تسألوا ساخرين قالين: هل أم نبي الإسلام نجسة لأنها مشركة ،والقرآن يقول:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)" (التوبة)
الرد على الشبهة
أولاً:إن النجاسة التي تذكرها الآية المطهرة هي نجاسة معنوية لا حسية ؛نجاسة معتقد وهو( الكفر)،وهذه النجاسة لا تتعلق بالغسل ،والوضوء للصلاة ونحوها...
وعليه فإن الكافر نجس نجاسة معنوية نجاسة معتقد فقط...
جاء في تفسير ابن كثير: أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينًا وذاتًا بنفي المشركين، الذين هم نَجَس دينًا، عن المسجد الحرام، وألا يقربوه بعد نزول هذه الآية. وكان نزولها في سنة تسع؛ ولهذا بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليا صحبة أبي بكر-- عامئذ، وأمره أن ينادي في المشركين: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. فأتم الله ذلك، وحكم به شرعا وقدرا..... وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات؛ لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب، وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم.أهـ بتصرف
إذن النجاسة المقصودة هي نجاسة معتقد نجاسة معنوية ،وليست النجاسة التي تدور في إذهانهم....
ثانيًا:إن أمَّ نبيِّنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل الفترة .... وقد علّمنا النبيُّ r أن نعمل؛ لأنه لا أحدٌ يحمل ذنبَ أحدٍ ... ثبت ذلك في الصحيحين واللفظ للبخاري برقم 2548عن أبي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ - تعالى- :" وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ،يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَاأُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ،وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا" .
فبالنظر إلى الرواياتِ الصحيحة التي جاءت عن مصيرِ أمِه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجدتُ أنها من أهل الفترة ، وأهل الفترة يأخذون حكم الكفار في الدنيا لا نستغفر لهم،ويوم القيامة يختبرون ... الروايات تذكر أن محمدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سال ربه - تعالى- أن يستغفر لأمه ،فلم يأذن له... وذلك واضح من خلالِ روايتين هما :
الرواية الأولى : في صحيحِ مسلم1621برقم عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُأَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي ".
والرواية الثانية : في صحيح مسلم برقم1622عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ :" اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي فَزُورُواالْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ".
قلتُ : إن هذين الحديثين يدلان على رحمتِه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووفائِه ، فإنه بكي حتى أبكى منحوله لبكائِه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؛ لأنها لم تدركه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو رسول من عند اللهِ - تعالى- فتؤمن به .....
قال النوويُّ - رحمه اللهُ:-
قَوْله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( اِسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِر لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَن لِي ، وَاسْتَأْذَنْته أَنْ أَزُور قَبْرهَا فَأَذِنَ لِي ) فِيهِ جَوَاز زِيَارَة الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَيَاة ، وَقُبُورهمْ بَعْد الْوَفَاة ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَتْ زِيَارَتهمْ بَعْد الْوَفَاة فَفِي الْحَيَاة أَوْلَى ، وَقَدْ قَالَ اللَّه- تعالى- :"وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا" وَفِيهِ : النَّهْي عَنْالِاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه - : سَبَب زِيَارَته- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- َقَبْرهَا أَنَّهُ قَصَدَ قُوَّة الْمَوْعِظَة وَالذِّكْرَى بِمُشَاهَدَةِ قَبْرهَا ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِر الْحَدِيث : ( فَزُورُوا الْقُبُور فَإِنَّهَا تُذَكِّركُمْ الْمَوْت ) .
قَوْله : ( فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْله ) قَالَ الْقَاضِي : بُكَاؤُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ إِدْرَاك أَيَّامه ، وَالْإِيمَان بِه ِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . أهـ
قد يقال : ما الحكمة من كون أم النبي ماتت على غير دين محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؟
قلتُ : لعل ذلك أحفظ لدينِ اللهِ - تعالى- كي لا تُعبد أمُّه من دونِ اللهِ- تعالى- كما عُبِدت أمُّ المسيح من بعضِ طوائف المسيحية ، مثل: المريمية ، والنسطورية ، والملكانية....
فإن قيل: هناك حديث يثبت أن أم النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النار ،وذلك في مسند أحمد برقم3598 حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْبُنَانِيُّ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ ابْنَا مُلَيْكَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَا: إِنَّ أُمَّنَا كَانَتْ تُكْرِمُ الزَّوْجَ وَتَعْطِفُ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ وَذَكَرَ الضَّيْفَ غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أُمُّكُمَا فِي النَّارِ فَأَدْبَرَا وَالشَّرُّ يُرَى فِي وُجُوهِهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُدَّا فَرَجَعَا وَالسُّرُورُ يُرَى فِي وُجُوهِهِمَا رَجِيَا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَدَثَ شَيْءٌ فَقَالَ:أُمِّي مَعَ أُمِّكُمَا...
