سلسلة إثبات التحريف في كتاب النصارى

تقليص

عن الكاتب

تقليص

الغدنفر مسلم اكتشف المزيد حول الغدنفر
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 1 (0 أعضاء و 1 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الغدنفر
    0- عضو حديث
    • 5 أغس, 2010
    • 24
    • محاسب
    • مسلم

    سلسلة إثبات التحريف في كتاب النصارى

    ( القول في التوراة والإنجيل )

    إن التوراة الأصلي، وكذا الإنجيل الأصلي فقدا قبل بعثة محمد صلى اللّه عليه وسلم، والموجودان الآن بمنزلة كتابين من السير مجموعين من الروايات الصحيحة والكاذبة، ولا نقول أنهما كانا موجودين على أصالتهما إلى عهد النبي صلى اللّه عليه وسلم ثم وقع فيهما التحريف، حاشا وكلا، وكلام بولس على تقدير صحة النسب إليه أيضاً ليس بمقبول عندنا لأنه عندنا من الكاذبين الذين كانوا قد ظهروا في الطبقة الأولى، وإن كان مقدساً عند أهل التثليث، فلا نشتري قوله بحبة، والحواريون الباقون بعد عروج عيسى عليه السلام إلى السماء نعتقد في حقهم الصلاح، ولا نعتقد في حقهم النبوة، وأقوالهم عندنا كأقوال المجتهدين الصالحين محتملة للخطأ، وفقدان السند المتصل إلى آخر القرن الثاني، وفقدان الإنجيل العبراني الأصلي لمتى، وبقاء ترجمته التي لم يعلم اسم صاحبها أيضاً الآن باليقين، ثم وقوع التحريف فيها صارت أسباباً لارتفاع الأمان عن أقوالهم. وهاهنا سبب ثالث أيضاً وهو أنهم في كثير من الأوقات ما كانوا يفهمون مراد المسيح من أقواله، كما ستعرف مفصلاً إن شاء اللّه. ولوقا ومرقس ليسا من الحواريين، ولم يثبت بدليل كونهما من ذوي الإلهام أيضاً، والتوراة عندنا ما أُوحي إلى موسى عليه السلام، والإنجيل ما أُوحي إلى عيسى عليه السلام في سورة البقرة {ولَقَد آتَيْنَا مُوسَى الْكِتابَ} وفي سورة المائدة في حق عيسى عليه السلام {وآتيناه الإنجيل} وفي سورة مريم نقلاً عن عيسى عليه السلام {وآتانِيَ الْكتابَ} أي الإنجيل ووقع في سورة البقرة وآل عمران {وما أُوتي مُوسَى وَعيسَى} أي التوراة والإنجيل. وأما هذه التواريخ والرسائل الموجودة الآن ليست التوراة والإنجيل المذكورين في القرآن، فليسا واجبا التسليم، بل حكمهما وحكم سائر الكتب من العهد العتيق أنّ كل رواية من رواياتها إن صدَّقها القرآن فهي مقبولة يقيناً، وإن كذّبها القرآن فهي مردودة يقيناً، وإن كان القرآن ساكتاً عن التصديق والتكذيب فنسكت عنه فلا نصدق ولا نكذب، قال اللّه تعالى في سورة المائدة خطاباً لنبيه {وَأَنْزَلْنا إلَيْكَ الْكِتَابَ بالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنَ الكْتابِ ومَهَيْمِناً عَلَيْه} في معالم التنزيل في ذيل تفسير هذه الآية "ومعنى أمانة القرآن ما قال ابن جريج: القرآن أمين على ما قبله من الكتاب، فما أخبر أهل الكتاب عن كتابهم فإن كان في القرآن فصدِّقوه وإلا فكذبوه، قال سعيد بن المسيب والضحاك: قاضياً، وقال الخليل: رقيباً وحافظاً، ومعنى الكل أن كل كتاب يشهد بصدقه القرآن فهو كتاب اللّه وإلا فلا" وفي التفسير المظهري: "إن كان في القرآن تصديقه فصدِّقوه وإن كان في القرآن تكذيبه فكذِّبوه، وإن كان القرآن ساكتاً عنه فاسكتوا عنه لاحتمال الصدق والكذب" انتهى. وأورد الإمام البخاري رحمه اللّه تعالى حديثاً عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في كتاب الشهادات بإسناد، ثم أورد في كتاب الاعتصام بإسناد آخر، ثم في كتاب الرد على الجهمية بإسناد آخر، وأنقله عن الكتابيين الأخيرين مع عبارة القسطلاني في كتاب الاعتصام "كيف تسألون أهل الكتاب" من اليهود والنصارى؟ والاستفهام إنكاري "عن شيء من الشرائع وكتابكم القرآن الذي أنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أحدث" أقرب نزولاً إليكم من عند اللّه فالحدوث بالنسبة إلى المنزل عليهم وهو في نفسه قديم "تقرؤنه محضاً" خالصاً لم يُشَبْ بضم أوله وفتح المعجمة لم يخلط فلا يتطرق إليه تحريف ولا تبديل بخلاف التوراة والإنجيل (وقد حدثكم) سبحانه وتعالى (أن أهل الكتاب) من اليهود وغيرهم "بدلوا كتاب اللّه" التوراة "وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند اللّه ليشتروا به ثمناً قليلاً، ألا" بالتخفيف "ينهاكم ما جاءكم من العلم" بالكتاب والسنة "عن مسألتهم" بفتح الميم وسكون السين، ولأبي ذر عن الكشميهني مساءلتهم بضم الميم وفتح السين بعدها ألف "لا واللّه ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أنزل عليكم فأنتم بالطريق الأولى أن لا تسألوهم" انتهى. وفي كتاب الرد على الجهمية "يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزله اللّه على نبيكم صلى اللّه عليه وسلم أحدث الأخبار باللّه" عز وجل لفظاً أو نزولاً أو إخباراً من اللّه تعالى "محضاً لم يشب" لم يخالطه غيره "قد حدثكم اللّه عز وجل في كتابه أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب اللّه وغيروا فكتبوا بأيديهم" زاد أبو ذر الكتب، يشير إلى قوله تعالى يكتبون بأيديهم إلى يكسبون {قَالُوا هُوَ مِنْ عِنْد اللّه لِيَشْتروا بِهِ ثَمناً قلِيلاً} عوضاً يسيراً "أو لا" بفتح الواو "ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم" وإسناد المجيء إلى العلم مجاز كإسناد النهي إليه "فلا واللّه ما رأينا رجلاً يسألكم عن الذي أُنزل عليكم" وللمستملي إليكم فلم تسألون أنتم منهم مع علمكم أن كتابهم محرف.



    وفي كتاب الاعتصام قول معاوية رضي اللّه عنه في حق كعب الأحبار وهكذا: "إنه كان من أصدق هؤلاء المحدثين الذين يحدثون عن أهل الكتاب وإن كنا مع ذلك لنبلوَ عليه الكذب" يعني أنه يخطئ فيما يقوله في بعض الأحيان لأجل أن كتبهم محرفة مبدلة، فنسبة الكذب إليه لهذا لا لكونه كذاباً فإنه كان عند الصحابة من خيار الأحبار فقوله "وإن كنا مع ذلك" الخ يدل صراحة على أن الصحابة رضي اللّه عنهم كانوا يعتقدون أن كتب أهل الكتاب محرّفة، ومن طالع من أهل الإسلام هذه التوراة وهذا الإنجيل، ثم رد على أهل الكتاب أنكرهما يقيناً، وتأليفات الأكثر منهم توجد إلى الآن أيضاً، فمن شاء فليرجع إلى تأليفاتهم، قال صاحب تخجيل من حرّف الإنجيل في الباب الثاني من كتابه في حق هذه الأناجيل المشهورة هكذا: "إنها ليست هي الأناجيل الحق المبعوث بها الرسول المنزلة من عند اللّه تعالى" انتهى كلامه بلفظه، ثم قال في الباب المذكور هكذا: "والإنجيل الحق إنما هو الذي نطق به المسيح" انتهى كلامه بلفظه. ثم قال في الباب التاسع في بيان فضائح النصارى: "وقد سلبهم بولس هذا من الدين بلطيف خداعه، إذ رأى عقولهم قابلة لكل ما يلقى إليها وقد طمس هذا الخبيث رسوم التوراة" انتهى كلامه بلفظه. انظروا كيف ينكر هذه الأناجيل وكيف يشدد على بولس. ولبعض فضلاء الهند محاكمة على تقريري وتقرير صاحب ميزان الحق، وضم محاكمته في آخر رسالة المناظرة التي طبعت سنة 1270 باللسان الفارسي في بلدة دهلي. وهذا المحاكم لما رأى بعض علماء البروتستنت أنهم يدّعون للتغليط أو لوقوعهم في الغلط أن المسلمين لا ينكرون هذا التوراة والإنجيل، فاستحسن أن يستفتي في هذا الباب من علماء دهلي فاستفتى فكتب العلماء كلهم: "إن هذا المجموع المشتهر الآن بالعهد الجديد ليس بِمُسَلم عندنا، وليس هذا هو الإنجيل الذي جاء ذكره في القرآن بل هو عندنا عبارة عن الكلام الذي أنزل على عيسى".

    وبعد حصول الفتوى أدرجها المحاكم في رسالة المحاكمة وضم هذه الرسالة برسالة المناظرة المذكورة لتنبيه العوام، وعلماء الهند شرقاً وغرباً فتواهم كفتوى علماء دهلي، ومن رد منهم على رسائل القسيسين سواء كان من أهل السنة والجماعة أو من أهل التشيع صرح في هذا الباب تصريحاً عظيماً وأنكر هذا المجموع أشد الإنكار.‏

    وقال الإمام الهمام فخر الدين الرازي قدس سره في كتابه المسمى بالمطالب العالية في الفصل الرابع من القسم الثاني من كتاب النبوّات: "وأما دعوة عيسى عليه السلام فكأنه لم يظهر لها تأثير إلا في القليل وذلك لأنا نقطع بأنه ما دعا إلى الدين الذي يقول به هؤلاء النصارى، لأن القول بالأب والابن والتثليث أفجع أنواع الكفر وأفحش أقسام الجهل، ومثل هذا لا يليق بأجهل الناس فضلاً عن الرسول المعظم المعصوم، فعلمنا أنه ما كانت دعوته ألبتة إلى هذا الدين الخبيث، وإنما كانت دعوته إلى التوحيد والتنزيه، ثم إن تلك الدعوة ما ظهرت ألبتة، بل بقيت مطوية غير مروية، فثبت أنه لم يظهر لدعوته إلى الحق أثر البتة" انتهى كلامه الشريف بلفظه.‏

    وقال الإمام القرطبي في كتابه المسمى بكتاب الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام في الباب الثالث هكذا: "إن الكتاب الذي بيد النصارى الذي يسمونه بالإنجيل ليس هو الإنجيل الذي قال اللّه فيه على لسان رسوله صلى اللّه عليه وسلم وأنزل التَّوْراة والإنْجيلَ مِنْ قَبْل هُدىً للِنَّاسِ" انتهى كلامه بلفظه. ثم أورد الدليل على هذه الدعوى، وأثبت أن الحواريين ما كانوا أنبياء ولا معصومين عن الغلط، وأن ما ادعوا من كراماتهم لم ينقل شيء منها على التواتر بل هي أخبار آحاد غير صحيحة، ولو سلمنا صحتها لما دلت على صدقهم في كل الأحوال، وعلى نبوتهم لأنهم لم يدّعوا النبوة لأنفسهم، وإنما ادعوا التبليغ عن عيسى عليه السلام ثم قال: "فظهر من هذا البحث أن الإنجيل المدّعى لم يُنقل تواتراً ولم يقم دليلٌ على عصمة ناقليه فإذاً يجوز الغلط والسهو على ناقليه، فلا يحصل العلم بشيء منه ولا غلبة الظن فلا يُلْتفتُ إليه ولا يُعَوَّل في الاحتجاج عليه، وهذا كاف في رده وبيان قبول تحريفه، وعدم الثقة بمضمونه، ولكنا مع ذلك نعمد منه إلى مواضع يتبين فيها تهافت نَقَلَته ووقوع الغلط في نقله" انتهى كلامه بلفظه. ثم نقل المواضع المذكورة فقال: "فقد حصل من هذا البحث الصحيح أن التوراة والإنجيل لا يحصل الثقة بهما فلا يصح الاستدلال بهما لكونهما غير متواترين وقابلين للتغير، وقد دللنا على بعض ما وقع فيهما من ذلك، وإذا جاز مثل ذلك في هذين الكتابين مع كونهما أشهر ما عندهم وأعظم عُمُدهم ومستَنَد ديانتهم فما ظنك بغير ذينك من سائر كتبهم التي يستدلون بها، مما ليس مشهوراً مثلهما ولا منسوباً إلى اللّه نسبتهما، فعلى هذا هو أولى بعدم التواتر وبقبول التحريف منهما" انتهى كلامه بلفظه، وهذا الكتاب موجود في القسطنطينية في كتبخانة كوبرلي.‏

    وقال العلامة المقريزي وكان في القرن الثامن من القرون المحمدية في المجلد الأول من تاريخه في ذكر التواريخ التي كانت للأمم قبل تاريخ القبط: "هكذا تزعم اليهود أن توراتهم بعيدة عن التخاليط، وتزعم النصارى أو توراة السبعين التي هي بأيديهم لم يقع فيها تحريف ولا تبديل، وتقول اليهود فيه خلاف ذلك وتقول السامرية بأن توراتهم هي الحق وما عداها باطل، وليس في اختلافهم ما يزيل الشك، بل يقوي الجالبة له، وهذا الاختلاف بعينه بين النصارى أيضاً في الإنجيل، وذلك أن له عند النصارى أربعَ نسخ مجموعة في مصحف واحد، أحدها لإنجيل متى، والثاني لمارقوس، والثالث للوقا والرابع ليوحنا، قد ألّفه كل من هؤلاء الأربعة إنجيلاً على حسب دعوته في بلاده، وهي مختلفة اختلافاً كثيراً حتى في صفات المسيح عليه السلام وأيام دعوته، ووقت الصلب بزعمهم وفي نسبه أيضاً، وهذا الاختلاف لا يحتمل مثله، ومع هذا فعند كل من أصحاب مَرْقيون وأصحاب ابن ويصان إنجيل يخالف بعضُه هذه الأناجيل، ولأصحاب ماني إنجيل على حدة يخالف ما عليه النصارى من أوله إلى آخره، ويزعمون أنه الصحيح، وما عداه باطل، ولهم أيضاً إنجيل يسمى إنجيل السبعين ينسب إلى تلامس، والنصارى وغيرهم ينكرونه، وإذا كان الأمر من الاختلاف بين أهل الكتاب كما قد رأيت، ولم يكن للقياس والرأي مَدْخَل في تميز حق ذلك من باطله امتنع الوقوف على حقيقة ذلك من قِبَلهم ولم يُعَوّل على شيء من أقوالهم" انتهى كلامه بلفظه.‏

    وقال صاحب كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون في بيان الإنجيل: "كتاب أنزله اللّه سبحانه وتعالى على عيسى بن مريم عليهما السلام" ثم رد كون هذه الأناجيل الأربعة الإنجيل الأصلي بعبارة طويلة فقال: "وأما الذي جاء به عيسى فهو إنجيل واحد لا تدافع فيه ولا اختلاف وهؤلاء كذبوا على اللّه سبحانه وتعالى وعلى نبيه عيسى عليه السلام".‏

    وقال صاحب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى: "إن هذه التوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم، وهم يعلمون قطعاً أن ذلك ليس في التوراة التي أنزلها اللّه على موسى، ولا في الإنجيل الذي أنزله على المسيح، وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزله على المسيح قصة صَلبه وما جرى له، وأنه أصابه كذا وكذا، وأنه قام من القبر بعد ثلاث وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى" ثم قال: "وقد ذكر غيرُ واحد من علماء الإسلام ما بينها من التفاوت والزيادة والنقصان والتناقض لمن أراد الوقوف عليه، ولولا الإطالة وقصد ما هو أهم منه لذكرنا منه طرفاً كبيراً".‏

    ومن طالع بالتأمل هذا الباب الأول من كتابي ظهر له صدق دعوى أهل الإسلام كالشمس في رابعة النهار، ولا حاجة أن أطيل في هذا الباب، لكني أستحسن بملاحظة بعض الأمور أن أنبه على تغليطين آخرين أيضاً: (الأول) أن علماء البروتستنت يدّعون تارة لتغليط العوام: أنه يوجد سند لهذه الأناجيل في القرن الأول والثاني، لأنه قد شهد بوجودها كليمنس أسقف الروم وأكاثيوس وغيرهما من العلماء الذين كانوا في القرنين الأولين. (الثاني) أن مرقس كتب إنجيله بإعانة بطرس، وأن لوقا كتب إنجيله بإعانة بولس، وبطرس وبولس كانا ذوي إلهام فهذان الإنجيلان بهذا الاعتبار إلهاميان، فأقول في جواب التغليط الأول: إن السند المتنازعَ بيننا وبينهم السند المتصل، وهو عبارة أن يَرْويَ الثقة بواسطة أو بوسائط عن الثقة الآخر بأنه قال إن الكتاب الفلاني تصنيف فلان الحواري أو فلان النبي، وسمعت هذا الكتاب كلّه مِنْ فيه أو قرأته عليه أو أقر عندي أن هذا الكتاب تصنيفي، وتكون الواسطة أو الوسائط من الثقات الجامعين لشروط الرواية، فنقول: إن مثل هذا السند لا يوجد عندهم من آخر القرن الثاني أو أوّل القرن الثالث إلى مصنف الأناجيل، وطلبنا هذا السند مراراً وتتبعنا في كتب إسنادهم فما نلنا المطلوب، بل اعتذر القسيس فرنج في مجلس المناظرة أنه لا يوجد السند الكذائي عندنا لأجل وقوع الحوادث العظيمة في القرون الأولى من القرون المسيحية إلى ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، فهذا السند لا يوجد في كلام كليمنس أسقف الروم، ولا أكناثيوس ولا غيرهما إلى آخر القرن الثاني، ولا ننكر الظن والتخمين، ولا نقول إنهم لا ينسبون إلى مصنفها بالظن والقرائن أيضاً، بل نقول إن الظن والقرائن لا تسمى سنداً كما علمت في الفصل الثاني، ولا ننكر اشتهار هذه الأناجيل في آخر القرن الثاني أو ابتداء القرن الثالث وما بعده اشتهاراً ناقصاً قابلاً للتحريف، غير مانع عنه، بل نقر بالاشتهار الناقص الذي لا يمنع عن التحريف كما ستعرف في الباب الثاني، وأبين لك حال كليمنس وأكناثيوس ليظهر لك الحال: فاعلم أنه ينسب إلى كليمنس أسقف الروم مكتوب واحد كتبه من جانب كنيسة فورنثيوس، واختلفوا في عام تحريره فقال آف كينتر بري إن هذا العام ما بين أربعة وستين وسبعين، وقال ليكلرك إنه سنة 69، وقال ديوين وتلي منت إن كليمنس ما صار أسقفاً إلى سنة 191 (89) أو سنة 93، وإذا لم يكن أسقفاً إلى هذا الحين فكيف يصدق القولان السابقان، واختار المؤرخ وليم ميور أنه سنة 95، واختار المفسر لاردنر أنه سنة 96، وإني أقطع النظر عن هذا الاختلاف، وأقول إنه لا يجاوز عام تحريره على زعمهم ستة وتسعين، ووقع اتفاقاً بعض فقراته موافقة لبعض فقرات إنجيل من هذه الأناجيل المتعارفة في بعض المضمون، فيدعون تحكماً أنه نقل عن هذه الأناجيل، وهذا الادعاء ليس بصحيح لوجوه: (الأول) أنه لا يلزم من توافق بعض المضامين النقل وإلا يلزم أن يكون ادعاء الذين يسميهم علماء البروتستنت بالملحدين ادعاء واقعياً، لأنهم يدعون أن الأخلاق الحسنة التي توجد في الإنجيل منقولةٌ عن كتب الحكماء والوثنيين، قال صاحب اكسهومو: "إن الأخلاق الفاضلة التيتوجد في الإنجيل ويفتخر بها المسيحيون هي منقولة لفظاً لفظاً من كتاب الأخلاق لكنفيوشس الذي كان قبل ستمائة سنة من ميلاد المسيح، مثلاً في الخلق الرابع والعشرين من كتابه هكذا: "افعلوا بالآخر كما تحبون أن يفعل هو بكم ولكم حاجة إلى هذا الخلق فقط، وهذا أصل جميع الأخلاق" وفي الخلق الحادي والخمسين هكذا: "لا تطلب موت عدوك لأن هذا الطلب عبث وحياته في قدرة اللّه" وفي الخلق الثالث والخمسين: "أحسنوا إلى من أحسن إليكم ولا تسيئوا إلى من أساء إليكم" وفي الخلق الثالث والستين: "يمكن لنا الإعراض عن العدو بدون الانتقام وخيالات الطبع لا تدوم أثيمة" وهكذا يوجد نصائح جيدة في كتب حكماء الهند واليونان وغيرهم (والثاني) أن كليمنس لو نقل عن هذه الأناجيل لطابق نقله الأصل في المضمون كله لكنه ليس كذلك، فالمخالفة أدل دليل على أنه ما نقل عن هذه الأناجيل، بل لو ثبت نقله فهو ناقل عن الأناجيل الأخرى التي كانت في زمانه غير هذه الأربعة، كما أقر أكهارن في حق الفقرة التي نقلها في بيان صوت السماء (الثالث) أنه كان من التابعين وكان وقوفه على أقوال المسيح وأحواله مثل وقوف مرقس ولوقا، فالغالب أن نقله كنقلهما عن الروايات التي حفظها، لا عن هذه الأناجيل، نعم لو كان التصريح في كلامه بالنقل لكان هذا الادعاء في محله، لكنه لم يوجد، فهذا الادعاء ليس في محله.

    وأنقل عن مكتوبة ثلاث عبارات على وفق عدد التثليث (العبارة الأولى) "من أحب عيسى فليعمل على وصيته" فادعى مستر جونس أن كليمنس نقل هذه الفقرة عن الآية الخامسة عشرة من الباب الرابع عشر من إنجيل يوحنا، والآية المذكورة هكذا: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" فادعى هذا المدعي النقل لمناسبة توجد في مضمون العبارتين، ولم ينظر إلى الفرق بينهما، وهذا الادعاء تحكم صرف لما عرفت من الوجوه الثلاثة، بل غلط لأنك قد عرفت أن عام تحرير كليمنس لا يجاوز ستة وتسعين على جميع الأقوال، وعلى رأي هذا المدعي كتب إنجيل يوحنا سنة 68، فكيف تكون هذه الفقرة على زعمه منقولة عن إنجيل يوحنا، لكن حب إثبات السند ألقاه في هذا الوهم الباطل، قال هورن في الصفحة 307 من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1822: "كتب يوحنا إنجيله في سنة 67 على ما اختار كريزاستم، وأبي فانيس من القدماء وداكتر مل وفي بري شيس وليكلرك وبشب تاملائن من المتأخرين، وفي سنة 68 على ما اختار مستر جونس" على أن هذا الأمر بديهي أن المحب الصادق يعمل على وصية المحبوب، ومن لم يعمل فهو كاذب في ادعاء المحبة، ولقد أنصف لاردنر المفسر وقال في الصفحة 40 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1827: "أنا أفهم أن في هذا النقل شبهة لأن كليمنس كان بسبب وعظ الحواريين وصحبتهم أعلم بأن إقرار عشق المسيح يوجب على الناس العمل على وصاياه".

    (العبارة الثانية) في الباب الثالث عشر من مكتوبه هكذا: "نفعل كما هو مكتوب لأن روح القدس قال هكذا: إن الإنسان العاقل لا يفتخر على عقله، وليذكر ألفاظ الرب عيسى التي قالها حين علّم الحلم والمجاهدة، هكذا ارحموا ليرحم عليكم، اعفوا ليُعْفَى عنكم، كما تفعلون يُفْعَل بكم، كما تَعْطُون تُعْطَون، كما تدينون تدانون، كما تَرحمون تُرحمون، وبالكيل الذي تكيلون يكال به لكم" فيدعون أن كليمنس نقل هذه العبارة من الآية 36 و 37 و 38 من الباب السادس من إنجيل لوقا، ومن الآية 1 و 2 و 12 من الباب السابع لمتى، وعبارة لوقا هكذا 36 "فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم" 37 "ولا تدينوا فلا تدانوا، لا تقضوا على أحد فلا يُقضى عليكم اغفروا يغفر لكم" 38 "أعطوا تُعطوْا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فأيضاً يعطون في أحضانكم لأنه بنفس الكيل الذي تكيلون يكال لكم" وعبارة متى هكذا: 1 "لا تدينوا لكي لا تدانوا" 2 "لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم" 12 "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا، هكذا أنتم أيضاً بهم لأن هذا هو الناموس والأنبياء".

    (العبارة الثالثة) في الباب السادس والأربعون من مكتوبه هكذا: "اذكروا ألفاظ الرب المسيح لأنه قال ويل للإنسان" الذي يصدر عنه الذنب " كان خيراً له أن لم يولد من أن يؤذي أحداً من الذين اخترتهم وكان خيراً له أن يُعَلّق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر من أن يؤذي أحداً من أولادي الصغار" فيدعون أن كليمنس نقلها من الآية 24 من الباب السادس والعشرين والآية 6 من الباب 18 من إنجيل متى والآية 42 من الباب 9 من إنجيل مرقس والآية 2 من الباب 17 من إنجيل لوقا، وهذه الآيات هكذا 24 باب 26 متى "إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب في حقه، ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان، كان خيراً لذلك الرجل لو لم يولد" الآية 6 باب 28 متى "ومن أعثر أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي فخير له أن يعلق في عنقه حجر الرحى ويغرق في لجة البحر" 42 باب 9 مرقس "ومن أعثر أحد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر" الآية 2 باب 17 لوقا "خيراً له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصغار" وقال لاردنر في الصفحة 37 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1827 بعد نقل عبارة كليمنس ونقل عبارات الأناجيل هكذا: "نقلت الألفاظ عن الأناجيل المتعددة في المقابلة ليعرف كل شخص معرفة جيدة، لكن الرأي العام أن الجزء الأخير من هذه العبارة نقل عن الآية الثانية من الباب السابع عشر من إنجيل لوقا" والعبارتان المذكورتان من مكتوب كليمنس من أعظم العبارات عند الذين يدعون السند، ولذلك اكتفى بيلي بهما، لكن هذا الادعاء ادعاء باطل، لأنه لو نقل عن إنجيل من الأناجيل لصرح باسم المنقول عنه، ولو لم يصرح فلا أقل من أن ينقل العبارة بعينها، ولو لم ينقلها بعينها فلا أقل من أن يكون المنقول موافقاً للمنقول عنه باعتبار المعنى كله، ولا يوجد أمر من هذه الأمور، فكيف يظن النقل؟ وأي ترجيح للوقا عليه لأنهما كليهما تابعيان واقفان على حالات عيسى عليه السلام بالسماع، ولو اعترفنا فنعرف أنه نقل هاتين العبارتين عن إنجيل آخر، كما نقل فقرة في حال الاصطباغ عن إنجيل آخر لم يعلم اسمه، كما عرفت في كلام أكهارن، و لقد أنصف الأسقف بيرس وأقر أنه ما نقل عن هذه الأناجيل، وقال لاردنر في المجلد الثاني من تفسيره في حق هاتين العبارتين هكذا: "الذين صحبوا الحواريين أو المريدين الآخرين لربنا، وكانوا واقفين من مسائل ربنا وأحواله كما كان الإنجيليون واقفين إذا رأينا تأليفاتهم يقع مشكل في أكثر الأوقات ما لم يكن النقل صريحاً وظاهراً والمشكل المذكور في هذا الموضع. هذا أن كليمنس في هذين الموضعين ينقل أقوال المسيح التي كانت مكتوبة، أو يذكر أهل قورنيثوس ألفاظه التي سمعها هو وهم من الحواريين والمريدين الآخرين لربنا، فاختار ليكلرك الأول والأسقف بيرس الثاني، وأنا أسلم أن الأناجيل الثلاثة الأولى ألفت قبل هذا الوقت، فلو نقل كليمنس عنها فهذا ممكن، وإن لم توجد المطابقة التامة في اللفظ والعبارات، لكن هذا الأمر أنه نقل ليس تحقيقه سهلاً لأنه كان شخصاً واقفاً من هذه الأمور وقوفاً جيِّداً قبل تأليف الأناجيل، ويمكن بعد تأليفها أيضاً أن يكون بيانه الأمور التي كان واقفاً عليها وقوفاً جيداً على ما كان عادته قبل تأليفها بدون الرجوع إليها، إلا أنه يحصل الإيقان الجيد بصدق الأناجيل في الصورتين، لأن الأمر في صورة الرجوع ظاهر وأما في غيرها فيظهر تصديق الأناجيل أيضاً لأن ألفاظه موافقة لها، وكانت مشهورة بحيث كان هو وأهل قورنيثوس عالمين بها، فهو يعطينا الجزم بأن الإنجيليين كتبوا ألفاظ المسيح التي علمها ربنا وقت تعلم الحلم والرياضة حقاً وصدقاً، وهذه الألفاظ لائقة أن تحفظ بكمال الأدب، وإن كان المشكل ههنا، لكنني أتخيل مع ذلك أن يكون رأي أكثر الأفاضل موافقاً لرأي ليكلرك. نعم يعظ بولس في الآية 15 من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا: "تذكروا كلمات الرب يسوع أنه قال إن العطاء مغبوط أكثرَ من الأخذ" وأنا أجزم أنه سلم عموماً أن بولس ما نقل عن مكتوب ما، بل نقل الألفاظ المسيحية التي كان هو وهم واقفين منها، لكن لا يلزم منه أن يفهم طريق الرجوع دائماً هكذا، بل يمكن استعمال مثل هذا الطريق في المكتوب وغيره، ونحن نجد أن (بوليكارب) يستعمل هذا الطريق، والغالب بل المتيقن أنه ينقل من الأناجيل المكتوبة". فظهر من كلامه أنه لا يثبت جزماً عند علمائهم أن كليمنس نقل عن هذه الأناجيل، بل من ادعى النقل ادعى ظناً، وقوله يحصل الإيقان الجيد بصدق الأناجيل في الصورتين مردود، لأنه يحصل الشك بأن الإنجيليين كما نقلوا ههنا كلام المسيح بالزيادة والنقصان، فكذا يكون نقلهم في المواضع الأخرى، وما نقلوا الأقوال كما كانت، ولو قطعنا النظر عن هذا فنقول: إنه يلزم من كلام كليمنس أن هذه الفقرات في هذه الأناجيل من كلام المسيح، ولا يلزم منه أن المنقول فيها كله أيضاً كذلك، إذ لا يلزم من اشتهار بعض الأقوال اشتهارُ سائر الأقوال، وإلا يلزم أن يكون سائر الأناجيل الكاذبة عندهم أيضاً صادقة بشهادة كليمنس أن بعض فقرات مكتوبة توافقها أيضاً يقيناً، وقوله نحن نجد أن (بوليكارب) يستعمل هذا الطريق الخ مردود، لأنه من تابعي الحواريين أيضاً مثل كليمنس، فحاله كحاله ولا يكون نقله عن الأناجيل مظنوناً بالظن الغالب، فضلاً عن أن يكون متيقناً بل يجوز أن يكون حاله عند استعماله هذا الطريق كحال مقدسهم بولس.

    وإذا عرفت حال كليمنس الذي هو أعظم الشاهدين أحكي لك حال الشاهد الثاني الذي هو اكناثيوس الذي هو من تابعي الحواريين أيضاً وكان أسقف أنطاكية، قال لاردنر في المجلد الثاني من تفسيره: "إن يوسي بيس وجيروم ذكرا سبعة مكتوبات له وما سواها مكتوبات أخر منسوبة إليه يعتقدها جمهور العلماء أنها جَعْليات، وهو الظاهر عندي أيضاً، وللمكتوبات السبعة نسختان إحداهما كبيرة والأخرى صغيرة، واعتقاد الكل إلا مستر وستن واثنين أو أربعة من تابعيه أن النسخة الكبيرة زيد فيها، والنسخة الصغيرة قابلة أن تنسب إليه، وإني قابلتهما بالإمعان فظهر لي أن النسخة الصغيرة بالإلحاق والزيادة جُعلت كبيرة لا أنّ الكبيرةَ بالحذف والإسقاط جُعِلت صغيرة، ومنقولات القدماء توافق الصغيرة مناسبة زائدة بالنسبة إلى الكبيرة. بقي هذا السؤال أن المكتوبات المندرجة في النسخة الصغيرة أهي مكتوبات أكناثيوس في نفس الأمر أم لا؟ ففيه نزاع عظيم واستعمل المحققون الأعاظم في هذا الباب أقلامهم، وهذا السؤال عندي بملاحظة تحرير الجانبين مشكل، وثبت عندي هذا القدر أن هذه المكتوبات هي التي قرأها (بوسي بيس) وكانت موجودة في زمان (أرجن) وبعض الفقرات منها لا تناسب زمان أكناثيوس، فعلى هذا المناسب أن نعتقد أن هذه الفقرات إلحاقية لا أن نَرُد المكتوبات كلها لأجل هذه الفقرات، سيما في صورة قلة النسخ التي نحن مبتلون بها، كما أن أحداً من فرقة أيْرين زاد في النسخة الكبيرة، فكذا يمكن أن يكون أحد من فرقة أيرين أو من أهل الديانة أو من كليهما تصرف في النسخة الصغيرة أيضاً، وإن لم يحصل عندي فساد عظيم من تصرفه". وكتب محشي (بيلي) في الحاشية: "إنه ظهر في الزمان الماضي ترجمة ثلاث مكتوبات أكناثيوس في اللسان السرياني وطبعها (كيوري تن) وهذا الملفوظ الجديد قرّب إلى اليقين أن المكتوبات الصغيرة التي أصلحها (اشر) يوجد فيها الإلحاق".‏

    فظهر مما نقلنا أمور: (الأول) أن المكتوبات التي هي غير السبعة جعلية عند جمهور المسيحيين، فهذه المكتوبات ساقطة عن الاعتبار (الثاني) أن النسخة الكبيرة للمكتوبات أيضاً عند الكل غير مستر وسن وبعض تابعيه جعلية محرفة فهي أيضاً ساقطة عن الاعتبار (الثالث) أن النسخة الصغيرة فيها نزاع عظيم في أنها أصلية أم جعلية، وإلى كل منهما ذهب المحققون الأعاظم، فعلى رأي المنكرين هذه النسخة ساقطة عن الاعتبار أيضاً، وعلى رأي المثبتين أيضاً لا بد من إقرار التحريف فيها سواء كان المحرف من فرقة أيرين أو من أهل الديانة أو من كليهما، فبهذا الاعتبار هذه النسخة أيضاً ساقطة عن الاعتبار، والغالب أن هذه النسخة جَعْلية اختلقها أحد في القرن الثالث كالمكتوبات التي هي غير السبعة، ولا عجب لأن مثل هذا الاختلاف والجعل كان في القرون الأولى من القرون المسيحية جائزأ بل مستحباً، واختلفوا بقدر خمسة وسبعين إنجيلاً ورسالة، ونسبوها إلى عيسى ومريم والحواريين عليهم السلام، فأي استبعاد في نسبة سبعة مكتوبات جَعْلية إلى أكناثيوس؟، بل هي قريبة من القياس، كما نسبوا إليه المكتوبات الأخرى، وكما اختلفوا تفسيراً ونسبوه إلى (تي شن) قال آدم كلارك في مقدمة تفسيره: "إن التفسير الأصلي المنسوب إلى تي شن انعدم والمنسوب إليه الآن مشكوك عند العلماء وشكهم حق" ولو فرضنا أنها مكتوبات أكناثيوس فلا تفيد أيضاً لأنه لما ثبت الإلحاق فيه فما بقي الاعتماد عليها، فكما أن بعض الفقرات إلحاقية عندهم، فكذلك يجوز أن يكون بعض الفقرات التي يفهمها المدعون أنها إسناد جَعْلية أيضاً، وأمثال هذه الأمور ليست بمستبعدة من عادات هؤلاء. قال (يوسي بيس) في الباب الثالث والعشرين من الكتاب الرابع من تاريخه: "قال ديوني سيش أسقف كورنتهيه: إني كتبتُ مكتوبات باستدعاء الإخوة، وهؤلاء خلفاء الشيطان ملئوها بالنجاسة، بدّلوا بعض الأقوال وأدخلوا البعض، فحصل لي حزن مضاعَف، ولذلك لا عَجب إن أراد أحد الإلحاق في كتب ربنا المقدسة، لأنهم أرادوا في الكتب التي ما كانت في رتبتها"، وقال آدم كلارك في مقدمة تفسيره: "إن الكتب الكبيرة من تصنيفات أرجن فُقِدت، وكثير من تفاسيره باق، لكنه يوجد فيها شرح تمثيلي وخيالي بالكثرة، وهو دليل قوي على وقوع التحريف فيها بعد أرجن" قال المعلم ميخائيل مشاقة من علماء البروتستنت في الفصل العاشر من القسم الأول من كتابه العربي المسمى بأجوبة الإنجيليين على أباطيل التقليديين: "وأما تحريفهم لأقوال الآباء القدماء فلا بد أن نقدم دلائله لئلا نوقف أنفسنا في موقف مخالفينا بأن تكون دعاوينا مثلهم بلا برهان، فنقول: إن الأفشين المنسوب إلى يوحنا فم الذهب الذي يُتْلى في الكنائس في خدمة سر الأفخار تستيا لا نجده مطابقاً عند الطائفة الواحدة لما عند الطائفة الأخرى، لأن عند الروم يُطلب فيه من الأب السماوي أن يرسل روحه القدس على الخبز والخمر ناقلاً إياهما إلى لحم ودم، وأما عند الكاثوليكيين منهم، فيقال فيه أن يرسله على الخبز والخمر لكي ينتقلا ويستحيلا، ولكن في مدة رياسة السيد مكيموس قد غيّروا فيه، وقالوا المنتقلان المستحيلان، هربا من دعوى الروم عليهم، بأن الاستحالة تتم به، وأما عند سريان الكاثوليك فيقال أرسلْ روحك القدوس على هذا الخبز الذي هو سر جسد مسيحك، ولا يوجد فيه كلام يدل على الاستحالة، وربما هذا هو قول فم الذهب الأصلي لأن تعليم الاستحالة في عصره لم يكن قد تقرر في الكنائس. وأما السيد يابيطا مطران صيدا الذي أنشأ الانشقاق في كنيسة الروم، وصار كاثوليكياً، ففي خطابه لمجمع رومية سنة 1722 يقول في هذه القضية إنه موجود عندي كتب في طقس فيداسنا يونانية وعربية وسريانية، قد قابلناها على النسخة المطبوعة في رومية للرهبان الباسلين، وجمعها لم يكن فيه كلام يدل على الاستحالة، وإنما هذه القضية وضعها في قداس الروم نيكفورس بطريق القسطنطينية، وهي موجبة الضحك لمن يتأمل فيها". فإذا كان إفشين مثل هذا القديس الشهير بين الآباء شرقاً وغرباً يتلى يومياً في كنائس جميع الطوائف قد لعبوا فيه وغيروه أشكالاً كأغراضهم ولم يخجلوا من إبقائهم نسبته إلى هذا القديس، فمن أين تبقى لنا ثقة بذمتهم؟ إنهم لم يحرِّفوا أقوال بقية الآباء كأهوائهم مع إبقاء عنوانها باسمهم، هذا وإن ما حصل بمشاهدتنا منذ سنين قريبة أن الشماس غبريل القبطي الكاثوليكي صحح ترجمة تفسير إنجيل يوحنا ليوحنا فم الذهب عن الأصل اليوناني بأتعاب كلّية ومصاريف وافرة، وعلماء الروم العارفون جيداً باللغتين اليونانية والعربية قابلوها بدمشق وشهدوا بصحتها، وأخذوا عنها نسخة مدققة، فالسيد مكسيموس لم يأذن لطبعها في دير الشوير حتى تُفْحصَ بمعرفة البادري ألكسيوس الإسبانيولي، والخوري يوسف جَعْجَع الماروني الجاهلين كليهما اللغة اليونانية أصالة، فتصرفا في النسخة المذكورة كمشيتهما في الزيادة والنقصان تطبيقاً على المذهب البابوي، وبعد إتمامهما إفسادَها سجّلا شهادتهما بتصحيحها، وهكذا رخص غبطته في طبعها، وبعد اشتهار الجزء الأول منها قوبل على الأصل المحفوظ عند الروم، فظهر التحريف، وافتضح ما صنعوه حتى إن الشماس غبريل مات قهراً من هذا الصنيع" ثم قال: "نورد لهم برهاناً بشهادة رؤسائهم الإجماعية من كتاب عربي العبارة يوجد بين إيديهم مطبوعاً وهو كتاب المجمع اللبناني المثبت من كنيسةٍ رومية بجميع أجزائه المؤلف من جميع أساقفة الطائفة المارونية، ومن بطريكهم وعلمائهم تحت نظارة المونسنيور السمعاني المتقدم في المجمع الروماني، والمطبوع في دير الشُّوَيْر بإذن الرؤساء الكاثوليكيين، فهذا المجمع عندما يتكلم على خدمة القداس يقول قد وجد في كنيستنا نوافير" أي ليتورجيات "قديمة وإن كانت خالصة من الغلط لكنها مجردة بأسماء القديسين ما صنفوها ولا هي لهم، وبعضها بأسماء أساقفة أراتقة أدخلها النساخ بغرض إفسادها وحسبُك شهادةً من جميعهم على أنفسهم بأن كنيستهم تحتوي على كتب مزوّرة" انتهى كلامه بعبارته، ثم قال: "ونحن عرفنا ما وقع في جيلنا المتنور الذي يخشون فيه إطلاق باعهم بتحريف كل ما يرغبونه، إذ يعلمون أن أعين حراس الإنجيل ترقبهم وأما ما حصل في الأجيال المظلمة من الجيل السابع إلى الجيل الخامس، عندما كان الباباوات والأساقفة عبارة عن دولة بربرية، وكثير منهم لا يعرف القراءة والكتابة، وكان المسيحيون المشارقة في ضنك من استيلاء الأمم عليهم مشتغلين في وقاية أنفسهم من الدمار، فهذا لا نعرفه بالتحقيق، ولكن عندما نطالع تواريخ تلك الأزمنة لا نرى فيها إلا ما يوجب النَّوْح والبكاء على حالة كنيسة المسيح التي تهشمت وقتئذ من الرأس إلى القدم" انتهى كلامه بلفظه.

    فانظر أيها اللبيب إلى عباراته الثلاث، فبعد ملاحظة ما ذكرت هل يبقى شك فيما لو قلت؟. والمجمع النيقاوي كان له عشرون قانوناً فقط، فحرفوا وزادوا فيه قوانين، وتتمسك فرقة الكاثلك بالقانون السابع والثلاثين والرابع والأربعين منها على رئاسة البابا. في الرسالة الثانية من كتاب الثلاث عشرة رسالة المطبوع سنة 1849 في الصفحة 68 و 69 "إن المجمع المذكور ليس له غير عشرين قانوناً فقط كما تشهد تواريخ ثاودوريتوس وكتب جيلاسيوس وغيرهما، وأيضاً المجمع الرابع المسكوني يذكر للمجمع النيقاوي المذكور عشرين قانوناً لا غير" انتهى كلامه بلفظه، وكذلك جعلوا كتباً مزوّرة ونسبوها إلى الباباوات مثل كاليتوس وسيرسيوس ونكليتوس واسكندر ومرسيليوس والرسالة الثانية من الكتاب المذكور في الصفحة 80 هكذا: "إن البابا لاون، وغالب علمائكم في الكنيسة الرومانية يعترفون بأن كتب هؤلاء الباباوات مزورة لا أصل لها" انتهى بلفظه. وأقول في جواب التغليط الثاني: إنه تغليط بحت "قال أرينيوس إن مريد بطرس ومترجمه مرقس كتب بعد موت بطرس وبولس الأشياء التي وعظ بها بطرس" انتهى، وقال لاردنر في تفسيره: "إني أظن أن مرقس ما كتب إنجيله قبل سنة 63 أو سنة 64 لأنه لا يُتخيل وجه معقول لقيام بطرس في الروم قبل هذا، وهذا التاريخ موافق للكاتب القديم أرينيوس، والذي قال إن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس، وقال باسينج موافقاً لأرينيوس: إن مرقس كتب إنجيله في سنة 66 بعد موت بطرس وبولس واستشهدا على رأيه في سنة 95" فظهر من كلام باسينج وأرينيوس أن مرقس كتب إنجيله بعد موت بطرس وبولس، فثبت أن بطرس ما رأى أن إنجيل مرقس يقيناً، ورواية رؤية بطرس هذا الإنجيل رواية ضعيفة لا يعتد بها، فلذلك قال صاحب مرشد الطالبين مع تعصبه في الصفحة 170 من النسخة المطبوعة سنة 1840: "قد زعم أن إنجيل مار مرقس كتب بتدبير مار بطرس" انتهى بلفظه. فانظروا إلى لفظ قد زعم فإنه ينادي بأن هذا القول زعم باطل لا أصل له.

    وكذلك ما رأى بولس إنجيل لوقا بوجهين: (الأول) أن المختار عند علماء البروتستنت الآن أن لوقا كتب إنجيله سنة 63 وكان تأليفه في أخيا، وهذا الأمر محقق أيضاً أن مقدسهم بولس أُطلق من الأسر سنة 63، ثم لا يعلم حاله بعد الإطلاق إلى الموت بالخبر الصحيح، لكن الغالب أنه ذهب بعد الإطلاق إلى إسبانيا والمغرب لا إلى الكنائس المشرقية، وأخيا من بلاد المشرق، والظن الغالب أن لوقا أرسل إنجيله بعد ما فرغ من تأليفه إلى ثاوفيلس الذي ألف لوقا الإنجيل لأجله. قال صاحب مرشد الطالبيين في الفصل الثاني من الجزء الثاني في الصفحة 161 من النسخة المطبوعة سنة 1840 في بيان حال لوقا: "كتب إنجيله في أخيا سنة 63"، ولم يثبت من موضع بدليل أن ثاوفيلس لقي مقدسهم، فلا يثبت رؤية مقدسهم هذا الإنجيل، قال هورن في الصفحة 338 من المجلد الرابع من تفسيره المطبوع سنة 1822: "لما لم يكتب لوقا حال بولس بعد ما أطلق لم يعلم بالخبر الصحيح حاله من السفر وغيره من حين الإطلاق الذي كان في سنة 63 إلى الموت" وقال لاردنر في الصفحة 350 من المجلد الخامس من تفسيره المطبوع سنة 1738 "نريد أن نكتب الآن حال الحواري من هذا الوقت" أي وقت الإطلاق "إلى موته لكنه لا يحصل إعانة ما من بيان لوقا ويحصل من الكتب الأخرى من العهد الجديد إعانة في غاية القلة، ولا يحصل من كلام القدماء أيضاً إعانة زائدة، ووقع الاختلاف في أن بولس أين ذهب بعد ما أطلق" فثبت من كلام هذين المفسرين أنه لا يعلم بالخبر الصحيح حال مقدسهم من إطلاقه إلى الموت، فلا يكون ظن بعض المتأخرين بذهابه إلى الكنائس المشرقية بعد الإطلاق حجة وسند. وفي الباب الخامس عشر من الرسالة الرومية هكذا: 23 "وأما الآن فإذ ليس لي مكان بعد في هذه الأقاليم، ولي اشتياق إلى المجيء إليكم منذ سنين كثيرة" 24 "فعندما أذهب إلى إسبانيا آتي إليكم لأني أرجو أن أريكم في مروري" فصرح مقدسهم أن عزمه كان إلى إسبانيا، ولم يثبت بدليل قوي وخبر صحيح أنه ذهب إليه قبل الإطلاق، فالأغلبُ أنه ذهب إليه بعد ما أطلق لأنه لا يُعلم وجهٌ وجيه لفسخ هذا العزم، وفي الآية 25 من الباب العشرين من كتاب الأعمال هكذا: "والآن ها أنا أعلم أنكم لا ترون وجهي أيضاً أنتم جميعاً الذين مررت بينكم كارزا بملكوت اللّه" فهذا القول يدل على أنه ما كان له العزم أن يذهب إلى الكنائس المشرقية، وقال كليمنس أسقف الروم في رسالته: "إن بولس وصل إلى أقصى المغرب معلماً لجميع العالم الصدق وذهب إلى الموضع المقدس بعد ما استشهد" فهذا القول دليل على أنه راح إلى المغرب لا إلى الكنائس المشرقية (الثاني) أن لاردنر نقل أولاً قول أرينيوس هكذا: "كتب لوقا مقتدي بولس في كتاب واحد البشارة التي وعظ بها بولس" ثم قال ثانياً "يعلم من ربط الكلام أن هذا الأمر" يعني تحرير لوقا إنجيله "وقع بعد ما حَرّر مرقس إنجيله وبعد موت بولس وبطرس" فعلى هذا القول لا يمكن رؤية بولس إنجيل لوقا، على أنه لو فرض أن بولس رأى إنجيل لوقا أيضاً فلا اعتداد برؤيته عندنا، لأن قول بولس ليس إلهامياً عندنا فكيف يكون قول غير الشخص الإلهامي برؤية بولس في حكم الإلهامي
    .
  • الغدنفر
    0- عضو حديث
    • 5 أغس, 2010
    • 24
    • محاسب
    • مسلم

    #2
    سلسله تحريف الكتاب المقدس

    في إثبات التحريف

    وهو قسمان لفظي ومعنوي، ولا نزاع بيننا وبين المسيحيين في القسم الثاني لأنهم يسلمون كلهم صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير الآيات، التي هي إشارة في زعمهم إلى المسيح، وفي تفسير الأحكام التي هي أبدية عند اليهود، وأن علماء البروتستنت يعترفون بصدوره عن معتقدي البابا في كتب العهدين، كما أن معتقدي البابا يرمونهم بهذا رمياً شديداً فلا احتياج إلى إثباته. بقي القسم الأول، وقد أنكره علماء البروتستنت في الظاهر إنكاراً بليغاً لتغليط جهال المسلمين وأوردوا أدلة مموّهة مزورة في رسائلهم ليوقعوا الناظرين في الشك فهو محتاج إلى الإثبات، فأريد إثباته في كتابي هذا بعون خالق الأرض والسماوات، وأقول: إن التحريف اللفظي بجميع أقسامه أعني بتبديل الألفاظ وزيادتها ونقصانها ثابت في الكتب المذكورة، وأورد هذه الأقسام الثلاثة على سبيل الترتيب في ثلاثة مقاصد
    في إثبات التحريف

    ( المقصد الأول : إثبات التحريف اللفظي بالتبديل )

    وهو قسمان لفظي ومعنوي، ولا نزاع بيننا وبين المسيحيين في القسم الثاني لأنهم يسلمون كلهم صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير الآيات، التي هي إشارة في زعمهم إلى المسيح، وفي تفسير الأحكام التي هي أبدية عند اليهود، وأن علماء البروتستنت يعترفون بصدوره عن معتقدي البابا في كتب العهدين، كما أن معتقدي البابا يرمونهم بهذا رمياً شديداً فلا احتياج إلى إثباته. بقي القسم الأول، وقد أنكره علماء البروتستنت في الظاهر إنكاراً بليغاً لتغليط جهال المسلمين وأوردوا أدلة مموّهة مزورة في رسائلهم ليوقعوا الناظرين في الشك فهو محتاج إلى الإثبات، فأريد إثباته في كتابي هذا بعون خالق الأرض والسماوات، وأقول: إن التحريف اللفظي بجميع أقسامه أعني بتبديل الألفاظ وزيادتها ونقصانها ثابت في الكتب المذكورة، وأورد هذه الأقسام الثلاثة على سبيل الترتيب في ثلاثة مقاصد.

    المقصد الأول: في إثبات التحريف اللفظي بالتبديل

    اعلم أرشدك اللّه تعالى أن النسخ المشهورة للعهد العتيق عند أهل الكتاب ثلاث نسخ (الأولى) العبرانية وهي المعتبرة عند اليهود، وجمهور علماء البروتستنت (والثانية) النسخة اليونانية، وهي التي كانت معتبرة عن المسيحيين إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية، وكانوا يعتقدون إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية، وهي إلى هذا الزمان أيضاً معتبرة عند الكنيسة اليونانية، وكذا عند كنائس المشرق، وهاتان النسختان تشتملان على جميع الكتب من العهد العتيق (والثالثة) النسخة السامرية، وهي المعتبرة عند السامريين، وهذه النسخة هي النسخة العبرانية لكنها تشتمل على سبعة كتب من العهد العتيق فقط، أعني الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام، وكتاب يوشع وكتاب القضاة لأن السامريين لا يسلمون الكتب الباقية من العهد العتيق، وتزيد على النسخة العبرانية في الألفاظ والفقرات الكثيرة التي لا توجد فيها الآن، وكثير من محققي علماء البروتستنت مثل كي كات وهيلز وهيوبي كينت وغيرهم يعتبرونها دون العبرانية، ويعتقدون أن اليهود حرفوا العبرانية، وجمهور علماء البروتستنت أيضاً يضطرون في بعض المواضع إليها ويقدمونها على العبرانية كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى، وإذا علمت هذا فأقول:‏



    )الشاهد الأول) إن الزمان من خلق آدم إلى طوفان نوح عليه السلام على وفق العبرانية ألف وستمائة وست وخمسون سنة 1656، وعلى وفق اليونانية ألفان ومائتان واثنتان وستون سنة 2262، وعلى وفق السامرية ألف وثلثماية وسبع سنين 1307، وفي تفسير هنري واسكات جدول كتب فيه في مقابلة كل شخص غير نوح عليه السلام من سني عمر هذا الشخص سنة تولد له فيها الولد، وكتب في مقابلة اسم نوح عليه السلام من سني عمره زمان الطوفان والجدول المذكور هذا :

    فبين النسخ المذكورة في بيان المدة المسطورة فرق كثير، واختلاف فاحش لا يمكن التطبيق بينها ولمّا كان نوح عليه السلام في زمن الطوفان ابن ستمائة سنة على وفق النسخ الثلاث وعاش أدم عليه السلام تسعمائة وثلاثين سنة فيلزم على وفق النسخة السامرية أن يكون نوح عليه السلام حين مات آدم عليه السلام ابن مائتين وثلاث وعشرين سنة. وهذا باطل باتفاق المؤرخين، وتكذبه العبرانية واليونانية إذ ولادته على وفق الأولى بعد موت آدم عليه السلام بمائة وست وعشرين سنة، وعلى وفق الثانية بعد موته بسبعمائة واثنتين وثلاثين سنة 732، ولأجل الاختلاف الفاحش ما اعتمد يوسيفس اليهودي المؤرخ المشهور المعتبر عند المسيحيين على نسخة من النسخ المذكورة واختار أن المدة المذكورة ألفان ومائتان وست وخمسون سنة.‏



    )الشاهد الثاني) أن الزمان من الطوفان إلى ولادة إبراهيم عليه السلام على وفق العبرانية مائتان واثنتان وستعون سنة 29، وعلى وفق اليونانية ألف واثنتان وسبعون سنة 1072، وعلى وفق السامرية تسعمائة واثنتان وأربعون سنة 942، وفي تفسير هنري واسكات أيضاً جدول مثل الجدول المذكور، لكن كتب في هذا الجدول في محاذاة اسم كل رجل غير سام من سني عمره سنة تولد له فيها ولد، وكتب في محاذاة اسم سام زمان تولد له فيه ولد بعد الطوفان، والجدول المذكور هذا:

    فهنا أيضاً اختلاف فاحش بين النسخ المذكورة لا يمكن التطبيق بينها ولما كانت ولادة إبراهيم عليه السلام بعد الطوفان بمائتين واثنتين وتسعين سنة 292 على وفق النسخة العبرانية، وعاش نوح عليه السلام بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة 350 كما هو مصرح في الآية الثانية والعشرين من الباب التاسع من سفر التكوين، فيلزم أن يكون إبراهيم عليه السلام حين مات نوح عليه السلام ابن ثمان وخمسين سنة، وهذا باطل باتفاق المؤرخين، ويكذبه اليونانية والسامرية، إذ ولادة إبراهيم عليه السلام بعد موت نوح عليه السلام بسبعمائة واثنتين وعشرين سنة على وفق النسخة الأولى، وبخمسمائة واثنتين وتسعين سنة على وفق النسخة الثانية، وزيد في النسخة اليونانية بطن واحدبين أرفخشذ وشالخ وهو قينان، ولا يوجد هذا البطن في العبرانية والسامرية، واعتمد لوقا الإنجيلي على اليونانية فزاد قينان في بيان نسب المسيح، ولأجل الاختلاف الفاحش المذكور اختلف المسيحيون فيما بينهم، فنبذ المؤرخون النسخ الثلاث في هذا الأمر وراء ظهورهم، وقالوا إن الزمان المذكور ثلثمائة واثنتان وخمسون سنة 352، وكذا ما اعتمد عليها يوسيفس اليهودي المؤرخ، المشهور وقال إن هذا الزمان تسعمائة وثلاث وتسعون سنة 993، كما هو منقول في تفسير هنري واسكات وأكستائن، الذي كان أعلم العلماء المسيحية في القرن الرابع من القرون المسيحية وكذا القدماء الآخرون، على أن الصحيح النسخة اليونانية، واختاره المفسر (هارسلي) في تفسيره ذيل تفسير الآية الحادية عشرة من سفر التكوين. و (هيلز) على أن الصحيح النسخة السامرية، ويفهم ميلان محققهم المشهور (هورن) إلى هذا. في المجلد الأول من تفسير هنري وسكات: "إن أكستائن كان يقول: إن اليهود قد حرفوا النسخة العبرانية في بيان زمان الأكابر الذين قبل زمان الطوفان وبعده إلى زمن موسى عليه السلام، وفعلوا هذا الأمر لتصير الترجمةُ اليونانية غيرَ معتبرة، ولعناد الدين المسيحي ويعلم أن القدماء المسيحيين كانوا يقولون مثله، وكانوا يقولون إن اليهود حرّفوا التوراة في سنة مائة وثلاثين من السنين المسيحية" انتهى كلام التفسير المذكور.

    وقال هورن في المجلد الثاني من تفسيره: "إن المحقق هيلز أثبت بالأدلة القوية صحة النسخة السامرية، ولا يمكن تلخيص دلائله ههنا، فمن شاء فلينظر في كتابه من الصفحة الثمانين إلى الآخر، وأن كنى كات يقول: لو لاحظنا أدب السامريين بالنسبة إلى التوراة، ولاحظنا عاداتهم، ولاحظنا سكوت المسيح عليه السلام حين المكالمة المشهورة التي وقعت بينه وبين الامرأة السامرية" وقصتها منقولة في الباب الرابع من إنجيل يوحنا وفي هذه القصة هكذا: 19 "قالت له الامرأة إني أرى أنك يا رب نبي" 20 "وكان آباؤنا يسجدون في هذا الجبل" تعني جرزيم "وأنتم" أي اليهود "تقولون المكان الذي ينبغي أن يسجد فيه في أورشليم" ولما علمت هذه الامرأة أن عيسى عليه السلام نبي سألت عن هذا الأمر الذي هو أعظم الأمور المتنازعة بين اليهود والسامريين، ويدّعي كل فرقة فيه تحريف الأخرى ليتضح لها الحق، فلو كان السامريون حرفوا التوراة في هذا الموضع كان لعيسى أن يبين هذا الأمر في جوابها، لكنه ما بيَّن بل سكت عنهُ، فسكوته دليل على أن الحق ما عليه السامريون، "ولو لاحظنا أموراً أخر لاقتضى الكل أن اليهود حرفوا التوراة قصداً، وأن ما قال محققو كتب العهد العتيق والجديد أن السامريين حرفوه قصداً لا أصل له" انتهى كلام هورن، فانظر أيها اللبيب أنهم كيف اعترفوا بالتحريف وما وجدوا ملجأ غير الإقرار.‏



    )الشاهد الثالث) أن الآية الرابعة من الباب السابع والعشرين من كتاب الاستثناء في النسخة العبرانية هكذا: "فإذا عبرتم الأردن فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عِيبال وشيدوها بالجص تشييداً" وهذه الجملة "فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عيبال" في النسخة السامرية هكذا: (فانصبوا الحجارة التي أنا أوصيكم في جبل جِرْزيم) وعيبال وجِرزيم جبلان متقابلان كما يفهم من الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة من هذا الباب، ومن الآية التاسعة والعشرين من الباب الحادي عشر من هذا الباب، فيفهم من النسخة العبرانية أن موسى عليه السلام أمر ببناء الهيكل أعني المسجد على جبل عيبال، ومن النسخة السامرية أنه أمر ببنائه على جبل جِرْزيم، وبين اليهود والسامريين سلفاً وخلفاً نزاع مشهور تدعي كل فرقة منهما أن الفرقة الأخرى حرّفت التوراة في هذا المقام، وكذلك بين علماء البروتستنت اختلاف في هذا الموضع، قال مفسرهم المشهور آدم كلارك في صفحة 817 من المجلد الأول من تفسيره: "إن المحقق كني كات يدعي صحة السامرية والمحقق باري ودرشيور يدعيان صحة العبرانية، لكن كثيراً من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها، ويجزمون بأن اليهود حرفوا لأجل عداوة السامريين، وهذا الأمر مسلم عند الكل أن جرزيم ذو عيون وحدائق ونباتات كثيرة، وعيبال جبل يابس لا شيء عليه من هذه الأشياء، فإذا كان الأمر كذلك كان الجبل الأول مناسباً لإسماع البركة والثاني للعن" انتهى كلام المفسر، وعلم منه ان المختار كني كات وكثير من الناس أن التحريف واقع في النسخة العبرانية وأن أدلة كني كات قوية جداً.‏



    )الشاهد الرابع ) في الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين هكذا: 2 "ونظر بئراً في الحقل، وثلاثة قطعان غنم رابضةً عندها لأن من تلك البئر كانت تشرب الغنم، وكان حجر عظيم على فم البئر 8 فقالوا ما نستطيع حتى تجتمع الماشية" إلى آخر الآية، ففي الآية الثانية والثامنة وقع لفظ قطعان غنم، ولفظ الماشية، والصحيح لفظ الرعاة بدلهما كما هو في النسخة السامرية واليونانية والترجمة العربية لوالتن، قال المفسر هارسلي في الصفحة الرابعة والسبعين من المجلد الأول من تفسيره في ذيل الآية الثانية: "لعل لفظ ثلاثة رعاة كان هاهنا انظروا كني كات" ثم قال في ذيل الآية الثامنة: "لو كان ههنا حتى تجتمع الرعاة لكان أحسن، انظروا النسخة السامرية واليونانية وكني كات والترجمة العربية لهيوبي كينت" وقال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره: "يصر هيوبي كينت إصراراً بليغاً على صحة السامرية" وقال هورن في المجلد الأول من تفسيره موافقاً لما قال كني كات وهيوبي كينت أنه وقع من غلط الكاتب لفظ قطعان الغنم بدل لفظ الرعاة.‏



    )الشاهد الخامس ) وقع في الآية الثالثة عشرة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني لفظ سبع سنين، ووقع في الآية الثانية عشرة من الباب الحادي والعشرين من الكتاب الأول من أخبار الأيام لفظ ثلاث سنين وأحدهما غلط يقيناً، قال آدم كلارك في ذيل عبارة صموئيل: "وقع في كتاب أخبار الأيام ثلاث سنين لا سبع سنين، وكذا في اليونانية وقع هاهنا ثلاث سنين، كما وقع في أخبار الأيام، وهذه هي العبارة الصادقة بلا ريب".‏



    )الشاهد السادس ) وقع في الآية الخامسة والثلاثين من الباب التاسع من الكتاب الأول من أخبار الأيام في النسخة العبرانية "وكان اسم أخته معكاه" والصحيح أن يكون لفظ الزوجة بدل الأخت قال آدم كلارك: "وقع في النسخة العبرانية لفظ الأخت، وفي اليونانية واللاتينية والسريانية لفظ الزوجة وتبع المترجمون هذه التراجم" انتهى كلامه، وههنا جمهور البروتستنت تركوا العبرانية وتبعوا التراجم المذكورة فالتحريف في العبرانية متعين عندهم.‏



    )الشاهد السابع ) وقع في الآية الثانية من الباب الثاني والعشرين من الكتاب الثاني من أخبار الأيام في النسخة العبرانية: "أخذياه صار سلطاناً وكان ابن اثنتين وأربعين سنة" ولا شك أنه غلط يقيناً لأن أباه يهورام حين موته كان ابن أربعين سنة، وجلس هو على سرير سلطنته بعد موت أبيه متصلاً فلو صح هذا يلزم أن يكون أكبر من أبيه بسنتين، وفي الآية السادسة والعشرين من الباب الثامن من سفر الملوك الثاني: "إنه كان في ذلك الوقت ابن اثنتين وعشرين سنة" قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة أخبار الأيام: "وقع في الترجمة السريانية والعربية اثنان وعشرون، وفي بعض النسخ اليونانية عشرون، والغالب أن يكون في العبرانية في الأصل هكذا لكنهم كانوا يكتبون العدد بالحروف، فوقع الميم موضع الكاف، من غلط الكاتب"، ثم قال: "عبارة سفر الملوك الثاني صحيحة، ولا يمكن أن تتطابق العبارتان، وكيف تصح العبارة التي يظهر منها كون الابن أكبر من أبيه بسنتين؟" وفي المجلد الأول من تفسير هورن وكذا في تفسير هنري واسكات أيضاً اعتراف بأنه من غلط الكتاب.



    )الشاهد الثامن ) وقع في الآية التاسعة عشرة من الباب الثامن والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام في النسخة العبرانية: "الرب قد أذل يهودا بسبب أحاز ملك إسرائيل" ولفظ إسرائيل غلط يقيناً، لأنه كان ملك يهودا لا ملك إسرائيل، ووقع في اليونانية واللاتينية لفظ يهودا فالتحريف في العبرانية.‏



    )الشاهد التاسع ) وقع في الآية السادسة من الزبور الأربعين: "فتحت أذني" ونقل بولس هذه الجملة في كتابه إلى العبرانيين في الآية الخامسة من الباب العاشر هكذا: "قد هيئت لي جسداً" فإحدى العبارتين غلط ومحرفة يقيناً، وتحير العلماء المسيحيون فقال جامعو تفسير هنري واسكات: "إن هذا الفرق وقع من غلط الكاتب" وأحد المطلبين صحيح، فجامعو التفسير المذكور اعترفوا بالتحريف، لكنهم توقفوا في نسبته إلى إحدى العبارتين بالتعيين، وقال آدم كلارك في المجلد الثالث من تفسيره ذيل عبارة الزبور: "المتن العبراني المتداول محرف" فنسب التحريف إلى عبارة الزبور، وفي تفسير دوالي ورجرد مينت: "العجب أنه وقع في الترجمة اليونانية وفي الآية الخامسة من الباب العاشر من الكتاب إلى العبرانيين بدل تلك الفقرة هذه الفقرة: قد هيئت لي جسداً" فهذان المفسران نسبوا التحريف إلى عبارة الإنجيل.‏



    )الشاهد العاشر) وقع في الآية الثامنة والعشرين من الزبور المائة والخامس في العبرانية: "هم ما عصوا قوله" وفي اليونانية "هم عصوا قوله" ففي الأول نفي والثانية إثبات، فأحدهما غلط يقيناً، وتحير العلماء المسيحيون ههنا في تفسير هنري واسكات: "لقد طالت المباحثة لأجل هذا الفرق جداً وظاهر أنه نشأ إما لزيادة حرف أو لتركه" فجامعو هذا التفسير اعترفوا بالتحريف، لكن ما قدروا على تعيينه.‏



    )الشاهد الحادي عشر) وقع في الآية التاسعة من الباب الرابع والعشرين من سفر صموئيل الثاني: "بنو إسرائيل كانوا ثمانمائة ألف رجل شجاع وبنو يهودا خمسمائة ألف رجل شجاع" وفي الآية الخامسة من الباب الحادي والعشرين من سفر الملوك الأول: "فبنو إسرائيل كانوا ألف ألف رجل شجاع، ويهودا كانوا أربعمائة ألف وسبعون ألف رجل شجاع" فإحدى العبارتين هاهنا محرفة، قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة صموئيل: "لا يمكن صحة العبارتين، وتعيين الصحيحة عسير، والأغلب أنها الأولى، ووقعت في كتب التواريخ من العهد العتيق تحريفات كثيرة بالنسبة إلى المواضع الأخرى، والاجتهاد في التطبيق عبث والأحسن أن يسلم من أول الوهلة الأمر الذي لا قدرة على إنكاره بالظفر، ومصنفو العهد العتيق، وإن كانوا ذوي إلهام لكن الناقلين لم يكونوا كذلك" فهذا المفسر اعترف بالتحريف، لكنه لم يقدر على التعيين واعترف أن التحريفات في كتب التواريخ كثيرة، وأنصف فقال إن الطريق الأسلم تسليم التحريف من أول الوهلة.‏



    )الشاهد الثاني عشر) قال المفسر هارسلي في الصفحة 291 من المجلد الأول من تفسيره ذيل الآية الرابعة من الباب الثاني عشر من كتاب القضاة: "لا شبهة أن هذه الآية محرفة".‏



    )الشاهد الثالث عشر) وقع في الآية الثامنة من الباب الخامس عشر من سفر صموئيل الثاني لفظ أرم، ولا شك أنه غلط والصحيح لفظ أدوم، وآدم كلارك المفسر حكم أولاً بأنه غلط يقيناً، ثم قال: الأغلب أنه من غلط الكاتب.



    )الشاهد الرابع عشر) وقع في الآية السابعة من الباب المذكور: "أن أبا سالوم قال للسلطان بعد أربعين سنة" ولفظ الأربعين غلط يقيناً، والصحيح لفظ الأربع. قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره: "لا شبهة أن هذه العبارة محرفة" ثم قال: "أكثر العلماء على أن الأربعين وقع موضع الأربع من غلط الكاتب".‏



    )الشاهد الخامس عشر) قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل الآية الثامنة من الباب الثالث والعشرين من سفر صموئيل الثاني: "قال كني كات في هذه الآية في المتن العبراني ثلاث تحريفات عظيمة" فأقر ههنا بثلاث تحريفات جسيمة.‏



    )الشاهد السادس عشر) الآية السادسة من الباب السابع من السفر الأول من أخبار الأيام هكذا: "بنو بنيامين بلع وبكر ويدبع بيل ثلاثة أشخاص" وفي الباب الثامن من السفر المذكور هكذا: [1] "ولد بنيامين ولده الأكبر بالع والثاني إشبيل والثالث أحْرَح" [2] "والرابع نوحاه والخامس رافاه" وفي الآية الحادية والعشرين من الباب السادس والأربعين من سفر التكوين هكذا: "نسخة سنة 1848 بنو بنيامين بالع وباخور وإشبل وجيرا ونعمان واحي وروش ومافيم وحوفيم وارد" ففي العبارات الثلاث اختلاف من وجهين الأول في الأسماء، والثاني في العدد حيث يفهم من الأولى أن أبناء بنيامين ثلاثة، ويفهم من الثانية أنهم خمسة، ويفهم من الثالثة أنهم عشرة، ولما كانت العبارة الأولى والثانية من كتاب واحد يلزم التناقض في كلام مصنف واحد، وهو عزرا النبي عليه السلام، ولا شك أن إحدى العبارات عندهم تكون صادقة، والباقيتين تكونان كاذبتين، وتحير علماء أهل الكتاب فيه واضطروا ونسبوا الخطأ إلى عزرا عليه السلام، قال آدم كلارك ذيل العبارة الأولى: "كتب هاهنا لأجل عدم التميز للمصنف ابن الابن موضع الابن وبالعكس، والتطبيق في مثل هذه الاختلافات غير مفيد، وعلماء اليهود يقولون إن عزرا عليه السلام الذي كتب هذا السفر ما كان له علم بأن بعض هؤلاء بنون أن بنو الأبناء، ويقولون أيضاً إن أوراق النسب التي نقل عنها عزرا عليه السلام كان أكثرها ناقصة، ولا بد لنا أن نترك أمثال هذه المعاملات". فانظر أيها اللبيب هاهنا كيف اضطر أهل الكتاب طراً سواءٌ كانوا من اليهود أو من المسيحيين، وما وجدوا ملجأ سوى الإقرار بأن ما كتب عزرا عليه السلام غلط، وما حصل له التميز بين الأبناء وأبناء الأبناء فكتب ما كتب، والمفسر لما أيس من التطبيق قال أولاً: "التطبيق في مثل هذه الاختلافات غير مفيد" وقال ثانياً: "لا بد لنا أن ترك أمثال هذه المعاملات".



    )فائدة جليلة) لا بد من التنبيه عليها. اعلم أرشدك اللّه تعالى أن جمهور أهل الكتاب يقولون: إن السفر الأول والثاني من أخبار الأيام صنفها عزرا عليه السلام بإعانة حجّي وزكريا الرسولين عليهما السلام، فعلى هذا، السفران المذكوران اتفق عليهما الأنبياء الثلاثة عليهم السلام، وكتب التواريخ شاهدة بأن حال كتب العهد العتيق قبل حادثة بختنصر كان أبتر، وبعد حادثته ما بقي لها غير الاسم، ولو لم يدون عزرا عليه السلام هذه الكتب مرة أخرى لم توجد في زمانه فضلاً عن الزمان الآخر، وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أيضاً في السفر الذي هو منسوب إلى عزرا، وفرقة البروتستنت لا يعترفون بأنه سماوي، لكن مع ذلك الاعتقاد لا تنحط رتبته عن كتب المؤرخين المسيحيين. عندهم وقع هكذا: "أُحْرِق التوراة وما كان أحد يعلمه، وقيل إن عزرا جمع ما فيه مرة أخرى بإعانة روح القدس" وقال كليمنس اسكندر يانوس: "إن الكتب السماوية ضاعت فألهم عزرا أن يكتبها مرة أخرى": وقال ترتولين: "المشهور أن عزرا كتب مجموع الكتب بعد ما أغار أهل بابل بروشالم" وقال تهيو فلكت: "إن الكتب المقدسة انعدمت رأساً فأوجدها عزرا مرة أخرى بإلهام" انتهى، وقال جان ملز كاثلك في الصفحة 115 من كتابه الذي طبع في بلدة دربي سنة 1842: "اتفق أهل العلم على أن نسخة التوراة الأصلية وكذا نسخ كتب العهد العتيق ضاعت من أيدي عسكر بختنصر، ولما ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول، أيضاً في حادثة أنتيوكس" بقدر الحاجة إذا علمت هذه الأقوال فارجع إلى كلام المفسر المذكور، وأقول يظهر للبيب ههنا سبعة أمور:



    (الأمر الأول) أن هذا التوراة المتداول الآن ليس التوراة الذي ألهم به موسى عليه السلام أولاً، ثم بعد انعدامه كتبه عزرا عليه السلام بالإلهام مرة أخرى، وإلا لرجع إليه عزرا عليه السلام، وما خالفه، ونقل على حسبه وما اعتمد على الأوراق الناقصة التي لم يقدر على التمييز بين الغلط والصحيح منها، وإن قالوا إنه هو لكنه أيضاً كان منقولاً عن النسخ الناقصة التي حصلت له، ولم يقدر حين التحرير على التمييز بينها كما لم يقدر ههنا بين الأوراق الناقصة، فقلت على هذا التقدير لا يكون التوراة معتمداً وإن كان ناقله عزرا عليه السلام.



    )الأمر الثاني) أنه إذا غلط عزرا في هذا السفر مع أن الرسولين الآخرين كانا معينين له في تأليف هذا السفر، فيجوز صدور الغلط منه في الكتب الأخر أيضاً، فلا بأس لو أنكر أحد شيئاً من هذه الكتب إذا كان ذلك الشيء مخالفاً للبراهين القطعية أو مصادماً للبداهة، مثل أن ينكر ما وقع في الباب التاسع عشر من سفر التكوين من أن لوطاً عليه السلام زنى بابنتيه، والعياذ باللّه تعالى، وحملتا من أبيهما وتولد لهما ابنان هما أبو الموابيين والعمانيين، وما وقع في الباب الحادي والعشرين من سفر صموئيل الأول من أن داود عليه السلام زنى بامرأة اوريا، وحملت بالزنا منه، فقتل زوجها بالحيلة وتصرف فيها، وما وقع في الباب الحادي عشر من سفر الملوك الأول أن سليمان عليه السلام ارتد في آخر عمره بترغيب أزواجه، وعبد الأصنام وبنى لها معابد وسقط من نظر اللّه، وأمثال هذه القصص التي تقشعر منها جلود أهل الإيمان ويكذبها البرهان.



    )الأمر الثالث) أن الشيء إذا صار محرفاً فليس بضروري أن يزول ذلك التحريف بتوجه النبي الذي بعده، وأن يخبر اللّه تعالى عن المواضع المحرفة ألبتة ولا جرت عليه العادة الإلهية.



    )الأمر الرابع) أن علماء البروتستنت ادّعوا أن الأنبياء والحواريين وإن لم يكونوا معصومين عن الذنوب والخطأ والنسيان، لكنهم معصومون في التبليغ والتحرير، فكل شيء بلغوه أو حرروه فهو مصون عن الخطأ والسهو والنسيان، أقول ما ادّعوه لا أصل له من كتبهم وإلا لِمَ صار تحرير عزرا عليه السلام مع كون الرسولين عليهما السلام معينين له غير مصون عن الخطأ؟.



    )الأمر الخامس) أنه لا يلهم النبي في بعض الأحيان في بعض الأمور مع كون الإلهام محتاجاً إليه، لأن عزرا عليه السلام لم يلهم مع كونه محتاجاً إلى الإلهام في ذلك الأمر.



    )الأمر السادس) أنه ظهر صدق دعوى أهل الإسلام بأنا لا نسلم أن كل ما اندرج في هذه الكتب فهو إلهامي، ومن جانب اللّه، لأن الغلط لا يصلح أن يكون إلهامياً ومن جانب اللّه، وهو يوجد في هذه الكتب بلا ريب كما عرفت آنفاً، وفي الشواهد السابقة وستعرف في الشواهد اللاحقة أيضاً إن شاء اللّه تعالى.



    )الأمر السابع) أنه إذا لم يكن عزرا عليه السلام مصوناً عن الخطأ في التحرير، فكيف يكون مرقس ولوقا الإنجيليان اللذان ليسا من الحواريين أيضاً مصونين عن الخطأ في التحرير؟ لأن عزرا عليه السلام عند أهل الكتاب نبي ذو إلهام وكان النبيان ذوا إلهام معينين له في التحرير، ومرقس ولوقا ليسا بنبيين ذوي إلهام، بل عندنا متى ويوحنا ليسا كذلك، وإن كان زعم المسيحيين من فرقة البروتستنت بخلافه، وكلام هؤلاء الأربعة الإنجيليين مملوء من الأغلاط والاختلافات الفاحشة.‏



    )الشاهد السابع عشر) قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل الآية التاسعة والعشرين من الباب الثامن من السفر الأول من أخبار الأيام: "في هذا الباب من هذه الآية إلى الآية الثامنة والثلاثين، وفي الباب التاسع من الآية الخامسة والثلاثين إلى الآية الرابعة والأربعين توجد أسماء مختلفة، وقال علماء اليهود إن عزرا وجد كتابين توجد فيهما هذه الفقرات مع شيء من اختلاف الأسماء، ولم يحصل له نميز بأن أيهما أحسن فنقلهما" ولك أن تقول ههنا كما مر في الشاهد المتقدم.‏



    )الشاهد الثامن عشر) في الباب الثالث عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام وقع في الآية الثالثة لفظ أربعمائة ألف في تعداد عسكر آبياه، ولفظ ثمانمائة ألف في تعداد عسكر يربعام، وفي الآية السابعة عشرة لفظ خمسمائة ألف في تعداد المقتولين من عسكر يربعام، ولما كانت هذه الأعداد بالنسبة إلى هؤلاء الملوك مخالفة للقياس غُيَّرت في أكثر نسخ الترجمة اللاتينية إلى أربعين ألفاً في الموضع الأول، وثمانين ألفاً في الموضع الثاني، وخمسين ألفاً في الموضع الثالث، ورضي المفسرون بهذا التغيير، قال هورن في المجلد الأول من تفسيره: "الأغلب أن عدد هذه النسخ" أي نسخ الترجمة اللاتينية "صحيح" وقال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره: "يعلم أن العدد الصغير" أي الواقع في نسخ الترجمة اللاتينية "في غاية الصحة، وحصل لنا موضع الاستغاثة كثيراً بوقوع التحريف في أعداد هذه كتب التواريخ" انتهى كلامه، وهذا المفسر بعد اعتراف التحريف ههنا صرح بوقوعه كثيراً في الأعداد.‏‏



    (الشاهد التاسع عشر) في الآية التاسعة من الباب السادس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام: "وكان يواخين ابن ثمان سنين حين صار سلطاناً" ولفظ ثماني سنين غلط، ومخالف لما وقع في الآية الثامنة من الباب الرابع والعشرين من سفر الملوك الثاني: "وكان يواخين حين جلس على سرير السلطنة ابن ثماني عشرة سنة" قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل عبارة سفر الملوك: "وقع في الآية التاسعة من الباب السادس والثلاثينن من السِّفر الثاني من أخبار الأيام لفظ ثمانية وهو غلط ألبتة، لأن سلطنته كانت إلى ثلاثة أشهر، ثم ذهب إلى بابل أسيراً، وكان في المحبس وأزواجه معه، والغالب أنه لا يكون لابن ثماني أو تسع سنين أزواجاً ويشكل أيضاً أن يُقال لمثل هذا الصغير إنه فعل ما كان قبيحاً عند اللّه، فهذا الموضع من السفر محرف".‏



    )الشاهد العشرون) في الآية السابعة عشرة من الزبور الحادي والعشرين على ما في بعض النسخ، أو في الآية السادسة عشرة من الزبور الثاني والعشرين وقعت هذه الجملة في النسخة العبرانية: "وكلتا يدي مثل الأسد" والمسيحيون من فرقة الكاثوليك والبروتستنت في تراجمهم ينقلونها هكذا: "وهم طعنوا يدي ورجلي" فهؤلاء متفقون على تحريف العبرانية هاهنا.‏



    ( الشاهد الحادي والعشرون) قال آدم كلارك في المجلد الرابع من تفسيره ذيل الآية الثانية من الباب الرابع والستين من كتاب أشعيا: "المتن العبراني محرف كثيراً ههنا والصحيح أن يكون هكذا: "كما أن الشمع يذوب من النار".‏



    ( الشاهد الثاني والعشرون) الآية الرابعة من الباب المذكور هكذا: "لأن الإنسان من القديم ما سمع وما وصل إلى أذن أحد، وما رأت عيناً أحد إلهاً غيرك يفعل لمنتظريه مثل هذا" ونقل بولس هذه الآية في الآية التاسعة من الباب الثاني من رسالته الأولى إلى أهل قورنثيوس هكذا: "بل كما كتب أن الأشياء التي هيأها اللّه للذين يحبونه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولم يخطر بخاطر إنسان" فكم من فرق بينهما؟ فإحداهما محرفة. في تفسير هنري واسكات. "الرأي الحسن أن المتن العبري محرف"، وآدم كلارك ذيل عبارة أشعياء عليه السلام نقل أولاً أقوالاً كثيرة وردها وجرحها ثم قال: "إني متحير ماذا أفعل في هذه المشكلات غير أن أضع بين يدي الناظر أحد الأمرين: إما أن يعتقد بأن اليهود حرفوا هذا الموضع في المتن العبراني والترجمة اليونانية تحريفاً قصدياً، كما هو المظنون بالظن القوي في المواضع الأخر المنقولة في العهد الجديد عن العهد العتيق، انظروا كتاب أَوْ وِنْ من الفصل السادس إلى الفصل التاسع في حق الترجمة اليونانية، وإما أن يُعتقد أن بولس ما نقل عن ذلك الكتاب، بل نقل عن كتاب أو كتابين من الكتب الجعلية، أعني مِعْراج أشعياء، ومشاهدات إيلياء اللذين وُجدت هذه الفقرة فيهما، وظن البعض أن الحواري نقل عن الكتب الجعلية، ولعل الناس لا يقبلون الاحتمال الأول بسهولة فأنبه الناظرين تنبيهاً بليغاً على أن جيروم عدّ الاحتمال الثاني أسوء من الإلحاد" انتهى كلامه.‏



    )الشاهد الثالث والعشرون إلى الشاهد الثامن والعشرين) قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره: "يعلم أن المتن العبري في الفقرات المفصلة الذيل محرف 1 - الآية الأولى من الباب الثالث من كتاب ملاخيا" 2 - "الآية الثانية من الباب الخامس من كتاب ميخا" 3 - "من الآية الثامنة إلى الآية الحادية عشرة من الزبور السادس عشر" 4 - "الآية الحادية عشرة والثانية عشرة من الباب التاسع من كتاب عاموس" 5 - "من الآية السادسة إلى الثامنة من الزبور الأربعين" 6 - "الآية الرابعة من الزبور العاشر بعد المائة" فأقر محققهم بالتحريف في هذه المواضع في الآيات، ووجه إقراره: الموضع الأول نقله متّى في الآية العاشرة من الباب الحادية عشر من إنجيله وما نقله يخالف كلام ملاخيا المنقول في المتن العبراني والتراجم القديمة بوجهين: (الأول) أن لفظ "أمام وجهك في هذه الجملة: ها أنا ذا أرسل ملكي أمام وجهك" زائد في منقول متى لا يوجد في كلام ملاخيا (والثاني) أنه وقع في منقوله "ليوطئ السبيل قدامك" وفي كلام ملاخيا "ليوطئ السبيل قدامي" وقال هورن في الحاشية: "ولا يمكن أن يبين سبب المخالفة بسهولة غير أن النسخ القديمة وقع فيها تحريف ما" وأن الموضع الثاني نقله متى أيضاً في الآية السادسة من الباب الثاني من إنجيله، وبينهما مخالفة، وأن الموضع الثالث نقله لوقا في الآية الخامسة والعشرين إلى الثامنة والعشرين من الباب الثاني من كتاب أعمال الحواريين، وبينهما مخالفة وأن الموضع الرابع نقله لوقا في الآية السادسة عشرة والسابعة عشرة من الباب الخامس عشر من كتاب أعمال الحواريين، وبينهما مخالفة، وأن الموضع الخامس نقله بولس في الآية الخامسة إلى السابعة في رسالته إلى العبرانيين، وبينهما مخالفة، وأما حال الموضع السادس فلم يتضح لي حق الاتضاح، لكن هورن لما كان من المحققين المعتبرين عندهم فإقراره يكفي حجة عليهم.‏



    )الشاهد التاسع والعشرون) في الآية الثامنة من الباب الحادي والعشرين من كتاب الخروج في المتن العبراني الأصل في مسألة الجارية وقع النفي وفي عبارة الحاشية وجد الإثبات.



