«عبيد البابا شنودة»
بقلم بلال فضل ١/ ٩/ ٢٠١٠
١ـ «مافيش فايدة».. حتى لو لم يكن سعد زغلول قد قالها، دعونى أقلها لكم على أساس أننى من جيرانه، والجار أولى بالشفعة، والله العظيم ثلاثا أخشى ما أخشاه أن يأتى اليوم الذى نقولها جميعا وبأعلى حِسنَا ومن أعماق قلوبنا، طالما ظللنا مصممين ومع سبق الإصرار والترصد على الشروع فى إجراءات الانتحار الجماعى فى محرقة الفتنة الطائفية، وطالما ظللنا راضين بأن يحكمنا أناس عديمو الكفاءة، راضون عن أنفسهم إلى حد مخجل يجعلهم لا يدركون أساسا أن أم الكوارث التى تهدد أمننا القومى بل ووجودنا ذات نفسه، ليست كارثة القمح ولا كارثة مياه النيل ولا كارثة الكهرباء، بل كارثة الهوس الدينى، التى تجتاح المصريين مسلمين ومسيحيين، لدرجة أنه لم يعد أغلب الناس فى هذا الوطن يرغبون فى التوقف عن الغوص فى الأتون الطائفى ولو حتى لالتقاط الأنفاس والتفكير فى المصير المجهول الذى ينتظرنا جميعا، إذا قرر كل منا أن يعيش داخل حدود دينه، وينسى أننا نعيش فى وطن واحد أصبحنا للأسف نعمل جاهدين على أن نذهب به إلى الجحيم، ببركات دولة مشغولة بتأمين مستقبل شاب اسمه جمال، ربما كان أنصاره فى قمة السعادة لأن الشباب المسيحى لم يعد يهتف أمام كاتدرائية العباسية «يا جمال قول للريس.. خطف بناتنا مش كويس»، بل أصبح يهتف قائلا «يا جمال ياللى هتبقى ريس.. خطف بناتنا مش كويس» وربما ستكتمل سعادتهم لو هتف الملتحون المتظاهرون أمام مسجد النور فى العباسية «يا جمال قول للفاميليا.. هاتوا لنا وفاء وكاميليا».
حتى أمس الأول لم أكن من الذين يؤمنون بأن شعر الرأس يمكن أن يقف فزعا، لكننى الآن أؤمن بذلك بعد أن خضت التجربة بنفسى، كان ذلك بعد أن قرأت مانشيتا نشرته صحيفة الدستور يقول بالنص «مصدر كنسى: البابا لن يسمح لكاميليا شحاتة بالظهور حتى لو حدثت مظاهرة كل يوم»، قبل أن أقرأ هذا الخبر الصادم الذى لم يهز شعرة فى رأس النظام المتبلد، كنت مازلت أحاول التعافى من خيبة أملى فى بعض أصدقائى المسيحيين، بعد أن اكتشفت أنهم على عكس ما كنت أعتقد لا يفضلون أن يتم التعامل معهم كمواطنين كاملى المواطنة، بل يفضلون أن يعيشوا كأقلية فى وطنهم، لأن وضع الأقلية، كما يتصورون، يعطيهم مميزات تحميهم من الاضطهاد، بالطبع إذا كنت مواطنا كامل المواطنة لن يتفهم أحد موافقتك على احتجاز سيدة فى كنيسة لمجرد أنها زوجة كاهن، لن يستوعب أحد لماذا تتظاهر من أجل فتاة قررت أن تغير دينها، ولو حتى من أجل سبب دنيوى، لن يستوعب أحد لماذا توافق على أن يتحدث باسمك رجل دين، ولا لماذا تقبل أن تكون متاعا يُورّث بطريقة مهينة لمجرد أن تساعدك الدولة على اختطاف امرأة ترغب فى تغيير دينها؟ ولا لماذا تتصور أن مشكلتك تكمن فى تناقص عدد أبناء دينك وليست فى أنك تعيش فى دولة بائسة متردية الأوضاع؟
لن تكون عادلا لو خاب أملك فى إخوانك المسيحيين فقط، فى هذا الوطن مافيش حد أحسن من حد، أصبحنا جميعا بحمد الله شركاء فى التخلف وضيق الأفق والرغبة فى تدمير الذات. أنظر إلى وجوه الذين يخوضون حرب استعادة كاميليا شحاتة، وأسأل نفسى بحرقة وأسى: هل يؤمن هؤلاء حقا بحرية العقيدة للجميع؟، إذا كانوا محروقين فعلا على قهر إرادة مواطنة مصرية فلماذا لم نرهم يوما من قبل محروقين على قهر إرادتهم منذ الأزل، ولا على أنهم يعيشون فى دولة مقهورة بين الأمم؟، أين تذهب حرقتهم هذه فى مواجهة الفساد والظلم والتجهيل والإفقار والتوريث؟، ألا يعلمون أنهم لو جاهدوا فى سبيل دولة ديمقراطية مدنية تحترم حرية الإنسان وحقوقه لن يكونوا مضطرين للتظاهر فى عز الشمس أصلا، لأنهم سيعيشون فى ظل دولة لن يجرؤ أحد، أيا كان طول ذقنه، على احتجاز مواطن بشكل غير قانونى فى قسم شرطة فضلا عن كنيسة، ولن يجرؤ أحد على ادعاء أنه يمتلك ماء السماء الطهور الذى سيغسل به نجاسات من يختلفون معه فى الرأى.
