مواقف اسلامية د. عبد الرحمن العدوى

تقليص

عن الكاتب

تقليص

بن الإسلام مسلم اكتشف المزيد حول بن الإسلام
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • بن الإسلام
    6- عضو متقدم

    حارس من حراس العقيدة
    • 30 سبت, 2009
    • 961
    • محاسب ولكنى داعى الى الله
    • مسلم

    #16


    سلامة الصدور مطلب إسلامي


    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

    فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ القمة العليا في مكارم الأخلاق وقد امتدحه الله تعالى بقوله : (( وإنّك لعلى خلق عظيم )) وهى شهادة من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بعظمة أخلاقه ، وقد بعثه الله تعالى معلماً للإنسانية كلها فإن رسالته عامة لخلق الله جميعاً (( قل يا أيها النّاس إني رسول الله إليكم جميعاً )) ومما علمه الرسول للناس حسن الخلق والمحافظة على العلاقات بين الأفراد سليمة من كل شوائب الكراهية أو الحقد أو الغضب الذي يبعثه تأثر النفس وانفعالها لسبب ترى أن فيه إساءة إليها .

    وفى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على سلامة نفوس الناس بعضهم مع بعض نجده يعالج كل الأسباب التي قد تدعو إلى نفور الناس من بعضهم أو تشككهم في علاقاتهم فيقول صلى الله عليه وسلم ( إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ) وهو بذلك يعالج موقفاً قد يحدث من بعض الناس دون انتباه لما يتركه هذا الموقف من الحزن أو الشك أو الهواجس في نفس رفيقهما الذي تركاه وتحدثا بعيدا عنه في سرية لا يسمع ما يقال فيها .

    ومن تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعية إلى المحافظة على سلامة نفوس الناس بعضهم مع بعض ، وإبعاد عوامل الكراهية والضغينة عن علاقاتهم نجده ينهى أن يخطب الخاطب على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له

    فإن الإنسان إذا تقدم لخطبة فتاة وأظهر لأهلها الرغبة في الزواج بها ، وكان منهم قبول وميل إلى إتمام هذا الاقتران ، فإنه لا يجوز لشخص آخر يعلم بهذا الأمر أن يسارع قبل إتمامه ويخطب هذه الفتاة مزاحماً الخاطب الأول ، وقد يكون فيه ميزات تجعل أهل الفتاة ينقضون وعدهم للأول ويرغبون الخاطب الثاني .

    هذا العمل وهو الخطبة على خطبة أخيه مما يبعث الضغينة في النفوس ويؤدى إلى العداوة والخصومة وقد تزداد العلاقة بينهما سوءاً فيحدث من المآسي ما لا تحمد عقباه . ولذلك جاء نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطب المرء على خطبة أخيه إلا إذا ترك الخاطب الأول وعدل عن رغبته في الاقتران أو أذن للثاني في أن يتقدم إليها ، وهذا الإذن دليل الرضا فحينئذ يجوز للثاني أن يتقدم دون خوف من حدوث العواقب السيئة .

    ومثل ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم أن يبيع الرجل على بيع أخيه أو يشترى على شراء أخيه ، وذلك يحدث من بعض الناس دون نظر إلى العواقب السيئة التي تترتب على هذا العمل ، فبعدما يتفق البائع مع المشترى على ثمن سلعة معينة ويتراضيا على ذلك يتدخل بائع آخر ويقول للمشترى أنا أبيعك هذه السلعة بثمن أقل مما اتفقتما عليه ، وهذا هو البيع على بيع أخيه .

    أما الشراء على شراء أخيه فصورته أن يتفق المشترى على شراء سلعة معينة بثمن معين فيتدخل شخص آخر ويقول للبائع أنا أشتريها منك بثمن أكثر ويفسد على المشترى الأول صفقته .

    وفى كلا الحالين يحدث النزاع والشقاق وغضب النفوس ، ولذلك جاء الإسلام بمكارم الأخلاق يعلم الناس كيف يحافظون على سلامة نفوسهم وحسن علاقاتهم حتى تكون حياتهم سعيدة هنيئة آمنة من كل سوء .