    )الشاهد الثلاثون) في الآية الحادية والعشرين من الباب الحادي عشر من كتاب الأخبار في حكم الطيور التي تمشي على الأرض في المتن العبراني وجد النفي وفي عبارة الحاشية الإثبات.‏



    )الشاهد الحادي والثلاثون) في الآية الثلاثين من الباب الخامس والعشرين من كتاب الأخبار في حكم البيت في المتن وجد النفي وفي عبارة الحاشية الإثبات، واختار علماء البروتستنت في هذه المواضع الثلاثة في تراجمهم الإثبات، وعبارة الحاشية وتركوا المتن الأصل، فعندهم الأصل في هذه المواضع محرف، ومن وقوع التحريف فيها اشتبهت الأحكام الثلاثة المندرجة فيها، فلا يُعلم يقيناً أن الصحيح الحكم الذي يقيده النفي، أو الحكم الذي يفيده الإثبات، وظهر من هذا أن ما قالوا من أنه لم يفت حكم من أحكام الكتب السماوية بوقوع التحريف الذي فيها غير صحيح.‏



    )الشاهد الثاني والثلاثون) في الآية الثامنة والعشرين من الباب العشرين من كتاب الأعمال: "حتى تركوا كنيسة اللّه التي اقتنى بدمه" قال كريباخ: "لفظ اللّه غلط والصحيح لفظ الرب" فعنده لفظ اللّه محرف.‏



    )الشاهد الثالث والثلاثون) في الآية السادسة عشرة من الباب الثالث من رسالة بولس الأولى إلى طيموثاوس "اللّه ظهر في الجسد" قال كريباخ "إن لفظ اللّه غلط والصحيح ضمير الغائب" أي بأن يقال هو.‏

    )الشاهد الرابع والثلاثون) في الآية الثالثة عشرة من الباب الثامن من المشاهدات: "ثم رأيت ملكاً طائراً" قال كريباخ وشولز: "لفظ الملك غلط والصحيح لفظ العُقاب".



    )الشاهد الخامس والثلاثون) في الآية الحادية والعشرين من الباب الخامس من رسالة بولس إلى أهل أفسيس: "وليخضع بعض لبعض لخوف اللّه" قال كريباخ وشولز: "إن لفظ اللّه غلط والصحيح لفظ المسيح" وأكتفي من شواهد المقصد الأول على هذا القدر خوفاُ من الإطالة.
    المقصد الثاني : في إثبات التحريف بالزيادة

    (الشاهد الأول) ) اعلم أن ثمانية كتب من العهد العتيق كانت مشكوكة غير مقبولة عند المسيحيين إلى ثلاثمائة وأربع وعشرين سنة وهي هذه: [1] كتاب أستير. [2] كتاب باروخ. [3] كتاب طوبيا. [4] كتاب يهوديت. [5] كتاب وزدم. [6] كتاب إيكليز ياستيكس. [7] الكتاب الأول لمقابيين. [8] الكتاب الثاني لمقابيين. وفي سنة ثلثمائة وخمس وعشرين من السنين المسيحية انعقد مجلس العلماء المسيحية بحكم السلطان قسطنطين في بلدة نائس، ليشاوروا ويحققوا الأمر في هذه الكتب المشكوكة، فبعد المشاورة والتحقيق حَكَمَ هؤلاء أن كتاب يهوديت واجب التسليم، وأبقوا باقي الكتب مشكوكة كما كانت، وهذا الأمر يظهر من المقدمة التي كتبها جيروم على ذلك الكتاب، ثم بعد ذلك انعقد مجلس لوديسيا في سنة ثلثمائة وأربع وستين، فعلماء هذا المجلس سلموا حكم علماء المجلس الأول في كتاب يهوديت، وزادوا عليه من الكتب المذكورة كتاب أستير، وأكدوا حكمهم بالرسالة العامة، ثم بعد ذلك انعقد مجلس كارتهيج في سنة ثلثمائة وسبع وتسعين، وكان أهلُ ذلك المجلس مائة وسبعة وعشرين عالماً من العلماء المشهورين ومنهم الفاضل المشهور المقبول عندهم اكستائن، فهؤلاء العلماء سلموا أحكام المجلسين الأولين، وسلموا الكتب [ص 237] الباقية، لكنهم جعلوا كتاب باروخ بمنزلة جزء من كتاب أرمياء، لأن باروخ عليه السلام كان بمنزلة نائب لأرمياء عليه السلام، فلذلك ما كتبوا اسم كتاب باروخ على حدة في أسماء الكتب، ثم انعقد بعد ذلك ثلاثة مجالس أخر أعني مجلس ترلو، ومجلس فلورنش، ومجلس ترنت، وعلماء هذه المجالس الثلاثة سلموا أحكام المجالس الثلاثة السابقة، فبعد انعقاد هذه المجالس صارت الكتب المذكورة مسلمة بين جمهور المسيحيين، وبقيت إلى مدة ألف ومائتي سنة، ثم ظهرت فرقة البروتستنت فردوا حكم أسلافهم في كتاب باروخ وكتاب توبيا وكتاب يهوديت وكتاب وزدم وكتاب إيكليزياستيكس وكتابي المقابيين وقالوا: إن هذه الكتب ليست مسلمة إلهامية، بل واجبة الرد، وردوا حكمهم في جزء من كتاب أستير وسلموا في جزء، لأن هذا الكتاب كان ستة عشر باباً فسلموا الأبواب التسعة الأولى، وثلاث آيات من الباب العاشر، وردوا عشر آيات من هذا الباب، وستة أبواب باقية، وتمسكوا بوجوه منها: أن يوسي بيس المؤرخ صرح في الباب الثاني والعشرين من الكتاب الرابع أن هذه الكتب حرفت سيما الكتاب الثاني لمقابيين، ومنها أن اليهود لا يقولون إنها إلهامية، والكنيسة الرومانية التي متبوعها إلى الآن أيضاً أكثر من فرقة البروتستنت تسلم هذه الكتب إلى هذا الحين، ويعتقدون أنها إلهامية واجبة التسليم، وهي داخلة في ترجمتهم اللاتينية التي هي مسلمة ومعتبرة عندهم غاية الاعتبار، ومبنى دينهم ودياناتهم. إذا علمتَ هذا فأقول: أي تحريف بالزيادة يكون أزيد من هذا؟. عند فرقة البروتستنت واليهود أن الكتب التي كانت غير مقبولة إلى ثلثمائة وأربع وعشرين سنة وكانت محرفة غير إلهامية جعلها أسلاف المسيحيين في المجالس المتعددة واجبة التسليم، وأدخلوها في الكتب الإلهامية، وأجمع الألوف من علمائهم على حقيقتها وإلهاميتها، والكنيسة الرومانية إلى [ص 238] هذا الزمان تصر على كونها إلهامية، فظهر من هذا أنه لا اعتبار لإجماع أسلافهم، وليس هذا الإجماع دليلاً ضعيفاً على المخالف فضلاً عن أن يكون قوياً، فكما أجمعوا على هذه الكتب المحرفة الغير الإلهامية يجوز أن يكون إجماعهم على هذه الأناجيل المروّجة مع كونها محرفة غير إلهامية، ألا ترى أن هؤلاء الأسلاف كانوا مجمعين على صحة النسخة اليونانية وكانوا يعتقدون تحريف النسخة العبرانية، وكانوا يقولون إن اليهود حرفوها في سنة مائة وثلاثين من السنين المسيحية، كما عرفت في الشاهد الثاني من المقصد الأول. والكنيسة اليونانية وكذا الكنائس المشرقية إلى هذا الحين أيضاً مجمعون على صحتها واعتقادها كاعتقاد الأسلاف، وجمهور علماء البروتستنت أثبتوا أن إجماع الأسلاف وكذا اختلاف المقتدين بهم غلط، وعكسوا الأمر فاعتقدوا وقالوا في حق العبرانية ما قال أسلافهم في حق اليونانية، وكذلك أجمع الكنيسة الرومانية على صحة الترجمة اللاتينية وعلماء البروتسنت أثبتوا أنها محرفة، بل لم تحرف ترجمة مثلها. قال هورن في المجلد الرابع من تفسيره نسخة سنة 1822 صفحة 463: "وقع التحريفات والإلحاقات الكثيرة في هذه الترجمة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر" ثم قال في الصفحة 467: "لا بد أن يكون ذلك الأمر في بالك أن ترجمة من التراجم لم تحرَّف مثل اللاتينية.
    ناقلوها من غير المبالاة أدخلوا فقرات بعض كتاب من العهد الجديد في كتاب آخر، وكذا أدخلوا عبارات الحواشي في المتن، وإذا كان فعلهم بالنسبة إلى ترجمتهم المقبولة المتداولة غاية التداول فكيف يرجى منهم أنهم لم يحرِّفوا المتن الأصلي الذي لم يكن متداولاً بينهم مثلها يقيناً؟، بل الأظهر أن من بادر منهم إلى تحريف الترجمة بادر إلى تحريف الأصل، ليكون لفعله ستر عند قومه، والعجب من فرقة البروتسنت أنهم لما أنكروا هذه الكتب لِمَ أبْقَوْا جزءاً من كتاب أستير، ولِمَ لَمْ ينكروه رأساً؟؟ لأن هذا الكتاب لا يوجد [ص 239] فيه من أوله إلى آخره اسمٌ من أسماء اللّه فضلاً عن بيان صفاته أو حكم من أحكامه، ولا يعلم حال مصنفه، وشارحو العهد العتيق لا ينسبونه إلى شخص واحد على سبيل الجزم بالدليل بل بالظن والتخمين رجما بالغيب، فبعضهم نسبوا إلى علماء المعبد الذين كانوا من عهد عزرا عليه السلام إلى زمن سَيْمُنْ، ونسب فلو اليهودي إلى يهوكين الذي هو ابن اليسوع الذي جاء من بابل بعد ما أطلق الأسراء، ونسب اكستائن إلى عزرا عليه السلام، ونسب البعض إلى مرد كي ، وبعضهم إليه وإلى أستير" وفي الصفحة 347 من المجلد الثاني من كاتلك هرلد: "الفاضل مِليتوما كتب اسم هذا الكتاب في ذيل أسماء الكتب المسلمة كما صرح يوسي بيس في تاريخ كليسيا في الباب السادس والعشرين من الكتاب الرابع، وضبط كِرى نازين زن في الأشعار أسماء الكتب الصحيحة، وما كتب اسم هذا الكتاب فيها، وايم في لوكيس أظهر شبهته على هذا الكتاب في أشعاره التي كتبها إلى سَلْيوكَس واتهَاني سيَش في مكتوبه التاسع والثلاثين رد هذا الكتاب وقبحه".‏


    (الشاهد الثاني) الآية الحادية والثلاثون من الباب السادس والثلاثين من سفر الخليقة هكذا: "وهؤلاء الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم قبل أن يملك بني إسرائيل" ولا يمكن أن تكون هذه الآية من كلام موسى عليه السلام لأنها تدل على أن المتكلم بها بعد زمان قامت فيه سلطنة بني إسرائيل، وأول ملوكهم شاول وكان بعد موسى عليه السلام بثلثمائة وست وخمسين سنة، قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره ذيل هذه الآية: "غالب ظني أن موسى عليه السلام ما كتب هذه الآية والآيات التي بعدها إلى الآية التاسعة والثلاثين، بل هذه الآيات هي آيات الباب الأول من السفر الأول من كتاب أخبار الأيام، وأظن ظناً قوياً قريباً من اليقين أن هذه الآيات كانت مكتوبة على حاشية نسخة صحيحة من التوراة، فظن الناقل أنها جزء من المتن فأدخلها فيه" فاعترف هذا المفسر بإلحاق الآيات التسع، وعلى اعترافه يلزم أن كتبهم كانت صالحة للتحريف، لأن هذه الآيات التسع، مع عدم كونها من التوراة دخلت فيه وشاعت بعد ذلك في جميع النسخ.‏

    (الشاهد الثالث) الآية الرابعة عشرة من الباب الثالث من سفر الاستثناء: "فياير ابن منْسبا (99) ورث كل أرض أرغوب إلى تخوم جاسور ومعكاني (100) وسمى باسان باسمه جالوث يابر التي هي قرى يابر إلى هذا اليوم"، وهذه الآية أيضاً لا يمكن أن تكون من كلام موسى عليه السلام، لأن المتكلم بها لا بد أن يكون متأخراً عن يابر (101) تأخيراً كثيراً، كما يشعر به قوله إلى هذا اليوم، لأن أمثال هذا اللفظ لا يستعمل إلا في الزمان الأبْعَد على ما حقق المحققون من علمائهم، كما ستعرف عن قريب، قال الفاضل المشهور هورن لبيان هاتين الفقرتين اللتين نقلتهما في الشاهد الثاني والثالث في المجلد الأول من تفسيره: "هاتان الفقرتان لا يمكن ان تكونا من كلام موسى عليه السلام، لأن الفقرة الأولى دالة على أن مصنف هذا الكتاب بعد زمان قامت فيه سلطنة بني إسرائيل، والفقرة الثانية دالة على أن مصنفه بعد زمان إقامة اليهود في فلسطين، لكن لو فرضناهما إلحاقيتين لا يتطرق الخلل في حقيقة الكتاب، ومن نظر بالنظر الدقيق علم أن هاتين الفقرتين ليستا بلا فائدة فقط بل هما ثِقلان على متن الكتاب، سيما الفقرة الثانية لأن مصنفه موسى كان أو غيره لا يقول لفظ إلى هذا اليوم، فالأغلب أنه كان في الكتب بهذا القدر فياير بن مَنَساوَرِث كل أرض أرغوب إلى تخوم جاسور ومعكاتي، وسمى باسان باسمه جالوث ياير، ثم بعد قرون زيد هذا اللفظ في الحاشية ليُعلم أن الاسم الذي سماها ياير به هو اسمها إلى الآن، ثم انتقلت تلك العبارة عن الحاشية إلى المتن في النسخ المتأخرة، ومَنْ كان شاكاً في هذا الأمر فلينظر النسخ اليونانية يجد فيها أن الإلحاقات التي توجد في متن بعض النسخ هي توجد في النسخ الأخرى على الحاشية".
    فاعترف أن هاتين الفقرتين لا يمكن أن تكونا من كلام موسى عليه السلام، وقوله: فالأغلب الخ يدل على أنه ليس عنده سَنَدُ هذا الأمر سوى زعمه، وعلى أن هذا الكتاب بعد القرون من تأليفه كان صالحاً لتحريف المحرفين، لأن هذا اللفظ بحسب اعترافه زيد بعد قورن، ومع ذلك صار جزءاً من الكتاب، وشاع في جميع النسخ المتأخرة وقوله: "لو فرضناهما إلحاقيتين لا يتطرق الخلل في حقية الكتاب" يدل على التعصب، وهو ظاهر، وقال الجامعون لتفسير هنري واسكات ذيل الفقرة الثانية: "الجملة الأخيرة إلحاقية ألحقها أحدٌ بعد موسى عليه السلام، ولو تركت لا يقع الفساد في المضمون" أقول: تخصيص الجملة الأخيرة لغوٌ لأن الفقرة الثانية كلها لا يمكن أن تكون من كلام موسى كما اعترف به هورن.

    (تنبيه) بقي في الفقرة الثانية شيء آخر هو أن ياير ليس ابن منسا بل هو ابن ساغب كما هو مصرح في الآية الثامنة والعشرين من الباب الثاني من السفر الأول من أخبار الأيام.‏

    (الشاهد الرابع) الآية الأربعون من الباب الثاني والثلاثون من سفر العدد: "فأما ياير بن منسا فعمد أخذ دساكرها ودعاها جالوت ياير التي هي قرى ياير" حال هذه الآية كحال آية سفر الاستثناء، وقد علمت في الشاهد الثالث وفي دكشنري (102) بيبل الذي طبع في أمريكا وإقليم الإنكليز والهند، وشرع في تأليفه كالمنت وكمله زابت وتيلر هكذا: "بعض الجمل التي توجد في كتب موسى تدل صراحة على أنها ليسَت من كلامه مثل الآية 40 من الباب 22 من سفر العدد، والآية 14 من الباب 2 من سفر الاستثناء، وكذلك بعض عبارات هذا الكتاب ليس على محاورة كلام موسى، ولا نقدر أن نقول جزماً إن أي شخص ألحق هذه الجمل والعبارات، لكن نقول بالظن الغالب أن عزرا النبي ألحقها كما ينبئ عنه الباب التاسع والعاشر من كتابه والباب الثامن من كتاب نحميا" فهؤلاء العلماء جزموا أن بعض الجمل والعبارات ليست من كلام موسى عليه السلام لكنهم ما قدروا أن يبينوا اسم الملحق على سبيل التعيين، بل نسبوا على سبيل الظن إلى عزرا عليه السلام، وهذا الظن ليس بشيء ولا يظهر من الأبواب المذكورة أن عزرا أَلحق شيئاً في التوراة لأنه يُفهم من باب كتاب عزرا أنه تأسف على أفعال بني إسرائيل واعترف بالذنوب، ويُفهم من باب كتاب نحميا أن عزرا قرأ التوراة عليهم.‏

    (الشاهد الخامس) وقع في الآية الرابعة عشرة من الباب الثاني والعشرين من سفر الخليقة: "كما يقال في هذا اليوم في جبل اللّه يجب أن يتراءى الناس" ولم يطلق على هذا الجبل جبل اللّه إلا بعد بناء الهيكل الذي بناه سليمان عليه السلام بعد أربعمائة وخمسين 450 سنة من موت موسى عليه السلام، فحكم آدم كلارك في ديباجة تفسير كتاب عزرا بأن هذه الجملة إلحاقية ثم قال: "وهذا الجبل لم يطلق عليه ذلك الاسم ما لم بين عليه الهيكل".‏


    (الشاهد السادس) الآية الثانية عشرة من الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا: "فأما من قبلُ الحواريون سكنوا ساعير، وبنو عيسو طردوهم وأهلكوهم وسكنوها كما فعل بنو إسرائيل بأرض ميراثهم التي وهبها لهم" فحكم آدم كلارك في ديباجة تفسير كتاب عزرا بأن هذه الآية إلحاقية وجعل هذا القول "كما فعل بنو إسرائيل" إلى آخره دليل الإلحاق.‏

    (الشاهد السابع) الآية الحادية عشرة من الباب الثالث من سفر الاستثناء هكذا: "من أجل أنه عُوج وحده مَلِكُ باسان كان بقي من نسل الجبابرة هذا سريره من حديد، وهو في راباث بني عمون، طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع على قياس ذراع اليد" قال آدم كلارك في ديباجة تفسير كتاب عزرا: المحاورة سيما العبارة الأخيرة تدل على أن هذه الآية كتبت بعد موت ذلك السلطان بمدة طويلة، وما كتبها موسى لأنه مات في مدة خمسة أشهر.‏

    (الشاهد الثامن) الآية الثالثة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد هكذا: "فسمع اللّه دعاء آل إسرائيل، وسلم في أيديهم الكنعانيين فجعلوهم وقراهم صوافي وسمى ذلك الموضع حرماً" قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره في الصفحة 697: "إني أعلم أن هذه الآية ألحقت بعد موت يوشع عليه السلام، لأن جميع الكنعانيين لم يهلكوا إلى عهد موسى بل بعد موته".‏

    (الشاهد التاسع) الآية الخامسة والثلاثون من الباب السادس عشر من سفر الخروج هكذا: "وبنو إسرائيل أكلوا المن أربعين سنة حتى أتوا إلى الأرض العامرة كانوا يأكلون هذا القوت إلى ما دَنَوْا من تخوم أرض كنعان" هذه الآية ليست من كلام موسى لأن اللّه ما أمسك المن من بني إسرائيل مدة حياته، وما دخلوا في أرض كنعان إلى هذه المدة. قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره في الصفحة 399: "ظن الناس من هذه الآية أن سفر الخروج كتب بعد ما أمسك اللّه المن من بني إسرائيل لكنه يمكن أن يكون عزرا ألحق هذه الألفاظ" انتهى كلامه. أقول: ظن الناس ظنٌ صحيح واحتمال المفسر المجرد عن الدليل في مثل هذه المواضع لا يُقْبل، والصحيح أن الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام ليست من تصنيفه كما أثبت هذا الأمر بالبراهين في الباب الأول.‏

    (الشاهد العاشر) الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد هكذا: "ولذلك يقال في سفر حروب الرب كما صنع في بحر سوف كذلك يصنع في أودية أرنون" هذه الآية لا يمكن أن تكون من كلام موسى بل تدل على أن مصنف سفر العدد ليس هو لأن هذا المصنف نقل هاهنا الحال عن سِفْر حروب الرب، ولم يعلم إلى الآن جَزْماً أن مصنف هذا السفر أي شخص، ومتى كان وأين كان، وهذا السفر كالعنقاء عند أهل الكتاب سمعوا اسمه وما رأوه، ولا يوجد عندهم، وحكم آدم كلارك في ديباجة تفسير سِفْر الخليقة أن هذه الآية إلحاقية ثم قال: "الغالب أن لفظ سِفْر حروب الرب كان في الحاشية ثم دخل في المتن" فاعترف أن كتبهم كانت قابلة لأمثال هذه التحريفات فإن عبارة الحاشية دخلت في المتن على إقراره وشاعت في جميع النسخ.

    (الشاهد الحادي عشر) وقع في الآية الثامنة عشرة من الباب الثالث عشر، وفي الآية السابعة والعشرين من الباب الخامس والثلاثين، وفي الآية الرابعة عشرة من الباب السابع والثلاثين من سفر الخليقة لفظ حَبْرون وهو اسم قرية كان اسمها في سالف الزمان (قرية رابع)، وبنو إسرائيل بعد ما فتحوا فلسطين في عهد يوشع عليه السلام غيّروا هذا الاسم إلى حبرون، كما هو المصرح في الباب الرابع عشر من كتاب يوشع، فهذه الآيات ليست من كلام موسى عليه السلام، بل من كلام شخص كان بعد هذا الفتح والتغيير، وكذلك وقع في الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع عشر من سفر الخليقة لفظ (دان) وهو اسم بلدة عمّرت في عهد القضاة لأن بني إسرائيل بعد موت يوشع عليه السلام في عهد القضاة فتحوا بلدة ليث، وقتلوا أهلها وأحرقوا تلك البلدة وعمروا بدلها بلدة جديدة وسموها دان، كما هو مصرح في الباب الثامن عشر من كتاب القضاة، فلا تكون هذه الآية أيضاً من كلام موسى عليه السلام، قال هورن في تفسيره: "يمكن ان يكون موسى كتب قرية رابع وليث، لكن بعض الناقلين حرّف هذين اللفظين بحبرون ودان" فانظر أيها اللبيب إلى أعذار هؤلاء أولي الأيدي والأبصار كيف يتمسكون بهذه الأعذار الضعيفة، وكيف يقرُّون بالتحريف وكيف يلزم عليهم الاعتراف بكون كبتهم قابلة للتحريف.‏

    (الشاهد الثاني عشر) وقع في الآية السابعة من الباب الثالث عشر من سفر الخليقة هذه الجملة: "والكنعانيون والغرزيون حينئذ مقيمون في البلد" ووقع في الآية السادسة من الباب الثاني عشر من سفر الخليقة هذه الجملة: "والكنعانيون حينئذ في البلد" فالجملتان المذكورتان تدلان على أن الآيتين المذكورتين ليستا من كلام موسى عليه السلام، ومفسروهم يعترفون بالإلحاق، في تفسير هنري واسكات: "هذه الجملة والكنعانيون حينئذ في البلد وكذا الجمل الأخر في مواضع شتى ملحقة لأجل الربط ألحقها عِزرا أو شخصٌ إلهامي آخر في وقت جمع الكتب المقدسة" فاعترفوا بإلحاق الجمل، وقولهم ألحقها عزرا أو شخص آخر إلهامي غير مُسلم إذ ليس عليه دليل سوى ظنهم.‏

    (الشاهد الثالث عشر) ) قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره في أول الباب الأول من سِفْر الاستثناء في الصفحة 749: "الآيات الخمس من أول هذا الباب بمنزلة المقدمة لباقي الكتاب وليست من كلام موسى عليه السلام والأغلب ان يوشع أو عزرا ألحقها" فاعترف بكون الآيات الخمسة ملحقة، وأسند بمجرد زعمه بلا دليل إلى يوشع أو عزرا وزعمه المجرد لا يكفي.‏

    (الشاهد الرابع عشر) الباب الرابع والثلاثون من سفر الاستثناء ليس من كلام موسى عليه السلام، قال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره: "تم كلام موسى على الباب السابق، وهذا الباب ليس من كلامه، ولا يجوز أن يقال إن موسى عليه السلام كتب هذا الباب أيضاً بالإلهام، لأن هذا الاحتمال بعيد من الصدق والحسن، ويجعل المطلب كله لغواً لأن روح القدس إذا ألهم الكتاب اللاحق لشخص يَلهم هذا الباب أيضاً لهذا الشخص، وإني أجزم بأن هذا الباب كان باباً أولَ لكتاب يوشع عليه السلام، والحاشية التي كتبها بعض الأذكياء من أحبار اليهود على هذا الموضع مرضية قابلة للقبول، قال: إن أكثر المفسرين قالوا إن سفر الاستثناء تم على الدعاء الإلهامي الذي دعا به موسى عليه السلام لاثني عشر سبطاً على هذه الفقرة "فطوباك يا نسل إسرائيل ليس مثلك شعب مُغاث باللّه" إلى آخرها، وإن هذا الباب كتبه المشايخ السبعون بعد مدة من موت موسى، وكان هذا الباب أول أبواب كتاب يوشع، لكنه انتقل من ذلك الموضع إلى هذا الموضع" انتهى كلامه. فاليهود والمسيحيون متفقون على أن هذا الباب ليس من كلام موسى عليه السلام بل هو إلحاقي، وما قال إني أجزم بأن هذا الباب كان أول أبواب كتاب يوشع، وكذا ما نقل عن اليهود من أن هذا الباب كتبه المشايخ السبعون إلى آخره بدليل وسند، ولذلك قال جامعو تفسير هنري واسكات: "تم كلام موسى على الباب السابق، وهذا الباب من الملحقات، والملحِق إمّا يوشع أو صموئيل أو عِزرا أو نبي آخر من الأنبياء بعدهم لا يُعْلم بالجزم، ولعل الآيات الأخيرة ألحقت بعد زمان أُطلق فيه بنو إسرائيل من أسر بابل" انتهى ما قالوا، ومثله في تفسيره والى ورجرد مينت، فانظر إلى قول هؤلاء "أعني الملحِق إما يوشع" إلى آخر العبارة كيف يشكُّون ولا يجزمون، وأين قولهم من قول اليهود؟، وقولهم أو نبي آخر من الأنبياء بعدهم بلا دليل أيضاً. اعلم إنما قلت في الآيات التي نقلتها من الشاهد الثاني إلى ههنا أنها شواهد التحريف بالزيادة من زيادة الآيات أو الجمل أو الألفاظ فمبنيٌ على تسليم ما يدعي أهل الكتاب الآن أن هذه الكتب الخمسة المروّجة تصنيف موسى عليه السلام، وإلا فهذه الآيات دلائل على أن هذه الكتب ليست من تصنيفه، ونسبتها إليه غلط كما هو المختار عند علماء الإسلام، وقد عرفت في الشاهد التاسع أن الناس من أهل الكتاب أيضاً قد استدلوا ببعض هذه الآيات على مثل ما قلنا، وما يدعي علماء البروتستنت من أن نبياً من الأنبياء ألحق هذه الآيات والجمل والألفاظ خاصة غير مسموع ما لم يبرهنوا عليه، وما لم يوردوا سنداً ينتهي إلى النبي المعين الملحِق وأنى لهم ذلك؟.‏

    (الشاهد الخامس عشر) ) نقل آدم كلارك في الصفحة 779 و 780 من المجلد الأول من تفسيره في شرح الباب العاشر من كتاب الاستثناء تقرير (كني كات) في غاية الإطناب وخلاصته: "أن عبارة المتن السامري صحيحة، وعبارة العبري غلط، وأربع آيات ما بين الآية الخامسة والعاشرة أعني من الآية السادسة إلى التاسعة ههنا أجنبية محضة لو أسقطت ارتبط جميع العبارة ارتباطاً حسناً، فهذه الآيات الأربع كتبت من غلط الكاتب ههنا وكانت من الباب الثاني من كتاب الاستثناء" وبعد نقل هذا التقرير أظهر رضاه عليه وقال "لا يعجل في إنكار هذا التقرير".‏

    (الشاهد السادس عشر) الآية الثانية من الباب الثالث والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا: "ومن تولد من الزنا لا يدخل جماعةَ الرب حتى يمضي عليه عشرة أعقاب" فهذا الحكم لا يمكن أن يكون من جانب اللّه، وما كتبه موسى عليه السلام، وإلا يلزم أن لا يدخل داود عليه السلام ولا آباؤه إلى فارض في جماعة الرب، لأن داود عليه السلام بطن عاشر من فارض كما يفهم من الباب الأول من إنجيل متى، وفارض ولد الزنا كما هو مصرح في الباب الثامن والثلاثين من سفر الخليقة، وهارسلي المفسر حكم بأن هذه الألفاظ "حتى يمضي عليه عشرة أعقاب" إلحاقية.‏

    (الشاهد السابع عشر) قال جامعو تفسير هنري واسكات ذيل الآية التاسعة من الباب الرابع من كتاب يوشع: "هذه الجملة هي إلى هذا اليوم هناك، وأمثالها وقعت في أكثر كتب العهد العتيق والأغلب أنها إلحاقية" فحكموا بإلحاق هذه الجملة، وإلحاق كل جملة يكون مثلها في العهد العتيق، فاعترفوا بالإلحاق في المواضع الكثيرة، لأن أمثالها توجد في كتاب يوشع في الآية التاسعة من الباب الخامس، وفي الآية الثامنة والعشرين، والتاسعة والعشرين من الباب الثامن، وفي الآية السابعة والعشرين من الباب العاشر، وفي الآية الثالثة عشرة من الباب الثالث عشر، وفي الآية الرابعة عشرة من الباب الرابع عشر، وفي الآية الثالثة والستين من الباب الخامس عشر، وفي الآية العاشرة من الباب السادس عشر، ففي ثمانية مواضع أخرى من هذا الكتاب لزم اعترافهم بإلحاق الجمل المذكورة، ولو نقلنا عن سائر كتب العهد العتيق يطول الأمر جداً.‏

    (الشاهد الثامن عشر) الآية الثالثة عشرة من الباب العاشر من كتاب يوشع هكذا: "فتوقفت الشمس وقام القمر إلى أن انتقم القوم من عدوهم، أليس هذا مكتوباً في سفر اليسير" وَوُجِد في بعض التراجم "سفر ياصار" وفي البعض "سفر ياشر" فعلى كل تقدير لا تكون هذه الآية من كلام يوشع لأن هذا الأمر مقول من السفر المذكور، ولم يعلم إلى هذا الحين أن مصنفه مَتَى كان، ومَتَى صنّف، إلا أنه يظهر من الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني أنه يكون معاصراً لداود عليه السلام أو بعده، واعترف جامعو تفسير هنري واسكات ذيل الآية الثالثة والستين من الباب الخامس عشر: "بأنه يُعلم من هذه الفقرة أن كتاب يوشع كتب قبل العام السابع من سلطنة داود عليه السلام" وولد داود عليه السلام بعد ثلثمائة وثمان وخمسين سنة من موت يوشع عليه السلام على ما هو مصرح في كتب التواريخ التي هي من تصنيفات علماء البروتستنت، والآية الخامسة عشرة من الباب العاشر المذكور على إقرار محققيهم زيدت تحريفاً في المتن العبري، ولا توجد في الترجمة اليونانية، قال المفسر هارسيلي في الصفحة 260 من الملجد الأول من تفسيره: "فلتسقط هذه الآية على وَفْق الترجمة اليونانية".‏

    (الشاهد التاسع عشر) قال المفسر هارسلي: "إن الآية السابعة والثامنة من الباب الثالث عشر غلطان".‏

    (الشاهد العشرون) وقع في بيان ميراث بني جاد في الآية الخامسة والعشرون من الباب الثالث عشر من كتاب يوشع هذه العبارة: "ونصف الأرض من بني عمون إلى عراوعير التي هي في محاذاة ديا" وهي غلط ومحرفة، لأن موسى عليه السلام ما أعطى بني جاد شيئاً من أرض بني عمون لأن اللّه تعالى كان نهاه كما هو مصرح في الباب الثاني من كتاب الاستثناء، ولما كانت غلطاً محرفة اضطر المفسر هارسلي فقال "المتن العبري ههنا محرف".‏

    (الشاهد الحادي والعشرون) في الآية الرابعة والثلاثين من الباب التاسع عشر من كتاب يوشع وقعت هذه الجملة "واتصل بميراث بني يهودا في جانب المشرق من الأردن" وهذه غلط لأن أرض بني يهودا كانت بعيدة جداً في جانب الجنوب، ولذا قال آدم كلارك: "الأغلب أنه وقع تحريف ما في ألفاظ المتن".‏

    (الشاهد الثاني والعشرون) قال جامعو تفسير هنري واسكات في شرح الباب الأخير من كتاب يوشع: "إن الآيات الخمس الأخيرة يقيناً ليست من كلام يوشع، بل ألحقها فينحاس أو صموئيل، وكان مثل هذا الإلحاق رائجاً كثيراً بين القدماء" فالآيات الخمس إلحاقية عندهم يقيناً، وما قالوا إن ملحقها فينحاس أو صموئيل غير مسلم إذ لا سند له ولا دليلَ، وما قالوا مثل هذا الإلحاق بين القدماء كان رائجاً كثيراً. أقول: هذا الرواج أيضاً فتح عليهم باب التحريف، لأنه لما لم يكن معيباً كان لكل أن يزيد شيئاً فوقعت التحريفات العديدة، وشاع أكثرُها في جميع نسخ الكتاب المحرّف فيه.‏

    (الشاهد الثالث والعشرون) قال المفسر هارسلي في الصفحة 283 من المجلد الأول من تفسيره إن ست أيات من الباب الأول من كتاب القضاة من الآية العاشرة إلى الخامسة عشرة إلحاقية.‏

    (الشاهد الرابع والعشرون) وقع في الآية السابعة من الباب السابع عشر من كتاب القضاة في بيان حال رجل كان من بني يهودا هذه الجملة: "وكان لاويا" ولما كانت غلطاً قال المفسر هارسلي: "هذه غلط لأنه لا يمكن أن يكون رجل من بني يهودا لاَوِيَّا، وهيوبي كينت بعد ما فهم أنها إلحاقية أخرجها من المتن".‏

    (الشاهد الخامس والعشرون) الآية التاسعة عشرة من الباب السادس من سفر صموئيل الأول هكذا: "وأهلك الرب أهل بيت الشمس، لأنهم فتحوا صندوق الرب ورأوه فأهلك منهم خمسين ألفاً وسبعين إنساناً" وهذا غلط. قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره بعد القَدْح والجَرْح: "الغالب أن المتن العبري محرَّف إما سقط منه بعضُ الألفاظ وإما زيد فيه لفظ خمسون ألفاً جهلاً أو قصداً لأنه لا يعلم أن يكون أهل تلك القرية الصغيرة بهذا المقدار، أو يكون هذا المقدار مشتغلاً بحصد الزرع، وأبعد من هذا أن يرى خمسون ألفاً الصندوق دفعة واحدة في جرن يوشع على حَجَرا بل" ثم قال: "في اللاتينية سبعون رئيساً، وخمسون ألفاً، وسبعون إنساناً، وفي السريانية خمسة آلاف وسبعون إنساناً، وكذلك في العربية خمسة آلاف وسبعون إنساناً، وكتب المؤرخ سبعون إنساناً فقط، وكتب سليمان الجارجي الرّبي والرّبيون الآخرون بطريق آخر، فهذه الاختلافات، وذلك عدم الإمكان المذكور تعطينا اليقين أن التحريف وقع ههنا يقيناً فإما زيد شيء أو سقط شيء"، وفي تفسير هنري واسكات هكذا: "بين عدد المقتولين في الأصل العبري على طريق معكوس، ومع قطع النظر عن هذا يبعد أن يذنب الناس بهذا المقدار، ويقتلون في القرية الصغيرة، ففي صدق هذه الحادثة شك، وكتب يوسيفس عدد المقتولين سبعين فقط" فانظر إلى هؤلاء المفسرين كيف استبعدوا هذا الأمر ورَدُّوا وأقرُّوا بالتحريف.‏

    (الشاهد السادس والعشرون) قال آدم كلارك في شرح الآية الثامنة عشرة من الباب السابع عشر من سفر صموئيل الأول: "في هذا الباب من هذه الآية إلى الحادية والثلاثين والآية الحادية والأربعون، ومن الآية الرابعة والخمسين إلى آخر الباب، وفي الباب الثامن عشر الآيات الخمس من أول هذا الباب والآية التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة لا توجد في الترجمة اليونانية، وتوجد في نسخة اسكندريانوس، انظروا في آخر هذا الباب أن كني كات حقق أن هذه الآيات المذكورة ليست جزءاً من الأصل" ثم نقل في آخر الباب المذكور تقرير كني كات في غاية الإطناب بحيث ظهر منه كون هذه الآية محرفة إلحاقية، وأنا أنقل عنه بعض الجمل: "إن قلت متى وُجد هذا الإلحاق؟ قلت: كان اليهود في عهد يوسيفس يريدون أن يزينوا الكتب المقدسة باختراع الصلوات والغناء واختراع الأقوال الجديدة انظروا إلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب أَسْتِير، وإلى حكاية الخمر والنساء والصدق التي زيدت في كتاب عِزرا ونَحْميا، وتسمى الآن بالكتاب الأول لعزرا، وإلى غناء الأطفال الثلاثة الذي زيد في كتاب دانيال، وإلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب يوسيفس، فيمكن أن هذه الآيات كانت مكتوبة في الحاشية ثم دخلت في المتن لأجل عدم مبالاة الكاتبين" قال المفسر هارسلي في الصفحة 330 من المجلد الأول من تفسيره: "إن كني كات في الباب السابع عشر من سفر صموئيل يعلم أن عشرين آية من الآية الثانية عشرة إلى الآية الحادية والثلاثين إلحاقية وقابلة للإخراج" ويقول: "إذا صحت ترجمتنا مرة أخرى فلا تدخل هذه الآيات فيها" أقول: لما كانت عادة اليهود في عهد يوسيفس كما أقرّ به كني كات وحرفوا بالمقدار الذي صرح ههنا، وصرح في مواضع أخر كما سبق نقل بعض أقواله في الشواهد السابقة، وسيجيء نقل بعضها في الشواهد الآتية فكيف يُعتد على دياناتهم في هذه الكتب؟، لأنه لما كان مثل هذا التحريف سبباً لتزيين الكتب المقدسة عندهم، ما كان هذا مذموماً عندهم، فكانوا يفعلون ما يفعلون، وعَدَمُ مبالاة الكاتبين كان سبباً لشيوع تحريفاتهم في النسخ، فوقع من الفساد ما وقع، فظهر أن ما يتفوه به علماء البروتستنت في تقريراتهم وتحريراتهم على سبيل المغالطة أن التحريف لم يصدر عن اليهود، لأنهم كانوا أهل ديانة، وكانوا يعترفون بكون كتب العهد العتيق كلام اللّه سفسطة محضة.

    (الشاهد السابع والعشرون) الآية الثالثة من الباب الرابع عشر من إنجيل متى هكذا: "لأن هيروديس كان قد أخذ يحيى وكتفه وألقاه في السجن لأجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس" والآية السابعة عشرة من الباب السادس من إنجيل مرقس هكذا: "لأن هيروديس كان قد أرسل وقبض على يحيى وقيده في السجن لأجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس" في الآية التاسعة عشرة من الباب الثالث من إنجيل لوقا هكذا: "وكان هيروديس رئيس الربع لما انتهره يحيى من أجل هيروديا زوجة أخيه فيلبوس" إلى الآخر، ولفظ فيلبوس غلط يقيناً في الأناجيل الثلاثة، ولم يثبت في كتاب من كتب التواريخ أن اسم زوج هيروديا كان فيلبوس، بل صرح يوسيفس في الباب الخامس من الكتاب الثامن عشر أن اسمه كان هيرود أيضاً، ولما كان غلطاً قال هورن في الصفحة 632 من المجلد الأول من تفسيره: "الغالب أن اسم فيلبوس وقع في المتن من غلط الكاتب فليسقط وكريسباخ قد أسقطه" وعندنا هذا اللفظ من أغلاط الإنجيليين، ولا نسلم قولهم من غلط الكاتب، لأنه دعوى بلا دليل ويبعد كل البعد أن يقع الغلط من الكاتب في الأناجيل الثلاثة في مضمون واحد، وانظر إلى تجاسرهم أنهم بمجرد ظنهم يسقطون ألفاظاً ويدخلونها، وتحريفهم هذا جار في كل زمان، ولما كان إيراد الشواهد على سبيل الإلزام أوردت هذا الشاهد في أمثلة التحريف بالزيادة على تسليم ما ادعوه، وهو في الحقيقة بالنظر إلى الأناجيل الثلاثة ثلاثة شواهد.‏

    (الشاهد الثامن والعشرون) الآية الحادية والثلاثون من الباب السابع من إنجيل لوقا هكذا: "ثم قال الرب فبماذا أشبه أهل هذا الجيل أو ما الذي يشابهونه" وهذه الجملة "ثم قال الرب" زيدت تحريفاً، قال المفسر آدم كلارك في ذيل هذه الآية: "هذه الألفاظ ما كانت أجزاء لمتن لوقا قط، ولهذا الأمر شهادة تامة وردَّ كل محقق هذه الألفاظ وأخرجها بنجل وكريسباخ من المتن" فانظر كيف حقق هذا المفسر، والعجب أن المسيحيين من فرقة البروتستنت لا يتركونها في تراجمهم، أليس إدخال الألفاظ التي ثبت زيادتها بالشهادة التامة وردها كل محقق في الكلام الذي هو كلام اللّه في زعمهم من أقسام التحريف.‏

    (الشاهد التاسع والعشرون) الآية التاسعة من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: "وحينئذ كمل قول النبي أرمياء حيث قال فقبضوا الدراهم الثلاثين ثمن الثمن الذي ثمنه بنو إسرائيل" ولفظ أرمياء غلط من الأغلاط المشهورة في إنجيل متى لأن هذا لا يوجد في كتاب أرمياء، ولا يوجد هذا المضمون في كتاب آخر من كتب العهد العتيق بهذه الألفاظ، نعم توجد في الآية الثالثة عشرة من الباب الحادي عشر من كتاب زكريا عبارة تناسب هذه العبارة التي نقلها متى، لكن بين العبارتين فرق كثير يمنع أن يحكم أن متى نقل عن هذا الكتاب، ومع قطع النظر عن هذا الفرق لا علاقة لعبارة كتاب زكريا عليه السلام بهذه الحادثة التي ينقل فيها متى، وفي هذا الموضع أقوال مضطربة لعلماء المسيحيين سلفاً وخلفاً، قال وارد كاتلك في كتابه المسمى بكتاب الأغلاط الذي طبع في سنة 1841 من الميلاد في الصفحة 26 "كتب مستر جوويل في كتابه أنه غلط مرقس فكتب أبيثار موضع أخي ملك، وغلط متى فكتب أرمياء موضع زكريا"، وقال هورن في الصفحة 385 و 386 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع في سنة 1822 من الميلاد: "في هذا النقل إشكال جداً لأنه لا يوجد في كتاب أرمياء مثل هذا، ويوجد في الآية الثالثة عشرة من الباب الحادي عشر من كتاب زكريا، لكن لا يطابق ألفاظ متى ألفاظه، وبعض المحققين على أنه وقع الغلط في نسخة متى، وكتب الكاتب أرمياء موضع زكريا، أو أن هذا اللفظ إلحاقي" وبعد ذلك نقل شواهد الإلحاق ثم قال: "والأغلب أن عبارة متى كانت بدون ذكر الاسم هكذا وحينئذ كمل قول النبي حيث قال إلى آخرها ويقوي هذا الظن أن متى يترك أسماء الأنبياء إذا نقل" وقال في الصفحة 625 من المجلد الأول من تفسيره: "الإنجيلي ما كتب في الأصل اسم النبي لكنه أدرجه بعض الناقلين" فعلم من العبارتين أن المختار عنده أن هذا اللفظ إلحاقي، وفي تفسير دوالي ورجر دمينت في ذيل هذه الآية: "هذه الألفاظ المنقولة ههنا لا توجد في كتب أرمياء بل توجد في الآية الثانية عشرة من الباب الحادي عشر من كتاب زكريا، ومن بعض توجيهاته أن الناقل كتب في الزمان الأول عند انتساخ إنجيل أرمياء موضع زكريا غلطاً، وبعد ذلك دخل هذا الغلط في هذا المتن كما كتب بيرس"، وحكى جواد بن ساباط في مقدمة كتابه المسمى بالبراهين الساباطية: "إني سألت القسيسين الكثيرين عن هذا فقال طامن: غلط الكاتب، وقال بيوكانان ومارطيروس وكيراكوس. إن متى كتب اعتماداً على حفظه بدون المراجعة إلى الكتب، فوقع في الغلط، وقال بعض القسيسين: لعل زكريا يكون مسمى بأرمياء أيضاً" (أقول): المختار أن هذا الغلط صدر عن متى كما هو الظاهر، واعترف به وارد وجوويل وبيوكانان ومارطيروس وكيراكس، والاحتمالات الباقية ضعيفة يردها ما قلت أولاً، واعترف هورن أيضاً من أنه لا يطابق ألفاظ متى ألفاظ زكريا، فلا يصح لفظ زكريا أيضاً بدون إقرار التحريف في إحدى العبارتين وأوردت هذا الشاهد ههنا على زعم الذين ينسبون إلى هذا اللفظ إلى زيادة الكاتب، ولما فرغت من بيان غلط متى ناسب أن أبين ما اعترف به مستر جوويل ووارد من غلط مرقس فأقول: عبارة إنجيله في الباب الثاني هكذا 25: "فقال لهم ألم تقرؤوا ما فعله داود لما احتاج وجاع هو ومن معه وكيف دخل بيت اللّه أيام كاهن الكهنة أبيثار وأكل خبز التقدمة الذي لا يجوز أكله لغير الكهنة وكيف أعطى الذين كانوا معه أيضاً" فلفظ أبيتار غلط كما اعترفا به، وكذلك هاتان الجملتان "وجاع هو ومن معه" وكيف أعطى الذين كانوا معه أيضاً، لأن داود عليه السلام كان منفرداً في هذا الوقت، ولم يكن أحد معه كما لا يخفى على من طَالَع سفر صموئيل الأول وإذا ثبت أن الجملتين المذكورتين غلطان في إنجيل مرقس ثبت أن ما وقع مثلهما في إنجيل متى ولوقا غلط أيضاً. في إنجيل متى في الباب الثاني عشر هكذا: 3 "فقال لهم ألم تقرؤوا ما فعل داود لما جاع هو ومن معه كيف دخل بيت اللّه وأكل خبز التقدمة الذي أكلُه لا يحلّ له ولا لمن كان معه بل للكهنة فقط" وفي إنجيل لوقا في الباب السادس هكذا: 4 "فقال عيسى لهم وهو يحاورهم أما قرأتم ما فعل داود لما جاع هو والذين كانوا معه" 4 "كيف دخل بيت اللّه وأخذ خبز التقدمة الذي لا يجوز أكله إلا للكهنة فقط، وأكله وأعطى مَنْ معه أيضاً" ففي نقل هذا القول المسيحي وقع سبعة أغلاط في الأناجيل الثلاثة فإن نسبوا هذه السبعة إلى الكاتبين كانوا مقرين بالتحريف في سبعة مواضع، وهذا وإن كان خلاف الظاهر لا يضرنا أيضاً.

    (الشاهد الثلاثون) الآية الخامسة والثلاثون من الباب السابع والعشرين من إنجيل متى هكذا: "فصلبوه واقتسموا بقرع القرعة لباسه ليكمل قول النبي حيث قال: إنهم اقتسموا لباسي واقترعوا على قميصي" فهذه العبارة "ليكمل قول النبي حيث قال اقتسموا لباسي واقترعوا على قميصي" محرفة واجبة الحذف عند محققيهم، ولذلك حذفها كريسباخ، وأثبت هورن بالأدلة القاطعة في الصفحة 330 و 331 من المجلد الثاني من تفسيره أنها إلحاقية ثم قال: "لقد استحسن كريسباخ في تركها بعد ما ثبت عنده أنها كذبة قطعاً"، وقال آدم كلارك في المجلد الخامس من تفسيره في ذيل الآية المذكورة: "لا بدّ من ترك هذه العبارة لأنها ليست جزءاً من المتن، وتركها النسخ الصحيحة، وكذا تركها التراجم إلا شذوذاً، وكذا تركها غير المحصورين من القدماء، وهذه إلحاقية صريحة أُخِذت من الآية الرابعة والعشرين من الباب التاسع عشر من إنجيل يوحنا.‏

    تعليق

    • الغدنفر
      0- عضو حديث
      • 5 أغس, 2010
      • 24
      • محاسب
      • مسلم

      #3
      (الشاهد الحادي والثلاثون) وقع في الباب الخامس من رسالة يوحنا الأولى هكذا: 7 "لأن الذين يشهدون في السماء ثلاثة وهم الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة واحدة والشهود الذين يشهدون في الأرض ثلاثة وهم الروح والماء والدم، وهؤلاء الثلاثة تتحد في واحد" ففي هاتين الآيتين كان أصل العبارة على ما زعم محققوهم هذا القدر: "لأن الشهود الذين يشهدون ثلاثة وهم الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة تتحد في واحد"، فزاد معتقدو التثليث هذه العبارة "في السماء ثلاثة وهم الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة واحدة والشهود الذين يشهدون في الأرض" فيما بين أصل العبارة وهي ملحقة يقيناً، وكريسباخ وشولز متفقان على إلحاقيتها، وهورن مع تعصبه قال إنها إلحاقية واجبة الترك، وجامعو تفسير هنري واسكات اختاروا قول هورن، وآدم كلارك أيضاً مال إلى إلحاقيتها، وأكستاين الذي كان أعلم العلماء المسيحية التثليثية في القرن الرابع من القرون المسيحية، وهو إلى الآن مستند أهل التثليث أيضاً كتب على هذه الرسالة عشر رسائل، وما نقل في رسالة من هذه الرسائل هذه العبارة، وهو كان من معتقدي التثليث، وكان مناظِراً مع فرقة أيرين التي تنكر التثليث، فلو كانت هذه العبارة في عهده لتمسك بها ونقلها في إثباته، ولما ارتكب التكلف البعيد الذي ارتكبه في الآية الثامنة فكتب في الحاشية: "أن المراد بالماء الأب وبالدم الابن وبالروح الروح القدس" فإن هذا التكلف ضعيف جداً، وأظن أنه لما كان هذا التوجيه بعيداً جداً اخترع معتقدو التثليث هذه العبارة التي هي مفيدة لعقيدتهم وجعلوها جزءاً من عبارة الرسالة، وأقر صاحب ميزان الحق أيضاً على رؤوس الأشهاد في المناظرة التي وقعت بيني وبينه سنة ألف ومائتين وسبعين بأنها محرّفة، ولما رأى شريكه أنه يورد عليه عبارات أخر لا بد فيها من الإقرار بالتحريف بادر إلى الإقرار قبل إيراد هذه العبارات الأخر فقال: أسلم أنا وشريكي أن التحريف قد وقع في سبعة أو ثمانية مواضع، فلا ينكر التحريف في عبارة يوحنا إلا مكابر عنيد، وكتب هورن في تحقيق هذه العبارة اثني عشر ورقاً ثم ثنى تقريره بالتلخيص، وكان في نقل ترجمة جميع تقريره خوف ملال الناظر، ولخص جامعو تفسير هنري واسكات تلخيصه أيضاً، فأنا أنقل خلاصة الخلاصة من هذا التفسير فأقول: قال جامعو هذا التفسير "كتب هورن دلائل الطرفين ثم ثناها ، وخلاصة تقريره الثاني هذا للذين يثبتون أن هذه العبارة كاذبة وجوه" الأول "أن هذه العبارة لا توجد في نسخة من النسخ اليونانية التي كتبت قبل القرن السادس عشر" والثاني "أنها لا توجد في النسخ المطبوعة التي طبعت بالجد والتحقيق التام في الزمان الأول" والثالث "أنها لا توجد في ترجمة من التراجم القديمة غير اللاتينية" والرابع "أنها لا توجد في أكثر من النسخ القديمة اللاتينية أيضاً" والخامس "أنها لم يتمسك بها أحد من القدماء ومؤرخي الكنيسة" والسابع "أن أئمة فرقة البروتستنت ومصلحي دينهم إما أسقطوها أو وضعوا عليها علامة الشك.
      وللذين يقولون بصدقها وجوه: الأول "أنها توجد في الترجمة اللاتينية القديمة وفي كثير من نسخ الترجمة اللاطينينة وَلْكَيَت" والثاني "أنها توجد في كتاب العقائد اليونانية، وكتاب آداب الصلاة للكنيسة اليونانية، وفي كتاب الصلاة القديم للكنيسة اللاتينية، وتمسك بها بعض القدماء من المشايخ اللاتينية، وهذان الدليلان مخدوشان والأمور الباطنية التي تشهد بصدقها هذه": الأوّل (ربط الكلام) والثاني (القاعدة النحوية) والثالث (حرف التعريف) والرابع (تشابه هذه العبارة بعبارة يوحنا في المحاورة، ويمكن بيانُ وجه تركها في النسخ أن يكون للأصل نسختان، أو حصل هذا الأمر في الزمن الذي كانت النسخ فيه قليلةً من كيد الكَاتب أو غفلته، أو أسقطها أيرين، أو أسقطها أهلُ الدين بسبب أنها من أسرار التثليث، أو صارت غفلة الكاتب سبباً له كما هي سبب لنقصانات أخرى، والمرشدون من كريك تركوا فقرات كانت في هذا البحث، ونظر هورن على الدلائل المرقومة نظراً ثانياً فحكم على سبيل الإنصاف وعدم الرياء بإسقاط هذه الفقرات الجعلية، وبأنه لا يمكن إدخالها ما لم تشهد عليها نسخ لا يكون الشك في صحتها، وقال موافقاً لمارش إن الشهادة الباطنية وإنْ كانت قوية لا تغلب على صبره الشهادات الظاهرية التي على هذا المطلب). فانظر أيها اللبيب إن مختارهم ما هو مختار هورن لأنهم قالوا إن هورن حكم على سبيل الإنصاف وعدم الرياء، ودلائل الفريق الثاني مردودة كما صرحوا به.
      وما قال هذا الفريق في الاعتذار يعلم منه أمران:

      (الأول) أن الكاتبين المحرفين والفرق المخالفة كان لهم مجالٌ واسع قبل إيجاد صنعة الطبع، وكان مرامهم حاصلاً. ألا ترى كيف شاع تحريف الكاتب أو فرقة أيرين، أو أهل الدين على زعمهم ههنا بحيث أسقطت هذه العبارة عن جميع النسخ اليونانية المذكورة، وعن جميع التراجم غير الترجمة اللاتينية، وعن أكثر النسخ اللاتينية أيضاً كما ظهر لك من دلائل الفريق الأول؟

      (الثاني) أنه ثبت أن أهل الديانة والدين من المسحيين أيضاً، كانوا يحرفون قصداً إذا رأوا مصلحة في التحريف، كما أسقطوا هذه العبارة لأجل أنها من أسرار التثليث، وكما أسقط المرشدون من فرقة كريك فقرات كانت في هذا البحث، فإذا كان التحريف من العادة الجميلة للمرشدين ولأهل الديانة والدين من المسيحين فأية شكاية من الفرق الباطلة والكاتبين المحرفين؟، فيعلم أن هؤلاء المذكورين ما أبقوا دقيقة من دقائق التحريف قبل إيجاد صنعة الطبع، كيف لا وما انسد هذا الباب بعد إيجادها أيضاً، واكتفى ههنا على نقل حكاية واحدة فقط تتعلق بهذه العبارة.

      (فاعلم) أيها اللبيب أن لوطر الإمام الأول لفرقة البروتستنت والرئيس الأقدم من مُصلحي الملة المسيحية لما توجه إلى إصلاح هذه الملة ترجم الكتب المقدسة في اللسان الجرمني ليستفيد بها متبعوه، ولم يأخذ هذه العبارة في ترجمته، وطبعت هذه الترجمة مراراً في حياته، فما كانت هذه العبارة في هذه النسخ المطبوعة، ثم لما كبر وعلم أنه سيموت، وأراد طبعها مرة أخرى، وشرع في الطبع سنة 1546 من الميلاد وكان واقفاً من عادة أهل الكتاب عموماً وعادة المسيحيين خصوصاً، أوصى في مقدمة هذه الترجمة أن لا يحرف أحد في ترجمتي، لكن هذه الوصية لما كانت مخالفة لعادة أهل الكتاب لم يعملوا بها، وأدخلوا هذه العبارة الجعلية في ترجمته، وما مضى على موته ثلاثون سنة، وصدر هذا التحريف أولاً عن أهل (فرينك فارت) فإنهم طبعوا هذه الترجمة في سنة 1574 وأدخلوا هذه العبارة، لكنهم خافوا بعد ذلك من اللّه أو من طعن الخلق فأسقطوها في المرات الأخر التي طبعوا الترجمة فيها، ثم ثقل على أهل التثليث تركها فأدخل أهل وتن برك في سنة 1596 وسنة 1599 من الميلاد، وكذا أهل هيم برك في سنة 1596 هذه العبارة فيها، لكن خاف أهل وتن برك من طعن الخلق كما خاف أهل فرينك فارت فأسقطوها في الطبع الآخر، ثم بعد ذلك ما رضي أهل التثليث من معتقدي المترجم بإسقاطها فشاع إدخالها في هذه الترجمة عموماً على خلاف وصية إمامهم. فكيف يُرجى عدم التحريف في النسخ القليلة الوجود قبل إيجاد صنعة الطبع من الذين يكون عادتهم مثل ما علمت؟؟ حاشا ثم حاشا، لا نرجو منهم إلا التحريف، وكَتَبَ الفيلسوف المشهور إسحاق نيوتن رسالة حجمها بقدر خمسين صفحة وأثبت فيها أن العبارة المذكورة، وكذا الآية السادسة عشرة من الرسالة الأولى إلى طيمورثاوس محرفتان والآية المذكورة هكذا: "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، اللّه ظهر في الجسد، تبرّز في الروح تَراءى للملائكة، كِرُزبه بين الأمم، أو من به في العالم، رُفع في المجد" وهذه الآية أيضاً نافعة لأهل التثليث جداً فزادوا تحريفاً لإثبات عقيدتهم الفاسدة.‏

      (الشاهد الثاني والثلاثون) في الباب الأول من مشاهدات يوحنا هكذا: 10 "فحل الروح عليّ في يوم الرب وسمعت من ورائي صوتاً عظيماً كصوت البوق" 12 "وهو يقول إني أنا الألف والباء والأول والآخر فاكتب ما ترى" إلى آخرها، وكريسباخ وشولز متفقان على أن هذين اللفظين "الأول والآخر" إلحاقيان وبعض المترجمين تركوهما، وترك في الترجمة العربية التي طبعت في سنة 1671 وسنة 1821 من الميلاد لفظ الألف والباء أيضاً.‏

      (الشاهد الثالث والثلاثون) الآية السابعة والثلاثون من الباب الثامن من كتاب أعمال الحواريين هكذا: "قال فيلبوس إن آمنت بقلبك كله جاز لك فقال له وهو يحاوره آمنت بأن عيسى المسيح هو ابن اللّه" وهذه الآية إلحاقية ألحقها أحد من أهل التثليث لأجل هذه الجملة آمنت بأن عيسى هو ابن اللّه، وكريسباخ وشولز متفقان على أنها إلحاقية.‏

      (لشاهد الرابع والثلاثون) في الباب التاسع من كتاب أعمال الحواريين هكذا: 5 "فقال له من أنت يا رب فقال الرب أنا عيسى الذي أنت تؤذيه، إنه يصعب عليك أن ترفس الأسَنِّة" 6 "فقال وهو مرتعد متحير ما الذي تريد أن أفعل يا رب؟، قال له الرب قم وادخل البلد، وسيقال لك ما يجب عليك أن تفعله" قال كريسباخ وشولز: (هذه العبارة "إنه يصعب عليك أن ترفس الأسنة فقال وهو مرتعد متحير ما الذي تريد ان أفعل يا رب" إلحاقية).‏

      (الشاهد الخامس والثلاثون) الآية السادسة من الباب العاشر من كتاب أعمال الحواريين هكذا: "فإنه ضائف عند شمعون الدباغ، الذي بيته على البحر وهو يخبرك بما ينبغي لك أن تفعله" قال كريسباخ وشولز: (هذه العبارة "وهو يخبرك بما ينبغي لك أن تفعله" إلحاقية).‏

      (الشاهد السادس والثلاثون) الآية الثامنة والعشرون من الباب العاشر من الرسالة الأولى إلى أهل قورنيثوس هكذا: "وإن قال لكم أحد هذا ذبيحة الأوثان فلا تأكلوا لأجل المخبر به ولأجل أن لا تعثر ضميره لأن الأرض للرب هي وكمالها" وهذه الجملة: "لأن الأرض للرب هي وكمالها" إلحاقية، قال هورن في الصفحة 327 من المجلد الثاني من تفسيره بعد ما أثبت إلحاقيتها: "أسقط كريسباخ هذه الجملة من المتن بعد ما جزم أنها قابلة للإخراج، والحق أنها لا سند لهذه الجملة، وهي فضول. والغالب أنها أخذت من الآية السادسة والعشرين وألحقت". وقال آدم كلارك في ذيل هذه الآية: "أسقط كريسباخ من المتن، والحق أنه لا سند لهذه الجملة" وأسقطت في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1811 وسنة 1831 أيضاً.

      (الشاهد السابع والثلاثون) الآية الثامنة من الباب الثاني عشر من إنجيل متى هكذا: "لإن ابن الإنسان رب السبت أيضاً" فلفظ أيضاً إلحاقي، وهورن بعد ما أثبت إلحاقيته بالأدلة في الصفحة 330 من المجلد الثاني من تفسيره قال: "أخذ هذا اللفظ من الآية الثامنة والعشرين من الباب الثاني من إنجيل مرقس، أو من الآية الخامسة من الباب السادس من إنجيل لوقا، وأُلحق ههنا، ولقد استحسن كريسباخ أن أخرج هذا اللفظ الإلحاقي".‏

      (الشاهد الثامن والثلاثون) في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الثاني عشر من إنجيل متَّى هكذا: "فالرجل الصالح يخرج الخيرات من مخزن قلبه الصالح" ولفظ القلب إلحاقي، وهورن بعد ما أثبت إلحاقيته بالأدِّلة في الصفحة 330 من المجلد الثاني من تفسيره قال: "أخذ هذا اللفظ من الآية الخامسة والأربعين من الباب السادس من إنجيل لوقا".‏

      (الشاهد التاسع والثلاثون) الآية الثالثة عشرة من الباب السادس من إنجيل متى هكذا: "ولا تدخلنا في التجربة بل نجِّنا من الشرير فإن الملكوت والقدرة والمجد لك إلى الأبد آمين" وهذه الجملة "فإن الملكوت والقدرة والمجد لك إلى الأبد" إلحاقية، وفرقة رُومَنْ كاتُلك يحكمون بإلحاقيتها جَزْماً ولا توجد في الترجمة اللاتينية، ولا في ترجمة من تراجم هذه الفرقة في اللسان الإنكليزي، وهذه الفرقة تلوم من ألحقها. قال وارد كاتلك في الصفحة 18 من كتابه المسمى بكتاب الأغلاط المطبوع سنة 1841 من الميلاد: "قبح أرازمس هذه الجملة، وقال بلنجر: ألحقت هذه الجملة من بعد، ولم يعلم الملحِق إلى الآن وما قال لارن شش، ولا مَنْ أن هذه الجملة سقطت من كلام الرب، فلا دليل عليه بل كان عليه أن يلعن ويلوم الذين جعلوا لعبتهم هذه جُزْءاً من كلام الرب غير مبالين" وردَّها الأجِلّة من محققي فرقة البروتستنت أيضاً، وآدم كلارك وإن لم تكن إلحاقيتها مختارة عنده يعترف بهذا القدر أيضاً "أن كريسباخ ووتستَيْن والمحققين الذين كانوا في علو رتبته في التحقيق ردُّوها" كما صرح به في ذيل شرح هذه الآية، ولما ثبت باعترافه أن المحققين الذين كانوا في قصوى درجة التحقيق ردّوها، فلا يضرنا مخالفته، وهذه الجملة على تحقيق فرقة الكاثوليك، وتحقيق محققي البروتستنت زيدت في صلاة المسيح، فعلى هذا ما ترك المحرفون الصلاة المشهورة أيضاً.‏

      (الشاهد الأربعون) الآية الثالثة والخمسون من الباب السابع، وإحدى عشرة آية من الباب الثامن من الآية الأولى إلى الحادية عشرة من إنجيل يوحنا إلحاقية، قال هورن في إلحاقية هذه الآيات، وإن لم تكن إلحاقيتها مختارة عنده في الصفحة 310 من المجلد الرابع من تفسيره: "أرازمس وكالوين وبيزا وكروتيس وليكرك ووتستين وسملر وشلز ومورس وهين لين وبالس وسمت والآخرون من المصنفين الذين ذكرهم ونفينس وكوجو لا يسلمون صدق هذه الآيات" ثم قال (كرِيزاسُتم وتِهيْوُفِلِكْت ونُونس كتبوا شروحاً على هذا

      الإنجيل، فما شرحوا هذه الآيات بل ما نقلوها في شروحهم، وكتب ترتولين وساي برن رسائل في باب الزنا والعفة، وما تمسكا بهذه الآيات، ولو كانت هذه الآيات في نسخهما لذكرا أو تمسكا بها يقيناً". وقال وارد كاتلك: "بعض القدماء اعترض على أول الباب الثامن من إنجيل يوحنا" وحكم نورتن بأن هذه الآيات إلحاقية يقيناً.

      (الشاهد الحادي والأربعون) في الآية الثامنة عشرة من الباب السادس من إنجيل متى هكذا: "وأبوك الناظر في السريجازيك علانية" ولفظ علانية إلحاقي، قال آدم كلارك في ذيل شرح هذه الآية بعد ما أثبت إلحاقيته: "لما لم يكن لهذا اللفظ سند كامل أسقطه كريسباخ ووتستين وبنجل من المتن".‏

      (الشاهد الثاني والأربعون) في الآية السابعة عشرة من الباب الثاني من إنجيل مرقس وقع لفظ إلى التوبة وهو إلحاقي، وآدم كلارك بعد ما أثبت إلحاقيته في ذيل شرح هذه الآيات قال أسقطه كريسباخ من المتن وتبعه كرويتس ومل وبنجل".‏

      (الشاهد الثالث والأربعون) في الآية الثالثة عشرة من الباب التاسع من إنجيل متى أيضاً وقع لفظ إلى التوبة وهو إلحاقي أيضاً وآدم كلارك بعد ما أثبت إلحاقيته في ذيل شرح هذه الآية قال: "استحسن مِلْ وبنجل إسقاط هذا اللفظ وأسقطه كريسباخ من المتن".‏


      (الشاهد الرابع والأربعون) في الباب العشرين من إنجيل متى هكذا: 22 "فأجاب يسوع وقال: إنكم لا تعلمون ما تسألون أتستطيعون أن تشربوا الكأس التي أنا مزمع أي منتظر أن أشربها وتصطبغوا بالصبغة التي أنا بها أصطبغ قالوا له نستطيع" 23 "فقال لهم أما كأسي فتشربون، وأما الصبغة التي أنا مصطبغ بها فتصطبغون" إلى آخرها، وهذا القول "وتصطبغوا بالصبغة التي أنا بها أصطبغ" إلحاقي، وكذا القول "وأما الصبغة التي أنا أصطبغ بها فتصطبغون" وأسقطها كريسباخ من المتن في المرتين اللتين طبع المتن فيهما، وآدم كلارك في شرح هاتين الآيتين بعد ما ثبت إلحاقيتهما قال: "لا يعلم بالقواعد التي قررها المحققون لتمييز العبارة الصحيحة عن الغير الصحيحة أن يكون هذان القولان جزئيين من المتن".


      (الشاهد الخامس والأربعون) في الباب التاسع من إنجيل لوقا هكذا: 55 "فالتفت وانتهرهما وقال إنكما لا تعلمان أية طبيعة طبيعتكما" 56 "فإن ابن الإنسان لم يأت لهلاك أنفس الناس بل لنجاتها ثم ساروا إلى قرية أخرى" وهذه العبارة: "فإن ابن الإنسان لم يأت لهلاك أنفس الناس بل لنجاتها" إلحاقية. قال آدم كلارك في ذيل شرح هاتين الآيتين: "أسقط كريسباخ هذه العبارة عن المتن، والغالب أن النسخ القديمة جداً يكون فيها هكذا: "فالتفت وانتهرهما وقال إنكما لا تعلمان أية طبيعة طبيعتكما ثم ساروا إلى قرية".

      المقصد الثالث: في إثبات التحريف بالنقصان


      (الشاهد الأول) الآية الثانية عشرة من الباب الخامس عشر من سفر الخليقة هكذا: "وقيل له اعلم عالماً أن نَسْلك سيكون ساكناً في غير أرضهم ويستعبدونهم ويضيقون عليهم أربعمائة سنة" وهذه العبارة "يستعبدونهم ويضيقون عليهم" وكذلك الآية الرابعة عشرة من هذا الباب وهي هكذا: "ولكن الشعب الذي يستعبدهم أنا أدينه، ومن بعد هذا يخرجون بمال" تدلان على أن المراد بالأرض أرض مصر، لأن الذين استعبدوا وضيقوا على بني إسرائيل فدانهم اللّه فخرج بعد هذا بنو إسرائيل بمال جزيل هم أهل مصر لا غيرهم، لأن هذه الأمور لا توجد في غيرهم، والآية الأربعون من الباب الثاني عشر من كتاب الخروج هكذا: "فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة" فبين الآيتين اختلاف، فإما أسقط من الأولى لفظ ثلاثين، وإما زيد في الثانية، ومع قطع النظر عن هذا الاختلاف والتحريف أقول إن بيان المدة في كليهما غلط يقيناً لا ريب فيه لأمور:

      (الأول) أن موسى عليه السلام ابن بنت لاوى، وابن ابن ابن لاوى أيضاً لأنه ابن يوخايذ بنت لاوى من جانب الأم، وابن عمران بن قاهث بن لاوى من جانب الأب، فعمران كان تزوّج عمته كما هو مصرح به في الباب السادس من سفر الخروج، والباب السادس والعشرين من سفر العدد، وقاهث جد موسى عليه السلام قد وُلد قبل مجيء بني إسرائيل إلى مصر، كما هو مصرح به في الآية الحادية عشرة من الباب السادس والأربعين من سفر الخليقة، فلا يمكن أن يكون مدة إقامة بني إسرائيل بمصر أكثر من مائتين وخمس عشرة سنة.

      (الثاني) أن مؤرخيهم ومفسريهم متفقون على أن مدة سكون بني إسرائيل كانت مائتين وخمس عشرة سنة. من تصنيفات علماء البروتستنت كتاب باللسان العربي مسمى (بمرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين) وكتب على عنوانه (طبع في مطبعة مجمع كنيسة الإنكليز الأسقفية في مدينة فالته سنة 1840 مسيحية) وضبطت تواريخ حوادث العالم من بدء التكوين إلى ميلاد المسيح في الفصل السابع عشر من الجزء الثاني لهذا الكتاب، وكتبت السنون في جانبي كل حادثة في جانب اليمين، السنون التي من بدء التكوين إلى الحادثة وفي جانب اليسار السنون التي من هذه الحادثة إلى ميلاد المسيح ففي الصفحة 346 و 3298 (إقامة إخوة يوسف وأبيه في مصر 1706) وفي الصفحة 437 و 2513 (عبور الإسرائيليين بحر القلزم وغرق فرعون) 1491 انتهت عبارته، فإذا أسقطنا الأقل من الأكثر يبقى مائتان وخمس عشرة سنة وصورة العمل هكذا:
      2513 1707
      2298 1491

      -----------------
      215 215

      هذا هو مختار المؤرخين وستقف على قول المفسرين وفي عبارة آدم كلارك التي ننقل ترجمتها عن قريب.

      (الثالث) أنه وقع في الباب الثالث من رسالة بولس إلى أهل غلاطيه هكذا 66: "فإن المواعيد كان قد وعد بها إبراهيم وذريته، حيث لم يقل وذراريه نظراً إلى الكثرة بل قيل ولذريتك نظراً إلى الوحدة التي هي المسيح" 17 "فأقول إن العهد الذي أثبت اللّه من قَبْلُ للمسيح لا يستطيع الناموس الذي ورد بعده بأربعمائة وثلاثين سنة أن ينكثه حتى ينقضي الميعاد". وكلامه وإن كان لا يخلو عن الخطأ كما ستعرف يخالف عبارة الخروج مخالفة صريحة، لأنه اعتبر المدة بالقدر المذكور من زمان العهد الذي كان من إبراهيم عليه السلام، وكان مقدماً كثيراً على دخول بني إسرائيل في مصر إلى نزول التوراة الذي هو متأخر عن خروجهم عن مصر، وما اعتبر مدة سكن بني إسرائيل في مصر بالقدر المسطور. ولما كان البيان المذكور غلطاً يقيناً صححت الآية الأربعون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج في النسخة السامرية واليونانية هكذا: "فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل وآباؤهم وأجدادهم في أرض كنعان وأرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة": فزيد في هاتين النسختين هذه الألفاظ آباؤهم وأجدادهم وأرض كنعان، قال آدم كلارك في الصفحة 369 من المجلد الأول من تفسيره في ذيل شرح الآية المذكورة هكذا: "اتفق الكل على أن مضمون هذه الآية في غاية الإشكال" أقول ليس مضمونها في غاية الإشكال، بل غلط يقيناً كما ستعرفه أيضاً. ثم نقل ذلك المفسر عبارة النسخة السامرية فقال: "وعبارة اسكندر يانوس موافقة لعبارة السامرية، وكثير من الأفاضل على أن السامرية في حق الكتب الخمسة لموسى عليه السلام أصح، وهذا الأمر مسلم أن اسكيندر يانوس في نسخ الترجمة اليونانية أصحها وقديمة من كل نسخها الموجودة، ولا شك لأحد في وثاقة بولس، فانفصل الأمر كله بشهادة هذه الثلاثة، والتواريخ شاهدة على أن الحق في جانب هذه الثلاثة، لأن إبراهيم عليه السلام لما دخل كنعان فمن دخوله إلى ولادة إسحاق خمس وعشرون سنة، وإن إسحاق كان ابن ستين سنة حين تولد له يعقوب عليه السلام، وإن يعقوب لما دخل مصر كان ابن مائة وثلاثين سنة فالمجموع مائتان وخمس عشرة سنة، وإن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر مائتان وخمس عشرة سنة فالكل أربعمائة وثلاثون سنة" وجامعو تفسير هنري واسكات بعد ما سلموا أن مدة إقامة بني إسرائيل في مصر مائتان وخمس عشرة سنة نقلوا عبارة السامرية فقالوا: "لا شبهة في أن هذه العبارة صادقة وتزيل كل مشكل وقع في المتن" فظهر أن مفسريهم لا توجيه عندهم لعبارة الخروج التي في النسخة العبرانية سوى الاعتراف بأنها غلط، وإنما قلت: إن كلام بولس أيضاً لا يخلو عن الخطأ لأنه اعتبر المدة من العهد، وهذا العهد كان قبل ميلاد إسحاق عليه السلام بسنة، كما هو مصرح به في الباب السابع عشر من سفر التكوين، والآية الحادية والعشرون من الباب المذكور هكذا: "فأما ميثاقي فأقيمه لإسحاق الذي تلده لك سارة في هذا الحين في السنة الأخرى" ونزول التوراة في الشهر الثالث من خروج بني إسرائيل كما هو مصرح به في الباب التاسع عشر من كتاب الخروج، فإذا لو اعتبرت بالحساب الذي صرح به آدم كلارك يكون المدة بقدر أربعمائة وسبع سنين، وهو مصرح به في تواريخ فرقة البروتستنت أيضاً لأربعمائة وثلاثين سنة، كما ادعى بولس في الصفحة 345 من مرشد الطالبين هكذا سنة 2107.
      ميثاق اللّه مع إبرام وتبديل اسمه بإبراهيم سنة 1867 وتعيين الختان ونجاة لوط وهلاك هادوم
      وعامورا وأضما وصابوعيم بالنار من أجل فاحشتهم وشرورهم:
      )ثم في الصفحة 347 هكذا 2514 منح الشريعة على جبل سيناء 1490) فإذا طرحنا الأقل من الأكثر يبقى أربعمائة وسبع سنين هكذا:
      2514 1897
      2108 1390
      ----------------
      407 407


      (تنبيه) ما قلت أن يوخايذ كانت عمة عمران هو الصحيح، وكما يشهد عليه التراجم 8 الغير العديدة من الإنكليزية والعربية والفارسية والهندية، لكن العجب أن الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1625 هكذا: "فتزوج عمران يوخايذ ابنة عمه) فحرف فيها لفظ العمة بابنة العم، ولما طبعت هذه الترجمة بغاية الاجتهاد في عهد البابا أريانوس الثامن وكان كثير من القسيسين والرهبان والعلماء الواثقين على اللسان العبراني واليوناني وغيرها باذلين جهدهم في تصحيحها، كما يظهر هذا من المقدمة التي كتبوها في أول تلك الترجمة، فالغالب أن هذا التحريف صدر عنهم قصداً لئلا يقع العيب في نسب موسى عليه السلام، لأن نكاح العمة حرام في التوراة، كما هو مصرح به في الآية الثانية عشرة من الباب الثامن عشر من سفر الأخبار، وفي الآية التاسعة عشرة من الباب العشرين من السفر المذكور، وفي الترجمة العربية المطبوعة سنة 1848 هذا التحريف موجود أيضاً.‏

      (الشاهد الثاني) الآية الثامنة من الباب الرابع من سفر التكوين هكذا: "وقال قابيل لهابيل أخيه ولما صارا في الحقل قام قابيل على هابيل أخيه فقتله" وفي النسخة السامرية واليونانية والتراجم القديمة هكذا: "وقال قابيل لهابيل أخيه تعال نخرج إلى الحقل ولما صارا في الحقل" إلى آخرها فهذه العبارة "تعال نخرج إلى الحقل" سقطت من العبرانية. قال هورن في الحاشية في الصفحة 193 من المجلد الثاني من تفسيره: "توجد هذه العبارة في النسخة السامرية واليونانية والآرامية، وكذا في النسخة اللاطينينة التي طبعت في بالي كلات والتن وحكم كني كات بإدخالها في النسخة العبرانية ولا شبهة في أنها عبارة حسنة" انتهى ثم قال في الصفحة 338 من المجلد المذكور: "قد تكون عبارة الترجمة اليونانية صحيحة لم توجد في نسخ العبرانية المروّجة الآن، مثلاً نسخ العبرانية مكتوبة كانت أو مطبوعة ناقصة في الآية المذكورة نقصاناً بيِّناً، ومترجم الترجمة الإنكليزية التي هي مختومة لما يفهم ههنا حق الفهم ترجم هكذا" "تكلم قابيل مع هابيل أخيه" وجبر هذا النقصان في الترجمة اليونانية، وتوافق هذه الترجمة النسخة السامرية والترجمة اللاتينية والآرامية وترجمة ايكوئيلا والتفسيران اللذان باللسان الجالدي والفقرة التي نقلها فلو اليهودي" وقال آدم كلارك في الصفحة 63 من المجلد الأول من تفسيره مثل ما قال هورن، وأدخلت هذه العبارة في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1831 وسنة 1848.‏

      (الشاهد الثالث) في الآية السابعة عشرة من الباب السابع من سفر التكوين في النسخة العبرانية هكذا: "وصار الطوفان أربعين يوماً على الأرض" وهذه الجملة في كثير من نسخ اللاتينية وفي الترجمة اليونانية هكذا: "وصار الطوفان أربعين يوماً وليلة على الأرض" قال هورن في المجلد الأول من تفسيره: "فليزد لفظ ليلة في المتن العبري".