عندما أعدت نشر مقال «كلاكيت عاشر فتنة» كان لدىّ من الشجاعة ما يجعلنى أعترف بعجزى عن إيجاد جديد أقوله لمن يطالبنى بإبداء رأى فى قضية كاميليا شحاتة، وكنت أظن أن ذلك العجز عن إيجاد الجديد سيمتد إلى القراء، وعلى رأسهم أولئك الذين سبق لهم أن كفّرونى عقب المرتين اللتين نشرت فيهما ذلك المقال، لكننى أعترف بأننى كنت مخطئا تماما، فمصر ولادة، ولذلك لايزال لدى الكثير من أبناء وطننا الجديد المبهر ما يضيفونه فى مجال الفتنة والتكفير، لن يتسع المقام لنشر كل ما جاءنى من رسائل، سأختار بلغة البحث العلمى «عينتين دالتين» من تلك الرسائل، لأننى شعرت بأن من كتبهما يمتلك درجة مخيفة من تصديق الذات، فضلا عن بذله لمجهود مُضنِ من أجل إدهاشى وإشعارى أننى كنت «حمارا حصاويا» عندما تخيلت أننى مستوعب لأبعاد ما يحدث من حولى.
الرسالة الأولى جاءتنى من الأستاذة هبة يسرى وقالت فيها بالنص «تعليقا على مقالك كلاكيت عاشر فتنة أحب أقول لك أولا أنت لا تجرؤ أن تكتب أى شىء يعارض أو ينتقد (...) الكنيسة (...) شنودة، الذى صار إله الليبراليين والعلمانيين ويعبدوه من دون الله. ثانيا: مقالك كلام فارغ لأن محمد حجازى اتنصر ولم يعترضه أحد وفعلا قلنا له مع ألف سلامة. معملناش مظاهرات ولا اعتصمنا فى الأزهر عشان يرجع تانى ولا عندنا فرق كشافة مسلمة تروح تخطف الناس من بيوتها فى عز الضهر زى ما الكنيسة عملت مع ياسمين المسيحية التى أسلمت وتزوجت من مسلم وسكنت فى الطالبية بحى الهرم وخطفتها الكنيسة بمعاونة ٢٠ بلطجياً مسيحياً مسلحاً. ونجلاء الإمام اتنصرت ماعملناش مظاهرات ولا قولنا اتخطفت ولا عايزينها ترجع.. وماهر الجوهرى اتنصر.. معملناش مظاهرات.. وغيرهم لم نعطهم اهتماماً لكن جرايد ساويرس زى «المصرى اليوم» اللى بتكتب فيها هى من عملت قيمة وسعر لهؤلاء المتنصرين وتحدثت عنهم لتشنّع على الإسلام.
