تتمة
الشهادتان لا تحقق الخلاص والنجاة لقائلها إلا إذا تحققت شروط قبولهما
السؤال: كيف نوفق بين قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن تارك الصلاة كافر، وقوله: {من قال لا إله إلا الله صادقاً من قلبه وجبت له الجنة } والحديث الذي يصف أهل آخر الزمن أنهم لا يعرفون إلا قول لا إله إلا الله، ولكن يدخلون الجنة؟
الجواب: الحديث الأول ليس فيه إشكال، من قال: {لا إله إلا الله صادقاً من قلبه.. }، ونحن نقول: من كان صادقاً من قلبه فإنه لابد أن يصلي قطعاً، وهذا دليل على أن عمل القلب موجود لديه، ومن وجد لديه عمل القلب فلابد أن يوجد لديه عمل الجوارح، ولا خلاف في ذلك.
أما آخر الزمان، فإن السائل يقصد حديث حذيفة لما سأله الرجل، قال له: { ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟، قال: تنجيهم من النار }.
وهنا نأخذ قاعدة، وهي أنه يجب أن نفرق بين القاعدة الكلية أو الحكم الأصلي المشروع المتبع، وبين العوارض.
فالأصل فيك أنك تتوضأ وتقيم الصلاة، لكن -مثلاً- إذا كنت تجاهد في سبيل الله ثم أسرك الكفار وقيدوك ومنعت من الماء، فإنه يجوز لك أن تُصلي بدون وضوء، أو أن تصلي إلى غير القبلة، أو تصلي بدون قيام، كذلك لو ألجئت في دار الكفر، ألا تظهر إسلامك فيجوز لك أن لا تظهر شهادة أن لا إله إلا الله أو الصلاة بالمرة، فهذه أحكام عارضة، وليست هي الأصل.
لكن لو أتى شخص وقال: أنا أصلي بدون وضوء، لأن الصلاة جائزة بدون وضوء! قيل له: ما الدليل؟ قال: لأن الإنسان إذا حبس في مكان وليس عنده ماء فإنه يجوز له ذلك، لكن نقول: ذاك محبوس، أما أنت فعندك الماء ولست محبوسًا، ففرق بينهما.
ففرق بين الذي يكون القرآن والسنة بين يديه، ويعرف أن الصلاة واجبة، والمساجد يؤذن فيها، وبين الذين هم في آخر الزمان كما في حديث حذيفة : { يدرس الإسلام كما يدرس الثوب، وينسى الدين، حتى يأتي العجوز والشيخ الكبير فيقولون: أدركنا قوماً يقولون: لا إله إلا الله، فنحن نقولها. فقال الراوي: وما تنفعهم لا إله إلا الله، قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: تنجيهم من النار } لأنه ما بلغهم من الدين إلا هذه الكلمة، فهؤلاء كمثل المقيد الذي لا يستطيع أن يصلي إلا بدون وضوء، أو لا يستطيع أن يصلي إلا وهو جالس، ولا يستطيع أن يقف، فهذا غاية ما بلغهم من الدين، فهل نقول: إذاً ما دام هؤلاء كذا فنحن الذين بلغنا الدين كله ونستطيع أن نؤدي الفرائض أن نكون مثل حال هؤلاء، ولا نصلي أبداً، ثم ننجو من النار؟ هذا لا يمكن؛ لأن هناك فرقاً.
فعارض الأصل: الإكراه والجهل وعدم البلاغ، فهذه عوارض تعرض، لكن القاعدة الكلية الأصلية تبقى دائماً هي الأصل، وهذه الاستثناءات وإن وردت فإنها لا تلغي القاعدة، لكنها تستثني الحالة الخاصة التي وردت فيها.
ولذلك حالة الجهنميين الذين يخرجون بعد أن يأمر الله تعالى بإخراج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان أو من خير، كما في رواية ففي رواية: {فيتحنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى } وهي في المسند : { فيخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط } كما ورد في إحدى روايات أبي سعيد عند مسلم : { فيخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط } فهذا مثل الناس الذين في آخر الزمان ولم يبلغهم إلا هذا الكلام، ولم يعملوا خيراً قط ولا عرفوه.
وأيضاً يخرج من النار الرجل الذي ورد في رواية أبي عوانة أنه هو آخر الناس خروجاً من النار، وهو الذي قال لأهله من بني إسرائيل: {إذا أنا مت فاحرقوني واسحقوني وذُرُّوني في البر والبحر، فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين } فورد في رواية أن هذا الرجل هو { آخر أهل النار خروجاً من النار }، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخرجه من النار، مع أنه شك في القدرة، سواءً قيل إن هذه الرواية شاذة، أم أنه هو هذا الرجل أو غيره، فالمهم أن هذا الرجل كان في حالة خوفٍ وإجلالٍ شديدٍ -كما في آخر الحديث- {ثم يأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى البحر أن يلقي ما فيه، والبر أن يلقي ما فيه، فيجمعه فيعيده خلقاً سوياً، كما بدأ، فيقول: يا عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: خوفك يا رب } فمن خوف الله نسي قدرة الله، ونسي أنه على كل شيء قدير، ونسي الإيمان بالبعث، ونسي أصلاً من أصول الدين.