      (الشاهد الرابع) في الآية الثانية والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين في النسخة العبرانية هكذا: "ولما سكن إسرائيل تلك الأرض مضى روبيل وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل" قال جامعو تفسير هنري واسكات: "اليهود يسلمون أن شيئاً سقط من هذه الآية والترجمة اليونانية تتمها هكذا: وكان قبيحاً في نظره" فاليهود ههنا أيضاً معترفون بالسقوط، فسقوط الجملة من النسخة العبرانية ليس بمستبعد عند أهل الكتاب، فضلاً عن سقوط حرف أو حرفين.

      (الشاهد الخامس) قال هارسلي المفسر في الصفحة 83 من المجلد الأول من تفسيره ذيل الآية الخامسة من الباب الرابع والأربعين من سفر التكوين: تزاد في أول هذه الآية من الترجمة اليونانية هذه الجملة: "لم سرقتم صواعي" فهذه على اعترافه ساقطة من العبرانية.‏

      (الشاهد السادس) في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخمسين في التكوين هكذا: "فاذهبوا بعظامي من ههنا" وفي النسخة السامرية والترجمة اليونانية واللاتينية وبعض التراجم القديمة هكذا: "فاذهبوا بعظامي من ههنا معكم" فلفظ معكم سقط من العبرانية. قال هورن: "أدخل مستر بت زائداً هذا اللفظ المتروك في ترجمته الجديدة وأصاب" انتهى.‏

      (الشاهد السابع) الآية الثانية والعشرون من الباب الثاني من سفر الخروج هكذا: "فولدت له ابناً ودعا اسمه جرسون، قائلاً: إنما أنا كنت ملتجئاً في أرض غريبة، وتوجد في الترجمة اليونانية واللاتينية وبعض التراجم القديمة في آخر الآية المذكورة هذه العبارة، وولدت أيضاً غلاماً ثانياً ودعا اسمه العازر، فقال من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون" قال آدم كلارك في الصفحة 310 من المجلد الأول من تفسيره بعد ما نقل العبارة المسطورة من التراجم: "أدخل هتوبي كينت هذه العبارة في ترجمته اللاتينية، ويدعي أن موضعها هذا، ولا توجد هذه العبارة في نسخة من النسخ العبرانية مكتوبة كانت أو مطبوعة، مع أنها وجدت في التراجم المعتبرة" انتهى. فعندهم هذه العبارة ساقطة من النسخة العبرانية.‏

      (الشاهد الثامن) في الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج هكذا: "فولدت له هرون وموسى" وفي النسخة السامرية والترجمة اليونانية وهكذا: "فولدت له هارون وموسى ومريم أختهما" فلفظ "مريم أختهما" سقط من العبرانية، قال آدم كلارك بعد نقل عبارة النسخة السامرية واليونانية: "ظن البعض من أَجِلّة المحققين أن هذا اللفظ كان في المتن العبري".‏

      (الشاهد التاسع) الآية السادسة من الباب العاشر من سفر العدد هكذا: "وإذا هتفوا ونفخوا مرة ثانية بالقَرْن يهللون كأول مرة يرفع الخيام الحالَّة نحو الجنوب" وتوجد في آخر هذه الآية في الترجمة اليونانية هكذا: "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام الغربية للارتحال وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال" قال آدم كلارك في الصفحة 663 من المجلد الأول من تفسيره: "لم يذكر الغربية والشمالية ههنا لكنه يعلم أنهم كانوا يرتحلون بالنفخ أيضاً، ولذلك يعلم أن المتن العبراني ههنا ناقص، تتمة اليونانية هكذا: "وإذا نفخوا مرة ثالثة يرفع الخيام المغربية للارتحال، وإذا نفخوا مرة رابعة يرفع الخيام الشمالية للارتحال".‏

      (الشاهد العاشر) ) قال المفسر هارسلي: سقط من آخر الآية الثالثة عشرة وأول الآية الرابعة عشرة من الباب السادس عشر من كتاب القضاة شيء فيؤخذ من الترجمة اليونانية وتزاد هذه العبارة: "فقال لها لو أخذت سبع قنزعات من رأسي ونسجتها مع سدى، وربطت بالمسمار في الجدار فأصير ضعيفاً كسائر الناس فنومته وأخذت سبع قنزعات ونسجت مع السدى وربطته" انتهى.‏
      (الشاهد الحادي عشر) قال آدم كلارك في الصفحة 1676 من المجلد الثاني من تفسيره: "سقطت من الترجمة اليونانية الآية الثالثة كلها إلا لفظ شكيناه، والآية 4 و 5 و 6 و 9 و 37 و 38 و 39 و 40 و 41، وسقطت من الترجمة العربية في الباب المذكور من الآية الأولى إلى الآية السادسة والعشرين والآية التاسعة والعشرون".‏ ‏

      (الشاهد الثاني عشر) الآية السابعة عشرة من الباب الثاني والأربعين من كتاب أيوب هكذا: "ومات أيوب شيخاً معمراً" واختتمت النسخة العبرانية عليها، وزيد عليها في الترجمة اليونانية هذا القدر "ويبعث مرة أخرى مع الذين يبعثهم الرب" وزيد أيضاً تتمة فيها بيان نسب أيوب، وبيان أحواله على سبيل الاختصار، ويقول كامت وهِرْدَر: إن هذه التتمة جزء من الكتاب الإلهامي، وسلمها فلوو بولي هستر أيضاً وكان الناس يسلمون في عهد أرجن، وكتبها تهيودوشن في ترجمته اليونانية، فعلى هذا العبرانية محرفة بالنقصان عند القدماء المسيحيين، والعلماء المذكورين، والمحققون من فرقة البروتستنت على أنها جعلية، فيلزم التحريف بالزيادة عندهم في الترجمة اليونانية، قال جامعو تفسير هنري واسكات: "الظاهر أنها جعلية وإن كتبت قبل المسيح" أقول: إذا سلم كونها قبل المسيح يلزم أن القدماء المسيحيين من عهد الحواريين إلى ألف وخمسمائة سنة كانوا يعتقدون هذا المحرف كلام اللّه لأنهم كانوا متشبثين إلى هذا الزمان بهذه الترجمة ومعتقدين بأنها صحيحة والعبرانية محرفة.‏

      (الشاهد الثالث عشر) وقع بعد الآية الثالثة من الزبور الرابع عشر في الترجمة اللاتينية وترجمة إتهيوبك والترجمة العربية، ونسخة واتيكانوس من الترجمة اليونانية هذه العبارة "فحُلقومُهُمْ قبرٌ مفتوح، وهم يغدرون بألسنتهم وسمُّ الثعابين تحت شفاههم وأفواههم مملوءة من اللعن والمرورة، وأقدامهم مسرعة لسفك الدم، والتهلكة والشقاء في طرقهم، ولم يعرفوا طريق السلامة، وخوف اللّه ليس بموجود أمام أعينهم" انتهت، ولا توجد هذه العبارة في النسخة العبرانية بل توجد في رسالة بولس إلى أهل رومية، فلا تخلوا إما أسقطها اليهود من العبرانية فهذا هو التحريف بالنقصان، وإما زادها المسيحيون في تراجمهم لإصلاح كلام مقدسهم بولس، وهذا هو التحريف بالزيادة فأحد التحريفين لازم قطعاً، قال آدم كلارك في ذيل شرح الآية المذكورة من الزبور: "وقع بعد هذه الآية في النسخة وايتكانوس من ترجمة اتهيوبك والترجمة العربية ست آيات توجد في الباب الثالث من رسالة بولس إلى أهل رومية من الآية الثالثة عشرة إلى الثامنة عشرة" انتهى.‏

      (الشاهد الرابع عشر) الآية الخامسة من الباب الأربعين من كتاب أشعياء في العبرانية هكذا: "ويظهر جلال الرب ويرى كل بشر معاً، قال له فم الرب" وفي الترجمة اليونانية هكذا: "ويظهر جلال الرب ويرى كل بشر معاً نجاة إلهنا لأن فم الرب قاله" قال آدم كلارك في الصفحة 2785 من المجلد الرابع من تفسيره بعد ما نقل عبارة الترجمة اليونانية: "ظني بأن هذه العبارة هي الأصل، ثم قال وهذا السقوط في المتن العبراني قديم جداً متقدم على الترجمة الجالدية واللاتينية والسريانية، وتوجد هذه العبارة في كل نسخة من الترجمة اليونانية، وسلمها لوقا في الآية السادسة من الباب الثالث، وعندي نسخة واحدة قديمة جداً سقطت منها هذه الآية كلها" انتهى، وقال هورن في الباب الثامن من الحصة الأولى من المجلد الثاني من تفسيره: "كتب لوقا في الآية السادسة من الباب الثالث مطابقاً لما في الترجمة اليونانية ويعلم لوتهه أن هذه العبارة الصحيحة هي الصحيحة فأدخلها في ترجمته لكتاب أشعياء".
      وقال جامعو تفسير هنري واسكات: فلتزد هذه الألفاظ نجاة إلهنا بعد لفظ يرى، انظروا الآية العاشرة من الباب الثاني والخمسين، والترجمة اليونانية فالمتن العبراني محرف بالنقصان باعتراف هؤلاء المفسرين، وهذا التحريف قديم جداً باعتراف آدم كلارك.

      (الشاهد الخامس عشر) قال آدم كلارك في ذيل شرح الآية الخامسة من الباب الرابع والستين من كتاب أشعياء: "اعتقادي أنه وقع النقصان من غلط الكاتب، وهذا التحريف قديم جداً لأن المترجمين المتقدمين لم يقدروا على بيان معنى الآية بياناً حسناً كما لم يقدر عليه المتأخرون منهم".‏

      (الشاهد السادس عشر) قال هورن في الصفحة 477 من المجلد الرابع من تفسيره: "سقطت آية تامة ما بين الآية الثالثة والثلاثين والرابعة والثلاثين من الباب الحادي والعشرين من إنجيل لوقا فلتزد بعد أخذها من الآية السادسة والثلاثين من الباب الرابع والعشرين من إنجيل متى، أو من الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس ليكون لوقا موافقاً للإنجيليين الآخرين" ثم قال في الحاشية: "أغمض المحققون والمفسرون كلهم عن هذا النقصان العظيم الواقع في متن لوقا حتى توجه عليه هلز" فعلى اعترافه سقطت آية تامة من إنجيل لوقا ويجب زيادتها فيه، وهذه الآية في إنجيل متى هكذا: "وأما ذلك اليوم والساعة فلا أحد يعلم بهما حتى ملائكة السماء إلا أبي وحده".‏

      (الشاهد السابع عشر) في الآية السابعة من الباب السادس عشر من كتاب أعمال الحواريين هكذا: "فلم يأذن لهم روح" قال كريسباخ وشولزا الصحيح هكذا: "فلم يأذن لهم روح يسوع" فعلى إقرارهما سقط لفظ يسوع، وأدخل هذا اللفظ في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1821 وعبارتهما هكذا: "فلم يتركهم روح يسوع".‏

      (الشاهد الثامن عشر) الإنجيل الذي ينسب إلى متى الآن وهو أول الأناجيل وأقدمها عندهم ليس من تصنيفه يقيناً بل ضيعوه بعد ما حرفوه، لأن القدماء المسيحية كافة وغير المحصورين من المتأخرين على أن إنجيل متى كان باللسان العبراني، وهو ضاع وفُقد بسبب تحريف بعض الفرق المسيحية، والإنجيل الموجود الآن ترجمته، ولا يوجد عندهم إسناد هذه الترجمة حتى لم يعلم اسم المترجم أيضاً باليقين إلى هذا الحين، كما اعترف به جيروم من أفاضل قدمائهم فضلاً عن علم أحوال المترجم. نعم يقولون رَجْماً بالغيب: لعل فلاناً أو فلاناً ترجمه، ولا يتم هذا على المخالف، ولا يثبت استناد الكتاب إلى المصنف بالظن والتخمين، فإذا كان مذهب القدماء كافة وغير المحصورين من المتأخرين ما عرفت فلا اعتماد على قول بعض علماء البروتستنت الذي يقولون بمجرد ظنهم بلا برهان إن متى نفسه ترجمه، وها أنا أورد عليك شواهد هذا الباب في المجلد الرابع التاسع عشر من إنسائي كلوبيديا برتينكا: "كُتب كل كتاب من العهد الجديد في اللسان اليوناني إلا إنجيل متى، والرسالة العبرانية فإن تأليفهما باللسان العبراني أمر يقيني بالدلائل" قال لاردنر في الصفحة 119 من المجلد الثاني من الكليات: "كتب بي بيس أن متى كتب إنجيله بالعبرانية وترجمه كل أحد على قدر لياقته" وهذا القول "ترجمه كل أحد على قدر لياقته" يدل على أن أناساً كثيرين ترجموا هذا الإنجيل، فما لم يثبت بالسند الكامل أن هذا الموجود ترجمه فلان وأنه كان ذا إلهام كيف تعد ترجمته من الكتب الإلهامية؟ ولم يثبت بالسند كونه ثقةً أيضاً فضلاً عن كونه ذا إلهام، ثم قال لاردنر في الصفحة 170 من المجلد المسطور: كتب أرنيوس "إن متى كتب إنجيله لليهود بلسانهم في الأيام التي كان بولس وبطرس يعظان في الروم"، ثم قال في الصفحة 574 من المجلد المسطور لأرجن ثلاث فقرات: "الأولى نقلها يوسي بيس أن متى أعطى الإنجيل للمؤمنين من اليهود باللسان العبراني، والثانية روى أن متى كتب أولاً وأعطى الإنجيل للعبرانيين، والثالثة أن متى كتب الإنجيل للعبرانيين الذين كانوا ينتظرون شخصاً موعوداً من نسل إبراهيم وداود"، ثم قال لاردنر في الصفحة 95 من المجلد الرابع "كتب يوسي بيس أن متى لما أراد أن يذهب إلى أقوام أخر بعد ما وعظ العبرانيين كتب الإنجيل في لسانهم وأعطاهم"، ثم قال في الصفحة 174 من المجلد الرابع المذكور: "قال سِرِل كتب متى الإنجيل بالعبراني"، ثم قال لاردنر في الصفحة 187 من المجلد الرابع المذكور: "كتب أبي فانيس أن متى كتب الإنجيل باللسان العبراني، وهو الذي انفرد باستعمال هذا اللسان في تحرير العهد الجديد" ثم قال في الصفحة 439 من المجلد الرابع المذكور: "كتب جيروم أن متى كتب الإنجيل باللسان العبراني في أرض يهودية للمؤمنين من اليهود، ولم يخلط ظل الشريعة بصدق الإنجيل" ثم قال في الصفحة 441 من المجلد الرابع المذكور: "كتب جيروم في فهرست المؤرخين أن متى كتب إنجيله في الأرض اليهودية باللسان العبراني والحروف العبرانية للمؤمنين من اليهود، ولم يتحقق هذا الأمر أن ترجمته باليونانية ولا هذا الأمر أن المترجم مَنْ هُوَ، على أن نسخة إنجيله العبراني موجودة في كتب خانة سريا التي جمعها بيمْفَلِس الشهيد بجهد تام، وأخذتُ نقلها بإجازة الناصرين الذين كانوا في برْيا من أضلاع سِرْيا وكانوا يستعملون هذه النسخة العبرانية"، ثم قال في الصفحة 501 من المجلد الرابع المذكور: "كتب اكستائن: قيل إن متى وحده من الأربع كتب بالعبراني وكتب الباقون باليوناني" انتهى، ثم قال في الصفحة 538 من المجلد الرابع المذكور: "كتب كريزاستم قيل إن متى كتب إنجيله باللسان العبراني للمؤمنين من اليهود باستدعائهم" ثم قال لاردنر في الصفحة 1371 من المجلد الخامس: "كتب اسي دور أن متى وحده من بين الأربع كتب باللسان العبراني والباقون كتبوا باليوناني"، وقال هورن في المجلد الرابع من تفسيره: "اختار بلرمن أوكر وتيس 2 وكسابن 3 ووالتن 4 وتاملائن 5 وكيو 6 وهمند 7 ومل 8 وهارود 9 وأودن 10 وكين بل 11 وإي كلارك 12 وسائمن 13 وتلي منت 14 وبري تس 15 ودوبن 16 وكامت 17 وميكايلس 18 واري نيس 19 وأرجن 20 وسرل 21 وأبى فانيس 22 وكريزاستم 23 وجيروم 24 وغيرهم من العلماء المتقدمين والمتأخرين قول بي بيس إن هذا الإنجيل كتب باللسان العبراني" انتهى قوله، وغيرهم أي مثل كِري كِري نازِيَنْ زَنْ وايد جسو، وتهيو فلكت، ولوتهى ميس، ويوسي بيس، واتهاني سيش، واكستائن، واسي دور، وغيرهم ممن صرح بأسمائهم لاردنر وواتسن وغيرهما في كتبهم، وفي تفسير دوالي ورجردمينت "وقع اختلاف عظيم في الزمان المتأخر أن هذا الإنجيل كتب بأي لسان لكن صرح كثير من القدماء أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني الذي كان لسان أهل فلسطين فَلْيُعَدْ القول الذي اتفق عليه القدماء (يعني أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني) قولاً فصلاً في مثل هذا القسم".
      قال جامعو تفسير هنري واسكات: "سبب فقدان النسخة العبرانية أن الفرقة الأبيونية التي كانت تنكر ألوهية المسيح حرفت هذه النسخة وضاعت بعد فتنة يروشالم، وقال البعض: إن الناصريين أو اليهود الذين دخلوا في الملة المسيحية حرفوا الإنجيل العبراني، وأخرجت الفرقة الأبيونية فقرات كثيرة منه، وكتب يوسي بَيَسْ في تاريخه: "قال إرينيوس إن متى كتب إنجيله بالعبراني" قال ريو في تاريخه للإنجيل: "من قال إن متى كتب إنجيله باليوناني غلط لأن يوسي بيس صرح في تاريخه وكذا كثير من مرشدي الملة المسيحية أن متى كتب إنجيله بالعبراني لا اليوناني".
      ونورتن كتب كتاباً ضخماً أثبت فيه أن التوراة جعلي يقيناً لبس من تصنيف موسى عليه السلام، وأقر بالإنجيل لكن مع الاعتراف بالتحريفات الكثيرة فيه، ولذلك كلامه ليس بمقبول عند أهل التثليث، لكنه لما كان مدعياً لكونه مسيحياً، ونقل في هذا الباب من كلام القدماء المعتبرين عندهم أيضاً فلا بأس بنقل كلامه فأقول: كتب في كتابه المطبوع سنة 1837 ميلادية في بلدة بوستن في الصفحة 45 من المجلد الأول في حاشية ديباجة الكتاب هكذا: "يعتقدون أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني لأن القدماء الذين أشاروا إلى هذا الأمر قولهم واحد بالاتفاق، وأترك ذكر الذين ليسوا في غاية درجة الاستناد، وأقول إن بي بيس، وأرينيوس، وأرجن، ويوسى بيس، وجيروم أقروا بأنه كتب باللسان العبراني، ولم يقل أحد من القدماء بخلافهم وهذه شهادة عظيمة جداً لأن التعصب كان في ذلك الوقت فيما بينهم، كما ترى في هذا الوقت فيما بين المتأخرين، فلو كان قولهم شك مّا لقال مخالفوهم لأجل التعصب إن الإنجيل اليوناني أصل لا ترجمة، فلو لم ترد شهادة الزمان القديم كله التي على طريقة واحدة ولا يلزم منها استحالة ما فلا بد أن نعتقد أن متى كتب إنجيله بالعبراني، وما رأيت إلى هذا الحين اعتراضاً على هذه الشهادة نحتاج بسببه إلى تحقيق، بل رأيت بدل الاعتراض شهادة القدماء على أن النسخة العبرانية لهذا الإنجيل كانت موجودة عند المسيحيين الذين كانوا من قوم اليهود محرفة كانت أو غير محرفة" فعلم من الأقوال المذكورة أن متى كتب إنجيله باللسان العبراني، والحروف العبرانية والقدماء متفقون على هذا لم يقل أحد منهم بخلافه، فيكون قولهم في هذا الباب قولاً فصلاً كما أقر به دوالي ورجردمينت، وأن النسخة العبرانية كانت موجودة مستعملة إلى عهد جيروم، وأنه لم يعلم اسم المترجم على وجه التحقيق، فظهر أن ما قال هورن مع اعترافه بما مر: "إن الغالب أن متى كتب إنجيله باللسانين العبراني واليوناني" لا يلتفت إليه لأنه مجرد الظن بلا برهان، ويقوي قول القدماء أن متى كان من الحواريين، ورأى أكثر أحوال المسيح عليه السلام بعينه، وسمع البعض، فلو كان مؤلف هذا الإنجيل لظهر من كلامه في موضع من المواضع أنه يكتب الأحوال التي رآها ولعبّر عن نفسه بصيغة المتكلم، كما جرت به العادة سلفاً وخلفاً، وهذه العادة ما كانت مهجورة في عهد الحواريين أيضاً، ألا ترى إلى رسائلهم المندرجة في العهد الجديد لو سلمت أنها رسائلهم فإنه يظهر منها هذا الحال للناظر، ألا ترى إلى تحرير لوقا فإنه لما كتب الإنجيل كله بالسماع، وكذا كتاب أعمال الحواريين إلى الباب التاسع عشر لا يظهر منهما هذا الحال، ولا يعبر عن نفسه بصيغة المتكلم، وبعد ذلك لما صار شريك بولس في السفر فكتب من الباب العشرين من كتاب أعمال الحواريين بحيث يظهر منه هذا الحال، وعبر عن نفسه بصيغة المتكلم فإن تمسك أحد بتوراة موسى عليه السلام وإنجيل يوحنا فهما عندنا في محل النزاع كما عرفت في الباب الأول، وكيف يتمسك بخلاف الظاهر بلا برهان قوي، وإذا كان المؤلف ثقة معتبراً فتحريره بحيث يظهر منه الحال المذكور موجب للاعتبار. وعلم من كلام جامعي تفسير هنري واسكات أن هذا الإنجيل ما كان متواتراً في القرن الأول، وأن التحريف كان شائعاً في هذا القرن أيضاً في المسيحيين، وإلا لما أمكن لأحد تحريفه، وإن وقع بالفرض لا يكون سبباً لتركه، فإذا لم يسلم الأصل فكيف يظن السلامة بالترجمة التي لم يعلم صاحبها أيضاً بالسند الكامل، بل الحق أنها كلها محرّفة. وقال فاستس الذي كان من علماء فرقة ماني كيز في القرن الرابع: "إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه" وبروفسر الجرمني قال: "إن هذا الإنجيل كله كاذب" 7 وهذا الإنجيل كان عند فرقة مارسيوني ولم يكن البابان الأولان فيه، فهما عندهم إلحاقيان، وكذا عند فرقة إبيونية هذان البابان إلحاقيان، وتردهما فرقة يوني تيرين والقسيس وِلْيْمْس وأنكرهما وأكثر مواضع هذا الإنجيل نورتن.

      (الشاهد التاسع عشر) في الآية الثالثة والعشرين من الباب الثاني من إنجيل متى هكذا: "ثم أتى وسكن في بلد تسمى ناصرة ليكمل قول الأنبياء إنه سيدعى ناصريا" وقوله: "ليكمل قول الأنبياء أنه سيدعى ناصريا" من أغلاط هذا الإنجيل، ولا يوجد هذا في كتاب من الكتب المشهورة المنسوبة إلى الأنبياء، لكن أقول ههنا كما قال علماء الكاثلك: إن هذا كان في كتب الأنبياء، لكن اليهود ضيعوا هذه الكتب قصداً لعناد الدين المسيحي، ثم أقول: أي تحريف بالنقصان يكون أزيد من أن تضيّع فرقة الكتب الإلهامية قصداً للأغراض النفسانية، ولعناد ملة أخرى ألف مَمْفِرِد كاثلك كتاباً سماه بسؤالات السؤال، وطُبع هذا الكتاب في بلدة لندن سنة 1843 من الميلاد، فقال في السؤال الثاني: "الكتب التي كان فيها هذا" يعني ما نقله متى "انمحت لأن كتب الأنبياء الموجودة الآن لا يوجد في أحد منها أن عيسى يدعى ناصريا قال كريزاستم في تفسيره التاسع على متى انمحى (كثير من كتب الأنبياء لأن اليهود ضيعوا كتباً لأجل غفلتهم بل لأجل عدم ديانتهم ومزقوا بعضها وأحرقوا بعضها) انتهى قول كريزاستم، وهذا هو الأغلب جداً أنهم مزقوا الكتب وحرفوها لأنهم لما رأوا أن الحواريين يتمسكون بهذه الكتب في إثبات مسائل الملة المسيحية فعلوا هذا الأمر، ويعلم هذا من إعدامهم كتباً نقل عنها متى، انظروا إلى جستن يقول في المناظرة لطريفون (اليهود أخرجوا كتباً كثيرة من العهد العتيق ليظهر أن العهد الجديد ليس له موافقة تامة بالعهد العتيق) ويعلم من هذا أن الكتب الكثيرة انمحت" انتهى كلام ممفرد، ويظهر منه أمران:

      (الأول) أن اليهود مزقوا بعض الكتب وأحرقوا البعض لأجل عدم ديانتهم.

      (والثاني) التحريف كان سهلاً في سالف الزمان ألا ترى كيف انمحت هذه الكتب بإعدامهم عن صفحة العالم، وإذا عرفت ديانة أهل الكتاب بالنسبة إلى الكتب الإلهية، وعرفت سهولة وقوع التحريف في الزمان السالف فأي استبعاد عقلي أو نقلي لو قلنا إنهم فعلوا مثله بالكتب أو بالعبارات التي كانت نافعة للمسلمين؟.

      (الشاهد العشرون) الآية الحادية عشرة من الباب الأول من إنجيل متى هكذا: "ويوشيا ولد يوكانيا وإخوته في زمان الجلاء إلى بابل" يظهر منها أن يوكانيا وإخوته أبناء صُلبية ليوشيا، وأن يوكانيا كانت له إخوة، وأن ولادتهم في زمان الجلاء إلى بابل، وهذه الثلاثة كلها ليست بصحيحة
      (أما الأول) ) فلأن يوكانيا ابن يهويا قيم بن يوشيا فهو ابن الابن لا الابن
      (وأما الثاني) ما كان له إخوة، نعم كان لأبيه يهويا قيم ثلاثة إخوة
      (وأما الثالث) فلأن يوكانيا في زمان الجلاء إلى بابل كان ابن ثماني عشرة سنة لا أنه تولد في زمان الجلاء إلى بابل، قال آدم كلارك: "قال كامت فلتقرأ الآية الحادية عشرة" هكذا: "ولد يوشيا يهويا قيم وإخوته، وولد يهويا قيم يوكانيا في زمان الجلاء إلى بابل" (أقول) محصل قول كامت الذي هو مختار آدم كلارك أيضاً أنه لا بد أن يزاد لفظ يهويا قيم هاهنا، والظاهر أن هذه اللفظ سقط من المتن عندهما، وهذا التحريف بالنقصان، ومع هذا لا يرتفع الاعتراض الثالث، ولما صارت شواهد الأقسام الثلاثة التحريف مائة اكتفيت عليها خوفاً من الإطناب، وهذا القدر يكفي في إثبات دعوى التحريف بجميع أقسامه ولدفع كل اعتراض يرد من جانبهم في هذه المسألة ولكل مغالطة تصدر من علماء البروتستنت فيها لكني أورد ههنا خمس مغالطات وإن ظهر جواباتها للخبير مما حررت للتوضيح وزيادة الفائدة.

      (المغالطة الأولى) يظهر في بعض الأحيان من تقرير علماء البروتستنت تغليط للعوام، ولمن كان غير واقف على كتبهم أن دعوى التحريف مختصة بأهل الإسلام، ولم يسبقهم أحد ويحتاطون في التحرير عن هذه المغالطة، ولذلك لا ترى في رسائلهم، أقول يدعي المخالف والموافق سلفاً وخلفاً دعوى صحيحة أن عادة أهل الكتاب التحريف، ووقع منهم في الكتب السماوية، لكن قبل إيراد الشواهد لهذا الأمر أبين معنى لفظتين مستعملتين في كتب إسنادهم، هما لفظا (أرَاتَه) ولفظ ويُريُوس رِيدَيْك، قال هورن في الصفحة 325 من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822 من الميلاد: "الفرق الحسن بين أرَاتَه يعني غلط الكاتب وبين ويريوس ريدنك يعني اختلاف العبارة ما قال ميكايلس، إنه إذا وجد الاختلاف بين العبارتين وأكثر فلا تكون الصادقة إلا واحدة والباقية إما أن تكون تحريفاً قصدياً أو سهوَ الكاتب، لكن تمييز الصحيحة عن غيرها عسير غالباً، فإن بقي شك فيطلق على الكل اختلاف العبارة، وإذا علم صراحة أن الكاتب كتب ههنا كذباً فيقال إنه غلط الكاتب" فعلى المذهب المختار عند المحققين فرق بين اللفظين المذكورين، واختلاف العبارة المصطلح فيما بينهم هو التحريف المصطلح عندنا، فمن أقر باختلاف العبارة بالمعنى المذكور يلزم عليه الاعتراف بالتحريف، ووُجِد مثل هذه الاختلافات في الإنجيل ثلاثين ألفاً على ما حقق ميل، ومائة ألف وخمسين ألفاً على ما حقق كريسباخ، ولم يعلم عدده على تحقيق شولز الذي هو آخر المحققين وفي المجلد التاسع عشر من إنسائي كلوبيديا برتينيكا في بيان لفظ اِسْكَرْ بَجَرْ أن وتيس تين جمع مثل هذه الاختلافات أزيد من ألف ألف، إذا علمت هذا فأورد الشواهد في ثلاث هدايات، في الهداية الأولى أنقل أقوال المخالفين، وفي الثانية أقوال الفرق التي تعد أنفسهم من المسيحيين لكن فرقة البروتستنت وفرقة كاثلك تعدانها من المبتدعين، وفي الثالثة أقوال الذين هم مقبولون عند الفرقتين المذكورتين، أو عند إحداهما

      (الهداية الأولى) كان سلسوس من علماء المشركين الوثنيين في المائة الثانية من الميلاد، وكتب كتاباً في إبطال الدين المسيحي، ونقل إكهارن الذي هو من العلماء المشهورين من أهل الجرمن قول [ص 285] ذلك الفاضل المشرك في كتابه هكذا: "بدل المسيحيون أناجيلهم ثلاث مرات وأربع مرات بل أزيد من هذا تبديلاً كأن مضامينها بُدِّلت" فانظروا إن هذا المشرك يخبر أن المسيحيين كانوا بدلوا أناجيلهم إلى عهده أزيد من أربع مرات، والفرقة التي تنكر النبوة والإلهام وهذه الكتب السماوية التي عند أهل الكتاب، وكثرت جداً في ديار أوربا ويسميها علماء البروتستنت بالملحدين لو نقلت أقوالهم في التحريف فقط لطال الكلام فأكتفي على نقل قولين فمن شاء أزيد فليرجع إلى كتبهم التي هي منتشرة في أكناف العالم قال باركر منهم "قالت ملة البروتستنت إن المعجزات الأزلية والأبدية حفظت العهد العتيق والجديد عن أن تصل إليهما صدمة خفيفة لكن هذه المسألة لا تقدر أن تقوم في مقابلة عسكر اختلاف العبارة التي هي ثلاثون ألفاً" فانظروا كيف أورد الدليل الإلزامي استهزاء لكنه اكتفى على تحقيق (ميل) وإلاّ لقال التي هي ثلاثون ألفاً بل مائة ألف وخمسون ألفاً بل ألف ألف كما علمت، وقال صاحب أكسيهو مومنهم في الباب الخامس من التتمة من كتابه المطبوع سنة 1813 من الميلاد في بلدة لندن هكذا: "هذه فهرست الكتب التي ذكرها المشايخ من القدماء المسيحيين إنها نُسبت إلى المسيح عليه السلام أو الحواريين أو المريدين الآخرين للمسيح عليه السلام:
      )المنسوبة إلى عيسى عليه السلام عدد 7)
      )رسالة إلى إيكرس (117) ملك آديسه). (رسالته إلى بطرس وبولس). (كتاب التمثيلات والوعظ). (زبوره الذي كان يعلم الحواريين والمريدين خفية). (كتاب الشعبذات والسحر). (كتاب مسقط رأس المسيح ومريم وظئرها). (رسالته التي سقطت من السماء في المائة السادسة).
      )المنسوبة إلى مريم عليها السلام عدد 8)
      )رسالتها إلى أكناشس). (رسالتها إلى سي سيليان). (كتاب مسقط رأس مريم). (كتاب مريم وظئرها). (تاريخ مريم وحديثها). (كتاب معجزات المسيح). (كتاب السؤالات الصغار والكبار لمريم). (كتاب نسل مريم والخاتم السليماني).
      )المنسوبة إلى بطرس الحواري عدد 11)
      )إنجيل بطرس). (أعمال بطرس). (مشاهدات بطرس). (مشاهدات بطرس الثانية). (رسالته إلى كليمنس). (مباحثة بطرس واي بين). (تعليم بطرس). (وعظ بطرس). (آداب وصلاة بطرس). (كتاب مسافرة بطرس). (كتاب قياس بطرس).
      )المنسوبة إلى يوحنا عدد 9)
      )أعمال يوحنا). (الإنجيل الثاني ليوحنا). (كتاب مسافرة يوحنا). (حديث يوحنا). (رسالته إلى حيدروبك). (كتاب وفاة مريم). (تذكرة المسيح ونزوله من الصليب). (المشاهدات الثانية ليوحنا). (آداب صلاة يوحنا).
      )المنسوب إلى أندرياه الحواري 2)
      )إنجيل أندرياه). (أعمال اندرياه).
      )المنسوب إلى متى الحواري 2)
      )إنجيل الطفوليت). (آداب صلاة متى).
      )المنسوب إلى فيلب الحواري 2)
      )إنجيل فيليب). (أعمال فيليب).
      )المنسوب إلى برتولما الحواري 1)
      )إنجيل برتولما).
      )المنسوب إلى توما الحواري 5)
      )إنجيل توما). (أعمال توما). (إنجيل طفوليت المسيح). (مشاهدات توما). (كتاب مسافرة توما).
      )المنسوب إلى يعقوب الحواري 3)
      )إنجيل يعقوب). (آداب وصلاة يعقوب). (كتاب وفاة مريم).
      )المنسوب إلى متياه الحواري الذي دخل في الحواريين بعد عروج المسيح 3)
      )إنجيل متياه). (حديث متياه). (أعمال متياه).
      )المنسوب إلى مرقس 3)
      )إنجيل المصريين). (آداب صلاة مرقس). (كتاب بي شن برهاز) (118).
      )المنسوب إلى برنباه 2)
      )إنجيل برنياه). (رسالة برنياه).
      )المنسوب إلى تهيودوشن 1)
      )إنجيل تهيوديوشن).
      )المنسوب إلى بولس 10)
      )أعمال بولس). (أعمال تهكله). (رسالته إلى لا دوقيين). (رسالته الثالثة إلى أهل تسالونيقي). (رسالته الثالثة إلى أهل قورنثيوس). (رسالة أهل قونثيوس إليه وجوابها من جانبه). (رسالته إلى سنيكا وجوابها من سنيكا إليه). (مشاهدات بولس). (المشاهدات الثانية لبولس). (وِزَنْ بولس). (أنابي كِشَنْ بولس). (إنجيل بولس). (وعظ بولس). (كتاب رقية الحية). (بَرِي سِبْت بطرس وبولس).
      ثم قال صاحب اكسيهومو: "لما ظهر طغيان الأناجيل والمشاهدات والرسائل التي أكثرها مسلم الثبوت عند أكثر المسيحيين إلى هذا الحين أيضاً فكيف يعرف أن الكتب الإلهامية هي كتب يسلمها فرقة البروتستنت، وإذا لاحظنا أن هذه الكتب المسلمة أيضاً قبل إيجاد صنعة الطبع كانت قابلة للإلحاق والتبديل يقع الإشكال).

      (الهداية الثانية) الفرقة الإبيونية كانت في القرن الأول من القرون المسيحية معاصرة لبولس ومنكرة عليه أشد الإنكار، وكانت تقول إنه مرتد، وكانت تسلم إنجيل متى، لكن كان هذا الإنجيل عندها مخالفاً لهذا الإنجيل المنسوب إلى متّى الموجود عند معتقدي بولس الآن في كثير من المواضع، ولم يكن البابان الأولان فيه، فهذان البابان وكذا كثير من المواضع محرفة عند هذه الفرقة: ومعتقدو بولس يرمونها بالتحريف (قال بل) في تاريخه في بيان حال هذه الفرقة: "هذه الفرقة كانت تسلم من كتب العهد العتيق التوراة فقط، وكانت تنفر عن اسم داود وسليمان وأرمياء وحزقيل عليهم السلام، وكان من العهد الجديد عندها إنجيل متى فقط لكنها كانت حرّفته في كثير من المواضع وأخرجت البابين الأولين منه" والفرقة المارسيونية من الفرق القديمة المبتدعة للمسيحيين كانت ترد جميع كتب العهد العتيق، وتقول إنهاليست إلهامية، وكذا ترد جميع كتب العهد الجديد أيضاً إلا إنجيل لوقا وعشر رسائل من رسالات بولس، وهذه المسلمة أيضاً عندها كانت مخالفة للموجودة الآن فعلى هذا الكتب المذكورة الموجودة الآن محرّفة عند الفرقة المذكورة ومخالفوها يرمونها بالتحريف، (قال بل) في تاريخه في بيان حال هذه الفرقة: "كانت هذه الفرقة تنكر كون كتب العهد العتيق إلهامية وكانت تسلم من العهد الجديد إنجيل لوقا، لكن ما كانت تسلم البابين الأولين منه وتسلم من رسائل بولس عشر رسائل، لكن كانت ترد منها أيضاً ما كان مخالفاً لخيالها" أقول: ما كان إنكار هذه الفرقة في إنجيل لوقا مقصوراً على البابين، صرح لاردنر في بيان تحريف هذه الفرقة في إنجيل لوقا في المجلد الثامن من تفسيره: "بعض المواضع التي غيروا من إنجيل لوقا بالتبديل أو بالإسقاط هذه: البابان الأولان قصة اصطباغ عيسى من يحيى عليهما السلام، وحال نسب المسيح من الباب الثالث، وقصة امتحان إبليس، وقصة دخول عيسى في الهيكل، وقراءته كتاب أشعياء من الباب الرابع الآية 30 و 31 و 32 و 49 و 50 و 51 من الباب الحادي عشر" وهذا اللفظ أيضاً "سوى آية يونس الرسول الآية السادسة والثامنة والعشرون من الباب الثاني عشر من الآية الأولى إلى السادسة من الباب الثالث عشر، من الآية الحادية عشرة إلى الثانية والثلاثين من الباب الخامس عشر، الآية 31 و 32 و 33 من الباب الثامن عشر، من الآية الثامنة والعشرين إلى الآية السادسة والأربعين من الباب التاسع عشر، من الآية التاسعة إلى الآية الثامنة عشرة من الباب العشرين، الآية 8 و 21 و 13 من الباب الحادي والعشرين، الآية 16 و 25 و 36 و 37 و 50 و 51 من الباب الثاني والعشرين، الآية 43 من الباب الثالث والعشرين، الآية 26 و 28 من الباب الرابع والعشرين، وكتب أبي فانيس هذه الأحوال كلها، وقال داكتر مل: أخرجوا الآية 38 و 39 من الباب الرابع"، وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في ذيل بيان فرقة ماني كيز ناقلاً عن اكستائن قول فاستس الذي كان من أعظم علماء هذه الفرقة في القرن الرابع من القرون المسيحية: "قال فاستس أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر وعيّبوا صورته الحسنة وأفضليته لأن هذا الأمر محقق أن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسب إلى الحواريين ورفقاء الحواريين خوفاً من أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف من الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاء بليغاً بأن ألف الكتب التي توجد فيها الأغلاط والتناقضات" فعقيدة هذه الفرقة بالنسبة إلى العهد الجديد هذا المذكور كما صرح به فاضلهم المشهور، فهو كان ينادي بأعلى نداء أن أهل التثليث ألحقوا الأشياء في العهد الجديد، وأنه تصنيف رجل مجهول الاسم لا تصنيف الحواريين ولا تابعيهم، وأنه يوجد فيه الأغلاطُ والتناقضات. ولعمري إن هذا الفاضل وإن كان من الفرقة المبتدعة لصادقٌ في هذه الدعاوى الثلاث.
      نورتن صنف كتاباً ضخماً كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث فأنكر التوراة وأثبت بالدلائل أنه ليس من تصنيف موسى عليه السلام، وأقر بالإنجيل، لكن مع الاعتراف بأن الإنجيل المنسوب إلى متّى من تصنيفه بل هذه ترجمته، والتحريف فيه واقع يقيناً في مواضع كثيرة وأطال الكلام جداً في إثبات ما ادعاه بالدلائل، فمن شاء فليرجعْ إلى الكتاب المذكور، فظهر من هاتين الهدايتين أن المخالفين والفرق المسيحية التي يعدها أهل التثليث من المبتدعين منادون بأعلى نداء من أول القرن إلى هذا القرن بوقوع التحريف.

      (الهداية الثالثة) أنقل فيها أقوال المسيحيين المعتبرين من المفسرين والمؤرخين:1 - قال آدم كلارك في الصفحة 369 من المجلد الخامس من تفسيره: "هذا الرسم من قديم الأيام أن الكبار يكون المؤرخون لهم كثيرين وهذا هو حال الرب" يعني كان المؤرخون له كثيرين "لكن كان أكثر بياناتهم غير صحيحة، وكانوا كتبوا الأشياء التي لم تقع بأنها وقعت يقيناً وغلطوا في الحالات الأخر عمداً أو سهواً سيما المؤرخين الذين كتبوا في الأرض التي كتب فيها لوقا إنجيله، فلأجل ذلك استحسن روحُ القدس أن يعطى لوقا علم جميع الحالات على وجه الصحة ليعلم أهل الديانة الحال الصحيح" فثبت بإقرار المفسر وجود الأناجيل الكاذبة المملوءة من الأغلاط قبل إنجيل لوقا "وقوله كانوا كتبوا الأشياء" إلى آخره يدل على عدم تحقيق مؤلفيها وقوله "غلطوا في الحالات الأخر عمداً أو سهواً" يدل على عدم دياناتهم. 2 - في الباب الأول من رسالة بولس إلى أهل غلاطية 6- "ثم إني أعجب من أنكم أسرعتم بالانتقال عمن استدعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر" 7 - "وهو ليس بإنجيل بل إن معكم نفراً من الذين يزعجونكم ويريدون أن يحرفوا إنجيل المسيح" فثبت من كلام مقدسهم بولس ثلاثة أمور:

      (الأول) كان في عهد الحواريين إنجيل يسمى بإنجيل المسيح
      (والثاني) ) أنه كان إنجيل آخر مخالف لإنجيل المسيح في عهد مقدسهم
      (والثالث) أن المحرفين كانوا في صدد تحريف إنجيل المسيح في زمان مقدسهم فضلاً عن الزمان الأخر لأنه ما بقي له بعد ذلك إلا الاسم كالعنقاء، قال آدم كلارك في المجلد السادس من تفسيره في شرح هذا المقام: "هذا الأمر محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في أول القرون المسيحية وكثرة هذه الأحوال الكاذبة الغير الصحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل، ويوجد ذكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة، والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية (وكان فابري سيوس) جمع هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاثة مجلدات وبين في بعضها وجوب إطاعة الشريعة الموسوية ووجوب الختان مع إطاعة الإنجيل، ويعلم إشارة الحواري إلى واحد من هذه الأناجيل" فعلم من إقرار المفسر أن هذه الأناجيل الكاذبة كانت موجودة قبل إنجيل لوقا، وقبل تحرير بولس رسالته إلى أهل غلاطية، ولذلك قال المفسر أولاً: "وكثرة هذه الأحوال" إلى آخره، وهذا موافق لما قال في المجلد الخامس من تفسيره كما عرفت، وقال ثانياً: "ويعلم إشارة الحواري إلى واحد من هذه الأناجيل" فثبت أن المراد بالإنجيل في كلام مقدسهم الإنجيل المدون لا معناه المرتكز في ذهن المصنف كما يظهر من بعض مغالطات علماء البروتستنت.

      (تنبيه) ما فُهم من كلام بولس أنه كان في عهد الحواريين إنجيل يسمى بإنجيل المسيح هو الحق وهو القريب من القياس، وهو مختار الفاضل اكهارن وكثير من المتأخرين من علماء الجرمن، وإليه مال المحقق لكلرك وكوب وميكايلس وليسنك ونيمير ومارس.
      (القول الثالث)
      في الباب الحادي عشر من الرسالة الثانية لبولس إلى أهل قورنثيوس هكذا: "لكني سأفعلُ ما أفعله لأحجب الفرصة عن الذين يريدون أن يغتنموا الفرصة ليصيروا مثلنا فيما يفتخرون به" 13- "لأن نظائر هؤلاء هم الرسل الكذابون والعَمَلة الغدّارون قد تشبهوا برسل المسيح" فمقدسهم ينادي بأعلى نداء أن الرسل الكذابين الغدارين ظهروا في عهده، وقد تشبهوا برسل المسيح. قال آدم كلارك في تفسيره في شرح هذا المقام: "هؤلاء الأشخاص كانوا يدعون كذباً أنهم رسل المسيح، وما كانوا رسل المسيح في نفس الأمر وكانوا يعظون ويجتهدون لكن مقصودهم ما كان إلا جلب المنفعة".

      (القول الرابع) الآية الأولى من الباب الرابع من رسالة يوحنا الأولى هكذا: "فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند اللّه أم لا، لأن كثيراً من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم" فيوحنا الحواري أيضاً ينادي مثل بولس أن كثيراً من الأنبياء الكذبة ظهروا في عهده. قال آدم كلارك في شرح هذا المقام: "كان كل معلم في الزمان الأول يدعي أن روح القدس يلهمني لأن كل رسول معتبر جاء هكذا، والمراد بالروح ههنا إنسان يدعي بأني أثَر الروح، وأعلم على وفق ما يقول قوله، بل امتحنوا الأرواح يعني امتحنوا المعلمين بالدليل قوله: لأن كثيراً من الأنبياء الكذبة يعني المعلمين الذين لم يلهمهم روح القدس سيما من اليهود" فعُلم من كلام المفسر أن كل معلم كان يدعي الإلهام في الزمان الأول، وقد علم من كلامه فيما قبل أن تشبههم برسل المسيح ومكرهم وغدرهم كان لكسب المال وجلب المنفعة فمدعو الإلهام والرسالة كانوا كثيرين جداً.

      (القول الخامس) كما أن الكتب الخمسة المشهورة الآن بالتوراة منسوبة إلى موسى عليه السلام كذلك ستة كتب أخرى منسوبة إليه أيضاً بهذا التفصيل (كتاب المشاهدات، كتاب الخليقة الصغير، كتاب المعراج، كتاب الأسرار، تستمنت. كتاب الإقرار) والكتاب الثاني من هذه الكتب الستة كان أصله يوجد باللسان العبراني إلى المائة الرابعة، ونقل عنه جيروم وكذا نقل عنه سيدرينس في تاريخه كثيراً، وقال أرجن إنّ بولس نقل عن هذا الكتاب الآية السادسة من الباب الخامس، والآية الخامسة عشرة من الباب السادس من رسالته إلى أهل غلاطية، وترجمته كانت موجودة إلى القرن السادس عشر، وفي هذا القرن كذّبه محفل ترنت، فصار جَعْلياً كذباً بعد ذلك، وإني متعجب من تسليمهم وتكذيبهم لأن حال الكتب الإلهية والانتظاميات الملكية عندهم واحد، إذا رأوْا مصلحة سلموها وإذا شاؤوا منعوها، والكتاب الثالث من هذه الستة أيضاً يعلم إنه كان معتبراً بين القدماء، قال لاردنر في الصفحة 512 من المجلد الثاني من تفسيره: "إن أرجن قال إن يهودا نقل عن هذا الكتاب الآية التاسعة من رسالته" والآن هذا الكتاب وسائر الكتب الستة تعد جَعلية محرّفة، لكنّ الفقرات المنقولة عنها بعد ما دخلت في الإنجيل تعد إلهامية صحيحة، قال هورن: "المظنون أن هذه الكتب الجعلية اختُرِعت في ابتداء الملة المسيحية" فنسب محققهم هذه الكتب إلى أهل القرن الأول.

      (القول السادس) قال موشيم المؤرخ في بيان علماء القرن الثاني في الصفحة 65 من المجلد الأول من تاريخه المطبوع سنة 1832: "كان بين متبعي رأي أفلاطون وفيساغورس مقولة مشهورة أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق وعبادة اللّه ليسا بجائزين بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح كما يظهر هذا جَزْما من كثير من الكتب القديمة ثم أثّر وَباء هذا الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر هذا الأمر من الكتب الكثيرة التي نُسبت إلى الكبار كذباً" فإذا صار هذا الكذب والخداع من المستحبات الدينية عند اليهود قبل المسيح عليه السلام، وعند المسيحيين في القرن الثاني فما بقي للجعل والتحريف والكذب حد ففعلوا ما فعلوا.

      (القول السابع) قال يوسي بيس في الباب الثامن عشر من الكتاب الرابع من تاريخه: "ذكر جستن الشهيد في مقابلة طريفون اليهودي عدة بشارات للمسيح وادّعى أن اليهود أسقطوها من الكتب المقدسة"، وقال واتسن في الصفحة 33 من المجلد الثاني هكذا: "إني لا أشك في هذا الأمر أن العبارات التي ألزم فيها جستنن اليهودي في مباحثة طريفون بأنهم أسقطوها كانت هذه العبارات في عهد جستن وأرينيوس موجودة في النسخة العبرانية واليونانية، وأجزاء من الكتاب المقدس، وإنْ لم توجد الآن في نسخهما، سيما العبارة التي قال جستن إنها كانت في كتاب أرمياء، كتب سِلْبَرْ جَيَسْ في حاشية جَستن وكتب داكتر كريب في حاشية أرينيوس إنه يعلم أن بطرس لما كتب الآية السادسة من الباب الرابع من رسالته الأولى كان هذه البشارة في خياله". وقال هورن في الصفحة 62 من المجلد الرابع من تفسيره هكذا: "ادعى جستن في كتابه في مقابلة طريفون اليهودي أن عزرا قال للناس: إن طعام عيد الفصح طعامُ ربنا المنجي فإن فهمتم الرب أفضل من هذه العلامة يعني الطعام وآمنتم به فلا تكون هذه الأرض غير معمورة أبداً، وإنْ لم تؤمنوا به ولم تسمعوا وعظه فتكونوا سبب استهزاء للأقوام" الأجنبية، قال وائي تيكر: "الغالب أن هذه العبارة كان ما بين الآية الحادية والعشرين والثانية والعشرين من الباب السادس من كتاب عزرا وداكتر إي كلارك يصدق جستن" فظهر من هذه العبارات المنقولة أن جستن الشهيد الذي كان من أجلة القدماء المسيحيين ادعى أن اليهود أسقطوا بشارات عديدة من الكتب المقدسة، وصدقه في هذه الدعوى سِلْبَر جَيَسْ وكِريب ووائي تيكر وإي كلارك وواتُسْن، وادعى واتْسُن أن هذه العبارات كانت في عهد جَستن وأُرينيوس موجودة في النسخة العبرانية واليونانية، وأجزاء من الكتاب المقدس وإن لم توجد الآن في نسخهما، فأقول: لا يخلو إما أن يكون ذلك أعظم قدمائهم ومؤيدوه الخمسة صادقين في هذه الدعوى، فثبت تحريف اليهود ألبتة بإسقاط العبارات المذكورة، وإما أنْ يكونوا غير صادقين فيلزم أن يكون هذا المقتدى ومؤيدوه محرفين يقيناً مرتكبين لهذا الأمر الشنيع لأجل إطاعة المقولة المشهورة المذكورة في القول السابق، فتحريف أحد الفريقين لازم قطعاً، وكذا أقول: يلزم على ادعاء واتسن أيضاً لأنه على الشِّق الأول يلزم تحريف مَنْ أسقطها عن العبرانية واليونانية بعد زمانهما بلا شك، وعلى الشق الثاني يلزم تحريف من زادها في نسخهما.

      (القول الثامن) قال لاردنر في الصفحة 124 من المجلد الخامس من تفسيره: "حكم على الأناجيل المقدسة لأجل جهالة مصنفيها بأنها ليست حسنة بأمر السلطان اناسطيثوس في الأيام التي كان فيها مِسَّالة حاكماً في القسطنطينية فصُحِّحت مرة أخرى" أقول: لو كانت هذه الأناجيل إلهامية وثبت عند القدماء في عهد السلطان المذكور بالإسناد الجيد أنها تصنيفات الحواريين وتابعيهم فلا معنى لجهالة المصنفين وتصحيحها مرة أخرى، فثبت أنها كانت إلى ذلك العهد غير ثابت إسنادها، وكانوا يعتقدون أنها إلهامية فصححوا على قدر الإمكان أغلاطها وتناقضاتها، فثبت التحريف على أكمل وجه يقيناً، وثبت أنها غير ثابتة الإسناد والحمد للّه، وظهر أن ما يدعيه علماء البروتستنت في بعض الأحيان أن سلطاناً من السلاطين وحاكماً من الحكام ما تصرف في الكتب المقدسة في زمانٍ من الأزمنة قط باطلٌ قطعاً، وظهر أن رأى إكهارن وكثير من المتأخرين من علماء الجرمن في باب الأناجيل في غاية القوة.

      (القول التاسع) قد عرفت في الشاهد الثاني من المقصد الأول أن اكستاين والقدماء المسيحيين كانوا يقولون: إن اليهود حرفوا التوراة لتصير الترجمة اليونانية غير معتبرة، ولعناد الدين المسيحي، وصدر هذا التحريف عنهم في سنة 130، وأن المحقق هيلز وكني كات يقولان كما قال القدماء، وأثبت هيلز بالأدلة القوبة صحة النسخة السامرية، وقال كني كات: إن اليهود حرفوا التوراة قصداً، وما قال محققو كتب العتيق والجديد أن السامريين حرفوه قصداً لا أصل له.

      (القول العاشر) قد عرفت في الشاهد الثالث من المقصد الأول أن كني كات ادعى صحة السامرية، وكثير من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها، ويجزمون بأن اليهود حرفوا لأجل عداوة السامريين.

      (القول الحادي عشر) قد عرفت في الشاهد الحادي عشر من المقصد الأول إقرار آدم كلارك المفسر بأنه وقعت في كتب التواريخ من العهد العتيق تحريفات كثيرة بالنسبة إلى المواضع الأخر والاجتهاد في التطبيق عَبَثٌ، والأحسن أن يسلم في أول الوهلة الأمر الذي لا قدرة على إنكاره بالظفر، وقد عرفت إقراره في الشاهد الثامن عشر بأنه حصل لنا موضع الاستغاثة كثيراً بوقوع التحريف في أعداد كتب التواريخ.

      (القول الثاني عشر) قد عرفت في الشاهد الثاني والعشرين من المقصد الأول أن آدم كلارك مختاره أن اليهود حرّفوا هذا الموضع في المتن العبراني والترجمة اليونانية تحريفاً قصدياً كما هو المظنون بالظن القوي في المواضع الأخر المنقولة.

      (القول الثالث عشر) قد عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول أن هورن سلّم تحريف اليهود في اثنتي عشرة آية.

      (القول الرابع عشر) قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كنيسة الكاثلك أجمعت على صحة سبعة كتب مر تفصيلها في ذلك الشاهد، وعلى كونها إلهامية، وكذلك أجمعت على صحة الترجمة اللاتينية وأن علماء البروتستنت يقولون: إن الكتب المذكورة محرفة واجبة الردّ وإن هذه الترجمة وقع فيها التحريفات والإلحاقات الكثيرة من القرن الخامس إلى القرن الخامس عشر، ولم تحرف ترجمة من التراجم مثل اللاتينية، ناقلوها من غير المبالاة أدخلوا فقرات بعض كتاب من العهد الجديد في كتاب آخر، وكذا أدخلوا عبارات الحواشي في المتن.

      (القول الخامس عشر) قد عرفت في الشاهد السادس والعشرين من المقصد الثاني أن آدم كلارك اختار ما اختار كني كات فقال: كان اليهود في عهد يوسيفس يريدون أن يزينوا الكتب المقدسة باختراع الصلوات والغناء واختراع الأقوال الجديدة، انظروا إلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب أسْتير وإلى حكاية الخمر والنساء والصدقة الذي زيدت في كتاب عِزْرا ونَحْمِيا ويسمى الآن بالكتاب الأول لعِزْرا وإلى غناء الأطفال الثلاثة الذي زيد في كتاب دانيال، وإلى الإلحاقات الكثيرة في كتاب يوسيفَسْ (أقول) لما كان هذا التحريف سبباً لتزيين الكتب ما كان مذموماً عندهم فكانوا يحرفون بلا مبالاة سيما إذا علموا على المقولة المشهورة المسلمة عندهم التي مر ذكرها في القول السادس، فكان بعض التحريفات من المستحبات الدينية.

      (القول السادس عشر) قد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثالث أن آدم كلارك اعترف بأن كثيراً من الأفاضل على أن السامرية في حق الكتب الخمسة لموسى أصح.

      (القول السابع عشر) قد عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث أن التتمة التي في آخر كتاب أيوب في الترجمة اليونانية جَعْلية عند البروتستنت، مع أنها كتبت قبل المسيح، وكانت داخلة في الترجمة المسطورة في عهد الحواريين، وكانت مسلمة عند القدماء.

      (القول الثامن عشر) قد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثلث قول كريزاستم أن اليهود ضيّعوا كتباً لأجل عدم ديانتهم، ومزقوا بعضها وأحرقوا البعض، وقوله هو المختار عند فرقة الكاثلك.

      (القول التاسع عشر) قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره في بيان الترجمة اليونانية: "هذه الترجمة قديمة جداً وكانت معتبرة غاية الاعتبار فيما بين اليهود والقدماء المسيحيين، وكانت تقرأ دائماً في معابد الفريقين، وما نقل المشايخ المسيحية لاطينيين كانوا أو يونانيين إلاّ عنها وكلُّ ترجمة سلمها الكنيسة المسيحية غير ترجمة سِريك ترجمتْ منها في ألسنة أخرى مثل العربية والأرمنية، وترجمة إتهيوبك وترجمة أتالك القديمة والترجمة اللاتينية التي كانت مستعملة قبل جيروم، وتقرأ هذه فقط إلى هذا اليوم في الكنيسة اليونانية والكنائس الشرقية" ثم قال: "والحق عندنا أنها تُرجمت قبل ميلاد المسيح بمائتين وخمس وثمانين سنة أو بمائتين وست وثمانين سنة" ثم قال: "ويكفي لكمال شهرته دليل واحد، وهو أن مصنفي العهد الجديد ما نقلوا الفقرات الكثيرة إلا عنها، وجميع المشايخ القدماء غير أرجن وجيروم ما كانوا واقفين على اللسان العبراني، وكانوا مقتدين في النقل عنها للذين كتبوا بالإلهام، وهؤلاء الناس وإنْ كانوا في باب الدين في غاية الاجتهاد لكنهم مع ذلك ما يعلمون اللسان العبري الذي هو أصل الكتب، وكانوا راضين بهذه الترجمة، وكانوا يفهمونها كافية في جميع مطالبهم، والكنيسة اليونانية كانت تعتقدها كتاباً مقدساً وتعظمها" ثم قال: "وهذه الترجمة كانت تقرأ في الكنيسة اليونانية واللاتينية إلى ألف وخمسمائة، وكان السَّنَدُ يؤخذ منها، وكانت هذه معتبرة في معابد اليهود في أول القرن، ثم لما استدل المسيحيون عليهم من هذه الترجمة أطالوا ألسنتهم على هذه بأنها ليست موافقة للمتن العبري، وجعلوا في ابتداء القرن الثاني يسقطون الفقرات الكثيرة منها ثم تركوها واختاروا ترجمة أيكوئلا، ولما كانت مستعملة في اليهود إلى أول القرن المسيحي، وفي المسيحيين إلى مدة فكثرت نقولها، ووقعت فيها الأغلاط بسبب تحريف صدر عن اليهود قصداً وكذلك بسبب غلط الكاتبين ودخول عبارة الشرح والحاشية في المتن" انتهى بقدر الحاجة، وقال وارد من علماء الكاثلك في الصفحة 18 من كتابه المطبوع سنة 1841 "أن مُلحدي المشرق حرفوها" فثبت من إقرار محقق فرقة البروتستنت أن اليهود حرفوها قصداً حيث قال أولاً: "جعلوا في ابتداء القرن الثاني يسقطون الفقرات الكثيرة منها" ثم قال ثانياً: "بسبب تحريف صَدَر عن اليهود قصداً" وهذا التحريف صدر عنهم لأجل عناد الدين المسيحي كما هو مصرحفي كلام المحقق المذكور، فلا مجال لفرقة البروتستنت أن ينكروا التحريف القصدي الذي صدر عن اليهود في هذه الترجمة وعند فرقة الكاثلك أيضاً التحريف القصدي فيها مسلم. فالفرقتان في الاعتراف بهذا التحريف متفقتان فأقول: على قول فرقة البروتستنت إذا حرّفت اليهود لعناد الدين المسيحي هذه الترجمة المشهورة التي كانت مستعملة في جميع معابدهم إلى أربعمائة سنة، وكذا في جميع معابد المسيحيين شرقاً وغرباً، وما خافوا اللّه ولا طَعْن الخلق وأثر تحريفهم في هذه النسخة المشهورة، فكيف لا يجزم أنهم حرفوا بالتحريف القصدي النسخة العبرانية التي في أيديهم ولم تكن منتشرة بين المسيحيين، بل لم تكن مستعملة فيما بينهم إلى القرن الثاني؟ وأثر تحريفهم سواء كان ذلك التحريف إما لأجل عناد الدين المسيحي كما قال القدماء واكستائن على ما عرفت، وكما اختار آدم كلارك على ما عرفت في الشاهد الثاني والعشرين من المقصد الأول، وفي القول الثاني عشر، وكما اعترف به هورن مع تعصبه في ستة مواضع في اثنتي عشرة آية على ما عرفت في الشاهد الثالث والعشرين من المقصد الأول، وفي القول الثالث عشر، وإما لأجل عناد السامريين كما هو مختار كني كات وآدم كلارك وكثير من العلماء، كما عرفت في الشاهد الثالث من المقصد الأول وفي القول العاشر، وإما للعناد الذي كان فيما بينهم كما صدر عن فرق المسيحيين في القرن الأول وبعده، كما عرفت في الأقوال السابقة، وستعرف في القول الثلاثين أن هذا التحريف القصدي صدر عن الذين كانوا من أهل الديانة وعن المسيحيين الصادقين في زعمهم لأجل مخالفة المسيحيين الآخرين لم يكونوا كذلك في زعمهم، ولا عجب لأن مثل هذا كان عندهم بمنزلة المستحبات الدينية، وعين مقتضى الديانة على ما حكمت به المقولة المشهورة المسلمة فيما بين القدماء، التي مر ذكرها في القول السادس، وإما لوجوه أخر كانت مقتضيةً للتحريف في زمانها.
      أسلم بعض أحبار اليهود في عهد السلطان المرحوم بايز يدخان فسمى بعبد السلام، وهو ألف رسالة صغيرة في الرد على اليهود سماها بالرسالة الهادية، وهذه الرسالة مشتملة على ثلاثة أقسام، فقال في القسم الثالث الذي هو في بيان إثبات تغييرهم بعض كلمات التوراة هكذا: "اعلم أنا قد وجدنا في أشهر تفاسير التوراة المسمى عندهم بالتلمود، أن في زمان تلماي الملك، وهو بعد بختنصر أن تلماي الملك قد طلب من أخبار اليهود التوراة فهم خافوا على إظهاره لأنه كان منكراً لبعض أوامره، فاجتمع سبعون رجلاً من أخبار اليهود فغيروا ما شاء من الكلمات التي كان ينكرها ذلك الملك خوفاً منه، فإذا أقروا على تغييرهم فكيف يؤتمن ويعتمد على آية واحدة؟" انتهى كلامه بلفظه، وأقول: على قول علماء الكاثلك إن ملحدي المشرق إذا حرفوا مثل هذه الترجمة المشهورة بين المسيحيين المستعملة بين كنائسهم شرقاً وغرباً سيما في كنيستكم أيضاً ألف وخمسمائة سنة على ما حقق هورن، وأثر تحريفهم في نسخها فكيف يرد قول علماء البروتستنت في تحريفكم الترجمة اللاتينية التي كانت مستعملة في كنيستكم. لا واللّه هم الصادقون في هذا الباب.

      (القول العشرون) في المجلد الرابع من إنسائي كلوييد ياريس في بيان ببيل "قال داكتر كني كات إن نسخ العهد العتيق التي هي موجودة كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة، واستدل من هذا وقال إن جميع النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة أو الثامنة أعدمت بأمر محفل الشورى لليهود، لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم، ونظراً إلى هذا قال والْتُن أيضاً: إن النسخ التي مضى على كتابتها ستمائة سنة قلما توجد، والتي مضى على كتابتها سبعمائة سنة أو ثمانمائة سنة ففي غاية الندرة" فأقر داكتر كني كات الذي عليه اعتماد فرقة البروتستنت في تصحيح كتب العهد العتيق أن النسخ التي كانت كتبت في المائة السابعة والثامنة ما وصلت إليه بل وصلت إليه النسخ التي كتبت ما بين ألف وألف وأربعمائة، وبين وجهه أن اليهود ضيعوا النسخ الأولى لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة لنسخهم المعتمدة، وهكذا قال والتن أقول: إن هذا الإعدام والتضييع حصل بعد ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم بأزيد من مائتين، فلما انمحت جميع النسخ المخالفة لنسختهم عن صفحة العالم، وأثر تحريفهم أثراً بلغ إلى هذه الرتبة، وبقيت عندهم النسخ التي كانوا يرضون بها، فكان لهم مجال واسع للتحريف في نسخهم بعد زمان محمد صلى اللّه عليه وسلم أيضاً، فلا استبعاد في تحريفهم بعد هذا الزمان، بل الحق أن كتب أهل الكتاب قبل إيجاد صنعة الطبع كانت صالحة للتحريف في كل قرن من القرون بل هم لا يمتنعون ولا يبالون بعد إيجادها أيضاً كما رأيت حال متبعي لوطر بالنسبة إلى ترجمته في الشاهد الحادي والثلاثين من المقصد الثاني.

      (القول الحادي والعشرون) قال المفسر هارسلي في الصفحة 282 من المجلد الثالث من تفسيره في مقدمة كتاب يوشع: "هذا القول أن المتن المقدس حرِّف لا ريب فيه، وظاهر من اختلاف النسخ لأن العبارة الصحيحة في العبارات المختلفة لا تكون إلا واحدة، وهذا الأمر مظنون، بل أقول قريب من اليقين أن العبارات القبيحة جداً دخلت في بعض الأحيان في المتن المطبوع، لكن لم يظهر لي دليل على أن التحريفات في كتاب يوشع أكثر من سائر كتب العهد العتيق" ثم قال في الصفحة 275 من المجلد الثالث: "هذا القول صادق ألبتة إن المتن العبري في النقول التي كانت عند الناس كان بعد حادثة بختنصر، بل لعل قبلها أيضاً قبلية يسيرة في أشنع حالة التحريف بالنسبة إلى الحالة التي حصلت له في وقت ما بعد تصحيح عزرا" فكلام هذا المفسر غير محتاج إلى البيان.

      (القول الثاني والعشرون) قال واتسن في الصفحة 283 من المجلد الثالث من كتابه: "مضت مدة على أن أرجن كان يشكو عن هذه الاختلافات، وكان ينسب إلى أسباب مختلفة مثل تغافل الكاتبين وشرارتهم وعدم مبالاتهم. وقال جيروم: إني لما أردت ترجمة العهد الجديد قابلت نسخه التي كانت عندي فوجدت اختلافاً عظيماً".

      (القول الثالث والعشرون) قال آدم كلارك في المقدمة من المجلد الأول من تفسيره: "كان الترجمات الكثيرة باللسان اللاطيني من المترجمين المختلفين موجودة قبل جيروم، وكان بعضها محرفاً في غاية درجة التحريف، وبعض مواضعها مناقضاً للمواضع الأخر كما يستغيث جيروم".

      (القول الرابع والعشرون) قال وارد كاثلك في الصفحة 17 و 18 من كتابه المطبوع سنة 1841 قال دُكْتر همفري في الصفحة 178 من كتابه: "إن أوهام اليهود خرَّب" (يعني كتب العهد العتيق) "في مواضع بحيث يتنبه عليها القارئ بسهولة" ثم قال: "خرّب علماء اليهود بشارات المسيح تخريباً عظيماً"، ثم قال عالم من علماء البروتستنت: "إن المترجم القديم قرأ على نهج، ويقرأ اليهود الآن على نهج آخر، وعندي أن نسبة الخطأ إلى الكاتبين من اليهود وإلى إيمانهم خير من نسبته إلى جهل المترجِم القديم وتساهله، لأن محافظة الزبور قبل المسيح وبعده كانت في اليهود أقل من محافظة غناآتهم".

      (القول الخامس والعشرون) كتب فيلبس كواد نولس الراهب في رد كتاب أحمد الشريف بن زين العابدين الأصفهاني كتاباً سماه بالخيالات، وطبع هذا الكتاب سنة 1649، فقال في الفصل السادس منه: "يوجد التحريف كثيراً جداً في النسخة القصاعية سيما في كتاب سليمان، ونقل رب اقيلا المشتهر بالكليس التوراة كله، وكذا نقل رب يونثا بن عزيال كتاب يوشع بن نون، وكتاب القضاة، وكتاب السلاطين، وكتاب أشعياء، والكتب الأخر للأنبياء، ونقل رب يوسف أعمى الزبور، وكتاب أيوب، وراعوث، واستير، وسليمان، وهؤلاء كلهم حرفوا ونحن النصرانيون حافظنا هذه الكتب لنلزم اليهود إلزام التحريف، ونحن لا نسلم أباطيلهم"، فهذا الراهب في القرن السابع عشر يشهد على تحريف اليهود.

      (القول السادس والعشرون) قال هورن في الصفحة 68 من المجلد الأول: "فليسلم في باب الإلحاق أنه وجدت الفقرات الكذائية في التوراة " ثم قال في الصفحة 445 من المجلد الثاني: "المقامات المحرفة في المتن العبراني قليلة أي تسعة فقط كما ذكرنا أولاً".

      (القول السابع والعشرون) وصل عرضحال من فرقة البروتستنت إلى السلطان جيمس الأول بهذا المضمون. "إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي 200 موضع تخميناً".

      (القول الثامن والعشرون) قال مستر كارلائل: "المترجمون الإنكليزيون أفسدوا المطلب وأخفوا الحق وخدعوا الجهال وجعلوا مطلب الإنجيل الذي كان مستقيماً معوجاً، وعندهم الظلمة أحبُّ من النور والكذبُ أحق من الصدق".

      (القول التاسع والعشرون) استدعى مستر بروتن من أراكين كونسل للترجمة الجديدة قائلاً: "إن الترجمة التي هي مروَّجة في إنكلترة مملوءة من الأغلاط، وقال للقسيسين إن ترجمتكم الإنكليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمانية وأربعين موضعاً، وصارت سبباً لردِّ أناس غير محصورين كتبَ العهد الجديد ودخولهم النار".
      وهذه الأقوال الثلاثة المندرجة في القول 27 و 28 و 29 نقلتها عن كتاب وارد كاثلك، وخوفُ التطويل يمنعني عن نقل أقوال أخر وسيظهر أكثرها في الشواهد المذكورة للمقاصد الثلاثة، فأطوى الْكَشْح عن نقلها، وأكتفي بنقل قول واحد آخر محتو على اعتراف أنحاء التحريف مغنٍ عن نقل ما سواه، وتصير به الأقوال المنقولة ثلاثين.

      (القول الثلاثون) قال هورن في الباب الثامن من المجلد الثاني من تفسيره في بيان أسباب وقوع ويريوس ريدنك الذي عرفت معناه في صدر جواب هذه المغالطة: "لوقوعه أسباب أربعة".

      (السبب الأول) "غفلة الكاتب وسهوه، ويتصوّر على وجوه : (الأوّل) إن الذي كان يلقي العبارة على الكاتب ألقى ما ألقى، أو الكاتب لم يفهم قوله، فكتب ما كتب (والثاني) أن الحروف العبرانية واليونانية كانت متشابهة، فكُتب أحدها بدل الآخر (والثالث) أن الكاتب ظن الإعراب خطاً أو الخط الذي كان يكتب عليه جزء الحرف أو ما فَهِم أصل المطلب فأصلح العبارة وغلط (والرابع) أن الكاتب انتقل من موضع إلى موضع فلما تنبه لم يرض بمحو ما كتب، وكتب من الموضع الذي كان ترك مرة أخرى، وأبقى ما كتبه قبل أيضاً (والخامس) أن الكاتب ترك شيئاً فبعد ما كتب شيئاً آخر تنبه، وكتب العبارة المتروكة بعده فانتقلت العبارة من موضع إلى موضع آخر (والسادس) أن نظر الكاتب أخطأ ووقع على سطر آخر فسقطت عبارة ما (والسابع) أن الكاتب غلط في فهم الألفاظ المخففة فكتب على فهمه كاملة فوقع الغلط (والثامن) أن جهل الكاتبين وغفلتهم منشأ عظيم لوقوع ويريوس ريدنك بأنهم فهموا عبارة الحاشية أو التفسير جزء المتن فأدخلوها".


      (والسبب الثاني) نقصان النسخة المنقولة عنها وهو أيضاً يتصوّر على وجوه : (الأول) انمحاء إعراب الحروف (والثاني) أن الإعراب الذي كان في صفحة ظهر في جانب آخر منها في صفحة أخرى وامتزاج بحروف الصفحة الأخرى، وفهم جزءً منها (والثالث) أن الفقرة المتروكة كانت مكتوبة على الحاشية بلا علامة فلم يعلم الكاتب الثاني أن هذه الفقرة تكتب في أي موضع فغلط.

      (والسبب الثالث) التصحيح الخيالي والإصلاح وهذا أيضاً وقع على وجوه : (الأول) أن الكاتب فهم العبارة الصحيحة في نفس الأمر ناقصة أو غلط في فهم المطلب، أو تخيل أن العبارة غلط بحسب القاعدة، وما كانت غلطاً لكن كان هذا الغلطُ الذي صدر عن المصنف في نفس الأمر (الثاني) أن بعض المحققين ما اكتفوا على إصلاح الغلط بحسب القاعدة فقط بل بدّلوا العبارة الغير الفصيحة بالفصيحة أو أسقطوا الفضول أو الألفاظ المترادفة التي لم يظهر لهم فرقٌ فيها (والثالث) وهو أكثر الوجوه وقوعاً أنهم سوَّوْا الفقرات المقابلة وهذا التصرف وقع في الأناجيل خصوصاً، ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس لتكون العبارة التي نقلها عن العهد العتيق مطابقة للترجمة اليونانية (والرابع) أن بعض المحققين جعل العهد الجديد مطابقاً للترجمة اللاتينية.

      (السبب الرابع) "التحريف القصدي الذي صدر عن أحد لأجل مطلبه سواء كان المحرِّف من أهل الديانة أو الديانة أو من المبتدعين وما ألزم أحد في المبتدعين القدماء أزيد من مارسيون، وما استحق الملامة أحد أزيد منه بسبب هذه الحركة الشنيعة، وهذا الأمر أيضاً محقق أن بعض التحريفات القصدية صدرت عن الذين كانوا من أهل الديانة والدين، وكانت هذه التحريفات ترجح بعدهم لتؤيد بها مسألة مقبولة أو يدفع بها الاعتراض الوارد عليها" انتهى كلامه ملخصاً.
      وأورد هورن أمثلة كثيرة في بيان أقسام كل سبب من الأسباب الأربعة، ولما كان في ذكرها طول تركتها لكن أذكر الأمثلة التي نقلها لتحريف أهل الديانة والدين من كتاب فاف قال: "مثلاً تُرك قصداً الآية الثالثة والأربعون من الباب الثاني والعشرين من إنجيل لوقا لأن بعض أهل الدين ظنوا أن تقوية الملك للرب منافيةٌ لألوهيته، وتُرك قصداً في الباب الأول من إنجيل مَتّى هذه الألفاظ قبل أن يجتمعا في الآية الثامنة عشرة، وهذه الألفاظ (ابنها البكر) في الآية الخامسة والعشرين، لئلا يقع الشك في البكارة الدائمية لمريم عليها السلام، وبدل لفظ اثني عشر بأحد عشر في الآية الخامسة من الباب الخامس عشر من الرسالة الأولى لبولس إلى أهل قورنيثوس، لئلا يقع إلزام الكذب على بولس، لأن يهودا الأسخريوطي كان قد مات قبل، وتُرك بعض الألفاظ في الآية الثانية والثلاثين من الباب الثالث عشر من إنجيل مرقس، ورد هذه الألفاظ بعضُ المرشدين أيضاً لأنهم تخيلوا أنها مؤيِّدة لفرقة أيرين، وزيد بعض الألفاظ في الآية الخامسة والثلاثين من الباب الأول من إنجيل لوقا في الترجمة السريانية والفارسية والعربية واتهيوبك وغيرها من التراجم، وفي كثير من نقول المرشدين في مقابلة فرقة لوتي كينس لأنها كانت منكرة أن عيسى عليه السلام فيه صفتان" فبين هورن جميع الصور المحتملة في التحريف وأقرَّ بأنها وقعت في الكتب السماوية، فأقول: إذا ثبت أن عبارات الحاشية والتفسير دخلت في المتن لجهل الكاتبين وغفلتهم، وثبت أن المصلحين أصلحوا العبارات التي كانت على خلاف القاعدة في زعمهم، أو في نفس الأمر، وثبت أنهم بدَّلوا العبارات الغير الفصيحة بالفصيحة وأسقطوا ألفاظاً فضولاً أو مترادفة، وثبت أنهم سَوَّوْا الفقرات المتقابلة في الأناجيل خصوصاً ولأجل ذلك كثر الإلحاق في رسائل بولس، وثبت أن بعض المحققين جعلوا العهد الجديد مطابقاً للترجمة اللاتينية وثبت أن المبتدعين حرّفوا ما حرفوا قصداً، وثبت أن أهل الدين والديانة أيضاً كانوا يحرِّفون قصداً لتأييد المسألة أو لدفع الاعتراض، وكانت تحريفاتهم ترجح بعدهم، فأية دقيقة من دقائق التحريف باقية وأي استبعاد؟ لو قلنا الآن إن المسيحيين الذين كانوا يحبون عبادة الصليب، وما كانوا راضين بتركها وترك الجاه والمناصب حرّفوا هكذا في بعض العبارات التي كانت نافعة لدين الإسلام بعد ظهوره، ورجح هذا التحريف بعدهم كما رجح تحريفاتهم في مقابلة فرقهم، بل لما كان هذا التحريف أشد اهتماماً عندهم من التحريف الذي صدر في مقابلة فرقهم كان ترجيحه أيضاً أشد من ترجيح ذاك.