    تعليق

    • بن الإسلام
      6- عضو متقدم

      حارس من حراس العقيدة
      • 30 سبت, 2009
      • 961
      • محاسب ولكنى داعى الى الله
      • مسلم

      #17
      الرسول ينزل على رأى أصحابه

      بعد غزوة أحد وما أصاب المسلمين فيها ظن اليهود أن الفرصة سانحة للقضاء على المسلمين في حرب أخرى تتجمع فيها أحزاب الشرك والكفر وتهاجم المدينة لاستئصال شأفة المسلمين نهائياً ، ودبر اليهود هذا الأمر فخرج عشرون رجلاً من زعمائهم و سادات بني النضير إلى قريش بمكة يحرضونهم على غزو الرسول صلى الله عليه وسلم ويوالونهم عليه ووعدوهم بنصرتهم فأجابتهم قريش إلى ما طلبوا ، ثم خرج هذا الوفد إلى غطفان فدعوهم إلى مثل ما دعوا إليه قريشاً فاستجابوا لذلك ونجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب الكفر من قريش وكنانة وحلفائهم من أهل تهامة ومن قبائل غطفان وهم بنو فزارة وبنو مرة وبنو أشجع كما خرجت بنو أسد وغيرهم وهاجم الأحزاب المدينة وفوجئوا بحفر الخندق حولها ولم يكن ذلك معروفاً في حروب العرب وإنما أشار به سلمان الفارسي وحفره المسلمون ، وجرت محاولات من المشركين لاقتحام الخندق وصدهم المسلمون واشتدت المراماة بينهم وقتل رجال من الجيشين ، وفى مواجهة هذه الشدائد في المعركة نقض بنو قريظة عهدهم وانضموا إلى المشركين وقاموا فعلاً ببعض عمليات الحرب وهددوا النساء و الذرارى في المدينة والمسلمون في شغل عنهم بالجيش الزاحف الذي يريد المدينة ومن فيها 0 وعرف الرسول والمسلمون موقف بني قريظة وغدرهم وتحرج الموقف وصار كما صوره الله تعالى بقوله : (( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا . هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا )) وأشفق الرسول صلى الله عليه وسلم على المسلمين من هذا الهول فأراد أن يخفف عنهم وفكر في أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة حتى ينصرفا بقومهما وتدب الفرقة في صفوف الأحزاب . واستشار الرسول في ذلك سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رئيسي الأوس والخزرج فقالا : يا رسول الله : إن كان الله أمرك بهذا فسمعاً وطاعة ، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه ، لقد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى – ضيافة – أو بيعاً . فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ؟ والله لا نعطيهم إلا السيف ، فصوب الرسول رأيهما وقال : إنما هو شيء أردت أن أصنعه لكم ، ولا نعطيهم إلا السيف .

      وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه وهكذا ظهرت قوة الإيمان أمام الشدائد الطاحنة واستحق المؤمنون نصر الله الذي هزم الأحزاب وحده .

      تعليق

      • بن الإسلام
        6- عضو متقدم

        حارس من حراس العقيدة
        • 30 سبت, 2009
        • 961
        • محاسب ولكنى داعى الى الله
        • مسلم

        #18
        من مواقف أمهات المؤمنين

        لا والله لا يخزيك الله أبدا

        الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

        فبهذه العبارة المطمئنة الباعثة على الثقة الطاردة للقلق والفزع استقبلت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد زوجها الحبيب محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) وقد جاءها ذات يوم يرجف فؤاده ، وتسرع دقات قلبه ، وهو يقول : زملونى زملونى ، فإن الخائف يشعر بالبرد في أطرافه وأعضاء جسمه ويكون في حاجة إلى الدفء الذي يعيد إليه هدوء نفسه، ولكن محمداً (صلى الله عليه وسلم ) وجد عند زوجه خديجة دفئاً من نوع فريد ، ليس دفء الغطاء والوسائد لكنه دفء نفسي جاء في كلمات حانية معبرة عن الثقة في حماية الله وعونه لمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذي لم تعهد منه إلا الخير ، ولم تر في عشرتها معه غير مكارم الأخلاق على مستوى لا يرقى إليه غيره من أهل بيئته فانطلق لسانها معبراً عما تكنه في نفسها من محبة واحترام وتقدير لهذا الزوج العظيم الكريم : ( لا . والله لا يخزيك الله أبدا ) .