قلتُ :إن إسناده ضعيف لا يعتد به ، لضعف عثمان فقد ضعفه المحققون منهم:
1- الشيخ شعيب الأرنؤوط قائلاً: إسناده ضعيف.
2-الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة (ج24 /ص740) قال: منكر .
أخرجه الدارمي في "سننه"(2/325) ، والحاكم (2/364) ، والديلمي
في "مسند الفردوس" (1/81/2) من طريق الصَّعْق بْن حَزْنٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحَكَمِ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
قِيلَ لَهُ : مَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ : ... فذكره . وقال الحاكم:
« صحيح الإسناد وعثمان بن عمير هو : أبو اليقظان » وتعقبه الذهبي بقوله:
" لا والله ! فعثمان ضعفه الدارقطني ، والباقون ثقات".
قلت وهو عند الدارقطني أسوأ مما حكاه عنه ، فقد قال البرقاني في "سؤالاته"
(ص 51): "سألته عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ؟ فقال : كوفي متروك".
ولم يذكر الحافظ في "التهذيب" عن الدارقطني :"كوفي" ، وما أورده في
ترجمته من أقوال الأئمة فيه كلها مجمعة على تضعيفه . لكن روى ابن عدي في
"الكامل" (5/167) عن ابن معين قوله فيه :
"ليس به بأس" . وعن يحيى بن سعيد أنه سئل : "كيف حديثه؟" . فقال: "صالح"
وقد لخص الحافظ تلك الأقوال بقوله في "التقريب" : "ضعيف ، واختلط ، وكان يدلس ، ويغلو في التشيع".
3-جاء في كتاب جامع الأحاديث(ج6/ص 424) برقم 5465 أمي مع أمكما (أحمد ، والبزار ، والطبراني عن ابن مسعود قال جاء ابنا مليكة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالا: إن أمنا كانت تكرم الزوج وتعطف على الولد وتكرم الضيف غير أنها وأدت في الجاهلية قال إن أمكما في النار فأدبرا والسوء في وجهيهما فأمر بهما فرجعا والسرور يرى في وجهيهما رجاء أن يكون قد حدث شيء فذكره) [المناوي] أخرجه أحمد (1/398 ، رقم 3787) ، والبزار (4/339 ، رقم 1534) ، والطبرانى (10/80 ، رقم 10017) . وأخرجه أيضًا : الطبراني في الأوسط (3/82 ، رقم 2559) ، والحاكم (2/396 ، رقم 3385) . قال الهيثمي (10/362) : رواه أحمد ، والبزار ، والطبراني ، وفى أسانيدهم كلهم عثمان بن عمير ، وهو ضعيف .أهـ
إذًا من خلال ما سبق يتبين لنا: أنها ليست كافرةً مشركةً كما أدعوا بل كانت من أهل الفترة الذي يختبرون في الآخرة، ثم إن الآية نزلت في العام التاسع من هجرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ،وليس لها علاقة بمن كان قبل بعثة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ...و تتعلق بمنع المشركين من دخول المسجد الحرام...
ثالثًا: إن النجاسةَ الحقيقية التي تدور في أذهانهم؛ النجاسة الحسية هي التي كانت على مريم-أم الرب يسوع بحسب ايمانهم - وذلك لأن الكتاب المقدس يخبرنا أن المرأة التي تلد ذكرًا تصير نجسةً مدة أسبوع... وذلك في سفر ََالاَّوِيِّين َإصحاح 12 عدد 1وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 2«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً. 3وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ. 4ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا. 5وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا
ويبقى سؤال يطرح نفسه للمعترضين هو: هل مريم -أم الرب يسوع - بحسب معتقدهم كانت نجسة أسبوع لما ولدت يسوع ،أم أن يسوع كان سببًا في نجستها ...؟! لا تعليق !
والأعجب مما سبق أن سفر أللآوين يذكر مدى نجاسة المرأة ...ولا ننسى أن أم الرب يسوع بحسب إيمانهم امرأة (مريم) ...وذلك في سفر الآويِّين إصحاح 15 عدد 25«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ. 26كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. 27وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. لا تعليق!
كتبه/ أكرم حسن مرسي
الرد على الشبهة
أولاً:إن النجاسة التي تذكرها الآية المطهرة هي نجاسة معنوية لا حسية ؛نجاسة معتقد وهو( الكفر)،وهذه النجاسة لا تتعلق بالغسل ،والوضوء للصلاة ونحوها...
وعليه فإن الكافر نجس نجاسة معنوية نجاسة معتقد فقط...
