نجاسة المشرك كما وردت في العهد القديم والعهد الجديد
تأليف
د . محمد بن عبد الله بن صالح السحيم
عضو هيئة التدريس قسم الدراسات الإسلامية
في كلية التربية جامعة الملك سعود
تأليف
د . محمد بن عبد الله بن صالح السحيم
عضو هيئة التدريس قسم الدراسات الإسلامية
في كلية التربية جامعة الملك سعود
يحسن بنا قبل أن نستعرض نصوص العهدين ـ القديم والجديد ـ أن ننظر ماذا قال قاموس الكتاب المقدس عن النجاسة، فقد ورد تحت مادة نجس : " نجاسة : خصص جزء كبير من العهد القديم لتبيان موقف الشريعة من النجاسة." ثم سرد مواقع هذه النصوص، وقال بعدها: (أما نجاسة القلب فهي الخطيئة، وهي تنتج من القلب , وتمتد إلى الفكر والضمير).(142)
وحينما تتابع مواقع هذه النصوص تجد أن نصوصا كثيرة وردت في العهدين تصِمُ أصنافا من البشر بالنجاسة، كما تذكر أن الإنسان النجس ينجّس المكان الذي يحل فيه، بل ينجّس الزمان الذي يعيش فيه، وجاء في بعضها ضرورة نفي الإنسان النجس إلى خارج المدينة التي يعيش فيها الطاهرون، كما جاء في بعضها إن الخطيئة تمتد في ذرية المذنب ويتوارثها أبناؤه.
فقد تضمنت نصوص العهدين أن عبادة الأصنام تنجس صاحبها, كقول حزقيال: (وقلت لأبنائهم في البرية: لا تسلكوا في فرائض آبائكم، ولا تحفظوا أحكامهم، ولا تتنجسوا بأصنامهم).(143)
وفي سفر حزقيال ـ أيضا ـ ورد أن الكهنة (144) خالفوا الشريعة، ولم يفرقوا بين الحلال والحرام، ولا بين النجس والطاهر، حيث يقول: (كهنتها خالفوا شريعتي، ونجسوا أقداسي، لم يميزوا بين المقدس والمحلل، ولم يعلموا الفرق بين النجس والطاهر، وحجبوا عيونهم عن سبوتي؛ فتدنست في وسطهم).(145)
وفي سفر صفنيا: (كهنتها نجسوا القدس، خالفوا الشريعة).(146) ففي هذا النص ذكر أن مخالفي الشريعة نجسوا المكان والزمان، وفي النص التالي أن الكهنة أكثروا من الخيانة، وشابهوا الأمم الأخرى في ضلالها: ( حتى إن جميع رؤساء الكهنة والشعب أكثروا من الخيانة حسب كل رجاسات الأمم، ونجسوا بيت الرب الذي قدسه في أورشليم). (147)
بل جاءت نصوص تعتبر الشعوب الأخرى نجسة , وتنجس البيت المقدس، كما في سفر حزقيال: ( يكفيكم كل رجاساتكم - يا بيت إسرائيل - بإدخالكم أبناء الغريب الغلف القلوب، الغلف اللحم؛ ليكونوا في مقدسي , فينجسوا بيتي). (148)
ولم تقتصر هذه النصوص على وصم المشرك أو الكافر بالنجاسة، بل نجد نصوصا من نصوص العهد القديم ـ تصف المذنب بالنجس , كما ورد ذلك في حزقيال (149) ، وفي سفر الاويين: ( ولا تقترب إلى امرأة في نجاسة طمثها؛ لتكشف عورتها، ولا تجعل مع امرأة صاحبك مضجعك لزرع , فتتنجس بها... ولا تضاجع ذكرا مضاجعة امرأة؛ إنه رجس... بكل هذه لا تنجسوا؛ لأنه بكل هذه قد تنجس الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامك). (150)
وفي سفر العدد ورد التحذير, من الزنى واعتبار من يقترفه نجسا: (وكلم الرب موسى قائلا : كلم بني إسرائيل وقل لهم : إذا زاغت امرأة رجل , وخانته خيانة , واضطجع معها رجل اضطجاع زرع , وأخفى ذلك عن عيني رجلها , واستترت , وهي نجسة) .(151)