        كان محمد ( صلى الله عليه وسلم ) يتجهز للتعبد في غار حراء ليالي عدة ثم يعود فيتجهز لمثلها وقد حبب إليه البعد عن الناس والتعبد على دين إبراهيم عليه السلام وهو دين الوحدانية والتعظيم لله خالق السموات والأرض . وبينما هو في خلوته ذات ليلة من ليالي رمضان في غار حراء إذ فاجأه ما ليس في حسبانه ، وإذا بالملك جبريل يظهر له ويقول يا محمد اقرأ . ويجيب محمد صلى الله عليه وسلم : ما أنا بقارئ أي لست ممن يعرف القراءة ، فيأخذه الملك ويحتضنه في قوة أجهدته ثم أرسله وقال : اقرأ . قال : ما أنا بقارئ يقول محمد صلى الله عليه وسلم : فأخذني الثانية و غطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ ، فأخذني الثالثة و غطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني وقال :

        (( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم ، علّم الإنسان ما لم يعلم )) .. واضطرب محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وخاف من هول المفاجأة وأسرع إلى بيته لتلقاه زوجه خديجة وهو يقول : لقد خشيت على نفسي . ولم تفزع خديجة وهى ترى زوجها الحصيف الهادئ الرزين وقد تملكه الخوف ، فكان ثباتها هو المرفأ الآمن الذي استقرت عليه نفس محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الذي جاءه الملك بالنبوة اصطفاءً من الله واختياراً له دون كسب أو سعى منه لها ، وجاءت كلمات خديجة في هذا الموقف باعثة للهدوء والطمأنينة في نفس النبي محمد صلى الله عليه وسلم قالت ( لا والله لا يخزيك الله أبدا . إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الحق ) فكأنها بهذا تقيم الدليل على يقينها بأن الله لا يخزى محمداً أبدا ، فمن كانت هذه صفاته ، فكيف يخزيه الله العادل ، أو يمسه بسوء ، أو يتخلى عنه وتأكيداً لقولها المنبعث عن فطنة ورباطة جأش وسلامة فكر وثقة بعدل الله تعالى ، أخذت زوجها إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وهو شيخ كبير قرأ كتب الأولين وعرف كغيره من أحبار أهل الكتاب أن نبي آخر الزمان قد آن وقت بعثته وأنه قد أظلهم زمانه ، وقالت خديجة : يا ابن العم ، اسمع من ابن أخيك . وقص محمد النبي ما جرى له في غار حراء ، واستمع ورقة ، وما لبث أن قال : أبشر يا ابن أخي فإنك نبي هذه الأمة الموعود به في كتب أهل الكتاب وإن ما رأيته هو الناموس الذي أنزل الله على موسى ، وليتني أكون فيها جذعاً إذ يخرجك قومك ، إذاً لنصرتك نصراً مؤزراً – وتعجب محمد النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : أو مخرجي هم ؟ قال ورقة : ما أتى أحد بمثل ما أوتيت به إلا أوذي . أي أن هذا شأن الأنبياء من قبلك ، فكن مستعداً لما يصيبك من قومك .

        وهدأت نفس محمد صلى الله عليه وسلم وأيقن أن الله قد اصطفاه نبياً ورسولاً

        وكان موقف أم المؤمنين خديجة بنت خويلد هو الدفء الذي أشاع في نفسه الهدوء وطرد عنه خوف المفاجأة . وظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها بعد وفاتها بكل خير ، ويبدى من ضروب الوفاء لها ما كان مثار العجب عند بعض زوجاته ، فقد كانت أول من صدقه و آمن به ورزقه الله منها الولد ونزل جبريل عليه السلام يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرئها السلام من ربها .

        سلام على خديجة من رب العالمين .

        تعليق

        • بن الإسلام
          6- عضو متقدم

          حارس من حراس العقيدة
          • 30 سبت, 2009
          • 961
          • محاسب ولكنى داعى الى الله
          • مسلم

          #19
          أم حبيبة وموقفها من أبيها


          الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

          فقد هاجرت أم حبيبة بنت أبى سفيان بن حرب في الهجرة الثانية إلى الحبشة عندما اشتد إيذاء مشركى مكة لكل من دخل في دين الإسلام ، فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة وقال عن النجاشي : إنه ملك لا يظلم عنده أحد .

          وكان مع أم حبيبة في هذه الهجرة زوجها عبيد الله بن جحش الذي ارتد عن الإسلام واعتنق النصرانية ، وصارت أم حبيبة وحيدة في أرض غير أرضها ، منقطعة عن قرابتها في مكة . فأبوها مشرك على دين قريش لم يدخل في الإسلام بعد ، وقد تأخر إسلامه إلى السنة الثامنة من الهجرة عند فتح مكة ، وزوجها انفصل عنها أو انفصلت عنه فما يحل للمسلمة أن تكون زوجة لغير المسلم .