جاء في تفسير ابن كثير: أمر تعالى عباده المؤمنين الطاهرين دينًا وذاتًا بنفي المشركين، الذين هم نَجَس دينًا، عن المسجد الحرام، وألا يقربوه بعد نزول هذه الآية. وكان نزولها في سنة تسع؛ ولهذا بعث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليا صحبة أبي بكر-- عامئذ، وأمره أن ينادي في المشركين: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان. فأتم الله ذلك، وحكم به شرعا وقدرا..... وأما نجاسة بدنه فالجمهور على أنه ليس بنجس البدن والذات؛ لأن الله تعالى أحل طعام أهل الكتاب، وذهب بعض الظاهرية إلى نجاسة أبدانهم.أهـ بتصرف
إذن النجاسة المقصودة هي نجاسة معتقد نجاسة معنوية ،وليست النجاسة التي تدور في إذهانهم....
ثانيًا:إن أمَّ نبيِّنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أهل الفترة .... وقد علّمنا النبيُّ r أن نعمل؛ لأنه لا أحدٌ يحمل ذنبَ أحدٍ ... ثبت ذلك في الصحيحين واللفظ للبخاري برقم 2548عن أبي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ - تعالى- :" وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ،يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَاأُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا ،وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا" .
فبالنظر إلى الرواياتِ الصحيحة التي جاءت عن مصيرِ أمِه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجدتُ أنها من أهل الفترة ، وأهل الفترة يأخذون حكم الكفار في الدنيا لا نستغفر لهم،ويوم القيامة يختبرون ... الروايات تذكر أن محمدًا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سال ربه - تعالى- أن يستغفر لأمه ،فلم يأذن له... وذلك واضح من خلالِ روايتين هما :
الرواية الأولى : في صحيحِ مسلم1621برقم عن أبي هريرة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُأَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي ".
والرواية الثانية : في صحيح مسلم برقم1622عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: زَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ :" اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي فَزُورُواالْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ ".
قلتُ : إن هذين الحديثين يدلان على رحمتِه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ووفائِه ، فإنه بكي حتى أبكى منحوله لبكائِه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؛ لأنها لم تدركه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو رسول من عند اللهِ - تعالى- فتؤمن به .....
قال النوويُّ - رحمه اللهُ:-
قَوْله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ( اِسْتَأْذَنْت رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِر لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَن لِي ، وَاسْتَأْذَنْته أَنْ أَزُور قَبْرهَا فَأَذِنَ لِي ) فِيهِ جَوَاز زِيَارَة الْمُشْرِكِينَ فِي الْحَيَاة ، وَقُبُورهمْ بَعْد الْوَفَاة ؛ لِأَنَّهُ إِذَا جَازَتْ زِيَارَتهمْ بَعْد الْوَفَاة فَفِي الْحَيَاة أَوْلَى ، وَقَدْ قَالَ اللَّه- تعالى- :"وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا" وَفِيهِ : النَّهْي عَنْالِاسْتِغْفَار لِلْكُفَّارِ .
قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رَحِمَهُ اللَّه - : سَبَب زِيَارَته- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- َقَبْرهَا أَنَّهُ قَصَدَ قُوَّة الْمَوْعِظَة وَالذِّكْرَى بِمُشَاهَدَةِ قَبْرهَا ، وَيُؤَيِّدهُ قَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي آخِر الْحَدِيث : ( فَزُورُوا الْقُبُور فَإِنَّهَا تُذَكِّركُمْ الْمَوْت ) .
قَوْله : ( فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْله ) قَالَ الْقَاضِي : بُكَاؤُهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى مَا فَاتَهَا مِنْ إِدْرَاك أَيَّامه ، وَالْإِيمَان بِه ِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . أهـ
قد يقال : ما الحكمة من كون أم النبي ماتت على غير دين محمد- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؟
قلتُ : لعل ذلك أحفظ لدينِ اللهِ - تعالى- كي لا تُعبد أمُّه من دونِ اللهِ- تعالى- كما عُبِدت أمُّ المسيح من بعضِ طوائف المسيحية ، مثل: المريمية ، والنسطورية ، والملكانية....
فإن قيل: هناك حديث يثبت أن أم النبيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النار ،وذلك في مسند أحمد برقم3598 حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الْبُنَانِيُّ عَنْ عُثْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ ابْنَا مُلَيْكَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَا: إِنَّ أُمَّنَا كَانَتْ تُكْرِمُ الزَّوْجَ وَتَعْطِفُ عَلَى الْوَلَدِ قَالَ وَذَكَرَ الضَّيْفَ غَيْرَ أَنَّهَا كَانَتْ وَأَدَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ أُمُّكُمَا فِي النَّارِ فَأَدْبَرَا وَالشَّرُّ يُرَى فِي وُجُوهِهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُدَّا فَرَجَعَا وَالسُّرُورُ يُرَى فِي وُجُوهِهِمَا رَجِيَا أَنْ يَكُونَ قَدْ حَدَثَ شَيْءٌ فَقَالَ:أُمِّي مَعَ أُمِّكُمَا...