فنقول: هذه الحالة لا نجعلها معيارًا ومقياسًا لنفي القدرة، فيقول شخص: نفي القدرة لا يلزم القول به عدم دخول الجنة.
فإذاً هناك حالات أو عوارض تعرض، تستثنى من القاعدة الأصلية، ولكنها لا تهدم القاعدة الأصلية أبداً، وكذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، لما قال: {خمس صلوات فرضهن الله في اليوم والليلة، من حافظ عليهن دخل الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فهو إلى رحمة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له } فهذا لا يدل على أن تارك الصلاة تحت المشيئة كصاحب الكبيرة؛ لأن المحافظة على الصلاة شيء، ومجرد الأداء شيء آخر، فالذي يصلي الفجر الساعة السابعة، والظهر الساعة الرابعة، والعصر الساعة السادسة، هذا نقول: إنه غير محافظ على الصلاة، والذي ينام مرة ويقوم مرة، هذا لا يسمى محافظاً على الصلاة، والله تعالى لما مدح المؤمنين قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ[المؤمنون:9] ولم يقل: يؤدون الصلاة، فالذي يؤدي الصلاة هو مسلم، أما الذي يحافظ على الصلاة فنقول: إنه مؤمن.
فالمحافظة درجة أعلى من الأداء، وليس في الحديث دليل على أن من لم يصلِ بالكلية فهو تحت رحمة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. فالمحافظة على الصلاة أن تقام بهيئاتها وأركانها وبواجباتها ومستحباتها في أوقاتها كما شرع الله، فالإهمال فيها والتكاسل ليس محافظةً عليها.
فهذا الحديث لا يتعارض مع الأدلة الصحيحة الصريحة المروية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوه كثيرة في أن تارك الصلاة تركاً كلياً أنه كافرٌ لا إيمان له....
من كلام الدكتور سفر الحوالي
الشهادتان لا تحقق الخلاص والنجاة لقائلها إلا إذا تحققت شروط قبولهما
السؤال: كيف نوفق بين قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن تارك الصلاة كافر، وقوله: {من قال لا إله إلا الله صادقاً من قلبه وجبت له الجنة } والحديث الذي يصف أهل آخر الزمن أنهم لا يعرفون إلا قول لا إله إلا الله، ولكن يدخلون الجنة؟
الجواب: الحديث الأول ليس فيه إشكال، من قال: {لا إله إلا الله صادقاً من قلبه.. }، ونحن نقول: من كان صادقاً من قلبه فإنه لابد أن يصلي قطعاً، وهذا دليل على أن عمل القلب موجود لديه، ومن وجد لديه عمل القلب فلابد أن يوجد لديه عمل الجوارح، ولا خلاف في ذلك.
أما آخر الزمان، فإن السائل يقصد حديث حذيفة لما سأله الرجل، قال له: { ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟، قال: تنجيهم من النار }.
وهنا نأخذ قاعدة، وهي أنه يجب أن نفرق بين القاعدة الكلية أو الحكم الأصلي المشروع المتبع، وبين العوارض.
فالأصل فيك أنك تتوضأ وتقيم الصلاة، لكن -مثلاً- إذا كنت تجاهد في سبيل الله ثم أسرك الكفار وقيدوك ومنعت من الماء، فإنه يجوز لك أن تُصلي بدون وضوء، أو أن تصلي إلى غير القبلة، أو تصلي بدون قيام، كذلك لو ألجئت في دار الكفر، ألا تظهر إسلامك فيجوز لك أن لا تظهر شهادة أن لا إله إلا الله أو الصلاة بالمرة، فهذه أحكام عارضة، وليست هي الأصل.
لكن لو أتى شخص وقال: أنا أصلي بدون وضوء، لأن الصلاة جائزة بدون وضوء! قيل له: ما الدليل؟ قال: لأن الإنسان إذا حبس في مكان وليس عنده ماء فإنه يجوز له ذلك، لكن نقول: ذاك محبوس، أما أنت فعندك الماء ولست محبوسًا، ففرق بينهما.