          ولكن أم حبيبة كانت قوية الإيمان ثابتة اليقين بأن هذا الدين هو الحق الذي لا حق سواه ، وأن محمداً رسول الله وخاتم أنبيائه ، وأن الدين عند الله الإسلام ، فثبتت على إيمانها رغم المحن المتوالية ؛ محنة العذاب الذي لقيته في مكة ، ومحنة شرك أبيها وأهلها وعدم اهتدائهم إلى الإسلام ، ومحنة الهجرة إلى بلد بعيد ليس لها فيه أنيس ، ومحنة ارتداد زوجها وقد كان أنيسها الوحيد في هذه الغربة .

          رأت أم حبيبة ذات ليلة فى منامها أن قائلاً يقول لها : يا أم المؤمنين .

          قالت ففزعت ثم أولتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني . وقد كان ، فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي الذي أسلم يطلب إليه أن يزوجه إياها فأرسل إليها النجاشي يخبرها بما طلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول لها : وكلى من يزوجك فوكلت خالد بن سعيد بن العاص .

          وكان يوماً بهيجاً اجتمع فيه كل المسلمين بالحبشة وخطب النجاشي فقال : الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار ، وأشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم عليه السلام .

          أما بعد .. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلىّ أن أزوجه أم حبيبة بنت أبى سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أصدقتها أربعمائة دينار . ثم سكب الدنانير بين يدي القوم ، ودعاهم إلى طعام فأكلوا وتفرقوا .

          وقدمت أم حبيبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقبت ( أم المؤمنين ) وهو لقب أزواج النبي رضي الله عنهم . وفى السنة الثامنة من الهجرة قدم أبوها أبو سفيان إلى المدينة يسعى فى أن يزيد رسول الله فى مدة هدنة الحديبية . وكانت قريش قد نقضت عهدها فلم يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام ودخل على ابنته أم حبيبة فلما هم بالجلوس طوت عنه فراش النبي صلى الله عليه وسلم وسألها : لماذا طويت الفراش عنى ؟ قالت : إنك مشرك نجس لا تجلس على فراش رسول الله . وكان موقفاً تجلت فيه قوة الإيمان وعدم موادة من حاد الله ورسوله ، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم .

          وتلك صفة المؤمنين بالله واليوم الآخر كما ذكرها الله تعالى فى قوله

          (( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب فى قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه )) .

          تعليق

          • بن الإسلام
            6- عضو متقدم

            حارس من حراس العقيدة
            • 30 سبت, 2009
            • 961
            • محاسب ولكنى داعى الى الله
            • مسلم

            #20
            أم المؤمنين صاحبة الهجرتين


            الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

            فقد كان لأبى سلمة وزوجه هند إلى جانب النسب العريق ماض مجيد فى الإسلام ، فقد كانا من السابقين الأولين ، وهاجرا مع العشرة الأولين إلى الحبشة ، ثم قدما مكة بعد تمزيق صحيفة المقاطعة الظالمة التي حبست بها قريش المسلمين فى شعب أبى طالب وقاطعتهم مقاطعة تامة لا بيع ولا شراء ولا مودة ولا مكالمة ولا أي نوع من المعاملة ، وبقى هذا العناء القاسي ثلاثة أعوام عجاف حتى قيض الله من نقض هذه الصحيفة التي كانت معلقة فى الكعبة .

            عاد أبو سلمة وزوجه هند من هجرة الحبشة ثم أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى يثرب ، فأجمع أبو سلمة أمره على الهجرة بأهله ، فكانت قصة خروجهما مأساة من مآسي الظلم والطغيان الذي كان يباشره أهل مكة مع المؤمنين بهذا الدين الجديد . فعندما حمل أبو سلمة زوجه وابنه على بعير لهم وأراد الخروج من مكة تعرض له أهل زوجه وانتزعوها منه وجاء أهله وقالوا لا ندع ابننا معها وقد أخذها أهلها فتجاذبوا ( سلمة ) حتى خلعوا يده ، وانطلق به رهط أبيه . وبهذا صار أبو سلمة مهاجراً إلى المدينة ، وزوجه عند أهلها ، وابنهما الصغير عند رهط أبيه ، وظلت الزوجة تخرج كل يوم إلى الأبطح ( جبل بمكة ) تبكى زوجها وابنها حتى تمسى ، سنة أو قريباً منها ، وأخيراً رق لها أحد أقربائها وقال لأهلها ألا ترحمون هذه المسكينة ، فرقتم بينها وبين زوجها وبين ابنها ، وما زال بهم حتى قالوا لها : إلحقي بزوجك إن شئت . فخرجت وحيدة مهاجرة تريد اللحاق بزوجها فى يثرب ومعها وليدها ( سلمة ) ووصلت دار الهجرة الثانية واجتمع شمل الأسرة المعذبة فى دين الله ، وتفرغت أم سلمة لتربية أولادها وتفرغ زوجها للجهاد فى سبيل الله ، وكانت أم سلمة أول ظعينة دخلت المدينة ، كما كانت من المهاجرين الأولين إلى الحبشة .