      تعليق

      • الغدنفر
        0- عضو حديث
        • 5 أغس, 2010
        • 24
        • محاسب
        • مسلم

        #4
        أن المسيح عليه السلام شهد بحقية كتب العهد العتيق، ولو كانت محرّفة لما شهد بها بل كان عليه أن يلزم اليهود على التحريف، فأقول في الجواب: أولاً إنه لم يثبت التواتر اللفظي لكتب العهد العتيق والجديد، ولم يوجد سند متصل لها إلى مصنفيها كما عرفت في الفصل الثاني من الباب الأول، وقد عرفت نُبذاً منها في حق كتاب أسْتِير في الشاهد الأول من المقصد الثاني، وفي حق إنجيل متّى في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث، وستعرف في حق كتاب أيوب، وكتاب نشيد الإنشاد عن قريب ثبت جميع أنواع التحريف فيها، وثبت التحريف من أهل الدين والديانة أيضاً لتأييد المسألة أو دفع الاعتراض كما عرفت عن قريب في القول الثلاثين، فصارت هذه الكتب مشكوكة عندنا، فلا يتم الاحتجاج علينا ببعض آيات هذه الكتب لأنها يجوز أن تكون إلحاقية زادها المسيحيون من أهل الديانة في آخر القرن الثاني أو في القرن الثالث في مقابلة الفرقة الأبيونية، والفرقة المارسيونية وفرقة ماني كيز، ورجحت هذه التحريفات بعدهم لكونها مؤيدة لمسألتهم المقبولة، كما فعلوا في مقابلة فرقة أيرين ويوتي كنيس، وكانت هذه التحريفات ترجَّح بَعْدَهم، لأن الفرق الثلاثة المذكورة كانت تنكر كتب العهد العتيق إما كلها أو أكثرها، وقد عرفت إنكار الفرقة الأولى في الهداية الثانية من جواب المغالطة الأولى (وقال بل) في تاريخه في بيان حال الفرقة المارسيونية "كانت هذه الفرقة تعتقد أنه يوجد إلهان أحدهما خالق الخير وثانيهما خالق الشر وتقول: إن التوراة وسائر كتب العهد العتيق أعطاها الإله الثاني، وهذه كلها مخالفة للعهد الجديد" انتهى كلامه.
        وقال لاردنر في الصفحة 486 من المجلد الثامن من تفسيره في بيان حال هذه الفرقة: "كانت تقول إن إله اليهود غير أبي عيسى، وجاء عيسى لمحو شريعة موسى لأنها كانت مخالفة للإنجيل"، وقال لاردنر في المجلد الثالث من تفسيره في بيان حال فرقة ماني كيز: "اتفق المؤرخون على أن هذه الفرقة كلها ما كانت تسلم الكتب المقدسة للعهد العتيق في كل وقت، وكتب في أعمال أركلاس عقيدة هذه الفرقة هكذا: خدع الشيطان أنبياء اليهود والشيطان كلَّم موسى وأنبياء اليهود وكانت تتمسك بالآية الثامنة من الباب العاشر من إنجيل يوحنا بأن المسيح قال لهم إنهم سراق ولصوص" وأقول ثانياً: لو قطعنا النظر عن كونها إلحاقية أو غير إلحاقية، فلا يثبت منها سند هذه الكتب كلها لأنها ما بُيّن فيها أعداد هذه الكتب كلها ولا أسماؤها فكيف يعلم أن الكتب المستعملة في اليهود من العهد العتيق كانت تسعة وثلاثين التي يسلمها الآن فرقة البروتستنت، أو ستة وأربعين التي يسلمها فرقة الكاثلك لأن في هذه الكتب كتاب دانيال أيضاً وكان اليهود معاصر والمسيح وكذا المتأخرون منهم غير يوسيفس لا يسلمونه إلهامياً، بل ما كانوا يعترفون بنبوة دانيال أيضاً، ويوسيفس المؤرخ الذي هو معتبر عند المسيحيين ومن علماء اليهود المتعصبين، وكان بعد المسيح عليه السلام، يعترف في تاريخه بهذا القدر فقط يقول: "ليس عندنا كتب ألوف يناقض بعضها بعضاً بل عندنا اثنان وعشرون كتاباً فقط فيها أحوال الأزمنة الماضية، وهي إلهامية منها خمسة لموسى فيها بيان العالم من ابتداء الخلق إلى موت موسى، وثلاثة كتاب كتبها الأنبياء فيها أحوال أزمنتهم من موت موسى عليه السلام إلى زمان السلطان أردشير، والباقي أربعة كتب مشتملة على حمد اللّه وثنائه" فلا يثبت من شهادته حقية هذه الكتب المتداولة لأنه بيَّن غير التوراة سبعة عشر كتاباً، وعند فرقة الكاثلك واحد وأربعون كتاباً، ومع ذلك لم يعلم أن أي كتاب من هذه الكتب كان داخلاً في سبعة عشر، لأن هذا المؤرخ نسب إلى حزقيال سوى كتابه المشهور كتابين آخرين أيضاً في تاريخه، فالظاهر أن هذين الكتابين وإن لم يوجدا الآن كانا عنده داخلين في سبعة عشر، وقد عرفت في الشاهد التاسع عشر من المقصد الثالث أن كريزاستم وعلماء الكاثلك يعترفون أن اليهود ضيّعوا كتباً لأجل غفلتهم، بل لأجل عدم ديانتهم، ومزقوا البعض وأحرقوا البعض، فيجوز أن تكون هذه الكتب داخلة في سبعة عشر بل أقول الكتب التي أفصِّلها الآن لا مجال لفرقة البروتستنت، ولا لفرقة الكاثلك ولا لغيرهما أن ينكروا فقدانها من العهد العتيق، فيجوز أن يكون أكثرها داخلاً في سبعة عشر والكتب المفقودة هذه: "(الأول) سفر حروب الرب الذي جاء ذكره في الآية الرابعة عشرة من الباب الحادي والعشرين من سفر العدد، وقد عرفت في الشاهد العاشر من المقصد الثاني وفي تفسير هنري واسكات "الغالب أن موسى كتب هذا السفر لتعليم يوشع وكان فيه بيان حدود أرض مواب" (والثاني) كتاب اليسير الذي جاء ذكره في الآية الثالثة عشرة من الباب العاشر من كتاب يوشع كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثاني، وكذا جاء ذكره في الآية الثامنة عشرة من الباب الأول من سفر صموئيل الثاني (والثالث والرابع والخامس) ثلاثة كتب لسليمان عليه السلام أحدُها ألف وخمسة زبورات، وثانيها تاريخ المخلوقات، وثالثها ثلاثة آلاف أمثال ، وشيء من هذه الأمثال إلى الآن باق أيضاً كما ستعرف، وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثانية والثلاثين والثالثة والثلاثين من الباب الرابع من سفر الملوك الأول، قال آدم كلارك في المجلد الثاني من تفسيره ذيل شرح الآية الثانية والثلاثين في حق الأمثال والزبورات: "الأمثال التي تنسب الآن إلى سليمان تسعمائة أو تسعمائة وعشرون تخميناً، وإن سُلم قول البعض إن الأبواب التسعة من أول الكتاب ليست من تصنيف سليمان عليه السلام فستمائة وخمسون تخميناً وبقي من ألف وخمسة زبورات نشيد الإنشاد فقط إن قلنا إنَّ الزبور السابع والعشرين الذي بعد المائة المكتوب على عنوانه اسم سليمان ليس بداخل فيها، والأصح أن الزبور المذكور صنفه أبوه داود لأجل تعليمه" ثم قال في شرح الآية الثالثة والثلاثين في حق تاريخ المخلوقات: "حصل لقلوب العلماء قلق عظيم لأجل فقدان تاريخ المخلوقات فقداناً أبدياً" (السادس) كتاب قوانين السلطنة تصنيف صموئيل الذي جاء ذكره في الآية الخامسة والعشرين من الباب العاشر من سفر صموئيل الأول، (السابع) تاريخ صموئيل، و (الثامن) تاريخ ناثان النبي، و (التاسع) تاريخ جدّ الرائي الغيب، وجاء ذكر هذه الثلاثة في الآية الثلاثين من الباب التاسع والعشرين من السفر الأول من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1522 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذه الكتب مفقودة".
        (العاشر) كتاب سمعيا، و (الحادي عشر) كتاب عيد والرائي الغيب، وجاء ذكرهما في الآية الخامسة عشرة من الباب الثاني عشر من السفر الثاني من أخبار الأيام، و (الثاني عشر) كتاب أحيا النبي، و (الثالث عشر) مشاهدات عيد والرائي الغيب، وجاء ذكرهما في الآية التاسعة والعشرين من الباب التاسع من السفر الثاني من أخبار الأيام، وفي هذه الآية ذكر تاريخ ناثان النبي أيضاً، قال آدم كلارك في الصفحة 1539 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذه الكتب كلها مفقودة"، و (الرابع عشر) كتاب يا هو النبي ابن حناتي وجاء ذكره في الآية الرابعة والثلاثين من الباب العشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1562 من المجلد الثاني: "هذا الكتاب الآن مفقود رأساً، وإن كان موجوداً في وقت تأليف السفر الثاني من أخبار الأيام" (الخامس عشر) كتاب أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان عزياه من الأول إلى الآخر، وجاء ذكره في الآية الثانية والعشرين من الباب السادس والعشرين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في الصفحة 1573 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذا الكتاب مفقود رأساً" (السادس عشر) كتاب مشاهدات أشعياء النبي الذي كان فيه حال السلطان حزقياه مكتوباً بالتفصيل، وجاء ذكره في الآية الثانية والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام، (السابع عشر) مرثية أرمياء النبي على يوشياه، وجاء ذكرها في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من السفر الثاني من أخبار الأيام، قال آدم كلارك في شرح هذه الآية: "هذه المرثية مفقودة الآن"، وفي تفسير دوالي ورجردمينت: "هذه المرثية مفقودة الآن ولا يمكن أن تكون هذه المرثية مرثيته المشهورة لأن المشهورة على حادثة أورشليم، وموت صدقياه، وهذه كانت على موت يوشياه" (الثامن عشر) كتاب تواريخ الأيام، وجاء ذكره في الآية الثالثة من الباب الثاني عشر من كتاب نحميا قال آدم كلارك في الصفحة 1676 من المجلد الثاني من تفسيره: "هذا الكتاب لا يوجد في الكتب التي هي عندنا لأنه لا يوجد فيها الفهرست الكذائي بل كان هذا كتاباً آخر هو مفقود الآن"، و (التاسع عشر) سفر العهد لموسى الذي جاء ذكره في الآية السابعة من الباب الرابع والعشرين من سفر الخروج، (والعشرون) كتاب أعمال سليمان الذي جاء ذكره في الآية الحادية والأربعين من الباب الحادي عشر من كتاب سلاطين الأول، وقد عرفت أن يوسيفس ينسب إلى حزقيال كتابين آخرين غير كتابه المشهور، وهو مؤرخ معتبر عند المسيحيين، فحينئذ صارت الكتب المفقودة اثنين وعشرين ولا تقدر فرقة البروتستنت أيضاً على إنكارها، وقال طامس أنكلس من علماء الكاثلك في كتابه المسمى بمرآة الصدق وهو بلسان الهند، وطبع في سنة 1851: "اتفق العالم على أن الكتب المفقودة من الكتب المقدسة ليست بأقل من عشرين".

        (تنبيه) بعض البشارات المنقولة عن أهل الكتاب توجد في الكتب الإسلامية القديمة، ولا توجد الآن في الكتب المسلمة عندهم، فلعلها كانت موجودة في هذه الكتب المفقودة - نعم يثبت بشهادة يوسيفس أن خمسة كتب كانت منسوبة إلى موسى في عهده لكن لا يعلم أن هذه الخمسة المتداولة الآن بل الظاهر خلافه، لأنه يخالف هذه الكتب كما عرفت في الشاهد الأول والثاني من المقصد الأول، وهو يهودي متعصب، فلا يتصوّر أن يخالف التوراة بلا ضرورة مع اعتقاده بأنه كلام اللّه، وأقول ثالثاً لو سلمنا أن هذه الكتب المتداولة كانت في عهد المسيح، وشهد هو والحواريون لها قلنا: إن مقتضى شهادتهم هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت عند اليهود في ذلك الوقت سواء كانت تصنيف الأشخاص المنسوبة إليهم أو لم تكن، وسواء كانت الحالات المندرجة فيها صادقة أو يكون بعضها صادقاً وبعضها كاذباً، وليس مقتضاها أن كل كتاب تصنيف المنسوب إليه، وأن كل حال مندرج فيها صادق البتة، بل لو نقل المسيح والحواريون شيئاً عن هذه الكتب لا يلزم عن مجرد نقلهم صدق المنقول، بحيث لا يحتاج إلى تحقيقه - نعم لو صرح المسيح في جزء من أجزائها أو حكم من أحكامها أنه من عند اللّه وثبت تصريحه أيضاً بالتواتر، فيكون صادقاً البتة، وما سواه مشكوك محتاج إلى التحقيق، ولا أقول هذا برأيي واجتهادي، بل محققو فرقة البروتستنت رجعوا إليه آخر الأمر وإلا ما كان لهم ملجأ أو مفر من أيدي الذين يسمونهم ملحدين، وامتلأت ديار أوربا من وجودهم، قال محقق فرقة البروتستنت بيلي في الباب الثالث من القسم الثالث من كتابه المطبوع سنة 1850 في بلدة لندن: "لا ريب أن شفيعنا قال إن التوراة من جانب اللّه وأنا أستبعد أن يكون ابتداؤه ووجوده من غير اللّه سيما إذا لاحظنا أن اليهود الذين كانوا في المذهب رجالاً وفي الأشياء الأخر مثل فن الحرب والصلح أطفالاً كانوا لاصقين بالتوحيد، وكانت مسائلهم في ذات اللّه وصفاته جيدة، وكان الناس الآخرون قائلين بالآلهة الكثيرة، ولا ريب أن شفيعنا سلم نبوّة أكثر كاتبي العهد العتيق، ويجب علينا معشر المسيحيين أن نذهب إلى هذا الحد، وأما أنّ العهد العتيق كله أو كل فقرة منه حق أو أن كل كتاب منه أو أن تحقيق مؤلفيه واجب ففي هذه الأمور لو جعل الدين المسيحي مدعىً عليه فلا أقول زائداً على هذا إنه إلقاء السلسلة كلها في مصيبة بلا ضرورة، في هذه الصورة هذه الكتب كانت تقرأ عموماً، وكان اليهود المعاصرون لشفيعنا يسلمونها والحواريون واليهود رجعوا إليها واستعملوها لكن لا يثبت من هذا الرجوع والاستعمال غير هذه النتيجة أن المسيح عليه السلام إذا قال صراحة في حق بشارة من البشارات إنها من جانب اللّه فهي إلهامية، وإلا هذا القدر فقط أن هذه الكتب كانت مشهورة ومسلمة في ذلك الوقت، ففي هذه الصورة الكتب المقدسة لنا شهادة جيدة لكتب اليهود، لكن لا بد أن نفهم خاصية هذه الشهادة، وهذه الخاصية مباينة ألبتة للتي بينت في بعض الأوقات بأنها لكل معاملة خاصة ولاستحكام كل رأي بل لعلة كل أمر مع قياس تلك العلة، قال يعقوب في رسالته: "قد سمعتم صبر أيوب وعلمتم مقصود الرب" مع أن بين العلماء المسيحية نزاعاً ومباحة في حقية أيوب بل في وجوده قديماً، وفهمت شهادة يعقوب لهذا القدر فقط أن هذا الكتاب كان في وقته وكان اليهود يسلمونه وقال بولس في رسالته الثانية إلى تيمو ثاوس "كما أن ياناس ويمبراس خالفا موسى وكذا هؤلاء يخالفون الصدق" وهذان الاسمان لم يوجدا في العهد العتيق ولم يعلم أن بولس نقلهما عن الكتب الكاذبة أو علمهما من الرواية لكن أحداً ما تخيل ههنا أن بولس نقل عن الكتاب إن كان هذا الحال مكتوباً، ولا جعل هو نفسه مدعياً عليها لإثبات صدق الرواية فضلاً عن أن يكون مبتلى لأجل هذه السؤالات بحيث يكون تحريره ورسالته موقوفين على تحقيق أن ياناس ويمبراس خالفا موسى أم لا، فلأي أمر تحقق الحالات الأخر، وليس غرضي من هذا التقرير أنه لا يوجد لفقرات تواريخ اليهود شهادة أفضل من شهادة تاريخ أيوب وياناس ويمبراس، بل أني أتخيل على وجه آخر، ومقصودي أنه لا يلزم من نقل فقرة عن العهد العتيق في العهد الجديد صدق تلك الفقرة بحيث لا يحتاج في اعتبارها اعتبار دليلها الخارجي الذي هو مبناها إلى تحقيق ولا جائز أن تقرَّر قاعدة لتواريخ اليهود أن كل قول من كتبهم صادق وإلا تكن جميع كتبهم كاذبة لأن هذه القاعدة ما تقررت لكتاب آخر، وإني علمت بيان هذا الأمر ضرورياً لأجل أن رسم والي تر وتلاميذه من الأيام الماضية غالباً هكذا إنهم يدخلون في إبطِ اليهود ثم يصولون على الملة المسيحية، ونشأ بعض اعتراضاتهم عن بيان المعنى على خلاف نفس الأمر، وبعضها من المبالغة، لكن مبنى اعتراضاتهم هذه أن شهادة المسيح والمعلمين القدماء على رسالة موسى والأنبياء الآخرين تصديق لكل جزء جزء، ولكل قول قول من تواريخ اليهود وضمانة كل حال مندرج في العهد العتيق واجبة على الملة المسيحية" انتهى كلامه.
        فانظر أيها اللبيب إن كلام محققهم مطابق لكلامي أم لا وما قال إن بين العلماء المسيحية نزاعاً في حقية أيوب بل في وجوده قديماً فأشار إلى الاختلاف القوي لأن رب مماني ديز الذي هو عالم مشهور من علماء اليهود وكذا ميكايلس وليكلرك وسملر واستاك وغيرهم قالوا إن أيوب اسم فرضي، وما كان مسماه في وقت من الأوقات، وكتابه حكاية باطلة، وقصة كاذبة، وكامت ووانتل وغيرهما قالوا إنه كان في نفس الأمر، ثم القائلون بوجوده اختلفوا في زمانه على سبعة أقوال: فقال [1] بعضهم: إنه كان معاصراً لموسى عليه السلام. وقال [2] بعضهم: إنه كان معاصراً للقضاة وبعد يوشع عليه السلام. وقال [3] بعضهم: إنه كان معاصراً لهاسي روس أو أردشير سلطان إيران. وقال [4] بعضهم: إنه كان معاصراً ليعقوب. وقال [5] بعضهم: إنه كان معاصراً لسليمان عليه السلام. وقال [6] بعضهم: إنه كان معاصراً لبختنصر. وقال [7] بعضهم: إنه كان قبل الزمان الذي جاء فيه إبراهيم عليه السلام إلى كنعان، قال هورن من محققي فرقة البروتستنت: "إن خفة هذه الخيالات دليل كاف على ضعفها" وكذا اختلفوا في غوط بلده الذي جاء ذكره في الآية الأولى من الباب الأول من كتابه بأنه كان في أي إقليم، على ثلاثة أقوال: فقال بوجارت وأسباهم وكامت وغيرهم إنه في إقليم العرب، وقال ميكايلس وإلجن إنه في شِعْب دمشق، وقال لود وماجي وهيلز وكود وبعض المتأخرين إن غوط اسم أدومية وكذا في مصنف هذا الكتاب بأنه اليهود أو أيوب أو سليمان أو أشعياء أو رجل مجهول الاسم معاصر" للسلطان منسا أو حزقيال أو عزرا أو رجل من آل اليهود أو موسى عليه السلام، ثم اختلف القائلون بالقول الأخير فبعض المتقدمين على أن موسى عليه السلام صنفه في اللسان العبراني، وقال أرجن إنه ترجمه من السرياني إلى العبراني، وكذا اختلفوا في موضع ختم الكتاب كما عرفت في الشاهد الثاني عشر من المقصد الثالث، ففيه اختلاف من أربعة وعشرين وجهاً. هذا دليل كاف على أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند متصل لكتبهم، بل يقولون بالظن والتخمين ما يقولون، وذم القسيس تهيودور الذي كان في القرن الخامس هذا الكتاب ذماً كثيراً، ونقل وارد كاثلك أن الإمام الأعظم لفرقة البروتستنت لوطر قال: "إن هذا الكتاب قصة محضة" فانظروا إن هذا الكتاب الذي هو داخل في الكتب المسلمة عند البروتستنت والكاثلك على تحقيق رب مماني ديز وميكايلس وليكلرك وسملر واستاك وغيرهم حكاية باطلة وقصة كاذبة، وعلى رأي تهيودور قابل للذم وعلى رأي إمام فرقة البروتستنت حري بأن لا يلتفت إليه، وعلى قول مخالفيهم لا يتعين المصنف بل ينسبونه رجماً بالغيب إلى أشخاص، فلو فرضنا أنه تصنيف اليهود أو رجل من آله أو رجل مجهول الاسم معاصر لمنسا لا يثبت كونه إلهامياً، وقد عرفت في الشاهد الأول من المقصد الثاني أن كتاب أستير كان غير مقبول عند القدماء المسيحيين إلى ثلثمائة وأربع وستين سنة، ولا يعلم اسم مصنفه بالقطع أيضاً، ورده ميلتو وكرى ونازي زن واتهاني سيش وأظهر الشبهة عليه ايمْ في لوكْيَس، وكذا حال كتاب نشيد الإنشاد ذمه القسيس تهيودور ذماً كثيراً، كما ذم كتاب أيوب، وسيمن ولكلرك لا يعترفان بصدقه وقال وستن وبعض المتأخرين: هو غناء فِسْقي لا بد أن يخرج من الكتب الإلهامية، وقال سملر: الظاهر أنه كتاب موضوع، ونقل وارد كاثلك أن كاستيليو قال لا بد أن يخرج هذا الكتاب من العهد العتيق" وهكذا حال كتب أخر أيضاً فلو كانت شهادة المسيح والحواريين مثبتة لصدق كل جزء جزء من كتب العهد العتيق لما كان لأمثال هذه الاختلافات الفاحشة الواقعة بين العلماء المسيحية سلفاً وخلفاً مَساغٌ أصلاً، فالإنصاف أن ما قال بيلي هو غاية السعي في هذا الباب من جانبهم، وبدون الاعتراف بما قال لا يوجد لهم المفر، كيف لا وقد عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول أن علماء اليهود والمسيحيين متفقون على أن عزرا غلط في السفر الأول من أخبار الأيام، وهذا السفر أيضاً داخل في الكتب التي شهد المسيح حقيتها على زعمهم، فإذا لم يسلموا تحقيق بيلي فماذا يقولون في تصديق هذا الغلط؟، ثم أقول: رابعاً لو سلمنا على فرض التقدير والمحال أن شهادة المسيح والحواريين تصديق لكل جزء جزء ولكل قول قول من هذه الكتب فلا يضرنا أيضاً لأنه قد ثبت أن مذهب جمهور العلماء المسيحيين وجستن واكستاين وكريزاستم من القدماء ومذهب كافة الكاثلك وسلبر جيس ودكتر كريب ووائي يتكر وآي كلارك وهمفري وواتسن من علماء البروتستنت أن اليهود حرّفوا الكتب بعد المسيح والحواريين، كما عرفت في الهداية الثالثة مفصلاً.

        وكافة علماء البروتستنت أيضاً يضطرون في أكثر المواضع، ويقولون: إن اليهود حرّفوا كما عرفت في المقاصد الثلاثة فالآن نسألهم: إن المواضع التي يقرون بالتحريف فيها أكانت محرفة زمان المسيح عليه السلام والحواريين ومع ذلك شهدوا بصدق كل جزء جزء وقول قول من هذه الكتب أو لم تكن كذلك بل حرفت بعدهم؟، والأول أمر لا يجترئ عليه من له ديانة، والثاني لا ينافي الشهادة، وهو المقصود فلا تضر الشهادة للتحريف الذي وقع بعدها وما قالوا لو ثبت التحريف من اليهود لألزمهم المسيح على هذا الفعل .

        (أقول) على مذاق جمهور القدماء من المسيحيين لا مساغ لهذا الكلام، بل وقع التحريف في عهدهم وكانوا يلزمونهم ويوبخونهم، ولو قطعنا النظر عن مذاقهم فأقول: إن الإلزام ليس بضروري على مذهبهم، ألا ترون أن النسخة العبرانية والسامرية مختلفتان في كثير من المواضع اختلافاً موجباً لكون أحدهما غلطاً محرفاً ألبتة، ومن هذه المواضع موضع مر ذكره في الشاهد الثالث من المقصد الأول، وبين الفريقين نزاع سلفاً وخلفاً يدعي كل منهما أن المحرف الفريق الآخر، ودكتر كني كات ومتبعوه على أن الحق مع السامريين، وجمهور علماء البروتستنت على أن الحق مع اليهود، ويزعمون أن السامرية حرفوا هذا الموضع بعد موت موسى عليه السلام بخمسمائة سنة، فهذا التحريف على زعمهم صدر عن السامرية قبل ميلاد المسيح بتسعمائة وإحدى وخمسين سنة، وما ألزم المسيح ولا الحواريون السامريين ولا اليهود، بل سألت امرأة سامرية عن المسيح في هذا الباب خاصة فما ألزم قومها بل سكت وسكوته في هذا الوقت مؤيد للسامريين، ولذلك استدل دكتر كني كات بهذا السكوت وقال: إن السامريين ما حرّفوا بل اليهودُ هم المحرِّفون كما عرفت في الشاهد الثاني والثالث من المقصد الأول، وكذا من المواضع المذكورة هذا الموضع إنه يوجد حكم واحد زائد على الأحكام العشرة في السامرية بالنسبة إلى العبرانية، وفيه نزاع أيضاً سلفاً وخلفاً، وما ألزم المسيح ولا الحواريون أحد الفريقين.

        (المغالطة الثالثة) إن اليهود والمسيحيين أيضاً كانوا من أهل الديانة كما تدعون في حقكم فيبعد أن يتجاسر أهل الديانة على مثل هذا الأمر القبيح (أقول): جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى، وإذا وقع التحريف بالفعل يقيناً، وأقرّ به علماؤهم سلفاً وخلفاً فما بقي لقول المغالط، فيبعد أن يتجاسر إلى آخر محل بل كان هذا الأمر في القدماء من اليهود والمسيحيين بمنزلة المستحبات الدينية بحسب المقولة المشهورة التي مر نقلها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى.

        (المغالطة الرابعة) إن نسخ الكتب المقدسة كانت منتشرة شرقاً وغرباً فلا يمكن التحريف لأحد كما لا يمكن في كتابكم (أقول): جوابها ظاهر على من طالع المقاصد الثلاثة وجواب المغالطة الأولى، فإذا وقع التحريف بالفعل بإقرارهم فأي محل لعدم إمكانه، وقياس هذه الكتب على القرآن المجيد قياس مع الفارق لأن هذه الكتب قبل إيجاد صنعة الطبع كانت قابلة للتحريف، وما كان اشتهارها بحيث يكون مانعاً عن التحريف، ألا ترى كيف حرف اليهود وملحدو المشرق على ما أقرت به فرقة البروتستنت وفرقة الكاثلك الترجمة اليونانية، مع أن اشتهارها شرقاً وغرباً كان أزيد من اشتهار النسخة العبرانية، وكيف أثر تحريفهم كما علمت في القول التاسع عشر من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى بخلاف القرآن المجيد فإن اشتهاره وتواتره كانا في كل قرن من القرون مانِعَيْن عن التحريف، والقرآن في كل طبقة كما كان محفوظاً في الصحائف فكذا كان محفوظاً في صدور أكثر المسلمين، ومن كان شاكاً في هذا الباب فليجرب في هذا الزمان أيضاً لأنه لو رأى المجرب في الجامع الأزهر فقط من جوامع مصر وجد في كل وقت أكثر من ألف شخص يكونون حافظين للقرآن كله على سبيل التجويد التام، ووجد كل قرية صغيرة من قرى الإسلام من مصر لا تخلو عن الحفاظ، ولا يوجد في جميع ديار أوربا في هذه الطبقة من المسيحيين مع فراغ بالهم وتوجههم التام إلى العلوم والصنائع وكونهم أكثر من المسلمين عدداً عدد حفاظ الإنجيل بحيث يساوي عدد الحفاظ الموجودين في الجامع الأزهر فقط، بل لا يكون عددهم في جميع ديار أوربا يبلغ عشرة، ونحن ما سمعنا أحداً أيضاً يكون حافظاً لجميع الإنجيل فقط في هذه الطبقة فضلاً أن يكون حافظاً للتوراة وغيره أيضاً، فجميع ديار أوربا من المسيحيين في هذا الباب ليسوا في مقابلة قرية صغيرة من قرى مصر، وليس الكبار من القسيسين في هذا الأمر خاصة في مقابلة الحمارين والبغالين من أهل مصر، وكان عُزَيْز النبي عليه السلام يُمْدَحُ بحفظ التوراة في أهل الكتاب، ويوجد في الأمة المحمدية في هذه الطبقة أيضاً مع ضعف الإسلام في أكثر الأقطار أزيد من مائة ألف من حفاظ القرآن في جميع ديار الإسلام، وهذا هو الفضل البديهي لأمة محمد صلى اللّه عليه وسلم ولكتابهم، وهذا الأمر أيضاً معجزة لنبيهم ترى في كل طبقة من الطبقات
        (المغالطة الثانية).

        (حكاية)
        جاء يوماً أمير من أمراء الإنكليز في مكتب في بلدة سهار تفور من بلاد الهند ورأى الصبيان مشتغلين بتعلم القرآن وحفظه، فسأل المعلم: أي كتاب هذا. فقال: القرآن المجيد، فقال الأمير: أحفظ أحد منهم القرآن كله؟، فقال المعلم: نعم، وأشار إلى عدة منهم فلما سمع استبعد فقال: اطلب واحداً منهم وأعطني القرآن أمتحن، فقال المعلم: اطلب أيهم شئت فطلب واحداً منهم كان ابن ثلاثة عشرة أو أربعة عشر وامتحنه في مواضع فلما تيقن أنه حافظ لجميع القرآن تعجب، وقال: أشهد أنه ما ثبت تواتر لكتاب من الكتب كما ثبت للقرآن، يمكن كتابته من صدر صبي من الصبيان مع غاية صحة الألفاظ، وضبط الأعراب.

        وأنا أورد عليك أموراً يزول بها استبعاد وقوع التحريف في كتبهم :
        (الأمر الأول) كان موسى عليه السلام كتب نسخة التوراة وسلمها إلى الأحبار وسائر كبراء بني إسرائيل وأوصاهم بمحافظتها ووضعها في جنب صندوق الشهادة وإخراجها إلى الناس بعد كل سبعة سبعة من السنين في يوم العيد لأجل سماع بني إسرائيل، فكانت هذه النسخة موضوعة في جنب الصندوق وكانت الطبقة الأولى على وصية موسى عليه السلام، فلما انقرضت هذه الطبقة تغير حال بني إسرائيل فكانوا يرتدون تارة ويُسْلمون أخرى، وهكذا كان حالهم إلى أول سلطنة داود عليه السلام، وحسنت حالهم في تلك السلطنة وصَدْرَ سلطنة سليمان عليه السلام وكانوا مؤمنين، لكن لأجل الانقلابات المذكورة ضاعت تلك النسخة الموضوعة في جنب الصندوق، ولا يُعْلم جزماً متى ضاعت ولما فتح سليمان الصندوق في عهده ما وجد فيه غير اللَّوْحين اللذين كانت الأحكام العشرة فقط مكتوبة فيهما كما هو مصرح في الآية التاسعة من الباب الثامن من سفر الملوك الأول وهي هكذا: "ولم يكن في التابوت إلا اللوحان الحجريان اللذان وضعهما موسى بحوريت حيث عاهد الرب بني إسرائيل وأخرجهم من أرض مصر" ثم وقع الانقلاب العظيم في آخر سلطنة سليمان عليه السلام على ما تشهد به كتبهم المقدسة بأن ارتد سليمان والعياذ باللّه تعالى في آخر عمره بترغيب الأزواج وعَبَد الأصنام وبنى المعابد لها، فإذا صار مرتد أو وثنياً ما بقي له غرض بالتوراة، وبعد موته وقع انقلاب أعظم وأشد من الأول بأن تفرق أسباط بني إسرائيل وصارت السلطنة الواحدة سلطنتين، فصارت عشرة أسباط في جانب والسبطان في جانب، وصار يوربعام سلطاناً على عشرة أسباط وسميت تلك السلطنة الإسرائيلية، وصار رحبعام بن سليمان سلطاناً على السبطين وسميت تلك السلطنة سلطنة يهودا، وشاع الكفر والارتداد بين السلطنتين لأن يوربعام بعد ما جلس على سرير السلطنة ارتد، وارتدت الأسباط العشرة معه، وعبدوا الأصنام، ومن بقي منهم على ملة التوراة من الكهنة هاجر إلى مملكة يهودا، فهذه الأسباط من هذا العهد إلى مائتين وخمسين سنة كانوا كافرين عابدين الأصنام ثم أبادهم اللّه بأن سلط الأسوريين عليهم فأسروهم وفرقوهم في الممالك، وما أبقوا في تلك المملكة إلا شرذمة قليلة، وعمروا تلك المملكة من الوثنيين فاختلطت هذه الشرذمة القليلة بالوثنيين اختلاطاً شديداً، فتزاوجوا وتناكحوا وتوالدوا وسميت أولادهم السامريين فمن عهد يوربعام إلى آخر السلطنة الإسرائيلية ما كان لهذه الأسباط غرض بالتوراة، وكان وجود نسخ التوراة في تلك المملكة كوجود العنقاء.هذا حال الأسباط العشرة والسلطنة الإسرائيلية.
        وجلس على سرير سلطنة يهودا من بعد موت سليمان عليه السلام إلى ثلثمائة واثنتين وسبعين سنة عشرون سلطاناً، وكان المرتدون من هؤلاء السلاطين أكثر من المؤمنين، وشاع عبادة الأصنام في عهد رحبعام ، ووضعت تحت كل شجرة وعُبدت، وفي عهد آخذ بنيت المذابح للبعل في كل جانب وناحية من بلدة أورشليم، وسدت أبواب بيت المقدس وكان قبل عهده نهب أورشليم وبيت المقدس مرتين ففي المرة الأولى تسلط سلطان مصر ونهب جميع أثاث بيت اللّه وبيت السلطان، وفي المرة الثانية تسلط سلطان إسرائيل المرتد ونهب بيت اللّه وبيت السلطان نهباً شديدثم اشتد الكفر في عهد منسا حتى صار أكثر أهل تلك المملكة وثنيين وبنى مذبح الأصنام في فناء بيت المقدس، ووضع الوثن الذي كان يعبده في بيت المقدس، وهكذا كان حال الكفر في عهد آمون ابنه، ولما جلس يوشيا بن آمون على سرير السلطنة تاب إلى اللّه توبة نصوحاً، وكان هو وأراكينه متوجهين لترويج الملة الموسوية، وهدم رسوم الكفر والشرك في غاية الجد والاجتهاد، ولكنه مع ذلك ما رأى أحد ولا سمع وجود نسخة التوراة إلى سبع عشرة سنة من سني سلطنته، ثم ادعى حلقيا الكاهن في العام الثامن عشر من سلطنته أنه وجد نسخة التوراة في بيت المقدس وأعطاها شافان الكاتب، فقرأ على يوشيا فلما سمع يوشيا مضمونه شق ثيابه لأجل الحزن على عصيان بني إسرائيل، كما هو مصرح في الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الثاني، والباب الرابع والثلاثين والسفر الثاني من أخبار الأيام، لكن لا يعتمد على هذه النسخة، ولا على قول حلقيا لأن البيت نهب مرتين قبل عهد آخذ، ثم جعل بيت الأصنام وسدنة الأصنام كانوا يدخلون البيت كل يوم، وما سمع أحد إلى سبعة عشرة عاماً من سلطنة يوشيا أيضاً اسم التوراة، ولا رآه، مع أن السلطان والأمراء والرعايا كانوا في غاية الاجتهاد لاتباع الملة الموسوية، وكانت الكهنة يدخلون كل يوم إلى هذه المدة، فالعجب كل العجب أن تكون النسخة في البيت ولا يراها أحد، فهذه النسخة ما كانت إلا من مخترعات حلقيا فإنه لما رأى توجه السلطان والأراكين إلى اتباع الملة الموسوية، جمعها من الروايات اللسانية التي وصلت إليه من أفواه الناس سواء كانت صادقة أو غير صادقة، وكان إلى هذه المدة في جمعها وتأليفها، فبعد ما جمع نسب إلى موسى عليه السلام، ومثل هذا الافتراء والكذب لترويج الملة وإشاعة الحق كان من المستحبات الدينية عند متأخري اليهود وقدماء المسيحيين كما عرفت، لكني أقطع النظر ههنا عن هذا وأقول إنه وجدت نسخة التوراة في العام الثامن عشر من سلطنة يوشيا وبقيت معمولة إلى ثلاث عشرة سنة مدة حياته، ولما مات وجلس ياهوحاز على سرير السلطنة ارتد وأشاع الكفر وتسلط عليه سلطان مصر وأسره وأجلس أخاه على سرير السلطنة، وهو كان مرتداً أيضاً كأخيه ولما مات جلس ابنه على السرير وكان مرتداً كأبيه وعمه، وأسره بختنصَّر مع جم غفير من بني إسرائيل ونهب بيت المقدس، وكنز بيت الملك، وأجلس عمه على سرير السلطنة، وكان مرتداً أيضاً مثل ابن أخيه - فإذا علمت هذا فأقول: إن تواتر التوراة في اليهود عندي منقطع قبل زمان يوشيا والنسخة التي وجدت في عهده لا اعتماد عليها ولا يثبت بها التواتر، ومع ذلك ما كانت معمولة إلا إلى ثلاث عشرة سنة، وبعدها لم يعلم حالها. والظاهر أنه لما رجع الارتداد والكفر بين أولاد يوشيا زالت قبل حادثة بختنصر وكان وجودها بين أزمنة الارتداد كالطهر المتخلل بين الدمين، ولو فرض بقاؤها أو بقاء نقلها فالمظنون زوالها في حادثة بختنصَّر وهذه الحادثة هي الأولى.

        (الأمر الثاني) لما بغى هذا السلطان الذي أجلسه بختنصر عليه فأسره وذبح أولاده قدام عينيه أولاً، ثم قلع عينيه وربطه بالسلاسل وأرسله إلى بابل وأحرق بيت اللّه وبيت الملك وجميع بيوت أورشليم وكل منزل جليل وجميع بيوت الكبراء أحرقها بالنار، وهدم سور أورشليم وأسر سائر شعوب بني إسرائيل وسباهم، وعمر تلك المملكة من مساكين الأرض وضعفائها كرّامين وفلاحين، وهذه هي الحادثة الثانية لبختنصر، وفي هذه الحادثة انعدم التوراة وكذا جميع كتب العهد العتيق التي كانت مصنفة قبل هذه الحادثة عن صفحة العالم رأساً، وهذا الأمر مسلم عند أهل الكتاب أيضاً كما عرفت مفصلاً في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول.

        (الأمر الثالث) لما كتب عزرا عليه السلام كتب العهد العتيق مرة أخرى على زعمهم ووقعت حادثة أخرى جاء ذكرها في الباب الأول من الكتاب الأول للمقابيين هكذا: "لما فتح انتيوكس ملك ملوك الفرنج أورشليم أحرق جميع نسخ كتب العهد العتيق التي حصلت له من أي مكان بعد ما قطعها وأمر أن من يوجد عنده نسخة من نسخ كتب العهد العتيق أو يؤدي رسم الشريعة يقتل، وكان تحقيق هذا الأمر في كل شهر فكان يقتل من وجد عنده نسخة من كتب العهد العتيق، أو ثبت أنه أدى رسماً من رسوم الشريعة وتعدم تلك النسخة" انتهى ملخصاً، وكانت هذه الحادثة قبل ميلاد المسيح بمائة وإحدى وستين سنة، وكانت ممتدة إلى ثلاث سنين ونصف كما فصلت في تواريخهم وتاريخ يوسيفس، فانعدمت في هذه الحادثة جميع النسخ التي كتبها عزرا كما عرفت في الشاهد السادس عشر من المقصد الأول من كلام جان ملنر كاثلك "لما ظهرت نقولها الصحيحة بواسطة عزرا ضاعت تلك النقول أيضاً في حادثة أنتيوكس" انتهى ثم قال جان ملنر: "فلم تكن شهادة لصداقة هذه الكتب ما لم يشهد المسيح والحواريون" (أقول) قد عرفت حال هذه الشهادة في جواب المغالطة الثانية.

        (الأمر الرابع) وقعت على اليهود بعد هذه الحادثة المذكورة حوادث أخرى أيضاً من أيدي ملوك الفرنج انعدمت فيها نقول عزرا ونسخ لا تحصى، ومنها حادثة طيطوس الرومي وهي حادثة عظيمة وقعت بعد عروج المسيح بسبع وثلاثين سنة، وهذه الحادثة مكتوبة بالتفصيل التام في تاريخ يوسيفس وتواريخ أخرى، وهلك في هذه الحادثة من اليهود في أورشليم ونواحيه ألف ألف ومائة ألف بالجوع والنار والسيف والصلب، وأسر سبعة وتسعون ألفاً وبيعوا في الأقاليم المختلفة، وهلك جموع كثيرة في أقطار أرض اليهودية أيضاً.

        (الأمر الخامس) أن القدماء المسيحيين ما كانوا ملتفتين إلى النسخة العبرانية من العهد العتيق بل جمهورهم كانوا يعتقدون تحريفها وكانت الترجمة اليونانية معتبرة عندهم سيما إلى آخر القرن الثاني من القرون المسيحية فإنه لم يلتفت أحد منهم إلى النسخة العبرانية، وكانت هذه الترجمة مستعملة في جميع معابد اليهود أيضاً إلى آخر القرن الأول فكانت نسخ العبرانية لهذا الوجه أيضاً قليلة، ومع كونها قليلة كانت عند اليهود كما ظهر لك في الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى.

        (الأمر السادس) إن اليهود أعدموا نسخاً كتبت في المائة السابعة والثامنة لأنها كانت تخالف مخالفة كثيرة للنسخ التي كانت معتمدة عندهم، ولذلك ما وصلت إلى مصححي العهد العتيق النسخة المكتوبة في هاتين المائتين فبعد ما أعدموا بقيت النسخ التي كانوا يرضون بها فكان لهم مجال واسع للتحريف كما عرفت في القول العشرين من الهداية المذكورة.

        (الأمر السابع) كان في المسيحيين أيضاً في الطبقات الأول أمر موجب لقلة النسخ وإمكان تحريف المحرفين، لأن تواريخهم تشهد بأنهم إلى ثلثمائة سنة كانوا مبتلين بأنواع المحن والبلايا ووقع عليهم عشر قتلات عظيمة (الأول) في عهد السلطان نيرون في سنة 64 واستشهد فيه بطرس الحواري وزوجته، وقتل بولس أيضاً، وكان هذا القتل في دار السلطنة وإيالاته، وبقي الحال هكذا إلى حياة هذا السلطان وكان الإقرار بالمسيحية يُعَدُّ جرماً عظيماً في حق المسيحيين (والثاني) في عهد السلطان دومشيان وكان هذا السلطان مثل نيرون عدواً للملة المسيحية فأمر بالقتل فظهر القتل العام الذي حصل منه خوف استئصال هذه الملة وأجلى يوحنا الحواري وقتل فليوبس كليمنس (والثالث) في عهد السلطان ترجان وكان ابتداؤه سنة 101 وبقي الحال هكذا إلى ثماني عشرة سنة، وقتل فيه إكناسش أسقف كورنتيه، وكليمنت أسقف الروم، وشمعون أسقف أورشليم (والرابع) في عهد السلطان مرقس أنتونيس وكان ابتداؤه سنة 161 وبقي الحال هكذا إلى أزيد من عشر سنين، وبلغ القتل شرقاً وغرباً وكان هذا السلطان فلسفياً مشهوراً متعصباً في الوثنية (والخامس) في عهد السلطان سويرس وكان ابتداؤه سنة 202 وقتل ألوف في مصر وكذا في ديار فرانس وكارتهيج، وكان القتل في غاية الشدة بحيث ظن المسيحيون أن هذا الزمان زمان الدجال (والسادس) في عهد السلطان مكسيمن وكان ابتداؤه سنة 237 وصدر أمره وقتل فيه أكثر العلماء لأنه ظن أنه إذا قتل أهل العلم جعل العوام مطيعين في غاية السهولة، وقتل فيه البابا بونتيانوس والبابا انتيروس (والسابع) في عهد السلطان دي شس سنة 253 وأراد هذا السلطان استئصال الملة المسيحية، فصدر أوامره إلى حكام الإيالات وارتد في هذه الحادثة بعض المسيحيين، وكان مصر وأفريكا وإتالي والمشرق مواضع تفرج ظلمه (والثامن) في عهد السلطان ولريان سنة 257 وقتل فيه ألوف، ثم صدر أمره في غاية الشدة بأن يقتل الأساقفة وخدام الدين، ويذل الأعزة وتؤخذ أموالهم، فلو بقوا بعد هذا أيضاً مسيحيين يقتلون، وتسلب أموال النساء الشرائف ويجلين من الأوطان، ويؤخذ المسيحيون الباقون عبيداً ويحبسون ويلقى في أرجلهم سلاسل ويستعملون في أمور الدولة (التاسع) في عهد السلطان أريلين وكان ابتداؤه سنة 274 وصدر أمره لكن ما قتل فيه كثير لأن السلطان قد قتل (والعاشر) في سنة 302 وامتلأت الأرض شرقاً وغرباً في هذا القتل وأحرقت بلدة فريجيا كلها دفعة واحدة بحيث لم يبق فيها أحد من المسيحيين.
        فهذه الوقائع لو كانت صادقة كما يدعون لا يتصور فيها كثرة النسخ ولا محافظة الكتب كما ينبغي ولا تصحيحها ولا تحقيقها، ويكون للمحرفين في أمثال هذه الأوقات مجال كثير للتحريف، وقد عرفت في جواب المغالطة الأولى أن الفرق الكثيرة المبتدعة من المسيحيين قد كانوا في القرن الأول وكانوا يحرفون.

        (الأمر الثامن) أراد يوكليشين أن يمحو وجود الكتب المقدسة لهم عن صفحة العالم واجتهد في هذا الباب وأمر في سنة 303 بهدم الكنائس وإحراق الكتب وعدم اجتماع المسيحيين للعبادة فهدمت الكنائس وأحرق كل كتاب حصل له بالجد التام، ومن أبى أو ظُن أنه أخفى كتاباً عُذِّب عذاباً شديداً وامتنعوا عن الاجتماع للعبادة كما هو مصرح به في تواريخهم. وقال لاردن في الصفحة 522 من المجلد السابع من تفسيره: "صدر أمر يوكليشين في شهر مارج من السنة التاسعة عشرة من جلوسه أن يهدم الكنائس ويحرق الكتب المقدسة" ثم قال: "يقول يوسى بيس بالحزن التام إنه رأى بعينيه أن الكنائس هدمت والكتب المقدسة أحرقت في الأسواق" ولا أقول إن النسخ كلها بإعدامه انعدمت عن صفحة العالم، لكن لا شك أنها قلت جداً وضاعت من النسخ الغير المحصورة النفيسة الصحيحة، لأن كثرة المسيحيين وكثرة كتبهم كما كانت في مملكته ودياره ما كانت بمنزلة عشرها في غيرها، وانفتح باب التحريف ولا عجب أن انعدم بعض الكتب رأساً أيضاً، ويكون الموجود باسمه بعده جعلياً مختلقاً، لأن هذا الأمر قبل إيجاد صنعة الطبع كان أمراً ممكناً كما علمت في القول العشرين من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى أن النسخ المخالفة لنسخة اليهود انعدمت رأساً بإعدامهم بعد المائة الثامنة، وقال آدم كلارك في مقدمة تفسيره: "إن أصل التفسير المنسوب إلى تي شن انعدم، والمنسوب إليه الآن مشكوك عند العلماء وشكهم حق" وقال واتسن في المجلد الثالث من كتابه: "كان التفسير المنسوب إلى تي شن موجوداً في عهد تهيودورت، وكان يقرأ في كل كنيسة، لكن تهيودورت أعدم جميع نسخه ليقيم الإنجيل مقامه" انظروا كيف انعدم هذا التفسير عن صفحة العالم بإعدام تهيودورت وكيف اخترع واختلق المسيحيون بدله، ولا شك أن اقتدار ديوكليشين الذي ملك ملوك الفرنج أزيد من اقتدار اليهود، وكذا زمان إعدامه كان أقرب من زمان إعدامهم، وكذا اقتداره أزيد من اقتدار تهيودورت، فلا استبعاد أن ينعدم بعض كتب العهد الجديد بحادثة ديوكليشين والحوادث التي ظهرت في عهد السلاطين المذكورين الذين كانوا ملوك الملوك في عهدهم، ثم يكون الموجود باسمه مختلقاً كما سمعت في تفسير تي شن، والاهتمام إلى اختلاق بعض كتب العهد الجديد كان أهم عندهم من اختلاق التفسير المذكور، وكانت المقولة المقبولة عندهم التي مر ذكرها في القول السادس من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى حاكمة باستحسان هذا الاختلاق واستحبابه، ولأجل الحوادث المذكورة في هذه الأمور الثمانية المسطورة فقدت الأسانيد المتصلة بكتبهم ولا يوجد عندهم سند متصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد لا عند اليهود ولا عند المسيحيين، كما عرفت نبذاً منه، وطلبنا مراراً من القسيسين العظام السند المتصل فما قدروا عليه واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني وبينهم، فقال إن سبب فقدان الإسناد عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلثمائة وثلاث عشرة سنة، ونحن تصفحنا كتب الإسناد لهم فما رأينا فيها غير الظن والتخمين، وبهذا القدر لا يثبت السند.

        (المغالطة الخامسة) إن بعض نسخ الكتب المقدسة التي كتبت قبل زمان محمد صلى اللّه عليه وسلم موجودة إلى الآن عند المسيحيين وهذه النسخ موافقة لنسخنا أقول: أولاً إن في هذه المغالطة دعوتين الأولى أن هذه النسخ الموجودة كتبت قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم، والثانية أنها موافقة لنسخنا وكلتاهما غير صحيحتين.
        أما الأولى فلأنك قد عرفت في القول العشرين من الهداية الثالثة من جواب المغالطة الأولى أنه لم يصل إلى مصححي العهد العتيق نسخة عبرانية كتبت في المائة السابعة والثامنة، بل لم تصل إليهم نسخة عبرانية كاملة تكون مكتوبة قبل المائة العاشرة، لأن النسخة القديمة التي حصلت لكني كات هي نسخة تسمى بكودكس لاديانوس وقال إنها كتبت في المائة العاشرة، وقال موشيودي روسي إنها كتبت في المائة الحادية عشرة، ولما طبع واندرهوت النسخة العبرانية بادعاء التصحيح الكامل خالف هذه النسخة في أربعة عشر ألف موضع، منها أزيد من ألفي موضع في التوراة فقط فانظر إلى كثرة غلطها، وأما نسخ الترجمة اليونانية فثلاث منها قديمة عندهم جداً الأولى كودكس اسكندر يانوس، والثانية كودكس واطيكانوس، والثالثة كودكس أفريمي والأولى موجودة في لندن، وكانت هذه النسخة عند المصححين في المرتبة الأولى من النسخ معلمة بعلامة الأول، والثانية موجودة في بلدة روما من إقليم إطالية، وكانت عند المصححين في المرتبة الثانية ومعلمة بعلامة الثاني، والثالثة موجودة في بلدة بارس، وفيها كتب العهد الجديد فقط، وليس فيها كتاب من كتب العهد العتيق، ولا بد من بيان حال هذه النسخ الثلاث فأقول: قال هورن في المجلد الثاني من تفسيره في بيان كودكس اسكندر يانوس: "هذه النسخة في أربعة مجلدات، ففي المجلدات الثلاثة الأولى الكتب الصادقة والكاذبة من كتب العهد العتيق، ويوجد في المجلد الرابع العهد الجديد، والرسالة الأولى لكليمنت إلى أهل قورنثيوس والزبور الكاذب المنسوب إلى سليمان عليه السلام" ثم قال: "وتوجد قبل الزبور رسالة انهاني سيش، وبعده فهرست ما يقرأ في صلاة كل ساعة ساعة من الليل والنهار، وأربعة عشرة زبوراً إيمانياً الحادي عشر منها في نعت مريم رضي اللّه عنها، وبعضها كاذبة وبعضها مأخوذة من الإنجيل، ودلائل يوسي بيس مكتوبة على الزبورات وقوانينه على الأناجيل، وبالغ البعض في مدح هذه النسخة والبعض الآخرون في ذمها، ورئيس أعدائها وتستين وفي قدامتها كلام فظن كريب وشلز هكذا: لعل هذه النسخة كتبت في آخر المائة الرابعة، وقال ميكايلس هو حَدُّ قدامتها، ولا يمكن أن يفرض أقدم منه، لأن رسالة انهاني سيش توجد فيها، وفهم أودن أنها كتبت في القرن العاشر، وقال وتستين إنها كتبت في القرن الخامس وظن هكذا لعل هذه نسخة من النسخ التي جمعت في اسكندرية سنة 615 لأجل الترجمة السريانية، وفهم داكتر سملر أنها كتبت في القرن السابع، وقال مونت فاكن لا يمكن أن يقال جزماً في حق نسخة من نسخ اسكندر يانوس كانت أو غيرها إنها كتبت قبل القرن السادس، وقال ميكايلس إنها كتبت في زمان صار لسان أهل مصر فيه لساناً عربياً، يعني بعد مائة أو مائتين من تسلط المسلمين على اسكندرية، لأن كاتبه بدّل في كثير من المواضع الميم من الباء وبالعكس، كما تبدل في اللسان العربي فاستدل بهذا أنها لا يمكن أن تكون مكتوبة قبل القرن الثامن، وفهم وايد أنها كتبت في وسط القرن الرابع أو في آخره، ولا يمكن أن يكون أقدم من هذا لأنها لا توجد فيها الأبواب والفصول، ويوجد فيها نقل قانون يوسي بَيَسْ، واعتراض إسباين على دلائل وايد، وأدلة كونها مكتوبة في القرن الرابع والخامس هذا الأول لا يوجد التقسيم بالأبواب في رسائل بولس وقد كان هذا التقسيم في سنة 396، والثاني يوجد فيها رسائل كليمنت التي منع قراءتها محفل لوديسيا وكارتهيج، فاستدل شلز بهذا أن هذه النسخة كتبت قبل سنة 364، والثالث استدل شلز بدليل جديد آخر وهو أنه يوجد في الزبور الرابع عشر الإيماني فقرة كانت توجد سنة 444 وسنة 446، فهذه النسخة كتبت قبل هذه السنين، وظن وتستين أنها كتبت قبل زمان جيروم لأنه بدَّل فيها المتن اليوناني بترجمة إتالك القديم، وكاتبه لا يعلم أنهم كانوا يقولون للعرب هكارين لأنه كتب أكوراو بدل أكاراو، وأجابه الآخرون بأن هذا غلط كاتب فقط لأنه جاء لفظ أكاراوون في الآية الأخيرة، وقال ميكايلس لا يثبت بهذه الدلائل شيء لأن هذه النسخة منقولة عن نسخة أخرى بالضرورة فعلى تقدير كونها منقولة بالاهتمام تتعلق هذه الدلائل بالنسخة التي هي منقولة عنها لا بهذه النسخة، نعم يمكن تصفية الأمر شيئاً بالخط وأشكال الحروف وعدم الإعراب، ودليل عدم كونها مكتوبة في القرن الرابع هذا ظن داكتر سِمْلر أن رسالة اتهاني سيش في حسن الزبورات يوجد فيها وإدخالها في حياته كان محالاً، فاستدل أوْدِن بهذا أنها كتبت في القرن العاشر، لأن هذه الرسالة كاذبة ولا يمكن جعلها في حياته، وكان الجعل في القرن العاشر في غاية القوة"، ثم قال هورن في المجلد المذكور في بيان كودكس واطيكانوس: "كتب في مقدمة الترجمة اليونانية التي طبعت في سنة 1590: كُتِبت هذه النسخة قبل سنة 388 يعني في القرن الرابع وقال موت فاكن وبلين جيني: كتبت في القرن الخامس أو السادس، وقال ديوين في القرن السابع، وقال هك في ابتداء القرن الرابع،
        وقال مارش في آخر القرن الخامس ولا يوجد الاختلاف بين نسختين من نسخ العهد العتيق والجديد مثل الاختلاف الذي يوجد بين كودكس اسكندر يانوس وهذه النسخة"، ثم قال: "استدل كني كات بأن هذه النسخة وكذا نسخة اسكندر يانوس ليستا بمنقولتين عن نسخة أرجن ولا عن نقولها التي كانت نقلت في قرب زمانه، بل هما منقولتان عن النسخ التي ما كانت علامات أرجن فيها يعني في زمان تركت علاماته في النقول" ثم قال في المجلد المذكور في بيان كودكس افريمي: "ظن وِتَسْتين أن هذه النسخة من النسخ التي جمعت في اسكندرية لتصحيح الترجمة السريانية لكن لا دليل على هذا الأمر، واستدل بالحاشية التي على الآية السابعة من الباب الثامن من الرسالة العبرانية أن هذه النسخة كتبت قبل سنة 542، لكن ميكايلس لا يفهم استدلاله قوياً ويقول بهذا القدر فقط أنها قديمة، وقال مارش: كتبت في القرن السابع" انتهى.
        فظهر لك أنه لم يوجد دليل قطعي على أن هذه النسخ كتبت في القرن الفلاني وليس مكتوباً في آخر كتاب من كتبها أيضاً أن كاتبه فرغ في السنة الفلانية كما يكون هذا مكتوباً في آخر الكتب الإسلامية غالباً، وعلماؤهم يقولون رجماً بالغيب بالظن الذي نشأ لهم عن بعض القرائن لعلها كتبت في قرن كذا أو قرن كذا، ومجرد الظن والتخمين لا يتم دليلاً على المخالف، وقد عرفت أن أدلة القائلين بأن نسخة اسكندر يانوس كتبت في القرن الرابع أو الخامس ضعيفةٌ منقوضة، وظنُّ سِمْلر أيضاً بعيدٌ لأن تغير لسان إقليم بلسان إقليم آخر في مدة قليلة خلاف العادة، وقد تسلط العرب على الإسكندرية في القرن السابع من القرون المسيحية لأنهم تسلطوا في السنة العشرين من الهجرة على الأصح، إلا أن يكون مراده آخر هذا القرن، ودليل ميكايلس سالم عن الاعتراض، فلا بد أن يسلم، فهذه النسخة لا يمكن أن تكون مكتوبة قبل القرن الثامن، والأغلب كما قال أودن أنها كتبت في القرن العاشر الذي كان بحرُ التحريف فيه موّاجاً، ويؤيده أن هذه النسخة تشتمل على الكتب الكاذبة أيضاً، فالظاهر أن كاتبها كان في زمان كان فيه تمييز الكاذب عن الصادق متعسراً، وهذا كان على وجه الكمال في القرن العاشر، وأن بقاء القرطاس والحروف إلى ألف وأربعمائة سنة أو أزيد مستبعد عادة سيما إذا لاحظنا أن طريقة المحافظة، وكذا طريقة الكتابة في الطبقات الأول ما كانتا جيدتين، ورد ميكايلس استدلال وتستين في حق كودكس افريمي، وعرفت قول مونت فاكن وكني كات أيضاً، وعرفت قول ديوين في حق كودكس واطيكانوس، وقول مارش في حق كودكس افريمي أنهما كتبتا في القرن السابع، فظهر أن الدعوى الأولى ليست بثابتة لأن ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم على آخر القرن السادس من القرون المسيحية، وإذا ثبت أن كودكس اسكندر يانوس تشتمل على كتب كاذبة أيضاً، وأن البعض ذمّها ذماً بليغاً وأن وتستين رئيس أعدائه الذّامِّين، ولا يوجد الاختلاف بين نسختين من نسخ العهد العتيق والجديد مثل الاختلاف الذي يوجد بين كودكس واطيكانوس - ظهر أن الدعوى الثانية أيضاً ليست بصحيحة، وأقول ثانياً: لو قطعنا النظر عما قلنا وفرضنا أن هذه النسخ الثلاث كتبت قبل محمد صلى اللّه عليه وسلم فلا يضرنا لأنا لا ندعي أن الكتب المقدسة لهم كانت غير محرفة إلى زمان ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم وبعد ذلك حرفت، بل ندعي أن هذه الكتب كانت قبل ظهور محمد صلى اللّه عليه وسلم لكنها بلا إسناد متصل وأن التحريف كان فيها قبله يقيناً ووقع في بعض المواضع بعده أيضاً، فلا ينافي هذه الدعوى وجود النسخ الكثيرة فضلاً عن ثلاث نسخ، بل لو وجدت ألف نسخة مثل اسكندر يانوس لا يضرنا بل كان نافعاً لنا باعتبار أن اشتمال هذه النسخ على الكتب الجعلية يقيناً واختلافها بينها اختلافاً شديداً كما في كودكس اسكندر يانوس وكودكس واطيكانوس من أعظم الأدلة الدالة على تحريف أسلافهم، ولا يلزم من القَدَامة الصحة ألا ترى إلى بعض الكتب الكاذبة المندرجة في اسكندر يانوس .

        تعليق

        • الغدنفر
          0- عضو حديث
          • 5 أغس, 2010
          • 24
          • محاسب
          • مسلم

          #5
          شهادة الكتاب المقدس على نفسه بالتحريف


          إليك أيها القارىء الشهادة بتحريف الكتاب المقدس من الكتاب المقدس نفسه :
          أولاً : أن كاتب المزمور ( 56 : 4 ) ينسب إلى داود عليه السلام بأن أعدائه طوال اليوم يحرفون كلامه :
          )) مَاذَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْنَعَ بِي الْبَشَرُ ؟ يُحَرِّفُ أَعْدَائِي طَوَالَ الْيَوْمِ كَلاَمِي.))
          ثانياً : لقد اعترف كاتب سفر ارميا ( 23 : 13 ، 15 ، 16 ) بأن أنبياء أورشليم وأنبياء السامرة الكذبة حرفوا كلام الله عمداً :
          ))فِي أَوْسَاطِ أَنْبِيَا ءِ السَّامِرَةِ شَهِدْتُ أُمُوراً كَرِيهَةً، إِذْ تَنَبَّأُوا بِاسْمِ الْبَعْلِ، وَأَضَلُّوا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَفِي أَوْسَاطِ أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ رَأَيْتُ أُمُوراً مَهُولَةً: يَرْتَكِبُونَ الْفِسْقَ، وَيَسْلُكُونَ فِي الأَكَاذِيبِ، يُشَدِّدُونَ أَيْدِي فَاعِلِي الإِثْمِ لِئَلاَّ يَتُوبَ أَحَدٌ عَنْ شَرِّهِ. . . لأَنَّهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ أُورُشَلِيمَ شَاعَ الْكُفْرُ فِي كُلِّ أَرْجَاءِ الأَرْضِ. ))
          ثالثاً : لقد اعترف كاتب سفر ارميا بأن اليهود حرفوا كلمة الله لذلك فهو ينسب لإرميا في ( 23 : 36 ) توبيخ النبي إرميا لليهود :
          ))أما وحي الرب فلا تذكروه بعد لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه إِذْ قَدْ حَرَّفْتُمْ كَلاَمَ الإِلَهِ الْحَيِّ، الرَّبِّ الْقَدِيرِ، إِلَهِنَا .))
          رابعاً : ونجد أيضاً ان كاتب سفر ارميا ينسب لإرميا توبيخه وتبكيته لليهود لقيامهم بتحربف كلمة الرب :
          ))كيف تقولون إننا حكماء وكلمة الرب معنا ؟ حقاً إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب . ))
          خامساً : وكاتب سفر الملوك الأول ( 19 : 9 ) ينسب لإليا النبي حين هرب من سيف اليهود فيقول :
          ))وَقَالَ الرَّبُّ لإِيلِيَّا : «مَاذَا تَفْعَلُ هُنَا يَاإِيلِيَّا ؟» فَأَجَابَ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ الإِلَهِ الْقَدِيرِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَنَكَّرُوا لِعَهْدِكَ وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، وَبَقِيتُ وَحْدِي. وَهَا هُمْ يَبْغُونَ قَتْلِي أَيْضاً ))
          سادساً : وكاتب سفر إشعيا ( 29 : 15 ، 16 ) ينسب لإشعيا تبكيته لليهود :
          ))ويل للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير أعمالهم في الظلمة ويقولون من يبصرنا ومن يعرفنا : يالتحريفكم . ))
          فإذا جاء مسيحي وزعم بأن تحريف اليهود لكلمة الرب هو قول غير مقبول نقول له أقرأ شهادة التحريف من كتابك .
          ويتسائل بعض المسيحيون الذين يتجاهلون الشواهد والادلة الدالة على تحريف كتابهم المقدس قائلين : عندما يعطى الله الإنسان كتابا من عنده فهل تظن أنة لا يستطيع المحافظة علية من عبث البشر ؟
          نقول لهؤلاء الذين يتجاهلون الأدلة والشواهد الدالة على تحريف كتابهم المقدس :
          نعم إن الله قادر على ان يحفظ كلمته ولكنه سبحانه وتعالى اختار أن يوكل حفظ كلمته إلى علماء وأحبار اليهود ولم يتكفل هو بحفظها فقد ترك حفظ كلمته بيدهم فكان حفظ الكتاب أمراً تكليفياً وحيث انه أمراً تكليفياً فهو قابل للطاعة والعصيان من قبل المكلفين فالرب استحفظهم على كتابه ولم يتكفل هو بحفظه وإليكم الأدلة من كتابكم المقدس على هذا :
          جاء في سفر التثنية [ 4 : 2 ] قول الرب :
          ))وَالآنَ أَصْغُوا يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الشَّرَائِعِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي أُعَلِّمُهَا لَكُمْ لِتَعْمَلُوا بِهَا، فَتَحْيَوْا وَتَدْخُلُوا لاِمْتِلاَكِ الأَرْضِ الَّتِي يُوَرِّثُهَا لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ لاَ تزيدوا عَلَى الكلام الذي أنا أوصيكم به ، وَلاَ تُنَقِّصُوا مِنْه ُ، لتحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها .))
          وجاء في سفر التثنية [ 12 : 32 ] قول الرب :
          ))كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعملوه لاتزد عليه ولا تنقص منه . ))
          وجاء في سفر الأمثال [ 30 : 5 _ 6 ] :
          ))كل كلمة من الله نقية. ترس هو للمحتمين به. لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذّب ))
          وقد جاء في سفر الرؤيا [22 : 18 ] قول الكاتب :
          ))وَإِنَّنِي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا: إِنْ زَادَ أَحَدٌ شَيْئاً عَلَى مَا كُتِبَ فِيهِ، يَزِيدُُ اللهُ عليه الضربات وَإِنْ حذف أَحَدٌ شَيْئاً مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا ، يُسْقِطُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ . . .))
          أن هذا النص تعبير واضح من الكاتب بأن الله لم يتكفل بحفظ هذا الكتاب لأنه جعل عقوبة من زاد شيئاَ كذا … وعقوبة من حذف شيئاً كذا . .. فهذا دليل واضح بأن الله لم يتكفل بحفظ الكتاب .
          وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى عن التوراة التي كانت شريعة موسى عليه السلام ، وشريعة الأنبياء من بعده حتى عيسى عليه السلام :
          ))إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) المائدة : 44
          ومعنى ( استحفظوا ) : أي أمروا بحفظه ، فهناك حفظ ، وهناك استحفاظ .
          وإذا كان الأحبار والرهبان ممن جاء بعد لم يحفظوا ، بل بدلوا وحرفوا ، فليس معنى ذلك أن الله لم يقدر على حفظ كتابه _ حاشا وكلا _ ولكن المعنى : أن الله لم يتكفل بحفظه ، بل جعل اليهود أمناء عليه .
          ومن المعلوم أن هناك المئات من الرسل والانبياء جاؤوا بعد نوح عليه السلام ولم يتكفل الرب بحفظ رسائلهم سواء كانت شفوية أو مكتوبة وإلا فأين هي ؟ مثال ذلك : صحف ابراهيم التي ذكرت في القرآن الكريم فلا وجود لها اليوم .

          وأخيراً : فهل هناك أعظم من شهادة الكتاب المقدس على نفسه بالتحريف ؟
          لماذا نستكثر على اليهود التحريف وهم اليهود وما أدراك ما اليهود قتلوا الأنبياء بغير حق وصنعوا العجـــل وسجدوا له من دون الله وعبدوا الأصنام واستحلوا المحرمات وقذفوا العذراء الطاهرة مريم عليها السلام بتهمة الزنا وكفروا بالمسيح عليه السلام .......فهل نستكثر عليهم التحريف ......
          لقد أعلنت التوراة بكل وضوح أن اليهود سيفسدون ويقاومون الرب وكلامه ، وذلك كلام موسى في التوراة بعد أن أوصاهم بوضعها بجانب التابوت وفيه كذلك : (( لأني عارف تمردكم ورقابكم الصلبة ، هو ذا وأنا بعد حي معكم ، اليوم صرتم تقاومون الرب ، فكم بالحري بعد موتي )) [ تثنية 31 : 27 ]
          هل كتب موسى عليه السلام التوراة الحالية


          يدعي النصارى أن التوراة الحالية هي من كتابة موسى نفسه عليه السلام إلا أن هناك عدة شواهد وأدلة في التوراة الحالية تأكد على أنها ليست من كتابة موسى وأن مؤلفها وكاتبها شخص آخر عاش بعد موسى بزمن طويل وهذا دليل تحريفها وضياعها :

          ( 1 )هناك جمل وردت في الأسفار الخمسة تدل دلالة واضحة وصريحة على أنها ليست من كلام موسى وليست من كتابته وإنما كتبها شخص آخر ونسبها إلى موسى عليه السلام كالآتي :
          سفر الخروج [ 24 : 3 ] :
          ))فَجَاءَ مُوسَى وَبَلَّغَ الشَّعْبَ بِكُلِّ كَلامِ الرَّبِّ وَأَحْكَامِهِ ))
          سفر الخروج [ 24 : 4 ] :
          )) فَكَتَبَ مُوسَى جَمِيعَ أَقْوَالِ الرَّبِّ، ثُمَّ بَكَّرَ فِي الصَّبَاحِ وَشَيَّدَ مَذْبَحاً عَلَى سَفْحِ الجَبَلِ ))
          سفر التثنية [ 31 : 22 ] :
          ))فَكَتَبَ مُوسَى هَذَا النَّشِيدَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَعَلَّمَهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.))
          فلو كان موسى هو كاتب هذا الكلام لقال [ جئت ] [ قصصت ] [ كتبت ] . . . الخ
          وجاء في نهاية سفر العدد [ 36 : 13 ] هذا النص :
          ))هَذِهِ هِيَ الْوَصَايَا وَالشَّرَائِعُ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الرَّبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ مُوسَى، فِي سُهُولِ مُوآبَ بِجُوَارِ نَهْرِ الأُرْدُنِّ مُقَابِلَ أَرِيحَا. ))
          فيستحيل أن يكون موسى قد قال ذلك ، بل لا بد من أن يكون قائلها كاتب آخر يروي أقوال موسى وأعماله .

          ( 2 )هناك جمل وردت في الاسفار الخمسة تعطي لموسى شهادات وثناءً طيباً من كاتب السفر تكشف لنا أن كاتبها لا يمكن ويستحيل أن يكون موسى وإنما هو كاتب آخر عاش بعد موسى . كالآتي :
          سفر الخروج [ 11 : 3 ] :
          ))الرَّجُلَ مُوسَى كَانَ عَظِيماً فِي مِصْرَ فِي عُيُونِ حَاشِيَةِ فِرْعَوْنَ وَالشَّعْبِ.))
          سفر العدد [ 12 : 3 ] :
          )) وأَمَّا مُوسَى فَقَدْ كَانَ أَكْثَرَ حِلْماً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.))
          فلا يعقل أن يقول موسى عن نفسه : (( الرجل موسى كان حليماً )) (( الرجل موسى كان عظيماً ))
          فما هي هذه الشهادات الطيبة لموسى إلا من كاتب آخر عاش بعده .

          ( 3 )الذي يقرأ مقدمة سفر التثنية لا يلحظ أنها من كتابة موسى ، بل يلحظ أنها من مؤرخ يؤرخ لحياة موسى ، وإليك المقدمة :
          سفر التثنية [ 1 : 1 _ 5 ] :
          ))هَذِهِ هِيَ الأَقْوَالُ الَّتِي خَاطَبَ بِهَا مُوسَى جَمِيعَ الإِسْرَائِيلِيِّينَ الْمُخَيِّمِينَ فِي وَادِي الْعَرَبَةِ، فِي صَحْرَاءِ مُوآبَ شَرْقِيَّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ، مُقَابِلَ سُوفٍ، مَا بَيْنَ فَارَانَ وَتُوفَلَ وَلاَبَانَ وَحَضَيْرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ. وَكَانَتِ الرِّحْلَةُ تَسْتَغْرِقُ مِنْ حُورِيبَ عَبْرَ طَرِيقِ جَبَلِ سِعِيرَ إِلَى قَادَشَ بَرْنِيعَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً. فَفِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الْحَادِي عَشَرَ ، فِي السَّنَةِ الأَرْبَعِينَ، خَاطَبَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكُلِّ مَا أَوْصَاهُ بِهِ الرَّبُّ إِلَيْهِمْ، وَذَلِكَ بَعْدَ هَزِيمَةِ سِيحُونَ مَلِكِ الأَمُورِيِّينَ الْمُقِيمِ فِي حَشْبُونَ، وَعُوجَ مَلِكِ بَاشَانَ السَّاكِنِ فِي عَشْتَارُوثَ فِي إِذْرَعِي. وَابْتَدَأَ مُوسَى فِي أَرْضِ مُوآبَ شَرْقِيَّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ يَشْرَحُ الشَّرِيعَةَ قَائِلاً: . . . .

          ( 4 )أن موسى عليه السلام ، لم يكتب مقدمة سفر التثنية الحالي ، الذي جاء فيه : (( وَابْتَدَأَ مُوسَى فِي أَرْضِ مُوآبَ شَرْقِيَّ نَهْرِ الأُرْدُنِّ يَشْرَحُ الشَّرِيعَةَ )) تثنية [ 1 : 5 ] بسبب واضح جداً هو أن موسى لم يعبر نهر الأردن . وأنه مات في البرية كما جاء في سفر التثنية [ 34 : 5 ، 6 ]

          ( 5 )جاء في سفر التثنية [ 27 : 8 ] أن سفر موسى الأصلي قد نقش كله بوضوح تام على حافة مذبح واحد ، وقد جاء في سفر يشوع [ 8 : 32 ] انه اتبع طريقة موسى فكتب على الحجارة نسخة توراة موسى ، وقد نقش سفر موسى الاصلي كله على اثنتي عشرة حجر على حسب عدد أسباط بني اسرائيل الاثنى عشر ، ومعنى ذلك أن سفر موسى الاصلي كان في حجمه أقل بكثير من الاسفار الخمسة المتداولة اليوم . . .

          ( 6 )جاء في سفر اللاويين جمل وعبارات كثيرة تفيد أن مؤرخاً يسجل التشريع الذي أنزله الله على موسىومن هذه العبارات ما جاء في بداية السفر [ 1 : 1 ] :
          ودعا الرب موسى وكلمه من خيمة الإجتماع قائلاً : . . . .
          فلو كان موسى هو الذي يتحدث عن نفسه لقال : (( ودعاني الرب من خيمة الاجتماع وكلمني قائلاً )) أو ما أشبه ذلك .

          ( 7 )جاء في سفر التثنية [ 34 : 5 _ 10 ] خبر موت موسى ودفنه في أرض إسمها ( موآب ) ، وان يشوع بن نون قد خلفه في قيادة بني اسرائيل ، ولايمكن لعاقل أن يصدق بأن موسى كتب خبر موته قبل أن يموت ! وإليك النص :
          ))وَمَاتَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ بِمُوْجِبِ قَوْلِ الرَّبِّ. وَدَفَنَهُ فِي الْوَادِي فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ قَبْرَهُ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. وَكَانَ مُوسَى قَدْ بَلَغَ مِنَ الْعُمْرِ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَاتَ، لَمْ يَكِلَّ بَصَرُهُ وَلاَ غَاضَتْ نَضَارَتُهُ. وَنَاحَ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى مَوسَى فِي سُهُولِ مُوآبَ طَوَالَ ثَلاَثِينَ يَوْماً. وَكَانَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ قَدِ امْتَلَأَ رُوحَ حِكْمَةٍ بَعْدَ أَنْ وَضَعَ مُوسَى يَدَيْهِ عَلَيْهِ، فَأَطَاعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَعَمِلُوا بِمُقْتَضَى مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ مُوسَى.))

          أي عاقل يقول : أن الكاتب هو موسى وقد ذكر ما حدث لبني اسرائيل بعد موته من نياحتهم عليه طوال 30 يوماً ومن أنه لا أحد يعرف قبره وأن يشوع بن نون قد خلفه في قيادة بني اسرائل ؟ !
          هذا دليل عظيم على أن الكاتب عاش بعد موسى بمدة طويلة وبعد أن حرفت التوراة وضاعت .
          يقول كاتب السفر في الفقرة 6 : (( ولم بعرف أحد قبره إلى هذا اليوم )) ونحن نسأل : كيف ينزل الوحي من الله على موسى بموته ودفنه وتحديد مكان هذا الدفن وهو ما زال حياً ؟!
          ولكي يخرج المسيحيون من هذه الفضيحة قالوا أن هذا الاصحاح كتبه يشوع ، وكيف يصح هذا وفي نفس الاصحاح نص عن يشوع جاء فيه : (( أنه امتلأ روحاً وحكمة فسمع له كل بني إسرائيل )) سفر التثنية
          [ 34 : 9 ] . فهذه حكاية عنه من غيره .
          ثم كيف يدلس يشوع ويلحق بكتاب موسى ماليس منه من غير أن ينسبه إلى نفسه ؟
          وهناك دليل آخر على أن الاصحاح الأخير ليس ليشوع ، وهو أنه جاء في الاصحاح بعد حكاية دفن موسى هذه الجملة : (( ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم )) فهي تدل على أن الجملة كتبت بعد موسى بزمن طويل ، ولو كانت ليشوع لم تكن كذلك .
          ويجب أن نذكر أن سفر التثنية لا يقص فقط موت موسى ودفنه ، وحزن الأيام الثلاثين للعبرانيين عليه بل يحكي أيضاً أن موسى فاق جميع الانبياء ، إذا ما قورن بالانبياء الذين جاؤا بعده :
          يقول كاتب سفر التثنية [ 34 : 1 ] :
          ))ولم يقم من بعده نبي في إسرائيل كموسى الذي عرفه الرب وجهاً لوجه ))
          هذه شهادة لم يكن من الممكن أن يدلي بها موسى لنفسه ، أو أن تكون لشخص آخر أتى بعده مباشرة ، بل هذه شهادة لشخص عاش بعد موسى بقرون عديدة ، وقرأ عن أنبياء عديدين بعد موسى . . . ولا سيما أن المؤرخ قد استعمل الصيغة المعبرة : (( ولم يقم من بعد نبي في اسرائيل )) ويقول عن القبر : (( ولم يعرف أحد قبره إلي يومنا هذا )) .

          ( 8 )جاء في سفر التكوين [ 36 : 31 ] النص الآتي :
          ))وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ حَكَمُوا أَرْضَ أَدُومَ قَبْلَ أَنْ يُتَوَّجَ مَلِكٌ فِي إِسْرَائِيلَ: بَالَعُ بْنُ بَعُورَ مَلَكَ فِي أَدُومَ . . .
          إن هذا كلام قد صدر من كاتب قد عاش بعد زمان قامت فيه مملكة بني إسرائيل في عهد داود وطالوت عليهما السلام ، فكيف يمكن أن يكون هذا الكلام قد صدر من موسى ؟! وأول ملوك مملكة بني إسرائيل هو شاول كان بعد موسى بنحو 400 عام .

          ( 9 )قال كاتب سفر التكوين في [ 12 : 5 _ 6 ] :
          وَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ زَوْجَتَهُ وَلُوطاً ابْنَ أَخِيهِ وَكُلَّ مَا جَمَعَاهُ مِنْ مُقْتَنَيَاتٍ وَكُلَّ مَا امْتَلَكَاهُ مِنْ نُفُوسٍ فِي حَارَانَ، وَانْطَلَقُوا جَمِيعاً إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ إِلَى أَنْ وَصَلُوهَا.فَشَرَعَ أَبْرَامُ يَتَنَقَّلُ فِي الأَرْضِ إِلَى أَنْ بَلَغَ مَوْضِعَ شَكِيمَ إِلَى سَهْلِ مُورَةَ. وَكَانَ الْكَنْعَانِيُّونَ حينئذٍ يَقْطُنُونَ تِلْكَ الأَرْضَ. إن آخر عبارة هنا تدل على أن الكاتب هنا قد كتب بعد استيلاء بني إسرائيل على أرض كنعان وطرد الكنعانيين منها ، لأنه يحكي عن زمن مضى ، حيث
          يقول : (( وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض )) ، وبنو إسرائيل لم يستولوا عليها في زمن موسى وإنما في زمن داود ، أي بعد موسى بمئات السنين .
          أما الديل على أن الاستيلاء على أرض كنعان كان في عصر داود وطالوت فهو ما جاء في سفر صموئيل الأول [ 17 : 23 _ 24 ] _ [17 : 50 _ 51 ] - [ 18 : 6 ] .

          ( 10 )قال كاتب سفر التكوين في [ 14 : 14 ] :
          ))فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ قَدْ أُسِرَ، جَرَّدَ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ غِلْمَانِهِ الْمُدَرَّبِينَ الْمَوْلُودِينَ فِي بَيْتِهِ وَتَعَقَّبَهُمْ حَتَّى بَلَغَ دَانَ والمعنى : ان ابراهيم عليه السلام لما سمع أن لوطاً عليه السلام وقع في الأسر انطلق مع عبيده ليحرره ، وتبع الأعداء إلى قرية تسمى ( دان ) ولفظ دان : هو اسم قرية سميت باسم دان بن يعقوب عليه السلام ، وهذه القرية لم يفتحها بنو اسرائيل زمن موسى ، بل فتحت في عصر قضاة بني اسرلئيل ايام كان القضاة يحكمون قبل مصـر الملوك واسم هذه القرية سابقـاً (لايش ) ففي سفر القضاة :
          (( ودعوا اسم المدينة باسم دان أبيهم الذي ولد لأسرائيل ، ولكن اسم المدينة أولاً لايش )) سفر القضاة
          [ 18 : 29 ]

          ( 11 )يقول كاتب سفر العدد [ 21 : 14 ] عن رحلات بني اسرائيل في سيناء : (( لِذَلِكَ وَرَدَ فِي كِتَابِ حُرُوبِ الرَّبِّ: «مَدِينَةُ وَاهِبٍ فِي مِنْطَقَةِ سُوفَةَ، وَأَوْدِيَةِ نَهْرِ أَرْنُونَ، وَمَصَبِّ الأَوْدِيَةِ الْمُمْتَدِّ نَحْوَ مَدِينَةِ عَارَ، وَالْمُسْتَنِدِ إِلَى حُدُودِ مُوآبَ .))
          فقوله : ( كتاب حروب الرب ) يدل على أن الكاتب ينقل عن كتاب اسمه : (( حروب الرب )) وهذا يفيد أن موسى ليس هو الكاتب والمتحدث عن الله .

          ( 12 )جاء في سفر الخروج [ 16 : 35 ] :
          (( وأكل بنو إسرائيل المن أربعين سنة إلى أن ذهبوا إلى أرض عامرة أكلوا المن إلي حين وافوا حدود أرض كنعان ))
          والقارىء المتأمل سيلحظ أن موسى عليه السلام لم يصدر عنه مثل هذا الكلام وإنما كتبه أحد الأشخاص بعد انتهاء فترة التيه ، فجملة : (( أكلوا المن أربعين سنة )) تدل على أن النص كتب بعد انتهاء الأربعين سنة ودخول بني اسرائيل إلى أرض كنعان ، وموسى مات بالتيبه ولم يدخل أرض كنعان .

          ( 13 )قال كاتب سفر التكوين في [ 3 : 14 ] :
          )) فأخذ تخوم الجشوريين والمعكيين ، وسمى باشان باسمه ضياع يائير ياير إلى هذا اليوم )) وقول الكاتب : (إلى هذا اليوم ) وكون الحديث عن يائير ، كل هذه القرائن تدعو إلى القول بأن النص ليس من كلام موسى عليه السلام إذ أن الذي كتب هذا لابد أن يكون بعد يائير بزمن طويل ، وقد علق على هذا النص المحقق هورن وهو نصراني بقوله : (( هاتان الفقرتان لايمكن أن تكونا من كلام موسى لأن الفقرة الأولى دالة على أن مصنف هذه الكتاب كان بعد زمان قامت فيه سلطنة بني اسرائيل ، والفقرة الثانية دالة على أن مصنفه كان بعد زمان إقامة اليهود في فلسطين ))

          ( 14 )ومما يؤكد ضياع الاسفار الخمسة وأن مؤلفها لم يكن موسى إننا نجد فيها شواهد جغرافية لم تكن معروفة في حياة موسى ، إذ أنها لم توجد إلا بعده ، وما فيها من مصطلحات جغرافية يدل على أن كاتب هذه الاسفار كان مقيماً في شرق الأردن وموسى لم يدخل إلى هذه الأماكن لأنه مات في فترة التيه التي كانت بسيناء .
          سفر التكوين [ 50 : 10 _ 11 ] ، سفر العدد [ 22 : 1 ] _ [ 32 : 32 ] _ [ 35 : 9 _ 14 ] وسفر التثنية [ 1 : 1 _ 5 ] ، [ 3 : 8 ] ، [ 4 : 46 _ 49 ] .

          (15)يقول كاتب سفر التكوين في [ 22 : 14 ] :
          إن إبراهيم عليه السلام لما ذبح الكبش عوضاً عن ابنه في الموضع الذي كان سيذبح فيه ابنه (( دعا إبراهيم اسم ذلك الموضع يهوه يرأه حتى أنه يقال اليوم : في جبل الرب يرى ))
          إن قول الكاتب : (( حتى انه يقال اليوم في جبل الرب يرى )) يدل على ان الكاتب كتب بعد زمان حادثة الذبح ، وبعد ما سمي ذلك الموضع بجبل الرب ، ومعلوم أن هذا الجبل لم يحمل هذا الاسم إلا بعد الشروع في بناء الهيكل في عهد داود عليه السلام وأكمل بناءه سليمان عليه السلام كما في سفر الأخبار الثاني
          [ 3 : 1 ، 2 ] فهذه التسمية متأخرة جداً عن زمان موسى ، فيتضح أن كاتب هذا السفر جاء بعد موسى بزمن طويل بعد أن حرفت التوراة وضاعت . . .

