هذا الموضوع هو جزء من كتيبات الحوارات البسيطة :
من حوار الرد على دعاوي انتشار الإسلام بالسيف
http://www.ebnmaryam.com/web/modules.php?name=myBooks2&op=open&cat=3&book=788
------------------------------
صرح الأنبا بيشوي الرجل الثاني في الكنيسة لجريدة المصري اليوم منذ أقل من أسبوع , أن المسلمين ضيوف على مصر وان أصحاب مصر الحقيقيون هم النصارى الذين يبلغون حوالي 6 في المائة من تعداد السكان , وفي هذا مغالطة كبيرة لما يلي :
أحمد : الإسلام لم ينتشر بالسيف والأدلة كما يلي :
1- بدأ الإسلام بالرسول عليه الصلاة والسلام, ثم تبعه عدد قليل من الصحابة وأخذ العدد في الإزدياد مع افتقارهم للسلطة والقوة ومع تعرضهم للعديد من المتاعب, فلم يبدأ الإسلام من رئيس أو حاكم يسوقهم بالسيف, بل بدأ معتمداً على أدلة صدقه.
2- استمر إنتشار الإسلام في فترات ضعف المسلمين, ولا يزال انتشار الإسلام مستمراً بالرغم من انتهاء الحروب.
3- أكبر البلاد الإسلامية تعداداً مثل إندونيسيا لم تصلها الفتوحات الإسلامية.
4- ينتشر الإسلام في الساحل الشرقي لأفريقيا بالرغم من عدم وصول الفتوحات الإسلامية هناك.
5- خلال أو بعد الفتوحات الإسلامية, لم يجبر المسلمون غيرهم على الدخول في الإسلام ولم يهدموا أماكن عبادتهم, والدليل وجود نصارى في مصر والشام عاشوا تحت الحكم الإسلامي مئات السنين, واستمرت كنائسهم لم تهدم أو تدنس, هذا خلافاً لما حدث في أسبانيا حيث هدموا المساجد أو استولوا عليها وأجبروا المسلمين على اعتناق النصرانية أو البديل كان الطرد من البلاد مع استيلاء الحكومة الأسبانية على أطفالهم وتنصيرهم.
مينا : ولماذا كانت الفتوحات الإسلامية ؟
أحمد : كانت الفتوحات الإسلامية لإيصال الحق إلى الشعوب التي لم تسمع به, وكان بعضها دفاعاً عن الإسلام من القوى التي تريد هدمه أو وقفه, مثل دولتي الفرس والروم الذين ساءهم اتحاد العرب في الجزيرة العربية تحت دين وشريعة واحدة.فالفتوحات الإسلامية كانت ضد قوات ولم تكن ضد مدنيين, من مزارعين وعمال وكهنة.
مينا : أي أن السيف ساعد في انتشار الإسلام ؟
أحمد : إن أي فكر أو أيدولوجية يساعد على انتشارها التفوق العلمي أو الأخلاقي أو العسكري, ولكن يبقى الحكم بمصداقية الفكرة أو الأيدولوجية معتمداً على أدله صدقه ومعتمداً على استمرار انتشاره أو بقاءه وقت ضعف اتباعه.فلا مانع أن تساند القوة الفكرة أو المعتقد, وتساعد على انتشارها أكثر وأكثر, ولكن المقياس هو أدلة صحة المعتقد نفسه, واستمرار انتشار المعتقد بغير قوة.وكما ذكرنا أندونيسيا هي أكبر البلدان الإسلامية تعداداً مع أنه لم تدخلها الفتوحات الإسلامية, وحرية الاعتقاد كانت مكفولة في الدول الإسلامية والدليل وجود نصارى منذ فتح مصر والشام إلى الآن.
مينا : المسيحيون الذين كانوا يعيشون في مصر كمثال, تحولوا للإسلام نتيجة لقهرهم وإجبارهم, أو هرباً من الجزية, أما أغنيائهم فدفعوا الجزية وحافظوا على المسيحية .
