بسم الله الرحمان الرحيم
نسعد دائما بمتابعة الحوارات التي يخوضها إخواننا و أساتذتنا مع زملائنا النصارى هداهم الله للحق ..
لأننا نتعلم منها و نستفيد فيها ...
و إن كانت الفائدة لا تكون تامة كاملة إلا إذا كان زملاؤنا النصارى على قدر من المصداقية و النزاهة ..
زميلنا زكا من المحاورين الجيدين الجادين الذين نتمنى لهم أن يفتح الله بصيرتهم يوما ما للحق الذي لا يأتيه الباطل أبدا ..
و إن كنا نعيب عليه بعض تسرعه في اتيان ما يظنه دليلا و خروجه سريعا منه بالاستنتاجات قبل أن يرى جلية الامر ...
لكن ذلك لا يمنعنا أن نحيي فيه سمو أخلاقه و أناقة حواراته و خلوها مما يشين من مبتذل الكلام و مستفزه ...
زميلنا الكريم ..
لست أدري بداية معنى تساؤلكم عن الشفاعة في الاسلام و مقارنتكم لها بما تسمونه فداء في معتقدكم ..
فالامران مختلفان متباينان حتى في تعريفهما اللغوي .. فكيف يتقاربان اصطلاحا !!
و سأكتب لكم ملاحظة بسيطة أراها قبل أن ادخل في صلب ما أريده من مشاركتي ..
الشفاعة كمفهوم مبسط تحتاج شافعا له القدرة على الشفاعة ،
و شفيعا له من الحظوة عند الشافع ما يجعل الشفاعة ممكنة ( لكنه لا يعدو أن يكون وسيطا) ،
و مشفوعا له مخطئا في حق الشافع أو محتاجا منه أمرا لا حول له و لا قوة في قبول الشفاعة أو عدمها ..
فهذه الحلقة كاملة متوازنة فيها رابط بين كل عناصرها (حاجة للشفيع و المشفوع له عند صاحب القدرة و المشيئة)
أما الفداء ففيه الرب و هو قابل الفداء ،
الابن و هو الفادي ( الذي هو في نفس الوقت القابل للفداء لأن الابن هو الاب ) و الفدية نفسها ( لأنه صلب نفسه )..
و المفدي و هم بنو الانسان المخطئين في حق الرب و الذين لم يطلبوا أن يفدوا أصلا .. بل تطوع الاب لفدائهم بابنه دون أن يسألوه ذلك .. !!!
فأين الرابط الذي تجدونه بين عناصر هذه الحلقة الثانية التي لسنا نستطيع ابدا إقفالها !!!
(فلست أرى فيها من ظن نفسه محتاجا لفداء لكي تقفل الحلقة)
فإن كان المشفوع له يطلب الشفاعة من الشافع و يتوسط له في ذلك الشفيع له ..
و في ذلك طلب و إجابة
فأين نجد ذلك في عناصر الحلقة الثانية .. حيث لم يطلب الخطاة الفداء بل تطوع به الرب لنفسه !!
أعتذر أني لست أجد معنى لهذا الكلام .. و لست أجد أي اساس لإجراء المقارنة ..
فهي ساقطة بلا شك من أول محاولة...
ثم أصل لما أردته من هذه المشاركة ..
الشفاعة عندنا زميلنا الكريم هي خاضعة لضوابط كما كل معتقدنا و الحمد لله ..
شرط تحققها الاساسي الايمان بالله عز و جل و ما يتبع ذلك من اتباع لشريعة الله و شرعه
أما الفداء عندكم فمفهوم مطلق ...
فيسوع الرب و ابن الرب فدى كل من آمن به .. سواء كان صالحا أو طالحا، تابعا لتعاليم الرب أو عنها مبتعدا، أصلح في الارض أو أفسد ..لا يهم ..
فيكفيه أن يعلم بأن يسوع ربه لأن يكون مفديا و مستحقا للنعيم ..
و هذا للاسف بعيد عن كل منطق .. فلكي تستحق مكسبا .. يجب أن تسعى إليه .. لا أن ترثه مع معتقدك ..
فذلك يجعل للعيش معنى و لحياتنا الدنيا غاية و هدفا ..
أعود للحديث عن ضوابط الشفاعة الشرعية في ديننا الحنيف :
أولها ما ذكره استاذنا الكريم الاندلسي بارك الله فيه و جزاه عن او عن الاسلام خيرا و هو :
أن لا أحد يشفع عند الله عز و جل إلا بإذنه، و أمثلتكم الآيات التي ساقها لكم أخونا الكريم في معرض استدلاله ..
ثاني الضوابط :
أن الشفاعة غير خاضعة لإرادة البشر و اختيارهم و لا لسائر خلق الله و ليست مطلقة الاهواء.. بل هي اختيار من الله للمشفع فيهم و رضاؤه عنهم ..
يقول الحق عز و جل : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون. لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون) الأنبياء 26 -28
فالشفاعة هي بإذن الله أولا ، و لمن اختار أن يقبل منهم الشفاعة و لمن كان عنه راضيا.
و حين نزلت الآية الكريمة: ( و أنذر عشيرتك المقربين)
خطب الحبيب المصطفى في قريش قائلا:
يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبله ببلالها.
و هو حديث في صحيح مسلم .
فإب كانت الشفاعة واقعة بإذنه تعالى كما وعد، فإن الحبيب المصطفى و هو ذو المرتبة العالية ليس له أن يختار من ينالها من الله و لو حتى ابنته فاطمة، فهو فقط يسألها و ربها يقبلها لمن يشاء من المشفع فيهم .
ثالث الضوابط أن الشفاعة لا تكون لكافر.. لأنه لا يملك الإيمان بالله و هو أساس الثواب ..
فإن كنت غير مؤمن بأن لك ربا شافعا و رسولا شفيعا و أن هناك أصلا شفاعة ... فما الذي سينالك مما لا تؤمن به !!!
و الكافر بالشفاعة كافر بالله لأن الشفاعة من كمال صفاته تعالى .. و من أنكرها كان به كافرا ..غير مستحق لها و لا لرحمته
رابع الضوابط : أن قبول الشفاعة هو فضل من الله يجعله لمن يشاء ..
و إنما كانت الشفاعة العظمى لسيد الخلق و خاتم المرسلين لعظم منزلته عند الله تعالى ..
و غيره من الخلق كثير تقبل منه .. فضلا من الله و نعمة
فنقول إذن بفضل الله كخلاصة لما قيل : للشفاعة ضوابط ( و ليست للفداء) و هي :
- أنها بمشيئة الله تكون و لها خاضعة
- يختار الله من ينزلها عليهم من خلقه المؤمنين المخطئين
- لا تكون لمن هو كافر بدين الله
- يقبلها الله ممن يشاء من أفاضل خلقه الشفعاء ..
و إنما كانت مشاركتي ردا على كلامكم هذا ..
يعنى هى المشكلة لفظة ( بإذن الله ) ؟؟ ..واضح من نص الحديث ان ربنا أذن له وأنتهينا أى خبر كان ماضى ...فهل تعتقد ان الرب سيعدل كلامه أو يبدل إذنه ..؟؟!!!
فأرجو أن أكون أصبت في الجواب ..
نسأل الله توفيقا للسداد في القول و العمل ..
هدانا الله و إياكم لكل خير و جعلنا ممن يستحقون شفاعته
و السلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته
تعليق