            وشهد أبو سلمة غزوة بدر وشهد أحداً ورمى فيه بسهم أصاب عضده ، ثم عقد له الرسول لواء سرية بعد أحد فقاد معركة ظافرة وعاد بأصحابه إلى المدينة سالمين غانمين قد أعادوا بعض ما ضيعت ( أحد ) من هيبة المسلمين ، وانتكأ جرح أبى سلمة وتضاعف أثره حتى مات منه لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع من الهجرة .
            وترملت أم سلمة ذات الهجرتين الصابرة فى دين الله ومعها من الأولاد أربعة : سلمة وعمر وزينب ودرة . وفى سبيل مواساتها فى فجيعتها خطبها أبو بكر فردته فى رفق ، وخطبها عمر بن الخطاب فكان حظه كصاحبه ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم يخطبها فأشفقت ألا تكون جديرة ببيت النبوة وقد كبرت سنها ومعها عيال صغار فأرسلت تعتذر بذلك وبأنها ذات غيرة ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أكبر منك سناً ، وأما الغيرة فيذهبها الله عنك وأما العيال فإلى الله ورسوله . وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصارت الصابرة ذات الهجرتين أمّاَ للمؤمنين .

            تعليق

            • بن الإسلام
              6- عضو متقدم

              حارس من حراس العقيدة
              • 30 سبت, 2009
              • 961
              • محاسب ولكنى داعى الى الله
              • مسلم

              #21
              أم سلمة تنقذ الموقف


              الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

              ففي السنة السادسة من الهجرة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام وطافوا به معتمرين فأخبر أصحابه بذلك وهو بالمدينة ففرحوا بذلك وحسبوا أنهم يدخلون مكة فى عامهم هذا . وتحرك الرسول والمسلمون معه إلى مكة فلما كان بذي الحليفة – ميقات أهل المدينة – قلد الهدى وأشعره وأحرموا بالعمرة ، وساروا حتى وصلوا الحديبية على مقربة من مكة أعلنت قريش أنها مانعة رسول الله والمسلمين عن دخول مكة ولو اقتضى الأمر قتالهم ، وتحركت الرسل بين أهل مكة والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخبرهم أنه لم يأت لقتال ، وانتهى الأمر إلى توقيع صلح الحديبية ، وكان من بين شروط هذا الصلح : أن يرجع الرسول من عامه هذا فلا يدخل مكة ، فإذا كان العام القابل دخلها المسلمون فأقاموا بها ثلاثاً معهم سلاح الراكب : السيوف فى قرابها ، ولا تتعرض لهم قريش بأي نوع من أنواع التعرض .

              وأحزن المسلمين أن يرجعوا دون أن يدخلوا مكة ويؤدوا مناسك عمرتهم ، وعز ذلك على عمر بن الخطاب وأظهر حزنه فى مناقشة صريحة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عمر : يا رسول الله – ألسنا على حق وهم على باطل ؟ قال : بلى . أليس قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار ؟ قال : بلى . قال ففيم نعطى الدنية فى ديننا ، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟ قال : يا بن الخطاب إني رسول الله ولست أعصيه ، وهو ناصري ولن يضيعني أبداً – قال أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال : بلى أفأخبرتك أنا نأتيه العام ؟ قال : لا . قال فإنك آتيه ومطوف به . وانطلق عمر إلى أبى بكر وقال مثل هذا القول . وأجابه أبو بكر كما أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزاد : فاستمسك بغرزه حتى تموت ، فوالله إنه لعلى الحق .