قلتُ :إن إسناده ضعيف لا يعتد به ، لضعف عثمان فقد ضعفه المحققون منهم:
1- الشيخ شعيب الأرنؤوط قائلاً: إسناده ضعيف.
2-الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة (ج24 /ص740) قال: منكر .
أخرجه الدارمي في "سننه"(2/325) ، والحاكم (2/364) ، والديلمي
في "مسند الفردوس" (1/81/2) من طريق الصَّعْق بْن حَزْنٍ عَنْ عَلِىِّ بْنِ الْحَكَمِ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
قِيلَ لَهُ : مَا الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ؟ قَالَ : ... فذكره . وقال الحاكم:
« صحيح الإسناد وعثمان بن عمير هو : أبو اليقظان » وتعقبه الذهبي بقوله:
" لا والله ! فعثمان ضعفه الدارقطني ، والباقون ثقات".
قلت وهو عند الدارقطني أسوأ مما حكاه عنه ، فقد قال البرقاني في "سؤالاته"
(ص 51): "سألته عن عثمان بن عمير أبي اليقظان ؟ فقال : كوفي متروك".
ولم يذكر الحافظ في "التهذيب" عن الدارقطني :"كوفي" ، وما أورده في
ترجمته من أقوال الأئمة فيه كلها مجمعة على تضعيفه . لكن روى ابن عدي في
"الكامل" (5/167) عن ابن معين قوله فيه :
"ليس به بأس" . وعن يحيى بن سعيد أنه سئل : "كيف حديثه؟" . فقال: "صالح"
وقد لخص الحافظ تلك الأقوال بقوله في "التقريب" : "ضعيف ، واختلط ، وكان يدلس ، ويغلو في التشيع".
3-جاء في كتاب جامع الأحاديث(ج6/ص 424) برقم 5465 أمي مع أمكما (أحمد ، والبزار ، والطبراني عن ابن مسعود قال جاء ابنا مليكة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالا: إن أمنا كانت تكرم الزوج وتعطف على الولد وتكرم الضيف غير أنها وأدت في الجاهلية قال إن أمكما في النار فأدبرا والسوء في وجهيهما فأمر بهما فرجعا والسرور يرى في وجهيهما رجاء أن يكون قد حدث شيء فذكره) [المناوي] أخرجه أحمد (1/398 ، رقم 3787) ، والبزار (4/339 ، رقم 1534) ، والطبرانى (10/80 ، رقم 10017) . وأخرجه أيضًا : الطبراني في الأوسط (3/82 ، رقم 2559) ، والحاكم (2/396 ، رقم 3385) . قال الهيثمي (10/362) : رواه أحمد ، والبزار ، والطبراني ، وفى أسانيدهم كلهم عثمان بن عمير ، وهو ضعيف .أهـ
إذًا من خلال ما سبق يتبين لنا: أنها ليست كافرةً مشركةً كما أدعوا بل كانت من أهل الفترة الذي يختبرون في الآخرة، ثم إن الآية نزلت في العام التاسع من هجرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ،وليس لها علاقة بمن كان قبل بعثة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ...و تتعلق بمنع المشركين من دخول المسجد الحرام...
ثالثًا: إن النجاسةَ الحقيقية التي تدور في أذهانهم؛ النجاسة الحسية هي التي كانت على مريم-أم الرب يسوع بحسب ايمانهم - وذلك لأن الكتاب المقدس يخبرنا أن المرأة التي تلد ذكرًا تصير نجسةً مدة أسبوع... وذلك في سفر ََالاَّوِيِّين َإصحاح 12 عدد 1وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 2«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً. 3وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ. 4ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا. 5وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا
ويبقى سؤال يطرح نفسه للمعترضين هو: هل مريم -أم الرب يسوع - بحسب معتقدهم كانت نجسة أسبوع لما ولدت يسوع ،أم أن يسوع كان سببًا في نجستها ...؟! لا تعليق !
والأعجب مما سبق أن سفر أللآوين يذكر مدى نجاسة المرأة ...ولا ننسى أن أم الرب يسوع بحسب إيمانهم امرأة (مريم) ...وذلك في سفر الآويِّين إصحاح 15 عدد 25«وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ. 26كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. 27وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. لا تعليق!
كتبه/ أكرم حسن مرسي
تعليق