أحمد : هذا الكلام مغلوط لعدة أسباب :
1- أهل مصر النصارى كانوا تحت الاحتلال الروماني, وكان الرومان يضطهدونهم لفرض المذهب الكاثوليكي عليهم حتى أن بطريرك الأرثوذكس كان فاراً ومختبئاً في الصحراء, وكانت حرب الفتح الإسلامي بين الجيش المسلم والجيش المحتل, ولم يتدخل المصريون بل رحبوا بالفتح الإسلامي.جاء في موسوعة قصة الحضارة ‑ «وول ديورانت» عن فتح مصر: وكان المسيحيون الأرثوذكس في مصر قد قاسَوا الأمرَّين من جرّاء اضطهاد الكاثوليك؛ ولهذا رحبوا بقدوم المسلمين، وأعانوهم على استيلاء منفيس، وأرشدوهم إلى الإسكندرية، ولما سقطت تلك المدينة في يد عمرو بعد حصار دام ثلاثة عشر شهرًا (عام 641). ..حال عمرو بين العرب وبين نهب المدينة وفضل أن يفرض عليها الجزية. ولم يكن في وسعهِ أن يدرك أسباب الخلافات الدينية بين المذاهب المسيحية المختلفة، ولذلك منع أعوانه الأرثوذكس أن ينتقموا من خصومهم الكاثوليك، وخالف ما جرت عليه عادة الفاتحين من أقدم الأزمنة فأعلن حرية العبادة لجميع أهل المدينة([1]).
وجاء في موسوعة قصة الحضارة عن التسامح الديني في العصر الأموي: ولقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون واليهود، والصابئون، يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحية في هذه الأيام. فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي ذي لون خاص وأداء مبلغ من المال عن كل شخص، تختلف باختلاف دخله وتتراوح بين دينار وأربعة دنانير (من 4.75 إلى 19 دولارًا أمريكيًا) سنويًا. ولم تكن هذه الضريبة تفرض إلا على غير المسلمين من القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان والنساء والذكور الذين هم دون سن البلوغ، والأرقاء، والشيوخ، والعجزة، والعمْي والفقراء. وكان الذميون يُعْفَوْن في نظير هذه الضريبة من الخدمة العسكرية ولا تفرض عليهم الزكاة. وأصبح المسيحيون الخارجون على كنيسة الدولة البيزنطية والذين كانوا يلقون صورًا من الاضطهاد على يد بطارقة القسطنطينية، وأورشليم، والإسكندرية، وإنطاكية، أصبح هؤلاء الآن أحرارًا آمنين تحت حكم المسلمين.
وعلى الرغم من خطة التسامح الديني التي كان ينتهجها المسلمون الأولون، أو بسبب هذه الخطة؛ اعتنق الدينَ الجديد معظمُ المسيحيين ...([2]).
وجاء في موسوعة قصة الحضارة عن فتح أسبانيا في القرن الثامن الميلادي: وعامل الفاتحون أهل البلاد معاملة لينة طيبة....، وأطلقوا لهم من الحرية الدينية ([3]).
كتب الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله- : الإسلام ما قام يومًا, ولن يقوم على إكراه. لأنه واثق من سمو تعاليمه وجودة شرائعه. فكل ما يريده أن يعرض نفسه على العيون المتطلعة. فإذا لم تكن جودة الشيء هي التي تغري بالإقبال عليه وقبوله فلا قبول ولا إقبال, وهذا سر قانونه الوثيق: } لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ { [البقرة: 256], وقد يُضطر الإسلام لقتالٍ لم يشعل ناره, أتظنه إذا انتصر في هذا القتال يلزمهم بترك شركهم واعتناق عقيدة التوحيد؟. لا...فالله تعالى قال: } وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ{ [التوبة: 6], إنه لم يقل له: فإذا سمع كلام الله فأمره أن يترك دينه وليتبع دينك الحق, بل قال له: أطلق سراحه ورده آمنًا إلى وطنه. فإذا أحب أن يدخل في الإسلام فسيأتي طائعًا لا كارهًا([4]).