              فى هذا الجو الحزين أمر رسول الله أصحابه أن ينحروا هديهم ويحلقوا رؤوسهم ويتحللوا من إحرامهم ، وكرر ذلك ثلاثاً وما منهم من مستجيب ، فدخل على زوجه أم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس فقالت : ( يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أخرج إليهم لا تكلم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنتك وتدعو حلاقك فيحلقك ) وفعل الرسول ما أشارت به أم سلمة فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً وندماً ، وثابوا إلى رشدهم بعد أن غلبتهم عواطفهم ، وأنقذ الله بمشورة أم سلمة موقفاً كاد أن يهلك فيه المسلمون بمخالفتهم أمر نبيهم ، وما قصدوا مخالفة ولا إباء ، وهم الذين بايعوه تحت الشجرة على الموت فى سبيل الله لما أشيع أن قريشاً قتلوا عثمان بن عفان الذي أرسله النبي إليهم ، ورضي الله عنهم بهذه البيعة ، وإنما هي صدمة المفاجأة بانهيار أملهم فى الطواف بالبيت ، والحزن الذي أصابهم لعدم إتمام عمرتهم ، ثم ثابوا إلى رشدهم ، وكشفت الأيام بعد ذلك أن صلح الحديبية كان فتحاً من الله عظيماً .

              تعليق

              • بن الإسلام
                6- عضو متقدم

                حارس من حراس العقيدة
                • 30 سبت, 2009
                • 961
                • محاسب ولكنى داعى الى الله
                • مسلم

                #22
                أفيك أستشير أبوي


                الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

                فقد كانت المعيشة فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم زهداً وكفافاً عبرت عنه السيدة عائشة بقولها : ( إنه يمر علينا الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة ما يوقد فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار) قال عروة بن الزبير : وما كان طعامكم يا خالة ؟ قالت : الأسودان التمر والماء .

                هذا الزهد كان اختياراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عرض عليه أن يكون له جبال مكة ذهباً فأبى وقال فيما روى عنه : بل أجوع يوماً فأسأل الله ، وأشبع يوماً فأحمد الله . إنه صلى الله عليه وسلم يحب أن يكون موصولاً بالله دائماً لا تغيب عظمة الله وقدرته وجلاله عنه طرفة عين ، وكان هذا القرب الموصول قرة عينه وسعادة قلبه وبهجة فؤاده ، ما يود أن يصرفه عنه شيء من متاع الدنيا وزينتها . ويبدو أن نساءه صلى الله عليه وسلم قد أصابهن فى وقت بعض الضعف عن احتمال هذا الشظف من العيش فاتفقن على أن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم زيادة النفقة والتوسعة عليهن بعض الشيء ، وسألنه ذلك مجتمعات والرسول ساكت لا يرد عليهن شيئاً .

                ويروى البخاري ومسلم وقائع هذا الاجتماع عن جابر بن عبد الله قال : أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن فلم يؤذن له ، ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن فلم يؤذن له ، ثم أذن لأبى بكر وعمر فدخلا ، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت . فقال عمر رضي الله عنه : لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك . فقال عمر : يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد – امرأة عمر – سألتني النفقة آنفاً فوجأت – دفعت – عنقها ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم . وقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة ليضربها ، وقام عمر رضي الله عنه إلى حفصة كلاهما يقولان : تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده . فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلن : والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده .

                وأنزل الله عز وجل آية الخيار (( يأيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً . وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً ))

                فأمر الله رسوله أن يخير نساءه بين رغبتهن فى الحياة الدنيا وزينتها فيطلقهن ويحسن إليهن ويسرحهن سراحاً جميلاً ، وبين إرادتهن الله ورسوله والدار الآخرة فيكون لهن الأجر العظيم عند الله تعالى ، وفى هذا غاية الإنصاف لهن حيث جعل أمر الاختيار إليهن ولم يكره واحدة على حياة لا تستريح إليها .

                وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة – وكانت أصغرهن سناً – فقال : (إني أذكر لك أمراً ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمرى أبويك ) قالت : وما هو ؟ فتلا عليها (( يأيها النبي قل لأزواجك )) الآية قالت عائشة رضي الله عنها : أفيك أستأمر – أستشير – أبوي ؟ بل أختار الله ورسوله ، وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت . فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى لم يبعثني معنفاً ولكن بعثني معلناً ميسراً ، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت ؟ إلا أخبرتها ) وخيرهن النبي فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكن جديرات ببيت النبوة ولقب أمهات المؤمنين .

                وكانت زوجات رسول الله اللائي خيرهن تسع زوجات منهن خمس من قريش : عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة وأربع من غير قريش وهن : صفية بنت حيى النضرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية . رضي الله عنهن ، ورضي الله عن عائشة التي اكتمل رشدها مع صغر سنها فلم تؤجل الاختيار حتى تستشير أبويها بل سارعت بإعلان اختيارها لله ورسوله قائلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم :

                ( أفيك أستشير أبوي ) .