ففرق بين الذي يكون القرآن والسنة بين يديه، ويعرف أن الصلاة واجبة، والمساجد يؤذن فيها، وبين الذين هم في آخر الزمان كما في حديث حذيفة : { يدرس الإسلام كما يدرس الثوب، وينسى الدين، حتى يأتي العجوز والشيخ الكبير فيقولون: أدركنا قوماً يقولون: لا إله إلا الله، فنحن نقولها. فقال الراوي: وما تنفعهم لا إله إلا الله، قال حذيفة رضي الله تعالى عنه: تنجيهم من النار } لأنه ما بلغهم من الدين إلا هذه الكلمة، فهؤلاء كمثل المقيد الذي لا يستطيع أن يصلي إلا بدون وضوء، أو لا يستطيع أن يصلي إلا وهو جالس، ولا يستطيع أن يقف، فهذا غاية ما بلغهم من الدين، فهل نقول: إذاً ما دام هؤلاء كذا فنحن الذين بلغنا الدين كله ونستطيع أن نؤدي الفرائض أن نكون مثل حال هؤلاء، ولا نصلي أبداً، ثم ننجو من النار؟ هذا لا يمكن؛ لأن هناك فرقاً.
فعارض الأصل: الإكراه والجهل وعدم البلاغ، فهذه عوارض تعرض، لكن القاعدة الكلية الأصلية تبقى دائماً هي الأصل، وهذه الاستثناءات وإن وردت فإنها لا تلغي القاعدة، لكنها تستثني الحالة الخاصة التي وردت فيها.
ولذلك حالة الجهنميين الذين يخرجون بعد أن يأمر الله تعالى بإخراج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان أو من خير، كما في رواية ففي رواية: {فيتحنن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى } وهي في المسند : { فيخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط } كما ورد في إحدى روايات أبي سعيد عند مسلم : { فيخرج قوماً لم يعملوا خيراً قط } فهذا مثل الناس الذين في آخر الزمان ولم يبلغهم إلا هذا الكلام، ولم يعملوا خيراً قط ولا عرفوه.
وأيضاً يخرج من النار الرجل الذي ورد في رواية أبي عوانة أنه هو آخر الناس خروجاً من النار، وهو الذي قال لأهله من بني إسرائيل: {إذا أنا مت فاحرقوني واسحقوني وذُرُّوني في البر والبحر، فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين } فورد في رواية أن هذا الرجل هو { آخر أهل النار خروجاً من النار }، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يخرجه من النار، مع أنه شك في القدرة، سواءً قيل إن هذه الرواية شاذة، أم أنه هو هذا الرجل أو غيره، فالمهم أن هذا الرجل كان في حالة خوفٍ وإجلالٍ شديدٍ -كما في آخر الحديث- {ثم يأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى البحر أن يلقي ما فيه، والبر أن يلقي ما فيه، فيجمعه فيعيده خلقاً سوياً، كما بدأ، فيقول: يا عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ قال: خوفك يا رب } فمن خوف الله نسي قدرة الله، ونسي أنه على كل شيء قدير، ونسي الإيمان بالبعث، ونسي أصلاً من أصول الدين.
فنقول: هذه الحالة لا نجعلها معيارًا ومقياسًا لنفي القدرة، فيقول شخص: نفي القدرة لا يلزم القول به عدم دخول الجنة.
فإذاً هناك حالات أو عوارض تعرض، تستثنى من القاعدة الأصلية، ولكنها لا تهدم القاعدة الأصلية أبداً، وكذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه، لما قال: {خمس صلوات فرضهن الله في اليوم والليلة، من حافظ عليهن دخل الجنة، ومن لم يحافظ عليهن فهو إلى رحمة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له } فهذا لا يدل على أن تارك الصلاة تحت المشيئة كصاحب الكبيرة؛ لأن المحافظة على الصلاة شيء، ومجرد الأداء شيء آخر، فالذي يصلي الفجر الساعة السابعة، والظهر الساعة الرابعة، والعصر الساعة السادسة، هذا نقول: إنه غير محافظ على الصلاة، والذي ينام مرة ويقوم مرة، هذا لا يسمى محافظاً على الصلاة، والله تعالى لما مدح المؤمنين قال: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ[المؤمنون:9] ولم يقل: يؤدون الصلاة، فالذي يؤدي الصلاة هو مسلم، أما الذي يحافظ على الصلاة فنقول: إنه مؤمن.
فالمحافظة درجة أعلى من الأداء، وليس في الحديث دليل على أن من لم يصلِ بالكلية فهو تحت رحمة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. فالمحافظة على الصلاة أن تقام بهيئاتها وأركانها وبواجباتها ومستحباتها في أوقاتها كما شرع الله، فالإهمال فيها والتكاسل ليس محافظةً عليها.
فهذا الحديث لا يتعارض مع الأدلة الصحيحة الصريحة المروية عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من وجوه كثيرة في أن تارك الصلاة تركاً كلياً أنه كافرٌ لا إيمان له....
من كلام الدكتور سفر الحوالي
تعليق