ثالثا: إنت بتحاول التغطية على قضية كاميليا شحاتة، لماذا لا تكتب وتطالب بالإفراج عنها، ليه الكنيسة تاخدها أساسا وعلشان إيه، هل سمعت فى يوم إن الأزهر طالب بتسليم محمد حجازى أو نجلاء أو ماهر؟! ليه عايز تشنّع على المسلمين بالباطل؟. دلوقتى فيه مواطنة مخطوفة ومحجوزة فى الكنيسة ليه ما تطالبش الكنيسة إنها تظهر فى التليفزيون وكمان وفاء قسطنطين، اللى الدكتور زغلول النجار قال إنها اتقتلت والكنيسة ماردتش؟. تخيل لو جماعة الإخوان خطفت مسلم اتنصر، مش كان زمان الأمن المركزى محاوط كل بيوت الإخوان فى مصر وبيعتقل فيهم. إشمعنى بقى مفيش أمن مركزى يروح يحاوط الكنيسة ويجبرها تطلع كاميليا ووفاء .
وليه الحكومة ساكتة قدام شنودة عشان بيقول إنه هينتخب جمال مبارك؟ فى إسرائيل البنات بتسلم محدش بيسمع صوت حاخام والتليفزيون الإسرائيلى بيستضيفهم كمان، يعنى إسرائيل أحسن من مصر فى احترام الإسلام. ماتحاولش تقلب الموضوع وتعمل إن المسلمين برضه زى المسيحيين بيعملوا مظاهرات عشان واحد اتنصر أو اتهود. لو كان عندك مبدأ فعلا كنت كتبت مقالة تطلب فيها من الحكومة إنها تحاصر الكنيسة وتجبرها على تسليم كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين وتعتقل أغابيوس أسقف الصعيد اللى قال إنه بيغسلها المغسول وبيديها حبوب هلوسة جننتها. لكن إنت بتاكل عيش عند ساويرس معذور. زيك زى اليوم السابع والدستور.. وأكل العيش يحب الخفية.. والاسم إنكم مسلمين مستنيرين ليبراليين علمانيين وإنتم أساسا بتعبدوا شنودة وبتساعدوه على عمل دولة فى الصعيد زى السادات الله يرحمه ما قال. إنتم مستفزين وبكتب والله وأنا حاسة بقرف من حركاتكم الخايبة».
المفروض إن الأستاذة هبة كتبت هذه السطور التى يختلط فيها الحق بالباطل، والمنطق بالهراء، وهى تعتقد أنها ستجعلها أقرب إلى الله، لأنها تجاهد فى سبيله ضد أمثالى من «عبيد شنودة» طبقا لتعبيرها، الذى يقطر إيمانا وتقوى وعفة، هى تعتقد أن أمثالى لا يصح أن يشملهم التوجيه الإلهى بالدعوة إلى سبيل الله «بالحكمة والموعظة الحسنة»، ولعلها كانت صائمة وهى تكتب سطورا تكفر فيها مسلما مثلها وتخونه وتسبه وتشتمه، دون أن تتذكر أن ذلك محرم شرعا ويوقعها تحت طائلة غضب الله، الذى نصبت نفسها وكيلة عنه، فقررت أننى أعبد غيره.
المضحك أنه فى حين أن كلا من (المصرى اليوم) و(الدستور) تشنان على بعضهما البعض غارات صحفية متقطعة، فالصحيفتان بالنسبة لهبة ومن شاكلها لا فرق بينهما، هما وصحيفة اليوم السابع بالمرة، لمجرد أن الأستاذ إبراهيم عيسى يقدم برنامجين فى قناة يملكها نجيب ساويرس، وخالد صلاح، رئيس تحرير اليوم السابع، كان يقدم برنامجا فى القناة نفسها، إذن فالكل فى تلك الصحف عبيد وأكلة عيش لدى المسيحيين ويساعدون على عمل دولة مسيحية فى الصعيد طبقا لما قاله المرحوم السادات (!) الذى أصبح فجأة مرجعا يستشهد به المكفرون، ولعل فى ذلك ما يكشف لك مدى تسرطن التطرف فى بلادنا وتعقده يوما بعد يوم.
بالمناسبة إذا كنت تظن أن هذا رأى فردى تنفرد به هبة، أرجوك جَرِّب إضاعة وقتك فى تصفح مئات المواقع والمنتديات التى تزعم الغيرة على الإسلام، وستجد أنه ليس رأيا فرديا على الإطلاق، بل ستلاحظ أن نفس هذه النغمة التى ترددها هبة بحق «المصرى اليوم» تقال الآن عن الدستور بعد أن وضعت على ترويستها قبل أيام اسم رجل الأعمال المسيحى الأستاذ رضا إدوارد، كعضو منتدب للجريدة.
ونكمل غدا بإذن الله إذا عشنا وكان لنا نشر.