                تعليق

                • بن الإسلام
                  6- عضو متقدم

                  حارس من حراس العقيدة
                  • 30 سبت, 2009
                  • 961
                  • محاسب ولكنى داعى الى الله
                  • مسلم

                  #23
                  من مواقف الصحابة

                  مهاجر يبحث عن الحقيقة



                  الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

                  إذا كانت النفوس كبارا ... تعبت فى مرادها الأجسام

                  هكذا كان شأن الصحابي الجليل الذي نتحدث عنه ، فقد نشأ فى بلاد فارس فى بيت عز وثراء ، وعبد النار مع أهل فارس ثم ضاقت نفسه بما هو عليه من تقديس شيء يخبو و ينطفئ لولا متابعة إشعاله بما يطرح فيه من وقود ، فذهب إلى كنيسة للنصارى ينظر عبادتهم وطقوسهم الدينية فوجدها خيراً مما هو فيه فانتقل إليها ورحل من أجلها استجلاء لحقيقة هذا الدين إلى الشام ثم إلى الموصل ثم إلى عمورية من بلاد الروم ولازم عابداً نصرانياً هناك حتى إذا حضرته الوفاة سأله قائلاً : إلى من توصى بى ؟ قال له العابد : يا بني ما أعرف أحداً على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفاً .. يهاجر إلى أرض ذات نخل بين حرتين ، فإذا استطعت أن تخلص إليه فافعل . وإنّ له آيات لا تخفى . فهو لا يأكل الصدقة ، ويقبل الهدية ، وإنّ بين يديه خاتم النبوة . إذا رأيته عرفته .

                  واشتد شوق ذلك المهاجر الباحث عن الحقيقة إلى لقاء هذا النبي الذي حدثه العابد عن مهجره وأوصافه حتى إذا لقي قوماً من جزيرة العرب عرض عليهم أن يأخذوا كل ما يملك ويحملوه معهم إلى بلادهم ففعلوا .. ولكنهم خانوه وباعوه عبداً رقيقاً إلى رجل من يهود بني قريظة صار يعمل فى نخله حتى بعث الله رسوله وقدم إلى المدينة ونزل بقباء فى بني عمرو بن عوف فأسرع إليه صاحب حديثنا هذا ، فلما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من أصحابه قدم إليهم طعاماً وقال إنه صدقة . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا باسم الله وأمسك هو فلم يبسط إليه يداً . فقال الباحث عن الحقيقة هذه واحدة ثم رجع فى الغداة يحمل طعاماً قدمه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول : إنه هدية . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه كلوا باسم الله وأكل معهم ، فقال صاحبنا : هذه والله الثانية . إنه يأكل من الهدية . ثم مكث ما شاء الله حتى رأى النبي صلى الله عليه وسلم فى البقيع قد تبع جنازة وحوله أصحابه وعليه شملتان مؤتزراً بواحدة ومرتدياً بالأخرى ، فاقترب منه وسلم عليه وأخذ يطيل النظر إلى أعلى ظهره ، فعرف الرسول صلى الله عليه وسلم طليته ، فألقى بردته عن كاهله فإذا خاتم النبوة بين كتفيه . فأكب سلمان الفارسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله ويبكى ثم جلس بين يديه يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأشار عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أن يكاتب سيده حتى يعتقه ولما كاتبه سيده أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة أن يعاونوه ، وفك سلمان رقبته من هذا الرق الظالم وصار حراً مسلماً متوجاً بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق والمشاهد كلها ، فقد حال الرق بينه وبين شهود بدر وأحد .

                  ولما جمع الأحزاب جموعهم وقصدوا المدينة ليستأصلوا شأفة المسلمين كان سلمان الفارسي صاحب الرأي الصائب بحفر الخندق فى الجهة المكشوفة من المدينة التي تصلح لهجوم جيش العدو عن طريقها . ووقى الله المسلمين بما أشار به سلمان . ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزا .

                  تعليق

                  • بن الإسلام
                    6- عضو متقدم

                    حارس من حراس العقيدة
                    • 30 سبت, 2009
                    • 961
                    • محاسب ولكنى داعى الى الله
                    • مسلم

                    #24
                    سلمان منا آل البيت


                    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه .. وبعد

                    فمنذ أسلم سلمان الفارسي وهو ينهل من النبع الصافي ومن الحكمة البالغة بصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أنس فى حياته الإسلامية أنساً كان يفتقده فى رحلة بحثه عن الحقيقة حتى جزاه الله الجزاء الأوفى ، وعوضه بهذا الجو الإيماني الذي تطمئن فيه القلوب وتسعد النفوس عن أموال أبيه وثرائه الذي خلفه وراء ظهره ساعياً إلى عتق نفسه من ذل عبودية الدنيا وزينتها .