          عزيزي المتصفح :
          بعد هذه الأدلة الواضحة أصبحنا أمام نتيجة حتمية ألا وهي ضياع التوراة وأن الأسفار الحالية ليست من كتابة موسى عليه السلام وإنما كتبت بعد رحيله بزمن طويل . والله الموفق

          تعليق

          • الغدنفر
            0- عضو حديث
            • 5 أغس, 2010
            • 24
            • محاسب
            • مسلم

            #6
            هل العهد الجديد كلمة الله ؟؟

            الدكتور منقذ السقار

            مقدمة :
            أرسل الله رسله – رسولاً تلو رسول- بالبينات والهدى والنور، يتعاقبون على بلاغ الحق وتبيانه للمؤمنين.
            وكان من أواخر هؤلاء الأنبياء الأبرار النبي العظيم المسيح عيسى عليه السلام، وقد آتاه الله الإنجيل وقفّينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدّقاً لما بين يديه من التّوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدًى ونورٌ ومصدّقاً لما بين يديه من التّوراة وهدًى وموعظةً للمتّقين (الحديد:27).
            ودعا الله المؤمنين للإيمان بكل ما أنزله على أنبيائه من الهدى والنور قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (البقرة: 136), وقال واصفاً المؤمنين : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله (البقرة: 285).
            والإنجيل الذي أنزله الله على عيسى ليس هو بالضرورة ما يقدسه النصارى من أسفار العهد الجديد والتي كتبها أصحابها من تلاميذ المسيح أو من بعدهم بعد رفع المسيح، فتلك القصص والسير والرسائل البشرية، ليست وحي الله تبارك وتعالى المنزل على عيسى عليه السلام.
            فكيف يعمد البشر إلى كتابات بعضهم، فينسبوه إلى الله زوراً وبهتاناً فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (البقرة:79)
            والآية كما رأينا بيان إلهي واضح يعلن فيه القرآن أن أهل الكتاب من يهود ونصارى قد حرفوا كلمة الله، وأضافوا فيها ما ليس منها، فما بين أيديهم من أسفار العهد القديم والجديد ليس كلمة الله.
            ولا يمنع أن تكون بعض فقرات العهد الجديد صادقة، وهي تخبرنا عن بعض سيرة السيد المسيح أو تنقل إلينا بعض هديه وقوله وفعله . هذا مجمل اعتقاد المسلمين في هذه المسألة.
            أما المسيحية فهي تؤمن أن أسفار العهد الجديد هي كلمة الله التي كتبها رجال الله القديسون بإلهام من الروح القدس.
            ويبقى السؤال: هل تؤيد الشواهد العلمية والأدلة التاريخية بل والنصوص الكتابية، ما قاله القرآن عن تحريف هذه الكتب وزور نسبتها لله أم أن العهد الجديد سلم من التحريف والتبديل والعبث البشري كما يؤمن النصارى؟
            كنا في حلقتنا الأولى قد أثبتنا أن أسفار العهد القديم ليست كلمة الله.
            وفي هذه الرسالة، وهي رسالتنا الثانية من سلسلة الهدى والنور نجيب عن سؤال آخر ، وهو: هل العهد الجديد كلمة الله؟
            وفي إجابتنا نستنطق ثانية الكتاب المقدس ورجال الكهنوت والمحققين من أهل العلم والتاريخ، نستنطقهم جميعاً، لنجيب عن هذا السؤال بموضوعية ومنهجية علمية رصينة.
            هذا الجهد نهديه إلى كل باحث عن الحقيقة، ظامئ إليها، سائلين الله أن يفتح قلوبنا للحق وأن يهدينا إليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.


            تمهيد :
            العهد الجديد هو مجموعة الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، وينسب لثمانية من المحررين ينتمون إلى الجيل الأول والثاني من النصرانية، وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا أصحاب الأناجيل، ثم بولس صاحب الأربع عشرة رسالة، ثم بطرس ويعقوب ويهوذا، تلاميذ المسيح الذين تنسب إليهم القليل من الرسائل.
            وهؤلاء الكتبة الثمانية بعضهم تتلمذ على يد السيد المسيح (متى – يوحنا – بطرس – يعقوب - يهوذا)، بعضهم تنصر بعد المسيح ولم يلقه (بولس ومرقس تلميذ بطرس)، وبعضهم تنصر على يد من لم يلق المسيح (لوقا تلميذ بولس).
            وسمي هذا الجزء من الكتاب المقدس ( العهد الجديد ) في مقابل تسمية التوراة وأسفار الأنبياء ( العهد القديم ) كما جاء في إنجيل متى في وصف رسالة المسيح " لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا " ( متى 26/28).
            وتشتمل الأناجيل على سيرة مقتضبة للمسيح عليه السلام، إذ لا تكاد تذكر شيئاً عن طفولته ونشأته، فيما تتحدث بإسهاب عن بعض الحوادث التي تلت نبوته من معجزات وأحاديث للمسيح وعظات للتلاميذ واليهود، كما تحكي الأناجيل باهتمام بالغ عن تفاصيل قصة صلبه المزعوم، ولا تكاد تذكر شيئاً من المعتقد الذي اهتمت به الرسائل الملحقة بها.
            وكلمة ( الإنجيل ) كلمة يونانية مشتقة من الكلمة اليونانية " إيفانجليوس "، وتعني: " الخبر السار " أو " البشارة ".
            وأصول هذه الأناجيل كتب باللغة اليونانية فيما عدا “ متى “ الذي كتب بالعبرانية، ومن المعلوم أن أياً من اللغتين لم تكن لغة للمسيح، الذي كان يتكلم السريانية - كما دلت على ذلك الأناجيل - وهي تنسب للمسيح عبارات سريانية، ومنه ما نقله مرقس "أمسك بيد الصبيبة، وقال لها : طليثا قومي. الذي تفسيره : يا صبية : لك أقول قومي " ( مرقس 5/41)، ويقول مرقس أيضاً : "وقال له: إفثا. أي انفتح " ( مرقس 7/34)، ويذكر متى أن المسيح المصلوب – بزعمه - صرخ على الصليب: " ايلي ايلي لم شبقتني. أي إلهي إلهي لماذا تركتني " ( متى 27/46).
            وتسهيلاً على قراء العهد الجديد تم تقسيمه إلى إصحاحات في القرن الثالث عشر الميلادي على يد الكاردينال “ هيوغرة “، ورقمت فقرات كل إصحاح عام 1551م.
            العهد الجديد عند النصارى


            يقر النصارى بأن الأناجيل كتبت على يد تلاميذ المسيح وتلاميذهم، فكيف أضحت كتابات بعض البشر
            مقدسة ؟


            تبنت الكنيسة في مجمع الفاتيكان المنعقد عام 1869 – 1870م قراراً يقول عن أسفار الكتاب المقدس بعهديه " كتبت بإلهام من الروح القدس، مؤلفها الله، وأعطيت هكذا للكنيسة".
            وقبل أن يمضي قرن كامل عقد مجمع آخر في الفاتيكان 1962 – 1965م، وقرر هذا المجمع - الذي بحث المشكلة الصعبة التي تواجه الدراسات النقدية للكتاب المقدس - بأغلبية 3344 مجتمعاً، وبمعارضة ستة فقط - قرر الاعتراف بعجز التوراة، وأن " امتيازاً بارزاً مستحقاً للأناجيل.. وقد نقلوها إلينا بإلهام إلهي من الروح.
            تؤكد الكنيسة بحزم ومثابرة عظمى أن الأناجيل الأربعة - التي أكدت دونما تردد صفتها التاريخية - تنقل بأمانة ما فعله وعلمه المسيح ابن الله... فالكتاب المقدسون ألفوا الأناجيل الأربعة، بحيث يكشفون لنا دوماً عن المسيح أشياء حقيقية وصادقة ".
            لقد غيروا بعض الشيء، فالكتاب ليس مؤلفه الله، بل الإنجيليون، ولكن بإلهام من روح القدس، وهو ما يؤكده “ موجز تاريخ الأمة القبطية “ حين يقول : "الكتاب المقدس هو مجموع الأسفار التي كتبها رجال الله القديسون بإلهام من الروح القدس في أوقات مختلفة ".
            ولا يعتقد المسيحيون بالوحي الحرفي الذي يعتقده المسلمون في القرآن، فهم لا يقولون بأن الأناجيل نزلت على كاتبيها من الله أو الملائكة حرفاً حرفاً، وكلمة كلمة، بل " نريد أن الله عز وجل إذا ما قصد بسمو لطفه وحكمته أن يبلغ البشر شيئاً من أسراره، حرك باطناً كاتباً يختاره، فيبعثه على كتابة السفر المقصود، ثم يمده بأيده الخاص ونعمته الممتازة، ويلهمه اختيار الحوادث والظروف والأعمال والأقوال التي شاء سبحانه وتعالى رقمها لفائدة عباده.
            وكان له رقيباً ومرشداً، وعصمه من الخطأ في نقلها وتسطيرها إفراداً وإجمالاً، بحيث إنه لا ينقل إلا ما ألهمه الله إياه.... وهذا كافٍ لأن يعزى الكتاب إلى الله ".
            ويشرح القس فندر اعتقاد النصارى في الوحي فيقول: "واعتقادنا : أن الأنبياء والحواريين وإن كانوا قابلي السهو والنسيان في جميع الأمور، لكنهم معصومون في التبليغ والتحرير، إن ظهر لأحد في موضع من المواضع في تحريرهم اختلاف أو محال عقلي، فذلك دليل نقصان علمه وفهمه".
            ويتلخص الرأي النصراني باعتبار الأناجيل والرسائل كلمة الله التي ألهمها الروح القدس لبعض تلاميذ المسيح وتلاميذهم، فكانت هذه الكتابات مقدسة بهذا الاعتبار
            مخطوطات العهد الجديد


            وصلت أسفار العهد الجديد إلينا عبر آلاف المخطوطات التي يفتخر النصارى بكثرتها، ويرون في هذه الكثرة دليلاً ساطعاً على حفظ كلمة الله التي سجلها تلاميذ المسيح.
            ولندرك أهمية كثرة هذه المخطوطات عند النصارى وتاريخ كتابتها ننقل ما يقوله القس سويجارت: " يوجد ما يقرب من أربعة وعشرين ألف مخطوط يدوي قديم من كلمة الرب من العهد الجديد... وأقدمها يرجع إلى ثلاثمائة وخمسين عاماً بعد الميلاد، والنسخة الأصلية أو المنظورة، أو المخطوط الأول لكلمة الرب لا وجود لها..".
            ولو فصلنا أكثر في ذكر ما وصل إلينا من مخطوطات العهد الجديد، فإنا نقول: إنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :

            أ ) مخطوطات البردي، والكتابة على ورق البردي، وكانت تستخدم في القرن الثاني والثالث الميلادي. وقد وصل إلينا عن طريقها قطعتين فقط من العهد الجديد.

            الأولى : تضم جملتين من إنجيل يوحنا 18/31، 18/37 - 38، وقد كتبتا في القرن الثاني وهي محفوظة في مانشستر.

            والثانية : وتضم مقطعين من إنجيل متى 1/1 - 9، 12/14 - 20.كما يوجد بعض مخطوطات البردي والتي تحوي نصوصاً إنجيلية صغيرة، وتعود للقرون اللاحقة.

            ب ) مخطوطات إغريقية مكتوبة على رقوق الحيوانات، ولم تعرف هذه الطريقة في الكتابة إلا في القرن الميلادي الرابع، ويوجد منها عدد كبير من المخطوطات أهمها النسخة الإسكندرية والفاتيكانية والسينائية.

            ج ) مخطوطات متأخرة ترجع للقرون 13 - وما بعده، أهمها المخطوطة البازلية.
            وأهم المخطوطات المكتوبة على رقوق الحيوانات المخطوطة الفاتيكانية والسينائية والإسكندرانية، وهي مخطوطات كتبت في القرن الرابع الميلادي على أقل تقدير، ونذكر هنا بعض ما يتعلق بالعهد الجديد في هذه المخطوطات.


            (1النسخة الفاتيكانية : وجاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك : " وأقدم كتب الخط التي تحتوي على معظم العهد الجديد أو نصه الكامل كتابان مقدسان يعودان إلى القرن الرابع، وأجلّهما المجلد الفاتيكاني.. وهذا الكتاب الخط مجهول المصدر، وقد أصيب بأضرار لسوء الحظ، ولكنه يحتوي على العهد الجديد ما عدا الرسالة إلى العبرانيين ( 9/14 - 13/25 ) والرسالتين الأولى والثانية إلى تيموثاوس والرسالة إلى تيطس، والرسالة إلى فليمون، والرؤيا".
            وقد أضاف ناسخ مجهول في القرن الخامس عشر الميلادي هذه الرسائل. وينتهي إنجيل مرقس في هذه النسخة عند الجملة 16/9، وترك بعده بياض.

            (2النسخة السينائية: ويقول عنها المدخل الفرنسي: " والعهد الجديد كامل في الكتاب الخط الذي يقال له المجلد السينائي.. لا بل أضيف إلى العهد الجديد الرسالة إلى برنابا وجزء من (الراعي) لهرماس، وهما مؤلفان لم يحفظا في قانون العهد الجديد في صيغته الأخيرة ".
            ولا تتضمن هذه النسخة خاتمة مرقس (16/9 – 20)، ولا يوجد فيها بياض عند هذه الخاتمة، بل يبدأ على الفور إنجيل لوقا.

            (3النسخة الإسكندرانية : وتحوي العهد الجديد مع النقص الواضح فيه، ومن النقص الموجود فيها من أول متى - 25/6، وأيضاً في يوحنا من 6/51 - 8/52.
            وتضم أيضاً رسالتي كلمنت اللتين لم تضما إلى العهد الجديد، إضافة إلى زبور غير معترف فيه، وينسب لسليمان، كما فيه أشياء أخرى لم تدخل في الكتاب المقدس.

            (4النسخة الإفرايمية : وتحوي هذه النسخة العهد الجديد فقط، وهي محفوظة في باريس في المكتبة الوطنية، ويرى المحققون أنها كتبت في القرن السادس أو السابع، وقال بعضهم : بل في القرن الخامس.

            (5نسخة بيزا : وتعود للقرن الخامس، وتحوي الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل، وهي محفوظة في جامعة كمبرج، وتخلو من كثير من النصوص مثل مقدمة يوحنا. وقد تحرر ناسخها من المخطوطات القديمة التي ينقل عنها أيما تحرر، فقد قام بكتابة نسب المسيح كما أورده متى، ثم لما نسخ إنجيل لوقا ولاحظ الفوارق الكبيرة بين قائمتي لوقا ومتى، أعاد قائمة متى في إنجيل لوقا، ولما كانت قائمة متى ناقصة لكثير من الأسماء أضاف الناسخ أسماء إضافية من عنده.

            (6النسخة البازلية : ويفترض تدوينها في القرن الثامن، وهي محفوظة بجامعة بازل بسويسرا، وتضم الأناجيل الأربعة بنقص كبير.

            (7نسخة لاديانوس : وترجع هذه النسخة للقرن التاسع، وهي محفوظة في بولديانا بأكسفورد، وتضم سفر أعمال الرسل فقط.
            كما ثمة مخطوطات أخرى متأخرة عنها، فهي أقل أهمية.

            اختلاف مخطوطات العهد الجديد



            نلحظ أولاً أن هذه النسخ جميعاً ليست من خط كاتبها أو ليس منها شيء كتب في وجوده، بل إن أولها كتب بعد وفاة كُتاب الأناجيل بما لا يقل عن قرنين من الزمان.
            ولا يستطيع النصارى أن يثبتوا سنداً لهذه المخطوطات إلى كتبتها، واعترف بذلك القسيس فرنج فقال معتذراً: " إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة "، ويعتبره رحمة الله الهندي تفسيراً مقبولاً لا يقيلهم من إحضار سند هذه الكتب، فمثل هذه المسائل لا تقبل من طريق الظن والتخمين.
            وهذه المخطوطات وغيرها التي يتحدث النصارى عن كثرتها لا يتفق منها مخطوطان، فقد تعرضت جميعها للزيادة والنقصان حسب أهواء النساخ، وهو ما يعترف به النصارى ومنهم سويجارت الذي يحاول التقليل من أهمية هذه الاختلافات فيقول : " المبادئ العلمية تخبرنا أنه فيما يختص بكتب العهود القديمة إذا توفر لدينا عشر نسخ منها، فإننا لا نحتاج بالضرورة إلى الأصل لنضمن تحققنا من النسخة الأصلية، وعندما نفكر أن لدينا أربعة وعشرين ألف نسخة، وأن بعض الاختلافات موجودة فيما بين هذه النسخ، وهذا ما نعترف به، فالمهم أن جوهر النص لم يتغير".
            لكن الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة الكتاب المقدس " يرد ذلك ويخالفه، وكان روبرت قد أعد لمطبعة
            " تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب المقدس، ثم منع من طبعها، ولما سئل عن السبب في منعها قال : " إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب ".

            يقول د. روبرت : " لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس "، وينقل روبرت أن آباء الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد، وأن الخلاف بينهم محصور فيمن قام بهذا التحريف.

            ويقول كينرايم : إن علماء الدين اليوم على اتفاق واحد يقضي بأن الكتاب المقدس وصل إلينا منه أجزاء ضئيلة جداً فقط هي التي لم يتم تحريفها.
            ويقول الدكتور روبرت : " لن يدعي أحداً أبداً : أن الله هو مؤلف كل أجزاء هذا الكتاب قد أوحى إلى الكتبة هذه التحريفات ".

            يقول موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية " : " إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال، خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا".
            وعن إنجيل مرقس، يتحدث مفسره دنيس نينهام، فيقول : " لقد وقعت تغييرات تعذر اجتنابها، وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد، ومن بين مئات المخطوطات لإنجيل مرقس، والتي لا تزال باقية حتى اليوم لا نجد نسختان تتفقان تماماً، وأما رسائل بولس فلها ستة قراءات مختلفة تماماً".
            ويقول: " ليس لدينا أي مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين "، ويستعين بما ذكره القس شورر عن مخطوطات الأناجيل، وأن بها 50000 اختلاف، فيما قال كريسباخ بأنها 150000 اختلاف، وتؤكد ذلك دائرة المعارف البريطانية بقولها: " إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد والتي تغطي كله تقريباً تظهر أكثر من مائة وخمسين ألف من الاختلافات بين النصوص".
            وممن اعترف بكثرة هذه الاختلافات العالم ميل، وذكر بأنها ثلاثون ألفاً، ووافقه في عددها القس باركر البروتستانتي، وأوصل هذه الاختلافات العلامة وتيس تين إلى أزيد من ألف ألف.
            ويقول شميت: "لا توجد صفحة واحدة من الأناجيل العديدة التي لا تحتوي نصها الأقدم على اختلافات عديدة".

            ويحاول النصارى تبرير هذه الاختلافات الكثيرة بين المخطوطات فيقول صاحب كتاب "مرشد الطالبين" : " لا تعجب من وجود اختلافات في نسخ الكتب المقدسة، لأن قبل ظهور صناعة الطبع في القرن الخامس عشر من الميلاد كانت تنسخ بالخط، فكان بعض النساخ جاهلاً وبعضهم غافلاً وساهياً ".

            وهذا الكلام صحيح، لكنه يمثل نصف الحقيقة فحسب، إذ هو يغفل وقوع التحريف المتعمد من قبل النساخ، وهو ما أقر به المدخل الفرنسي للعهد الجديد، فقد جاء فيه: " إن نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة. بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية.. هناك فوارق أخرى بين الكتب الخط تتناول معنى فقرات برمتها واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير.
            فإن نص العهد الجديد قد نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء... يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحياناً عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم، وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ.
            ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحياناً إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت على التلاوة بصوت عال.

            ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مرِّ القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مُثقلاً بمختلف ألوان التبديل.. والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة، لكي يقيم نصاً يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول، ولا يمكن في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه".

            ويؤكد هذا كله جورج كيرد رئيس الجمعية الكندية لدراسة الكتاب المقدس بقوله : " كان يحفظ النص في مخطوطات نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين، ويوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلى مخطوطات كاملة على رقائق من الجلد أو القماش.

            إن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافاً كبيراً، ولا يمكننا الاعتماد بأن أياً منها قد نجا من الخطأ.. إن أغلب النسخ الموجودة من جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على يد المصححين الذين لم يكن عملهم دائماً إعادة القراءة الصحيحة ".



            أمثلة لتحريف النساخ



            وذكر المحققون أمثلة صريحة لتدخل النساخ في النص عن عمد، منه ما جاء في متى " متى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال قائمة في المكان المقدس، ليفهم القارئ، فحينئذ ليهرب الذي في اليهود إلى الجبال " ( متى 24/15 - 16)، فعبارة " ليفهم القارئ " من زيادة الناسخ الذي أراد التنبيه على أهمية الموضوع الذي يكتبه، ولم يقلها المسيح وهو يخاطب تلاميذه.

            ومثله ما جاء في آخر يوحنا " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق
            " ( يوحنا 21/24 ) فقوله " نعلم أن شهادته حق " من زيادة النساخ.

            ومثله ما جاء في يوحنا " للوقت خرج دم وماء، والذين عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم " ( يوحنا 19/34 - 36 )، فالجملة الأخيرة أراد الناسخ من خلالها التأكيد والتنبيه على صدق يوحنا، وهي ليست من كتابته.

            إبطال دعوى الإلهام لكتبة العهد الجديد



            إن أحداً من كتاب العهد الجديد - سوى بولس - لم يدع لنفسه الإلهام، بل سجلت كتاباتهم اعترافات أن هذا العمل جهد بشري خالص لم يقصد كاتبوه أن يسجلوا من خلاله كتباً مقدسة.
            فها هو لوقا في مقدمة إنجيله يقول: " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمتَ به "
            ( لوقا 1/1-4 ).

            فيفهم من هذه المقدمة أمور، منها: أن إنجيله خطاب شخصي، وأنه دوّنه بدافع شخصي، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق، وأن كثيرين كتبوا غيره، ولم يذكر لوقا في مقدمته شيئاً عن إلهام إلهي ألهمه الكتابة أو وحي من روح القدس نزل عليه.

            وإذا كان الحواريون والتلاميذ غير عارفين بإلهامية ذواتهم وبعضهم، فكيف عرف النصارى ما جهله أصحاب الشأن ؟ لا دليل في الأناجيل على إلهامية أحد منهم، إلا ما ادعاه بولس لنفسه.


            رسائل شخصية لا علاقة للإلهام والوحي بها



            لكن المتأمل في رسائل بولس خصوصاً والحواريين عموماً يجد عشرات المواضع التي تشهد لهذه الرسائل بأنها شخصية لا علاقة للوحي بها، ومن ذلك : "يسلم عليك أولاد أختك " ( يوحنا (2) 13).
            ويرسل يوحنا المزيد من السلامات لأحبابه " غايس الحبيب الذي أحبه بالحق. أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً... سلام لك، يسلم عليك الأحباء، سلم على الأحباء بأسمائهم" ( يوحنا (3) 1-14).
            وفي رسائل بولس مثل ذلك، ومنه : " تسلم عليكم كنائس آسيا، يسلم عليكم … أكيلا وبريسكلا.. يسلم عليكم الإخوة أجمعون، سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة " ( كورنثوس (1) 16/19 - 20).
            ويواصل بولس تسجيل رغباته الشخصية وأخبار أصدقائه في كورنثوس، فيقول: " الرداء الذي تركته في تراوس عند كابرس أحضره متى جئت، والكتب أيضاً لاسيما الرقوق.... سلم على ريسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس، اراستس بقي في كورنثوس، وأما ترو فيمس فتركته في ميليتس مريضاً. بادر أن تجيء قبل الشتاء..." ( تيموثاوس (2) 4/13 - 21).

            وهكذا تستمر رسائل بولس وسلاماته إلى أصدقائه وأقربائه، وتطول كما في رسالة رومية، وفيها: " أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا، كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقوموا لها في أي شيء احتاجته منكم، لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أنا أيضاً.
            سلموا على بريسكلا وأكيلا العاملين معي في المسيح يسوع، اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي، اللذين لست أنا وحدي أشكرهما، بل أيضاً جميع كنائس الأمم، وعلى الكنيسة التي في بيتهما. سلموا على أبينتوس حبيبي الذي هو باكورة إخائية للمسيح.
            سلموا على مريم التي تعبت لأجلنا كثيراً. سلموا على أندرونكوس ويونياس نسيبيّ المأسورين معي اللذين هما مشهوران بين الرسل، وقد كانا في المسيح قبلي. سلموا على أمبلياس حبيبي في الرب. سلموا على أوربانوس العامل معنا في المسيح وعلى أستاخيس حبيبي. سلموا على أبلّس المزكى في المسيح. سلموا على الذين هم من أهل أرستوبولوس.
            سلموا على هيروديون نسيبي. سلموا على الذين هم من أهل نركيسوس الكائنين في الرب. سلموا على تريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب. سلموا على برسيس المحبوبة التي تعبت كثيراً في الرب. سلموا على روفس المختار في الرب وعلى أمه أمي. سلموا على اسينكريتس فليغون هرماس بتروباس وهرميس وعلى الإخوة الذين معهم. سلموا على فيلولوغس وجوليا ونيريوس وأخته وأولمباس وعلى جميع القديسين الذين معهم.
            سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة.كنائس المسيح تسلم عليكم،... يسلم عليكم تيموثاوس العامل معي ولوكيوس وياسون وسوسيباترس أنسبائي. أنا ترتيوس كاتب هذه الرسالة أسلم عليكم في الرب. يسلم عليكم غايس مضيفي ومضيف الكنيسة كلها. يسلم عليكم اراستس خازن المدينة وكوارتس الأخ "
            ( رومية 16/1 – 21)، ولعل القارئ الكريم قد لاحظ مشاركة الكاتب ترتيوس، والذي لم ينس هو أيضاً أن يسجل تحياته وأشواقه في رسالته التي لم يدر في خلده أنها ستعتبر يوماً من الأيام جزء من كلمة الله.
            وتتكرر المشاهد الشخصية في رسالة فيلبي، حيث يقول: " أنا أيضاً سآتي إليكم سريعاً، ولكني حسبت من اللازم أن أرسل إليكم ابفرودتس أخي والعامل معي والمتجند معي ورسولكم والخادم لحاجتي، إذ كان مشتاقاً إلى جميعكم ومغموماً، لأنكم سمعتم أنه كان مريضاً..، فأرسلته إليكم بأوفر سرعة، حتى إذا رأيتموه تفرحون أيضاً، وأكون أنا أقل حزناً " (فيلبي 2/26 -28).

            ولا ينسى بولس أن يسجل هنا أيضاً بعض تحياته، فيقول: " سلموا على كل قديس في المسيح يسوع. يسلم عليكم الإخوة الذين معي، يسلم عليكم جميع القديسين، ولا سيما الذين من بيت قيصر.. كتبت إلى أهل فيلبي من رومية على يد ابفرودتس " ( فيلبي 4/21 – 22).

            ومثل هذا كثير، انظر (كورنثوس (1)16/20)، و (فيلمون 1/21 - 24 )، و (تيطس 3/12)......فهل هذه العبارات من إلهام الله ووحيه؟!
            عبارات لا يمكن أن تكون وحياً


            لو تتبعنا الأناجيل لما وجدنا ما يشعر بأن أياً منها صادر من مُلهَم يكتب وحياً، فمثلاً يقول لوقا : "ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف.. " (لوقا 3/23 )، فلفظة “نحو“ و “يظن” لا تصدران عن ملهم جازم بما يقول، وقد أزعجت هاتان العبارتان علماء الكنيسة، فحذفوهما من طبعة الكتاب المقدس المنقحة الإنجليزية.

            ومثله في خاتمة يوحنا يقول: " وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله"
            (يوحنا 20/30 - 31 )، وقد كتبه بطلب من أساقفة آسيا لا الروح القدس، وهو لا يقول بأن الله ألهمه ذلك.

            ويقول: " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " فلم يذكر شيئاً عن إلهام هذا الإنجيل، ثم قال بعدها ما أثبت صفة البشرية لكلامه "وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة " (يوحنا 21/24 - 25)، فمثل هذه المبالغة لا يغيب أنها صنعة بشرية لعادة البشر في ذلك.

            وعلاوة على هذا كله فإن في الرسائل فقرات تنفي هي عن نفسها دعوى الإلهام وتكذبه، وتشهد لصاحبها بأنه يتحدث ببشرية تامة، وأن الوحي لا علاقة له بما يكتب

            ومن ذلك قول بولس للمتزوج بغير المؤمنة: " أقول لهم أنا لا الرب..." ( كورنثوس (1) 7/12 ).

            ويقول: "وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ" ( كورنثوس (1) 7/25 )، فهل نصدق بولس، وهو يصف كلامه هنا بأنه رأي شخصي أم نصدق النصارى الذين يقولون عن هذه العبارات أنها أيضاً ملهمة؟

            ويؤكد بولس ثانية أن بعض ما يصدر عنه هو محض رأي بشري واجتهاد شخصي منه، فيقول: "لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد... أعطي رأياً في هذا أيضاً " ( كورنثوس (2) 8/8 - 10).

            ويقول بولس أيضاً وهو ينفي عن كلامه صفة القداسة: " الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه " ( كورنثوس (2) 11/16 - 17 ).

            وقد وردت هذه الكلمات ضمن سياق مهم يصرخ بأن هذا الكلام رسالة شخصية لا علاقة لله به، إذ يقول: " أقول أيضاً: لا يظن أحد أني غبي، وإلا فاقبلوني ولو كغبي، لأفتخر أنا أيضاً قليلاً. الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه. بما أن كثيرين يفتخرون حسب الجسد، أفتخر أنا أيضاً. فإنكم بسرور تحتملون الأغبياء، إذ أنتم عقلاء. لأنكم تحتملون إن كان أحد يستعبدكم. إن كان أحد يأكلكم. إن كان أحد يأخذكم. إن كان أحد يرتفع. إن كان أحد يضربكم على وجوهكم، على سبيل الهوان أقول: كيف أننا كنا ضعفاء. ولكن الذي يجترئ فيه أحد أقول في غباوة، أنا أيضاً اجترئ فيه. أهم عبرانيون؟ فأنا أيضاً، أهم إسرائيليون؟ فأنا أيضاً. أهم نسل إبراهيم؟ فأنا أيضاً، أهم خدام المسيح؟ أقول كمختل العقل: فأنا أفضل، في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر" ( كورنثوس (2) 11/15 - 24 )، فهل أوحي إليه أن يصف نفسه حال بلاغه للوحي أنه مختل العقل وأنه غبي....

            ويقول متحدثاً إلى مستمعيه متلطفاً لهم: " ليتكم تحتملون غباوتي قليلاً" ( كورنثوس (2) 11/1 )، فهل أوحى الله له أن يصف نفسه بالغباء، وهل يعتذر الله ويخشى أن يكون ملهَمه قد أثقل على أولئك الذين يقرؤون رسالته.

            ويقول معتذراً، والمفروض أن القائل وحي الله الذي يسجله بولس: "لقد اجترأت كثيراً فيما قلت أيها الإخوة"
            ( رومية 15/15 ).

            أحداث مهمة لا يصح أن يذهل عنها الملهم


            ومما يردّ دعوى الإلهام ذهول بعض الإنجيليين عن ذكر أحداث هامة رغم اجتماعهم على ذكر أحداث لا قيمة لها.

            ومن ذلك أن الإنجيليين أجمعوا على ذكر حادثة ركوب المسيح على الجحش وهو يدخل أورشليم، لكن صعود المسيح للسماء لم يذكره التلميذان متى ويوحنا اللذان حضرا المسيح وهو يصعد للسماء، بينما ذكر ذلك لوقا ومرقس الغائبان يوم ذاك.

            بالأحرى إن أحداً من الإنجيلين لم يلهم كتابة خبر الصعود، لأن خبر الصعود قد أضيف فيما بعد، كما اعترفت بذلك لجنة تنقيح الكتاب المقدس التي أصدرت النسخة (r. S. V).

            ومما ذهل عنه الإنجيليون فلم يسجله على أهميته إلا واحد منهم معجزة تحويل الماء إلى خمر، فقد انفرد يوحنا بذكرها (انظر يوحنا 2/1 - 11).

            ومثله انفرد بذكر معجزة إحياء لعاذر أمام الجموع الكثيرة التي آمنت به بعد ذلك.(انظر يوحنا 11/1 - 46).

            وكذا انفرد يوحنا بذكر قدرة التلاميذ على مغفرة الذنوب. ( انظر يوحنا 20 / 23 )، لكنه لم يذكر شيئاً عن العشاء الأخير على أهميته وشهوده له إبان حياة المسيح.

            وينفرد متى العشار دون بقية الإنجيليين بذكر نص التثليث الوحيد في الأناجيل. ( انظر متى 28/19 ).

            كما انفرد بذكر زيارة المجوس للمسيح وسجودهم له. ( انظر متى 2/1 - 12 ).

            وهو الوحيد الذي كتب عن سفر المسيح وأمه لمصر. ( انظر متى 2/14 )، وكل هذا مما ينقض دعوى الإلهام، إذ لا يليق بالملهِم أن يغفل عن إلهام التلاميذ هذه الأمور الهامة.

            إنك
            انكار المحققين لإلهامية كتبة العهد الجديد


            وهذه المواضع التي ذكرناها وغيرها دفعت بعض فرق النصارى وبعض مقدميهم وغيرهم من المحققين لإنكار إلهامية الأناجيل والرسائل.

            ويقول مؤلفو الترجمة المسكونية: " جمع المبشرون، وحرروا، كل حسب وجهة نظره الخاصة ما أعطاهم إياه التراث الشفهي " فليس ثمة إلهام إذن.

            ويقول لوثر مؤسس مذهب البرتستانت عن رسالة يعقوب: "إنها كلّاء.. هذه الرسالة وإن كانت ليعقوب.. إن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من جانب نفسه، لأن هذا المنصب كان لعيسى عليه السلام فقط "، فقول لوثر هذا، يفهم منه عدم اعتباره ليعقوب الحواري ملهماً.

            ويقول ريس في دائرة معارفه: " والكتب التي كتبها تلاميذ الحواريين - مثل إنجيل مرقس ولوقا وكتاب الأعمال - توقف ميكايلس في كونها إلهامية ".

            ويقول" حبيب سعيد" في كتابه "سيرة رسول الجهاد" منبهاً إلى حقيقة هامة وصحيحة عن بولس: " لم يدر بخلده عند كتابتها - أو على الأصح عند إملائها - أنه يسطر ألفاظاً ستبقى ذخراً ثميناً تعتز به الأجيال القادمة"، ويا للعجب، بولس لا يعلم بقدسية كلماته، بينما النصارى عنه يناضلون، وينسبون إليه ما لم ينسبه هو إلى نفسه.

            وفي الفاتيكان شكل البابا جون لجنة لدراسة الإنجيل برئاسة العلامة هانز كومب، وبعد دراسة متأنية، قررت اللجنة: " أن الإنجيل كلام بشر، وأنه لا يوجد دليل على أن الإنجيل ينحدر مباشرة عن الله ".

            إبطال دعوى النبوة لكتبة العهد الجديد


            بداية لا يسلم المسلمون بأن أحداً من الحواريين كان رسولاً، كما لم يصرح الإنجيليون فيما سوى بولس بذلك.

            والمسلمون لا يؤمنون بالشهادات التي جعلت النصارى يقولون بنبوتهم، كما لا يؤمنون بغشيان روح القدس لهم بعد خمسين يوماً من صعود المسيح، ذاك الحدث الغريب الذي سجله لوقا، حين قال: " وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا " ( أعمال 2/4 ).

            كما لا يؤمن المسلمون بالمعجزات التي تنسبها إليهم تلك الأسفار، فكل هذه الأخبار لم ترد في دليل له اعتبار عندنا.

            وننبه إلى أن بولس ولوقا ليسا من أولئك الذين تزعم النصارى حلول الروح القدس فيهم يوم الخمسين، إذ لم يكونا يومئذ من المؤمنين.

            ثم عند تفحص هذه الكتب والرسائل نجدها ناطقة بأن هؤلاء التلاميذ لم يكونوا رسلاً بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، إذ هم بشر كسائر البشر، لا يتميزون سوى برفقتهم للمسيح، وأنه طلبهم أن يبلغوا دعوته بعده.

            وأما المنسوب لبطرس في رسالته الثانية " لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (بطرس (2) 1/21 )، وهو النص الذي يعتبره النصارى أصرح أدلتهم على إلهامية الكتبة ونبوتهم، فلا يصلح في الدلالة على إلهام الإنجيليين.

            إذ أن بطرس مات قبل أن يدون مرقس (أول الإنجيليين تدويناً) - ثم بقية الإنجيليين – كتاباتهم، فليس هؤلاء مَن تحدث عنه بطرس.












            تعليق

            • الغدنفر
              0- عضو حديث
              • 5 أغس, 2010
              • 24
              • محاسب
              • مسلم

              #7
              أولاً :هل كتبة الأسفار أنبياء؟


              وتمتلئ الأناجيل والأسفار بالدلائل التي تكذب القول بإلهامية هؤلاء الذين ينبغي أن تعرض نبوتهم على الميزان الذي اقتبسه تلاميذ المسيح من معلمهم، فقد جاء في رسالة يوحنا الأولى: "فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح، بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا ؟ لأن كثيرين من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم " ( يوحنا (1) 4/1 ).

              ثم كيف للنصارى أن يعتبروا بولس أو غيره من التلاميذ رسلاً معصومين وأمناء على الوحي والنبوة، ومن هؤلاء الرسل الذين أرسلهم المسيح يهوذا الخائن، يهوذا الذي عُد من الاثني عشر تلميذاً الذين أرسلهم المسيح ؟ فمثل هذه الخيانة لا تصدر عن الرسل، وهي دليل يمنع دعوى نبوة ورسالة التلاميذ.

              كما لا يصدر عن الأنبياء والرسل ما فعله بطرس عندما تخلى عن المسيح وأنكره في ليلة من أصعب الليالي ثلاث مرات ( انظر لوقا 22/34 )، ولوقا يقول على لسان المسيح: " من أنكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله " ( لوقا 12/9 )، فكيف ينكره الملهم الرسول الممتلئ من الروح القدس الذي سماه المسيح في نص آخر شيطاناً ؟ " فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس" ( متى 16/23 ).

              ونلحظ أن النصوص الإنجيلية تشكك في إيمان أخصّ تلاميذ المسيح مما يجعلهم غير جديرين بحمل أمانة الإنجيل، فضلاً عن الرسالة والنبوة، إذ يقول المسيح عن بطرس : "يا قليل الإيمان لماذا شككت "
              ( متى 14/31 )، لذا اندفع القديس أكستاين للقول عن بطرس : " إنه كان غير ثابت، لأنه كان يؤمن أحياناً ويشك أحياناً ".

              وإذا قيل هذا في بطرس فماذا عساه يقال عن بقية التلاميذ والحواريين ؟ وهل كانوا أفضل حظاً وأحسن شأناً؟

              العهد الجديد يخبرنا بأنهم هم أيضاً كانوا قليلي الإيمان، فقد وصفهم المسيح بذلك مراراً، يقول متى: "فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين: يا سيد نجنا فإننا نهلك، فقال لهم: ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟"
              (متى 8/25-26).

              ولما أمرهم بالتحرز من خمير اليهود خاطب التلاميذ "قال: لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الإيمان، إنكم لم تأخذوا خبزاً " (متى 16/8).

              وفي موطن آخر قال لهم: "فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غداً في التنور يلبسه الله هكذا، فكم بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان" (لوقا 12/28)، (وانظر مرقس 4/40، ومتى 6/30).، فهل مثل هؤلاء يعتد بروايتهم وتأليفاتهم فضلاً عن اعتبارها من وحي الله ؟

              لكن الداهية الدهياء في شهادة المسيح عليهم لما عجزوا عن شفاء المصروع، وجاءوا للمسيح شاكين مستفسرين: "لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه ؟ فقال لهم يسوع : لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم: لو كان إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " (متى 17/19 - 20)، فهل هؤلاء الذين لا يملكون من الإيمان حبة خردل أنبياء وأمناء على تسجيل وحي الله؟

              ثانياً :معجزات التلاميذ لا تصلح دليلاً على النبوة


              وإذا كان اعتبار النصارى لهؤلاء التلاميذ أنبياء لمجرد أن قاموا ببعض المعجزات التي لم تقترن بدعوى النبوة منهم، فهذا لا يكفي في تقرير نبوتهم وعصمتهم، فالأسفار المقدسة تذكر أن المعجزات والآيات قد تعطى للكاذبين الذين يدعون النبوة، فالمسيح قال: " سيقوم مسحاء كذبة، وأنبياء كذبة، ويُعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلوا - لو أمكن - المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم " ( متى 24/24 - 25 )، كما أن لوقا لم يثبت أن له معجزة، وكذلك مرقس.

              كما أن الأعاجيب لا تصلح أكثر من دليل على الإيمان فحسب، إذ كل مؤمن – حسب الإنجيل- يستطيع أن يأتي بإحياء الموتى وشفاء المرضى، فقد نقل متى عن المسيح قوله: "فالحق الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى 17/20).

              وقال: "الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها" (يوحنا 14/12)، فكل مؤمن من النصارى يقدر على صنع معجزات المسيح، بما فيها إحياء الموتى وشفاء المرضى! لا بل يقدر على أعظم منها!!

              ويقول المسيح محذراً من الأنبياء الكذبة: "انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح، ويضلون كثيرين…ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين…سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب، يضلون لو أمكن المختارين أيضاً" (متى 24/4-25).

              وقد حذر المسيح من خداع هؤلاء الكذبة للعوام بما يزعمونه من معجزات وإيمان بالمسيح وادعاء أنهم على دينه، وبين المسيح كيفية معرفة هؤلاء الكذبة حين قال: " ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات.

              كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب، أليس باسمك تنبأنا؟ وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم، احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتون بثياب الحملان…من ثمارهم تعرفونهم" (متى 7/5-23).

              ثالثاً : النبوة حسب الكتاب المقدس لا تقتضي العصمة من الكذب في البلاغ


              ثم إن كون التلاميذ من الأنبياء لا يعني بالضرورة - حسب المعتقدات النصرانية - عصمتهم عن الخطأ في البلاغ أو حتى الكذب، ودليل ذلك ما نسبه سفر الملوك لأحد الأنبياء من الكذب بالبلاغ "كان نبي شيخ ساكناً في بيت إيل. فأتى بنوه وقصوا عليه كل العمل الذي عمله رجل الله ذلك اليوم في بيت إيل....(ثم ذهب يبحث عنه) وسار وراء رجل الله، فوجده جالساً تحت البلوطة فقال له: أأنت رجل الله الذي جاء من يهوذا؟ فقال: أنا هو.

              فقال له (أي النبي الشيخ ): سر معي إلى البيت وكل خبزاً، فقال: لا أقدر أن أرجع معك ولا أدخل معك ولا آكل خبزاً، ولا أشرب معك ماء في هذا الموضع. لأنه قيل لي بكلام الرب: لا تأكل خبزاً ولا تشرب هناك ماء، ولا ترجع سائراً في الطريق الذي ذهبت فيه.

              فقال له: أنا أيضاً نبي مثلك، وقد كلمني ملاك بكلام الرب قائلاً: ارجع به معك إلى بيتك فيأكل خبزاً ويشرب ماء، كذب عليه. فرجع معه وأكل خبزاً في بيته وشرب ماء" ( ثم تحدث السفر عن عقوبة النبي المسكين الذي أطاع النبي الكذاب ظاناً إياه يحدثه بوحي الله وأمره) (الملوك (1) 13/11 - 29 ).

              كما رأينا في حلقتنا الأولى من سلسلة الهدى والنور، الكثير من القبائح التي تنسبها التوراة للأنبياء والتي يستحيل أن نصدق بعدها أنهم يؤمنون بعصمتهم، فضلاً عن تلاميذهم.

              هل كان بولس رسولاً؟


              بولس أشهر كتبة العهد الجديد، وأهم الإنجيليين على الإطلاق، فقد كتب أربع عشرة رسالة تقارب النصف من صفحات العهد الجديد، وفيها فقط تجد العديد من العقائد النصرانية، إنه مؤسس النصرانية وواضع عقائدها؟ وهو الوحيد الذي ادعى النبوة دون سائر الإنجيليين.

              فمن هو؟ وكيف أصبح رسولاً؟ وما هي أهميته في الفكر النصراني؟

              أهمية بولس في الفكر النصراني


              تقوم النصرانية المحرفة وعمادها الرئيس رسائل بولس، فقد كانت رسائله أول ما خط من سطور العهد الجديد والذي جاء متناسقاً إلى حد ما مع رسائل بولس لا سيما إنجيل يوحنا، فيما رفضت الكنيسة النصرانية تلك الرسائل التي تتعارض مع نصرانية بولس التي طغت على النصرانية الأصلية التي نادى بها المسيح وتلاميذه من بعده.

              و هذا الأثر الذي تركه بولس في النصرانية لا يغفل ولا ينكر، مما حد بالكاتب مايكل هارت في كتابه"الخالدون المائة" أن يجعل بولس أحد أهم رجال التاريخ أثراً، إذ وضعه في المرتبة السادسة فيما وضع المسيح في المرتبة الثالثة.

              وقد برر هارت وجود النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المرتبة الأولى، وتقدمه على المسيح الذي يعد المنتسبون لدينه الأكثر على وجه الأرض، فقال: "فالمسيحية لم يؤسسها شخص واحد، وإنما أقامها اثنان: المسيح عليه السلام والقديس بولس، ولذلك يجب أن يتقاسم شرف إنشائها هذان الرجلان.

              فالمسيح عليه السلام قد أرسى المبادئ الأخلاقية للمسيحية، وكذلك نظراتها الروحية وكل ما يتعلق بالسلوك الإنساني.

              وأما مبادئ اللاهوت فهي من صنع القديس بولس"، ويقول هارت: "المسيح لم يبشر بشيء من هذا الذي قاله بولس الذي يعتبر المسئول الأول عن تأليه المسيح".

              وقد خلت قائمة مايكل هارت من تلاميذ المسيح الذين غلبتهم دعوة بولس مؤسس المسيحية الحقيقي، بينما كان الإمبراطور قسطنطين صاحب مجمع نيقية الذي تبنى رسمياً القول بألوهية المسيح (325م) في المرتبة الثامنة والعشرين


              أولاً: بولس وسيرته وأهميته كما في الكتاب المقدس والمصادر المسيحية


              ولد بولس لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى، ونشأ فيها وتعلم حرفة صنع الخيام، ثم ذهب إلى أورشليم، فأكمل تعليمه عند رجل يدعى غمالائيل أحد أشهر معلمي الناموس في أورشليم.
              (انظر أعمال 22/39، 18/3، 23/3).

              وقد أسماه والده "شاول"، ومعناه: "مطلوب"، ثم سمى نفسه بعد تنصره "بولس"، ومعناه "الصغير"
              (أعمال 13/9).

              ولا تذكر المصادر النصرانية لقيا بولس المسيح، وأول ذكر لبولس فيما يتصل بالنصرانية شهوده محاكمة وقتل استفانوس أحد تلاميذ المسيح، ويذكر بولس أنه كان راضياً عن قتله. (انظر أعمال 8/1) فقد كان يهودياً معادياً للمسيحيين الأوائل.

              ويحكي سفر الأعمال عن اضطهاد بولس للكنيسة وأنه "كان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت، ويجر رجالاً ونساءً، ويسلمهم إلى السجن" (أعمال 8/3).

              و يذكر سفر الأعمال تنصر بولس بعد زعمه بأنه رأى المسيح (بعد رفع المسيح بسنوات)، فبينما هو ذاهب إلى دمشق في مهمة لرؤساء الكهنة رآه في السماء، ويزعم أنه أعطاه حينئذ منصب النبوة، فكان مما قاله المسيح له كما زعم: "ظهرت لك لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت، وبما سأظهر لك به، منقذاً إياك من الشعب، ومن الأمم الذين أنا أرسلك إليهم، لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلماتٍ إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله، حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين" (أعمال 16/16-18).

              و مكث بولس ثلاثة أيام في دمشق، ثم غادرها إلى العربية (يطلق اسم العربية في الكتاب المقدس، ويراد منه جزيرة العرب كما قد يراد به بعض المواقع شمال الجزيرة كسيناء وجنوب الشام. انظر قاموس الكتاب المقدس، ص615).

              ثم عاد إليها "ثم بعد ثلاثة سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس، فمكثت عنده خمسة عشر يوماً" (غلاطية 1/18).

              ثم بدأ دعوته في دمشق، فحاول اليهود قتله، فهرب إلى أورشليم، فرحب به برنابا، وقدمه للتلاميذ الذين يصفه أعمال الرسل بأنهم "يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ" (أعمال 9/26).

              ثم ذهب للدعوة في قيصرية (جنوب حيفا)، ثم سافر مع برنابا إلى آسيا الصغرى، ثم حضر مجمع أورشليم مع التلاميذ، ثم رجع إلى أنطاكيا، واختلف فيها مع برنابا بسبب (زعمته الأناجيل) وهو إصراره على اصطحاب مرقس معهما في رحلتهما التبشيرية، وعندها افترقا.

              واستمر بولس يدعو إلى المسيحية في أماكن عدة من أوربا سجن خلالها مرتين، إحداهما في روما سنة 64م، ثم ثانيةً عام 67، وقتل عام 68م.

              وتذكر بعض المصادر أنه أسر مرة واحدة عام 64م وفيها مات.

              ثانياً : بعض الملامح في شخصية بولس كما وردت في رسائله


              ولا بد من سبر هذه الشخصية الهامة في تاريخ المسيحية بقراءة الرسائل المنسوبة إليه أو ما جاء عنه في سفر أعمال الرسل.

              وعند قيامنا بهذا السبر سنجد ملاحظات هامة.

              ( 1 ) تناقضات قصة الرؤية والنبوة المزعومة :

              زعم بولس أنه لقي المسيح بعد ثلاث سنوات من رفعه، حين كان متجهاً إلى دمشق، لكن عند التحقيق في قصة رؤية بولس للمسيح يتبين أنها إحدى كذبات بولس وأوهامه، ودليل لذلك يتضح بالمقارنة بين روايات القصة في العهد الجديد، حيث وردت القصة ثلاث مرات: أولاها في أعمال الرسل (9/3-22)، من رواية لوقا أو كاتب سفر الأعمال، والثانية من كلام بولس في خطبته أمام الشعب (انظر أعمال 22/6-11)، والثالثة أيضاً من رواية بولس أمام الملك أغريباس (انظر أعمال 26/12-18)، كما أشار بولس للقصة في مواضع متعددة في رسائله.

              و لدى دراسة القصة في مواضعها الثلاث يتبين تناقضها في مواضع:

              -1جاء في الرواية الأولى (أعمال 9) "وأما الرجال المسافرون معه، فوقفوا صامتين يسمعون الصوت، ولا ينظرون أحداً" (أعمال 9/7)، بينما جاء في الرواية الثانية (أعمال 22): "المسافرون لم يسمعوا الصوت" (أعمال 22/9)، فهل سمع المسافرون الصوت ؟أم لم يسمعوه؟.

              -2جاء في الرواية الأولى والثانية أن المسيح طلب من بولس أن يذهب إلى دمشق حيث سيخبَر هناك بالتعليمات: "قال له الرب: قم وادخل المدينة فيقال لك: ماذا ينبغي أن تفعل" (أعمال 9/6)، " قلت ماذا أفعل يا رب؟ فقال لي الرب: قم واذهب إلى دمشق وهناك يقال لك عن جميع ما ترتب لك أن تفعل" (أعمال 22/10)، بينما يذكر بولس في الرواية الثالثة (أعمال 26) أن المسيح أخبره بتعليماته بنفسه، فقد قال له: "قم وقف على رجليك، لأني لهذا ظهرت لك، لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأظهر لك به، منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم…" (أعمال 26/16-18).

              -3جاء في الرواية الثانية أن المسافرين مع بولس "نظروا النور وارتعبوا" (أعمال 22/9)، لكنه في الرواية الأولى يقول: "ولا ينظرون أحداً" (أعمال 9/7).

              -4جاء في الرواية الأولى والثانية أن بولس "وحده سقط على الأرض" (أعمال 9/4)، بينما المسافرون وقفوا، وفي الرواية الثالثة أن الجميع سقطوا، فقد جاء فيها "سقطنا جميعاً على الأرض" (أعمال 26/14).

              -5جاء في الرواية الأولى "أن نوراً أبرق حوله من السماء" (أعمال 9/3)، ومثله في الرواية الثانية (انظر أعمال 22/6)، غير أن الرواية الثالثة تقول: "أبرق حولي وحول الذاهبين معي" (أعمال 26/13).

              فحدث بهذه الأهمية في تاريخ بولس ثم النصرانية لا يجوز أن تقع فيه مثل هذه الاختلافات، يقول العلامة أحمد عبد الوهاب: "إن تقديم شهادتين مثل هاتين (الرواية الأولى والثالثة) أمام محكمة ابتدائية في أي قضية، ولتكن حادثة بسيطة من حوادث السير على الطرق لكفيل برفضهما معاً، فما بالنا إذا كانت القضية تتعلق بعقيدة يتوقف عليها المصير الأبدي للملايين من البشر"، إذ بعد هذه الحادثة أصبح شاول الرسول بولس مؤسس المسيحية الحقيقي.

              لكن إذا أردنا تحليل الهدف الذي جعل بولس يختلق هذه القصة فإنا نقول: يبدو أن بولس اندفع للنصرانية بسبب يأسه من هزيمة أتباع المسيح، فقد رآهم يثبتون على الحق رغم فنون العذاب الذي صبه عليهم، وهذا الشعور واضح في قول بولس أن المسيح قال له: "صعب عليك أن ترفس مناخس" (أعمال 26/14).

              و يُستغرب هنا كيف ينقل شخص من الكفر والعداوة إلى القديسية والرسالة من غير أن يمر حتى بمرحلة الإيمان، فمن الممكن تصديق التحول من فرط العداوة إلى الإيمان، أما إلى النبوة والرسالة من غير إعداد وتهيئة فلا، ومن المعلوم أن أحداً من الأنبياء لم ينشأ على الكفر، فهم معصومون من ذلك.

              و لنا أن نتساءل كيف لبولس أن يجزم بأن من رآه في السماء وكلمه كان المسيح وليس غيره، إذ هو لم يلق المسيح طوال حياته.

              ( 2 ) نفاقه وكذبه :

              و من الأمور التي وقف عليها المحققون في شخصية بولس تلونه ونفاقه واحترافه للكذب في سبيل الوصول لغايته.

              فهو يهودي فريسي ابن فريسي (انظر أعمال 23/6)، لكنه عندما خاف من الجلد قال: "أيجوز لكم أن تجلدوا إنساناً رومانياً" (أعمال 22/25).

              وبولس يستبيح الكذب والتلون للوصول إلى غايته فيقول: "صرت لليهود كيهودي…وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس…و للذين بلا ناموس كأني بلا ناموس…صرت للكل كل شيء"
              (كورنثوس (1) 9 /20-21).

              ويستبح بولس الكذب فيقول: "إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان بعد كخاطئ"
              (رومية 3/7).

              ومن نفاقه وتلونه تزلفه لحكام روما الوثنيين واعتبارهم وسائر الحكام سلاطين موضوعين من قبل الله، ويمضي فيجعل الضرائب والجزية التي يفرضونها حقاً مشروعاً لهم، فيقول: " لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله، حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة...فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضاً، إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه. فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام " (رومية 13/1-7).

              ( 3 ) غــروره :

              و تمتلئ رسائل بولس بثنائه على نفسه ومن ذلك قوله: "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان، بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات" (غلاطية 1/1)، وفي رسالة أخرى يقول: "بولس عبد الله ورسول يسوع المسيح…و إنما أظهر كلمته الخاصة بالكرازة التي أؤتمنت أنا عليها بحسب أمر مخلصنا الله"
              (تيطس 1/1-3).

              و يظن بولس أن عنده روح الله فيقول : "أظن أني أنا أيضاً عندي روح الله" (كورنثوس (1) 7/40).

              و يرتفع بنفسه إلى درجة القديسين الذين - كما يرى - سيدينون العالم بما فيهم الملائكة فيقول: "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟…ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة" (كورنثوس (1) 6/2-3) فهو سيدين الملائكة الذين كان قد ذكر بأن المسيح دونهم بقليل (انظر عبرانيين 2/9)، ويقول أيضاً مفاخراً بنفسه: "اختارنا الله قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" (أفسس 1/4).

              ( 4 ) عدم تلقيه الدين والهدي من تلاميذ المسيح :

              ورغم أن بولس لم يلق المسيح فإنه يعتبر نفسه في مرتبة التلاميذ، لا بل يفوقهم "الإنجيل الذي بشرت به، إنه ليس بحسب إنسان، لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته، بل بإعلان يسوع المسيح…لم استشر لحماً ولا دماً، ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية (شمال جزيرة العرب) ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس" (غلاطية 1/11-18).

              ويؤكد بولس على تميزه عن سائر التلاميذ وانفراده عنهم، و يصفهم بالإخوة "الكذبة المدخلين خفية، الذين دخلوا اختلاساً…الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة، فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا علي بشيء، بل على العكس إذ رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة، كما بطرس على إنجيل الختان" (غلاطية 2/4-7).

              و هكذا يؤكد بولس بأن ما يحمله في تبشيره لم يتلقاه عن تلاميذ المسيح، بل هو من الله مباشرة.

              اعترافات نصرانية بابتداع بولس لما قدمه

              و يتساءل المحققون لماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة إلى التلاميذ ليتلقى عنهم دين المسيح؟ بل ذهب إلى العربية ومكث بعيداً عن التلاميذ ثلاث سنين، ثم لقي اثنين منهم فقط لمدة خمسة عشر يوماً.
              (انظر غلاطية 1/18-19).

              تقول دائرة المعارف البريطانية في الإجابة عن هذا السؤال: "إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت يتمكن فيه من تفكير في موقفه الجديد، وإن القضية الأساس عنده هي تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة".

              و يقول المؤرخ جامس كينون في كتابه "من المسيح إلى قسطنطين": "إنه ارتحل بعد تحوله الفكري إلى العربية، وكان الغرض المنشود من وراء ذلك - كما يبدو من التبشير- أن يدرس مضمونات عقيدته الجديدة، ثم ذهب بعد ذلك بثلاثة أعوام إلى أورشليم حتى يجتمع ببطرس ويعقوب".

              و يبرر جامس كينون موقف بولس فيقول: "كان بولس يؤمن أن الله قد وهبه ميداناً محدداً للعمل، ولا يجوز لرجل أن يتدخل في شئونه مادام روح الله بدورها هادية له

              ثالثاً: بولس الرسول


              كما يرفض المحققون وسم النصارى لبولس بالرسول، فقد رفضوا كما أسلفنا قصة تجلي المسيح له، كما وجدوا في أقواله ما لا يصدر من نبي ورسول.

              فمن ذلك إساءته الأدب مع الله في قوله: "لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كورنثوس (1)1/25)، فلا يقبل أن يقال بأن لله ضعفاً أو جهالة من أحد، سواء كان رسولاً أو غير رسول، وصدور مثله عن الرسل محال، إذ هم أعرف الناس بربهم العليم القوي المتعال.

              ومثله يقول بولس: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (كورنثوس (1) 2/10).

              ويقول مستحلاً المحرمات: "كل الأشياء تحل لي" (كورنثوس (1) 6/12).

              و هذا يتطابق مع ما جاء به من إلغائه الناموس واحتقاره ووصفه له بالعتق والشيخوخة، ومثل هذا الموقف لا يكون من الأنبياء والرسل الذي تأتي دعوتهم لتؤكد على طاعة الله وتدعو إلى السير وفق شريعته، يقول: " فإنه يصير إبطال الوصية السابقة ( التوراة وشرائعها) من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً، ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله " ( عبرانيين 7/18 - 19).

              ويقول عن الناموس أيضاً: " وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال " ( عبرانيين 8/13 ) ويقول: " فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طُلب موضع لثانٍ " ( عبرانيين 8/7 ).

              ويحكي بولس عن نفسه وضعفه أمام الشهوات بما لا يليق بأحوال الأنبياء، فيقول: "لست أعرف ما أنا أفعله، إذ لست أفعل ما أريد، بل ما أبغضه فإياه أفعل..لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل.. أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي، ويحي أنا الإنسان الشقي" (رومية 7/15-24).

              وأما المعجزات المذكورة له في الرسائل (أعمال 14/3) (انظر قصة شفائه للمقعد في أعمال 14/8-1). وقصة إحيائه أفتيخوس في أعمال 20/9-12) فلا تصلح دليلاً على نبوته لقول المسيح محذراً: "انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح، ويضلون كثيرين…و يقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين…سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب، يضلون لو أمكن المختارين أيضاً" (متى 24/4-25)، فقد يكون بولس أحد هؤلاء الكذابين الذين يعطون الآيات والعجائب، التي تضل حتى المختارين من التلاميذ.

              كما أن الأعاجيب - وكما سبق - لا تصلح أكثر من دليل على الإيمان فحسب، إذ كل مؤمن – حسب الإنجيل- يستطيع أن يأتي بإحياء الموتى وشفاء المرضى، فقد نقل متى عن المسيح قوله: "فالحق الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى 17/20). وقال: "الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها" (يوحنا 14/12).

              ويقول يوحنا محذراً من الأنبياء الكذبة: "قد صار الآن أضداد المسيح، منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا…من هو الكذاب إلا الذي ينكر أن يسوع هو المسيح، هذا هو ضد المسيح…احذروا الذين يضلونكم" (يوحنا (1)2/22).

              وقد حذر بطرس أيضاً فقال: "كان أيضاً في الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك…" (بطرس (2) 2/1-3).

              وهكذا كما قال المسيح عن هؤلاء المبطلين : "من ثمارهم تعرفونهم" (متى 7/5-23)، فقد كانت ثمار بولس بدع الهلاك التي أدخلها في المسيحية: ألوهية المسيح، الصلب والفداء، عالمية النصرانية، إلغاء الشريعة.

              نبوءة المسيح عن بولس

              لقد كان بولس ( معناها كما ذكرنا: "الصغير") هو الذي أخبر عنه المسيح في قوله: "الحق أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد من الناموس حتى يكون الكل، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى: أصغر في ملكوت السماوات" (متى 5/17-19)، وقد دعي بولس في الدنيا بالصغير، ولسوف يدعى في الآخرة أصغر جزاء تبديله للناموس والوصايا وتقليله من شأنها ومكانها.

              رابعاً: موقف التلاميذ من بولس


              وإذا كان بولس قد أنشأ البدع في النصرانية، وبدل دين المسيح كيفما شاء، فما هو موقف التلاميذ منه، وهل شاركوه التغير والتبديل؟

              بداية نذكر بأن بولس لم يتلق شيئاً من النصرانية من المسيح أو تلاميذه، فهو لم يصحبهم بل لم ير منهم سوى بطرس ويعقوب ولمدة خمسة عشر يوماً، و ذلك بعد ثلاث سنين من تنصره، ثم عاد مرة أخرى أورشليم، وعرض عليهم ما كان يدعو به بعيداً عنهم يقول بولس: "ثم بعد أربع عشر سنة صعدت أيضاً إلى أورشليم مع برنابا…و إنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم"
              (غلاطية 2/1-2) فماذا كان ردة فعل التلاميذ؟

              يقول بولس وهو ينقل لنا ردود أفعال التلاميذ: "فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا علي بشيء بالعكس، إذ رأوا أني اؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان..أعطوني برنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم، وأما هم للختان..وهذا عينه ما كنت اعتنيت أن أفعله" (غلاطية 2/7-10).

              إذا كان ما يقوله بولس صحيحاً فإن التلاميذ أبعدوا بولس بعيداً عن اليهود الذين بعث إليهم المسيح وأوصى تلاميذه مرة بعد مرة أن يقوموا بدعوتهم، وأما إرسال برنابا معه فيبدو أنه كان بقصد التوجيه والإصلاح لبولس، وهو يقوم بدعوة الوثنيين الغلف في الغرب.

              ثم يسجل بولس في رسائله آراء تلاميذ المسيح والمسيحيين في مبادئه الجديدة ودعوته فيقول: "جميع الذين في آسيا ارتدوا عني" (تيموثاوس (2)1/15)، وقد انفض عنه الجميع، لذا يستنجد بتيموثاوس فيقول: "بادر أن تجيء إلي سريعاً، لأن ديماس قد تركني، إذ أحب العالم الحاضر، وذهب إلى تسالونيكي…لوقا وحده معي، اسكندر النحاس أظهر لي شروراً كثيرة، ليجازه الرب حسب أعماله، فاحتفظ منه أنت أيضاً، لأنه قاوم أقوالنا جداً، في اجتماعي الأول لم يحضر أحد معي، بل الجميع تركوني" (تيموثاوس (2) 4/9-16)، "لما خرجت من مكدونية لم تشاركني كنيسة واحدة في حساب العطاء والأخذ" (فيلبي 4/15).

              ويحذر بولس أنصاره من التلاميذ فيقول: "كونوا متمثلين بي، …لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً، والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صلب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطونهم، ومجدهم في خزيهم…" (فيلبي 3/17-19) لقد رفض كثيرون دعواه صلب المسيح، فكان عاقبتهم اتهامات بولس لهم بالغواية وسلوك طريق الهلاك .

              وفي أنحاء متفرقة من رسائله يتحدث عن أولئك الرافضين لدعوته من غير أن يسميهم، فيقول في بعض ما تمتلئ به رسائله موصياً تيموثاوس: "طلبت إليك أن تمكث في أفسس، إذ كنت أنا ذاهباً إلى مكدونية، لكي توصي قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر، ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها، تسبب مباحث دون بنيان الله في الإيمان" (تيموثاوس (1) 1/3-5).

              ويقول معتبراً نفسه صاحب التعاليم الصحيحة للمسيح الذي لم يلقه: "إن أحد يعلم تعليماً آخر، لا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذي هو حسب التقوى فقد تصلف، وهو لا يفهم شيئاً، بل هو متعلل بمباحثات وممحاكات الكلام التي منها يحصل الحسد والخصام والافتراء والظنون المروجة، ومنازعات أناس فاسدي الذهن عادمي الحق، يظنون أن التقوى تجارة تجذب مثل هؤلاء" (تيموثاوس (1) 6/3-5)، ويقول مندداً بمخالفيه: "انظروا الكلاب، انظروا فعلة الشر…" (فيلبي 3/2).

              وعلى هذا المنوال تمتلئ رسائله بالهجوم على معارضيه من النصارى، فيتهمهم بسائر أنواع التهم من كفر ونفاق و…(انظر كولوسي 4/10-11، فيلبي 2/19-31، تيطس 1/9-11، تيموثاوس (1) 1/3-7، 2/23، 6/20-34،..).

              ويقول عن تلاميذ المسيح: "لكن بسبب الإخوة الكذبة، المدخلين خفية، الذين دخلوا اختلاساً ليتجسسوا حريتنا التي لنا في المسيح كي يستعبدونا، الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة.." (غلاطية 2/4-5)، ومما يؤكد أن قصده التلاميذ، لا غيرهم، قوله: " الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة".

              وينال بولس من بعض تلاميذ المسيح الذين يقول عنهم المسيح: "ليس أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم، لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم" (يوحنا 15/16)، لكن بولس ومدرسته لم تبق لهم ثمراً، ولم تخلد لهم فكراً ولا كتباً، فيما سوى بعض الصفحات القليلة.

              ويتهم بولس بطرس كبير الحواريين بالرياء فيقول: "لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوماً…، راءى معه باقي اليهود أيضا، حتى إن برنابا انقاد إلى ريائهم، لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل قلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً! فلماذا تلزم الأمم أن يتهوّدوا …" (غلاطية 2/11-14).

              ويقول مندداً ومحذراً من أولئك الذين تركوا دعوته: "وأما الأقوال الباطلة الدنسة فاجتنبها، الذين ينصرفون إلى أكثر فجور…الذين منهم هيمينايس وفيليتس الذين زاغا عن الحق" (تيموثاوس (2) 2/16).

              خامساً: موقف برنابا من بولس


              وأما موقف برنابا من بولس فهو في غاية الأهمية، إذ لبرنابا علاقة متميزة ببولس، إذ هو الذي قدمه للتلاميذ المتشككين في توبة شاول الذي اضطهد الكنيسة ثم ادعى النصرانية. (انظر أعمال 9/ 26)، ثم صحبه ست سنوات في رحلته التبشيرية في قبرص وأنطاكية، ثم اختلفا بعد ذلك، وانفصل كل منهما عن الآخر فما سبب الاختلاف؟

              يقول سفر أعمال الرسل: "قال بولس لبرنابا: لنرجع ولنفتقد إخوتنا في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب كيف هم!، فأشار برنابا أن يأخذ معهما أيضاً يوحنا الذي يدعى مرقس، وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما (مرقس)…لا يأخذانه معهما، فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر، وبرنابا أخذ مرقس وسافر في بحر قبرس" (أعمال 15/ 36-39).

              ولكن هل يعقل أن يكون هذا هو السبب في مشاجرة برنابا وبولس؟

              يرفض المحققون هذا التبرير، ويرون أن الأمر أكبر من ذلك، فهو كما يقول برنابا يعود إلى ضلالات بولس التي ينشرها في تبشيره، فقد جاء في مقدمة إنجيله: "كانوا عديمي التقوى والإيمان الذين ضلوا بدعوى التبشير بتعاليم المسيح ببث تعاليم أخرى شديدة الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر به الله، مجوزين كل لحم نجس، الذين ضل في عدادهم بولس" (برنابا، المقدمة/2-7).

              ويرفض المحققون ما جاء في أعمال الرسل في تحرير سبب الخصام بين برنابا وبولس، ويرونه محاولة لإخفاء السبب الحقيقي، وهو الذي ذكره برنابا في إنجيله.

              ويستدلون لرأيهم بأنه لا يعقل أن ينفصل الصديقان ويتشاجران بسبب اختلافهما فيمن يرافقهما، خاصة أن بولس رضي فيما بعد برفقة مرقس، فقد أرسل إلى تيموثاوس يقول له: "خذ مرقس، وأحضره معك، لأنه نافع لي للخدمة" (تيموثاوس (2) 3/10).

              وهو يوصي أخيراً فيقول: "يسلم عليكم استرخس المأسور معي، ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله وصايا، وإن أتى إليكم فاقبلوه" (كولوسي 3/10).

              ورغم تراجع بولس عن عدم اصطحاب مرقس إلا أننا لم نسمع بتاتاً عن تحسن العلاقة بين بولس وبرنابا.

              وقد اعترف القس بتر سمث بأن الخلاف بين الرجلين كان خلافاً فكرياً.

              إذن نستطيع القول بأن تلاميذ المسيح قد عارضوا دعوة بولس وقفوا في وجهها، ودليل ذلك اختفاء ذكرهم عن عالم المسيحية بعد ظهور بولس، فقد اختفت كتاباتهم وحوربت، ولم ينج منها إلا إنجيل برنابا ورسالة يعقوب المضمنة في رسائل العهد الجديد، والتي تمتلئ بمخالفة بولس وخاصة في مسألة الفداء.

              كما اختفى ذكر الحواريين والتلاميذ من أعمال الرسل إلا قليلاً، فلا نكاد نعرف شيئاً عن هؤلاء الذين أرسلهم المسيح وعن دعوتهم سوى ما نقل إلينا لوقا عن مقاومة أهل أنطاكية لتبشير بطرس المخالف لبولس، وعن رحلة برنابا مع بولس، ثم اختفاء ذكرهما من رسائل العهد الجديد بعد مشاجرتهما مع بولس.

              وهكذا فالعهد الجديد وضعه بولس وتلاميذه، وأبعدوا عنه كل ما يعترض نهجه وأفكاره، وطال هذا الإبعاد تلاميذ المسيح ورسله وحملة دينه إلى أمته.

              ومما سبق نستطيع القول أن دعوة بولس لم تلق ترحيباً من التلاميذ وأتباعهم الذين واجهوا فكره المنحرف بصرامة لم تمنعه من نشر أفكاره في آسيا بعيداً عن تلاميذ المسيح وأصفيائه الذين كانوا بحق حملة دينه والمبشرين بتعاليمه.

              تعليق

              • الغدنفر
                0- عضو حديث
                • 5 أغس, 2010
                • 24
                • محاسب
                • مسلم

                #8
                إبطال نسبة الأناجيل والرسائل للحواريين


                تعود أسفار العهد الجديد السبعة والعشرون إلى ثمانية مؤلفين تفاوتت مقادير كتاباتهم، ففي حين لم تزد رسالة يهوذا عن صفحتين فإن لبولس ما يربو على المائة صفحة.

                وأيضاً يتفاوت قرب هؤلاء من المسيح، ففي حين أن يهوذا وبطرس ويوحنا من تلاميذه الاثني عشر، فإن لوقا ومرقس لم يلقيا المسيح، فيما لم يتنصر بولس إلا بعد رفع المسيح.

                والنصارى يعتبرون هؤلاء المؤلفين الثمانية بشراً ملهمين، كتبوا ما أملاه عليهم روح القدس وفق أسلوبهم، وقد ثبت لدينا عدم إلهامية كتبة العهد الجديد فيما سبق.

                ولكن هل تصح نسبة الكتب إلى هؤلاء الثمانية؟ وبالذات إلى متى ويوحنا وبطرس الذين يفترض أنهم من أخص تلاميذ المسيح أم أن النسبة هي أيضاً محرفة ؟ وهل من الممكن أن يصدر هذا الكلام - الذي في العهد الجديد - من حواريي المسيح الذين رباهم طوال سني رسالته، وذكرهم القرآن بالثناء الحسن ؟

                إن تأمل المحققين من المسلمين في كتابات العهد الجديد، جعلهم يرون أن هذه الأسفار لا يمكن أن تصدر عن تلاميذ المسيح المؤمنين، فاهتموا لذلك بدراسة وتوثيق نسبة هذه الأسفار إليهم.

                ولسوف لن نتوقف طويلاً مع توثيق نسبة بعض الأسفار، لأن كتبتها ليسوا من تلاميذ المسيح، وعليه فلا يهمنا إن كان كاتب إنجيلي مرقس ولوقا هما مرقس ولوقا أو أياً من النصارى الذين عاشوا في نهاية القرن الميلادي الأول، إذ أي من هؤلاء ليس بمعصوم ولا ملهم ولا يملك ثناء واحداً من المسيح عليه السلام، ومثله نصنع في رسائل بولس عدو المسيح الذي ادعى الرسالة والعصمة، وهو لم يلق المسيح البتة.

                التحريف في العهد الجديد


                ولقد يتساءل المرء أين وقع التحريف في الأناجيل ؟ هل وقع من الإنجيليين وأصحاب الرسائل، أم من النساخ الذين تصرفوا في النصوص حسب أهوائهم وعقائدهم، أم من أولئك الذين أضافوا القداسة للكتب الشخصية التي خطها الحواريون، أم من ذلك كله؟ ولعل الأخير هو أولاها بالصواب.

                أولاً : تحريف الإنجيليين : هل كان الإنجيليون أمناء في النقل عن بعضهم؟

                أصبح من المسلم به - كما أسلفنا - أن لوقا نقل ما نسبته 51% من فقرات إنجيل مرقس، بينما نقل متى ما نسبته 90% من محتويات إنجيل مرقس. فهل كان متى ولوقا أمينان في نقلهما عن مرقس، أم كانا يتصرفان بنص مرقس كما يحلو لهما؟

                الحقيقة البينة أن كلا الاثنين تصرف برواية مرقس حسب ما تبدى له، وخاصة متى الذي كان يضخم دائماً فيما ينقله من أحداث ينقلها من رواية مرقس، لتناسب غلوه في شخص المسيح أو لتحقق نبوءة توراتية لم تحققها رواية مرقس، وذلك يظهر من أمثلة كثيرة ذكرها المحققون، منها:

                يقول مرقس عن المصلوب: " أعطوه خمراً ممزوجةً بمر " ( مرقس 15/23 ).

                لكن متى نقل عن مرقس وغيّر، فقال: " أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة " ( متى 27/34 )، ومن المعلوم أن الخل غير الخمر.

                ولقد قصد متى من هذا التغيير أن يحقق النبوءة التوراتية المزعومة " يجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خلاً " ( المزمور 69/21 )، فأبدل كلمة الخمر التي كتبها مرقس بالخل.

                -1يقول مرقس: " إن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي " ( مرقس 3/35 ).

                وينقلها متى: " إن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي " ( متى 12/50 ). فكلمة أبي وضعت لأسباب لاهوتية.

                -2ومثله يقال عندما سأل المسيح تلاميذه عما يقولون فيه، فأجاب بطرس: " أنت المسيح " (مرقس 8/29 ).

                لكن متى عدل في إجابة بطرس وجعلها : " أنت هو المسيح ابن الله الحي " ( متى 16/16).

                -3ومثله لما ظهر لهم المسيح مع موسى قال بطرس لسيده كما ينقل مرقس : " يا سيدي جيد أن نكون هنا " ( مرقس 9/5 ).

                ولكن متى يعدّل نص مرقس، ويقول: " يا رب جيد أن نكون ههنا " (متى 17/4).

                -4ومن غلو متى تغييره لما جاء في مرقس عن عدم قيام المسيح بالمعجزات في الجليل حيث يقول: " ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة غير أنه وضع يديه على مرضى قليلين فشفاهم، وتعجب من عدم إيمانهم " ( مرقس 6/5 - 6 ). حيث لم يصنع ولا قوة واحدة، لكنه شفى قليلين، لكن شفاء القليلين لم يكن كافياً لإيمان أولئك القساة، فتعجب المسيح لعدم إيمانهم.

                لكن متى عزّ عليه أن لا يصنع المسيح أي قوة، فقال : " ولم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم " ( متى 13/58 ). إذاً هو صنع معجزات، ولكن ليس كثيراً، وبرر قلة المعجزات بعدم إيمانهم. فأصبحت سبباً لقلة المعجزات بعد أن كانت عند مرقس نتيجة لها.

                -5ومثله تلاعب لوقا بما نقله عن مرقس، فقد أورد مرقس - الذي تصفه المصادر المسيحية بأنه يقدم أصدق صورة عن المسيح - أورد آخر عبارات المصلوب على الصليب، وكانت صراخه اليائس "إلهي إلهي، لماذا تركتني " ( مرقس 15/34 ).

                لكن لوقا - وكما يرى ولديورانت - لم تعجبه عبارة مرقس، ورآها لا تتفق مع تعليم بولس عن المسيح الفادي الذي جاء ليصلب، فأبدلها بقوله: " يا أبتاه في يديك أستودع روحي " ( لوقا 23/46 ).

                -6والغلو عند متى في شخص المسيح جعله يخالف مرقس في كثير من الأحداث التي نقلها عنه، فزاد فيها بما اعتقد أنه يرفع من قدر المسيح، من ذلك أن مرقس ذكر خبر المجنون الممسوس بالشياطين والذي شفاه المسيح وأخرج منه الشياطين وجعلها تدخل في الخنازير، فيقول: " لما خرج من السفينة للوقت استقبله من القبور إنسان به روح نجس... فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له، وصرخ بصوت عظيم وقال: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي. أستحلفك بالله أن لا تعذبني...

                وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى. فطلب إليه كل الشياطين قائلين: أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها. فأذن لهم يسوع للوقت، فخرجت الأرواح النجسة، ودخلت في الخنازير" (مرقس 5/2 - 13).

                لكن متى جعل صاحب القصة مجنونان بدلاً من واحد فقال: "ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً...وإذا هما قد صرخا قائلين: ما لنا ولك يا يسوع ابن الله! أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟

                وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فالشياطين طلبوا إليه قائلين: إن كنت تخرجنا فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير. فقال لهم: امضوا، فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير" ( متى 8/28 - 32 ).

                -7وذكر مرقس ولوقا شفاء الأعمى، يقول مرقس: "وفيما هو خارج من أريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالساً على الطريق يستعطي. فلما سمع أنه يسوع الناصري ابتدأ يصرخ ويقول: يا يسوع ابن داود، ارحمني... فأجاب يسوع، وقال له: ماذا تريد أن أفعل بك؟ فقال له الأعمى: يا سيدي أن أبصر. فقال له يسوع: اذهب. إيمانك قد شفاك. فللوقت أبصر، وتبع يسوع في الطريق "
                (مرقس 10/46 - 52، وانظر لوقا 18/35 - 42 ).

                لكن متى روى نفس القصة وجعل الأعمى أعميين اثنين، فقال: " فيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير. وإذا أعميان جالسان على الطريق، فلما سمعا أن يسوع مجتاز صرخا قائلين: ارحمنا يا سيد، يا ابن داود... فوقف يسوع وناداهما وقال: ماذا تريدان أن أفعل بكما؟ قالا له: يا سيد أن تنفتح أعيننا. فتحنن يسوع ولمس أعينهما، فللوقت أبصرت أعينهما، فتبعاه " ( متى 20/29 - 34 )، فهذا غلو من متى وتحريف للقصة التي ينقلها عن مرقس.

                -8وأخبر مرقس عن قدوم المسيح لأورشليم راكباً على جحش فيقول: "أرسل اثنين من تلاميذه، وقال لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت وأنتما داخلان إليها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحد من الناس. فحلاه وأتيا به... فأتيا بالجحش إلى يسوع وألقيا عليه ثيابهما (أي التلميذين) فجلس عليه" (مرقس11/1- 7 ).

                لكن متى بالغ في روايته لنفس الخبر، فجعل المسيح راكباً على أتان وجحش في وقت واحد! يقول متى:
                " حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاًَ معها، فحلاهما وأتياني بهما....وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس عليهما"
                ( متى 21/1 - 7 ).

                ولم يبين لنا متى كيف كان هذا الركوب، وما هي هيئته، فذلك لا يهُم ، المهم أنه أراد أن يحقق نبوءة توراتية في سفر زكريا " هو ذا ملكك، يأتي إليك وهو عادل ومنصور وديع، وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان " (زكريا 9/9 ).

                وقد صرح متى بذلك في نفس الخبر فقال: " فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان" (متى 21/4)، ومن أجل تحقيق هذه النبوءة خالف مرقس ، وأركب المسيح على أتان وجحش معاً!

                -9ومثله في التحريف زيادات متى الخيالية على الأحداث التي صاحبت موت المعلق على الصليب "فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم، وأسلم الروح، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين" (متى 27/50 - 53)، هذا ولم يذكر لنا متى شيئاً عما فعله هؤلاء العائدون من الموت، ولا عن ردة فعل الناس على ظهورهم وعلى تلك الأحداث العظيمة....

                وهذه الأعجوبة على ضخامتها وأهميتها لم يشر إليها مرقس، ولو كانت حقاً لما صح أن يهملها لأهميتها، كذلك لم يذكرها لوقا - المتتبع لكل شيء بتدقيق - ولا يوحنا، فثبت أنها من وضع متى ونسج خياله.

                اعترافات بالتلاعب في الأناجيل

                أمام وضوح الحقيقة لا يجد المفسر جون فنتون مفسر إنجيل متى من سبيل إلا يعترف بهذا التطوير للروايات، ويحاول تبريره فيقول: "لقد حدث تحوير ملحوظ في مخطوطات ( الأناجيل )، وذلك في المواضع التي ذكرت فيها ألقاب الرب " ( يسوع )، فهو يعترف بوقوع التحريف، لكنه يتهم نساخ المخطوطات ، ويبرئ متى الكاتب.

