومسلمين؟
عندما قرأت الحديث الذي قيل فيه تعبير (الضيوف) في جو التهديد بحرق القرآن والبلاغ للنائب العام وبرنامج بلا حدود في قناة الجزيرة لأحمد منصور مع د. محمد سليم العوا تداعي إلي ذهني المثل الهندي القديم (عندما تتصارع الأفيال يموت العشب مهروسا).
ويبدو أنه بعد 1500 سنة قام فيها المسلمون المصريون بزيارة المسيحيين المصريين وقف واحد يزعم أنه صاحب البلد قائلاً لهؤلاء الضيوف الزيارة انتهت، ولقد كان لهذه الكلمات وقع مضحك عند البعض ومبكٍ عند الآخر ومستفز عند الأخير، لكن لم تأخذ أي مجموعة من هذه المجموعات الثلاث هذه الكلمات علي أنها كلمات جادة ومسئولة وذلك لعدة أسباب:
الأول أن حكاية أصحاب البلد وضيوفها انتهت من التاريخ البشري منذ زمن بعيد، ذلك لأن الشعوب تأصلت في أماكنها ولم تعد هناك قبائل متحركة نحو العشب والأكل لأغنامها وبهائمها، ذلك العصر الذي كان يسمي بالعصر الرعوي والسابق للعصر الزراعي ولقد ضمت الهجرات الرعوية هجرة إبراهيم من العراق إلي فلسطين وهجرة يوسف الصديق وعائلته من فلسطين إلي مصر وطرد اليهود من مصر وعودتهم إلي فلسطين، واحتلال الهكسوس الرعاة مصر في الزمن القديم... إلخ.
وكانت آخر الهجرات في العصر الحديث هجرة الأوربيين إلي الأرض الجديدة (أمريكا) علي حساب الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين وذلك من 600 عام علي الأكثر لذلك أصبح الحديث اليوم في القرن الحادي والعشرين عن أصحاب الأرض الأصليين ضربا من الحياة في الوهم التاريخي، وكان أجدر بهذا الحديث الهنود الحمر الذين لم يمض علي زيارة الأوربيين لهم ثلث مدة زيارة المسلمين لمصر.
أما الأمر الثاني، فهو إذا كانت زيارة المسلمين لمصر عمرها 1500 عام فزيارة المسيحيين لمصر عمرها ألف عام، ففي عام 70 ميلادية دمر القائد الروماني بومباي أورشليم فتشتت أهلها من يهود ومسيحيين في كل العالم ولقد سار المسيحيون بعائلاتهم بموازاة البحر الأبيض المتوسط حتي وصلوا إلي الإسكندرية ونزلوا ضيوفا علي أهلها المصريين.
ومن هنا بدأ انتشار المسيحية، وبعد أن صارت روما مسيحية قويت شوكة المسيحيين فهدموا معابد اليهود والوثنيين وطردوا اليهود من الإسكندرية وقتلوا الفيلسوفة هيباتشيا في عصر البابا كيرلس الرابع عمود الدين وأثاروا الذعر في البلاد
وعندما انقسمت الكنيسة وأحرقت مكتبة الإسكندرية انتهي عصر اللاهوتيين العظماء واضطهدت الكنيسة البيزنطية الكنيسة المصرية. وانحدر التعليم الديني إلي الحضيض وكان هذا مقدمة لقبول الإسلام في مصر، حيث لم يكن هناك تعليم مسيحي كنسي قوي وواضح وحيث كانت الكنيسة مشتتة مضطهدة من الرومان،
وعندما جاء المسلمون إلي مصر، لم يأمن مستعمروا مصر أن يستعينوا بأبنائها في الدفاع عنها خوفًا من خيانتهم وتطلعهم للمسلمين القادمين لكي ينقذوهم وهكذا دخل المسلمون إلي مصر فإذا كان المسلمون ضيوف لمدة 1500 عام، فالمسيحيون ضيوفا لألفي عام، فمن هو أولي أن نقول له كمصريين أصليين بغض النظر عن ديانتنا: الزيارة انتهت.
أما الأمر الثالث فهو أن المسلمين الذين جاءوا من الجزيرة العربية ذابوا داخل الشعب المصري أي تمصروا، فمعظم المسلمين كانوا مسيحيين مصريين وأسلموا لسبب أو آخر وقد تعربت مصر بعد 400 عام من دخول الإسلام، في ذلك الوقت كان عدد المسيحيين أكثر من عدد المسلمين وهذا يعني أن الزيادة في عدد المسلمين كانت لها أسباب عدة مثل زواج المسلم بأكثر من زوجة وإنجابه الكثير من الأبناء، ومثل مشاكل الطلاق في المسيحية ومثل الاقتناع بالإسلام وأيضًا بسبب عصور الاضطهاد، لكن يري المؤرخون أن عصور الاضطهاد التي كانت علي فترات كانت هي العامل الأكبر لتمسك المسيحيين بمسحيتهم لأن اضطهاد أي شعب أو أتباع دين معين يدعوهم للتمسك بهويتهم ودينهم وإيمانهم وأكبر دليل علي صحة هذه النظرية هو الشعب اليهودي، وربما كانت هذه العصور هي التي حافظت علي الوجود المسيحي بمصر.
أما الأمر الأخير فهو أن لي صديقًا عزيزًا اسمه أحمد الجمال كلما التقينا أو تحدثنا تليفونيا يقول لي: أنا مسيحي أريوسي أو نسطوري
وأنا أقول له وأنا مسلم وأؤمن بالتوحيد والتثليث والتجسد، ونضحك معا ولم نفكر في المعني ولكن المعني واضح جدًا أننا مصريون إخوة قبل الأديان وبعد الأديان، ليس بيننا أصحاب بيت وضيوف، فعندما يكون لي أخ نعيش معه تحت سقف واحد لعشرات السنين ثم يعتنق الإسلام أو المسيحية يتحول فجأة إلي ضيف؟!
أعرف بيوتا مسيحية في مصر لها ابن مسلم يعيش بينها وأعرف العكس، ورأيت هذا بأكثر كثافة في تونس ولبنان وتركيا بلا أي حساسية.
في النهاية أقول ما الذي يمكن أن نجنيه من وراء تصريحات من هذا النوع؟ ما الفائدة وما الضرر؟ هل أصبحنا نعيش وهم أننا أصحاب البلد والباقي ضيوف ونعيش عليه إلي تلك الدرجة؟ وألا ندرك تأثير مثل هذه التصريحات علي معظم الشعب المصري البسيط من مسيحيين ومسلمين؟
عندما قرأت الحديث الذي قيل فيه تعبير (الضيوف) في جو التهديد بحرق القرآن والبلاغ للنائب العام وبرنامج بلا حدود في قناة الجزيرة لأحمد منصور مع د. محمد سليم العوا تداعي إلي ذهني المثل الهندي القديم (عندما تتصارع الأفيال يموت العشب مهروسا).
تعليق