بقلم بلال فضل ١/ ٩/ ٢٠١٠
١ـ «مافيش فايدة».. حتى لو لم يكن سعد زغلول قد قالها، دعونى أقلها لكم على أساس أننى من جيرانه، والجار أولى بالشفعة، والله العظيم ثلاثا أخشى ما أخشاه أن يأتى اليوم الذى نقولها جميعا وبأعلى حِسنَا ومن أعماق قلوبنا، طالما ظللنا مصممين ومع سبق الإصرار والترصد على الشروع فى إجراءات الانتحار الجماعى فى محرقة الفتنة الطائفية، وطالما ظللنا راضين بأن يحكمنا أناس عديمو الكفاءة، راضون عن أنفسهم إلى حد مخجل يجعلهم لا يدركون أساسا أن أم الكوارث التى تهدد أمننا القومى بل ووجودنا ذات نفسه، ليست كارثة القمح ولا كارثة مياه النيل ولا كارثة الكهرباء، بل كارثة الهوس الدينى، التى تجتاح المصريين مسلمين ومسيحيين، لدرجة أنه لم يعد أغلب الناس فى هذا الوطن يرغبون فى التوقف عن الغوص فى الأتون الطائفى ولو حتى لالتقاط الأنفاس والتفكير فى المصير المجهول الذى ينتظرنا جميعا، إذا قرر كل منا أن يعيش داخل حدود دينه، وينسى أننا نعيش فى وطن واحد أصبحنا للأسف نعمل جاهدين على أن نذهب به إلى الجحيم، ببركات دولة مشغولة بتأمين مستقبل شاب اسمه جمال، ربما كان أنصاره فى قمة السعادة لأن الشباب المسيحى لم يعد يهتف أمام كاتدرائية العباسية «يا جمال قول للريس.. خطف بناتنا مش كويس»، بل أصبح يهتف قائلا «يا جمال ياللى هتبقى ريس.. خطف بناتنا مش كويس» وربما ستكتمل سعادتهم لو هتف الملتحون المتظاهرون أمام مسجد النور فى العباسية «يا جمال قول للفاميليا.. هاتوا لنا وفاء وكاميليا».
حتى أمس الأول لم أكن من الذين يؤمنون بأن شعر الرأس يمكن أن يقف فزعا، لكننى الآن أؤمن بذلك بعد أن خضت التجربة بنفسى، كان ذلك بعد أن قرأت مانشيتا نشرته صحيفة الدستور يقول بالنص «مصدر كنسى: البابا لن يسمح لكاميليا شحاتة بالظهور حتى لو حدثت مظاهرة كل يوم»، قبل أن أقرأ هذا الخبر الصادم الذى لم يهز شعرة فى رأس النظام المتبلد، كنت مازلت أحاول التعافى من خيبة أملى فى بعض أصدقائى المسيحيين، بعد أن اكتشفت أنهم على عكس ما كنت أعتقد لا يفضلون أن يتم التعامل معهم كمواطنين كاملى المواطنة، بل يفضلون أن يعيشوا كأقلية فى وطنهم، لأن وضع الأقلية، كما يتصورون، يعطيهم مميزات تحميهم من الاضطهاد، بالطبع إذا كنت مواطنا كامل المواطنة لن يتفهم أحد موافقتك على احتجاز سيدة فى كنيسة لمجرد أنها زوجة كاهن، لن يستوعب أحد لماذا تتظاهر من أجل فتاة قررت أن تغير دينها، ولو حتى من أجل سبب دنيوى، لن يستوعب أحد لماذا توافق على أن يتحدث باسمك رجل دين، ولا لماذا تقبل أن تكون متاعا يُورّث بطريقة مهينة لمجرد أن تساعدك الدولة على اختطاف امرأة ترغب فى تغيير دينها؟ ولا لماذا تتصور أن مشكلتك تكمن فى تناقص عدد أبناء دينك وليست فى أنك تعيش فى دولة بائسة متردية الأوضاع؟
لن تكون عادلا لو خاب أملك فى إخوانك المسيحيين فقط، فى هذا الوطن مافيش حد أحسن من حد، أصبحنا جميعا بحمد الله شركاء فى التخلف وضيق الأفق والرغبة فى تدمير الذات. أنظر إلى وجوه الذين يخوضون حرب استعادة كاميليا شحاتة، وأسأل نفسى بحرقة وأسى: هل يؤمن هؤلاء حقا بحرية العقيدة للجميع؟، إذا كانوا محروقين فعلا على قهر إرادة مواطنة مصرية فلماذا لم نرهم يوما من قبل محروقين على قهر إرادتهم منذ الأزل، ولا على أنهم يعيشون فى دولة مقهورة بين الأمم؟، أين تذهب حرقتهم هذه فى مواجهة الفساد والظلم والتجهيل والإفقار والتوريث؟، ألا يعلمون أنهم لو جاهدوا فى سبيل دولة ديمقراطية مدنية تحترم حرية الإنسان وحقوقه لن يكونوا مضطرين للتظاهر فى عز الشمس أصلا، لأنهم سيعيشون فى ظل دولة لن يجرؤ أحد، أيا كان طول ذقنه، على احتجاز مواطن بشكل غير قانونى فى قسم شرطة فضلا عن كنيسة، ولن يجرؤ أحد على ادعاء أنه يمتلك ماء السماء الطهور الذى سيغسل به نجاسات من يختلفون معه فى الرأى.