                والصحيح أن التلاعب بالنص يرجع إلى كُتاب الأناجيل، وليس نساخ المخطوطات، إذ أن الزيادة تطرِد دائماً في متى عما في مرقس، ولو كان الخلل في المخطوطات لما اطردت الزيادة في متى دائماً.

                وقد صدق العلامة كيز مان حين قال : " إن لوقا ومتى قد قاما بتغيير نص مرقس الذي كان بحوزتهما مائة مرة عن عمد لأسباب عقائدية ".

                ثانياً: تحريف الإنجيليين في نقلهم من المصادر التوراتية

                وكذا وقع كتاب العهد الجديد في تحريف الأسفار التوراتية وهم ينقلون عنها، ليكون صورة أخرى من صور التحريف.

                - فقد وقع به بولس وهو ينقل عن مزامير داود، يقول بولس: " لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع الخطايا، لذلك عند دخوله إلى العالم، يقول : ذبيحة وقرباناً لم تُرد، ولكن هيأت لي جسداً، بمحرقات وذبائح لم تسر... " ( عبرانيين 10/4 – 6 ).

                وقد نقل بولس النص عن المزامير، وحرفه، ففي المزامير " بذبيحة وتقدمه لم تسر، أذني فتحت، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب … " ( المزمور 40/6 )، فقد أبدل " أذني فتحت " بقوله: "هيأت لي جسداً ".

                واعترف بوقوع التحريف في أحد النصين جامعو تفسير هنري واسكات، ولم يعينوا الموضع المحرف منهما، فقد اعتبر آدم كلارك ما جاء في المزمور محرفاً، فيما اعتبره دوالي ورجر وديمنت في تفسيرهما ما جاء في رسالة بولس هو المحرف.

                -كما وقع التحريف من الإنجيليين بنسبة أقوال إلى التوراة لم تذكرها، منه ما جاء في متى عن المسيح "وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء : إنه سيدعى ناصرياً " (متى 2/23)، ولا يوجد شيء من ذلك في كتب الأنبياء.

                ومما يؤكد أن التحريف هنا متعلق بمتى أن التلميذ نثنائيل حين بشره فليبس بالمسيح الناصري استغرب أن يبعث مسيح من الناصرة "فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟" (يوحنا 1/46)، ولو كانت نبوءة الناصري موجودة قبلُ لما كان وجه للغرابة.

                -ومن صور التحريف ما وقع به يعقوب ولوقا حين تحدثا عن انقطاع المطر بدعاء النبي إيليا ، فذكروا أنه استمر ثلاث سنين وستة أشهر، محرفين ماورد في العهد القديم، والذي أفاد بأن انقطاع المطر لم يكمل الثلاث سنوات، فيقول يعقوب في رسالته: " كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا ، وصلى صلاة أن لا تمطر ، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر " ( يعقوب 5/17 )، ووافقه لوقا فزعم أن المسيح قال: "أقول لكم: إن أرامل كثيرة كنّ في إسرائيل في أيام إيليا، حين أغلقت السماء مدة ثلاث سنين وستة أشهر، لما كان جوع عظيم في الأرض كله" (لوقا 4/25).

                والقصة منقولة ومحرفة عن سفر الملوك وفيه " قال إيليا :.. إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي " ( الملوك (1) 17/1)، ثم " بعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا في السنة الثالثة قائلاً : اذهب وتراءى لأخاب فأعطي مطراً على الأرض " ( الملوك (1) 18/1 )، وفعل فنزل المطر ، وكان ذلك في السنة الثالثة، ولعله في أولها، أي لم يكمل انقطاع المطر ثلاث سنوات، فضلاً عن الأشهر الستة التي زادها يعقوب ولوقا.

                -ومن صور التحريف ما نسبه بولس لكتب الأنبياء من وصف الجنة التي أعدها الله للمؤمنين، فقال: " بل كما هو مكتوب: ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه " (كورنثوس (1) 2/9)، وليس في كتب الأنبياء في العهد القديم مثل هذا البتة.

                -وينقل متى من سفر النبي إشعيا، فيغير في النبوءة ليقدم لنا مثالاً للحرية التي تعامل بها الإنجيليون مع النصوص التوراتية ، إذ يقول: " فقد تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة: تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون، لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سماعها، وغمضوا عيونهم، لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم" (متى 13/14-15)، وهو اقتباس تصرف فيه من سفر إشعيا الذي يقول في سفره متوعداً بني إسرائيل "فقال: اذهب وقل لهذا الشعب: اسمعوا سمعاً ولا تفهموا، وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا، غلِّظ قلب هذا الشعب، وثقّل أذنيه، واطمس عينيه، لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه، ويرجع فيشفى" (إشعيا 6/9-10)، فقد كان نص إشعيا حديثاً بصيغة المستقبل عما سيؤول إليه حال بني إسرائيل، فجعلها متى بصيغة الإخبار عن الحال الحاضر، ولو كان يعتبر ما يعاصره من عصيان اليهود وقسوة قلوبهم تفسيراً لتلك النبوءة، لكان فعله مقبولاً، لكنه بالحقيقة كان ينقل النبوءة ويغير بألفاظها " تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة: تسمعون.. ".

                ومن صور التحريف ما صنعه متى وهو يتلاعب بنسب المسيح، فيحذف من النسب ما لا يروق له، ثم يعمد إلى خداع القارئ والتمويه عليه، لقد أدرك متى أن ذرية الملك يهوياقيم محرومة من الجلوس على كرسي داود (انظر إرميا 36/30 - 31 ) ، فحذف اسمه من نسب المسيح مخافة أن يدرك القارئ أنه لاحظّ للمسيح في الجلوس على كرسي داود، فقال: " ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل" (متى 1/11)، ومن المعلوم أن يكنيا من أحفاد يوشيا، وليس ابنا مباشراً له، إذ هو ابن الملك المحروم يهوياقيم بن يوشيا (انظر الأيام (1) 3/14-15).

                كما أخطأ متى ثانية حين زعم أن ولادة يكينيا عند سبي بابل، إذ يكينيا قد ولد قبل السبي بوقت طويل، وتولى الملك وعمره ثماني سنوات أو ثمانية عشرة سنة ، على خلاف بين الأسفار (انظر (الملوك (2) 24/8)، و ( الأيام (2) 26/9 )) ، وتسمى بيهوياكين، وفي عهده (597 ق.م) دخل البابليون فلسطين أول مرة، وسبوه وكبار مملكته إلى بابل، وذلك قبل السبي الكبير بإحدى عشرة سنة، خلافاً لمتى الذي يزعم أنه ولد عند السبي.

                ثالثاً: انتشار التحريف في الصدر الأول

                رأينا قبل أصحاب النصوص الإنجيلية وهم يقعون في التحريف، في الصدر الأول من النصرانية، وقد كثر حينذاك المنتحلون للنبوة والزاعمون أنهم يكتبون القصة الحقيقية لعيسى عليه السلام.

                ومنذ ذلك الحين صدرت الدعوات تحذر من التحريف الذي يتعرض له الإنجيل.

                وهذا الذي دعا بولس للقول: " إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم، ويريدون أن تحولوا إنجيل المسيح " ( غلاطية 1/6 - 7 )، فتحدث بولس عن أناس يريدون تحريف إنجيل المسيح الذي سبق الحديث عن فقده.

                ويقول أيضاً: " ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضاً فيما يفخرون به، لأن مثل هؤلاء رسل كذبة، فعلة ماكرون مغيرون من شكلهم إلى شبه رسل المسيح " ( كورنثوس (2) 11/12- 13 ).

                ويقول يوحنا: " أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح... لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم " ( يوحنا (1) 4/1 )، لقد أصبح إدعاء النبوة والتحريف مرضاً مستشرياً في القرن الميلادي الأول.

                ويحذر التلميذ يهوذا من أولئك الذين زوروا كلاماً على المسيح " إنه قد دخل خلسة أناس قد كتبوا منذ القديم لهذه الدينونة، فجار يحولون نعمة إلهنا... هو ذا قد جاء الرب ليضع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم... وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار... إنه في الزمن الأخير سيكون قوم مستهزؤون سالكين بحسب شهوات فجورهم " (يهوذا 4-18).

                ويحذر بطرس من التحريف المعنوي بتغيير المعاني الصحيحة، فيقول: " كتب إليكم أخونا الحبيب بولس. أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم، يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم " ( بطرس (2) 3/15 - 16).

                وكثرة التحريف والكتب التي تدعي الحق زوراً وكذباً هيّج لوقا لكتابة إنجيله، ففي مقدمته يقول: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ... أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمتَ به " ( لوقا 1/1 - 4 ).

                فلوقا رأى هذه الكتب الكثيرة محرفة، فكتب ما رآه صحيحاً، وقد بلغت هذه الكتب من الكثرة أن قاربت المائة.

                وسريان التحريف وانتشاره انتشار النار في الهشيم جعل فاستس ( من فرقة ماني كيز في القرن الرابع ) يصرخ، ويقول : " أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر، وعيبوا صورته الحسنة وأفضليته، لأن هذا الأمر محقق، إن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم ونسبه إلى الحواريين ورفقاء الحواريين ليعتبر الناس، وقد آذى بذلك الدين... فقد ألف الكتب التي تمتلئ بالأغلاط والمتناقضات ".

                وكان سلوس الوثني ( ق2 ) يقول: " بدل المسيحيون أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد من هذا تبديلاً، كأن مضامينها بُدلت ".

                رابعاً: ظهور الطباعة، والتحريف الطباعي للعهد الجديد

                وفي القرن السادس عشر ظهرت الطباعة وأدواتها، ليظهر معها نوع جديد من أنواع التحريف، يؤكد أن القوم قد استمرؤوا باطلهم وتحريفهم.

                وقد أصدر ارازموس سنة 1516م أول طبعاته كما ذكر ذلك فردريك جرانت في كتابه "الأناجيل أصولها ونماؤها" وجورج كيرد في تفسيره.

                وفي عهد الملك جيمس الأول ملك انجلترا واسكتلندا عقد مؤتمر ديني عام 1604م أسفر عن تشكيل لجنة ترجمة من البروتستانت تولت إنتاج النص الرسمي للكتاب المقدس باللغة الإنجليزية، وختم الملك جيمس هذه النسخة بخاتمه، وطبعت سنة 1611م.

                ومنذ عهد الملك جيمس توالت الطعون لهذه الترجمة الأشهر في تاريخ المسيحية، فقد رفعت للملك جيمس عريضة تقول: " إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي موضع تخميناً ".

                وقال بروتن للقسس: " إن ترجمتكم الإنجليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمان وأربعون موضعاً، وصارت سبباً لرد أناس غير محصورين كتب العهد الجديد ودخولهم النار ".

                وتوالت الطعون لهذه الترجمة والتي عنها ترجم العهد الجديد إلى أكثر لغات العالم.

                وفي عام 1881م عُدلت نسخة الملك جيمس، وسميت بالنسخة القياسية المنقحة، ثم نقحت 1952م، وسميت أيضاً " النسخة القياسية المنقحة " (r.s.v)، وكان تنقيحها على يد اثنين وثلاثين عالماً لاهوتياً تساندهم هيئة استشارية تمثل خمسين طائفة دينية، ثم أعيد تنقيحها عام 1971م، وصدرت بنفس الاسم (r.s.v)، وجاء في مقدمة هذه الطبعة: " لكن نصوص الملك جيمس بها عيوب خطيرة جداً ... وإن هذه العيوب والأخطاء عديدة وخطيرة، مما يستوجب التنقيح في الترجمة الإنجليزية ".

                ومما حذفته النسخة المنقحة نص يوحنا المشهور في التثليث ( انظر يوحنا (1) 5/7 ) ونهاية إنجيل مرقس
                ( انظر 16/9 - 20 ).

                وتبدو إمكانية تطوير النص أيضاً عند الكاثوليك، حيث جاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك " بوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصاً مثبتاً إثباتاً حسناً، وما من داع إلى إعادة النظر إلا إذا عثر على وثائق جديدة ".

                وقد كان الكاثوليك قد أصدروا نسخة لاتينية خاصة بهم تسمى نسخة " دوي "، وطبعت لأول مرة عام 1582م ثم 1609م، وتختلف هذه النسخة عن نسخة الملك جيمس المعاصرة لها في أمور أهمها زيادة سبعة من الأسفار ( الأبوكريفا ) غير موجودة في ترجمة الملك جيمس البروتستانتية.

                أمثلة لتحريف الطبعات

                وقد لجـأ المحرفون إلى وسائل مستحدثة في التحريف منها أنهم تعمدوا وضع إضافات للنص المطبوع، وجعلت هذه الإضافات في أقواس للدلالة على عدم وجودها في أقدم المخطوطات المعتمدة، وأنها إضافات تفسيرية.

                ثم وفي طبعات أخرى تختفي الأقواس، ويصبح ما بين الأقواس جزء من النص المقدس، وفي طبعات أخرى تم حذف الأقواس وما بينها، فأي هذه النصوص كلمة الله؟ ومن الذي يحق له أن يزيد وينقص في الكتاب المقدس؟ أولا تزاد له الضربات المكتوبة حين يزيد في الكتاب، أو يحذف اسمه من سفر الحياة والمدينة المقدسة حين يحذف منه ما هو منه. (انظر الرؤيا 22/18-19).

                -1ومن ذلك أنه جاء في نسب المسيح " ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو (حسبما يظن ) ابن يوسف " ( لوقا 3/23 ).

                وفي تراجم وطبعات كثيرة تبلغ المئات يلحظ العلامة ديدات اختفاء الأقواس، وبقاء ما بينها، ليصبح المدرج من النساخ جزء من كلمة الله.

                -2وأهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا الأولى " فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد " ( يوحنا (1) 5/7 - 8 )، والفقرة الأولى التي تتحدث عن شهود السماء غير موجودة في النسخ القديمة، كما أنها غير موجودة في جلسات المجمع النيقي.

                والنص موجود في سائر تراجم العهد الجديد المطبوعة بعد القرن السادس عشر الميلادي، ولا يخفى أن إضافة هذا النص كان لتثبيت عقيدة التثليث التي تفتقر لمثل هذا الدليل القوي في دلالته.

                وقد اعترف محققو النصرانية بإلحاقية هذا النص، ومنهم كريسباخ وشولز، وهورن المتعصب، وجامعو تفسير هنري، واكستاين، والقس فندر، ومارتن لوثر الذي حذف النص من ترجمته.

                وقد كتب إسحاق نيوتن رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى أواسط هذا القرن.

                وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد وضعتها بين هلالين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات القديمة كما في ترجمة الشرق الأوسط 1933م، لكنها موجودة بدون أهلة في سائر التراجم العربية سوى ترجمة الكاثوليك العربية، فإنها أزالتها وأشارت إلى خلو الأصول اليونانية عنها.

                وفي عام 1952م أصدرت لجنة تنقيح الكتاب المقدس نسخة ( r. S. V )، النسخة القياسية المراجعة، وكان هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون، لكن هذا التنقيح لم يسرِ على مختلف تراجم الإنجيل العالمية

                -3ومن النصوص المهمة أيضاً التي تعرضت لتحريف الطبعات، النصان الوحيدان اللذان يتحدثان عن صعود المسيح للسماء في خاتمة مرقس 16/19، ولوقا 24/51 ، وقد حذف النصان من ( r. S. V) عام 1952م، وبقيا في سائر التراجم العالمية.

                ثم في 1971م عرض أمام اللجنة ( المنقحة ) طلبات عديدة قدمها اثنان من الأفراد، وطائفتان دينيتان، ونتيجة لهذه الطلبات تم إعادة نص التثليث وخاتمة مرقس 16/9 - 20، ولوقا 24/51 في طبعة ثانية صدرت باسم ( r. S. V ) أيضاً.

                استحلال آباء الكنيسة للتحريف


                ولكن الداهية التي ساهمت بانتشار التحريف هي ما يذكره المؤرخ وليم ميور في كتابه " تاريخ كليسيا " ( الكنيسة )، حيث قال: إن أرجن وغيره أفتوا بجواز جعل الكتب الكاذبة، ونسبتها للحواريين أو التابعين أو إلى قسيس من القسيسين المشهورين.

                يؤكد المؤرخ موشيم سهولة وقوع التحريف في الصدر الأول لانتشار مقولة أفلاطون وفيثاغورث " أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق عبادة لله، ليس بجائزين فقط، بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح.. ثم أثر وباء هذه الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر ".

                وقد كان بولس نموذجاً صارخاً لهذا النوع من التحريف باسم الدين، وقد اعترف به فقال: "إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان بعد كخاطئ" (رومية 3/7).

                من كتب العهد الجديد؟

                نشرت مجلة تايم في عددها الصادر في اكتوبر 1986 مقالاً عن ندوة دولية حضرها 120 عالماً نصرانياً درسوا صحة الأقوال المنسوبة للمسيح في الأناجيل الأربعة، فوجدوا أنه لا يصح منها سوى 148 قولاً من بين 758 قولاً منسوباً إليه.

                وذكر كتاب " الأناجيل الخمسة " الذي أصدرته ندوة يسوع عام 1993م أن 18% فقط من الأقوال التي تنسبها الأناجيل ليسوع ربما يكون قد نطق بها فعلاً.

                وفي ندوة 1995 قرروا أن رواية ميلاد يسوع غير حقيقية سوى ما يتعلق باسم أمه، ومثله قصة آلام المسيح ومحاكمته.
                الأثر التشريعي والأخلاقي للعهد الجديد


                جاء في كلام المسيح " احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً، هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية.

                لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع ثماراً ردية، ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة، كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، فإذاً من ثمارهم تعرفونهم " ( متى 7/15 - 20 ).

                يسوق المسلمون هذا النص الإنجيلي ويطلبون من النصارى التحاكم إليه، ومن ثم تكون الثمار دالة على حسن الغرس أو سوئه.

                واقع المجتمعات النصرانية

                وعند النظر إلى المجتمع النصراني بشكل عام يسجل المحققون على المجتمع النصراني عدة ملاحظات:

                1انتشار الزنا والفواحش.

                2كثرة الانتحار والجرائم.

                3التمييز العنصري البغيض.

                4التفكك الأسري، والعلاقات الإجتماعية السيئة.

                5 انتشار الخمور.

                6الانسلاخ من الدين.

                7الوحشية مع الأمم الأخرى.


                ويتبين من هذا كله من خلال بعض الأرقام التي أوردها المحققون نقلاً عن إحصائيات صادرة في الغرب إضافة إلى قراءتهم الصحيحة للمجتمع النصراني.

                فقد نشرت مجلة بونتي الألمانية إحصاءً حول معتقدات الألمان، ونتيجة الإحصاء أن 65% من الألمان يؤمنون بالله، و50% يؤمنون بالحياة بعد الموت والجزاء فيه.

                وفي جنوب أفريقيا حيث نسبة النصارى 98% ينتشر زنا المحارم بين البيض بنسبة 8%، بينما يبلغ عدد مدمني الخمر في أمريكا كما يقول القس جيمي سويجارت أربعة وأربعين مليون إضافة إلى أحد عشر مليون سكير.

                ويذكر جون ستون بحثاً ميدانياً أجري عام 1978م، وكان من نتيجته أن 4% من المجتمع الأمريكي يمارسون السحاق أو الشذوذ طوال حياتهم، و10% يمارسونه لمدة ثلاث سنوات، وتشير أرقام اتحاد تنظيم الأسرة في بريطانيا إلى أن نصف الفتيات المراهقات تحت 16 سنة يمارسن الزنا.

                كيف يواجه العهد الجديد هذا الواقع؟


                وماذا لدى الإنجيل من مقومات الإصلاح لهذا الفساد وتلك الأرقام الوبائية؟ وهل للإنجيل علاقة بهذه الأرقام ؟

                الإجابة تتلخص في قصور التشريعات الإنجيلية عن معالجة الأوضاع الفاسدة في المجتمعات النصرانية، بل ليس من التجني في شيء إذا قلنا بأن الكتاب المقدس هو أحد أسباب الفساد في تلك المجتمعات، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

                وقد تجلت مسئولية الكتاب عن هذا الفساد بأمور تتفاوت في أثرها، لكنها مجتمعة حوت أسباب البلاء وجذوره.

                أولاً : العهد الجديد ومنافاته للفطرة الإنسانية


                وقف المحققون على نصوص كثيرة تجلى فيها مصادمة الإنجيل الموجود بين أيدينا للفطرة الإنسانية التي خلق الله عليها عباده مما يترك أثراً سلبياً أخلاقياً أو اجتماعياً على قارئيها، ومثلوا بأمثلة كثيرة، منها:

                -أنه ثمة نصوص تصطدم مع طبيعة الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها، ومنه ما جاء في العهد الجديد من حث على التبتل وترك الزواج يقول بولس: " أقول لغير المتزوجين وللأرامل: إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا "
                ( كورنثوس (1) 7/8 ).

                وفي نص آخر يقول: " لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله " ( رومية 8/7 )، وعليه فالأكل والشرب والنوم والزواج... وغيرها من حاجات الإنسان الفطرية إنما يمارسها الإنسان وهو يعادي ربه، وهذه حرب على الفطرة الإنسانية.

                -وفي مرة أخرى ينسب متى للمسيح أنه قال: " يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات، من استطاع أن يقبل فليقبل " ( متى 19/12 ).

                -ويذكر متى دعوة المسيح إلى التخلي عن الدنيا بما فيها الحاجات الأساسية والضرورية للحياة الإنسانية السوية، فقد جاءه رجل فقال للمسيح بأنه حفظ الوصايا كلها " فماذا يعوزني بعد؟ قال له يسوع : إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال واتبعني، (لكن الشاب الصالح) مضى حزيناً، لأنه كان ذا أموال كثيرةً.

                فقال يسوع لتلاميذه: الحق أقول لكم : إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من دخول غني إلى ملكوت الله، فلما سمع تلاميذه بهتوا جداً قائلين : إذاً من يستطيع أن يخلص " ( متى 19/20 - 25 ).

                فهذا النص وأمثاله محارب لدفعة الحياة التي بها يقوم العمران والحضارات.

                ومثله تلك الدعوة التي نرى فيها دعوة للتكاسل والقعود، تبأس البشرية إن فعلتها، وهي ما جاء في لوقا: " لاتهتموا لحياتكم بما تأكلون، ولا للجسد بما تلبسون، الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس، تأملوا الغربان إنها لا تزرع ولا تحصد، وليس لها مخدع ولا مخزن، والله يقوتها... تأملوا الزنابق كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل... فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون، ولا تقلقوا... بل اطلبوا ملكوت الله، وهذه كلها تزاد لكم " ( لوقا 12/22 - 31 ).

                -ومثله يذكر متى أن المسيح أمر تلاميذه: " لاتقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصاً " ( متى 10/9 - 10 )، فكيف تعمر الأرض لو امتثل الناس جميعاً بهذا الأمر المحال.

                ثانياً : العجز التشريعي للعهد الجديد


                ورأى المحققون أيضاً أن تشريعات الأناجيل عاجزة عن إقامة الحياة المستقيمة المتكاملة بما تحمل هذه الأناجيل من مثالية يستحيل أن تصلح الحياة معها، ومن ذلك قول المسيح كما ذكر متى: " من لطمك على خدك، فحول له الآخر أيضاً " ( متى 5/39 )، وقد ورد النص في مقابل القصاص، ولذلك فهو إلغاء لشريعة القصاص، أو إضافة أخلاقية تفتقر إلى المعقولية، وكأني به يحث على الرضا بالضيم والظلم، وهو ولا ريب سبب عظيم في ظهور الفساد والبغي.

                ومثله قول لوقا: " من ضربك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك.... ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه به " ( لوقا 6/28 - 29 ).

                وهنا نتساءل : لو كان هذا النص من كلام المسيح، فلم خالفه عندما ضربه خدم رؤساء الكهنة فلم يعرض له الخد الآخر، بل قال له: " إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردي، وإن حسناً فلماذا تضربني " (يوحنا 18/23 ).

                وهنا تساؤل يبحث عن إجابة: هل طبقت الكنيسة هذا الخلق في جولة من جولاتها أم أن واقع الحال يؤذن بأن هذا المقال من المحال، وإذا عجزت الكنيسة والمسيح عن ذلك، فغيرهما أعجز.

                ويحرم العهد الجديد الطلاق إلا بعلة الزنا، فيقول: " فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان.. أقول لكم: إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلقة يزني " ( متى 19/6 - 9 ).

                وهذا التشريع سبب من أسباب انتشار البغاء، إذ هو المخرج والسبيل الذي يلجأ إليه أولئك الذين حالت مشاكل الحياة واختلافات البشر دون إكمال مسيرتهم الزوجية، وحرم عليهم العهد الجديد أن يبنوا حياتهم على الطُهر من جديد.

                وهذا التشريع لا يمكن أن تستقيم معه الحياة، إذ ثمة أمور كثيرة تجعل الحياة بين الزوجين ضرباً من المحال، ولا مخرج إلا بالطلاق الذي بمنعه تترتب الكثير من المضار، وهو ما دفع الكنيسة البروتستانتية لإباحة الطلاق، وهو ما تحاول الكنائس الأخرى إقراره بغية الخروج من هذا التشريع الغريب.

                وأما ما ذكره متى من علة تحريم الطلاق وهو قوله: " فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان " ( متى 19/6 ) فليس بصحيح، لأن الزواج ليس جمعاً إلهياً بين اثنين، بل هو اتفاق بين اثنين على الزواج وفق شريعة الله وسّنته، فمثله في ذلك مثل سائر الشعائر التي أمر بها الله.

                -وثمة عجز تشريعي آخر تواجهه أسفار العهد الجديد في مواجهة متطلبات الحياة الإنسانية، وهو منع الزواج بأكثر من واحدة كما يفهم من (كورنثوس (1) 7/1 - 5 )، وهو ما تجمع عليه الكنائس النصرانية المختلفة، بينما تشير الإحصائيات إلى زيادة مطردة في أعداد النساء، ففي انجلترا تزيد النساء على الرجال أربعة ملايين امرأة، وفي ألمانيا خمسة ملايين، وفي أمريكا ثمانية ملايين، فكيف يحل العهد الجديد هذه المشكلة التي ستتفاقم آثارها إذا تابع النصارى قول بولس في الحث على التبتل وترك الزواج " أقول لغير المتزوجين وللأرامل : إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إذا لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا " ( كورنثوس (1) 7/8 - 9 )، إن نتيجة هذا التعليم هي الفضائح التي تهز جنبات الكنيسة وتقرعها كل يوم، لتثبت أن الفطرة لا تُغلب، وأن هذا التوجيه ليس من كلمة الله.

                ثالثاً : دور نسخ الشريعة في انتشار التحلل والفساد


                ولكن كل ما ذكرناه ليس إلا أسباباً جانبية للبلاء، وأما أسّ البلاء الذي تعاني منه المجتمعات النصرانية فيكمن في عقيدة الخلاص والفداء، والتي تجعل الإيمان بصلب المسيح كافياً للخلاص ومحرراً من لعنة الناموس والشريعة التي نسخها بولس بأقواله ، نسخ منها كل ما حرمته من زنا وشرب للخمور بل وقتل وفساد، إذ الإيمان بالمسيح المصلوب نيابة عنا يكفر خطايانا مهما عظمت، وهكذا يمضي المؤمن بهذه النصوص إلى ضروب الرذيلة وفنونها غير خائف من عقاب الله ودينونته.

                لقد سمى بولس شريعة الله التي تهذب السلوك البشري لعنة، فقال: " المسيح افتدانا من لعنة الناموس" (غلاطية 3/13).

                وأعلن عن عدم الحاجة إليها بعد صلب المسيح فقال: " قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان، ولكن بعد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب " ( غلاطية 3/24 - 25 ).

                وأكد إبطال الناموس بقوله: "سلامنا الذي جعل الاثنين واحد... مبطلاً بجسده ناموس الوصايا " ( أفسس 2/14-5 )، ويقول أيضاً: " الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع، لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما "
                ( غلاطية 2/16 )

                وهؤلاء الذين يصرون على العمل بالناموس يرى بولس أنهم يسيئون للمسيح: " قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس " ( غلاطية 5/4 ).

                ويمضي مؤكداً عدم الحاجة إلى الأعمال الصالحة، فيقول: " إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذاً مات بلا سبب "
                ( غلاطية 2/21 ).

                ويقول: " أبناموس الأعمال؟ كلا بل بناموس الإيمان، إذا نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس "
                ( رومية 3/27-28 ).

                وجعل بولس الإيمان بالمسيح سبيلاً للبر والنجاة من غير الحاجة للناموس والأعمال :" الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع الذي أبطل الموت، وأنار الحياة والخلود " ( تيموثاوس (2) 1/9 - 10 ).

                ويؤكد هذا المعنى الغريب عن أقوال المسيح في نص آخر، فيقول: " ظهر لطف فخلصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس " ( تيطس 3/4 - 5 ).

                ولذلك فإن بولس يعلن إباحته لكل المحرمات من الأطعمة مخالفاً التوراة وأحكامها (انظر التثنية 14/1-24)، ويقول: "أنا عالم ومتيقن في الرب يسوع أن لاشيء نجس في حد ذاته، ولكنه يكون نجساً لمن يعتبره نجساً" ( رومية14/14 ).

                ويقول - وهو يعرض نموذجاً من إباحة المحرمات يقاس عليه كل محرم -: "كل شيء طاهر للأطهار، وما من شيء طاهر للأنجاس" ( تيطس 1/ 15 )، "لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يرفض شيء إذا أخذ مع الشكر" ( تيموثاوس (1) 4/4 ).

                ويقول بولس معرفاً البار حسب دينه الجديد: " المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله، لإظهار بره في الزمن الحاضر، ليكون باراً، ويبرر من هو من الإيمان بيسوع "
                ( رومية 3/24-25).

                ويقول معدداً الشروط الجديدة للخلاص: " إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت" ( رومية 10/9 ). ومثله ما جاء في مرقس: " من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدَن " (مرقس16/16 ).

                وفي موضع آخر تتسع دائرة الخلاص لتشمل كل البشرية وتغريها بالمسيحية التي لا تحرم حراماً، فيقول بولس عن المسيح: " بذله لأجلنا أجمعين " ( رومية 8/32 ) ويوضحه قول يوحنا: "يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً " ( يوحنا (1) 2/2 )، ويؤكده قوله: " نشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم " ( يوحنا 4/14 ) فجعل الخلاص عاماً لكل الخطايا وشاملاً لكل البشر.

                وقد كان لهذه النصوص صدى كبير في النصرانية ونظرتها للشريعة، فقد فهم رواد النصرانية قبل غيرهم من هذه النصوص أن كل الموبقات قد أضحت حلالاً، فيقول لوثر أحد مؤسسي المذهب البروتستانتي: " إن الإنجيل لا يطلب منا الأعمال لأجل تبريرنا، بل بعكس ذلك، إنه يرفض أعمالنا.... إنه لكي تظهر فينا قوة التبرير يلزم أن تعظم آثامنا جداً، وأن تكثر عددها".

                ويقول ميلا نكتون في كتابه الأماكن اللاهوتية : " إن كنت سارقاً أو زانياً أو فاسقاً لا تهتم بذلك، عليك فقط أن لا تنسى أن الله هو شيخ كثير الطيبة، وأنه قد سبق وغفر لك خطاياك قبل أن تخطئ بزمن مديد".

                وهكذا تبين لنا أن البلاء والفساد الذي آلت إليه أوربا والغرب النصراني عامة، إنما كان بسبب هذا الكتاب الذي يصر النصارى على أنه يمثل - رغم سلبياته الهائلة - كلمة الله الهادية إلى البر والجنة والملكوت.


                تعليق

                • الغدنفر
                  0- عضو حديث
                  • 5 أغس, 2010
                  • 24
                  • محاسب
                  • مسلم

                  #9
                  هل هذا هو المسيح؟


                  وآخر ما نختم به جولتنا لإثبات براءة الوحي من أسفار العهد الجديد، أن نستعرض بعض ما ينسبه كتاب العهد الجديد إلى المسيح من أخلاق أو صفات لا يليق أن تصدر من كرام البشر وعقلائهم، فضلاً عن أن يقع فيها نبي كريم جعله الله قدوة صالحة للعالمين.

                  وثمة صور كثيرة تسيء للمسيح، لن يغفرها مدح الأسفار للمسيح في مواطن أخرى، ومن أهم تلك الصور المزرية التي نسبها الإنجيليون للمسيح زوراً وبهتاناً:

                  -أن متى يتهم المسيح بعدم الحرص على وصول ضعاف الإيمان إلى المغفرة والهداية، بل قام بحجب أسبابها عنهم " ولما كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل، قال لهم: قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله، وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء. لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم.

                  ثم قال لهم: أما تعلمون هذا المثل.فكيف تعرفون جميع الأمثال... وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا.... وبدون مثل لم يكن يكلمهم. وأما على انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء" (مرقس 4/10-33)، فقد كان يخص التلاميذ بالبيان، ويحرمه آخرين " لئلا يرجعوا، فتغفر لهم خطاياهم ".

                  أن الأناجيل ذكرت وصية المسيح بالأم والأب، ثم لما كان المسيح في عرس بقانا تذكُر أنه أساء لوالدته، ففي يوحنا أنها طلبت منه تحويل الماء الذي في الجرار إلى خمر يشربه أهل العرس فقال لها : " مالي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد " ( يوحنا 12/4 )، وهي ذات الكلمة التي قالها للزانية التي أتي بها لترجم " قال لها: يا امرأة" (يوحنا 8/10).

                  ثم في موطن آخر تتهمه الأناجيل بشرب الخمر، فتقول بأن المسيح قال لليهود: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (متى 11/9).

                  هذا ما تذكره الأناجيل، تسيء به للمسيح وأمه، فيما نرى القرآن يقول عنها، عن المرأة التي ينسب لها يوحنا أمر صنع الخمر، فيصفها ويقول : يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (آل عمران: 33).

                  والابن الذي يذكر الإنجيليون إساءاته لوالدته يكذبهم القرآن في خبره، إذ يقول على لسانه : وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً (سورة مريم: 32).

                  وأكمل بولس المأساة حين دعا لشرب الخمر فقال: " لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (ثيموثاوس (1) 23/5)، وكان سفر الأمثال قد اعتبر شرب الخمر وسيلة لعلاج مشكلات الفقراء، إذ ينسيهم أتعابهم وآلامهم، إذ يقول: " أعطوا مسكراً لهالك، وخمراً لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد " (الأمثال 31/6-7).

                  لكن المجتمعات النصرانية لم تلتزم بالقليل الذي أحله ودعا لشربه بولس، فتحولت إلى مجتمعات مدمنة بها عشرات الملايين من المدمنين، إنه أثر آخر من آثار الكتاب المقدس.

                  -ولما جاء واحد من تلاميذه يخبره أن أمه وإخوته ينتظرونه ليكلموه، فقال: "من هي أمي ؟ ومن هم إخوتي ؟!" ( متى 12/48 )، فهل يعقل أن المسيح يتجاهل أمه بهذه الطريقة؟

                  -وينقل لوقا عن المسيح أمراً غريباً قاله للجموع التي تتبعه: " إن كان أحد يأتي إلي، ولا يبغض أباه وأمه وأولاده وإخوانه حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون تلميذاً " ( لوقا 14/26 - 27 )، ثم يتابع لوقا الشروط المستحيلة للتلمذة، فيقول: "فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 14/33).

                  فإضافة إلى كون هذه الشروط للتلمذة مستحيلة، فإنها غير ملائمة للفطرة، والأمر ببغض الأقارب غير مقبول من الناحية الأخلاقية، والمسيح لا يعقل أن يأمر ببغض الآباء والأمهات.

                  -ومثله لا يصح أن ينسب للمسيح ذلك القول المريع الذي ينسبونه لنبي المحبة والسلام، وهو قوله: " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته " (متى10/34 - 36)، فهل جاء المسيح لنشر الفساد والبغضاء! إنها إساءة كبرى لهذا النبي العظيم، تدل على كذب الكتبة الذين يزعم النصارى أنهم يكتبون كلمة الله.

                  ويشبهه قول لوقا: "جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت.. أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض.كلا، أقول لكم: بل انقساماً. لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة. ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب. والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها" (لوقا 12/49- 53)، فهل صدق الإنجيليون حين زعموا أن المسيح كان نبي فساد، حاشاه، فهذا بهتان عظيم.

                  وتبع رجل المسيح ثم جاءه يستأذنه ليدفن أباه، فيذكر متى أن المسيح نهاه وقال: " اتبعني. ودع الموتى يدفنون موتاهم " ( متى 8/22 )، فهل يفعل هذا كرام الناس؟ وهل هذا من البر بالوالد؟ وما الأثر الذي يتركه هذا النص على قارئه؟ أليس سبباً في كثير مما نراه من العقوق والجفاف في المجتمعات الغربية المسيحية؟

                  واستأذنه تلميذ آخر في وداع أهله، فلم يأذن له، بل أنَّبه "وقال آخر أيضاً: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع الذين في بيتي، فقال له يسوع: ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لوقا 69/61-62)، لا يصلح لملكوت الله لأنه أراد وداع أهله! أي دين هذا، وأي تعاليم هذه؟ هل هذا ما تحث عليه كلمة الله؟

                  ولا ريب أن هذه النصوص وأمثالها سبب لكثير مما تعانيه أوربا والغرب من تفكك أسري وتقاطع بين الأرحام بل وفي الأنساب.

                  -ومن الجفاء الذي يتنره عنه المسيح، بل وكرام البشر، ما جاء في متى: " تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً: يا سيد ارحم ابني، فإنه يصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار، وكثيراً في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك، فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع، وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى احتملكم. قدموه إليّ ههنا. فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام" (متى 17/14-16)، إذ ليس من مبرر لهذا التبرم من قضاء حوائج الناس.

                  -ومرة أخرى تبالغ الأناجيل في الإساءة للمسيح في قصة المرأة الكنعانية أو الفينيقية التي جاءت إلى المسيح تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة، وهي تبكي، وتقول : " ارحمني يا سيد، يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين : اصرفها، لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال : لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة : يا سيد أعني. فأجاب وقال : ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت : نعم يا سيد، والكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها : يا امرأة عظيم إيمانك، ليكن لك كما تريدين " ( متى 15 /22 - 28 ).

                  فمثل هذه الغلظة وهذا الجفاء مع قدرته على شفاء ابنتها لا مبرر له، كيف لا يشفق ولا يرحم تلك المسكينة، وكيف يشبهها، بل وجميع الأمميين من غير اليهود بالكلاب؟! وفي مرة أخرى شبههم بالخنازير، حين أوصى فقال: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دُرركم قدام الخنازير" (متى 7/6).

                  ولا يقبل أن يوصم المسيح - الذي يزعمون أنه نزل لخلاص العالم - بمثل هذه التفرقة العنصرية البغيضة.

                  وإذا قيل ذلك بحق المسيح وهو الرسول القدوة، فلا عجب بعد ذلك في انتشار التفرقة العنصرية التي يؤكدها العهد الجديد بقول بولس: " لكن ماذا يقول الكتاب ؟ اطرد الجارية وابنها، لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة، إذاً أيها الإخوة لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة " ( غلاطية 4/31 ).

                  كم هو الفرق بين هذه النظرة العنصرية وما جاء في القرآن الكريم } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (سورة الحجرات : 13).

                  ثم هذه الأخلاق العنصرية والقاسية تتعارض مع أخلاق أخرى لا تقل غرابة عنها ذكرها متى حين قال بأن المسيح يقول: " أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم "
                  ( متى 5/44 ).

                  يقول ولديورانت: " إن الإنسان ليجد في الأناجيل فقرات قاسية مريرة لا توائم قط ما يقال لنا عن المسيح في مواضع أخرى... إن بعضها يبدو لأول وهلة مجانباً العدالة، وإن منها ما يشتمل على السخرية اللاذعة والحقد المرير ".

                  -وينسب يوحنا للمسيح عليه السلام الكذب - وحاشاه - فيذكر يوحنا أن التلاميذ طلبوا من المسيح أن يذهب لليهودية ( أورشليم ) ويظهر معجزاته في عيد المظال، فقال لهم: "اصعدوا أنتم إلى هذا العيد، أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد، لأن وقتي لم يكمل بعد، قال لهم هذا، ومكث في الجليل.

                  ولما كان إخوته قد صعدوا، صعد هو أيضاً إلى العيد، لا ظاهراً، بل كأنه في الخفاء... " (يوحنا 7/8 - 10 )، وإذا كانت الأسفار قد نسبت الكذب للرب المتجسد، فماذا عساه يصنع البشر!.

                  فهذا كذب صريح لا يليق بأن ينسب للمسيح، فإن قرأه النصارى في كتابهم عن المسيح - وحاشاه - فلا عجب بعد ذلك أن يصابوا جميعاً بداء الكذب.

                  ويعجب المرء لكثرة التعري في الغرب النصراني، ولكن لا عجب عند من تأمل سوءة أخرى تنسبها الأسفار للمسيح عليه السلام، ألا وهي التعري أمام التلاميذ، فقد جاء ذلك في قصة غسل المسيح أرجل التلاميذ، يقول يوحنا: "قام عن العشاء وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتّزر بها، ثم صبّ ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها... فلما كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتكأ أيضاً، قال لهم: أتفهمون ما قد صنعت بكم" (يوحنا 13/4-12).

                  ومن نسب العري للمسيح لن يخجل من نسبة العري لرسله وتلاميذه، فقد ذهبوا للسباحة في بحيرة طبرية، وقد وقف سمعان إلى جانب البحر عارياً حتى من الإزار الذي يغطي عورته، ولما جاء المسيح لم يعرفه "فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: هو الرب. فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب، اتزر بثوبه، لأنه كان عرياناً، وألقى نفسه في البحر" (يوحنا 21/7).

                  -وتذكر الأناجيل على لسان المسيح الكثير من السباب والشتائم لليهود، وهم مستحقون لذلك، غير أن مثل هذا لا يصدر من نبي أرسله ربه ليعلم قومه حميد الأخلاق، كما لا يصدر ممن يقول: " باركوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم "
                  ( متى 5/44 ).

                  فكيف يقول بعد ذلك لقومه: قال المسيح وهو يخاطب جموعهم : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون …. ويل لكم أيها القادة العميان … أيها الجهال والعميان … أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟ "
                  ( متى 23/13 - 37 ).

                  وهل يعقل أن يقول ذاك الذي أمر بمباركة أعدائه ومحبتهم والإحسان إليهم، هل يمكن أن يقول لهم: " يا أغبياء " (لوقا 11/37)، أو أن يصفهم بأنهم كلاب وخنازير: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها، وتلتفت فتمزقكم" (متى 7/6).

                  وقد طال السباب المنسوب للمسيح حتى تلاميذه وخاصته، فقد قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، وقال لبطرس: "اذهب عني يا شيطان " ( متى 16/23 ).

                  وقال مخاطبا إياه في موطن آخر: "يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( متى 14/31 ).

                  لكن الداهية الدهياء حين ينسب كُتاب العهد الجديد إلى المسيح سباب إخوانه من الأنبياء وتشبيههم باللصوص والسراق، واتهامهم بعدم الحرص على هداية أقوامهم، فيقول يوحنا: " قال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف، جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم. أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك.

                  وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها" (يوحنا 10/7-12).

                  ثم وفي موطن آخر يتوعد بجهنم من قال لأخيه أقل من ذلك، فيقول: " ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/23).

                  وقريباً من هذا السباب ما يقوله بولس في مواطن كثيرة من رسائله، منها: "انظروا الكلاب، انظروا فعلة الشر" (فيلبي 3/2)، ومثله كثير...

                  ثم يذكر بولس أن من بين الذين يحرمون من الملكوت أولئك الذين يشتمون، فيقول: "ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" (كورنثوس (1) 6/10)، فهل تراه يقصد نفسه والمسيح أم أن لهما امتيازاً على سائر الشاتمين، أم هو ضلال البشر حين ينسبون القبائح لأحد أكرم المرسلين، ثم يزعمون أنه كلمة الله؟

                  ولا عجب بعد ذلك ما فعل البشر من السباب والقبح والرذيلة.

                  ويستمر الإنجيليون في الإساءة المتعمدة للمسيح عليه السلام، ويرميانه بالمزيد من القبائح وهم يتحدثون عن نسب للمسيح الذي ليس له نسب بشري، والعجيب أنهم جعلوا نسب يوسف النجار نسباً للمسيح الذي لا أب له، وليس ثمة علاقة بينه وبين يوسف النجار، ولو كان المذكور نسب مريم لكان له وجه، أما يوسف النجار فلا وألف لا.

                  ونسبة المسيح ليوسف النجار علاوة على أنها غير حقيقية، فإنها تؤكد ماكان اليهود يشيعه عن مريم وابنها، وما هو موجود في تلمودهم من قولهم على مريم البتول الطاهرة بهتاناً عظيماً.

                  وعند التأمل في نسب متى ، فإنا نلحظ أنه ذكر في نسب المسيح أربع جدات للمسيح هن ثامار، وزوجة داود التي كانت لأوريا الحثي، وراحاب، وراعوث. فما السر في ذكر هؤلاء الجدات دون سائرهن ؟ هل كن نساء فوق العادة حتى خلدهن الإنجيل؟ هل ثمة درس يعلمنا إياه الكتاب المقدس بخصوص تعظيم المسيح عليه السلام؟

                  إن لكل واحدة من الأربع سوءة تذكرها التوراة، فأما ثامار فهي التي ولدت فارص زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها واحداً بعد واحد. ( انظر قصتها مع يهوذا في التكوين 38/2 - 30 ).

                  وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة - زوراً - داود بأنه فجر بها، وهي زوجة قائده أوريا الحثي، فحملت، ثم دفع داود بزوجها إلى الموت، وتزوجها بعد وفاته، وكان من أولادها النبي سليمان أحد أجداد المسيح. ( انظر القصة في صموئيل (2) 11/1 - 4 ).

                  وأما راحاب زوجة سلمون، وأم بوعز، وكلاهما من أجداد المسيح - حسب متى -، فراحاب هي التي قال عنها يشوع: "امرأة زانية اسمها راحاب " ( يشوع 2/1 )، وذكر قصة زناها في سفره.

                  وأما راعوث فهي راعوث المؤابية زوجة بوعز وأم عوبيد، والتوراة تقول: " لا يدخل عموي ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر " ( التثنية 23 / 3 ).

                  ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخلاً في هذا الطرد من جماعة الرب، إذ هو الجيل الثاني والثلاثون لها.

                  وهنا يقف المرء حائراً متسائلاً عن سر الاهتمام بهؤلاء الجدات دون سائر الجدات ، ولا أجد من تفسير إلا أن هناك من يرغب في تلطيخ سمعة الأنبياء والنيل منهم والحط من شرفهم بدء من نوح وانتهاء بالمسيح ، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

                  وفي محاولة يائسة لتبرير هذه السقطة لمتّى وتلك الإساءة الكبرى منه لشخص المسيح، يقول القمّص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لإنجيل متى: "المسيح وضع على ذاته نسب هذه الطبيعة التي تنجست لكي يطهرها، أي يريد أن يقول: إن من جاء من أجل الخطاة ولد من خاطئات ليمحو خطايا الجميع ".

                  وأما أجداد المسيح الذكور الذين ذكر متى منهم اثنان وثلاثون أباً ( إلى دواد ) وذكر لوقا اثنان وأربعون أباً، فهؤلاء أيضاً لا يتشرف المسيح بأن يكونوا من آبائه - لو كان ما تذكره التوارة صحيحاً، وحاشا أن يكون ذلك صحيحاً - ، فإن أربعة من هؤلاء الآباء تذكر التوراة أنهم فعلوا الزنا، وبعضهم كان الزنا المنسوب إليه زنا محارم، وهؤلاء الأربعة هم يهوذا، وداود، وسليمان، ورحبعام.

                  وأما يهوياقيم بن يوشيا أحد الأجداد المزعومين للمسيح، فهو اسم آخر يسيء للمسيح عليه الصلاة والسلام، فيهوياقيم ملك فاسد، عاقبه الله بالحرمان ونسله من بعده، فقال عنه: " لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً، وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم " (إرميا 36/30 - 31 ).

                  ويهوياقيم أحد أجداد المسيح الذين أغفل متى ذكرهم ، فقد ذكر أباه يوشيا وابنه يكينيا ، فقال: " ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل " (متى 1/11).

                  وهو بذلك تجاهل اسم يهوياقيم، وفي سفر الأيام الأول " بنو يوشيا: البكر يوحانان، الثاني يهوياقيم، الثالث صدقيا، الرابع شلّوم. وابنا يهوياقيم: يكنيا ابنه، وصدقيا ابنه" (الأيام (1) 3/14-15)، فيهوياقيم اسم أسقطه متى من نسبه للمسيح، بين يوشيا وحفيده يكنيا.

                  ولا يخفى على فطنة القارئ سبب إسقاطه لاسم هذا الملك الفاسق المحروم وذريته من الجلوس على كرسي داود.

                  إذ أن ذلك الوعيد ليهوياقيم يتعارض مع زعم النصارى أن المسيح سيرث كرسي داود، فإن لوقا في أعمال الرسل: "من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد، ليجلس على كرسيه " ( أعمال 2/30 ) ويقول: " الرب الإله يعطيه كرسي داود أبيه " ( لوقا 1/32 )، فلم يجد متى من سبيل لإزالة التعارض إلا أن يسقط اسم يهوياقيم من سلسلة أجداد المسيح، ولعله ظن أن صنيعه سيُذهل القارئ عن هذا العيب الكبير، الذي يحرم المسيح من أحد أعظم نبوءات وبشارات الكتاب المقدس.

                  وكعادة المفسرين المغرمين بالبهلوانيات يقول مفسرو الإنجيل وعلماء اللاهوت لتبرير ذكر هؤلاء الأجداد وأولئك الجدات المذكورات للمسيح : " هنا تكمن الروعة برُمتها، فإن الله أحب الخطاة إلى درجة أنه لن يستنكف أن يجعل أسلاف ابنه مثل هؤلاء ".

                  وهكذا نرى في هذه الإساءت المتلاحقة من الإنجيليين للمسيح عليه الصلاة والسلام دليلاً آخر يشهد ببراءة وحي الله عن هذا السفه، وذلكم الإفك الذي يتنزه عنه أنبياء الله الكرام، الهداة الدعاة، ملح الأرض وزينتها، ومنهم سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام.
                  إنجيل متى


                  وهو أول إنجيل يطالعك وأنت تقرأ في الكتاب المقدس، ويتكون هذا الإنجيل من ثمانية وعشرين إصحاحاً تحكي عن حياة المسيح ومواعظه من الميلاد وحتى الصعود إلى السماء.

                  وتنسبه الكنيسة للحواري متّى أحد التلاميذ الاثني عشر الذين اصطفاهم المسيح، وتزعم أن هذا الكتاب قد ألهمه من الروح القدس. وترجح المصادر أن متى كتب إنجيله لأهل فلسطين، أي لليهود المتنصرين، وتختلف المصادر اختلافاً كبيراً في تحديد تاريخ كتابته، لكنها تكاد تجمع على أنه كتب بين 37 - 64م.

                  وأما لغة كتابة هذا الإنجيل فيكاد المحققون يُجمعون على أنها العبرانية، ورأى بعضهم بأنها السريانية أو اليونانية.

                  ولعل أهم الشهادات التاريخية لهذا الإنجيل شهادة أسقف هرابوليس الأسقف بابياس 155م حين قال: " قد كتب متى الأقوال بالعبرانية، ثم ترجمها كل واحد إلى اليونانية حسب استطاعته " كما يقول ايريناوس أسقف ليون 200م بأن متى وضع إنجيلاً للعبرانيين كتب بلغتهم.

                  ولما كانت جميع مخطوطات الإنجيل الموجودة يونانية فقد تساءل المحققون عن مترجم الأصل العبراني إلى اليونانية، وفي ذلك أقوال كثيرة لا دليل عليها البتة، فقيل بأن ترجمه متى نفسه، وقيل: بل يوحنا الإنجيلي، وقيل غيرهما.

                  والصحيح ما قاله القديس جيروم ( 420م ) " الذي ترجم متى من العبرانية إلى اليونانية غير معروف"، بل لعل مترجمه أكثر من واحد كما قال بابياس.

                  وقد قال نورتن الملقب " بحامي الإنجيل " عن عمل هذا المترجم المجهول : " إن مترجم متى كان حاطب ليل، ما كان يميز بين الرطب واليابس. فما في المتن من الصحيح والغلط ترجمه".

                  التعريف بمتى


                  فمن هو متى ؟ وما صلته بالإنجيل المنسوب إليه؟ وهل يحوي هذا الإنجيل كلمة الله ووحيه ؟

                  في الإجابة عن هذه الأسئلة تناقل المحققون ماذكره علماء النصارى في ترجمة متى، فهو أحد التلاميذ الإثني عشر، وكان يعمل عشاراً في كفر ناحوم، وقد تبع المسيح بعد ذلك.

                  وتذكر المصادر التاريخية أنه رحل إلى الحبشة، وقتل فيها عام 70 م، ولم يرد له ذكر في العهد الجديد سوى مرتين، أما المرة الأولى فعندما نادى عليه المسيح، وهو في مكان عمله في الجباية ( انظر متى 10/3). والثانية في سياق تعداد أسماء التلاميذ الاثني عشر. (انظر متى 10/3، ولوقا 6/15).

                  ويجدر أن نذكر أن مرقس ولوقا يذكران أن العشار الذي لقيه المسيح في محل الجباية هو لاوي بن حلفي
                  ( انظر مرقس 2/15، ولوقا 5/27 ) ولم يذكرا اسم متى. وتزعم الكنيسة – بلا دليل- أن لاوي بن حلفي هو اسم آخر لمتى العشار.

                  يقول جون فنتون مفسر إنجيل متى وعميد كلية اللاهوت بلينشفيلد بأنه لا يوجد دليل على أن متى هو اسم التنصير للاوي، ويرى أنه من المحتمل " أنه كانت هناك بعض الصلات بين متى التلميذ والكنيسة التي كتب من أجلها هذا الإنجيل، ولهذا فإن مؤلف هذا الإنجيل نسب عمله إلى مؤسس تلك الكنيسة أو معلمها الذي كان اسمه متى، ويحتمل أن المبشر كاتب الإنجيل قد اغتنم الفرصة التي أعطاه إياها مرقس عند الكلام على دعوة أحد التلاميذ، فربطها بذلك التلميذ الخاص أحد الإثني عشر ( متى ) الذي وقره باعتباره رسول الكنيسة التي يتبعها ".

                  أدلة الكنيسة على صحة نسبة الإنجيل إلى متى


                  وتؤكد الكنيسة بأن متى هو كاتب الإنجيل، وتستند لأمور ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس، أهمها :
                  " الشواهد والبينات الواضحة من نهج الكتابة بأن المؤلف يهودي متنصر ".

                  وأيضاً " لا يعقل أن إنجيلاً خطيراً كهذا - هو في مقدمة الأناجيل - ينسب إلى شخص مجهول، وبالأحرى أن ينسب إلى أحد تلاميذ المسيح ".

                  وأيضاً " يذكر بابياس " في القرن الثاني الميلادي أن متى قد جمع أقوال المسيح ".

                  وأخيراً " من المسلم به أن الجابي عادة يحتفظ بالسجلات، لأن هذا من أهم واجباته لتقديم الحسابات، وكذلك فإن هذا الإنجيلي قد احتفظ بأقوال المسيح بكل دقة ".

                  ملاحظات على إنجيل متى


                  ومن خلال تأمل ما سبق رأى المحققون أنه ليس ثمة دليل حقيقي عند النصارى على صحة نسبة الإنجيل لمتى، إذ ليس بالضرورة أن يكتب الجابي معلوماته الدينية كما يكتب متعلقات عمله، كما أن كتابة متى لأقوال المسيح لا تفيد صحة نسبة الإنجيل المنسوب إليه اليوم.

                  بل إن الأدلة قامت على أن الكاتب لهذا الإنجيل ليس من تلاميذ المسيح. إذ في الإنجيل أموراً كثيرة تدل على أن كاتبه ليس متى الحواري، ومن هذه الأدلة :

                  - أن متى اعتمد في إنجيله على إنجيل مرقس، فقد نقل من مرقس 600 فقرة من فقرات مرقس الستمائة والاثني عشر، كما اعتمد على وثيقة أخرى يسميها المحققون m .

                  يقول ج ب فيلبس في مقدمته لإنجيل متى : " إن القديس متى كان يقتبس من إنجيل القديس مرقس، وكان ينقحه محاولاً الوصول إلى تصور أحسن وأفضل لله ".

                  ويضيف القس فهيم عزيز أن اعتماد متى على مرقس حقيقة معروفة لدى جميع الدارسين. فإذا كان متى التلميذ هو كاتب الإنجيل فكيف ينقل عن مرقس الذي كان عمره عشر سنوات أيام دعوة المسيح ؟ كيف لأحد التلاميذ الاثني عشر أن ينقل عنه؟ هل ينقل الشاهد المعاين للأحداث عن الغائب الذي لم يشهدها!؟

                  - ثم إن إنجيل متى يذكر متى العشار مرتين، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى أنه الكاتب، فقد ذكر اسمه وسط قائمة التلاميذ الاثني عشر، ولم يجعله أولاً ولا آخراً، ثم لما تحدث عن اتباعه للمسيح استخدم صيغة الغائب، فقال: "وفيما يسوع مجتاز هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية اسمه متى فقال له : اتبعني فقام وتبعه" ( متى 9/9 ).

                  ولو كان متى هو الكاتب لقال : " قال لي "، " تبعته " " رآني "، فدل ذلك على أن متى ليس هو كاتب الإنجيل.

                  - ثم إن التمعن في الإنجيل يبين مدى الثقافة التوراتية الواسعة التي جعلت منه أكثر الإنجيليين اهتماماً بالنبوءات التوراتية عن المسيح، وهذا لا يتصور أن يصدر من عامل ضرائب، فهذا الكاتب لن يكون متى العشار. يقول أ. تريكو في شرحه للعهد الجديد (1960م ): إن الاعتقاد بأن متى هو عشار في كفر ناحوم ناداه عيسى ليتعلم منه، لم يعد مقبولاً، خلافاً لما يزعمه آباء الكنيسة.

                  منكرو نسبة الإنجيل إلى التلميذ متى


                  وقد أنكر كثير من علماء المسيحية في القديم والحديث صحة نسبة الإنجيل لمتى، يقول فاستس في القرن الرابع : " إن الإنجيل المنسوب إلى متى ليس من تصنيفه "، وكذا يرى القديس وليمس. والأب ديدون في كتابه " حياة المسيح".

                  ويقول ج ب فيلبس في مقدمته لإنجيل متى: " نسب التراث القديم هذه البشارة إلى الحواري متى، ولكن معظم علماء اليوم يرفضون هذا الرأي ".

                  ويقول البرفسور هارنج : إن إنجيل متى ليس من تأليف متى الحواري، بل هو لمؤلف مجهول أخفى شخصيته لغرض ما.

                  وجاء في مقدمة إنجيل متى للكاثوليك : " أما المؤلف، فالإنجيل لا يذكر عنه شيئاً وتقاليد الكنيسة تنسبه إلى الرسول متى، ولكن البحث في الإنجيل لا يثبت ذلك الرأي أو يبطله على وجه حاسم ".

                  ويقول القس فهيم عزيز عن كاتب متى المجهول: " لا نستطيع أن نعطيه اسماً، وقد يكون متى الرسول، وقد يكون غيره ".

                  ويقول المفسر جون فنتون في تفسيره لإنجيل متى عن كاتب متى : " إن ربط شخصيته كمؤلف بهذا التلميذ إنما هي بالتأكيد محض خيال ".

                  وقد طعنت في صحة نسبة الإنجيل أو بعضه لمتّى فرق مسيحية قديمة، فقد كانت الفرقة الأبيونية ترى البابين الأولين لإنجيل متى إلحاقيين، ومثلها فرقة يوني تيرين، ويرون أن البداية الحقيقية لهذا الإنجيل قوله: " في تلك الأيام جاء يوحنا المعمداني.. " ( متى 3/1 ) فتكون بداية الإنجيل قصة يوحنا المعمداني كما هو الحال في مرقس ويوحنا، ويدل لذلك أيضاً أن قوله " في تلك الأيام " لا يمكن عوده على ما في الإصحاحين السابقين، إذ كان الحديث في آخر الإصحاح الثاني عن قتل هيرودس للأطفال بعد ولادة المسيح، وهو زمن طفولة المسيح والمعمدان الذي يكبره بستة أشهر، بينما الإصحاح الثالث يتحدث عن دعوة المعمدان - أي وهو شاب -، وهذا يعني وجود سقط أو حذف قبل الإصحاح الثالث، أو أنه البداية الحقيقية للإنجيل.

                  من الكاتب الحقيقي لإنجيل متى؟


                  وإذا لم يكن متى هو كاتب الإنجيل المنسوب إليه، فمن هو كاتب هذا الإنجيل ؟

                  في الإجابة عن السؤال نقول: نتائج الدراسات الغربية التي أكدت أن هذا الإنجيل قد كتبه غير متى التلميذ، ونسبه إليه منذ القرن الثاني، ولربما يكون هذا الكاتب تلميذاً في مدرسة متى.

                  ويحاول كولمان وشراح الترجمة المسكونية تحديد بعض الملامح لهذا الكاتب، فالكاتب - كما يظهر في إنجيله - مسيحي يهودي يربط بين التوراة وحياة المسيح، وهو كما يصفه كولمان : يقطع الحبال التي تربطه باليهودية مع حرصه على الاستمرار في خط العهد القديم، فهو كاتب يهودي يحترم الناموس، ويعتبر بذلك من البعيدين عن مدرسة بولس الذي لا يحترم الناموس، بينما يقول هذا الكاتب " فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس، هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات " ( متى 5/19 ).

                  ويرجح كولمان أيضاً أنه عاش في فلسطين، ويرجح فنتون أنه " كتب في حوالي الفترة من 85 - 105م " (متّى مات سنة70م)، وهو يقارب ما ذهب إليه البرفسور هارنج حين قال: " إن إنجيل متى ألف بين 80 - 100م ".

                  ولو تساءلنا أين الإنجيل الذي كتبه متى كما جاء في شهادة بابياس في القرن الثاني الميلادي؟

                  وفي الإجابة عن السؤال نقول: ذكر بابياس أن متى كتب وجمع أقوال المسيح، وما نراه في الإنجيل اليوم هو قصة كاملة عن المسيح، وليس جمعاً لأقواله، كما أن عدم صحة نسبة هذا الإنجيل له لا تمنع من وجود إنجيل آخر قد كتبه، ولعل من المهم أن نذكر بأن في الأناجيل التي رفضتها الكنيسة إنجيلاً يسمى إنجيل متى، فلعل بابياس عناه بقوله.

                  وهكذا رأى المحققون أن ثمة أموراً تمنع القول بأن هذا الإنجيل هو كلمة الله ووحيه وهديه، فهو - وكما يقول الشيخ أبو زهرة - إنجيل " مجهول الكاتب، ومختلف في تاريخ كتابته، ولغة الكتابة، ومكانها، وتحديد من كتب له هذا الإنجيل، ثم شخصية المترجم وحاله من صلاح أو غيره وعلم بالدين، واللغتين التي ترجم عنها، والتي ترجم إليها، كل هذا يؤدي إلى فقد حلقات في البحث العلمي".

                  تعليق

                  • الغدنفر
                    0- عضو حديث
                    • 5 أغس, 2010
                    • 24
                    • محاسب
                    • مسلم

                    #10
                    إنجيل مرقس


                    ثاني الأناجيل التي تطالعنا في العهد الجديد، وينسب لمرقس. فمن هو مرقس؟ وماذا عن كاتب هذا الإنجيل؟ وهل تصح نسبته لمؤلفه ؟ يتكون إنجيل مرقس من ستة عشر إصحاحاً، تحكي قصة المسيح من لدن تعميده على يد يوحنا المعمداني إلى قيامة المسيح بعد قتله على الصليب.

                    وهو أقصر الأناجيل - ويعتبره النقاد - كما يقول ولس - أصح إنجيل يتحدث عن حياة المسيح، ويكاد يجمع النقاد على أنه أول الأناجيل تأليفاً، وأن إنجيل متى ولوقا قد نقلا عنه.

                    يقول العالم رويس الألماني : إنه كان الأصل الذي اقتبس منه إنجيلا متى ولوقا، وهذا الإنجيل هو الوحيد بين الأناجيل المسمى بإنجيل المسيح، إذ أول فقرة فيه " بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله" ( مرقس 1/1 ).

                    وتزعم المصادر النصرانية أن مرقس كتب إنجيله في روما، ولعله في الإسكندرية، وأن كتابته تمت - على اختلاف في هذه المصادر - بين عام 39 - 75م، وإن رجح أكثرها أن كتابته بين 44 - 75م معتمدين على شهادة المؤرخ ايرينايوس الذي قال : " إن مرقس كتب إنجيل بعد موت بطرس وبولس ".

                    ويرى الناقد اليهودي سبينوزا أن هذا الإنجيل كتب مرتين إحداهما قبل عام 180م والثانية بعده.

                    وأما لغة هذا الإنجيل، فتكاد المصادر تتفق على أنها اليونانية، وذكر بعضهم أنها الرومانية أو اللاتينية.

                    وأقدم ذكر لهذا الإنجيل ورد على لسان المؤرخ بابياس ( 140م ) حين قال : " إن مرقس ألف إنجيله من ذكريات نقلها إليه بطرس ".

                    من هو مرقس؟


                    وتناقل المحققون ما رددته المصادر النصرانية في ترجمة مرقس، والتي يجمعها ما جاء في قاموس الكتاب المقدس عنه، فهو الملقب بمرقس، واسمه يوحنا، وقد رافق مرقس برنابا وبولس في رحلتهما، ثم فارقهما، ثم عاد لمرافقة بولس.

                    ويتفق المترجمون له على أنه كان مترجماً لبطرس الذي له علاقة بهذا الإنجيل.

                    ويذكر المؤرخ يوسيبوس أنه - أي مرقس - أول من نادى برسالة الإنجيل في الإسكندرية، وأنه قتل فيها.

                    قال بطرس قرماج في كتابه " مروج الأخبار في تراجم الأبرار " عن مرقس : "كان ينكر ألوهية المسيح ".

                    ملاحظات على إنجيل مرقس


                    وقد توقف المحققون ملياً مع هذا الإنجيل وكاتبه، وكانت لهم ملاحظات :

                    أن مرقس ليس من تلاميذ المسيح، بل هو من تلاميذ بولس وبطرس. يقول المفسر دنيس نينهام مفسر مرقس : " لم يوجد أحد بهذا الاسم عرف أنه كان على صلة وثيقة، وعلاقة خاصة بيسوع، أو كانت له شهرة خاصة في الكنيسة الأولى ".

                    وثمة دليل قوي آخر هو شهادة المؤرخ بابياس ( 140م ) حين قال : " اعتاد الشيخ يوحنا أن يقول : إذ أصبح مرقس ترجماناً لبطرس دون بكل تدقيق كل ما تذكره، ولم يكن مع هذا بنفس الترتيب المضبوط ما رواه من أقوال وأفعال يسوع المسيح، وذلك لأنه لم يسمع من السيد المسيح فضلاً عن أنه لم يرافقه، ولكن بالتبعية كما قلت، التحق ببطرس الذي أخذ يصوغ تعاليم يسوع المسيح لتوائم حاجة المستمعين، وليس بعمل رواية وثيقة الصلة بيسوع وعن يسوع لأحاديثه ".

                    ويقول المفسر دنيس نينهام: " من غير المؤكد صحة القول المأثور الذي يحدد مرقس كاتب الإنجيل بأنه يوحنا مرقس المذكور في أعمال الرسل ( 12/12، 25 )... أو أنه مرقس المذكور في رسالة بطرس الأولى
                    ( 5/13 ).. أو أنه مرقس المذكور في رسائل بولس...

                    لقد كان من عادة الكنيسة الأولى أن تفترض جميع الأحداث التي ترتبط باسم فرد ورد ذكره في العهد الجديد، إنما ترجع جميعها إلى شخص واحد له هذا الاسم، ولكن عندما نتذكر أن اسم مرقس كان أكثر الأسماء اللاتينية شيوعاً في الإمبراطورية الرومانية، فعندئذ نتحقق من مقدار الشك في تحديد الشخصية في هذه الحالة

                    وأهم مسألة شغلت الباحثين بخصوص هذا الإنجيل خاتمته، فإن خاتمة هذا الإنجيل (16/9 - 20 ) غير موجودة في المخطوطات القديمة المهمة كمخطوطة الفاتيكان والمخطوطة السينائية.

                    ويقول وليم باركلي: إن النهاية المشهورة - علاوة على عدم وجودها في النسخ الأصلية القديمة - فإن أسلوبها اللغوي يختلف عن بقية الإنجيل، وقد اعتبرتها النسخة الإنجليزية القياسية المراجعة فقرات غير موثوق فيها،

                    ونقل رحمة الله الهندي عن القديس ( جيروم ) في القرن الخامس أنه ذكر بأن الآباء الأوائل كانوا يشكون في هذه الخاتمة.

                    وعن الخاتمة الموجودة يقول الأب كسينجر: " لابد أنه قد حدث حذف للآيات الأخيرة عند الاستقبال الرسمي ( النشر للعامة ) لكتاب مرقس في الجماعة التي ضمنته.

                    وبعد أن جرت بين الأيدي الكتابات المتشابهة لمتى ولوقا ويوحنا، تم توليف خاتمة محترمة لمرقس بالعناصر من هنا ومن هناك لدى المبشرين الآخرين.. وذلك يسمح بتكوين فكرة عن الحرية التي كانوا يعالجون بها الأناجيل ".

                    ويعلق موريس بوكاي قائلاً: " ياله من اعتراف صريح بوجود التغييرات التي قام بها البشر على النصوص المقدسة".
                    إنجيل لوقا


                    هو ثالث الأناجيل وأطولها، ويتكون من أربعة وعشرين إصحاحاً يتحدث الإصحاحان الأولان عن النبي يحيى وولادة المسيح، ثم تكمل بقية الإصحاحات سيرة المسيح إلى القيامة بعد الصلب.

                    وأما كتابة هذا الإنجيل فتختلف المصادر في تحديد زمنها بين 53 - 80 م، وقد اعتمد الكاتب في مصادره على مرقس، فنقل عنه ثلاثمائة وخمسين من فقراته التي بلغت ستمائة وإحدى وستين فقرة، كما نقل عن متى أو عن مصدر آخر مشترك بينه وبين متى.

                    من هو لوقا ؟


                    وتنسب الكنيسة هذا الإنجيل إلى القديس لوقا، ولا تذكر المصادر النصرانية الكثير عن ترجمته، لكنها تتفق على أنه لم يكن من تلاميذ المسيح كما يتضح من مقدمته إذ يقول : " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة " ( لوقا 1/1-2).

                    وتتفق المصادر أيضاً في أنه لم يكن يهودياً، وأنه رفيق بولس المذكور في كولوسي 4/14 وغيرها، وأنه كتب إنجيله من أجل صديقه ثاوفيلس " أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمت به " ( لوقا 1/3 - 4 ).

                    وتختلف المصادر في تحديد شخصية ثاوفيلس، فقال بعضهم: كان من كبار الموظفين الرومان. وقال آخرون: من اليونان. وقال آخرون: بل كان مصرياً من أهل الإسكندرية، وتكاد المصادر تتفق على أنه كتب له باليونانية.

                    وأما لوقا، فقيل بأنه كان رومانياً. وقيل إنطاكياً، وقيل غير ذلك.

                    وعن مهنته، قيل بأنه كان طبيباً، وقيل: كان مصوراً، لكنه على أي حال مثقف وهو كاتب قصص ماهر.

                    ملاحظات على إنجيل لوقا


                    ويلحظ المحققون على إنجيل لوقا ملاحظات، أهمها :

                    -1أن مقدمته تتحدث عن رسالة طابعها شخصي، وأنها تعتمد على اجتهاده لا على إلهام وحي، وكان قد لاحظ ذلك أيضاً عدد من محققي النصرانية، فأنكروا إلهامية هذا الإنجيل، منهم مستر كدل في كتابه " رسالة الإلهام " ومثله واتسن، ونسب هذا القول للقدماء من العلماء، وقال القديس أغسطينوس : " إني لم أكن أؤمن بالإنجيل لو لم تسلمني إياه الكنيسة المقدسة".

                    -2شك كثير من الباحثين في الإصحاحين الأولين من هذا الإنجيل، بل إن هذا الشك كما ذكر جيروم يمتد إلى الآباء الأوائل للكنيسة، وكذلك فرقة مارسيوني فليس في نسختها هذان الإصحاحان.

                    ويؤكد المحققون بأن لوقا لم يكتب هذين الإصحاحين، لأنه يقول في أعمال الرسل " الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع " ( أعمال 1/1) أي معجزاته، بدليل تكملة النص " ما ابتدأ يسوع يعلم به إلى اليوم الذي ارتفع فيه " ( أعمال 1/2)، والإصحاحان الأولان إنما يتكلمان عن ولادة المسيح، لا عن أعماله. ونقل وارد كاثلك عن جيروم قوله : بأن بعض العلماء المتقدمين كانوا يشكون أيضاً في الباب الثاني والعشرين من هذا الإنجيل.

                    وهكذا نرى للإنجيل أربعة من الكتاب تناوبوا في كتابة فقراته وإصحاحاته.

                    -3إن الغموض يلف شخصيته، فهو غير معروف البلد ولا المهنة ولا الجهة التي كتب لها إنجيله تحديداً، ولا تاريخ الكتابة و.... المعروف فقط أنه من تلاميذ بولس، وأنه لم يلق المسيح، فكيف يصح الاحتجاج بمن هذا حاله وكيف يجعل كلامه مقدساً ؟
                    إنجيل يوحنا


                    رابع الأناجيل إنجيل يوحنا، وهو أكثر الأناجيل إثارة وأهمية، إذ أن هذا الإنجيل كتب لإثبات لاهوت المسيح.

                    ويتكون هذا الإنجيل من واحد وعشرين إصحاحاً تتحدث عن المسيح بنمط مختلف عن الأناجيل الثلاثة، ويرى المحققون أن كتابته جرت بين 68 - 98م، وقيل بعد ذلك، وتنسب الكنيسة هذا الإنجيل ليوحنا الصياد.

                    ولغة هذا الإنجيل - باتفاق - هي اليونانية، واختلف في مكان كتابته، والأغلب أنه في تركيا - وتحديداً في أفسس أو أنطاكيا -، وقيل الإسكندرية

                    من هو يوحنا الصياد؟


                    يوحنا بن زبدي الصياد، وهو صياد سمك جليلي، تبع وأخوه يعقوب المسيح، كما أن والدته سالومة كانت من القريبات إلى المسيح، ويرجح محررو القاموس بأنها أخت مريم والدة المسيح، وقد عاش حتى أواخر القرن الميلادي الأول، ويذهب المؤرخ ايرنيموس إلى أنه عاش إلى سنة 98م، وتذكر الكنيسة أنه كتب إنجيله في أفسس قبيل وفاته.

                    أدلة النصارى على نسبة الإنجيل إلى يوحنا


                    وتستدل الكنيسة لتصحيح نسبة هذا الإنجيل بأدلة ذكرها محررو قاموس الكتاب المقدس وهي:

                    " (1) كان كاتب الإنجيل يهودياً فلسطينياً، ويظهر هذا من معرفته الدقيقة التفصيلية لجغرافية فلسطين، والأماكن المتعددة في أورشليم وتاريخ وعادات اليهود …ويظهر من الأسلوب اليوناني للإنجيل بعض التأثيرات السامية.

                    (2) كان الكاتب واحداً من تلاميذ المسيح، ويظهر هذا من استخدامه المتكلم الجمع.. وفي ذكر كثير من التفاصيل الخاصة بعمل المسيح ومشاعر تلاميذه... ويتضح من يوحنا ( 21/24 ) أن كاتب هذا الإنجيل كان واحداً من تلاميذ المسيح.

                    (3) كان كاتب الإنجيل هو التلميذ الذي كان المسيح يحبه.. وكان هذا التلميذ هو يوحنا نفسه "

                    ويتحدث مؤلف الإنجيل عن سبب تأليفه له فيقول: " أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله، ولكي تكون - إذا آمنتم - حياة باسمه " ( يوحنا 20/31 ) ".

                    ويوضح محررو قاموس الكتاب المقدس فيقولون : " كان الداعي الآخر إلى كتابة الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته، ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكينيين والغنوصيين والكيرنثيين والأبيونيين...ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح ".

                    وقد لقي هذا الإنجيل معارضة شديدة للإقرار بقانونيته، فاندفع د. بوست في قاموس الكتاب المقدس يدافع عنه ويقول: " وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي، ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح، غير أن الشهادة بصحته كافية.

                    فإن بطرس يشير إلى آية منه ( بطرس (2) 1/14، يوحنا 21/18 ) وأغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه، وكذلك الرسالة إلى ديوكينتس وباسيلوس وجوستينوس الشهيد وتايناس، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني.

                    وبناءً على هذه الشهادات، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً".

                    ويوضح محررو قاموس الكتاب المقدس فيقولون : " كان الداعي الآخر إلى كتابة الإنجيل الرابع تثبيت الكنيسة الأولى في الإيمان بحقيقة لاهوت المسيح وناسوته، ودحض البدع المضلة التي كان فسادها آنذاك قد تسرب إلى الكنيسة، كبدع الدوكينيين والغنوصيين والكيرنثيين والأبيونيين...ولهذا كانت غايته إثبات لاهوت المسيح ".

                    وقد لقي هذا الإنجيل معارضة شديدة للإقرار بقانونيته، فاندفع د. بوست في قاموس الكتاب المقدس يدافع عنه ويقول: " وقد أنكر بعض الكفار قانونية هذا الإنجيل لكراهتهم تعليمه الروحي، ولا سيما تصريحه الواضح بلاهوت المسيح، غير أن الشهادة بصحته كافية.

                    فإن بطرس يشير إلى آية منه ( بطرس (2) 1/14، يوحنا 21/18 ) وأغناطيوس وبوليكرس يقتطفان من روحه وفحواه، وكذلك الرسالة إلى ديوكينتس وباسيلوس وجوستينوس الشهيد وتايناس، وهذه الشواهد يرجع بنا زمانها إلى منتصف القرن الثاني.

                    وبناءً على هذه الشهادات، وعلى نفس كتابه الذي يوافق ما نعلمه من سيرة يوحنا نحكم بأنه من قلمه، وإلا فكاتبه من المكر والغش على جانب عظيم، وهذا الأمر يعسر تصديقه، لأن الذي يقصد أن يغش العالم لا يكون روحياً".

                    إنكار صحة نسبة الإنجيل إلى يوحنا


                    وتوجهت جهود المحققين لدراسة نسبة الإنجيل ليوحنا، ومعرفة الكاتب الحقيقي له، فقد أنكر المحققون نسبة الإنجيل ليوحنا الحواري، واستندوا في ذلك إلى أمور منها :

                    -1- أن ثمة إنكار قديماً لصحة نسبته ليوحنا، وقد جاء هذا الإنكار على لسان عدد من الفرق النصرانية القديمة، منها فرقة ألوجين في القرن الثاني، يقول صاحب كتاب ( رب المجد ) : " وجد منكرو لاهوت المسيح أن بشارة يوحنا هي عقبة كؤود، وحجر عثرة في سبيلهم، ففي الأجيال الأولى رفض الهراطقة
                    يوحنا ".

                    وتقول دائرة المعارف البريطانية: " هناك شهادة إيجابية في حق أولئك الذين ينتقدون إنجيل يوحنا، وهي أنه كانت هناك في آسيا الصغرى طائفة من المسيحيين ترفض الاعتراف بكونه تأليف يوحنا، وذلك في نحو 165م، وكانت تعزوه إلى سرنتهن (الملحد)، ولا شك أن عزوها هذا كان خاطئاً.

                    لكن السؤال عن هذه الطبقة المسيحية البالغة في كثرة عددها إلى أن رآه سانت اييفانيوس جديرة بالحديث الطويل عنها في ( 374 - 377م ) " أسماها القس " ألوغي " ( أي معارضة الإنجيل ذي الكلمة ).

                    لئن كانت أصلية إنجيل يوحنا فوق كل شبهة، فهل كانت مثل هذه الطبقة لتتخذ نحوه أمثال هذه النظريات في مثل هذا العصر، ومثل هذا البلد ؟ لا وكلا ".

                    ومما يؤكد خطأ نسبة هذا الإنجيل إلى يوحنا أن جاستن مارتر في منتصف القرن الثاني تحدث عن يوحنا، ولم يذكر أن له إنجيلاً، واقتبس فيلمو - 165م - من إنجيل يوحنا، ولم ينسبه إليه.

                    وقد أُنكر نسبة الإنجيل أمام أرينيوس تلميذ بوليكارب الذي كان تلميذاً ليوحنا، فلم ينكر أرينيوس على المنكرين، ويبعد كل البعد أن يكون قد سمع من بوليكارب بوجود إنجيل ليوحنا، ثم لا يدافع عنه.

                    وقد استمر إنكار المحققين نسبة هذا الإنجيل عصوراً متلاحقة، فجاءت الشهادات تلو الشهادات تنكر نسبته ليوحنا. منها ما جاء في دائرة المعارف الفرنسية : " ينسب ليوحنا هذا الإنجيل وثلاثة أسفار أخرى من العهد الجديد، ولكن البحوث الحديثة في مسائل الأديان لا تسلم بصحة هذه النسبة".

                    ويقول القس الهندي بركة الله : " الحق أن العلماء باتوا لا يعترفون دونما بحث وتمحيص بالنظرية القائلة بأن مؤلف الإنجيل الرابع كان القديس يوحنا بن زبدي الرسول، ونرى النقاد بصورة عامة على خلاف هذه النظرية ".

                    وعند تفحص الإنجيل أيضاً تجد ما يمتنع معه نسبته الإنجيل للحواري يوحنا، فالإنجيل يظهر بأسلوب غنوصي يتحدث عن نظرية الفيض المعروفة عند فيلون الإسكندراني، ولا يمكن لصائد السمك يوحنا أن يكتبه، خاصة أن يوحنا عامي كما وصفه سفر أعمال الرسل " فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا، ووجدوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان تعجبوا " ( أعمال 4/13 ).

                    وتقول دائرة المعارف البريطانية : " أما إنجيل يوحنا، فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة حواريين لبعضهما، وهما القديسان متى ويوحنا.... وإنا لنرأف ونشفق على الذين يبذلون منتهى جهدهم، وليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألّف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحواري يوحنا الصياد الجليلي، فإن أعمالهم تضيع عليهم سدى، لخبطهم على غير هدى ".

                    وأما ما جاء في خاتمة الإنجيل مما استدل به القائلون بأن يوحنا هو كاتب الإنجيل وهو قوله: "هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " ( يوحنا 21 / 24 ). فهذه الفقرة كما يقول المحققون دليل على عدم صحة نسبة الإنجيل ليوحنا، إذ هي تتحدث عن يوحنا بصيغة الغائب.

                    ويرى ويست أن هذه الفقرة كانت في الحاشية، وأضيفت فيما بعد للمتن، وربما تكون من كلمات شيوخ أفسس. ويؤيده بشب غور بدليل عدم وجودها في المخطوطة السينائية.

