تحرير الفكرة في حديث الفأرة
بقلم الأستاذ الدكتور كارم السيد غنيم
أستاذ في جامعة الأزهر ـ مصر
هذا حديث صحيح من الأحاديث التي ردها البعض وأنكرها، أو سخر منها بعض الجهلاء، أو استهجنها من لا علم له، إنه حديث صحيح أورده البخاري في جامعه الصحيح، والترمذي والنسائي في سننيهما، كما ورد في مسند أبي داود وفي موطأ مالك، بروايات متقاربة.
والحديث بلفظ أبي داود، كما أورده في كتابه الأطعمة (باب: في الفأرة تقع في السمن) ـ هو : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا وقعت الفأرة في السمن، فإن كان جامداً فألقوه وما حولها، وإن كان مائعاً فلا تقربوها).
ولقد ناقش د/عبد البديع زللي هذا الموضوع، وألقى بعض الضوء على وجه الإعجاز العلمي في هذا الحديث النبوي، في مقالة مطولة، نلخص ما توصل إليه في السطور القليلة القادمة.
بدايةً يقرر التاريخ أن الإنسان لم يعرف شيئاً عن وجود الميكروبات أو الكائنات الحية الدقيقة، عموماً، إلا فيما بعد عام 1857م .. ومنذ ذلك التاريخ والأبحاث تتوالى في جوانب مختلفة من هذا العالم الغامض المثير المدهش. واستطاع العلماء أن يهيئوا أوساطاً غذائية للكائنات الحية الدقيقة في المعامل والمختبرات من أجل دراسة هذه الكائنات وعزلها وتصنيفها وتحديد أنواعها.
ومن أشهر الأوساط الغذائية قسمان:
أوساط مائعة
وأوساط صلبة، وهذه الأخيرة هي كالأولى ولكن بعد مادة (آجار) التي تعمل على تصلب المائع(أو السائل) تصلباً بسيطاً وتجعله كالجيلى (الذي يسيل بالتسخين ويتصلب بالتبريد). تتكاثر البكتريا وتنمو بوفرة وتنتشر في جميع أجزاء الأوساط الغذائية السائلة، ولكنها تعجز عن الانتشار في الأوساط الغذائية الصلبة وتظل باقية محبوسة في المكان الذي وقعت فيه، ولا تنتشر في أرجاء هذا الوسط الغذائي الصلب.
وبالرغم من أن الإسلام حضَّ المسلم على حفظ صحته وحمايتها مما يضَّر بها، ومن هذه الأضرار ما تسببه الفئران من أخطار حتى كانت الفأرة من ضمن الفواسق التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلها في الحل والحرم، وقد وردت الأحاديث النبوية في هذا بصحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن النسائي وموطأ مالك وسنن الدارمي.. فإن الحديث النبوي الصحيح عنها إلا حديثاً، وهي أن البكتريا الممرضة الموجودة في جسم الفأرة يكون احتمال انتشارها إلى جميع أرجاء السمن وارداً عندما يكون السمن مائعاً، أي حينما يكون وسطاً غذائياً سائلاً.
ولذلك كان النهي عن الاقتراب من هذا السمن بأية طريقة:( فلا تقربوه)، لأن البكتريا التي أصابها السمن المائع بعد انتقالها إليه من جسم الفأرة، قد تكاثرت وتضاعفت أعدادها كثيراً، مما يجعل هذا السمن بؤرة فاسدة مكتظة بأعداد ضخمة من البكتريا الممرضة، ولذلك فإن إدخال اليد في السمن أو لمسه، يّعدُّ سبباً لنقل البكتريا الممرضة إلى جسم الإنسان، ولذلك جاء الهدي النبوي بالأمر بعدم الاقتراب من هذا السمن.
أما إذا كان السمن جامداً ووقعت فيه فأرة ثم تركته، أو حتى ماتت فيه، فإن البكتريا المنتقلة من الفأرة إلى السمن لا تلوث جميع أرجائه، بل الطبقة المحيطة بالفأرة، ولذلك جاء الحديث النبوي بإلقاء الفأرة وما حولها من طبقة السمن إلى خارج الإناء، وجواز استعمال بقية السمن..!!
هكذا يتضح بعض ما ينطوي عليه هذا الحديث النبوي الصحيح من إعجاز علمي، وإن كان يحتوي المزيد الذي يكشف عنه العلماء مع تطور علومهم وارتفاع معارفهم، وهكذا يظل الحديث النبوي، عموماً، كالآيات القرآنية، يتوالى عطاؤها العلمي على مرِّ الزمان، فإذا بالمنكر أو المتردد يرى سخف رأيه وضلاله في ردَّ الأحاديث النبوية التي عجز علقه عن فهمها فهماً سليماً.
منقوووول عن :
http://www.55a.net/firas/arabic/inde...ect_page=rodod
تعليق