عندما أعدت نشر مقال «كلاكيت عاشر فتنة» كان لدىّ من الشجاعة ما يجعلنى أعترف بعجزى عن إيجاد جديد أقوله لمن يطالبنى بإبداء رأى فى قضية كاميليا شحاتة، وكنت أظن أن ذلك العجز عن إيجاد الجديد سيمتد إلى القراء، وعلى رأسهم أولئك الذين سبق لهم أن كفّرونى عقب المرتين اللتين نشرت فيهما ذلك المقال، لكننى أعترف بأننى كنت مخطئا تماما، فمصر ولادة، ولذلك لايزال لدى الكثير من أبناء وطننا الجديد المبهر ما يضيفونه فى مجال الفتنة والتكفير، لن يتسع المقام لنشر كل ما جاءنى من رسائل، سأختار بلغة البحث العلمى «عينتين دالتين» من تلك الرسائل، لأننى شعرت بأن من كتبهما يمتلك درجة مخيفة من تصديق الذات، فضلا عن بذله لمجهود مُضنِ من أجل إدهاشى وإشعارى أننى كنت «حمارا حصاويا» عندما تخيلت أننى مستوعب لأبعاد ما يحدث من حولى.
الرسالة الأولى جاءتنى من الأستاذة هبة يسرى وقالت فيها بالنص «تعليقا على مقالك كلاكيت عاشر فتنة أحب أقول لك أولا أنت لا تجرؤ أن تكتب أى شىء يعارض أو ينتقد (...) الكنيسة (...) شنودة، الذى صار إله الليبراليين والعلمانيين ويعبدوه من دون الله. ثانيا: مقالك كلام فارغ لأن محمد حجازى اتنصر ولم يعترضه أحد وفعلا قلنا له مع ألف سلامة. معملناش مظاهرات ولا اعتصمنا فى الأزهر عشان يرجع تانى ولا عندنا فرق كشافة مسلمة تروح تخطف الناس من بيوتها فى عز الضهر زى ما الكنيسة عملت مع ياسمين المسيحية التى أسلمت وتزوجت من مسلم وسكنت فى الطالبية بحى الهرم وخطفتها الكنيسة بمعاونة ٢٠ بلطجياً مسيحياً مسلحاً. ونجلاء الإمام اتنصرت ماعملناش مظاهرات ولا قولنا اتخطفت ولا عايزينها ترجع.. وماهر الجوهرى اتنصر.. معملناش مظاهرات.. وغيرهم لم نعطهم اهتماماً لكن جرايد ساويرس زى «المصرى اليوم» اللى بتكتب فيها هى من عملت قيمة وسعر لهؤلاء المتنصرين وتحدثت عنهم لتشنّع على الإسلام.
ثالثا: إنت بتحاول التغطية على قضية كاميليا شحاتة، لماذا لا تكتب وتطالب بالإفراج عنها، ليه الكنيسة تاخدها أساسا وعلشان إيه، هل سمعت فى يوم إن الأزهر طالب بتسليم محمد حجازى أو نجلاء أو ماهر؟! ليه عايز تشنّع على المسلمين بالباطل؟. دلوقتى فيه مواطنة مخطوفة ومحجوزة فى الكنيسة ليه ما تطالبش الكنيسة إنها تظهر فى التليفزيون وكمان وفاء قسطنطين، اللى الدكتور زغلول النجار قال إنها اتقتلت والكنيسة ماردتش؟. تخيل لو جماعة الإخوان خطفت مسلم اتنصر، مش كان زمان الأمن المركزى محاوط كل بيوت الإخوان فى مصر وبيعتقل فيهم. إشمعنى بقى مفيش أمن مركزى يروح يحاوط الكنيسة ويجبرها تطلع كاميليا ووفاء .