                    ويرى العلامة برنت هلمين استرتير في كتابه " الأناجيل الأربعة " أن الزيادات في متن يوحنا وآخره كان الغرض منها " حث الناس على الاعتراف في شأن المؤلف بتلك النظرية التي كان ينكرها بعض الناس في ذلك العصر".

                    ثم إن بعض المؤرخين ومنهم تشارلز الفريد، وروبرت إيزلز وغيرهما قالوا بأن يوحنا مات مشنوقاً سنة 44م على يد غريباس الأول، وعليه فليس هو مؤلف هذا الإنجيل، إذ أن هذا الإنجيل قد كتب في نهاية القرن الميلادي الأول أو أوائل الثاني.

                    من كتب إنجيل يوحنا؟


                    وإذا لم يكن يوحنا هو كاتب الإنجيل، فمن هو الكاتب الحقيقي ؟

                    يجيب القس فهيم عزيز : " هذا السؤال صعب، والجواب عنه يتطلب دراسة واسعة غالباً ما تنتهي بالعبارة : لا يعلم إلا الله وحده من الذي كتب هذا الإنجيل ".

                    وحاول البعض الإجابة عن السؤال من خلال تحديد صفات كاتب الإنجيل دون ذكر اسم معين، يقول جرانت: " كان نصرانياً، وبجانب ذلك كان هيلينياً، ومن المحتمل أن لا يكون يهودياً، ولكنه شرقي أو إغريقي، ونلمس هذا من عدم وجود دموع في عينيه علامة على الحزن عندما كتب عن هدم مدينة لليهود ".

                    وجاء في مدخل الإنجيل أن بعض النقاد " يترك اسم المؤلف، ويصفونه بأنه مسيحي كتب باليونانية في أواخر القرن الأول في كنائس آسيا ".

                    وقال مفسر إنجيل يوحنا جون مارش : " ومن المحتمل أنه خلال السنوات العشر الأخيرة من القرن الأول الميلادي قام شخص يدعى يوحنا، من الممكن أن يكون يوحنا مرقس خلافاً لما هو شائع من أنه يوحنا بن زبدي.. وقد تجمعت لديه معلومات وفيرة عن يسوع، ومن المحتمل أنه كان على دراية بواحد أو أكثر من الأناجيل المتشابهة، فقام حينئذ بتسجيل جديد لقصة يسوع ".

                    وقال المحقق رطشنبدر : " إن هذا الإنجيل كله، وكذا رسائل يوحنا ليست من تصنيفه، بل صنفها أحد في ابتداء القرن الثاني، ونسبه إلى يوحنا ليعتبره الناس ".

                    ويوافقه استادلن ويرى أن الكاتب " طالب من طلبة المدرسة الإسكندرية ".

                    وقال يوسف الخوري في " تحفة الجيل " بأن كاتب الإنجيل هو تلميذ يوحنا المسمى بروكلوس.

                    وقال بعض المحققين ومنهم جامس ماك كينون، واستيريتر في كتابه " الأناجيل الأربعة " بأن يوحنا المقصود هو تلميذ آخر من تلاميذ المسيح، وهو ( يوحنا الأرشد )، وأن أرينوس الذي نسب إنجيل يوحنا لابن زبدي قد اختلط عليه أمر التلميذين.

                    وذكر جورج إيلتون في كتابه " شهادة إنجيل يوحنا " أن كاتب هذا الإنجيل أحد ثلاثة : تلميذ ليوحنا الرسول أو يوحنا الشيخ ( وليس الرسول ) أو معلم كبير في أفسس مجهول الهوية.

                    لكن ذلك لم يفت في عضد إيلتون الذي ما زال يعتبر إنجيل يوحنا مقدساً، لأنه " مهما كانت النظريات حول كاتب هذا الإنجيل، فإن ما يتضح لنا جلياً بأن كاتبه كان لديه فكرة الرسول، فإذا كتبه أحد تلاميذه فإنه بلا مراء كان مشبعاً بروحه.. ".

                    كما ذهب بعض المحققين إلى وجود أكثر من كاتب للإنجيل، منهم كولمان حين قال : " إن كل شيء يدفع إلى الاعتقاد بأن النص المنشور حالياً ينتمي إلى أكثر من مؤلف واحد، فيحتمل أن الإنجيل بشكله الذي نملكه اليوم قد نشر بواسطة تلاميذ المؤلف، وأنهم قد أضافوا إليه "، ومثله يقول المدخل لإنجيل يوحنا.

                    ومن هذا كله ثبت أن إنجيل يوحنا لم يكتبه يوحنا الحواري، ولا يعرف كاتبه الحقيقي، ولا يصح بحال أن ننسب العصمة والقداسة لكاتب مجهول لا نعرف من يكون.

                    وعند غض الطرف عن مجهولية الكاتب واستحالة القول بعصمته عندئذ، فإن ثمة مشكلات تثار في وجه هذا الإنجيل نبه المحققون إليها منها : اختلاف هذا الإنجيل عن باقي الأناجيل الثلاثة رغم أن موضوع الأناجيل الأربعة هو تاريخ وسيرة المسيح عليه السلام.

                    إذ تتشابه قصة المسيح في الأناجيل الثلاثة، بينما يظهر الإنجيل الرابع غريباً بينها، فمثلاً : هو الإنجيل الوحيد الذي تظهر فيه نصوص تأليه المسيح، بل هو كتب لإثبات ذلك كما يقول المفسر يوسف الخوري: " إن يوحنا صنف إنجيله في آخر حياته بطلب من أساقفة كنائس آسيا وغيرها، والسبب : أنه كانت هناك طوائف تنكر لاهوت المسيح ".

                    ولما لم يكن في الأناجيل الثلاثة ما يدفع أقوال هذه الطوائف، أنشأ يوحنا إنجيله، وهذا المعنى يؤكده جرجس زوين، فيقول عن أساقفة آسيا أنهم اجتمعوا " والتمسوا منه أن يكتب عن المسيح، وينادي بإنجيل مما لم يكتبه الإنجيليون الآخرون ".

                    ويقول الأب روغيه في كتابه "المدخل إلى الإنجيل" :" إنه عالم آخر، فهو يختلف عن بقية الأناجيل في اختيار الموضوعات والخطب والأسلوب والجغرافيا والتاريخ، بل والرؤيا اللاهوتية ".

                    وهذه المغايرة أوصلته إلى تقديم صورة للمسيح مغايرة تماماً عما في الأناجيل الثلاثة والتي يسميها البعض : " المتشابهة " أو " الإزائية "، لذا تقول دائرة المعارف الأمريكية: " من الصعب الجمع بين هذا الإنجيل والأناجيل الثلاثة، بمعنى أن لو قدرنا أنها صحيحة لتحتم أن يكون هذا الإنجيل كاذباً ".

                    يقول السير آرثر فندلاي في كتابه "الكون المنشور" معبراً عن هذا الاختلاف: " إن إنجيل يوحنا ليس له قيمة تستحق الذكر في سرد الحوادث الأكيدة، ويظهر أن محتوياته لعب فيها خيال الكاتب دوراً بعيداً ".

                    ومن المشكلات التي تواجه هذا الإنجيل أيضاً أن أيدي المحرفين نالت هذا الإنجيل، فأضافت فيه رواية المرأة الزانية ( انظر يوحنا 8/1 - 11 ) والتي يقول عنها مدخل هذا الإنجيل: " هناك إجماع على أنها من مرجع مجهول في زمن لاحق". وقد حذفت هذه القصة من النسخة الإنجليزية القياسية المراجعة
                    (r. S. V)لاعتبارها عبارة دخيلة على الإنجيل.

                    تعليق

                    • الغدنفر
                      0- عضو حديث
                      • 5 أغس, 2010
                      • 24
                      • محاسب
                      • مسلم

                      #11
                      خامساً : رسائل العهد الجديد


                      يلحق بالأناجيل الأربعة عدد من الرسائل وهي : ( سفر أعمال الرسل - رسائل بولس الأربع عشر - رسالة يعقوب - رسالتا بطرس - رسائل يوحنا الثلاث - رسالة يهوذا - رؤيا يوحنا اللاهوتي).

                      ( 1 ) أعمـال الـرسـل :ويتكون هذا السفر من ثمان وعشرين إصحاحاً، تتحدث عن الأعمال التي قام بها الحواريون والرسل الذي نزل عليهم روح القدس يوم الخمسين (انظر 2/1 - 4 )، من دعوة ومعجزات، كما يتحدث بإسهاب عن شاول ودعوته ورحلاته وقصة تنصره وبعض معجزاته.

                      وينسب هذا السفر إلى لوقا مؤلف الإنجيل الثالث حيث جاء في افتتاحيته : " الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله.... " ( أعمال 1/1 ).

                      ولكن هذه الدعوى يشكل ويمنع من التسليم بها تناقض إنجيل لوقا مع سفر الأعمال في مسألة الصعود إلى السماء إذ يفهم من إنجيل لوقا أن صعود المسيح للسماء كان في يوم القيامة ( لوقا 24/13 - 51 ) وفي أعمال الرسل يتحدث عن ظهور المسيح بعد القيامة " أربعين يوماً " (أعمال 1/3 ). وهذا الاختلاف يكذب الرأي القائل بأن كاتب الإنجيل والسفر واحد.

                      ( 2 ) رسائل بولس :

                      وتنسب هذه الرسائل إلى القديس بولس، وتمتلئ بعبارات تدل على أنه كاتبها، وهذه الرسائل أربع عشرة رسالة.

                      وتصطبغ الرسائل أيضاً بالصبغة الشخصية لبولس، فهي ليست لاهوتية الطابع، بل رسائل شخصية لها ديباجة وخاتمة...

                      وليس ثمة إجماع على صحة نسبة هذه الرسائل إلى بولس، بل إن بعض المحققين يميل إلى أن أربع رسائل منسوبة إليه كتبت بيد بعض تلاميذه بعد وفاته بعشرين سنة كما ذكرت دائرة المعارف البريطانية.

                      ويشكك أرجن في شرحه لإنجيل يوحنا بجميع رسائل بولس المرسلة إلى الكنائس فيقول : " إن بولس ما كتب شيئاً إلى جميع الكنائس، والذي كتبه هو سطران أو أربعة سطور ".

                      أما الرسالة إلى العبرانيين خصوصاً فكان النزاع حولها أشد، فحين تنسبها الكنيسة الشرقية إلى بولس فإن لوثر يقول بأنها من وضع أبلوس، بينما يقول تارتوليان المؤرخ في القرن الميلادي الثاني : "إنها من وضع برنابا"، ويقول راجوس ( من علماء البروتستانت ) : " إن فريقاً من علماء البروتستانت يعتقدون كذب الرسالة العبرانية...".

                      ( 3 ) الرسائل الكاثوليكية ورؤيا يوحنا اللاهوتي : وهذه الرسائل سبع رسائل ثلاث منها ليوحنا، وثنتان لبطرس، وواحدة لكل من يهوذا ويعقوب ثم رؤيا يوحنا اللاهوتي.

                      وعرف المحققون بأصحاب هذه الرسائل وهم من التلاميذ الاثني عشر.

                      فبطرس هو صياد سمك في كفر ناحوم، ويعرف بسمعان، ويرجح محررو قاموس الكتاب المقدس أنه كان من تلاميذ يوحنا المعمدان قبل أن يصحب المسيح، ويتقدم على سائر تلاميذه، وقد دعا في أنطاكية وغيرها، ثم قتل في روما في منتصف القرن الميلادي الأول.

                      ويذكر بطرس قرماج في " مروج الأخبار " أن بطرس ومرقس ينكران ألوهية المسيح.

                      وأما يعقوب فهو ابن زبدي الصياد - أخو يوحنا الإنجيلي - من المقربين للمسيح، وقد تولى رئاسة مجمع أورشليم سنة 34م، وقد كانت وفاته قتلاً على يد أغريباس الأول عام 44م على الأرجح، وقال آخرون : قتله اليهود حين طرحوه من جناح الهيكل ورموه بالحجارة سنة 62م.

                      وأما يهوذا فلا تقدم المصادر عنه تعريفاً سوى أن تذكر أنه اختلف فيه هل هو يهوذا أخو يعقوب الصغير أي أنه ابن زبدي، أم أنه الحواري الذي يدعى لباوس الملقب تداوس ؟

                      وهذه الرسائل تعليمية في محتوياتها، شخصية في طريقة تدبيجها، تحوي في مقدمتها اسم مؤلفها غالباً.

                      ورغم ذلك فإن نسبة هذه الرسائل كانت محل جدل طويل في قرون النصرانية الأولى، وينطبق على أكثرها ما ذكرناه في رسالة بولس إلى العبرانيين، حيث تأخر الاعتراف إلى أواسط القرن الرابع الميلادي برسالة بطرس الثانية ورسالتي يوحنا الثانية والثالثة ورسالتي يعقوب ويهوذا، ورؤيا يوحنا اللاهوتي الذي كان موضع جدل كبير قبل إقراره.

                      إذ يحوي هذا السفر رؤيا منامية غريبة هدفها تقرير ألوهية المسيح، وإثبات سلطانه في السماء، وخضوع الملائكة له، إضافة إلى بعض التنبؤات المستقبلية التي صيغت بشكل رمزي وغامض.

                      ويسيء النص بل ويلحد، وهو يصف ابن الله الأقنوم الثاني لله أنه على شكل خروف رآه يوحنا جالساً على عرشه، فيقول: "من أجل ذلك هم أمام عرش الله، ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم، لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحرّ، لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حيّة، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم..." (الرؤيا 7/15-18).

                      ويمضي النص فيتحدث عن حرب التنين وملائكته مع الخروف الجالس على العرش وملائكته، ويتنبئ بهزيمة التنين " هؤلاء سيحاربون الخروف، والخروف يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون" (الرؤيا 17/14).

                      وهذه الرؤيا رآها يوحنا في منامه وهي مسطرة في سبعة وعشرين صفحة ‍‍‍‍‍‍!! ومثل هذا يستغرب في المنامات ولا يعهد.

                      وقد شكك آباء الكنيسة الأوائل كثيراً في هذا السفر. يقول ( كيس برسبتر الروم ) 212م: " إن سفر المشاهدات ( الرؤيا ) من تصنيف سرنتهن الملحد "، ومثله قاله ديونسيش من القدماء.

                      ويقول المدخل لهذا السفر قوله: " لا يأتينا سفر يوحنا بشيء من الإيضاح عن كاتبه، لقد أطلق على نفسه اسم يوحنا، ولقب نبي، ولم يذكر قط أنه أحد الإثني عشر. هناك تقليد كنسي وهو أن كاتب الرؤيا هو الرسول يوحنا.. بيد أنه ليس في التقليد القديم إجماع على ذلك، وقد بقي المصدر الرسولي لسفر الرؤيا عرضة للشك، وآراء المفسرين في عصرنا متشعبة، ففيهم من يؤكد أن الاختلاف في الإنشاء والبيئة والتفكير اللاهوتي تجعل نسبة الرؤيا والإنجيل الرابع إلى كاتب واحد أمراً عسيراً.

                      يخالفهم آخرون يرون أن الرؤيا والإنجيل يرتبطان بتعليم الرسول على يد كتبة ينتمون إلى بيئات أفسس".

                      ومما نقله المحققون في تكذيب نسبة الرسائل الكاثوليكية أو بعضها على الأقل تكذيب هورن لها، واحتج بعدم وجودها في الترجمة السريانية القديمة.

                      ونقل راجوس تكذيب علماء البروتستانت صحة نسبتها للحواريين، ويقول جيمس ميك : إن الدلائل تثبت أن كاتب هذه الرسالة (رسالة يعقوب) ليس يعقوب.

                      وقال المؤرخ يوسي بيس في تاريخه: " ظُن أن هذه الرسالة جعلية، لكن كثيراً من القدماء ذكروها، وكذا ظُن في حق رسالة يهوذا، لكنها تستعمل في كثير من الكنائس".

                      وعن رسالة يهوذا يقول المحقق كروتيس في كتابه " تاريخ البيبل " : " هذه الرسالة رسالة يهوذا الأسقف الذي كان خامس عشر من أساقفة أورشليم في عهد سلطنة أيد دين "، فجعل هذا المحقق رسالة يهوذا من عمل أسقف عاش في القرن الثاني الميلادي.

                      كما لا تسلم الكنيسة السريانية حتى الآن بصحة الرسالة الثانية لبطرس، والثانية والثالثة ليوحنا، ويقول اسكالجر : من كتب الرسالة الثانية لبطرس فقد ضيع وقته.

                      مصادر الأناجيل المسيحية


                      عندما يتحدث النصارى عن إلهامية الأناجيل والرسائل يفهم منه أن ما كتبه الإنجيليون كان وحي الله الذي صاغه بعض البشر بعباراتهم وأساليبهم بعد أن ألهمهم روح القدس ما كانوا يكتبونه.

                      ولما ثبت لنا وللمحققين من قبل براءة روح القدس من هذه الأناجيل وجهالة أصحابها، وبطلان دعوى الإلهام المزعومة تساءل المحققون عن مصدر هذه الأناجيل وعن علاقة مواد بعضها ببعض، وهل من سبيل لمعرفة المصادر التي لجأ إليها الكاتبون الذين نسميهم متى ويوحنا ومرقس ولوقا، مجازاً ومجاراة لـلعرف السائد فحسب ؟

                      منذ القرن الخامس الميلادي حاول النصارى من خلال النظر في التشابه فيما بين الأناجيل معرفة مصادر هذه الأناجيل، وسجلت أول محاولة على يد القديس أوغسطين الذي قال بأن مرقس اقتبس من إنجيل متى ولخصه، وأما لوقا فاستعمل في كتابته الإنجيلين.

                      وبقي رأي أوغسطين سائداً حتى نهاية القرن التاسع عشر، حيث أظهرت الدراسات الحديثة نظريات أخرى مخالفة لنظرية أوغسطين وأكثر دقة منها.

                      وقد لاحظ المحققون وجود تشابه كبير بين الأناجيل الثلاثة، ورأوا أن هؤلاء الإنجيليين نقل بعضهم من بعض، وقبل أن نذكر أهم هذه النظريات، لنقف على مدى التقارب بين الأناجيل الثلاثة التي يسميها البعض الإزائية أو المشتركة ( متى ومرقس ولوقا ) نتأمل الجدول التالي، وأما إنجيل يوحنا فهو إنجيل مختلف تماماً عن هذه الأناجيل الثلاثة.


                      وأول نظريات المصادر قدمها هوتزمان 1860م، وأفادت هذه النظرية أن متى ولوقا تأثرا بمرقس خلافاً للمشهور، كما تأثر متى ولوقا أيضاً بوثيقة مشتركة أخرى غير معروفة في العصور الحديثة، كما كان لكل من متى ولوقا مصدر خاص نقل عنه كل منهما ما انفرد به.

                      وقول هوتزمان بأن مرقس أصل لمتى ولوقا، تقول عنه دائرة المعارف البريطانية : " يكاد يكون مسلماً به ".

                      وأما إنجيل مرقس فالسائد عنه ما يقوله ابن البطريق : " كتب بطرس رئيس الحواريين إنجيل مرقس عن مرقس في مدينة رومية، ونسبه إلى مرقس "، ولا يخفى غرابة هذا القول، إذ كيف ينقل بطرس الحواري عن مرقس الذي لا دليل على لقياه المسيح ؟!

                      وأما القول بأن مرقس أخذ عن بطرس إنجيله بعد أن رافقه في أسفاره فهو قول ممكن، لو ثبت نسبة الإنجيل إليه وكان قد رافق بطرس الحواري حقاً كما ذكر المؤرخ الأسقف بابياس ت 130م حين قال: " إن مرقس كان ترجماناً لبطرس، قد كتب بالقدر الكافي من الدقة التي سمحت بها ذاكرته ما قيل عن أعمال يسوع وأقواله دون مراعاة لنظام، لأن مرقس لم يكن قد سمع يسوع، ولا كان تابعاً شخصياً له، لكنه في مرحلة متأخرة - كما قلت أنا من قبل - قد تبع بطرس ".

                      لكن الدراسات الأحدث والأعمق قام بها الأبوان بينوا وبومارا الأستاذان بمعهد الكتاب المقدس بالقدس 1972 - 1973م تذكر أن النص الإنجيلي مر بمراحل وتطورات مثيرة، يقول الأبوان: " إن بعض قراء هذا الكتاب سيندهشون أو سينزعجون عندما يعلمون أن كلمة المسيح تلك، أو أن ذلك الرمز أو ذلك الخبر عن مصيره، لم تكن ملفوظة كما نقرأها نحن، بل إنها قد نقحت، ثم كيفت من الذين نقلوها إلينا، أما بالنسبة إلى الذين لم يألفوا هذا النوع من البحث العلمي فيمكن أن يكون هذا مصدراً للدهشة، بل للفضيحة ".

                      ويذكر الأبوان أن الأناجيل مرت في تدوينها بمرحلتين، حيث وجدت أربع مصادر نقل عنها الإنجيليون بصورة متشابكة، فتكونت كتب وسيطة تمثل الكتابات الأولية للإنجيليين، وفي المرحلة الثانية ظهرت الكتابات النهائية للأناجيل الأربعة بعد أن اعتمد كل منهم وبصورة متشابكة أيضاً على كتابات بعض في المرحلة الأولى أو الأولية.

                      والمصادر الأولية كما يرى بينوا وبومارا هي :

                      -الوثيقة ( أ ) ونبعت من أوساط يهودية مسيحية، وألهمت متى ومرقس.

                      -الوثيقة ( ب ) هي المادة التفسيرية للوثيقة ( أ )، واستخدمتها الكنائس المسيحية ذات الأصول الوثنية، وألهمت جميع المبشرين ما عدا متى.

                      -الوثيقة ( ج ) وألهمت مرقس ولوقا ويوحنا.

                      - الوثيقة ( ق ) تكون معظم المصادر الشائعة بين متى ولوقا.

                      ولم تؤد أية وثيقة من هذه الوثائق الأساسية إلى تحرير النصوص النهائية التي في حوزتنا، فبينها وبين التحرير النهائي توجد تأليف وسيطة خاصة بكل إنجيل".

                      وهذا الذي نقلناه من حديث النصارى عن المصادر - ورغم الخلاف فيها واحتمالية أن تظهر نظريات أخرى - فإن مجرد البحث في موضوع هذه المصادر ينقض الادعاء القائل بإلهامية الأناجيل وصلتها بالروح القدس، أو حتى التلاميذ.

                      وأما تلك الوثائق المجهولة التي نقل عنها كتبة الأناجيل فهي حلقة أخرى من سلسلة المجاهيل التي تكتنف الأناجيل وكتابها وسني تدوينها.....

                      المصادر الوثنية القديمة للعهد الجديد


                      كما كانت الوثنيات القديمة مرجعاً مهماً للإنجيليين وهم يصوغون قصتهم عن المسيح، خاصة تلك الأجزاء التي لم يشهدوها، كتلك المتعلقة بولادة المسيح أو صلبه المزعوم ومحاكمته.

                      فقد نقل المحققون عن علماء تاريخ الديانات أوجه شبه كثيرة التقت فيها روايات الأناجيل مع أقوال الوثنيات البدائية - التي سبقت وجود المسيحية بقرون طويلة - عن آلهتهم المتجسدة.

                      أولاً: التشابه بين الوثنيات وأسفار العهد الجديد فيما يخص ولادة الآلهة

                      ظهور النجوم عند ولادة الآلهة

                      تحدث متى عن ولادة المسيح فقال: " ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين : أين هو المولود ملك اليهود؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له.. فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم، حتى جاء ووقف حيث كان الصبي.. وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه، فخروا وسجدوا له، ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومُراً " ( متى 2/1 - 11 ).

                      تتشابه قصة متى مع ما يقوله البوذيون في بوذا. يقول بنصون في كتابه " الملاك المسيح " : "لقد جاء في كتب البوذيين المقدسة عندهم أنه قد بشرت السماوات بولادة بوذا بنجم ظهر مشرقاً في الأفق، ويدعونه في هذه الكتب المذكورة " نجم المسيح " ومثل هذا نقله المؤرخ بيال.

                      وأما المؤرخ ثورنتن في كتابه " تاريخ الصينيين "، فينقل أنه عند ولادة " يو " المولود من عذراء ظهر نجم في السماء دل عليه، ومثله حصل عند ولادة الحكيم الصيني لاوتز.

                      يقول القس جيكس في كتابه " حياة المسيح " : " وعم الاعتقاد في الحوادث الخارقة للعادة، وخصوصاً حين ولادة أو موت أحد الرجال العظام، وكان يشار إلى ذلك بظهور نجم أو مذنب أو اتصالات بين الأجرام السماوية".

                      هدايا للآلهة المولودة

                      ويتحدث متى في سياق قصة المجوس السابقة عن هدايا المجوس للمولود " وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه، فخروا وسجدوا له، ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومُراً" ( متى 2/10 - 11).

                      وهو أمر اشتهر أيضاً عند الوثنيات السابقة، فها هو كرشنا لما ولد، وعرف الرعاة أمر ولادته أعطوه هدايا من خشب وصندل وطيب، ومثله فعل الرجال الحكماء عند ولادة بوذا، وأما مسرا مخلص العجم فقد أعطاه حكماء المجوس هدايا من الذهب والطيب والحنظل، وهو ما فعله المجوس أيضاً عند ولادة سقراط 469 ق. م، فقد أتي ثلاثة منهم من المشرق وأهدوه ذهباً وطيباً ومأكولاً مُراً.

                      الفرح السماوي بولادة الإله

                      ويذكر لوقا في حديثه عن ميلاد المسيح أن الملائكة فرحت ورنمت سروراً بمجيئه " وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، وإذا ملاك الرب وقف بهم، ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفاً عظيماً، فقال لهم الملاك : لا تخافوا. فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب... وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين : المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة " ( لوقا 2/8 - 14 ).

                      وهذا الذي ذكره لوقا سبقت إليه الوثنيات القديمة، فقد جاء في كتاب " فشنو بورانا " : "كانت العذراء ديفاكي حبلى بحامي العالم، مجدها الآلهة، ويوم ولادتها عمت المسرّات، وأضاء الكون بالأنوار، وترنمت آلهة السماء، ورتلت الأرواح لما ولد عون الجميع …، شرعت الغيوم ترتل بألحان مطربة، وأمطرت أزهاراً ".

                      ويقول البوذيون مثل ذلك كما نقل المؤرخ " فو نبهنك " : " وصارت الأرواح التي أحاطت بالعذراء مايا وابنها المخلص تسبح وتبارك وتنشد : لك المجد أيتها الملكة، فافرحي وتهللي، لأن الولد الذي وضعتيه
                      قدوس ".

                      وقريباً من هذا يقول المصريون في ولادة " أوزوريس "، والصينيون في " كونفوشيوس " كما نقل ذلك السرجون فرنسيس دافس وبونويك في كتابه " اعتقاد المصريين "، ونقل مثله عن عدد من الأمم.

                      مكان ولادة الآلهة

                      ويذكر لوقا أن المسيح ولد في مذود ( انظر لوقا 2/16 )، ومثله تذكر الوثنيات، فكرشنا كما ذكروا ولد في غار، ووضع بعد ولادته في حظيرة غنم ربّاه فيها أحد الرعاة الأمناء، وهوتسي ابن السماء عند الصينيين، تركته أمه وهو صغير، فأحاطت به البقر والغنم، وحمته من كل سوء.

                      ثانياً: تشابه قصة الصلب الإنجيلية مع قصص الوثنيات القديمة

                      وبولس عندما ادعى صلب المسيح فداء للخطيئة فإنه إنما يكرر عقيدة قديمة، تناقلتها الوثنيات قبل المسيح بزمن طويل، وقد نسج الإنجيليون أحداث صلب المسيح، على نحو ما قرره بولس، وعلى صورة ما ورد عن الأمم الوثنية القديمة، حتى أضحت قصة الصلب في الأناجيل قصة منحولة من عقائد الأمم الوثنية، ولعل أوضحها شبهاً بقصة المسيح أسطورة إله بابل " بعل".

                      ثانياً : صور التشابه بين قصة صلب بعل البابلي وصلب المسيح

                      نقل المؤرخ "فندلاي" وغيره مقارنة بين ما قيل عن بعل قبل المسيحية، وما قيل عن المسيح في المسيحية.ويوضح ذلك الجدول التالي :


                      وقد انتقلت هذه الأسطورة البابلية فيما يبدو عن طريق الأسرى اليهود الذين عادوا من بابل.

                      ومما يؤكد وصول هذه القصة إلى الفكر اليهودي ثم المسيحي أن التوراة ذكرت ما يدل على شهرة مثل هذه القصة ففي سفر حزقيال " فجاء بي إلى مدخل باب بيت الرب - الذي من جهة الشمال - وإذا هناك نسوة جالسات يبكين على تموز " ( حزقيال 8/14 )، وتموز هو الإله البابلي الذي قتل لأجل خلاص البشر، ثم قام من بين الموتى.

                      موت الآلهة على الصليب

                      ويصف الهنود أشكالاً متعددة لموت كرشنا أهمها أنه مات معلقاً بشجرة سُمر بها بحربة. وتصوره كتبهم مصلوباً وعلى رأسه إكليل من الذهب، يقول المؤرخ دوان في كتابه " خرافات التوراة والإنجيل وما يماثلها من الديانات الأخرى: " إن تصور الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فداء عن الخطيئة قديم العهد جداً عند الهنود والوثنيين.

                      وكذلك اعتقد أهل النيبال بمعبودهم أندرا، ويصورونه وقد سفك دمه بالصلب، وثقب بالمسامير كي يخلص البشر من ذنوبهم كما وصف ذلك المؤرخ هيجين في كتابه : "الانكلوسكسنس".

                      دماء الآلهة المسفوحة

                      وليست مسألة المخلص فقط هي التي نقلها بولس عن الوثنيات، فقد تحدث أيضاً عن دم المسيح المسفوح فقال: " يسوع الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه " ( رومية 3/25 )، ويقول: "ونحن الآن متبررون بدمه " ( رومية 5/9)، " أليست هي شركة دم المسيح " (كورنثوس (1) 10/16 ).

                      ويقول: " أنعم بها علينا في المحبوب الذي فيه لنا الفداء، بدمه غفران الخطايا " ( أفسس 1/7).

                      وفي موضع آخر يتحدث عن ذبح المسيح: " لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا " (كورنثوس (1) 5/7)، ومثل هذه النصوص تكثر في رسائل بولس وغيرها من الرسائل.

                      لكن النصارى يتغافلون عن مسألة هامة هي أن المسيح لم يذبح، فالأناجيل تتحدث عن موت المسيح صلباً لا ذبحاً، الموت صلباً لا يريق الدماء، ولم يرد في الأناجيل أن المسيح نزلت منه الدماء سوى ما قاله يوحنا، وجعله بعد وفاة المسيح حيث قال: " وأما يسوع فلما جاؤوا إليه لم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مات، لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء " (يوحنا 19/23 - 24). وهو ليس ذبحاً بكل حال.

                      يقول ولز: " إنه لزام علينا أن نتذكر أن الموت صلباً لا يكاد يهرق من الدم أكثر مما يريقه الشنق، فتصوير يسوع في صورة المراق دمه من أجل البشرية إنما هو في الحقيقة من أشد العبارات بُعداً عن الدقة ".

                      ولكن هذه النظرة إلى الله، بأنه لا يرضى إلا بأن يسيل الدم نظرة قديمة موجودة عند اليهود وعند الوثنيين قبلهم، ففي التوراة تجد ذلك واضحاً في مثل قولها: " بنى نوح مذبحاً لله.. وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا، وقال الرب في قلبه:لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان "(تكوين8/20- 21 ).

                      ومثله في محبة المحرقة وذبائحها والتنسم برائحتها قول العهد القديم: " وبنى داود هناك مذبحاً للرب، وأصعد محرقات وذبائح سلامة، ودعا الرب، فأجابه بنار من السماء على مذبحة المحرقة " (الأيام (1) 21/26).

                      وهكذا فإن التصور اليهودي للإله مشبع برائحة الدم يقول ارثر ويجال: " نحن لا نقدر أطول من ذلك قبول المبدأ اللاهوتي المفزع الذي من أجل بعض البواعث الغامضة وجوب تضحية استرضائية، إن هذا انتهاك إما لتصوراتنا عن الله بأنه الكلي القدرة، وإلا ما نتصوره عنه ككلي المحبة".

                      ويرى المحققون أن ادعاء إهراق دم المسيح مأخوذ من الديانة المثراسية حيث كانوا يذبحون العجل ويأخذون دمه، فيتلطخ به الآثم، ليولد من جديد بعد أن سال عليه دم العجل الفدية.

                      غرائب ترافق موت الآلهة

                      وتتشابه كثير من تفاصيل قصة الصلب مع تفاصيل واردة في قصص وثنية مشابهة.فقد ذكر متى أحداثاً غريبة عدة، صاحبت موت المسيح حيث يقول: " وفي الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض، إلى الساعة التاسعة...، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت... " ( متى 27/45 - 53 ).

                      وهذا نقله النصارى من الوثنيات القديمة، فقد نقل العلامة التنير في كتابه الرائع "العقائد الوثنية في الديانة النصرانية" عن عدد من المؤرخين الغربيين إجماعهم على انتشار هذه الغرائب حال موت المخلصين لهذه الأمم.

                      من ذلك: أن الهنود يقولون: " لما مات "كرشنا" مخلصهم على الصليب، حدثت في الكون مصائب جمة، وعلامات متنوعة، وأحاطت بالقمر دائرة سوداء، وأظلمت الشمس عند منتصف النهار، وأمطرت السماء ناراً ورماداً.. ".

                      ويقول عباد بروسيوس: " إنه لما صلب على جبل قوقاس، اهتزت الكائنات، وزلزلت الأرض.. ".

                      والاعتقاد بحدوث أحداث سماوية عظيمة عند موت أحد العظماء أو ولادته، معروف عند الرومان واليونان.

                      كما ينقل المؤرخ "كنون فرار" في كتابه "حياة المسيح"، والمؤرخ جيبون في تاريخه أن عدداً من الشعراء والمؤرخين الوثنيين كان يقول: " لما قتل المخلص اسكولابيوس، أظلمت الشمس، واختبأت الطيور في أوكارها... لأن شافي أمراضهم وأوجاعهم فارق هذه الدنيا ".

                      والقول بظلمة الشمس عند موت أحد المخلصين قيل عند مقتل هيركلوس وبيوس وكوتز لكوتل وكيبير ينوس إله الرومان، وعليه، فهو أسطورة قديمة تداولتها الأمم، ونقلها أصحاب الأناجيل من تلك الوثنيات.

                      وقد كان عباد الشمس يقدمون الضحايا لها، خاصة عند حدوث الكسوف الشمسي، فإذا زال الكسوف اعتقدوا أنه بسبب فداء أحد زعمائهم، حيث خلصهم وحمل عنهم العذاب، ومنه أخذ متى قوله: " ومن الساعة السادسة، كانت ظلمة على الأرض إلى الساعة التاسعة " ( متى 27/45 ).

                      قيام الآلهة من الأموات

                      ومن أوجه الشبه بين الوثنيات القديمة والنصرانية القول بقيامة الآلهة من الأموات، فقد أجمعت الأناجيل على قيامة عيسى من الموت، ولكن هذا قد سبقهم إليه الهنود، حيث قالوا في كرشنا: "هوذا كرشنا صاعد إلى وطنه في السماوات "، وكذا يقول عُبّاد بوذا بأنه حزن عليه بعد موته أهل السماوات والأرض " حتى إن مهاويو ( الإله العظيم ) حزن ونادى: قم أيها المحب المقدس فقام كام ( أي بوذا ) حياً، وبُدلت الأحزان والأتراح بالأفراح، وهاجت السماء، ونادت فرِحة : عاد الإله الذي ظُن أنه مات وفُقد.. "، ومثله يعتقده الصينيون في إلههم (لأوكيون)، والمجوس في (زورستر).

                      ويقول عابدو (سكولابيوس) في القصيدة التي حكت عن حياته " أيها الطفل القادر على شفاء الأمم في السنين القادمة حينما يهبُّ مَن في القبور.... وأنت من المسكن المظلم ستقوم ظافراً وتصير إلهاً " وعن تموز يقول البابليون: "ثقوا أيها القديسون برجوع إلهكم، واتكلوا على ربكم الذي قام من الأموات ".

                      ومثل هذا الاعتقاد، سرى في كثير من الوثنيات قبل المسيحية، فقد قيل بقيام أوزوريس، وحورس، ومتراس، وباخوس، وهرقل، وكوتز لكوتل، ويلدور، وغيرهم، فكل هؤلاء قال عُبّادهم بقيامتهم من الموت. ولعل أهم هؤلاء أوزوريس معبود المصريين القريب من مهد المسيحية، وقد انتشرت أسطورته في القرن الثالث قبل الميلاد. ويقول المؤرخ مهامي: " إن محور التعليم الديني عند الوثنيين في مصر في القرون الخالية هو الإيمان بقيام الإله ".

                      قيامة وعودة الآلهة من الموت للحساب والجزاء

                      يتحدث النصارى عن دينونة المسيح للبشر يقول يوحنا عن المسيح: " وقد أعطاه السلطان لأن يدين لأنه ابن إنسان " ( يوحنا 5/27 ).

                      وهو أيضاً معتقد وثني، فقد تحدث المؤرخون عن قول المصريين بقيامة مخلصهم بعد الموت، وأنه سيكون ديان الأموات يوم القيامة.

                      ويذكر هؤلاء في أساطيرهم أن أوزوريس حكم بالعدل، فاحتال عليه أخوه وقتله، ووزع أجزاء جسمه على محافظات مصر، فذهبت أرملته أيزيس، فجمعت أوصاله من هنا وهناك، وهي تملأ الدنيا نحيباً وبكاءً، فانبعث نور إلى السماء، والتحمت أوصال الجسد الميت، وقام إلى السماء يمسك بميزان العدل والرحمة.

                      وكذلك اعتقد الهنود في معبودهم كرشنا أنه مخلص وفادي. يقول القس جورج كوكس: "يصفون كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتاً، لأنه قدم شخصه ذبيحة.. ويعتقدون أن عمله لا يقدر عليه أحد".

                      ويقول المؤرخ دوان: " يعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو، والذي لا ابتداء ولا انتهاء له - على رأيهم - تحرك حنواً كي يخلص الأرض من ثقل حملها، فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه "، ومثله يقوله العلامة هوك.

                      ثالثاً : التشابه في فكرة الفادي بين الوثنيات القديمة والنصرانية

                      نقلجاؤوا إليه لم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مات، لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء " (يوحنا 19/23 - 24). وهو ليس ذبحاً بكل حال.

                      يقول ولز: " إنه لزام علينا أن نتذكر أن الموت صلباً لا يكاد يهرق من الدم أكثر مما يريقه الشنق، فتصوير يسوع في صورة المراق دمه من أجل البشرية إنما هو في الحقيقة من أشد العبارات بُعداً عن الدقة ".

                      ولكن هذه النظرة إلى الله، بأنه لا يرضى إلا بأن يسيل الدم نظرة قديمة موجودة عند اليهود وعند الوثنيين قبلهم، ففي التوراة تجد ذلك واضحاً في مثل قولها: " بنى نوح مذبحاً لله.. وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا، وقال الرب في قلبه:لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان "(تكوين8/20- 21 ).

                      ومثله في محبة المحرقة وذبائحها والتنسم برائحتها قول العهد القديم: " وبنى داود هناك مذبحاً للرب، وأصعد محرقات وذبائح سلامة، ودعا الرب، فأجابه بنار من السماء على مذبحة المحرقة " (الأيام (1) 21/26).

                      وهكذا فإن التصور اليهودي للإله مشبع برائحة الدم يقول ارثر ويجال: " نحن لا نقدر أطول من ذلك قبول المبدأ اللاهوتي المفزع الذي من أجل بعض البواعث الغامضة وجوب تضحية استرضائية، إن هذا انتهاك إما لتصوراتنا عن الله بأنه الكلي القدرة، وإلا ما نتصوره عنه ككلي المحبة".

                      ويرى المحققون أن ادعاء إهراق دم المسيح مأخوذ من الديانة المثراسية حيث كانوا يذبحون العجل ويأخذون دمه، فيتلطخ به الآثم، ليولد من جديد بعد أن سال عليه دم العجل الفدية.

                      غرائب ترافق موت الآلهة

                      وتتشابه كثير من تفاصيل قصة الصلب مع تفاصيل واردة في قصص وثنية مشابهة.فقد ذكر متى أحداثاً غريبة عدة، صاحبت موت المسيح حيث يقول: " وفي الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض، إلى الساعة التاسعة...، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت... " ( متى 27/45 - 53 ).

                      وهذا نقله النصارى من الوثنيات القديمة، فقد نقل العلامة التنير في كتابه الرائع "العقائد الوثنية في الديانة النصرانية" عن عدد من المؤرخين الغربيين إجماعهم على انتشار هذه الغرائب حال موت المخلصين لهذه الأمم.

                      من ذلك: أن الهنود يقولون: " لما مات "كرشنا" مخلصهم على الصليب، حدثت في الكون مصائب جمة، وعلامات متنوعة، وأحاطت بالقمر دائرة سوداء، وأظلمت الشمس عند منتصف النهار، وأمطرت السماء ناراً ورماداً.. ".

                      ويقول عباد بروسيوس: " إنه لما صلب على جبل قوقاس، اهتزت الكائنات، وزلزلت الأرض.. ".

                      والاعتقاد بحدوث أحداث سماوية عظيمة عند موت أحد العظماء أو ولادته، معروف عند الرومان واليونان.

                      كما ينقل المؤرخ "كنون فرار" في كتابه "حياة المسيح"، والمؤرخ جيبون في تاريخه أن عدداً من الشعراء والمؤرخين الوثنيين كان يقول: " لما قتل المخلص اسكولابيوس، أظلمت الشمس، واختبأت الطيور في أوكارها... لأن شافي أمراضهم وأوجاعهم فارق هذه الدنيا ".

                      والقول بظلمة الشمس عند موت أحد المخلصين قيل عند مقتل هيركلوس وبيوس وكوتز لكوتل وكيبير ينوس إله الرومان، وعليه، فهو أسطورة قديمة تداولتها الأمم، ونقلها أصحاب الأناجيل من تلك الوثنيات.

                      وقد كان عباد الشمس يقدمون الضحايا لها، خاصة عند حدوث الكسوف الشمسي، فإذا زال الكسوف اعتقدوا أنه بسبب فداء أحد زعمائهم، حيث خلصهم وحمل عنهم العذاب، ومنه

                      قيام الآلهة من الأموات

                      ومن أوجه الشبه بين الوثنيات القديمة والنصرانية القول بقيامة الآلهة من الأموات، فقد أجمعت الأناجيل على قيامة عيسى من الموت، ولكن هذا قد سبقهم إليه الهنود، حيث قالوا في كرشنا: "هوذا كرشنا صاعد إلى وطنه في السماوات "، وكذا يقول عُبّاد بوذا بأنه حزن عليه بعد موته أهل السماوات والأرض " حتى إن مهاويو ( الإله العظيم ) حزن ونادى: قم أيها المحب المقدس فقام كام ( أي بوذا ) حياً، وبُدلت الأحزان والأتراح بالأفراح، وهاجت السماء، ونادت فرِحة : عاد الإله الذي ظُن أنه مات وفُقد.. "، ومثله يعتقده الصينيون في إلههم (لأوكيون)، والمجوس في (زورستر).

                      ويقول عابدو (سكولابيوس) في القصيدة التي حكت عن حياته " أيها الطفل القادر على شفاء الأمم في السنين القادمة حينما يهبُّ مَن في القبور.... وأنت من المسكن المظلم ستقوم ظافراً وتصير إلهاً " وعن تموز يقول البابليون: "ثقوا أيها القديسون برجوع إلهكم، واتكلوا على ربكم الذي قام من الأموات ".

                      ومثل هذا الاعتقاد، سرى في كثير من الوثنيات قبل المسيحية، فقد قيل بقيام أوزوريس، وحورس، ومتراس، وباخوس، وهرقل، وكوتز لكوتل، ويلدور، وغيرهم، فكل هؤلاء قال عُبّادهم بقيامتهم من الموت. ولعل أهم هؤلاء أوزوريس معبود المصريين القريب من مهد المسيحية، وقد انتشرت أسطورته في القرن الثالث قبل الميلاد. ويقول المؤرخ مهامي: " إن محور التعليم الديني عند الوثنيين في مصر في القرون الخالية هو الإيمان بقيام الإله ".

                      يتحدث النصارى عن دينونة المسيح للبشر يقول يوحنا عن المسيح: " وقد أعطاه السلطان لأن يدين لأنه ابن إنسان " ( يوحنا 5/27 ).

                      وهو أيضاً معتقد وثني، فقد تحدث المؤرخون عن قول المصريين بقيامة مخلصهم بعد الموت، وأنه سيكون ديان الأموات يوم القيامة.

                      ويذكر هؤلاء في أساطيرهم أن أوزوريس حكم بالعدل، فاحتال عليه أخوه وقتله، ووزع أجزاء جسمه على محافظات مصر، فذهبت أرملته أيزيس، فجمعت أوصاله من هنا وهناك، وهي تملأ الدنيا نحيباً وبكاءً، فانبعث نور إلى السماء، والتحمت أوصال الجسد الميت، وقام إلى السماء يمسك بميزان العدل والرحمة.

                      وكذلك اعتقد الهنود في معبودهم كرشنا أنه مخلص وفادي. يقول القس جورج كوكس: "يصفون كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتاً، لأنه قدم شخصه ذبيحة.. ويعتقدون أن عمله لا يقدر عليه أحد".

                      ويقول المؤرخ دوان: " يعتقد الهنود بأن كرشنا المولود البكر الذي هو نفس الإله فشنو، والذي لا ابتداء ولا انتهاء له - على رأيهم - تحرك حنواً كي يخلص الأرض من ثقل حملها، فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبيحة عنه "، ومثله يقوله العلامة هوك.

                      ثالثاً : التشابه في فكرة الفادي بين الوثنيات القديمة والنصرانية

                      وكذلك سرت في الوثنيات فكرة الفادي والمخلص الذي يفدي شعبه أو قومه، وكانت الأمم البدائية تضحي بطفل محبوب، لاسترضاء من تسميهم آلهة السماء، وفي تطور لاحق أضحى الفداء بواسطة مجرم حكم عليه بالموت، وعند البابليين كان الضحية يلبس أثواباً ملكية - كتلك التي ألبسها الإنجيليون للمسيح في قصة
                      الصلب -، لكي يمثل بها ابن الملك، ثم يجلد ويشنق.

                      وعند اليهود خصص يوم للكفارة يضع فيه كاهن اليهود يده على جدي حي، ويعترف فوق رأسه بجميع ما ارتكب بنو إسرائيل من مظالم، فإذا حمل الخطايا أطلقه في البرية.

                      وأما فكرة موت الإله فهي عقيدة وثنية حيث كان العقل اليوناني يحكم بموت بعض الآلهة.

                      والفداء عن طريق أحد الآلهة أو ابن الله أيضاً موجودة في الوثنيات القديمة كما وقد ذكر السير آرثر فندلاي في كتابه " صخرة الحق " أسماء ستة عشر شخصاً اعتبرتهم الأمم آلهة سعوا في خلاص هذه الأمم. منهم: أوزوريس في مصر 1700 ق.م، وبعل في بابل 1200ق.م، وأنيس في فرجيا 1170 ق.م، وناموس في سوريا 1160 ق.م، وديوس فيوس في اليونان 1100 ق.م، وكرشنا في الهند 1000 ق.م، وأندرا في التبت 725 ق.م، وبوذا في الصين 560 ق.م، وبرومثيوس في اليونان 547 ق.م، ومترا (متراس) في فارس 400 ق.م.

                      ولدى البحث والدراسة في معتقدات هذه الأمم الوثنية نجد تشابهاً كبيراً مع ما يقوله النصارى في المسيح المخلص.

                      فأما بوذا المخلص عند الصينيين فلعله أكثر الصور تطابقاً مع تخلص النصارى، ولعل مرد هذا التشابه إلى تأخره التاريخي، فكان تطوير النصارى لذلك المعتقد ضئيلاً.

                      والبوذيون كما نقل المؤرخون يسمون بوذا المسيح المولود الوحيد، ومخلص العالم، ويقولون: إنه إنسان كامل وإله كامل تجسد بالناسوت، وأنه قدم نفسه ذبيحة ليكفر ذنوب البشر ويخلصهم من ذنوبهم حتى لا يعاقبوا عليها.

                      وجاء في أحد الترنيمات البوذية عن بوذا: " عانيتَ الاضطهاد والامتهان والسجن والموت والقتل بصبر وحب عظيم لجلب السعادة للناس، وسامحتَ المسيئين إليك ".

                      ويذكر مكس مولر في كتابه " تاريخ الآداب السنسكريتية " فيقول: " البوذيون يزعمون أن بوذا قال: دعوا الآثام التي ارتكبت في هذا العالم تقع عليّ، كي يخلص العالم ".

                      ويرى البوذيون أن الإنسان شرير بطبعه، ولا حيلة في إصلاحه إلا بمخلص ومنقذ إلهي.

                      وكذلك فإن المصريين يعتبرون أوزوريس إلهاً ويقول المؤرخ بونويك في كتابه " عقيدة المصريين " : يعد المصريون أوزوريس أحد مخلصي الناس، وأنه بسبب جده لعمل الصلاح يلاقي اضطهاداً، وبمقاومته للخطايا يقهر ويقتل ".

                      ويوافقه العلامة دوان في كتابه " خرافات التوراة والإنجيل وما يماثلها من الديانات الأخرى".

                      لذا يقول ارثر ويجال :" إن هذه العقيدة دخيلة من مصدر وثني، وهي حقاً من آثار الوثنية في الإيمان "

                      نزول الآلهة إلى الجحيم من أجل تخليص الأموات من الجحيم

                      وتشابهت العقائد النصرانية مع الوثنيات القديمة مرة أخرى عندما قال النصارى بأن المسيح نزل إلى الجحيم لإخراج الأرواح المعذبة فيها من العذاب، ففي أعمال الرسل " سبق فرأى وتكلم عن قيامة المسيح، أنه لم تترك نفسه في الهاوية، ولا رأى جسده فساداً " ( أعمال 2/31 )، ويقول بطرس: " ذهب ليكرز للأرواح التي في السجن " ( بطرس (1) 3/19 ).

                      يقول القديس كريستوم 347م : " لا ينكر نزول المسيح إلى الجحيم إلا الكافر ".

                      ويقول القديس كليمندوس السكندري: " قد بشر يسوع في الإنجيل أهل الجحيم كما بشر به وعلمه لأهل الأرض، كي يؤمنوا به ويخلصوا " وبمثله قال أوريجن وغيره من قديسي النصارى.

                      وهذا المعتقد وثني قديم قال به عابدو كرشنا، فقالوا بنزوله إلى الجحيم لتخليص الأرواح التي في السجن، وقاله عابد زورستر وأدونيس وهرقل وعطارد وكوتز لكوتل وغيرهم.

                      ولما وصل النصارى إلى أمريكا الوسطى، وجدوا فيها أدياناً شتى، فخفّ القسس لدعوتهم للمسيحية، فأدهشهم بعد دراستهم لهذه الأديان أن لها شعائر تشبه شعائر المسيحية، وخاصة في مسائل الخطيئة والخلاص.

                      رابعاً: تشابهات أُخر بين الوثنيات القديمة وأسفار العهد الجديد

                      وثمة تشابهات أُخر بين الوثنيات وأسفار المسيحية - في غير الولادة والصلب والفداء -، منها ما ذكره متى عن تجربة إبليس للمسيح أربعين يوماً، " فلم يأكل حتى جاع أخيراً" (متى 4/1 - 12)، وهو ما ينقل مثله عن بوذا في الصين وزورستر عند المجوس وغيرهم من الآلهة المتجسدة عند الأمم الوثنية.

                      وقد جاء في كتاب " حياة بوذا الصيامية " لمونكيور كونري : " الكائن العظيم بوذا جرد نفسه في الزهد لدرجة عدم الأكل والتنفس أيضاً.. فأتى الأمير مارا ( أي أمير الشياطين ) وقصد تجربة بوذا.. ".

                      وقد وصلت المعطيات المشتركة بين كرشنا والمسيح إلى ستة وأربعين تشابهاً، وبين المسيح وبوذا إلى ثمانية وأربعين تشابهاً.

                      وقد أقر رجال الكنيسة بهذه الأمثلة للتشابه، وكانوا يدعون أن أسفار الفيدا الهندية قد أخذت عن الأناجيل، لكن العلماء المحققين أثبتوا أن هذه الأسفار موجودة قبل التوراة والأناجيل بمئات السنين، وممن أكد ذلك لجنة الدراسات للآثار الهندية المكونة من علماء إنجليز وفرنسيين.

                      تفسير النصارى لهذا التشابه الغريب بين الوثنيات والنصرانية


                      فكيف يفسر النصارى هذا التطابق بين معتقداتهم والوثنيات القديمة والذي جعل من النصرانية نسخة معدلة عن هذه الأديان ؟

                      زعم الكثيرون أن هذه الأديان نقلت هذا الفكر عن النصرانية، لكن ذلك اصطدم بكون هذه الديانات كانت قبل المسيحية بقرون طويلة، والمخطوطات والأحافير التي سجلت عقائدها كانت أقدم من ظهور المسيحية وأناجيلها.

                      لذا كان لا بد من الاعتراف بانتحال كتاب العهد الجديد لأساطير الوثنيات السابقة أو الهروب إلى عالم الأسرار والظلام، حيث يختفي دليل العقل وتسيطر الخرافة، ومنه قول الأب جيمس تد المحاضر في جامعة
                      " أكسفورد" عن هذا التشابه: " سر لاهوتي فوق عقول البشر، وليس من الممكن تفسيره حسب تفسير وتصور هؤلاء البشر.

                      صدق الله إذ يقول عن النصارى ] ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل{ (التوبة:30)، وقد نهاهم الله عن مشابهة المشركين فقال: ] قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قوم قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السّبيل { (المائدة: 77).

                      وإذا كانت هذه الأناجيل والرسائل من صنع البشر وتأليفهم، وإذا كان أصحابها لم يدعوا لأنفسهم أنهم يسجلون كلمة الله، فكيف أضحت هذه الكتابات مقدسة وإلهية؟ وأين الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى، والذي يؤمن به المسلمون؟

                      تعليق

                      • الغدنفر
                        0- عضو حديث
                        • 5 أغس, 2010
                        • 24
                        • محاسب
                        • مسلم

                        #12
                        الإنجيل الصحيح: إنجيل المسيح


                        تساءل المحققون طويلاً عن إنجيل المسيح الذي أنزله الله على عيسى، ذلكم الإنجيل الذي يؤمن به المسلمون والذي تذكره الأناجيل كثيراً.

                        لكن الإجابة النصرانية هي صمت مطبق وتجاهل لوجود هذا الإنجيل، فنقطة البدء عندهم للإنجيل أو العهد الجديد تبدأ من الحواريين وهم يسطرون الرسائل والأناجيل.

                        لكن رسائل بولس التي ألفت في النصف الثاني من القرن الأول تتحدث في نصوص كثيرة عن إنجيل المسيح، ولا تذكر شيئاً عن الأناجيل الأربعة التي لم يكن مرقس - أول الإنجيليين - قد خط شيئاً منها، إذ أن بولس – ولـه أربعة عشر رسالة في العهد الجديد - قتل سنة 62 بينما ألف مرقس أول الأناجيل عام 65م، ثم تتابعت العشرات من الأناجيل بعد ذلك، وهي تشير أيضاً إلى إنجيل المسيح أو إنجيل الله.

                        نصوص تتحدث عن إنجيل المسيح


                        تحدث بولس ثم الإنجيليون عن إنجيل المسيح في نصوص كثيرة منها: قول بولس: " إني أعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر.. يوجد قوم يريدون أن يحولوا إنجيل المسيح.. " ( غلاطية 1/6 - 8 )، فهو يتحدث عن إنجيل حقيقي يتركه الناس إلى إنجيل آخر مزور.

                        ومثله قول بولس: " بل نتحمل كل شيء، لئلا نجعل عائقاً لإنجيل المسيح.. أمر الرب أن الذين ينادون بالإنجيل، من الإنجيل يعيشون " ( كورنثوس (1) 9/12 - 14 ).

                        ويقول متوعداً: " الذين لا يطيعون إنجيل ربنا يسوع، الذين سيعاقبون بهلاك أبدي "(تسالونيكي(2)1/8-9 ).

                        وفي الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل حديث عن إنجيل حقيقي، ففي أعمال الرسل أن بطرس قام وقال: " أيها الرجال الإخوة: أنتم تعلمون أنه منذ أيام قديمة اختار الله بيننا أنه بفمي يسمع الأمم كلمة الإنجيل، ويؤمنون " ( أعمال 15/7 ).

                        وعندما سكبت المرأة الطيب عند قدمي المسيح قال: " الحق أقول لكم: حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها " ( متى 26/13 )، وهو بالطبع لا يقصد إنجيل متى الذي ألفه متى بعد القصة بسنوات طويلة.

                        ويقول مرقس: " من يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها " ( مرقس 8/35).

                        والملاحظ أن هذه النصوص تتحدث عن إنجيل واحد، وليس الأناجيل الأربعة أو السبعين التي رفضتها الكنيسة، وتسمي النصوص هذا الإنجيل، إنجيل الله، وإنجيل المسيح.

                        وقد تهرب عموم النصارى من الإقرار بوجود إنجيل حقيقي هو إنجيل المسيح، فقالوا : لم ينزل على المسيح شيء، بل الإنجيل هو أقواله الشخصية، وقد سطرها الإنجيليون، وهذا بالطبع متسق مع قولهم بألوهية المسيح، إذ لا يليق بالإله أن يؤتى كتاباً، فهذا حال الأنبياء.

                        لكن يردُّ هذه الدعوى ذكر النصوص التي تحدثت عن وحي الله إلى المسيح، منها قوله: " أنا أتكلم بما رأيت عند أبي " ( يوحنا 8/38 ). وكذا قوله مثبتاً نزول الوحي عليه، بما أسماه وصية الله التي أعطاه الله إياها: "لأني لم أتكلم من نفسي، لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية: ماذا أقول وبماذا أتكلم، وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية. فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب، هكذا أتكلم" (يوحنا 12/49-50)، ومثله قوله: " أتكلم بهذا كما علمني أبي " ( يوحنا 8/28 )..

                        ويسمي يوحنا المعمدان كلام الله الذي سيؤتاه المسيح الشهادة، ويتنبأ بإعراض الكثيرين من بني إسرائيل عنها، فيقول: "الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع، وما رآه وسمعه به يشهد، وشهادته ليس أحد يقبلها، ومن قبل شهادته فقد ختم أن الله صادق، لأن الذي أرسله اللهُ يتكلم بكلام الله" (يوحنا 3/31-34).

                        ويثبت في مواضع أُخر أنه يوحى إليه كسائر الأنبياء، وأن التلاميذ آمنوا به كرسول، وصدقوا أن ما يقوله لهم إنما هو بوحي من الله، فيقول: " والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك، لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم، وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت من عندك، وآمنوا أنك أنت أرسلتني" (يوحنا 17/7).

                        لذا لما جاءته أمه وإخوته ووقفوا ببابه، أعرض عنهم وأقبل على تلاميذه الذين يسمعون منه كلام الله ويعملون به "فأجاب وقال لهم: أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله، ويعملون بها" (لوقا 8/21).

                        وكذا يقول مؤكداً وحي الله إليه فيما يقوله ويبلغ عنه: "الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي، بل للآب الذي أرسلني" ( يوحنا 14/24 ).

                        وهذا الوحي الذي آتاه الله سيحاسب الناس بحسبه يوم القيامة " من رذلني ولم يقبل كلامي فله من يدينه، الكلام الذي تكلمت به هو يدينه في اليوم الأخير، لأني لم أتكلم من نفسي " (يوحنا 12/48-49).

                        الإقرار بوجود إنجيل المسيح وفقده


                        ونقل العلامة رحمة الله الهندي في كتابه الماتع إظهار الحق عن بعض علماء النصرانية إقرارهم بوجود إنجيل يسوع قبل ضياعه واختفائه، ومنهم مارش وليكرك وكوب وأكهارن وغيرهم، يقول أكهارن: " إنه كان في ابتداء الملة المسيحية في بيان أحوال رسالة المسيح رسالة مختصرة يجوز أن يقال أنها هي الإنجيل الأصلي، والغالب أن هذا الإنجيل كان للمريدين الذين كانوا لم يسمعوا أقوال المسيح بآذانهم، ولم يروا أحواله بأعينهم، وكان هذا الإنجيل بمنزلة القلب ".

                        ويصف الدكتور هارناك هذا الإنجيل فيقول : " والإنجيل الذي قام بتبليغه المسيح إنما كان يتعلق بالأب وحده، ولا يتعلق بالابن، وليس ذلك أمراً متضاداً، كما أنه ليس عقلانية، وإنما هو عرض بسيط ساذج للحقائق التي بينها مؤلفو الأناجيل ".

                        يا مسلمون أحضروا إنجيل المسيح!!


                        ولنا أن نتساءل إن كان هذا الإنجيل مما أمرت الكنيسة بإحراقه ضمن الأناجيل الكثيرة التي حرمتها وأمرت بحرقها في مجمع نيقية، لكنا لا نجد لسؤالنا جواباً إلا إنكار وجود هذا الإنجيل، وقد ثبت لدينا وجوده.

                        فكثيراً ما نسمع مطالبة النصارى للمسلمين أن يظهروا إنجيل المسيح الذي يدعونه، فيجيب العلامة منصور حسين في كتابه الفريد "دعوة الحق بين المسيحية والإسلام": " إنه منذ فجر المسيحية، وبعد رفع المسيح، وقبل الإسلام كان هناك العديد من الأناجيل، قبل المسيحيون أربعاً منها فقط.. والباقي - كما وجدنا - طوردت وأحرقت، والذين طاردوها هم المسيحيون أنفسهم وأحرقوها، وليس المسلمون، وليدلنا سيادته (أي القمّص باسيليوس، وهو أحد المرددين لهذه العبارة) عليها، وحينئذ أدله من بينها على الإنجيل الصحيح، أما أن يحرقها المسيحيون، ثم يطالبون المسلمين... فهذا غير معقول ".

                        إذاً قد اختفى إنجيل المسيح، وعهدة إحضاره باقية في ذمة النصارى، لا المسلمين


                        تدوين وقانونية العهد الجديد


                        ويقفز إلى الأذهان أسئلة جديدة : كيف ظهرت الأناجيل بعد اختفاء إنجيل المسيح؟ ومن الذي كتبها؟ وما ظروف كتابتها؟

                        في الإجابة عن هذه الأسئلة نقول: يقرر عدد من مؤرخي النصرانية انتقال روايات شفاهية، تبلورت فيما بعد بحركة دائبة في كتابة سيرة المسيح لتلبية حاجات الكنيسة المسيحية الناشئة، ونكتفي هنا بنقل ما ذكره يواكيم إرميا في كتابه الذي نشرته الكنيسة المصرية بعنوان " أقوال المسيح غير المدونة في بشائر الأناجيل " فيقول: " ينبغي أن نضع نصب أعيننا حقيقتين أساسيتين عن بشائر الإنجيل وكتابتها : أنه لمدة طويلة، كانت كل التقاليد المعروفة عن المسيح، كلها أقوال شفاهية متناقلة.. واستمرت على هذه الصورة ما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً، ولم يتغير الوضع إلا في عهد اضطهاد نيرون للمسيحيين، حينها اجتمع شيوخ الكنيسة وكبارها في خريف عام 64م، ووجدوا أن الكثيرين من أعمدة الكنيسة قد فقدوا.. ولم يجد المجتمعون أمامهم إلا يوحنا الملقب مرقص، زميل الرسول بطرس في الخدمة.. ليسجل كل ما يستطيع أن يتذكره من أحاديث المسيح وتعاليمه، وكتب مرقص بشارته المختصرة التي تحمل اسمه، وهي أقدم قصة كتبت عن حياة المسيح.

                        والحقيقة الثانية : أن قصة مرقس عن المسيح وأقواله قد دفعت غيره ليحذوا حذوه، وينسجوا على منواله.. وتنشأ بشائر أخرى...حتى كان هناك عدد لا يستهان به من البشائر...

                        ولما رأت الكنيسة أن الأمر جدُّ خطير بدأت في تقصي أسس هذه البشائر الأربعة المعروفة، واعتبرت ما سواها " بشائر أبو كريفية "، طوردت وجمعت وأحرقت حتى اختفت ".

                        وينبه المحققون إلى أمر هام، وهو أن شيئاً من الأناجيل لم يكن يسمى إنجيلاً في الصدر الأول للنصرانية، إنما سميت " كاروزوتا " أي موعظة، وذلك باللغة اليونانية التي وجد بها ما سمي فيما بعد بالأناجيل.

                        وهذه الكتابات أطلق عليها القديس جوستين في منتصف القرن الثاني اسم " مذكرات الرسل".

                        وقد بدأت في أواسط القرن الثاني حركة لتكوين كتاب مقدس للنصارى على غرار ما عند اليهود، وقد أثمرت ما بين أيدينا من أسفار العهد الجديد، يقول المدخل الفرنسي للعهد الجديد : " لم يشعر المسيحيون الأولون إلا بعد وفاة آخر الرسل بضرورة تدوين أهم ما عمله الرسل وتولي حفظ ما كتبوه... ويبدو أن المسيحيين حتى ما يقرب من السنة 150م تدرجوا من حيث لم يشعروا بالأمر إلا قليلاً جداً إلى الشروع في إنشاء مجموعة جديدة من الأسفار المقدسة، وأغلب الظن أنهم جمعوا في بدء أمرهم رسائل بولس، واستعملوها في حياتهم الكنسية، ولم تكن غايتهم قط أن يؤلفوا ملحقاً بالكتاب المقدس..

                        ومع ما كان لتلك النصوص من الشأن فليس هناك قبل القرن الثاني ( بطرس (2) 3/16 ) أي شهادة تثبت أن الناس عرفوا مجموعة من النصوص الإنجيلية المكتوبة، ولا يذكر أن لمؤلَف من تلك المؤلفات صفة ما يلزم، فلم يظهر ذلك إلا في النصف الثاني من القرن الثاني... فيمكن القول أن الأناجيل الأربعة حظيت نحو السنة 170م بمقام الأدب القانوني، وإن لم تستعمل تلك اللفظة حتى ذلك الحين،...

                        يجدر بالذكر ما جرى بين السنة 150 والسنة 200 إذ حدد على نحو تدريجي أن سفر أعمال الرسل مؤلف قانوني، وقد حصل شيء من الإجماع على رسالة يوحنا الأولى... هناك عدد كبير من المؤلفات ( الحائرة ) يذكرها بعض الآباء ذكرهم لأسفار قانونية في حين أن غيرهم ينظر إليها نظرته إلى مطالعة مفيدة.. وهناك أيضاً مؤلفات جرت العادة أن يستشهد بها ذلك الوقت على أنها جزء من الكتاب المقدس، ومن ثم جزء من القانون لم تبق زمناً على تلك الحال، بل أخرجت آخر الأمر من القانون، ذلك ما جرى لمؤلف هرماس وعنوانه الراعي، وللديداكي، ورسالة أكليمنص الأولى، ورسالة برنابا ورؤيا بطرس ".

                        وهذا الذي ذكرته مقدمة العهد الجديد نستطيع أن نجمله بأن حركة تدوين الأناجيل بدأت بعد موت أهم التلاميذ، وأخذت شرعيتها في أواسط القرن الثاني كما ساعد في تكوين قانونية العهد الجديد مرقيون الهرطوقي سنة 160م حيث دعا لنبذ سلطة العهد القديم، واحتاج لتزويد كنيسته بأسفار مقدسة أخرى، فساهم أتباعه في نشر هذه الأناجيل فقد جمع في عهده إنجيلاً، وراجعه مراجعة دقيقة ليتمشى مع أفكاره، وجمع إليه رسالة بولس إلى أهل غلاطية، وهي رسالة تؤكد إبطال الناموس ونقده، ثم أضاف رسائل بولس إلى أهل كورنثوس وتسالونيكي وأفسس وفيلبي وفليمون

                        كيفية اختيار الأناجيل الأربعة


                        أما الكيفية التي اختارت بها الكنيسة هذه الأناجيل دون غيرها، ومكان الاختيار ... فلا يوجد أي تفصيل عند النصارى عن هذه النقطة سوى ما ذكره المدخل الفرنسي للعهد الجديد : "يبدو أن مقياس نسبة المؤلف إلى الرسل استعمل استعمالاً كبيراً، ففقد رويداً رويداً كل مؤلَف لم تثبت نسبته إلى رسول من الرسل ما كان له من الحظوة ".

                        ولكن هذا القول إنما يصح لو كانت هذه الأناجيل جميعاً قانونية، ثم بدأ بعضها يفقد بريقه عند التحقيق والتدقيق، بينما حصل العكس في تاريخ الكتاب المقدس، إذ لم يعتبر شيء من هذه الكتب قانونياً، ثم بدأ في الاختيار فيما بعد، ويقول الأب كننغسر بأن الأناجيل التي رفضت هي التي لا تتفق مع الخط الأرثوذكسي.

                        لكن المتفق عليه عند مؤرخي الكنيسة أن الأناجيل الأربعة ورسائل بولس قد أقرت في أواخر القرن الثاني، وكان أول من ذكر الأناجيل الأربعة المؤرخ أرمينيوس سنة 200م تقريباً، ثم ذكرها كليمنس اسكندريانوس، ودافع عنها، واعتبرها واجبة التسليم.

                        فيما بقيت أسفار العهد الجديد موضع نزاع بين الكنائس طوال القرن الثالث، وقد قبلت بعض الكتب في الكنائس الشرقية كالرسالة إلى العبرانيين، بينما رفضها أتباع الكنائس الغربية، وقبلوا رؤيا يوحنا اللاهوتي.

                        ترتيب الأسفار المقدسة ودلالته


                        وكما وقع الخلاف في إلهامية بعض الأسفار وقع الخلاف في ترتيب هذه الأسفار في العهد الجديد، وهذا الخلاف مهم، إذ كلٌ رتب الأسفار حسب ما يعتقد لها من قيمة وقداسة وأهمية، فالخلاف في الترتيب خلاف في قيمة الأسفار.

                        وأقدم قائمة رتبت الأسفار كانت في أواسط القرن الرابع قائمة أثناسيوس 367م، وكان ترتيبه كالتالي: الأناجيل ثم أعمال الرسل ثم الرسائل الكاثوليكية ثم رسائل بولس ثم سفر الرؤيا.

                        ثم أصدر مجمع روما 382م ترتيباً آخر، تلا الأناجيل فيه رسائل بولس ثم رؤيا يوحنا ثم الرسائل الكاثوليكية السبعة.

                        وأما الترتيب الحالي فكان من قرارات مجمع ترنت 1546م.

                        وقد بين لنا المحققون من خلال استعراضهم مسيرة الأناجيل، وتحولها من عمل شخصي إلى عمل قانوني مقدس حقيقة هامة، وهي أن تقديس هذه الكتب عمل بشري لا يستند إلى دليل من هذه الكتب، بل هو قرار اختلفت فيه المجامع حتى أُقر، ولو كان من الوحي لما اختلفت فيه المجامع، ولما احتاج إلى قرار كنسي ليصبح مقدساً ووحياً إلهياً.
                        الأناجيل غير القانونية


                        نشطت حركة التأليف في الجيل الأول من النصرانية بشكل واسع، وظهرت أناجيل كثيرة كما تدلنا على ذلك مقدمة إنجيل لوقا " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً، إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علّمتَ به" (لوقا 1/1-4)، لكن هذه الكثرة الكاثرة من الأناجيل التي سطرها تلاميذ المسيح لم يكتب لها القبول فيما بعد من الكنيسة، فاندثرت وأضحت في خبر كان .

                        أولا: نظرة تاريخية في الأناجيل غير القانونية

                        رأينا كيف اعترفت الكنيسة بأربعة أناجيل، وأنها رفضت عدداً كبيراً من الأناجيل والكتب التي ألفها الجيل الأول من المسيحيين، وأوصلها صاحب كتاب اكسيهومو ( 1810م ) إلى أربعة وسبعين كتاباً، وعدّدها، فذكر أن منها ما هو منسوب لعيسى وأمه، وللحواريين، ومنها ما هو منسوب للإنجيليين الأربعة، وبعض الباحثين يصل بعدد الأناجيل إلى ما يربو على المائة كتاب، ومنها ما هو منسوب لجماعات مسيحية قديمة كإنجيل المصريين والناصريين.

                        وقد سميت بعض هذه الكتب أناجيل كإنجيل بطرس واندرياه ويعقوب وميتاه ( متى ) وإنجيل المصريين لمرقس وبرنابا، وعددت دائرة المعارف الأمريكية أسماء ستة وعشرين إنجيلاً لا تعترف بهم الكنيسة رغم نسبتهم إلى المسيح وكبار حوارييه.

                        وقد كانت بعض هذه الكتابات والأناجيل متداولة لدى عدد من الفرق المسيحية القديمة، وظلت متداولة إلى القرن الرابع الميلادي.

                        وفي مجمع نيقية 325م أمرت الكنيسة باعتماد الأناجيل الأربعة ورفض ما سواها، من غير أن تقدم مبرراً لرفض تلك الأناجيل سوى مخالفتها لما تم الاتفاق عليه في المجمع، وفي ذلك يقول العالم الألماني تولستوي في مقدمة إنجيله الخاص الذي وضع فيه ما يعتقد صحته: " لا ندري السر في اختيار الكنيسة هذا العدد من الكتب وتفضيلها إياه على غيره، واعتباره مقدساً منزلاً دون سواه مع كون جميع الأشخاص الذين كتبوها في نظرها رجال قديسون ... ويا ليت الكنيسة عند اختيارها لتلك الكتب أوضحت للناس هذا التفضيل...إن الكنيسة أخطأت خطأ لا يغتفر في اختيارها بعض الكتب ورفضها الأخرى واجتهادها.. ".

                        وأمرت الكنيسة بحرق جميع هذه الأناجيل لما فيها من مخالفات للعقيدة الكنسية، وصدر قرار من الإمبراطور بقتل كل من عنده نسخة من هذه الكتب.

                        ثانياً: ما وصل إلينا من الأناجيل المحرمة

                        وهكذا اختفت معظم هذه الأناجيل ولم يصل منها سوى إنجيل برنابا والإنجيل الأغنسطي، وثلاث قصاصات من إنجيل مريم وبعض شرائح لاتينية وإغريقية وقبطية من إنجيل برثولماوس وإنجيل نيقوديموس، كما عثر أخيراً في نجع حمادي بمصر على مقتطفات من إنجيل بطرس وكتاب أعمال يوحنا.

                        ولعل أهم ما وجد في نجع حمادي مائة وأربعة عشر قولاً منسوباً للمسيح في إنجيل توما الذي يختلف أسلوبه عن الأناجيل الأربعة، إذ لم يسرد قصة المسيح، بل نقل أقواله، ويرجع المحقق كويستر هذا الإنجيل إلى منتصف القرن الأول الميلادي، وأرجعه كيسيبل إلى 140م.

                        وعثر أيضاً على إنجيل " الحقيقة " والذي اعتبره ايرينوس (180م ) إنجيلاً مزوراً

                        ثالثاً: الأدلة التاريخية على وجود هذه الأناجيل

                        وللتأكيد على وجود هذه الأناجيل في القرن الأول وحتى قبل كتابة الإنجيليين الأربعة لأناجيلهم نتذكر ما سطره لوقا في مقدمته " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا.. رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمتَ به " ( لوقا 1/1 - 4 )، فقد كان بين يديه مجموعة كبيرة من الأناجيل، لا يعلم عددها إلا الله.

                        وقد استشهد كل من كليمنت الرومي ( 97م ) وبوليكارب ( 112م ) بأقوال للمسيح في صيغ مستقلة غير موجودة في الأناجيل الأربعة.

                        وقد جمع فايرسيوس ما تبقى من هذه الأناجيل، وطبعها في ثلاثة مجلدات.

                        مـــلاحظــــات


                        وبادئ ذي بدء فإن المحققين سجلوا حول هذه الأناجيل ملاحظات.

                        -أن ثمة كتب كثيرة ظهرت في القرن الأول، وكلها منسوبة للمسيح وحوارييه.

                        -أن هذه الأناجيل تخالف عقائد مجمع نيقية، وبعضها كان خاصاً بفرق مسيحية موحدة.

                        - أن الكنيسة حين حرمت هذه الأناجيل، لم تقدم أدلة على صحة القرار الذي اتخذته.

                        -أنه كما لا يحق لرجال الكنيسة إعطاء صفة القانونية للأناجيل الأربعة، فإنه لا يحق لهم إبطال صحة هذه الأناجيل واعتبارها أبوكريفا ( مزيفة، خفية ).

                        تعليق

                        • الغدنفر
                          0- عضو حديث
                          • 5 أغس, 2010
                          • 24
                          • محاسب
                          • مسلم

                          #13
                          إنجيل برنابا


                          كثيراً ما يتردد على الألسنة ذكر هذا الإنجيل المثير، والذي ينسب لأحد أخص تلاميذ المسيح، وهو برنابا.

                          وهذا الإنجيل يخالف سائر الأناجيل الأربعة في أمور جوهرية، منها نقضه لدعوى ألوهية المسيح، وتأكيده نجاة المسيح من الصلب، وتنديده ببولس، ورفضه لتبشيره، وكذا تصريحه ببشارة عيسى عليه السلام بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مرات عديدة.

                          من هو برنابا ؟


                          برنابا هو أحد حواريي المسيح، واسمه يوسف بن لاوي بن إبراهيم، يهودي من سبط لاوي من قبرص، باع حقله وجاء ووضعه عند أرجل تلاميذ المسيح. ( انظر أعمال 4/36 – 37 )، عرف بصلاحه وتقواه، ويسميه سفر الأعمال " يوسف الذي دعي من الرسل برنابا " ( أعمال 4/36 ).

                          ولما ادعى بولس أنه رأى المسيح وعاد إلى أورشليم يتقرب إلى التلاميذ تولى برنابا تقديمه إلى التلاميذ
                          ( انظر أعمال 9/27 )، وقد ذهب برنابا للدعوة في أنطاكية وكان داعية ناجحاً "ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب، لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً في الروح القدس والإيمان، فانضم إلى الرب جمع غفير "
                          ( أعمال 11/22 – 24 ).

                          ثم خرج إلى طرسوس ودعا فيها مع شاول ( بولس ) سنة كاملة. (انظر أعمال 11/25 - 26)، ثم تشاجر مع بولس وافترقا. (انظر أعمال 15/29 ) وبعد هذا الشجار اختفى ذكر برنابا من العهد الجديد.

                          وذكر المؤرخون أن وفاته كانت سنة 61م في قبرص، حيث قتله الوثنيون رجماً بالحجارة ودفنه ابن أخته مرقس الإنجيلي.

                          ثبوت وجود رسائل وإنجيل منسوب لبرنابا


                          وتنسب المصادر التاريخية إلى برنابا إنجيلاً ورسالة وكتاباً عن رحلات وتعاليم الرسل، وقد عثر العالم الألماني تشندروف ( 1859 م ) على رسالة برنابا ضمن المخطوطة السينائية التي عثر عليها، مما يشير إلى اعتبارها رسالة مقدسة فترة من الزمن.

                          لكن أياً من رسائله وكتاباته لم تعتبر مقدسة، وهنا نعجب كيف اعتبرت رسائل بولس ولوقا اللذين لم يريا المسيح؟ ولم تعتبر أقوال برنابا الذي سبقهم بالإيمان وبصحبة المسيح ‍‍!!

                          وقد صدر عام 366م أمر من البابا دماسس بعدم مطالعة إنجيل برنابا، ومثله مجلس الكنائس الغربية عام 382م، كما صدر مثله عن البابا أنوسنت 465م، كما وقد حرّم البابا جلاسيوس الأول عام 492م مطالعة بعض الأناجيل، فكان منها إنجيل برنابا.

                          العثور على نسخة من إنجيل برنابا


                          واختفى ذكر إنجيل برنابا قروناً طويلة حتى عثر الراهب الإيطالي فرامينو في أواخر القرن السادس عشر على نسخة منه في مكتبة البابا سكتس الخامس في الفاتيكان، فأخفاها، وخرج بها ثم أسلم، وانقطع ذكر هذه النسخة.

                          وفي عام 1709م عثر كريمر أحد مستشاري ملك روسيا على النسخة الوحيدة الموجودة اليوم من إنجيل برنابا والتي استقرت عام 1738م في البلاط الملكي في فيينا، وتقع في 225 صحيفة سميكة مجلة بصحيفتين ومكتوبة بالإيطالية.

                          وقد ترجمت إلى العربية في مطلع هذا القرن على يد الأستاذ خليل سعادة، وقدم للترجمة بمقدمة نستعين بها في معرفة أصول هذه النسخة، وقد ذكر وجود ترجمة أسبانية تناقلها عدد من المستشرقين في أوائل القرن الثامن عشر، وانتهت إلى يد الدكتور هوايت الذي ذكر بأنها مترجمة عن نسخة البلاط الملكي الإيطالية، وأن مترجمها للأسبانية مسلم يدعى مصطفى العرندي، واختفت هذه النسخة المترجمة عند الدكتور هوايت.

                          فمن هو كاتب نسخة البلاط الملكي الوحيدة ؟ ومن هو كاتب الإنجيل ؟

                          وصف المخطوطة الوحيدة لإنجيل برنابا


                          أما بخصوص النسخة الوحيدة فإنها كما يصفها خليل سعادة مجلدة بصحيفتين عليهما نقوش ذهبية..ويرى المحققون أن ناسخ هذه المخطوطة من أهالي البندقية في القرن 15 - 16 أو أوائل القرن السابع عشر، وأنه أخذها من نسخة توسكانية أو بلغة البندقية، وتطرقت إليها اصطلاحات توسكانية.

                          ويذهب الكاتبان " لو تسدال " و " لو راواغ " إلى أن النسخ تم عام 1575م تقريباً، وأنه من المحتمل أن يكون الناسخ فرامينو الراهب.

                          ويوجد على هوامش النسخة ألفاظ وجمل عربية، بعضها صحيح العبارة، وبعضها ركيك لا يتصور سعادة أن " يفعله كاتب عربي تحت الشمس ".

                          ويرجح سعادة أن الكاتب لهذه الهوامش واحد، وأنه عربي، وأن الناسخ بدل وغيّر في النسخة، فنتج هذا الاضطراب في العبارات العربية، ويجزم سعادة أن هذه النسخة نسخة منقولة عن أصل آخر لها.

                          موقف المسلمين من إنجيل برنابا وعلاقتهم بتأليفه


                          وبخصوص كاتب الإنجيل، أراد النصارى إلصاق هذا الإنجيل بالمسلمين، من غير أن يكون لديهم دليل واحد يثبت ذلك، أو يحدد اسم هذا المسلم الألمعي العارف باليهودية وكتبها.

                          وبعد قراءة سعادة للإنجيل رجح - من غير أن يقدم أدلة شافية - أن كاتبه " يهودي أندلسي اعتنق الدين الإسلامي بعد تنصره واطلاعه على أناجيل النصارى، وعندي (أي سعادة) أن هذا الحل هو أقرب إلى الصواب من غيره ".

                          واستند في زعمه إلى أمور :

                          1) أن للكاتب إلماماً عجيباً بأسفار العهد القديم " لاتكاد تجد له مثيلاً بين طوائف النصارى إلا في أفراد قليلين من الأخصائيين... والمعروف أن كثيرين من يهود الأندلس كانوا يضلعون بالعربية .. فيكون مثلهم في الإطلاع على القرآن والأحاديث النبوية ".