وفي سفر التثنية ورد تحريم دخول الخصي وابن الزنى حتى الجيل العاشر في الجماعة اليهودية :( لا يدخل مخصي بالرضّ أو مجبوب في جماعة الرب، لا يدخل ابن زنى في جماعة الرب حتى الجيل العاشر، لا يدخل منه أحد في جماعة الرب، لا يدخل عموني(152) ولا موآبي(153) في جماعة الرب حتى الجيل العاشر، لا يدخل منهم أحد في جماعة الرب إلى الأبد). (154) فهذا النص تضمن تحريم دخول الخصي والمجبوب وابن الزنى في الجماعة اليهودية، بل حرم - تحريما أبديا - دخول شعوب بأكملها في هذه الجماعة. ولا تظن أن هذا النص يقدسه اليهود فقط ، بل النصارى تعتقد حجية كتب العهد القديم كما هو معروف، وتغالي فيها الأصولية المسيحية المعاصرة إذ تعتقد تنزيه الكتاب المقدس من الخطأ وأن نصوصه كتبت بإلهام.(155)
كما نجد في نصوص العهد الجديد مثل ذلك:
فقد جاء في سفر متى: ( وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر؛ وذاك ينجس الإنسان ؛ لأن من القلب تخرج أفكار شريرة: قتل، زنى، فسق، سرقة، شهادة زور، تجديف، هذه هي التي تنجس الإنسان). (156)
والنجاسة ليست وقفا على الأجساد , بل وصفت الأرواح بالنجاسة، فقد ذكر سفر زكريا الوعيد بالقضاء على الأرواح النجسة حيث يقول:( وأزيل الروح النجس). (157)
بل تتعدى الأجساد والأرواح والأحياء لتصل إلى الأموات، حيث ذكر الإنجيلي متى نجاسة الميت في قبره:( لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة، وهي في داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة).(158)
وهذه الآثام لا تقتصر نجاستها على مرتكبيها , بل تتجاوز ذلك إلى أن تنجس المكان الذي يحل فيه المذنب , كما جاء في سفر نحميا: (اذكرهم يا إلهي؛ لأنهم نجسوا الكهنوت).(159) ولذا ورد النص عندهم على ضرورة إخراج المذنب من المحلة ؛ لئلا ينجسها , كما في سفر العدد:( وكلم الرب موسى قائلا : أوص بني إسرائيل أن ينفوا من المحلة كل أبرص، وكل ذي سيل، وكل متنجس ، الذكر والأنثى ينفون إلى خارج المحلة تنفونهم؛ لكيلا ينجسوا محلاتهم).(160) ويلاحظ الباحث أن هذا النص تضمن إخراج الأبرص من المحلة؛ لئلا ينجس الأرض، والبرص أمر خارج عن قدرة الإنسان, ولا حيلة له في دفعه، ولا يتسبب الإنسان في جلبه لنفسه؛ ولكنها النصوص المحرفة , والعبث البشري المحض .
وإذا رأينا ـ فيما مر معنا ـ أن الشرك والذنب ينجس صاحبه , وينجس الأرض التي يحل فيها، فهو - أيضا - ينجس الزمان الذي يتقلب فيه، ففي سفر نحميا أن العمل يوم السبت يدنس اليوم حيث يقول: (فخاصمت عظماء يهوذا , وقلت لهم: ما هذا الأمر القبيح الذي تعملونه, وتدنسون يوم السبت ؟ ). (161)
كما جاء الترغيب في حفظ السبت, وعدم تنجيسه من قول إشعياء: ( الحافظ السبت؛ لئلا ينجسه). (162)
وأيضا فإن عبادة الأصنام تدنس الزمان:( لأنهم رفضوا أحكامي، ولم يسلكوا فرائضي, بل نجسوا سبوتي ؛ لأن قلبهم ذهب وراء أصنامهم).(163)
تعليق