وليه الحكومة ساكتة قدام شنودة عشان بيقول إنه هينتخب جمال مبارك؟ فى إسرائيل البنات بتسلم محدش بيسمع صوت حاخام والتليفزيون الإسرائيلى بيستضيفهم كمان، يعنى إسرائيل أحسن من مصر فى احترام الإسلام. ماتحاولش تقلب الموضوع وتعمل إن المسلمين برضه زى المسيحيين بيعملوا مظاهرات عشان واحد اتنصر أو اتهود. لو كان عندك مبدأ فعلا كنت كتبت مقالة تطلب فيها من الحكومة إنها تحاصر الكنيسة وتجبرها على تسليم كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين وتعتقل أغابيوس أسقف الصعيد اللى قال إنه بيغسلها المغسول وبيديها حبوب هلوسة جننتها. لكن إنت بتاكل عيش عند ساويرس معذور. زيك زى اليوم السابع والدستور.. وأكل العيش يحب الخفية.. والاسم إنكم مسلمين مستنيرين ليبراليين علمانيين وإنتم أساسا بتعبدوا شنودة وبتساعدوه على عمل دولة فى الصعيد زى السادات الله يرحمه ما قال. إنتم مستفزين وبكتب والله وأنا حاسة بقرف من حركاتكم الخايبة».
المفروض إن الأستاذة هبة كتبت هذه السطور التى يختلط فيها الحق بالباطل، والمنطق بالهراء، وهى تعتقد أنها ستجعلها أقرب إلى الله، لأنها تجاهد فى سبيله ضد أمثالى من «عبيد شنودة» طبقا لتعبيرها، الذى يقطر إيمانا وتقوى وعفة، هى تعتقد أن أمثالى لا يصح أن يشملهم التوجيه الإلهى بالدعوة إلى سبيل الله «بالحكمة والموعظة الحسنة»، ولعلها كانت صائمة وهى تكتب سطورا تكفر فيها مسلما مثلها وتخونه وتسبه وتشتمه، دون أن تتذكر أن ذلك محرم شرعا ويوقعها تحت طائلة غضب الله، الذى نصبت نفسها وكيلة عنه، فقررت أننى أعبد غيره.
المضحك أنه فى حين أن كلا من (المصرى اليوم) و(الدستور) تشنان على بعضهما البعض غارات صحفية متقطعة، فالصحيفتان بالنسبة لهبة ومن شاكلها لا فرق بينهما، هما وصحيفة اليوم السابع بالمرة، لمجرد أن الأستاذ إبراهيم عيسى يقدم برنامجين فى قناة يملكها نجيب ساويرس، وخالد صلاح، رئيس تحرير اليوم السابع، كان يقدم برنامجا فى القناة نفسها، إذن فالكل فى تلك الصحف عبيد وأكلة عيش لدى المسيحيين ويساعدون على عمل دولة مسيحية فى الصعيد طبقا لما قاله المرحوم السادات (!) الذى أصبح فجأة مرجعا يستشهد به المكفرون، ولعل فى ذلك ما يكشف لك مدى تسرطن التطرف فى بلادنا وتعقده يوما بعد يوم.
بالمناسبة إذا كنت تظن أن هذا رأى فردى تنفرد به هبة، أرجوك جَرِّب إضاعة وقتك فى تصفح مئات المواقع والمنتديات التى تزعم الغيرة على الإسلام، وستجد أنه ليس رأيا فرديا على الإطلاق، بل ستلاحظ أن نفس هذه النغمة التى ترددها هبة بحق «المصرى اليوم» تقال الآن عن الدستور بعد أن وضعت على ترويستها قبل أيام اسم رجل الأعمال المسيحى الأستاذ رضا إدوارد، كعضو منتدب للجريدة.
ونكمل غدا بإذن الله إذا عشنا وكان لنا نشر.
تعليق