                          2) أن الإنجيل يؤكد على أهمية الختان وغيره من الأحكام التوراتية، وفيه من الكلام الجارح ما يستحيل صدوره من نصراني، كما يتضمن تقاليد تلمودية يتعذر على غير اليهودي معرفتها.

                          ويتضمن أيضاً أساطير وقصص عربية مما يتناقله العامة في البيئة العربية، فدل ذلك على أنه يعيش في البيئة العربية.

                          3) أن هذا الإنجيل يوافق القرآن والسنة في مواضع عدة أهمها إنكار ألوهية المسيح أو أنه ابن الله، وإنكار صلب المسيح، والقول بصلب يهوذا، وكذا يصرح الإنجيل، كما يؤكد على أن الذبيح إسماعيل لا إسحاق، ويذكر أن محمداً رسول الله هو المسيّا المنتظر في أكثر من موضع.

                          4) أن هذا الإنجيل يباين الأناجيل الأربعة بما فيه من أدب راقٍ ومسائل فلسفية وعلمية.

                          واستدل لذلك بما في الإنجيل من مباحث فلسفية تشبه فلسفة أرسطو طاليس التي كانت شائعة في القرون الوسطى، كما يحوي الإنجيل تشبيهات واستعارات أدبية تشبه ما نقل عن الشاعر دانتي في العصور الوسطى.

                          والنتيجة: أن النصارى لا يعترفون بصحة نسبة الإنجيل لبرنابا، ويؤكدون أنه منحول، وأن كاتبه مسلم في القرون الوسطى.

                          وقد صدرت في ذلك كتابات نصرانية أكدت أن الإنجيل مزور مستدلة بما سبق وبأمور أخرى أقل أهمية مثل مخالفة الإنجيل لبعض حقائق الجغرافيا والتاريخ، وأيضاً أنه حوى أموراً تكذبه بها الأناجيل الأربعة ومنها قوله: " أن الله اعتبر الكذب في سبيل الحمد فضيلة " ( برنابا 161/60 )، ومنها أن قوله بصلب يهوذا بدلاً عن المسيح فكرة غير ناضجة، لأن الله لو أراد إنقاذ المسيح لأنقذه بمعجزة، وليس عن طريق الغش والخداع الذي يلجأ إليه الضعفاء.

                          موقف علماء الإسلام من إنجيل برنابا


                          على الرغم من موافقة إنجيل برنابا لمعتقدات المسلمين في الجملة، فإن أحداً من المسلمين لا يعتبره الإنجيل الذي أنزله الله على المسيح..

                          ولم يلجأ المسلمون إلى الاستشهاد بهذا الإنجيل إلا نادراً، وكان استشهادهم به أقرب إلى الاستئناس منه إلى الاستدلال، فالمسلمون لا يرون في هذا الإنجيل إنجيل المسيح، لكنه أقرب إلى طبيعة دعوة المسيح وتلاميذه من سائر الأناجيل.

                          ورفض المسلمون نسبة هذا الإنجيل إلى المسلمين، فلقد وُجد في بيئة مسيحية صرفة كما سبق بيانه، وقد سبق ذكره قبل الإسلام بقرون عدة، مما يدل على براءة المسلمين منه.

                          وأما التعليقات العربية الموجود على نسخته الإيطالية فهي من عمل الناسخ عن الأصل أو قارئ للنسخة لا يجيد العربية، ولعله فرامينو الراهب الذي أسلم، وتكون حينذاك هذه النسخة هي التي عثر عليها في مكتبة البابا.

                          ثم من ذا المسلم الذي سيؤلف هذا الإنجيل، ولا يستشهد به هو ولا من بعده في مناظرة النصارى؟ وكيف له أن يوصله إلى مكتبة البابا بالفاتيكان؟ فجهل المسلمين به وعدم استشهادهم به دليل براءتهم منه.

                          وأما تصريحه باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم واعتباره دليلاً على أنه من وضع المسلمين، وأن المؤلف المنتحل - كما يقول سعادة – "بالغ وجاوز في الغرض، ولو أشار من غير تصريح باسم النبي لكان ذلك أبلغ".

                          فهذا نراه دليلاً على صحة نسبة الإنجيل وبراءة المسلمين منه، إذ لا يمكن أن يفوت كاتب الإنجيل - وهو الذي يصفه سعادة بالذكاء البارع - مثل هذا الأمر، فلو كان منتحلاً لأشار للنبي ولم يصرح باسمه، فتصريح صاحب الإنجيل باسمه عليه الصلاة والسلام مع ذكائه وبراعته دليل أصالته.

                          وأما تكذيب الإنجيل لألوهية المسيح، وتشنيعه الشديد على من ترك الختان فهو دليل على نصرانية كاتبه لا يهوديته، إذ ترك الختان ليس من دين المسيح، بل هو من تغيير بولس بعد المسيح، ومثله القول بألوهية المسيح.

                          وقد كتب برنابا إنجيله ليكشف ما صنعه بولس كما جاء في مقدمته " إن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر الله به دائماً مجوزين كل لحم نجس، الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم معه إلا مع الأسى، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته..." (برنابا: مقدمة /2 - 8 ).

                          مخالفة الإنجيل لمعتقدات المسلمين


                          ومما يدل على براءة المسلمين من هذا الإنجيل اختلافه في طريقة صياغته وأسلوبه عن طريقة العرب وأسلوبهم، فليس في المسلمين من يذكر الله ولا يثني عليه. أو يذكر الأنبياء ولا يصلي عليهم.

                          كما يخالف إنجيل برنابا المعتقدات الإسلامية في مسائل منها قوله بأن الجحيم للخطاة السبعة: المتكبر والحسود والطماع والزاني والكسلان والنَهِم والغضِب المستشيط، ( انظر برنابا 135/4 - 44 ) وقد ترك ذنوباً أكبر كالشرك والقتل، كما أن الكسِل والنهِم لا يستحقان النار.

                          ومثله قوله: " دعوا الخوف للذي لم يقطع غرلته، لأنه محروم من الفردوس " ( برنابا 23/17 )، فمثل هذا لا يوافقه عليه مسلم.

                          ومثله تسمية الله " العجيب " ( برنابا 216/3 )، وهو ليس من أسماء الله الحسنى، وأسماء الله عند المسلمين توقيفية، لا يجوز لأحد أن يزيد عليها.

                          وكذا قوله عن الله: " إن الله روح " ( برنابا 82/6 ) والأرواح عندنا مخلوقة.

                          ويتحدث عن الله، فيصفه أنه " المبارَك " ( برنابا 71/16 )، ولا يمكن لمسلم أن يقول عن الله ذلك، إذ هو الذي يبارِك، ومن ذا الذي يبارك الله جل وعلا !!! فتبارك الله أحسن الخالقين.

                          ومما يرد أيضاً انتحال مسلم لإنجيل برنابا قوله: " أقول لكم إذاً: إن السماوات تسع " ( برنابا 105/3)، ولا يقول بهذا مسلم قرأ القرآن.

                          وأيضاً يذكر برنابا تسميات للملائكة لم يقل بها المسلمون، وفي ذلك ذكر اسم رفائيل وأوريل في قوله: " أمر جبريل وميخائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم … فجاء الملائكة الأطهار "(برنابا215/4-5 )

                          ثم قد ورد اسم الرسول " محمد " خمس عشرة مرة في إنجيل برنابا، ولم يرد اسمه " أحمد " مرة واحدة، ولو كان الكاتب مسلماً لعمد إلى كتابته - ولو مرة واحدة ليحقق التوافق الحرفي مع ما جاء في سورة الصف { ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } (الصف: 6).

                          ثم لو كان كاتبه مسلماً لكتب معجزة كلام المسيح في المهد التي ذكرها القرآن وأغفلتها الأناجيل، وغير ذلك من المسائل التي تثور في وجه من يقول بانتحال مسلم لهذا الإنجيل.

                          وحين يدفع المسلمون القول بأن إنجيل برنابا منحول، ليس لجزمهم بصحة نسبة الإنجيل إلى برنابا، بل لجزمهم بأن هذا الإنجيل لا يقل حاله بحال من الأحوال عن سائر أسفار العهد القديم والجديد.

                          ويوافق المسلمون النصارى في اعتراضهم على هذا الإنجيل، ودعواهم بأنه لم يصل بطريق موثق، وأنه لا يعلم أصله، لكن الحال الذي ينكرونه في إنجيل برنابا هو حال كل صحيفة من صحائف الكتاب المقدس.

                          بل إن لإنجيل برنابا مزية على سائر الأناجيل، فقد صرح فيه الكاتب أنه برنابا، ويقول عن نفسه في سائر صفحات الإنجيل: فقال لي برنابا، وقلت للمسيح....، بينما لا تجد مثله في سائر الأناجيل ( انظر متى 9/9 ) و( يوحنا 21/24 ).

                          وأما عن أخطاء الإنجيل التاريخية أو ذكره تسمية "جبل طابور" ( برنابا 42/20 ) وهي تسمية غير معهودة أيام المسيح، فهذا لا يختلف أبداً عن ذكر حبرون في عهد موسى، وقد سميت بعده ( انظر التكوين 13/18 ).

                          ولعل هذه التسمية الجديدة - إن صحت جدتها - من عمل الناسخ وتدخله في النص.

                          ثم إن أسلوب الكاتب ومعلومات الإنجيل يؤكدان بأن الكاتب ضليع في علوم الكتاب المقدس، متصف بعمق واسع يليق ببرنابا داعية النصرانية في الجيل الأول، فليس بمستغرب أن يكون قد كتب إنجيلاً، ومنع قراءته دليل وجوده بل واشتهاره.

                          وأما مخالفة الإنجيل للحقائق التاريخية فلكونه عملاً بشرياً، ولا حرج في ذلك، إذ أن النصارى ينسبون مثل هذه المخالفات إلى أسفار الوحي.

                          وقول برنابا: " الكذب فضيلة " لا يختلف كثيراً عن قول بولس عن نفسه بأنه روماني كذباً (انظر أعمال 23/25)، ثم قوله: " فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده " ( رومية 3/7 )، فصدور هذا الاعتراض من النصارى لا يقبل.

                          وأما التشابه بين أقوال الشاعر دانتي وإنجيل برنابا فهو لا يعني جزماً بأن كاتب الإنجيل كان بعد دانتي، بل قد يكون دانتي هو المستفيد من برنابا.

                          ثم إن التشابه لا يعني بالضرورة نقل اللاحق عن السابق دائماً، وإلا لزم أن نقول بأن أسفار التوارة التشريعية منقولة عن قوانين حمورابي للتشابه الكبير بينهما.

                          وأخيراً، فإنه لو كان كاتب الإنجيل في العصور الوسطى لما وقع بتلك الأخطاء في الإحالة إلى أسفار التوارة، ولكان أيضاً قد اهتم بالتنديد بالأناجيل الأخرى، ولكنه لم يصنع لسبب بسيط، وهو أنه كتب إنجيله قبل انتشار هذه الأناجيل.

                          ولو كان الإنجيل منحولاً لندد مؤلفه بالتثليث وكتب في إبطاله، لكنه لم يتحدث عنه، فدل ذلك على أن زمن الكتابة سابق على دعوى التثليث التي ظهرت في القرن الميلادي الرابع.

                          وهكذا نرى أن إنجيل برنابا لا يختلف من ناحية الإسناد كثيراً عن الأناجيل الأربعة، لكنه الإنجيل الوحيد الذي صرح فيه كاتبه باسمه وبأنه شاهد لما يكتب، وأما متنه فكان أكثر اتساقاً من جميع الأناجيل، متميزاً بترابطه وجمال أسلوبه ومعرفته الكبيرة بالعهد القديم وأسفاره، وهو ما يليق حقاً بداعية النصرانية في الصدر الأول : برنابا.

                          وقد كانت مضامين هذا الإنجيل متفقة إلى حد بعيد مع ما يعهد في رسالات الله إلى أنبيائه، وحُقَّ لتولاند 1718م في كتابه " الناصري " أن يقول عند ظهور هذا الإنجيل : " أقول على النصرانية السلام ". وكذا قوله: " إن مد النصرانية قد وقف من ذلك اليوم.. إن المسيحية ستتلاشى تدريجياً حتى تنمحي من الوجود ".

                          تعليق

                          • الغدنفر
                            0- عضو حديث
                            • 5 أغس, 2010
                            • 24
                            • محاسب
                            • مسلم

                            #14
                            أغلاط الأناجيل


                            وكأي جهد بشري معرض للخطأ، فإن الأناجيل كذلك تمتلئ بالأغلاط التي يكذبها التاريخ والواقع، وثبوت الغلط في الكتاب يحيل قداسته، ويحيل دعوى إلهامه إلى سراب.

                            والأغلاط في الأناجيل كثيرة، وهي على أنواع فمنها ما تشهد عليه الأسفار المقدسة بالخطأ أو الكذب، ومنها ما يشهد عليه العقل، ومنها ما يشهد عليه التاريخ والواقع.

                            الأغلاط بشهادة الكتب المقدسة

                            أين هذه النصوص من تعظيم الله ورسله!

                            يتحدث سفر الرؤيا، رؤيا يوحنا اللاهوتي عن رؤيته للأقنوم الثاني لله، أي الله الابن، وهو جالس على عرشه على صورة خروف له سبعة قرون وسبع أعين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، يقول يوحنا: " ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة، وفي وسط الشيوخ خروف قائم، كأنه مذبوح له، سبعة قرون وسبع أعين، هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض" (الرؤيا 5/6-8).

                            ويمضي النص فيقول متحدثاً عن القائمين أمامه: " هم أمام عرش الله، ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحرّ، لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم، ويقتادهم إلى ينابيع ماء حيّة، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم..." (الرؤيا 7/15-18).

                            ويفصح النص عن ماهية الجالس على العرش على صورة الخروف، إنه الله الابن، الأقنوم الثاني للإله الواحد المتعدد الأقانيم، فيقول: "هؤلاء سيحاربون الخروف، والخروف يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون" (الرؤيا 17/14).

                            ويمضي نص يوحنا ليذكر أن الجموع التي كانت أمام العرش كانت تصرخ بخلاص الله والخروف "الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف ومتسربلين بثياب بيض، وفي أيديهم سعف النخل، وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف. وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة وخرّوا أمام العرش على وجوههم وسجدوا للّه قائلين: آمين " (الرؤيا 7/9-12)، فهل الرب محتاج للخلاص؟ وممن ؟ ومن الذي سيخلصه؟ أولا توجد طريقة أفضل للرمز على الإله المعبود؟

                            ويتحدث العهد الجديد عن جهالة لله وضعف، ولكن جهالته أكثر حكمة من الناس، وكذا ضعفه أقوى من الناس، وذلك في قول بولس: "لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كورنثوس (1) 1/25).

                            ولا يقبل بحال أن يقال عن الله العظيم أن له ضعفاً أو جهالة، بل هو القوي العزيز الحكيم العليم.

                            ويتحدث بولس عن سلطان للروح على الله وقدرة على معرفة غيوبه ومكنوناته، فيقول: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (كورنثوس (1) 2/10).

                            و ينال بولس من ناموس الله وكتابه وشريعته، ويحتقره ويصفه بالعتق والشيخوخة، ومثل هذا الموقف لا يكون في كتب الله وما يوحيه إلى الأنبياء والرسل الذين تأتي دعوتهم لتؤكد على تعظيم كتبه ووحيه، يقول بولس: " فإنه يصير إبطال الوصية السابقة ( التوراة وشرائعها) من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً، ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله " (عبرانيين 7/18 - 19 ).

                            ويقول عن التوراة التي أنزلها الله على موسى : " وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال " ( عبرانيين 8/13 ).

                            ويقول: " فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طُلب موضع لثانٍ" ( عبرانيين 8/7 ).

                            هذا ما يقوله بولس عن ناموس الله الذي تصفه المزامير فتقول: "ناموس الرب كامل يرد النفس، شهادات الرب صادقة تصيّر الجاهل حكيماً، وصايا الرب مستقيمة تفرّح القلب، أمر الرب طاهر ينير العينين"
                            (المزمور 19/7-8).

                            وينسب العهد الجديد إلى المسيح سباب إخوانه من الأنبياء وتشبيههم باللصوص والسراق، واتهامهم بعدم الحرص على هداية أقوامهم، فيقول يوحنا: " قال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم... السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك.

                            وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب، فيخطف الذئب الخراف ويبددها" (يوحنا 10/7-12).

                            ومن المحال أن يسطر الله في وحيه مثل هذه الإساءات لمقامه العظيم، وكذا لكتبه ورسله.

                            ضياع نقط بل حروف من الناموس

                            ينسب الإنجيليون في محاولة منهم لتوثيق العهد القديم، ينسبون إلى المسيح أنه قال : "ولكن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس" (لوقا 16/17)، وفي متى أن قال: " فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (متى 5/18)، فهل كان هذا الكلام حقاً أم ضاعت كلمات، بل سطور وأسفار كاملة، فيما لم تزل السماوات والأرض.

                            وقد ذكرت أمثلة كثيرة لتلك المفقودات في الحلقة الأولى من هذه السلسلة، سلسلة الهدى والنور، وأكتفي هنا بعرض ثلاث نماذج فقط، تاركاً للقارئ الكريم أن ينظر في تحقق هذا النص، طالباً منه أن يرى في عدم تحققه دليلاً على أنه ليس من كلام الله ووحيه أو قول المسيح نبيه ، بل هو بعض إضافات كتبها أولئك الكُتاب، ونسبوها زوراً وبهتاناً لوحي الله.

                            فمن شواهد النقص وضياع النقط والحروف من الكتاب ما جاء في سفر الأيام "وبنو عزرة يثر ومرد وعافر ويالون ******، وحبلت بمريم وشماي ويشبح أبي اشتموع" (الأيام (1) 4/17)، ولم يذكر السفر بقية أبناء عزرة، ولا تلك التي حبلت بمريم وأخواتها، واكتفى طابعو الكتاب بوضع خمسة نجوم للتنبيه على وجود سقط في النص. ولرؤية المزيد من نجوم الكتاب المقدس انظر (الأيام (2) 36/23)، و(عزرا 1/3)،
                            و(عزرا 6/5-6)، و(صموئيل (2) 5/8)، و(حزقيال 22/43)، و(الملوك (2) 5/6)، (زكريا 6/15)، وغيرها مما يطول المقام بذكره.

                            ويمتد السقط والضياع في الكتاب ليشمل أسفاراً تحوي الآلاف من النقاط والحروف، كسفر حروب الرب المذكور في سفر العدد، حيث يقول: "لذلك يقال في كتاب حروب الرب واهب في سوفة وأودية أرنون" ( العدد 21/4 )، وهو سفر مفقود.

                            وكذا فقدت آلاف الحروف والنقاط المكونة لسفر أخبار النبي ناثان النبي وسفر أخبار أخيا الشيلوني الضائع وسفر رؤى يعدو، وقد ذكروا في سفر الأيام، في قوله: " هي مكتوبة في أخبار ناثان النبي وفي نبوّة أخيا الشيلوني وفي رؤى يعدو الرائي " (الأيام (2) 9/29 ).

                            ولرؤية المزيد من الأسفار المفقودة انظر ( يشوع 10/13 )، و(صموئيل (2) 1/18)، و( الأيام (1) 29/29)، و(الأيام (2) 12/15)، و(الملوك (1) 4/32 - 13)، وغيرها مما يطول المقام بذكره.

                            وهذه الشهادات جميعاً تشهد بضياع كلمات وحروف من الناموس، فيما تشهد السماوات والأرض وبقاؤهما ببراءة المسيح مما نسبه إليه الإنجيليون من الغلط والوعد الكاذب في هذا النص.

                            زكريا المقتول هو ابن يهوياداع وليس ابن برخيا

                            فمن الأغلاط التي تشهد لها الأسفار المقدسة عند النصارى بالخطأ ما جاء في متى في قوله أن المسيح قال:
                            " كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح " ( متى 23/35 ).

                            وقد غلط متى، إذ المقتول بين الهيكل والمذبح هو زكريا بن يهوياداع، فقد جاء في سفر الأيام " ولبس روح الله زكريا بن يهوياداع الكاهن فوقف فوق الشعب.. ففتنوا عليه، ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب " ( الأيام (2) 24/20 - 21 ).

                            وأما زكريا بن برخيا فهو آخر عاش أيام سبي بابل، وهو من الأنبياء الصغار، وينسب له السفر الذي في التوراة، ويقول عنه قاموس الكتاب المقدس " ويذكر التقليد اليهودي أن زكريا هذا طالت أيامه، وعاش في بلاده، ودفن بجانب حجي الذي كان زميلاً له ".

                            كما يجدر أن ننبه هنا إلى أن لوقا قد نقل قول المسيح الذي ذكره متى، ولكنه لم يخطئ كما أخطأ متى، فقد قال: " من دم هابيل إلى دم زكريا الذي أهلك بين المذبح والبيت " ( لوقا 11/51).

                            إحالة متى الخاطئة إلى سفر إرمياء

                            وفي نبوءة أوردها متى أخطأ وهو ينقل عن التوراة، يقول متى: " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ.. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف.. فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا : لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم، فتشاوروا، واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء.. حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي : وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل، وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب " (متى 27/3 - 10 ).

                            فإحالته إلى سفر إرميا غير صحيحة، إذ لا يوجد شيء من ذلك في إرميا، والصحيح أنه في سفر زكريا : " فقال لي الرب : ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به، فأخذت الثلاثين من الفضة، وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب " ( زكريا 11/12 - 14 ).

                            ويجدر أن ننبه هنا أن القصة في سفر زكريا لا علاقة لها بيهوذا ولا المسيح، إذ الثمن الذي يطلبه زكريا ثمن كريم ، أجرة كهانته، في حين أن الثمن الذي قبضه يهوذا ثمن خيانة ولؤم.

                            أصحاب داود لم يأكلوا خبز التقدمة في عهد الكاهن أخيمالك

                            وأخطأ كاتب إنجيل مرقس مرتين وهو يتحدث عما فعله داود عندما جاع فأكل من خبز التقدمة الذي لا يجوز أكله إلا للكهنة فقال: " أما قرأتم قط ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه، كيف دخل بيت الله في أيام أبياثار رئيس الكهنة، وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل إلا للكهنة، وأعطى الذين معه"(مرقس2/25- 26 ).

                            وقوله: " الذين كانوا معه " خطأ ولا محالة، لأن داود كان حين ذهب إلى رئيس الكهنة كان وحيداً فاراً من وجه شاول، كما في سفر صموئيل وفيه " فجاء داود إلى نوب إلى أخيمالك الكاهن، فاضطرب أخيمالك عند لقاء داود، وقال له : لماذا أنت وحدك وليس معك أحد... يوجد خبر مقدس... "( صموئيل (1) 21/1 - 4 ).

                            والخطأ الثاني الذي وقع فيه مرقس حينما سمى رئيس الكهنة أبياثار، وفي صموئيل أن رئيس الكهنة يومذاك هو أبوه، أخيمالك الذي قتله شاول، لأنه أعطى الخبز المقدس لداود. ( انظر صموئيل (1) 22/20 - 23 ).

                            وينبه محررو الكتاب المقدس إلى أن أبياثار هرب بعدها إلى داود مع صادوق رئيس الكهنة بعد مقتل أبيه أخيمالك.

                            وقد اعترف بهذا الغلط وارد الكاثوليكي في كتابه " الأغلاط "، وقال نقلاً عن مستر جوويل أنه كتب: غلط مرقس، فكتب أبياثار موضع أخيمالك.

                            الثناء على يهوذا الخائن

                            وفي أثناء حديث الإنجيليين عن التلاميذ فإنهم يذكرون الاثني عشر بخير، وينسون أن فيهم يهوذا الخائن، ولربما ذكروا حوادث حصلت بعد موته، فذكروه فيها.

                            ومن ذلك قول متى أن المسيح قال لتلاميذه الإثني عشر: " الحق أقول لكم : إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر " ( متى 19/28 ).

                            ولم يستثنِ متى يهوذا الخائن الذي يقول عنه ناقلاً عن المسيح: " ويل لذلك الرجل.. خيراً لذلك الرجل لو لم يولد " ( متى 26/24 )، وقد تنبه لوقا لخطأ متى، فلم يقع فيه، ولم يذكر عدد الكراسي. ( انظر : لوقا 22/28 - 29 ).

                            وهذا الخطأ وقع به بولس وهو يتحدث عن قيامة المسيح والتي يفترض أنها بعد وفاة يهوذا بأيام وقبل انتخاب البديل عنه ميتاس ( انظر أعمال 1/26 )، فقال بولس: " قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للاثني عشر، وبعد ذلك ظهر لأكثر من خمسمائة أخ " (كورنثوس (1) 15/4 - 6).

                            وقد تنبه للخطأ كاتب مرقس وهو يروي ذات القصة، فقال: " ثم ظهر للأحد عشر.. " (مرقس 16/14 ).

                            مدة مكث المسيح في بطن الأرض ليست ثلاثة أيام وثلاث ليال

                            ومن الأغلاط ما ذكره متى عن مكث ابن الإنسان (المسيح) في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال، حيث يقول: " أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين: يا معلّم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي، لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (متى 12/38 - 40 ).

                            ومن المعلوم في الأناجيل أن المسيح صلب يوم الجمعة، ودفن ليلة السبت، وخرج من قبره قبل فجر الأحد، أي لم يمكث في القبر سوى ليلة السبت ويوم السبت وليلة الأحد. وهو ما يعدل ليلتين ويوم، وليس ثلاثة أيام وثلاث ليال، كما أخبر متى.

                            وقد اعترف بالسي وشلز أن متى قد غلط، وزعم أنه أخطأ في فهم كلام المسيح، فهذا التفسير بالبقاء ثلاثة أيام وثلاث ليال في الأرض كان من جانبه، وأما مقصود المسيح فهو : " أن أهل نينوي كما آمنوا بسماع الوعظ وما طلبوا معجزة، كذلك فليرضَ الناس مني بسماع الوعظ".

                            وأرى أن هذا الاعتذار لا يقبل، لأنه قد جاء مثل هذا القول عند غير متى، ففي يوحنا قال لهم: " انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه "، فلم يفهم اليهود كلامه، وظنوه يتحدث عن هيكل سليمان " وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده، فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا" (يوحنا 2/19 - 24 )، ولكنه قد قام في اليوم الثاني، وبعد مضي ليلتين فقط.

                            وقال لوقا : " إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة، ويصلب، وفي اليوم الثالث يقوم "
                            ( لوقا 24/7 )، وفي مرقس " ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " ( مرقس 10/32)، وقيامته هي القيامة من الموت، وقد قام في اليوم الثاني من الموت المزعوم.

                            أغلاط بشهادة الواقع


                            العودة القريبة للمسيح والنهاية السريعة للدنيا

                            وثمة نصوص أخرى كثيرة غلط فيها الإنجيليون بشهادة الواقع والتاريخ، ومن مثل ذلك ما جاء في إنجيل متى عن القيامة القريبة التي تقترن بعودة المسيح القريبة، والتي حددها المسيح كما يزعمون بأنها قبيل انقضاء جيله، وعليه طلب إلى تلاميذه أن لا يذهبوا للدعوة في مدن السامريين فإن القيامة دون ذلك.

                            وقد قارب مجموع النصوص التي تحدثت عن عودة المسيح والقيامة العشرة، أهمها : " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله، الحق أقول لكم: إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته " ( متى 16/27 - 28 ).

                            ويقول أيضاً : " متى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم : لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان " ( متى 10/23 ).

                            وفي سفر الرؤيا يقول: " ها أنا آتي سريعاً " ( الرؤيا 3/11 ).

                            ويقول يعقوب: " أيها الإخوة،.. فتأنوا أنتم، وثبتوا قلوبكم، لأن مجيء الرب قد اقترب" (يعقوب 5/8).

                            ويقول بطرس: "وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت " (بطرس (1) 4/7).

                            وتحدث متى عما يرافق عودة المسيح من أحداث " وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين : قل لنا متى يكون هذا ؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟ ".

                            فأجابهم المسيح بذكر علامات كثيرة، ومنها " وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه، والنجوم تسقط من السماء، وقوات السموات تتزعزع. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض، ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير... الحق أقول لكم : لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله، السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول " ( متى 24/3 - 30 ).

                            وقد سيطرة فكرة العودة السريعة والقيامة القريبة على كُتاب الرسائل، ففي رسالة بولس إلى تسالونيكي " إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب " ( تسالونيكي (1) 4/15 ).

                            وفي موضع آخر يقول: " نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور " ( كورنثوس (1) 10/11).

                            وأيضاً يقول: " هو ذا سر أقوله لكم : لا نرقد كلنا (أي لن نموت كلنا)، ولكننا كلنا نتغير في لحظة، في طرفة عين،عند البوق الأخير فإنه سيبوق، فيقام الأموات عديمي فساد،ونحن نتغير"(كورنثوس(1)15/51 - 52 ).

                            فهذه الأقوال وسواها تدل على أن وقوع القيامة وعودة المسيح قبلها، سيحصل في زمن الجيل الأول، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وقد مرت قرون طويلة متطاولة دون تحققه ، فدل ذلك على أن هذه النبوءات من الغلط الذي وقع به الإنجيليون.

                            ويبدو أن المسيح أبلغ أصحابه بنزوله من السماء قبيل يوم القيامة، وذكر لهم بعضاً من الأمور التي تحدث قبله، وطرأ الغلط والتحريف من قولهم بأن ذلك سيكون في زمن الجيل الأول.

                            ويتهرب المفسر بنيامين بنكرتن من هذه النصوص الواضحة الدلالة فيقول: " إن المراد من إتيان المسيح في ملكوته هو معجزة التجلي الآتي ذكرها.. وإن القوم هم بطرس ويوحنا ويعقوب " أي أن تفسير هذه النصوص هو القيامة المزعومة للمسيح بعد موته بثلاثة أيام.

                            ولكن كلام المفسر من العبث، إذ النصوص تتحدث عن إتيان للمسيح فوق السحاب يرافقه مجد الله، بينما كان المسيح عند عودته بعد الصلب المزعوم متخفياً. ثم هل كان المسيح يخبر تلاميذه عن أمر سيحصل قبل أن ينتهي الجيل، وقبل أن يكملوا التبشير في مدن اليهودية، هل كان يحدثهم عما سيحصل بعد أسبوع ‍‍‍!!!

                            ثم ماذا عن النصوص التي قالها بولس وغيره بعد القيامة؟ وأين العلامات التي رافقت مجيء المسيح.

                            معجزات المؤمنين

                            ومن النصوص أيضاً التي تثبت شهادة الواقع خطأ الإنجيليين فيها ، لأن المسيح لا يكذب، ولا يمكن أن يقول ما نسب إليه فيها، إذ هو من الخطأ البيّن.

                            من ذلك ما جاء في خاتمة مرقس، ففيها أن المسيح ظهر لتلاميذه بعد الصلب وقال لهم: "وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيّات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى، فيبرؤون " ( مرقس 16/17 - 18 ).

                            وقريباً من هذا المعنى يقول مرقس بأن المسيح قال لتلاميذه: " ليكن لكم إيمان بالله، لأني الحق أقول لكم : إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر، ولا يشك في قلبه بل يؤمن، إن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له " ( مرقس 11/22 - 23 ).

                            وفي إنجيل متى: " وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه " ( متى 21/22 ).

                            وينقل يوحنا على لسان المسيح أنه قال: " الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها" ( يوحنا 14/12 )، فكل مؤمن يستطيع صنع المعجزات الباهرة التي صنعها المسيح من إحياء للموتى وشفاء للمرضى، والتجربة خير برهان!

                            أما أولئك الذي يعجزون عن فعل المعجزات ممن يؤمن بقدسية هذا النص، فهؤلاء لا إيمان لهم، إذ يحكى متى عن تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد ليسألوه عن سبب إخفاقهم في شفاء المصروع فأجابهم : " لعدم إيمانكم، فالحق الحق أقول لكم : لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " ( متى 17/20 ).

                            وعليه فكل مؤمن نصراني يستطيع إحياء الموتى وشفاء المرضى وإخراج الشياطين...، وإن لم يصنع ذلك فليس بمؤمن.

                            ويبالغ يوحنا في عرضه للمعجزات التي يتوارثها النصارى عن المسيح، إذ يقول في نص آخر بأن المسيح قال لليهود: " الحق الحق أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد " وفهم اليهود منه موتاً حقيقياً فقالوا: " ألعلك أعظم من أنبياء إبراهيم الذي مات، والأنبياء ماتوا " فلم يتهمهم بسوء الفهم بل قال لهم: " إن كنت أمجد نفسي فليس مجدي شيئاً، أبي هو الذي يمجدني" ( يوحنا 8/51 - 54 ).

                            إذاً هذه النصوص تتحدث عن معجزات يصنعها المؤمنون، فهل تحقق شيء منها ؟

                            هل حقق آباء الكنيسة فضلاً عن بقية المؤمنين أمثال معجزة المسيح أو أفضل منها؟ هل أحيوا موتى؟ هل شفوا مرضى؟ هل أتقنوا لغات عدة وصاروا يتكلمون بألسنة مختلفة؟ أم هم غير مؤمنين فلم تقع منهم هذه المعجزات.

                            ولو كانت هذه النصوص حقاً من أقوال المسيح لما مات بابوات الكنيسة، ولما رأينا القسس يجتهدون في تعلم اللغات للتبشير ثم لا ينجحون، ولو كان حقاً لما مات البابا اسكندر السادس مسموماً !!

                            وفي مناظرة ديدات لكبير قساوسة السويد ستانلي شوبرج وقف واحد من الجمهور، وقرأ على القس شوبرج نص مرقس ( 16/16 - 18)، وطلب إليه إن كان مؤمناً أن يشرب زجاجة سُم رفعها الرجل بيده قائلاً : " اشرب هذا السائل السام المميت ولا تمت، لأن عندك إيمان بألوهية يسوع، وعندك إيمان بصدق ".

                            فتغير وجه شوبرج، وتلعثم في القول، وقال: " إننا لو شربنا شيئاً ساماً لا نموت. إن هذا أمر غريب، أنا مؤمن بالله وبالروح القدس كحقيقة، الروح القدس يخبرنا ماذا سيحدث لنا. لقد قالت لي زوجتي منذ ثلاثين يوماً : يا استانلي كن حذراً، إن شخصاً ما سيغتالك بالسم... أنا أرى الشيطان بداخلك ( للسائل )، أنا لا أريد أن أقوم باستعراض... ". ثم حمل السمّ وصبه في حوض الزرع.

                            ومن الأمور التي ذكرتها الأناجيل أيضاً، ويكذبها واقع الناس ما جاء في مرقس أن بطرس قال للمسيح: " ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فأجاب يسوع وقال: أقول لكم : ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً، مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية " ( مرقس 10/28 - 30 ) ومثله في متى : " يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية " ( متى 19/29 )، وفي لوقا: " يأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة " ( لوقا 18/28 - 30 ).

                            وحار المحققون في فهم كيفية الحصول على هذا التعويض، كيف يمكن للإنسان أن يصبح عنده أمهات وآباء كثر... وإذا فُهم أن الآباء والإخوة والأمهات أمور مجازية، فكيف يفهم تعويض الحقول والزوجات؟ ومتى رأينا ذلك لأحد أولئك الذين يهجرون أوطانهم للتبشير، فيتركون أمهاتهم وأخواتهم وأموالهم، متى أعطوا جزاء في الدنيا مائة ضعف.

                            والنص واضح الدلالة أنه يتحدث عن جزاء دنيوي " مع اضطهادات "، " في هذا الزمان " ثم وعد بالحياة الأبدية في الآخرة.

                            فهذا النص من الكذب، ولو كان حقاً لرأينا الناس يسرعون إلى إجابة هذه الدعوة، ولكشفت التجربة الواقعة منها عن معطيات يستبق الناس إليها ويقتتلون من أجلها.

                            التعويض السريع في الدنيا

                            ومن الأمور التي ذكرتها الأناجيل أيضاً، ويكذبها واقع الناس ما جاء في مرقس أن بطرس قال للمسيح: " ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فأجاب يسوع وقال: أقول لكم : ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً، مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية " ( مرقس 10/28 - 30 ) ومثله في متى : " يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية " ( متى 19/29 )، وفي لوقا: " يأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة " ( لوقا 18/28 - 30 ).

                            وحار المحققون في فهم كيفية الحصول على هذا التعويض، كيف يمكن للإنسان أن يصبح عنده أمهات وآباء كثر... وإذا فُهم أن الآباء والإخوة والأمهات أمور مجازية، فكيف يفهم تعويض الحقول والزوجات؟ ومتى رأينا ذلك لأحد أولئك الذين يهجرون أوطانهم للتبشير، فيتركون أمهاتهم وأخواتهم وأموالهم، متى أعطوا جزاء في الدنيا مائة ضعف.

                            والنص واضح الدلالة أنه يتحدث عن جزاء دنيوي " مع اضطهادات "، " في هذا الزمان " ثم وعد بالحياة الأبدية في الآخرة.

                            فهذا النص من الكذب، ولو كان حقاً لرأينا الناس يسرعون إلى إجابة هذه الدعوة، ولكشفت التجربة الواقعة منها عن معطيات يستبق الناس إليها ويقتتلون من أجلها.

                            الأرض كروية أم مسطحة؟

                            ويتحدث سفر الرؤيا عن الأرض وقد رآها يوحنا مسطحة لها أربع زوايا، ويقف ملَك عند كل زاوية من الزوايا الأربع، يقول يوحنا: "وبعد هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على أربع زوايا الأرض، ممسكين أربع رياح الأرض، لكي لا تهب ريح على الأرض ولا على البحر ولا على شجرة ما" (الرؤيا 7/1)، وقد أعاد يوحنا ذكر زوايا الأرض الأربعة ثانية في قوله: "ثم متى تمت الألف السنة يُحَل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض" (الرؤيا 20/7).

                            وأكد متى هذا التصور للأرض حين تحدث عن تجربة إبليس للمسيح، فعندما أراد أن يريه جميع ممالك الأرض أصعده إلى جبل عال، فرأى جميع العوالم والممالك، " ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها" (متى 4/8).

                            والذي مكنه من رؤيتها علو الجبل الذي صعد عليه، وهذا قد يستقيم فيما لو كانت الأرض مسطحة، لكنه يستحيل مع كرويتها، كما لا يخفى.

                            تعليق

                            • الغدنفر
                              0- عضو حديث
                              • 5 أغس, 2010
                              • 24
                              • محاسب
                              • مسلم

                              #15
                              أغلاط بشهادة العقل


                              كما ثمة أغلاط في الأناجيل يشهد العقل بأنها لا تصدر عن الوحي، لأنه أي العقل يشهد بخطئها وجهل قائلها بقوانين الله في الطبيعة.

                              نجم يتمشى في سماء أورشليم

                              ذكر متى قصة المجوس الذين جاءوا للمسيح عند ولادته وسجدوا له فقال: " ولما ولد يسوع في بيت لحم في أيام هيردوس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين: أين هو المولود ملك اليهود ؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لنسجد له … ذهبوا إذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء، ووقف فوق حيث كان الصبي، فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً..." (متى 2/1-10).

                              فعند عرض القصة على العقل فإنه يرفضها لأمور :

                              -أن متى يتحدث عن نجم يمشي، وحركته - على رغم بعده الهائل - ملحوظة على الأرض تشير إلى بعض أزقة أورشليم دون بعض، ثم إلى بيت من بيوتها، حيث يوجد المسيح، فيتوقف وهو في السماء ،فكيف مشى، وكيف دلهم على البيت، وكيف وقف ؟!! وكيف رأوا ذلك كله ؟ أسئلة ليس لها إجابة.

                              - كيف عرف المجوس خبر المسيح ونجمه وهم لا يعرفون الله؟ وكيف يسجدون لنبي وهم لا يؤمنون بدينه؟ فهذا من الكذب بدليل أن أحداً من قدماء المجوس ومؤرخيهم لم ينقل مثل هذا، وكذلك لم ينقله الإنجيليون الآخرون، ومنهم لوقا الذي تتبع كل شيء بتدقيق.

                              -ثم لماذا تحمل المجوس عناء هذه الرحلة الطويلة؟ هل لمجرد أن يسجدوا بين يديه ويقدموا له الهدايا ثم يعودون!!؟

                              -كما يتحدث النص عن اهتمام الوالي هيرودس بأمر المولود وأنه أضمر قتله، وطلب من المجوس أن يخبروه إذا وجدوا الطفل ليسجد له، ثم أُوحي للمجوس في المنام أن لا يرجعوا لهيرودس، ففعلوا، فلو كان اهتمام هيرودس حقاً لقام معهم إلى بيت لحم وهي على مقربة من أورشليم، أو لأرسل معهم خاصته، إذ الموضوع بالنسبة إليه جِدُّ خطير.

                              وأما ما ذكره متى عن قتل هيرودس للأطفال بعد تواري المجوس قبل أن يقف على الطفل فهذا كذب بدليل أن أحداً من المؤرخين لم يذكره على أهمية هذا الحدث، كما ننبه إلى أن هيرودس الكبير قد مات قبل الميلاد بأربع سنوات كما تذكر ذلك كافة المصادر التاريخية.

                              الركوب على الجحش والأتان معاً

                              ومما يكذبه العقل ولا يتصوره ما ذكره متى عند حديثه عن دخول المسيح أورشليم فقال: "وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس ( أي المسيح ) عليهما " ( متى 21/7 ) فجلوس المسيح على الجحش والأتان معاً لا يتصوره العقل.

                              وهو غلط وكذب أراد متى من خلاله أن يحقق نبوءة توراتية " فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان" (متى 21/4-5).

                              عجائب متى عند موت المصلوب

                              ومثله يرفض العقل ما حكاه متى من عجائب حصلت عند موت المسيح يقول: " وأسلم الروح، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين "
                              ( متى 27/51 - 54 ).

                              والقصة من الغلط بل والكذب، إذ لم يعهد مثل هذه العودة للقديسين والراقدين، ولم يعهد أن عاد هؤلاء أو غيرهم من الموت.

                              ثم ماذا بعد العودة هل تزوجوا؟ وهل عادوا لبيوتهم؟ أم ماتوا بعدها؟ أم..، ثم ماذا كانت ردة فعل اليهود وبيلاطس والتلاميذ أمام هذا الحدث العظيم؟

                              الإجابة : لا شيء. إذ لم يذكر شيء عند متى ولا عند غيره ممن لم يذكر هذه العجائب، ولو كانت حقاً لسارت في خبرها الركبان، ولآمن الناس بالمسيح حينذاك، يقول الأب كننغسر : يجب الامتناع عن الهزأ
                              (أي بمثل هذه الأخبار )، لأن نية متى كانت محترمة جداً، إنه يدمج المعطيات القديمة للرواية الشفهية مع مؤلَفه، ولكن يبقى إخراجه لائقاً بعيسى، المسيح النجم.

                              وقال نورتن الملقب بحامي الإنجيل :" هذه الحكاية كاذبة، والغالب أن أمثال هذه الحكايات كانت رائجة عند اليهود بعد ما صارت أورشليم خراباً، فلعل أحداً كتب في حاشية النسخة العبرانية لإنجيل متى، وأدخلها الكاتب في المتن، وهذا المتن وقع في يد المترجم، فترجمها على حسبه".

                              ونقول ما قاله العلامة أبو زهرة: " لعل كثيراً مما في المتن أصله في الحاشية ثم نقل خطأ في المتن"، فكيف يتسنى لنا بيان هذا الزائف وإخراجه من الكتاب؟

                              كيف اختفت هذه الأغلاط وغيرها عن أعين النصارى


                              لقد بقيت هذه الأغلاط وغيرها حبيسة دفتي الكتاب المقدس قروناً طويلة، بقي خلالها الكتاب المقدس حكراً على رجالات الكنيسة بعيداً عن أيدي العامة.

                              ولما ظهرت الطباعة وانتشرت نسخ الكتاب المقدس في القرن السادس عشر أكد آباء الكنيسة أن شرح الأناجيل وفهم ما فيها هو من اختصاص البابا الذي يُعينه في ذلك روح القدس.

                              بيد أن مارتن لوثر وأتباعه رفضوا هذه الخصوصية للكنيسة، وطالبوا بأن يكون حق قراءة وفهم الكتاب المقدس لكل أحد، فانعقد مجمع تريدنت نوتردام في 1542 - 1563م للرد على دعوة لوثر.

                              وكان من قراراته : " إذا كان ظاهراً من التجربة أنه إذا كان الجميع يقرؤون في الكتب باللفظ الدارج، فالشر الناتج من ذلك أكثر من الخير، فلأجل هذا ليكن للأسقف أو القاضي في بيت التفتيش سلطان حسب تميزه بمشورة القس أو معلم الاعتراف ليأذن في قراءة الكتاب باللفظ الدارج لأولئك الذين يظنون أنهم يستفيدون، ويجب أن يكون الكتاب مستخرجاً من معلم كاثوليكي، والإذن المعطى بخط اليد، وإن كان أحد بدون الإذن يتجاسر أن يتجرأ أو يأخذ هذا الكتاب فلا يسمح له بحل خطيئته حتى يرد الكتاب إلى الحاكم ".

                              ويبدو في قرار المجمع هروب وهلع من اكتشاف العامة لأغلاط الكتاب المقدس وما فيه من المفاسد، وهو ما يؤكده بعض المحققين، حين يربطون بين الإلحاد الذي شاع في أوربا وانتشار نسخ الكتاب المقدس وإطلاع العامة على ما فيه.

                              رأي النصارى في أغلاط الكتاب الأناجيل


                              وبعد : لعل المرء يتساءل ما هو رأي النصارى بأغلاط الأناجيل ؟ وهل يقرونها ؟

                              في الإجابة نقول : لا ريب أن أتباع الكنيسة الذين أغلقوا عقولهم في وجه الحقيقة يرفضون أن يحوي الإنجيل غلطاً، لأن روح القدس لا يغلط، ومن هؤلاء الدكتور القس شروش حيث يقول : " إنا نعلم أن الإنجيل هو وحي الله، لأن التنبؤ بالأحداث قد تم قبل وقوع الأحداث بقرون، إن للإنجيل تأثيره على المجتمعات البشرية طالما تم الإيمان به والعمل بمقتضاه. أكثر من ذلك فإن دقة الإنجيل قد وجدت من يتحداها، ولكنها لم تجد من ينجح في التحدي ".

                              ويقول أيضاً : " إن صحة محتويات الإنجيل قد أثبتتها الوثائق التاريخية والحفريات الأثرية والوثائق القديمة، وتوجد الآن أكثر من خمس وعشرين ألف وثيقة من الوثائق المقدسة بالمتحف البريطاني من أجلكم، لكي تتأكدوا من صحة مشيئة الله ".

                              ولما كانت الحقيقة - بوجود الغلط في الأناجيل والرسائل - ساطعة كالشمس عمل بعض علماء النصرانية على التخلص من هذه الأغلاط بالإقرار بأن الإلهام لم يكن مصاحباً للإنجيليين حال كل كتابة كتبوها، يقول هورن: " إذا قيل إن الكتب المقدسة أوحي بها من عند الله لا يراد أن كل الألفاظ والعبارات من إلهام الله... ولا يتخيل أنهم كانوا يلهمون في كل أمر يبينونه، وفي كل حكم كانوا يحكمون به ".

                              وتقول دائرة المعارف البريطانية: " وقع النزاع في أن كل قول مندرج في الكتب المقدسة هل هو إلهامي أم لا ؟ وكذا كل حال من الحالات المندرجة فيها، فقال جيروم وكثيرون : ليس كل قول إلهامي... الذين قالوا: إن كل قول إلهامي لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة ".

                              وهذا القول يطالب قائلوه بتعيين المواضع غير الإلهامية وإقامة الدليل على خصوصها بعدم الإلهام أو إقامة الدليل على خصوص المواضع التي يقولون بإلهاميتها، وإذا لم يتم ذلك وجب التوقف في شأن الكتب المقدسة، إذ فيها ما هو عمل بشري لا يجوز اعتباره مصدراً دينياً.

                              تناقضات الأناجيل


                              (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (سورة النساء، آية : 82 ).

                              أمثلة التناقض في العهد الجديد


                              ضرب المحققون عشرات الأمثلة لتناقض الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، منها ما يتعلق ببعض الأحداث التي تقصها الأناجيل، ومنها ما يجعل المسيح متناقضاً مع نفسه ومنها على الخصوص تلك التناقضات المتعلقة بروايات حادثة الصلب، ومنها تلك التي خالف فيها الإنجيليون ما في العهد القديم، فبدلوا في رواياته أو أخطئوا، فحصل منهم التناقض:

                              أولاً: تناقضات الإنجيليين في رواياتهم بعض الأحداث

                              نسب المسيح

                              لعل أهم وأصرح تناقضات العهد الجديد تناقض متى ولوقا في نسب يوسف النجار، فقد اختلفا اختلافاً لا يمكن الجمع فيه، كما تناقض لوقا ومتى مع ما جاء في سفر الأيام الأول، وهو يتحدث عن بعض ملوك إسرائيل الذين جعلهم متى من أجداد المسيح.

                              يقول متى: " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق. وإسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا وإخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصورن. وحصرون ولد أرام، وأرام ولد عمينا داب. وعمينا داب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون، وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى، ويس ولد داود الملك.

                              وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا، وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد أبيا. وأبيا ولد آسا. وآسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يورام. ويورام ولد عزيا. وعزيا ولد يوثام. ويوثام ولد أحاز. وأحاز ولد حزقيا. وحزقيا ولد منسي. ومنسي ولد آمون. وآمون ولد يوشيا. ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل.

                              وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتئيل. وشألتئيل ولد زربابل. وزربابل ولد أبيهود. وأبيهود ولد ألياقيم. وألياقيم ولد عازور. وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد أخيم. وأخيم ولد أليود. وأليود ولد أليعازر، وأليعازر ولد متان. ومتان ولد يعقوب. ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع، الذي يدعى المسيح.

                              فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً " ( متى 1/1 - 17 ).

                              لكن لوقا يورد نسباً آخر للمسيح يختلف تمام الاختلاف عما جاء في متى يقول لوقا :" ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف بن هالي، بن منثات بن لاوي بن ملكي بن ينا بن يوسف بن متاثيا ابن عاموص بن ناحون بن حسلي بن نجاي، بن ماث بن متاثيا بن شمعي بن يوسف بن يهوذا، بن يوحنا بن ريسا.

                              ابن زربابل بن شألتئيل بن نيري، بن ملكي بن أدى بن قصم بن ألمودام بن عير، بن يوسي بن أليـعازر بن يوريم بن متثات بن لاوي. بن شمعون بن يوذا بن يوسف بن يونان بن ألياقيم بن مليا بن مينان بن متاثا بن ناثان بن داود.

                              ابن يسى بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عميناداب بن أرام بن حصورن بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح بن ناحور، بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن فينان بن أرفكشاد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشالح بن أخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم ابن الله " ( لوقا 3/23 - 38 ).

                              توقف المحققون ملياً عند التناقض في نسب المسيح، وقد استوقفتهم ملاحظات منها :

                              - أن متى ولوقا اتفقا في ابتداء النسب بيوسف النجار، ثم افترقا ليلتقيا من جديد بزربابل بن شألتئيل، حيث جعله متى الجد العاشر ليوسف، فيما جعله لوقا الجد التاسع عشر ليوسف النجار، ثم اختلف الإنجيليان من جديد اختلافاً كبيراً، فقد جعل متى المسيح من ذرية ملوك بني إسرائيل سليمان ثم رحبعام ثم أبيا ثم آسا ثم يهوشافاط....، بينما يجعله لوقا من نسل ناثان بن داود، وليس في أبنائه من ملك على بني اسرائيل.

                              -ولا يعقل أن يكون المسيح من ذرية أخوين، أي سليمان وناثان ابنا داود عليه السلام، كما لا يعقل أيضاً ذات الأمر بخصوص زربابل وأبوه شألتئيل، فإما أن يكونوا (المسيح وزربابل وشألتئيل) من نسل سليمان أو من ذرية أخيه ناثان.

                              -وأيضاً بلغ الاختلاف بين القوائم الثلاث مدى يستحيل الجمع فيه على صورة من الصور، فالاختلاف في أعداد الأجيال كما الأسماء، وثمة خلل في الأنساب وإسقاط لعدد من الآباء.

                              -وقد حرص متى على تقسيم سلسلة الأنساب التي ذكرها إلى ثلاثة مجموعات في كل منها أربعة عشر أباً فيقول: " فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً " ( متى 1/17 ).

                              لكن متى لم يوف بالأرقام التي ذكرها، إذ لم يذكر بين المسيح والسبي سوى اثني عشر أباً. وقد تصرف متى في المجموعة الثانية، فأسقط عدداً من الأسماء ليحافظ على الرقم 14، فأسقط ما بين يورام وعزيا ثلاثة آباء، هم أخزيا بن يورام وابنه يواشى وابنه أمصيا والد عزيا.

                              ولعل صورة التناقض والتلاعب تتضح إذا تأملنا في الجدول الذي يقارن بين سلسلتي لوقا ومتى، ونضع إلى جوارهما ما جاء في سفر (الأيام (1) 3/10-19)، لنقف على الأسماء التي أسقطها متى، لتنتظم له سلسلته التي أرادها، فقد غيّر في نسب المسيح، لتتناسب وحساباته الخاصة:

                              والسؤال كيف يجمع علماء الكتاب المقدس بين تناقضات أنساب المسيح ؟

                              قال بعضهم: " لا يراد من هذا شجرة نسب كامل، … أسماء قد سقطت من بعض الإنجيليين، وهذا للتوضيح الموصل إلى الرغبة بإثبات سلالة مؤسسة على الصحة التاريخية في خطوطها العريضة أو عناصرها الأساسية ".

                              ولكن بوكاي لا يرى هذا التبرير مقبولاً، لأن النصوص لا تسمح بمثل هذا الافتراض، إذ أن نص التوراة الذي اعتمد عليه الإنجيليون يقول : فلان في عمر كذا أنجب كذا، ثم عاش كذا من السنين، وهكذا فليس ثمة انقطاع.

                              ويقول صاحب كتاب " شمس البر ": "معرفتنا بطريقة تأليف جداول النسب في تلك الأيام قاصرة جداً "، ويعلق بوكاي: " لاشك أن نسب المسيح في الأناجيل قد دفع المعلقين المسيحيين إلى بهلوانيات جدلية متميزة صارخة تكافئ الوهم والهوى عند كل من لوقا ومتى ".

                              لكن النتيجة الخطيرة والمهمة المترتبة على وجود هذا التناقض هي : أن إنجيل متى لم يكن معروفاً للوقا مع أنه قد سبقه بنحو عشرين سنة، ولو كان لوقا يعرفه، أو يعتبره إنجيلاً مقدساً لراجعه ولما خالفه، فدل ذلك على عدم وجود إنجيل متى يومذاك، أو إسقاط الاعتبار له.

                              ثم ماذا عن يوحنا ومرقس لم أهملا نسب المسيح، فلم يذكراه ؟ هل يرجع ذلك لشكهما في صحة متى ولوقا أم خوفاً من سخرية اليهود أم..... ؟

                              أسماء التلاميذ الاثني عشر

                              ومن التناقضات بين الأناجيل أيضاً اختلاف الأناجيل في أسماء التلاميذ الاثني عشر، إذ يقدم العهد الجديد أربع قوائم للتلاميذ الاثني عشر تختلف كل واحدة عن الأخرى، وبيانه :

                              أن أسماء التلاميذ ذكرها متى في إنجيله ( 10/1 - 4 )، ومرقس أيضاً ( انظر 3/16 )، وذكرها لوقا في إنجيله في ( 6/14 ) ثم في أعمال ( 1/13 ).

                              وتتشابه القوائم الأربعة في تسعة أسماء وهي سمعان بطرس، وأخوه اندرواس، ويعقوب بن زبدي، وأخوه يوحنا، وفيلبس، وبرثو لماوس، وتوما، ومتى، ويعقوب بن حلفي.

                              ويتفق متى ومرقس ولوقا على ذكر يهوذا الأسخريوطي، فيما أهمل في أعمال الرسل، وهو ما يمكن أن نعتبره توافقاً، إذ قد أهمل ذكر التلميذ الخائن.

                              وأما الاسمان الباقيان، فتختلف القوائم فيهما اختلافاً بيناً، فيذكر متى ومرقس اسم سمعان القانوي، فيما يذكر لوقا في الإنجيل والأعمال سمعان الغيور.

                              ويذكر متى ومرقس اسم تداوس فيكملان به الاثني عشر، فيما يذكر لوقا في إنجيله وأعمال الرسل يهوذا بن حلفي.

                              وإذا كانت الأناجيل تختلف بأمر بمثل هذه الأهمية والوضوح، فكيف لنا أن نثق بما وراء ذلك من أخبار ووقائع وتفصيلات تعرضها عن حياة المسيح وغيره.

                              هل أوصى المسيح تلاميذه بأخذ العصا أم أوصاهم بتركها؟

                              ومن التناقضات أن مرقس يذكر وصية المسيح لتلاميذه بعد أن أعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة فقال : "وأوصاهم أن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط، لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في المنطقة، بل يكونوا مشدودين بنعال، ولا يلبسوا ثوبين " ( مرقس 6/8 - 9 ).

                              لكن الوصية في لوقا تتفق مع مرقس في أمور وتختلف في أخرى فقد جاء فيها: " وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ويشفوا المرضى، وقال لهم: لا تحملوا شيئاً للطريق، لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً، ولا فضة ولا يكون للواحد ثوبان " ( لوقا 9/2-3). فقد تناقضا في وصية المسيح بخصوص العصا.

                              كما ناقض إنجيلُ متى القديسَ مرقس في حمل العصا والأحذية، إذ نسب للمسيح قوله: "لا تقتنوا ذهباً ولا فضة، ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصا" (متى 10/9-10)، فقد نص متى على منعهم من اقتناء (أي تملك) الأحذية والعصا، مخالفاً ما جاء في إنجيل مرقس.

                              هل حضر القائد إلى المسيح؟

                              ويذكر متى أن المسيح عندما دخل كفر ناحوم " جاء إليه قائد مائة يطلب إليه ويقول : يا سيدي، غلامي مطروح في البيت مفلوجاً متعذباً جداً " ( متى 8/5 - 7 ).

                              ويروي لوقا القصة وذكر بأن القائد لم يأت للمسيح بل " فلما سمع عن يسوع (أي القائد) أرسل إليه شيوخ اليهود يسأله أن يأتي ويشفي عبده، فلما جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد.." (لوقا 7/3 - 4 )، فهل حضر القائد أم لم يحضر.

                              هل سمعوا صوت الله أم أن الله لا يسمع صوته

                              يتحدث يوحنا عن الله الآب فيقول: "والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي، لم تسمعوا صوته قط ولا رأيتم هيئته" (يوحنا 5/37)، وعليه فإن أحداً لم يسمع صوت الله.

                              في حين أن الإنجيليين الثلاثة يتحدثون عن صوت لله سمعه الناس بعد عمادة المسيح على يد يوحنا المعمدان، يقول مرقس: "وكان صوت من السماوات: أنت ابني الحبيب الذي به سررتُ" (مرقس 1/11)، و(انظر متى 17/5، ولوقا 3/22)، فكيف يتحدث الإنجيليون عن صوت الله وهو يبشر بالمسيح في حين أن يوحنا يذكر أن أحداً لم يسمع صوت الله ولم يره؟

                              هل يوحنا المعمدان هو إيلياء؟

                              ويذكر يوحنا أن الكهنة واللاويين أرسلوا إلى يوحنا المعمدان ليسألوه : من أنت ؟ فسألوه وقالوا : " أأنت إيليا ؟ فقال : لست أنا " (يوحنا 1/20 - 22).

                              لكن متى يذكر أن المسيح قال عنه بأنه إيليّا " الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان. ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه.. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليّا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع" ( متى 11/14 ).

                              وفي موضع آخر قال المسيح، وهو يقصد يوحنا : " ولكني أقول لكم : إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا " (مرقس 9/13)، فلزم من هذا التناقض تكذيب أحد النبيين أو تكذيب كتبة الأناجيل، وهو الصحيح.

                              متى يبست التينة؟

                              وتتحدث الأناجيل عن إتيان المسيح شجرة تين، فلما وجدها غير مثمرة دعا عليها قائلاً: " لا تخرج منك ثمرة إلى الأبد، فيبست تلك الشجرة للوقت، فنظر التلاميذ وتعجبوا " ( متى 21/19 – 20 )، إذاً كان يباسها في الحال.

                              وهذا ما يناقضه مرقس، إذ ذكر دعاء المسيح على الشجرة ثم " لما صار المساء خرج إلى خارج المدينة، وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول، فتذكر بطرس، وقال له: يا سيدي، انظر التينة التي لعنتها قد يبست! " ( مرقس 11/19 – 20 )، ومعنى هذا أنها لم تيبس في الحال، كما لم يكتشف التلاميذ يباسها إلا في الغد.

                              أم المجنونة، كنعانية أم فينيقية؟

                              وجاءت المرأة تشكو إلى المسيح مرض ابنتها بالجنون، وهذه المرأة عند متى " كنعانية " ( متى 15/22 )، غير أنها عند مرقس " فينيقية سورية " ( مرقس 7/26 )، فأيهما الصحيح ؟

                              متى حصلت قصة تطييب المرأة لقدمي المسيح؟

                              وتتحدث الأناجيل الأربعة عن قصة المرأة الخاطئة التي دهنت قدمي المسيح بالطيب ومسحت قدميه بشعرها، ويختلف الإنجيليون في تحديد الوقت الذي جرت فيه القصة، فقد جعلها لوقا في أوائل تبشير المسيح، في حين جعلها الآخرون متلازمة مع قصة الصلب، واختلفوا هل كانت قبل الفصح بيومين أم قبله بستة أيام.

                              أما لوقا جعل القصة من أوائل قصص المسيح (انظر لوقا 7/36-50) وإبان حياة يوحنا المعمدان، فقد ذكر لوقا قصة إرسال المعمدان تلاميذه إلى المسيح في نفس الإصحاح (انظر لوقا 7/19-23).

                              لكن مرقس يزعم أن هذه القصة حدثت قبل عيد الفصح بيومين "كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه. ولكنهم قالوا: ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب.... جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن" ( 14/1-4 )، والفصح الذي يتحدث عنه مرقس في أواخر تبشير المسيح، أي العيد الذي حصلت فيه حادثة الصلب.

                              وأما يوحنا فجعل القصة قبل الفصح بستة أيام، بدلاً من يومين، يقول يوحنا: " ثم قبل الفصح بستة أيام.. فأخذت مريم منّاً من طيب ناردين خالص كثير الثمن، ودهنت قدمي يسوع ومسحت " ( 12/1-3)، وهو يتحدث عن ذات الفصح الذي تحدث عنه مرقس، أي الذي سبق أحداث الصلب، فمتى حصلت القصة؟ وهل أخطأ روح القدس في إبلاغ بعضهم؟ أم أن الإنجيليين كانوا هم المخطئين؟

                              هل جرب إبليس المسيح على الجبل أولاً أم في الهيكل؟

                              ويتحدث الإنجيليون عن تجربة إبليس للمسيح في موضعين، أحدهما في القدس عند الهيكل، والثانية عند جبل عال جداً، لكن الإنجيليين يختلفون في ترتيب الحدثين، فمتّى يرى أن تجربة الهيكل أولاً ثم تلته تجربة الجبل، فيقول: "ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل.. ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها" (متى 4/5-8).

                              وهذا الترتيب يخالف فيه لوقا ، والذي يرى أن تجربة الجبل حصلت أولاً "ثم أصعده إبليس إلى جبل عال، وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان. وقال له إبليس: لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهنّ ... ثم جاء به إلى أورشليم، وأقامه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل" (لوقا 4/5-9)، فأي التجربتين كانت أولاً؟ إنها إحدى معضلات العهد الجديد.

                              متى ظهر إيليا وموسى للتلاميذ؟

                              ويتحدث الإنجيليون عن ظهور موسى وإيليا أمام التلاميذ بعد أن ذهبوا مع المسيح إلى جبل للصلاة، وذلك بعد مغادرة المسيح قيصرية بعدة أيام، اختلف الإنجيليون هل كانت ستة أيام أم ثمانية أيام، يقول لوقا: "وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلّي" (لوقا 9/28).

                              ويخالفه متى فيقول: "وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين" (متى 17/1)، فهل كان ظهور موسى وإيليا بعد ستة أيام أم ثمانية؟.

                              أين كانت موعظة المسيح؟

                              ويذكر الإنجيليون موعظة المسيح الطويلة لتلاميذه، والتي عزّى فيها الفقراء والجياع، وتهدد الأغنياء والمتخمين، لكنهم اختلفوا في الموضع الذي كانت فيه الموعظة ، "ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل، فلما جلس تقدم إليه تلاميذه .. " (متى 5/1)، فمتّى يرى أن الموعظة كانت على الجبل.

                              وهو ما يخالفه فيه لوقا، والذي يجعل الموعظة في سهل، لا في الجبل، فيقول: "ونزل معهم، ووقف في موضع سهل هو وجمع من تلاميذه .." (لوقا 6/17).

                              نهاية يهوذا

                              ويتحدث العهد الجديد عن نهايتين مختلفتين للتلميذ الخائن يهوذا الأسخريوطي الذي خان المسيح، وسعى في الدلالة عليه وتسليمه مقابل ثلاثين درهماً من الفضة، فيقول متى: " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلاً: قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا؟ أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه، فأخذ رؤساء الكهنة الفضة، وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم" (متى 27/2-5).

                              ولكن سفر أعمال الرسل يحكي نهاية أخرى ليهوذا وردت في سياق خطبة بطرس، حيث قال: "أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع، إذ كان معدوداً بيننا، وصار له نصيب في هذه الخدمة، فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم" (أعمال 1/16-20).

                              فقد اختلف النصان في جملة من الأمور:

                              -كيفية موت يهوذا، فإما أن يكون قد خنق نفسه ومات " ثم مضى وخنق نفسه"، وإما أن يكون قد مات بسقوطه، حيث انشقت بطنه وانسكبت أحشاؤه فمات " وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها "، ولا يمكن أن يموت يهوذا مرتين، كما لا يمكن أن يكون قد مات بالطريقتين معاً.

                              -من الذي اشترى الحقل، هل هو يهوذا " فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم"، أم الكهنة الذين أخذوا منه المال " فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري "؟

                              -هل مات يهوذا نادماً " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم...قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً" أم معاقباً بذنبه كما يظهر من كلام بطرس؟

                              -هل رد يهوذا المال للكهنة " وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ "، أم أخذه واشترى به حقلاً " فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم "؟

                              -هل كان موت يهوذا قبل صلب المسيح وبعد المحاكمة " ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي، حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم... فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه " أم أن ذلك كان فيما بعد، حيث مضى واشترى حقلاً ثم مات في وقت الله أعلم متى كان؟

                              -هل سمي الحقل حقل دم لأنه كان ثمناً لدم المسيح " فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء، لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم"، أم لأن دم يهوذا قد سال فيه لما انشق بطنه " فإن هذا اقتنى حقلا من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم".
                              ثانياً: هل يتناقض المسيح؟

                              وتظهر الأناجيل المسيح متناقضاً مع نفسه في أقواله، ومرد ذلك إلى تناقض الإنجيليين الأربعة، أو تناقض الواحد منهم مع نفسه.

                              بطرس شيطان أم رسول؟

                              يتناقض متى في صفحة واحدة وهو يتحدث عن رأي المسيح في بطرس، فقد قال له: " طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات.. أنت بطرس... وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات...".

                              ولكنه ناقض ذلك بعده بسطور حين قال عنه: " قال لبطرس : اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس " ( متى 16/17 - 23 ).

                              ثم يتحدث متى عن إنكار بطرس للمسيح في ليلة المحاكمة بل وصدور اللعن والسب منه (انظر متى 26/74 ).

                              ثم يقول عنه في موضع آخر: " متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر " ( متى 19/28 )، فأي الأقوال تصدق في حق بطرس، وجميعها منسوبة للمسيح؟

                              ماذا يصنع التلاميذ مع أعدائهم؟

                              ويعود لوقا للتناقض فيقول على لسان المسيح: " أحبوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وباركوا لاعنيكم "
                              ( لوقا 6/27 - 38 ).

                              ثم يوقع المسيح بالتناقض عندما زعم أنه قال : " أما أعدائي الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأتوا بهم إلى هنا، واذبحوهم قدامي " ( لوقا 19/27 )، فأي الموقفين صدر من المسيح؟

                              هل المحايد معنا أو ضدنا؟

                              ومن التناقض الذي نسبه الإنجيليون للمسيح عليه السلام ما زعمه متى أن المسيح قال لتلاميذه: " من ليس معي فهو علي، ومن لا يجمع معي فهو يفرق " ( متى 12/30 ).

                              وهذا يناقض ما ذكره مرقس عنه: " من ليس علينا فهو معنا " ( مرقس 9/40)، فبأي الهديين يهتدي التلاميذ.

                              هل المطلوب بغض الوالدين أم محبتهما؟

                              ومن التناقض أيضاً ما وقع فيه لوقا حين زعم أن المسيح قال: " إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته، حتى نفسه أيضاً، فلا يقدر أن يكون تلميذاً " ( لوقا 14/26 ).

                              ثم في موضع آخر يذكر لوقا أن رجلاً سأل المسيح عن طريق الحياة الأبدية فكان من إجابته "أكرم أباك وأمك "
                              ( لوقا 18/20 ).

                              وفي مرقس أن المسيح قال: " تحب قريبك كنفسك " (مرقس 12/31 )، فهل المطلوب من التلاميذ بغض الوالدين أم محبتهما؟.

                              هل مصير المسيح عليه السلام جهنم؟

                              وتتناقض الأناجيل حين تذكر أن المسيح توعد الذين يشتمون إخوانهم بالنار، ثم تزعم أنه صنعه، فقد قال: " ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/23).

                              في حين أن لوقا زعم أن المسيح قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه بعد القيامة: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، وأنه قال لبطرس : "اذهب عني يا شيطان " (متى 16/23).

                              وخاطبه في موطن آخر: "يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( متى 14/31 )، فهل يحكم النصارى على المسيح باستحقاقه النار، أم يحكمون على هذه النصوص بالقصور والتناقض

                              ثالثاً: التناقض بين العهد القديم والعهد الجديد

                              وكما تناقض الإنجيليون وكتاب الرسائل مع بعضهم فإنهم تناقضوا مع أسفار العهد القديم، في مختلف القضايا التي شاركوا كُتاب العهد القديم في الحديث عنها، اللاهوتية منها والتاريخية.

                              التناقضات في صفات الله

                              يقول يوحنا: " الله لم يره أحد قط " ( يوحنا 1/18 ) وكلامه حق.

                              لكنه متناقض مع ما جاء في عدة مواضع في التوراة، منها قول يعقوب: " نظرت الله وجهاً لوجه" ( التكوين 32/30 ).

                              ومثله ما جاء في سفر الخروج أن موسى أصر على رؤية الله فقال له الرب: " هو ذا عندي مكان، فتقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة، وأسترك بيدي حتى أجتاز، ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، أما وجهي فلا يرى " ( الخروج 33/21 - 23 ).

                              كما يتناقض قول يوحنا مع زعم لوقا بأن استفانوس قد رأى الله بصورته ومجده، إذ يقول: "وأما هو فشخص إلى السماء، وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجدَ الله ويسوعَ قائماً عن يمين الله. فقال: ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائماً عن يمين الله" (أعمال 7/55-56).

                              ويصف بولس الله عز وجل بوصف حق، فيقول: " الله ليس إله تشويش، بل إله سلام " (كورنثوس (1) 14/33 ).

                              ولكنه يناقض بذلك ما جاء في سفر التكوين " وقال الرب: هوذا شعب واحد، ولسان واحد لجميعهم.. هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم، حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض، فبددوهم من هناك على وجه كل الأرض" ( التكوين 11/6-9).

                              هل كل المطعومات مباحة؟

                              ومن التناقضات أيضاً أن التوراة تتحدث عما يجوز أكله وما لا يجوز من الأطعمة مما ينجس أكله. ( انظر اللاويين 11/1 - 47 ).

                              لكن مرقس يذكر أن المسيح خالف ذلك فقال كلاما غريباً أباح فيه كل طعام فقال: "اسمعوا مني كلكم وافهموا : ليس شيء من خارج الإنسي إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه، لكن الأشياء التي تخرج منه هي التي تنجس ".

                              وقد صعُب فهم هذا على تلاميذه فأعادوا السؤال عنه، فأعاد الجواب، وقال: " لأنه لا يدخل إلى قلبه، بل إلى الجوف، ثم يخرج إلى الخلاء، وذلك يطهر كل الأطعمة " (مرقس 7/14 - 19 ). فهذه أغرب طريقة في تطهير الطعام، وهي تناقض أحكام التوراة وتخالفها وتنقضها.

                              هل انقطع المطر في السنة الثالثة أم بعدها؟

                              ويذكر يعقوب في رسالته انقطاع المطر بدعاء إيليا، وأنه استمر ثلاث سنين وستة أشهر فيقول: " كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر " ( يعقوب 5/17 )

                              والقصة في سفر الملوك وفيه " قال إيليا..: إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي " ( الملوك (1) 17/1 ) ثم " بعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا في السنة الثالثة قائلاً : اذهب وتراءى لأخاب فأعطي مطراً على الأرض " ( الملوك (1) 18/1 ) وفعل، فنزل المطر، وكان ذلك في السنة الثالثة، أي لم يكملها كما زعم يعقوب، بل وزاد عليها ستة أشهر.

                              من الذي اشترى الأرض من شكيم؟

                              ومن التناقضات أيضاً ما بين أعمال الرسل وسفر التكوين فيمن اشترى أرض شكيم من بني حمور، هل هو إبراهيم أم إسحاق ؟

                              فقد جاء في أعمال الرسل " نزل يعقوب إلى مصر، ومات هو وآباؤنا، ونقلوا إلى شكيم (نابلس) ووضعوا في القبر الذي اشتراه إبراهيم بثمن فضة من بني حمور أبي شكيم" ( أعمال 7/15 - 16 ).

                              وفي سفر التكوين أن أرض شكيم قد ابتاعها يعقوب لا إبراهيم، حيث يقول : " ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان... وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم بمائة قسيطة " (التكوين 33/18 - 19 ).

                              والخطأ من كاتب أعمال الرسل لأن الأرض التي ابتاعها إبراهيم، هي في أرض حبرون (الخليل), واشتراها من عفرون، وفيها دفن سارة، ثم دفن هو فيها كما في سفر التكوين " ووزن إبراهيم لعفرون الفضة التي ذكرها في مسامع بني حث، أربعمائة شاقل فضة.. بعد ذلك دفن إبراهيم سارة امرأته في مغارة حقل المكفيلة أمام ممرا التي هي حبرون، في أرض كنعان " (التكوين 23/16 - 19). فمن الذي اشترى أرض شكيم، يعقوب أم إبراهيم ؟

                              كم سنة حكم شاول على بني إسرائيل؟

                              جاء في سفر صموئيل أن شاول ملك على بني إسرائيل لمدة سنتين، حيث يقول: " كان شاول ابن سنة في ملكه، وملك سنتين على إسرائيل " ( صموئيل (1) 13/1 )، وهو مناقض لما ذكره سفر أعمال الرسل، حيث جاء فيه : "ومن ثم طلبوا ملكاً، فأعطاهم الله شاول بن قيس رجلاً من سبط بنيامين أربعين سنة" (أعمال 13/21)، فهل ملك شاول أربعين سنة أم سنتين فقط؟

                              من ابن الله الذي بشّر به داود؟

                              نقل بولس في رسالته إلى العبرانيين بشارة الله لداود بابنه سليمان، لكنه جعلها نبوءة بالمسيح عليه السلام، فيقول: "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء.. صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أفضل منهم، لأنه لمن من الملائكة قال قط: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك. وأيضا أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً" (عبرانيين 1/5).

                              وقد اقتبس بولس العبارة الواردة في سفر صموئيل الثاني ( 7/14 )، وجعلها نبوءة عن المسيح، ففيه : "أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً " فقد ظن بولس أن هذه العبارة نبوءة عن المسيح عليه السلام فنقلها في رسالته.

                              إلا أن هذا الاقتباس غير صحيح، فالنص جاء في سياق الحديث إلى داود، فقد أمر الله النبي ناثان أن يقول لداود: "فهكذا تقول لعبدي داود...متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك أقيم نسلك الذي يخرج من أحشائك، وأثبت مملكته، هو يبني بيتاً لاسمي، وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد، أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً، وإن تعوج أودبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم..كذلك كلم ناثان داود" (صموئيل (2) 7/8-17)، فالمتنبئ عنه يخرج من أحشاء داود وليس من ذريته، وهو يملك على بني إسرائيل بعد اضطجاع داود أي موته، وهو باني بيت الله، وهو متوعد بالعذاب إن مال عن دين الله، وكل هذا قد تحقق في سليمان كما تذكر التوراة.

                              إن أياً من تلك المواعيد لم يتحقق في المسيح عليه السلام، فهو عندهم إله لا يصح أن يتوعد بالعذاب من الله لأنه لا يخطئ ابتداءً، كما أنه لم يبنِ لله بيتاً، ولم يملك على بني إسرائيل يوماً واحداً، ولم يثبت كرسي مملكته، لأنه لا مملكة له أصلاً في هذا العالم كما أخبر هو فقال: "أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون، لكي لا أسلّم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" (يوحنا 18/36).

                              كما جاء في سفر أخبار الأيام الأول أن اسم صاحب النبوءة يكون سليمان، فقد قال لداود: "هوذا يولد لك ابن يكون صاحب راحة، وأريحه من جميع أعدائه حواليه، لأن اسمه يكون سليمان. فأجعل سلاماً وسكينة في إسرائيل في أيامه. هو يبني بيتا لاسمي، وهو يكون لي ابناً، وأنا له أباُ، وأثبت كرسي ملكه على إسرائيل إلى الأبد" (الأيام (1) 22/9).

                              من الذي دعي من مصر؟

                              ومن تحريف النبوءات المزعومة ما صنعه متى في قوله عن المسيح وعودته من مصر إبان طفولته: " كان هناك إلى وفاة هيرودس، لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل : من مصر دعوتُ ابني " ( متى 2/14-15 )، فقد زعم أن ذلك يحقق النبوءة التوراتية التي في سفر هوشع (انظر هوشع 11/1-2 ).

                              لكن النص الذي في هوشع لا علاقة له بالمسيح، فالنص يتحدث عن عودة شعب إسرائيل من مصر مع موسى، والحديث في أصل السياق عن يعقوب، ثم ينتقل للحديث عن أبنائه وعودتهم من مصر، ثم عبادتهم للأوثان بعد ذلك وإعراضهم عن دعوات الله لهم، فيقول: " لما كان إسرائيل غلاماً أحببته، ومن مصر دعوت ابني، كلما دعوا ولوا وجوههم، وذبحوا لبعاليم، وقربوا للأصنام " (هوشع 11/1-2 ).

                              فالنص لا علاقة له بالمسيح، فعبادة الأصنام التي يتحدث عنها النص حصلت قبل المسيح، ولا تنطبق على معاصري المسيح، لأن اليهود تابوا عن عبادة الأوثان توبة جيدة قبل ميلاد المسيح بخمسمائة وست وثلاثين سنة بعدما أطلقوا من أسر بابل، ثم لم يحوموا حولها بعد تلك التوبة كما هو مصرح في كتب التواريخ.

                              واستخدام هذه الصيغة ( ابني ) في شعب بني إسرائيل معهود في التوارة، فقد جاء فيها " عندما تذهب لترجع إلى مصر... فتقول لفرعون : هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر. قلت لك : أطلق ابني ليعبدني " ( الخروج4/21-23 ).

                              رابعاً: النصارى بين الاعتراف بالتناقضات والمكابرة

                              وتبذل محاولات يائسة وساذجة للجمع بين هذه المتناقضات وتقديمها بصورة متوافقة متكاملة، لكن التكلف يكتنف جميع هذه المحاولات التي غالباً ما تظهر باهتة، إضافة لما تحمله من صور للجمع لا دليل عليها.

                              لذا فإن الفيلسوف الناقد اليهودي اسبينوزا صدق وهو يقول عن التوراة، وينطبق حديثه على العهد الجديد: " فإذا ظن أحد أني أتحدث بطريقة عامة جداً دون أساس كاف، فإني أرجو أن يكلف نفسه العناء، ويدلنا على ترتيب يقين لهذه الروايات يستطيع المؤرخون إتباعه في كتاباتهم للأخبار دون الوقوع في خطأ جسيم، وعلى المرء في أثناء محاولته تفسير الروايات والتوفيق أن يراعي العبارات والأساليب، وطرق الوصل في الكلام، ويشرحها بحيث نستطيع طبقاً لهذا الشرح أن نقلدها في كتاباتنا، ولسوف أنحني مقدماً في خشوع لمن يستطيع القيام بهذه المهمة، وإني على استعداد لأن أشبهه
                              ( بأبوللو ) نفسه.

                              على أني أعترف بأني لم أستطع أن أجد من يقوم بهذه المحاولة، على الرغم من طول بحثي عنه، ومع أني مشبع منذ طفولتي بالآراء الشائعة عن الكتاب المقدس، فقد كان من المستحيل ألا أنتهي إلى ما انتهيت إليه. وعلى أية حال فليس هناك ما يدعونا إلى أن نعطل القارئ هنا، وأن نعرض عليه في صورة تحد أن يقوم بمحاولة ميئوس منها".

                              اعترافات بتناقضات الأناجيل


                              وقليلون هم الذين يعترفون بالحقيقة، ومنهم محررو مجلة " الحقيقة المجردة ( الناصعة ) " النصرانية والتي يقول عدد يوليو 1975م منها: " هناك ادعاءات كثيرة لتناقضات في الكتاب المقدس لم يستطع العلماء حلها حتى الآن، وفيها ما يسر كل كافر ملحد، فهناك بعض الصعوبات النصية التي ما زال العلماء يتصارعون معها إلى يومنا هذا، ولا ينكر هذه الحقيقة إلا من كان جاهلاً بالكتاب المقدس ".

                              ومثلهم يقول مفسرو الترجمة المسكونية للتوراة عن الأناجيل بأنها " صورة لأدب غير مترابط، مفتقر هيكله إلى حسن التتابع... يبدو أن ما فيه من تضاد غير قابل للتذليل ".

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة زين الراكعين, 14 يول, 2024, 11:33 م
                              ردود 0
                              65 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة زين الراكعين
                              ابتدأ بواسطة mohamed faid, 7 يون, 2023, 09:08 م
                              ردود 0
                              82 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة mohamed faid
                              بواسطة mohamed faid
                              ابتدأ بواسطة Mohamed Karm, 28 ماي, 2023, 02:50 ص
                              ردود 0
                              113 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة Mohamed Karm
                              بواسطة Mohamed Karm
                              ابتدأ بواسطة mohamed faid, 2 ماي, 2023, 01:35 م
                              ردود 0
                              116 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة mohamed faid
                              بواسطة mohamed faid
                              ابتدأ بواسطة رمضان الخضرى, 22 أبر, 2023, 01:45 ص
                              ردود 0
                              121 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة رمضان الخضرى
                              يعمل...