2- كان عدد المصريين وقت فتح مصر حوالي مليون مصري, وكان الجيش الإسلامي عدده ثمانية آلاف, وبعد الفتح الإسلامي, توجهت غالبية الجيش الإسلامي إلى باقي مدن شمال أفريقيا, والذين بقوا من الجيش في مصر لم يتعدوا الألفين عربي, فكيف يمكن لألفين أن يجبروا مليون مصري على تغيير الدين وعلى الجزية ؟.فهذا تأكيد على أن النصارى الذين دخلوا في الإسلام دخلوا بكامل إرادتهم, وتأكيد أيضاُ على أن المسلمين في مصر هم نفس أصحاب البلد الذين تحولوا من النصرانية للإسلام, وليس كما يدعي البعض بأن النصارى هم أصحاب البلد والمسلمين أتوا من الجزيرة العربية !, لأنه إن كان سكان مصر الآن 80 مليوناً, فلا يعقل أن يصبح مليون نصراني من 1400 عام, عشرة ملايين الآن, ويصبح ألفي مسلم من ألف وأربعمائة عام سبعين مليوناً الآن !.
3- الجزية لم تكن تحصل إلا من الأغنياء والقادرين على حمل السلاح:كتب آدم ميتز: «كان أهل الذمة يدفعون الجزية، كل منهم بحسب قدرته، وكانت هذه الجزية أشبه بضريبة الدفاع الوطني، فكان لا يدفعها إلا الرجل القادر على حمل السلاح، فلا يدفعها ذوو العاهات، ولا المترهبون وأهل الصوامع إلا إذا كان لهم يسار»([5]).
وقد جاء في عهد خالد بن الوليد لأهل الحيرة: «أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزيته وأعيل من بيت مال المسلمين وعياله»([6]).
وقد طبق عمر بن الخطاب هذا المبدأ الإسلامي العظيم حين مر بشيخ كبير يسأل الناس الصدقة، فلما سأله وعلم أنه من أهل الجزية، أخذ بيده إلى بيته وأعطاه ما وجده من الطعام واللباس، ثم أرسل إلى خازن بيت المال يقول له: «انظر إلى هذا وأمثاله فأعطهم ما يكفيهم وعيالهم من بيت مال المسلمين»([7]).
4- الجزية مقدارها أقل من التزامات المسلم, فكيف يهرب شخص من الجزية إلى التزامات أكثر؟ , فقد ذهب الأمام أبو حنيفة إلى تقسيم الجزية إلى فئات ثلاث:
أ- أعلاها وهي 48 درهمًا في السنة على الأغنياء مهما بلغت ثرواتهم. (وهي تقدر بـ 136 جرامًا من الفضة)؛ ( الدرهم = 2.832جراماً ).(جرام الفضة يقدر بحوالي جنيه مصري واحد)... أي تقريباً 136 جنيه في السنة على الأغنياء .
ب- وأوسطها 24 درهمًا في السنة على المتوسطين من تجار وزرّاع.(68 ج مصري )
ج- وأدناها وهي 12 درهمًا في السنة على العمال المحترفين الذين يجدون عملاً0( 34 ج مصري في السنة )([8]).