                    وعاش سلمان بين الرسول وصحابته نفساً زكية نقية مجاهدة فى معارك الإسلام التي تنصر الحق وتدحض الباطل ، وهو صاحب المشورة بحفر الخندق حول المدينة فقد عرف فنون الحرب وأساليبها من موطنه الأصلي فى بلاد فارس ، ولم يكن للعرب معرفة ولا إلف بمثل ذلك فى حروبهم ، وفوجئ جيش المشركين الذي يضم أربعة وعشرين ألف مقاتل تحت قيادة أبى سفيان وعيينة بن حصن – بهذا الخندق الذي حال بينهم وبين ما يريدون من اقتحام المدينة والقضاء على دولة الإسلام فيها . ووقف هذا الجيش الزاحف عاجزاً عن اقتحام هذا الخندق الذي حفره الرسول وصحبه بمشورة سلمان الفارسي واستمرت قوات هذا الجيش جاثمة فى خيامها شهراً لا تقدر فيه على شيء حتى أرسل الله عليهم ريحاً عاتية اقتلعت خيامهم وبددت شملهم وألقت الرعب فى قلوبهم ، ونادى أبو سفيان فى جنوده آمراً بالرحيل إلى حيث جاءوا فلولاً يائسة منهوكة مقهورة (( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ، وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزاً )) . ويوم الخندق وقف الأنصار يقولون : سلمان منّا ، ووقف المهاجرون يقولون : سلمان منّا ، وناداهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلاً : ( سلمان منّا آل البيت ) أيّ شرف هذا الذي حظي به سلمان الفارسي الأصل أن يصبح بإسلامه وإيمانه وجهاده واحداً من آل بيت النبوة ، وإنّه لوسام شريف تتضاءل دونه كل أوسمة التكريم والتقدير .

                    وكان سلمان حقيقاً بمثل هذا التكريم فقد ملأه الإسلام علماً وحكمة وزهداً وهمة عالية – فمن علمه أنه اعترض على صديقه أبي الدرداء حين وجده يقوم الليل ويصوم النهار ويجهد نفسه فى العبادة إلى درجة الإعياء . قال له سلمان : يا أبا الدرداء : إنّ لعينيك عليك حقاً ، وإنّ لأهلك عليك حقاً ، فأعط كل ذي حق حقه ، صم وأفطر وقم ونم .

                    وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( لقداُشبع سلمان علماً ) .

                    ومن حكمته التي عرفت عنه فى مواقف كثيرة : كان الإمام على كرّم الله وجهه يلقبه بـ ( لقمان الحكيم ) ويقول عنه : ( ذاك امرؤ منّا وإلينا أهل البيت .. من لكم بمثل لقمان الحكيم ، أوتي العلم الأول ، والعلم الآخر ، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر ، وكان بحراً لا ينزف ) .

                    ومن زهده أنّه كان عطاؤه من بيت المال وفيراً ، كان بين أربعة آلاف وستة آلاف درهم فى العام ، فلم يكن يأخذ لنفسه منه شيئاً ، ويوزعه جميعه ويكسب رزقه من عمل يده فى صناعة الخوص التي كان يعيش منها كفافاً وهو راض عن ذلك كل الرضا .

                    رحم الله سلمان الفارسي . مثلاً تفخر به أجيال المسلمين من بعده وتراه قمة شامخة فى العالمين .

                    تعليق

                    مواضيع ذات صلة

                    تقليص

                    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                    ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 5 مار, 2023, 03:34 م
                    ردود 0
                    29 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة صلاح عامر
                    بواسطة صلاح عامر
                    ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 4 مار, 2023, 10:00 ص
                    ردود 2
                    36 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة صلاح عامر
                    بواسطة صلاح عامر
                    ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 4 مار, 2023, 08:33 ص
                    ردود 0
                    65 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة صلاح عامر
                    بواسطة صلاح عامر
                    ابتدأ بواسطة mohamed faid, 16 فبر, 2023, 08:41 ص
                    ردود 0
                    150 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة mohamed faid
                    بواسطة mohamed faid
                    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 20 نوف, 2021, 03:50 ص
                    ردود 0
                    52 مشاهدات
                    0 معجبون
                    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                    بواسطة *اسلامي عزي*
                    يعمل...