وهذا مبلغ لا يكاد يذكر مقارنة بما يدفعه المسلم من زكاة ماله، فلو أن هناك مسلمًا يملك مليون درهم لوجب عليه في زكاة ماله خمسة وعشرون ألف درهم بنسبة اثنين ونصف بالمائة، وهو القدر الشرعي لفريضة الزكاة, ولو أن هناك جارًا له نصرانيًا يملك مليون درهم أيضًا لما وجب عليه في السنة كلها إلا ثمانية وأربعون درهمًا فقط. فأين يكون الاستغلال والظلم في مثل هذا النظام؟!.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في التحذير من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم: «من ظلم معاهَدًا أو انتقصَه حقَّه أو كلَّفَه فوقَ طاقتِه أو أخذَ منه شيئًا بغير طِيبِ نفسٍ فأنا حَجِيجُه يومَ القيامةِ»([9]).
أما المقابل لمبلغ الجزية فهذا ما نقله الإمام القرافي عن الإمام ابن حزم عن إجماع المسلمين من وجوب حمايتهم، ولو كانت الكلفة الموت في سبيل ذلك ([10]).
بذلك نستطيع القول أن: الإسلام لم ينتشر بالسيف, وأن أهل مصر وغيرها تحولوا للإسلام طواعية وليس هرباً من سيف أو هرباً من جزية, وأن الجزية لا تفرض إلا على الرجل القادر, وأن مقدار الجزية ضئيل بالنسبة للالتزامات التي على المسلم نفسه.مينا : ولكن المسيحية لم تأمر أبداً بالقتال ؟أحمد : النصرانية أمرت بالقتال وكذلك بقتل المدنيين من أطفال ونساء والدليل:
1- (التثنية 20: 16 «وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نَسَمَةً»).2- (إشعيا 13: 16 يقول الرب: «وتـُحطَّم أطفالهم أمام عيونهم وتُنهب بيوتهم وتُفضح نساؤهم»).3- (هوشع 13: 16 يقول الرب: «تجازى السامرة لأنها تمردت على إلهها، بالسيف يسقطون، تحطم أطفالهم والحوامل تشق»).4- (يشوع 11: 10-12 «وَضَرَبُوا كُلَّ نَفْسٍ بِهَا بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمُوهُمْ. وَلَمْ تَبْقَ نَسَمَةٌ. وَأَحْرَقَ حَاصُورَ بِالنَّارِ. فَأَخَذَ يَشُوعُ كُلَّ مُدُنِ أُولَئِكَ الْمُلُوكِ وَجَمِيعَ مُلُوكِهَا وَضَرَبَهُمْ بِحَدِّ السَّيْفِ. حَرَّمَهُمْ كَمَا أَمَرَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ»).مينا : ولكن هذه الاوامر في العهد القديم أي قبل المسيح.
أحمد : هذا الكلام مردود عليه بما يلي:أ- المسيح لم يأت بدين جديد فقد قال: (متى 5: 17«لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ»).
([1]) موسوعة قصة الحضارة ‑ وول ديورانت ‑ الجزء 13‑ ص261‑ 262‑ الهيئة المصرية العامة للكتاب. ,وعلى الإنترنت ص4692‑4693 http://www.civilizationstory.com/civilization/
([2]) المصدر السابق ‑ الجزء13‑ ص130‑ 133 وعلى الإنترنت ص4561/2/3/4/.
([3]) المصدر السابق ‑ الجزء 13‑ ص 282‑ .على الإنترنت ص 4713.
([4]) محمد الغزالي‑ هذا ديننا ‑ ص60. بتصرف.
([5]) آدم ميتز ‑ الحضارة الإسلامية (1/96. (
([6]) غير المسلمين في المجتمع المسلم. د. القرضاوي ‑ مكتبة وهبة ‑ ص 9 عن (أبو يوسف الخراج 144).
([7]) المصدر السابق (ص10). عن (أبو يوسف الخراج ص126).
([8]) معاملة غير المسلمين في الدولة الاسلامية ‑ د.ناريمان عبد الكريم (ص 50) عن الماوردي: الأحكام السلطانية (ص 144).
([9]) رواه أبو داود في سننه ح (3052) في (3/170)، وصححه الألباني ح (2626).
([10]) القرافي‑ الفروق (3/14-15(.
تعليق